أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 25-02-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



(كتاب الصيام 2 )

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث الثالث

171- عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تسحروا فإن في السحور بركة".

السحور بفتح السين: ما يتسحر به والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهي اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة.

والحديث دليل على استحباب السحور، ولأحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".

الحديث الرابع

172- عن أنس عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية.

قال البخاري: باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر[1].

وذكر الحديث ولفظه: تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلي الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية.

قال الحافظ: قوله: (باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر)، أي انتهاء السحور وابتداء الصلاة لأن المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه الأكل والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير)[2].

قوله: (قدر خمسين آية).

قال الحافظ: (أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة، قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلي التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلا قدر درجة أو ثلث خمس ساعة، وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود، قال ابن أبي جمرة: كان - صلى الله عليه وسلم - ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلي ترك الصبح أو يحتاج إلي المجاهدة بالسهر، وقال فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلي الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولاسيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان، قال وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل نحن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يشعر لفظ المعية بالتبعية)[3] انتهى والله أعلم.

الحديث الخامس

173- عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.

قال البخاري: باب الصائم يصبح جنبا. حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة أنه سمع أبا بكر بن عبدالرحمن قال: كنت أنا وأبي حين دخلنا على عائشة وأم سلمة (ح).

حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر ابن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه عبدالرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.

وقال مروان لعبد الرحمن: بن الحارث أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة ومروان يومئذ على المدينة فقال أبو بكر فكره ذلك عبدالرحمن ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبدالرحمن لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرا ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك فذكر قول عائشة وأم سلمة فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم.

وقال همام، وابن عبدالله بن عمر، عن أبي هريرة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالفطر والأول أسند[4].

قال الحافظ: قوله: باب الصائم يصبح جنبا، أي هل يصح صومه أو لا؟ وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع وفي كل ذلك خلاف للسلف والجمهور على الجواز مطلقا والله أعلم.

قوله: (كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم)، وفي رواية: كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام. وفي رواية: كان يدركه الفجر في رمضان جنبا من غير حلم، وللنسائي: قال مروان لعبد الرحمن بن الحارث اذهب إلي أم سلمة فسلها فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبا مني فيصوم ويأمرني بالصيام، قال القرطبي: في هذا فائدتان إحداهما أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانا للجواز والثاني أن ذلك كان من جماع لا من احتلام وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدا يفطر وإذا كان فاعل ذلك عمدا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى. انتهى.

ولمسلم عن عائشة أن رجلا جاء إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب فقال يا رسول الله تدركني الصلاة أي صلاة الصبح وأنا جنب أفأصوم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقى)[5].

قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم دخول العلماء على الأمراء ومذاكرتهم إياهم بالعلم وفيه فضيلة لمروان بن الحكم لما يدل عليه الحديث من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين، وفيه الاستثبات في النقل والرجوع في المعاني إلى الأعلم فإن الشيء إذا نوزع فيه رد إلى من عنده علمه، وترجيح مروي النساء فيما لهن عليه الاطلاع دون الرجال على مروي الرجال كعكسه، وأن المباشر للأمر أعلم به من المخبر عنه والائتساء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله ما لم يقم دليل الخصوصية وأن للمفضول إذا سمع من الأفضل خلاف ما عنده من العلم أن يبحث عنه حتى يقف على وجهه وأن الحجة عند الاختلاف في المصير إلى الكتاب والسنة، وفيه الحجة بخبر الواحد وأن المرأة فيه كالرجل وفيه فضيلة لأبي هريرة لاعترافه بالحق ورجوعه إليه، وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف، وفيه الأدب مع العلماء والمبادرة لامتثال أمر ذي الأمر إذا كان طاعة ولو كان فيه مشقة على المأمور، قال: وفيه حسن الأدب مع الأكابر وتقديم الاعتذار قبل تبليغ ما يظن المبلغ أن المبلغ يكرهه، وقال أيضا: في معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها)[6] انتهى والله أعلم.


[1] صحيح البخاري: (3/ 37).

[2] فتح الباري: (4/ 138).

[3] فتح الباري: (4/ 138).

[4] صحيح البخاري: (3/38).

[5] فتح الباري: (4/ 143).

[6] فتح الباري: (4/148).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 26-02-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك






( كتاب الصيام 3 )
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام



الحديث السادس
174- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نسي وهو صائم فكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه".

قال البخاري: باب الصائم إذا أكل، أو شرب ناسيا، وقال عطاء: إن استنثر فدخل الماء في حلقه لا بأس إن لم يملك، وقال الحسن إن دخل حلقه الذباب فلا شيء عليه، وقال الحسن ومجاهد إن جامع ناسيا فلا شيء عليه[1].

ثم ذكر الحديث ولفظه: إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه.

قال الحافظ: قوله: (باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا)، أي هل يجب عليه القضاء أو لا؟ وهي مسألة خلاف مشهورة، فذهب الجمهور إلي عدم الوجوب وعن مالك يبطل صومه ويجب عليه القضاء، قال عياض: هذا هو المشهور عنه، وهو قول شيخه ربيع وجميع أصحاب مالك لكن فرقوا بين الفرض والنفل، وقال الداودي: لعل مالكا لم يبلغه الحديث أو أوله على رفع الإثم).

قال الحافظ: (ومناسبة هذين الأثرين للترجمة من جهة أن المغلوب بدخول الماء حلقه أو الذباب لا اختيار له في ذلك كالناسي)[2].

قوله: (إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه).

وروي ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني عن أبي هريرة بلفظ: "من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة".

قال الحافظ: (فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء والكفارة - إلى أن قال - ثم هو موافق لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [البقرة: 225] فالنسيان ليس من كسب القلب وموافق للقياس في إبطال الصلاة بعمد الأكل لا بنسيانه فكذلك الصيام، قال: وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم وقد روى أحمد لهذا الحديث سببا فاخرج من طريق أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتي بقصعة من ثريد، فأكلت معه ثم تذكرت أنها كانت صائمة فقال لها ذو اليدين الآن بعد ما شبعت، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيرة، ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن إنسانا جاء إلي أبي هريرة فقال: أصبحت صائما فنسيت فطعمت، قال: لا بأس، قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت، قال: لا بأس الله أطعمك وسقاك، ثم قال: دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام)[3].

تتمة:
عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض" رواه الخمسة إلا النسائي، وعنه أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه. فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب. رواه أبو داود.

قال الشافعي: والذي أحفظ عن الصحابة والتابعين وعامة أهل العلم أنه لا يفطر أحد بالحجامة فإن توقى أحد الحجامة كان أحب إلي احتياطا.

قال في الاختيارات الفقهية[4]:
ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في احليله ومداواة المأمومة والجائفة وهو قول بعض أهل العلم، ويفطر بإخراج الدم بالحجامة وهو مذهب أحمد، وبالفصد والتشريط وهو وجه لنا، أو بإرعاف نفسه وهو قول الأوزاعي ويفطر الحاكم إن مص القارورة، ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس أو تكرار نظر وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا وأما إذا ذاق طعاماً ولفظه أو وضع في فيه عسلاً ومجه فلا بأس به للحاجة كالمضمضة والاستنشاق، والكذب والغيبة والنميمة إذا وجدت من الصائم فمذهب الأئمة أنه لا يفطر ومعناه أنه لا يعاقب على الفطر كما يعاقب من أكل أو شرب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ذكر "رب صائم حظه من الصوم الجوع والعطش" لما حصل من الإثم المقاوم للصوم وهذا أيضاً لا تنازع فيه بين الأئمة ومن قال: إنها تفطر بمعنى أنه لم يحصل مقصود الصوم، أو أنها قد تذهب بأجر الصوم فقوله يوافق قول الأئمة ومن قال: إنها تفطر بمعنى أنه يعاقب على ترك الصيام فهذا مخالف لقول الأئمة وإذا شتم الصائم استحب أن يجيب بقوله: إني صائم، وسواء كان الصوم فرضاً أو نفلا وهو أحد الوجوه في مذهب أحمد، وشم الروائح الطيبة لا بأس به للصائم.

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء" ما صححه الترمذي من حديث زيد بن خالد، والمراد بتفطيره أن يشبعه، ومن أكل في شهر رمضان معتقداً أنه ليل فبان نهاراً فلا قضاء عليه، وكذا من جامع جاهلاً بالوقت أو ناسياً وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وإذا أكره الرجل زوجته على الجماع في رمضان يحمل عنها ما يجب عليها، وهل تجب كفارة الجماع في رمضان لإفساد الصوم الصحيح أو لحرمة الزمان فيه قولان الصواب الثاني. انتهى والله أعلم.

[1] صحيح البخاري: (3/40).

[2] فتح الباري: (4/ 155).

[3] فتح الباري: (4/ 157).

[4] الاختيارات الفقهية: (1/459).













__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 26-02-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(كتاب الصيام 4)

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


الحديث السابع
175- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. فقال: "ما أهلكك؟" أو مالك؟ قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال: لا. قال: "فهل تستطع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال: لا. قال: فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -. فبينما نحن على ذلك إذ أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر والعرق: المكتل.. قال: "أين السائل؟" قال: أنا. قال: "خذ هذا فتصدق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لا بتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: " أطعمه أهلك".

الحرة: الأرض تركبها حجارة سود.

قوله: (بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. فقال: "ما أهلكك؟" أو مالك؟. قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان).

قال البخاري: باب إذا جامع في رمضان.

ويذكر عن أبي هريرة رفعه: من أفطر يوما من رمضان من غير عذر، ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه. وبه قال ابن مسعود.

وقال سعيد بن المسيب والشعبي، وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه[1].

وذكر حديث عائشة - رضي الله عنهما -، تقول إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إنه احترق، قال: مالك قال: أصبت أهلي في رمضان فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكتل يدعى العرق فقال أين المحترق قال أنا قال تصدق بهذا.

قال الحافظ: (قوله: باب إذا جامع في رمضان، أي عامدا عالما وجبت عليه الكفارة. ورواية الاحتراق تفسر رواية الهلاك وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الإثم يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - له هذا الوصف فقال أين المحترق إشارة إلي أنه لو أصر على ذلك، لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدا)[2].

وقال البخاري أيضا: باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر[3]. وذكر حديث أي هريرة.

قال الحافظ: (قوله: باب إذا جامع في رمضان، أي عامدا عالما ولم يكن له شيء يعتق أو يطعم ولا يستطيع الصيام فتصدق عليه أي بقدر ما يجزيه فليكفر أي به لأنه صار واجدا وفيه إشارة إلى أن الإعسار لا يسقط الكفارة عن الذمة.

قوله: (هلكت)، في رواية أن الآخر هلك والآخر هو الأبعد وقيل الغائب وقيل الأرذل، قال واستدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلي ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي، د إذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي وهو مشهور قول مالك والجمهور، وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناسي وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم وأيضا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد، واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعزر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية، وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلي هذه القصة وتوجيهه أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة والتعزير إنما جعل للاستصلاح، ولا استصلاح مع الصلاح، وأيضا فلو عوقب المستفتي لكان سببا لترك الاستفتاء وهي مفسدة فاقتضى ذلك أن لا يعاقب، هكذا قرره الشيخ تقي الدين، لكن وقع في شرح السنة للبغوي أن من جامع متعمدا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه وهو محمول على من لم وقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة)[4].

قوله: (مالك) وفي رواية: "ويحك ما شأنك".

قوله: (وقعت على امرأتي) وفي رواية: "أصبت أهلي" وفي حديث عائشة: "وطئت امرأتي".

قال الحافظ: (وقع في رواية مالك وابن جريج وغيرهما أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -... الحديث، واستدل به على إيجاب الكفارة على من أفسد صيامه مطلقا بأي شيء كان وهو قول المالكية، والجمهور حملوا قوله أفطر هنا على المقيد في الرواية الأخرى وهو قوله وقعت على أهلي وكأنه قال أفطر بجماع)[5].

قوله: (هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا). وفي رواية: بئسما صنعت أعتق رقبة، وفي حديث ابن عمر فقال: والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط.

قوله: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال: لا)، وفي رواية ابن إسحاق: وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام.

قوله: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا، قال: لا)، وفي حديث ابن عمر قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي.

قال الحافظ: (وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية وأما كونه شهرين فلأنة لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوما كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين ثم أن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم وحق الأحرار بالإطعام وحق الأرقاء بالإعتاق وحق الجاني بثواب الامتثال، وفيه دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافا لمن شذ قال وفي الحديث أيضا أن الكفارة بالخصال الثلاث على الترتيب المذكور)[6].

قوله: (فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وفي رواية: فمكث عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن عيينة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجلس فجلس.

قوله: (فبينا نحن على ذلك إذ أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر)، العرق بفتح الراء هو المكتل وبإسكانها العظم الذي عليه اللحم.

قال الحافظ: (قوله: "بينما" أصلها بين وقد ترد بغير ما فتشبع الفتحة ومن خاصة بينما أنها تتلقى بإذ وبإذا حيث تجيء للمفاجأة بخلاف بينا فلا تتلقى بواحدة منهما.

ووقع في رواية ابن إسحاق فجاء رجل بصدقته يحملها، قال الأخفش: سمي المكتل عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة فالعرق جمع فرقة كعلق وعلقة والعرقة الضفيرة من الخوص، وفي رواية فأتي بزبيل وهو المكتل.

قال الحافظ: والزبيل بفتح الزاي وتخفيف الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام بوزن رغيف هو المحتل، قال ابن دريد يسمى زبيلا لحمل الزبل فيه وفيه لغة أخرى زنبيل بكسر الزاي أوله وزيادة نون ساكنة وقد تدغم النون فتشدد الباء مع بقاء وزنه وجمعه على اللغات الثلاث زنابيل.

قوله: (قال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به).

قال الحافظ: ولم يعين في هذه الرواية مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة ووقع في رواية ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعا وفي رواية مؤمل عن سفيان فيه خمسة عشر أو نحو ذلك وفي رواية أطعم هذا عنك وفي رواية ابن إسحاق فتصدق به عن نفسك)[7].

قال الحافظ: (واستدل بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة هل تستطيع وهل تجد وغير ذلك وهو الأصح من قولي الشافعية وبه قال الأوزاعي، وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر: تجب الكفارة على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها.

وقال الموفق: ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه على روايتين وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان) انتهى.

قوله: (فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لا بتيها- يربد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي).

قال الحافظ: (أي أتصدق به على شخص أفقر مني، وهذا يشعر بأنه فهم الإذن له في التصدق على من يتصف بالفقر، وقد بين ابن عمر في حديثه ذلك فزاد فيه إلى من أدفعه، قال: إلى أفقر من تعلم. أخرجه البزار والطبراني في الأوسط.

قوله: (فو الله ما بين لا بتيها) تثنية لابة وهي الحرة والضمير للمدينة وفي حديث ابن عمر: ما بين حرتيها، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: ما لنا عشاء ليلة)[8].

قوله: (فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه).

قال الحافظ: (قيل: إن سبب ضحكه - صلى الله عليه وسلم - كان من تباين حال الرجل حيث جاء خائفا على نفسه راغبا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة، وقيل ضحك من حال الرجل في مقاطع كلامه وحسن تأتيه وتلطفه في الخطاب وحسن توسله في توصله إلي مقصوده)[9].

قوله: (ثم قال أطعمه أهلك)، وفي رواية: أطعمه عيالك، وفي رواية: فأنتم إذا، وعند ابن إسحاق: خذها وكلها وأنفقها على عيالك.

وقال البخاري: باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج[10]. وذكر الحديث.


[1] صحيح البخاري: (3/ 41).

[2] فتح البارز: (4/ 161).

[3] صحيح البخاري: (3/41).

[4] فتح الباري: (4/ 163).

[5] فتح الباري: (4/ 165).

[6] فتح الباري: (4/ 166).

[7] فتح الباري: (4/ 164).

[8] فتح الباري: (4/ 170، 171).

[9] فتح الباري: (4/ 171)

[10] صحيح البخاري: (3/42).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 02-03-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





كتاب الجنائز









الصلاة على قبر الميت




المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع








قوله: (ومن فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر إلى شهر من دفنه، ويصلى على غائب عن البلد بالنية إلى شهر، وكذا غريق وأسير ونحوهما)[1].







قال في "الإفصاح": "واختلفوا في الصلاة على الميت الغائب بالنية: فقال أبو حنيفة[2] ومالك[3]: لا تصح.







وقال الشافعي[4] وأحمد[5]: تصح"[6].







وقال في "الفروع": "فيصلي الإمام والآحاد - نص عليه - على الغائب عن البلد مسافة قصر ودونها في قبلته أو ورائه بالنية.







وعنه[7]: لا يجوز؛ وفاقاً لأبي حنيفة[8] ومالك[9].







وقيل: إن كان صلي عليه، واختاره شيخنا[10]"[11].







وقال ابن رشد: "واختلفوا في الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الجنازة:



فقال مالك[12]: لا يُصلى على القبر.







وقال أبو حنيفة[13]: لا يُصلي على القبر إلا الولي فقط إذا فاتته الصلاة على الجنازة، وكان الذي صلى عليها غيرُ وليها.







وقال الشافعي [14] وأحمد[15] وداود [16] وجماعة: يصلي على القبر من فاتته الصلاة على الجنازة.







واتفق القائلون بإجازة الصلاة على القبر أن من شرط ذلك حدوث الدفن، وهؤلاء اختلفوا في هذه المدة وأكثرها شهر.







وسبب اختلافهم: معارضة العمل للأثر:



أما مخالفة العمل فإن ابن القاسم قال: قلت لمالك: فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة؟ قال: قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل، والصلاة على القبر ثابتة باتفاق من أصحاب الحديث.







قال أحمد بن حنبل[17]: رُويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق ستة كلها حسان.







وزاد بعض المحدثين[18] ثلاثة طرق، فذلك تسع، وأما البخاري ومسلم فرويا ذلك من طريق أبي هريرة[19].







وأما مالك فخرجه مرسلاً عن أبي أمامة بن سهل[20]، وقد روى ابن وهب عن مالك مثل قول الشافعي.







وأما أبو حنيفة فإنه جرى في ذلك على عادته فيما أحسب، أعني: من رد أخبار الآحاد التي تعم بها البلوى إذا لم تنتشر [183ب] ولا انتشر العمل بها، وذلك أن عدم الانتشار إذا كان خبراً شأنه الانتشار قرينة توهن الخبر، وتخرجه عن غلبة الظن بصدقه إلى الشك فيه، أو إلى غلبة الظن بكذبه أو نسخه.







قال القاضي: وقد تكلمنا فيما سلف من كتابنا هذا في وجه الاستدلال بالعمل، وفي هذا النوع من الاستدلال الذي يسميه الحنفية: عموم البلوى، وقلنا: إنها من جنس واحد"[21].







وقال أيضاً: "وأكثر العلماء على أنه لا يُصلي إلا على الحاضر[22].







وقال بعضهم[23]: يُصلى على الغائب؛ لحديث النجاشي، والجمهور على أن ذلك خاص بالنجاشي وحده[24]، واختلفوا هل يُصلى على بعض الجسد؟








والجمهور على أنه يُصلى على أكثره؛ لتناول اسم الميت له[25]، ومن قال: إنه يصلى على أقله قال: لأن حرمة البعض كحرمة الكل، لاسيما إن كان ذلك البعض محل الحياة، وكان ممن يجيز الصلاة على الغائب"[26].







وقال البخاري: "باب: الصلاة على القبر بعد ما يدفن. وذكر حديث ابن عباس أنه مر - مع النبي صلى الله عليه وسلم - على قبر منبوذ، فأمهم، وصلوا خلفه[27].







وحديث أبي هريرة أن أسود - رجلاً أو امرأة - كان يقم المسجد فمات، ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم، فقال: (ما فعل ذلك الإنسان؟) قالوا: مات يا رسول الله. قال: (أفلا آذنتموني؟)، فقالوا: إنه كان كذا وكذا - قصته - قال: فحقروا شأنه. قال: (فدلوني على قبره) فأتى قبره فصلى عليه[28]".







قال الحافظ: "قوله: (باب: الصلاة على القبر بعد ما يدفن) وهذه أيضاً من المسائل المختلف فيها.







قال ابن المنذر: قال بمشروعيته الجمهور[29]، ومنعه النخعي ومالك[30] وأبو حنيفة[31].







وعنهم: إن دفن قبل أن يُصلى عليه شرع، وإلا فلا.







قوله: (فأتى قبره فصلى عليه) زاد ابن حبان في رواية حماد بن سلمة، عن ثابت: ثم قال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي)[32].







وأشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم [184أ].







ثم ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصة، وفيها: ثم أتى القبر، فصففنا خلفه، وكبر عليه أربعاً[33].







قال ابن حبان: في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه.







وتُعقب: بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للأصالة، واستدل بخبر الباب على رد التفصيل بين من صُلي عليه فلا يُصلى عليه بأن القصة وردت في من صُلي عليه.







وأُجيب: بأن الخصوصية تنسحب على ذلك[34].







واختلف من قال بشرع الصلاة لمن لم يُصل، فقيل: يؤخر دفنه؛ ليصلي عليها من كان لم يُصل.







وقيل: يبادر بدفنها، ويصلي الذي فاتته على القبر.







وكذا اختلف في أمد ذلك:



فعند بعضهم إلى شهر.







وقيل: ما لم يبل الجسد.







وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته، وهو الراجح عند الشافعية[35].







وقيل: يجوز أبداً"[36].







وقال البخاري أيضاً: "باب: الصفوف على الجنازة. وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه النجاشي، ثم تقدم فصفوا خلفه، فكبر أربعاً[37].







وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر منبوذ، فصفهم، وكبر أربعاً[38].








وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلم فصلوا عليه) قال: فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن صفوف. قال أبو الزبير عن جابر: كنت في الصف الثاني[39]".







قال الحافظ: "وفي قصة النجاشي علم من أعم النبوة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة... إلى أن قال: واستدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي[40] وأحمد[41] وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم[42]: لم يأت عن أحد من الصحابة منعهُ.







قال الشافعي[43]: الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففاً يصلى عليه، فكيف لا يُدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يُدعى له به وهو ملفف.







وعن الحنفية[44] والمالكية[45]: لا يشرع ذلك [184ب].







وعن بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه، لا ما إذا طالت المدة. حكاه ابن عبد البر[46].
وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، فلو كان بلد الميت مستدبر القبلة مثلاً لم يجز[47].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #105  
قديم 02-03-2020, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





كتاب الجنائز




قال المحب الطبري: لم أر ذلك لغيره، وحجته حجة الذي قبله الجمود على قصة النجاشي، وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور منها:



أنه كان بأرض لم يُصل عليه بها أحد؛ فتعينت عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي: لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه، واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في "السنن": (الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر)[48].







وهذا محتمل؛ إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد.







ومن ذلك قول بعضهم: كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه؛ فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه، ولم يره المأمومون، ولا خف في جوازها.







قال ابن دقيق العيد: هذا يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال.







وتعقبه بعض الحنفية[49]: بأن الاحتمال كافٍ في مثل هذا من جهة المانع.







وكأن مستند قائل ذلك ما ذكره الواقدي[50] في "أسبابه" بغير إسناد عن ابن عباس قال: كُشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه، ولابن حبان من حديث عمران بن حصين: فقام وصفوا خلفه، وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه. أخرجه من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب عنه[51].







ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره، عن يحيى: فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا.







ومن الاعتذارات أيضاً: أن ذلك خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت [185أ] غائب غيره.







قال المُهلب: وكأنه لم يثبت عنده قصة معاوية الليثي. وقد ذكرتُ في ترجمته في "الصحابة" أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه[52].







واستند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلماً، أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته.







قال النووي: لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله.







وقال ابن العربي المالكي: قال المالكية[53]: ليس ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.







قلنا: وما عمل به محمد صلى الله عليه وسلم تعمل به أُمتهُ، يعني: لأن الأصل عدم الخصوصية. قالوا: طُويت له الأرض، وأُحضرت الجنازة بين يديه. قلنا: إن ربنا عليه لقادر، وإن نبينا لأهل لذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم، ولا تخترعوا حديثاً من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات، ودعوا الضعاف، فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف[54].







وقال الكرماني: قولهم (رُفع الحجاب عنه) ممنوع، ولئن سلمنا، فكان غائباً عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم.







قال الحافظ: وسبق إلى ذلك الشيخ أبو حامد في "تعليقه"، ويؤيده حديث مجمع بن جارية في قصة الصلاة على النجاشي قال: فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئاً. أخرجه الطبراني، وأصلُهُ في ابن ماجه[55].







لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلي عليه الإمام، وهو يراه، ولا يراه المأمومون، فإنه جائز اتفاقاً"[56].







وقال في "الاختيارات": "ولا يُصلى على الغائب عن البلد إن كان صلي عليه، وهو وجه في المذهب[57]... إلى أن قال: ولا يُصلى كل يوم على غائب؛ لأنه لم يُنقل، يؤيده قول الإمام أحمد[58]: إذا مات رجل صالح صلي عليه"[59] انتهى.







قلت: لم يُنقل أن الناس الغائبين صلوا صلاة الميت على النبي صلى الله عليه وسلم في بلدانهم، ولا على أحدٍ من الخلفاء الراشدين، ولا على أحد من العلماء الصالحين على عهد الصحابة رضي الله عنهم [185ب].









[1] الروض المربع ص149.




[2] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/221.




[3] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/427.




[4] تحفة المحتاج 3/133، ونهاية المحتاج 2/485.




[5] كشاف القناع 4/154، وشرح منتهى الإرادات 2/117.




[6] الإفصاح 2/280.




[7] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6/182.




[8] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/221.




[9] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/427.




[10] أي: شيخ الإسلام ابن تيمية.




[11] الفروع 2/251.




[12] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/427.




[13] فتح القدير 1/ 458 - 459، وحاشية ابن عابدين 2/237.




[14] تحفة المحتاج 3/150، ونهاية المحتاج 2/486.




[15] كشاف القناع 4/ 151 - 152، وشرح منتهى الإرادات 2/121.




[16] المحلى 5/140.




[17] شرح منتهى الإرادات 2/121، وكشاف القناع 4/152.




[18] التمهيد 6/261.




[19] البخاري 460، ومسلم 956.




[20] الموطأ 1/227 533.




[21] بداية المجتهد 1/220 - 221.




[22] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/222. والشرح الصغير 1/202 - 203، وحاشية الدسوقي 1/427.




[23] تحفة المحتاج 3/149 - 150، ونهاية المحتاج 2/485. وشرح منتهى الإرادات 2/117 - 118، وكشاف القناع 4/154 - 155.




[24] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/222. والشرح الصغير 1/202 - 203، وحاشية الدسوقي 1/427.




[25] فتح القدير 1/452. وحاشية ابن عابدين 2/211. والشرح الصغير 1/203. وتحفة المحتاج 3/160 - 161، ونهاية المحتاج 2/493 - 494. وشرح منتهى الإرادات 2/121 - 122، وكشاف القناع 4/161 - 162.




[26] بداية المجتهد 1/224.




[27] البخاري 1336. وأخرجه أيضاً مسلم 954.




[28] البخاري 1321. وأخرجه أيضاً مسلم 954.




[29] تحفة المحتاج 3/150، ونهاية المحتاج 2/486. وشرح منتهى الإرادات 2/121، وكشاف القناع 4/151 - 152.




[30] الشرح الصغير 1/203، وحاشية الدسوقي 1/427.




[31] فتح القدير 1/458 - 459، وحاشية ابن عابدين 2/237.




[32] ابن حبان 7/355 - 356 3086.




[33] تقدم تخريجه 2/358.




[34] ابن حبان 7/357.




[35] تحفة المحتاج 3/151، ونهاية المحتاج 2/486 - 487.




[36] فتح الباري 3/205.




[37] البخاري 1318. وأخرجه أيضاً مسلم 951.




[38] تقدم تخريجه 2/358.




[39] البخاري 1320. وأخرجه أيضاً مسلم 952.




[40] تحفة المحتاج 3/133، ونهاية المحتاج 2/485.




[41] كشاف القناع 4/154، وشرح منتهى الإرادات 2/117.




[42] المحلى 3/399 610.




[43] الأم 7/222.




[44] فتح القدير 1/456، وحاشية ابن عابدين 2/221.




[45] الشرح الصغير 1/202، وحاشية الدسوقي 1/427.




[46] الاستذكار 8/233 11213.




[47] صحيح ابن حبان 7/367.




[48] سنن أبي داود 4/57 3196، تحقيق: محمد عوامة، ووقعت هذه الترجمة في بقية نُسخ السنن بلفظ مختلف، وهو: "باب: الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك".




[49] انظر: فتح القدير 1/546، وحاشية ابن عابدين 2/221.




[50] كذا في الأصل والفتح وهو خطأ، وصوابه: "الواحدي"، وهو في كتابه أسباب النزول ص145.




[51] ابن حبان 7/369 3102.




[52] الإصابة 6/159 - 160.




[53] الشرح الصغير 1/203، وحاشية الدسوقي 1/427.




[54] عارضة الأحوذي 4/259 - 260.




[55] الطبراني 5/218 5142، وابن ماجه 1536، من طريق معاوية بن هشام، حدثنا سفيان، عن حمران بن أعين، عن أبي الطفيل، عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه.


ولكن ليس فيه: "وما نرى شيئاً".

قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.




[56] فتح الباري 3/188 - 189.




[57] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6/182.




[58] الفروع 2/251.




[59] الاختيارات الفقهية ص87.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #106  
قديم 02-03-2020, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث

"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر

أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم"


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو مَحرم).

قوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر): خص المؤمنة بالذكر؛ لأن صاحب الإيمان هو الذي ينتفع بخطاب الشارع، وينقاد له.

قوله: (مسيرة يوم وليلة)، وفي حديث ابن عمر: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)، وفي حديث أبي سعيد: (لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم)، وفي حديث ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: (اخرُج معها).

قال الحافظ: وقد عمِل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات.
وقال ابن المنير: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين، ويُحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها، فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك، وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد، فعلى هذا يتناول السفر طويل السير وقصيره، ولا يتوقف امتناع سير المرأة على مسافة القصر[1].

قوله: (إلا ومعها ذو محرم)؛ أي: زوجها، أو مَن تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مباح.

قال الحافظ: (واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج.

قال أبو الطيب الطبري: الشرائط التي يجب بها الحج على الرجل، يجب بها على المرأة، فإذا أرادت أن تؤديه، فلا يجوز لها إلا مع محرم أو زوج، أو نسوة ثِقات.

قال الحافظ: ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذا أُمِن الطريق - أن عمر رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجَّها، فبعث معهنَّ عثمان وعبدالرحمن بن عوف.

قال الحافظ: لاتفاق عمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهنَّ في ذلك، ومَن أَبَى ذلك من أمهات المؤمنين، فإنما أباه من جهة خاصة كما تقدم، لا من جهة توقُّف السفر على المحرم؛ قال: من المستظرف أن المشهور مِن مذهب مَن لم يشترط المحرم أن الحج على التراخي، ومن مذهب من يشترطه أنه حج على الفور، وكان المناسب لهذا قول هذا، وبالعكس.

قوله: "ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"، فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع، لكن اختلفوا: هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات، والصحيح الجواز، لضَعف التهمة به، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا[2].

قال ابن تيمية: (وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم، بل عليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك، حتى إن كثيرًا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج، قال: وتحج كل امرأة آمنةٍ مع عدم مَحرم.

قال أبو العباس: وهذا متوجِّه في سفر كل طاعة، وأما إماء المرأة يسافرن معها، ولا يفتقرن إلى محرم؛ لأنه لا محرم لهنَّ في العادة الغالبة، فأما عتقاؤها من الإماء، فقد بيَّض لذلك أبو العباس، قال بعض المتأخرين: يتوجه احتمال أنهنَّ كالإماء على ما قال؛ إذ لم يكن لهن محرم، واحتمال عكسه لانقطاع التبعية وملك أنفسهنَّ بالعتق بخلاف الإماء، وصحح أبو العباس في "الفتاوى المصرية": أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع زوج أو ذي محرم، والمحرم زوج المرأة، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ، ولو كان النسب وطء شبهةٍ، ولا زنًا، وهو قول أكثر العلماء، واختاره ابن عقيل، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في التحريم لا المحرمية اتفاقًا، والله أعلم[3].


[1] فتح الباري: (4/ 75)

[2] فتح الباري: (2/ 568).

[3] الاختيارات الفقهية: (1/ 465).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #107  
قديم 02-03-2020, 03:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين


عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل".
قال البخاري: باب ما لا يلبس المحرم من الثياب[1] وذكر حديث ابن عمر.
قال الحافظ: (المراد بالمحرم من أحرم بحج أو عمرة أو قرن، قال: والذي يظهر أن الإحرام مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك.
قوله: (أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟) وفي رواية: ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام، وعند البيهقي: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان وأشار نافع إلى مقدم المسجد.

قوله: (لا يلبس القمص...) إلى آخره.
قال الحافظ: قال النووي، قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وأجزله. لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر، فقال: لا يلبس كذا. أي: ويلبس ما سواه انتهى. وقال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر وأحصر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه إذ الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا يشبه أسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى: ï´؟ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ ï´¾ [البقرة: 215] ï´؟ فللوالدين ï´¾ الآية فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى ذكر المنفق عليه لأنه أهم، وقال ابن دقيق العيد: يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة) انتهى.

قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس، ويؤيده قوله في آخر حديث الليث: لا تنتقب المرأة)[2].
قوله: (قال صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس القمص") إلى أخره.
قال الحافظ: (وقوله لا تلبس بالرفع على الخبر وهو في معنى النهي وروى بالجزم على أنه نهي، قال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على كل ما يغص الرأس به مخيطا أو غيره وبالخفاف على كل ما يستر الرجل.

قال الحافظ: والمراد بتحريم المخيط ما يلبس على الموضع الذي جعل له ولو في بعض البدن فأما لو ارتدى القميص مثلا فلا بأس، وقال الخطابي: ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال: ومن النادر المكتل يحمله على رأسه.

قال الحافظ: إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا وكذا ستر الرأس باليد، والبرانس جمع برنس هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو غيره، وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام.

قال الحافظ: زاد الثوري في روايته عن أيوب عن نافع في هذا الحديث ولا القباء أخرجه عبد الرزاق عنه والقباء بالقاف والموحدة معروف ويطلق على كل ثوب مفرج)[3].

قوله: (إلا من لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما من أسفل الكعبين) وفي رواية: "وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين".

قال الحافظ: واستدل بقوله فإن لم يجد على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور، قال: والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن إن وجد من يبيعه أو الأجرة.

قوله: (وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وفي رواية: حتى يكونا تحت الكعبين.
قال الحافظ: والمراد كشف الكعبين في الإحرام وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه، قال: وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين، قال: واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن يقول بها هنا وأجاب الحنابلة بأشياء منها دعوى النسخ في حديث ابن عمر، وأجاب الشافعي فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شك أو قالها فلم يقلها عنه بعض رواته)[4].

قال الحافظ: (ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس، لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أصح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم، بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيلي إنه شيخ بصري لا يعرف كذا، قال وهو معروف موصوف بالفقه عند الأئمة، واستدل بعضهم بالقياس على السراويل، وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار، واحتج بعضهم بقول عطاء أن القطع فساد والله لا يحب الفساد، وأجيب بأن الفساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه)[5] انتهى.

وقال الموفق: حديث ابن عمر متضمن لزيادة على حديث ابن عباس والزيادة من الثقة مقبولة، والأولى قطعهما. عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط[6].

قال الحافظ: (قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع، وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه، فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات.

قوله: (ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس).
قال الحافظ: نبت أصفر طيب الريح يصبغ به، قال ابن العربي: ليس الورس بطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب. انتهى.
قال مالك في "الموطأ": إنما يكره لبس المصبغات. لأنها تنفض.

وقال الشافعية: إذا صار الثوب بحيث لو أصابه الماء لم تفح له رائحة لم يمنع.
قال الحافظ: والحجة فيه حديث ابن عباس بلفظ: "ولم ينه عن شيء من الثياب إلا المزعفرة التي تردع الجلد" رواه البخاري. وأما المغسول فقال الجمهور: إذا ذهبت الرائحة جاز)[7].

وقال البخاري: باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة، ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن.
وقال عطاء: يتختم ويلبس الهميان، وطاف ابن عمر رضي الله عنهما وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب، ولم تر عائشة رضي الله عنهما بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها، ثم ذكر حديث عائشة: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت".

قال الحافظ: واختلف في الريحان. فقال إسحاق: يباح، وتوقف أحمد، وقال الشافعي: يحرم، وكرهه مالك والحنفية.
ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا.
قال: و(الهميان) يشبه تكة السراويل، يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط، قال ابن عبد البر: أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض.

قال الحافظ: والتبان: سراويل قصيرة بغير أكمام، وكأنه هذا رأي رأته عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم[8].

وقال البخاري: باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب.
قال أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه، أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه، قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر رضي الله عنه، إلى يعلى فجاء يعلى، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد الوجه وهو يغط ثم سري عنه، فقال: "أين الذي سأل، عن العمرة" فأتي برجل فقال: "اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك" قلت لعطاء أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات قال: نعم[9].

قال الحافظ: (واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن، وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة، وهي في سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامه، وكان ذلك في حجة الوداع سنة عثر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبان المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا، محرما أو غير محرم.

قال: واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية: يجب مطلقا وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي[10] انتهى.

قال الموفق: وإن طيب ثوبه فله استدامة لبسه مالم ينزعه، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه، فإن لبسه افتدى. لأن الإحرام يمنع ابتداء الطيب ولبس المطيب دون الاستدامة وكذلك إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع آخر افتدى. لأنه تطيب في إحرامه، وكذا إن تعمد مسه بيده أو نحاه من موضعه ثم رده إليه فأما إن عرق الطيب، أو ذاب بالشمس، فسال من موضعه إلى موضع آخر، فلا شيء عليه. لأنه ليس من فعله فجرى مجرى الناسي[11].

قلت: وما ذكره العلماء رحمهم الله تعالى من تعمد مس الطيب الذي ببدنه وهو محرم لا يحترز منه كثير من الناس، وقد لا يتطيب بعض الجهلة حتى يحرم، فإذا كان المقصود من ترك الطيب للمحرم عدم الترفه فالأولى عندي ترك استدامته كما قال مالك خصوصا لراكبي السيارات، فإنهم يقطعون الطريق في مسافة قليلة، والطيب عند الإحرام إنما يقصد به دفع الرائحة الكريهة بعد ذلك، والله أعلم.

وقد روى ابن ماجه في "سننه" والبغوي في "شرح السنة" عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الحاج؟ قال: "الشعث التفل".

وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم" الحديث رواه في "شرح السنة".

قوله: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، والقفازان: تثنيه قفاز. شيء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها، إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال ولا تخمره، إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت: "كنا نخفر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبى بكر" تعني: جدتها.

قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلا، كما جاء عن عائشة قالت: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه"[12] انتهى.

وقال البخاري: ولبست عائشة رضي الله عنها، الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت لا تلثم، ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس، ولا زعفران، وقال جابر: لا أرى المعصفر طيبا ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة. وقال إبراهيم: لا بأس أن يبدل ثيابه[13] انتهى.

عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في الإحرام عن القفاز والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب. رواه أحمد وأبو داود، وزاد: "ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا، أو خزا، أو حليا، أو سراويل، أو قميصا".

قال الحافظ: وأجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم، وعن أبي حنيفة العصفر طيب وفيه الفدية[14] انتهى.
قال ابن تيمية: ويجوز للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها بملاصق خلا النقاب والبرقع ويجوز عقد الرداء في الإحرام ولا فدية عليه فيه، ويجوز للمحرم لبس مقطوع الكعبين مع وجود النعل واختاره ابن عقيل في "المفردات" وأبو البركات[15].

قال ابن دقيق العيد: نهي المرأة عن التنقب والقفازين يدل على أن حكم إحرام المرأة يتعلق بوجهها وكفيها والسر في ذلك وفي تحريم المخيط وغيره مما ذكر- والله أعلم - مخالفة العادة والخروج عن المألوف لإشعار النفس بأمرين.
أحدهما: الخروج عن الدنيا والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط.
والثاني: تنبيه النفس على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها والمحافظة على قوانينها وأركانها وشروطها وآدابها والله أعلم[16].

تتمة:
عن جابر رضي الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. رواه أحمد وابن ماجه.
قال الشوكاني: (أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعاً عند الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب)[17] انتهى وأعلم.

[1] صحيح البخاري: (2/ 168).

[2] فتح الباري: (3/ 401، 402).

[3] فتح الباري: (3/ 404).

[4] فتح الباري: (3/ 403).

[5] فتح الباري: (3/ 402).

[6] المغني: (6/ 427).

[7] فتح الباري: (3/ 404).

[8] فتح الباري: (3/ 397).

[9] صحيح البخاري: (2/ 167).

[10] فتح الباري: (3/ 395).

[11] المغني: (6/ 373).

[12] فتح الباري: (3/ 406).

[13] صحيح البخاري: (2/ 169).

[14] فتح الباري: (3/ 405).

[15] الاختيارات الفقهية: (1/ 466).

[16] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1/ 301).

[17] نيل الأوطار: (5/ 17).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #108  
قديم 02-03-2020, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة


أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر


عن عائشة رضي الله عنهما أن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ (وكان كثير الصيام). قال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".

♦ قال البخاري: باب الصوم في السفر والإفطار[1].
وذكر حديث ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقال لرجل: "انزل فاجدح لي" قال: يا رسول الله، الشمس، قال: "انزل فاجدح لي" قال: يا رسول الله، الشمس، قال: "انزل فاجدح لي" فنزل فجدح له فشرب، ثم رمى بيده هاهنا ثم قال: "إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم". ثم ذكر حديث عائشة.

قال الحافظ:
(قوله باب الصوم في السفر والإفطار)، أي إباحة ذلك وتخيير المكلف فيه سواء كان رمضان أو غيره).
♦ قوله: (أأصوم في السفر)، وفي رواية: أسرد الصوم أي أتابعه.
♦ قال الحافظ: استدل به على أن لا كراهية في صيام الدهر ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر.

♦ قوله: (وكان كثير الصيام)، وعند مسلم أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:"هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه".

♦ قال الحافظ: وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعنى رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً علي، فقال: "أي ذلك شئت يا حمزة"[2].


[1] صحيح البخاري: (3 /43).

[2] فتح الباري: (4/ 179، 180).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #109  
قديم 02-03-2020, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





حديث: فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم












عن أنس رضي الله عنه قال: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.







قال البخاري: باب لم يعب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار[1].



قال الحافظ: أي في الأسفار.







قوله: (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وعند مسلم عن حميد قال: خرجت فصمت فقالوا لي أعد. قال: فقلت إنّ أنَساً أخبرني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كانوا يسافرون فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة رضي الله عنها.







قوله: (فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنه من وجد قوة فصام، فحسن، ومن وجد ضعفاً فأفطرَ، فحسن.




قال الحافظ: (وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع للنزاع)[2].






[1] صحيح البخاري: (3/ 44).

[2] فتح الباري: (4/ 186).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #110  
قديم 02-03-2020, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة

أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام

الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




حديث








خرجنا مع رسول الله في شهر رمضان في حر شديد







عن أبي الدرداء - رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حر شديد، حتى إذا كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة.







قال البخاري: باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر [1].



وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس.







قال أبو عبد الله: والكديد ماء بين عسفان وقديد. ثم قال: باب، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن إسماعيل بن عبيد الله حدثه عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه – قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم- وابن رواحة.








قال الحافظ: (قوله: باب كذا للأكثر بغير ترجمة، وسقط من رواية النفسي وعلى الحالين لا بد أن يكون لحديث أبي الدرداء المذكور فيه تعلق بالترجمة ووجهه ما وقع من إفطار أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- في رمضان في السفر بمحضر منه ولم ينكر عليهم فدل على الجواز وعلى رد قول من قال من سافر في شهر رمضان أمتنع عليه الفطر.







قوله: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حر شديد)، وفي رواية: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره في يوم حار، وهذه السفرة غير غزوة الفتح لأن ابن رواحة استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح.







قال الحافظ: (وفي الحديث دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقة شديدة)[2].







تتمة:



عن أبي سعيد قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على نهر من السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة ونبي الله على بغلة له، فقال: اشربوا أيها الناس، قال: فأبوا قال: "إني لست مثلكم إني أيسركم إني راكب" فأبوا، قال: فثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فخذه فنزل فشرب وشرب الناس وما كان يريد أن يشرب.







وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله؟ عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك في نحر الظهيرة قال: فعطش الناس، فجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه، قال: فدعا رسول الله؟ بقدح فيه ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس، ثم شرب فشرب الناس. رواهما أحمد.







ولمسلم من حديث جابر فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعي بقدح من ماء بعد العصر.







قال الحافظ: (واستدل به على أن للمسافر أن يفطر في أثناء النهار ولو استهل رمضان في الحضر، والحديث نص في الجواز إذ لا خلاف أنه -صلى الله عليه وسلم- استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه) [3] انتهى والله أعلم.







[1] صحيح البخاري: (3/ 43).



[2] فتح الباري: (4/ 182).



[3] فتح الباري: (4/ 181).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 204.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 198.08 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]