عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الاستعاذة بالله من الشيطان عند الفزع من النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فضل صيام يوم عرفة وعاشوراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حكم تقديم السعي على الطواف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فضل أشهر الحج وعشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الهدي والأضحية والعقيقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 11 )           »          الحكيم الخبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فوائد من قصة أبي لهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          خير الدعاء دعاء يوم عرفة - دراسة حديثية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          سفر المرأة مع زوج ابنتها للحج والعمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          تنبيه المصلي ممن هو خارج الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-07-2023, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,447
الدولة : Egypt
افتراضي عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام-

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (1)



كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد كان نبي الله أيوب -عليه السلام- نبيًّا من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ... ) (الأنعام: 84): "الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح -عليهما السلام-" (البداية والنهاية).
- وقصته -عليه السلام- لم يصح فيها إلا ما أخبرنا الله به في موضعين من كتابه، وما أخبرنا به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في حديثين ثابتين عنه.
أما القرآن الكريم: فقوله -تعالى- في سورة الأنبياء: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83-84)، وقوله -تعالى- في سورة ص: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 41-44). ونُصْب: أي: تعب في بدني. وعذاب: أي: في مالي وولدي. اركض: أي: ادفع الأرض برجلك. رحمة منا: أي: على صبره وثباته، وإنابته، وتواضعه واستكانته. وذكرى لأولي الألباب: أي: لذوي العقول؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج. ضغثًا: أي: شمراخًا فيه مائة قضيب. أواب: أي: رجاع مطيع.
وأما الحديثان: فحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (بيْنَما أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيانًا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرادٍ مِن ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي في ثَوْبِهِ، فَنادَى رَبُّهُ: يا أيُّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قالَ: بَلَى، يا رَبِّ، ولَكِنْ لا غِنَى بي عن بَرَكَتِكَ) (رواه البخاري)، وفِي رِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ: "فَقَالَ: وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ أَوْ قَالَ مِنْ فَضْلِكَ".
خَرَّ عَلَيْهِ: أَيْ: سَقَطَ عَلَيْهِ. رِجْلُ جَرَادٍ: أَيْ جَمَاعَةُ جَرَادٍ. يَحْثِي : أَيْ: يَأْخُذُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا.
وحديث أنس -رضي الله عنه-، قال ابن حجر- رحمه الله-: "وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي قصَّته: مَا أخرجه ابن أبي حَاتِم وابن جريج، وَصَححهُ ابن حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَيُّوبَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ابْتُلِيَ فَلَبِثَ فِي بَلَائِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَكَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ؛ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا عَظِيمًا وَإِلَّا لَكُشِفَ عَنْهُ هَذَا الْبَلَاءُ. فَذَكَرَهُ الْآخَرُ لِأَيُّوبَ يَعْنِي؛ فَحَزِنَ وَدَعَا اللَّهَ حِينَئِذٍ، فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، وَأَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ؛ فَلَمَّا فَرَغَ أَبْطَأَتْ عَلَيْهِ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ "أَنِ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ"، فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا فَرَجَعَ صَحِيحًا، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَعْرِفْهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ أَيُّوبَ، فَقَالَ: إِنِّي أَنَا هُو،َ وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَحَدُهُمَا: لِلْقَمْحِ، وَالْآخَرُ: لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُ سَحَابَةً فَأَفْرَغَتْ فِي أَنْدَرِ الْقَمْحِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَفِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْفضة حَتَّى فاض".
الأندر: البيدر الذي يجمع فيه المحصول.
وروى ابن أبي حَاتِم نَحوه من حَدِيث ابن عَبَّاسٍ وَفِيهِ: "فَكَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةً مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَعْرِفْهُ؛ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَلْ أَبْصَرْتَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هُنَا فَلَعَلَّ الذِّئَابَ ذَهَبَتْ بِهِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكِ أَنا هُو!".
وروى ابن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي آخِرِهِ قَالَ: "فَسَجَدَ، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي؛ فَكَشَفَ عَنْهُ" (انتهى من فتح الباري لابن حجر).
ورواية ابن حبان: (إِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَبِثَ فِي بَلَائِهِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَاّ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ وَاللهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَان عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللهُ، فَيَكْشِفَ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَ إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللهَ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إِلَاّ فِي حَقٍّ قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)، فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَبَلَغَتْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ فَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارِكَ اللهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللهِ هَذَا الْمُبْتَلَى، وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرُ الْقَمْحِ، وَأَنْدَرُ الشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَتْ، وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَتْ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وَعَنِ الضَّحَّاك عَن ابن عَبَّاسٍ: "رَدَّ اللَّهُ عَلَى امْرَأَتِهِ شَبَابَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَلَدًا ذَكَرًا".
"وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ بَلَائِهِ: فَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: ثَلَاثُ سِنِينَ، وَهَذَا قَوْلُ وَهْبٍ. وَقِيلَ: سَبْعُ سِنِينَ، وَهُوَ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ لَهُ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِيُعَافِيَكَ؟! فَقَالَ: قَدْ عِشْتُ صَحِيحًا سَبْعِينَ سَنَةً؛ أَفَلَا أَصْبِرُ سَبْعَ سِنِينَ؟!
وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَبِثَ فِي بَلَائِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ كَانَتْ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً؛ فَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عَاشَ بَعْدَ أَنْ عُوفِيَ عَشْرَ سِنِينَ. وَاللَّهُ أعلم" (فتح الباري).
يتبع -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-07-2023, 05:19 PM
سعيد رشيد سعيد رشيد غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
مكان الإقامة: الجزائر
الجنس :
المشاركات: 385
الدولة : Algeria
افتراضي رد: عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام-

من المتابعين بإذن الله تعالى
جزاك الله خيرا ونفع بك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-07-2023, 10:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,447
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام-

جزاكم الله خيرا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-08-2023, 02:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,447
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام-

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (2)



كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل حديثنا عن قصة نبي الله أيوب -عليه السلام-.

والذي يظهر من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة: أن أيوب -عليه السلام- كان في نعمة من الله -تعالى- واسعة؛ ثم ابتلاه الله -عز وجل- بتسليط الشيطان على بدنه بنصبٍ وعذابٍ؛ بمرض في بدنه، وفقدٍ لماله وولده، وأنه استمر به البلاء ثلاث عشرة سنة، وفي رواية ابن حبان، "ثماني عشرة سنة"، وأنه صبر على ذلك صبرًا عظيمًا؛ لأن الله -تعالى- مدح صدقه في الصبر بقوله -تعالى-: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 44)، أي: رَجَّاع إلى ربِّه، كثير التوبة والأوبة.

وأنه دعا ربه -تعالى- لما قال له صاحبه: "إنه لم يرحمه ربه من هذا البلاء إلا لذنب، ما أذنبه أحدٌ من العالمين"، خشية إساءة الظن به؛ فقام يشكو لربِّ العالمين، كما في رواية: "فَحَزِنَ وَدَعَا اللَّهَ حِينَئِذٍ"، وفي رواية: "فَسَجَدَ، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي؛ فَكَشَفَ عَنْهُ".

قال -تعالى- عنه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء:83)، وفي سورة (ص) نَسَب ما أصابه للشيطان أدبًا منه مع الله -تعالى- كما في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والشر ليس إليك"؛ أي: ليس في أفعال الله شر، وإنما أفعاله خير كلها، وهذا دليل على أن البلاء للمؤمن خير له؛ فاستجاب الله -تعالى- دعاءه، وأمره أن يقوم مِن مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عينًا، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب الله جميع ما كان ببدنه من الأذى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ‌رَحْمَةً ‌مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (ص: 42-43)، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84).

قال ابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهم-: "أحياهم الله -تعالى- له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم".

(‌رَحْمَةً ‌مِنَّا) أي: على صبره وثباته، وإنابته، وتواضعه واستكانته.

(وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ): قال السعدي -رحمه الله-: "أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب، ويعتبروا، فيعلموا أن مَن صبر على الضر، أن الله -تعالى- يُثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا، ويستجيب دعاءَه إذا دعاه".

(وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ): قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: وجعلناه في ذلك قدوة؛ لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله، وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك".

(نِعْمَ الْعَبْدُ) (ص: 44)، أي: الذي كمَّل مراتب العبودية في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.

(إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي: كثير الرجوع إلى الله.

وهذا الفرج كان له ولزوجته الكريمة؛ تلكم الزوجة الصالحة الطيبة التي اصطفاها الله لنبيه الطيب الكريم كما قال -تعالى-: (‌وَالطَّيِّبَاتُ ‌لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) (النور: 26)، فإن الله -تعالى- قد أصلحها له؛ بأن أرجعها شبابًا، وأنجب منها أولادًا كثيرين.

وكان -عليه السلام- لأمرٍ ما يتعلَّق بالدِّين، ولعله ما ذكره ابن حجر عن بعضهم أنها طلبت منه أن يدعو الله أن يعافيه-، أقسم إن شفاه الله -تعالى- ليضربنها مائة جلدة!

هذه الصالحة الطيبة "ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة، والرحمة والشفقة والإحسان أن تُقَابَل بالضرب؛ فأفتاه الله -تعالى- بعد أن شفاه، أن يأخذ ضغثًا -وهو الشمراخ- فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرَّت يمينه بذلك، وخرج من حِنثه، ووفَّى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمَن اتقى الله، وأناب إليه" (تفسير ابن كثير).

وللحديث بقية -إن شاء الله- مع بعض الفوائد والعِبَر من القصة الكريمة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-08-2023, 11:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,447
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام-

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (3)




كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
العِبَر من القصة الكريمة:
- الابتلاء طبيعة الطريق، بل هو تطهير للمؤمن ورفعة.
- وله سببان، وكلاهما خير للمؤمن إن صبر:
السبب الأول: الذنوب والمعاصي، وحينئذٍ يكون على وجه المجازاة والعقوبة العاجلة، كما قال الله- تعالى-: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء: 79)، أي: بذنبك. وقال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، "أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدَّمت لكم. (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها، بل يعفو عنها" (تفسير ابن كثير).
وعن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح").
- السبب الثاني: إرادة الله -تعالى- رفعة درجات المؤمن الصابر، فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر؛ فيُوفَّى أجر الصابرين في الآخرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وقد لازم البلاء الأنبياء مكرمة لهم من الله؛ لينالوا به الدرجة العالية في الجنة؛ فقد سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
- والمؤمن أمره كله له خير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم).
- إن أصابه ضرٌ صبر بحبس قلبه عن الجزع، ولسانه عن التسخط، وجوارحه عن المعصية، وأن يرضى عن الله -تعالى- فيما أصابه، أي: لا يتمنى خلاف ما وقع.
- وأن يتضرع لربه -تعالى-، ويدعوه دعاءً بعد دعاء؛ لأنه -تعالى- يحب ذلك من عبده، ويحب أن يسمع دعاء عبده المبتلى الذي ملؤه الذل والانكسار مع الحب والتعظيم لمولاه الرحمن الرحيم.
- وأن يأخذ بالأسباب المباحة في رفع البلاء.
- وفي قول الله -تعالى- عن أيوب -عليه السلام-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ‌مَسَّنِيَ ‌الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء: 83): استحباب الشكوى لله -تعالى-، والتوسل إلى الله -تعالى- بذلك، كما قال الله عن يعقوب -عليه السلام-: (إِنَّمَا أَشْكُو ‌بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (يوسف: 86)؛ ولأن الله -تعالى- قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء: 84).
ولا بأس أن يخبر عن حاله مع رضائه بقضاء ربه؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها- في ابتداء مرض موته -صلى الله عليه وسلم-: (‌بَلْ ‌أَنَا ‌وَارَأْسَاهُ) (رواه البخاري)؛ قاله سفيان بن عيينة.
- وفي قوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ ‌بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) (ص: 41): نسب أيوب -عليه السلام- ما أصابه إلى الشيطان -لعنه الله- مِن باب إضافة المسببات إلى أسبابها، وأدباً مع الله -تعالى- في عدم نسبة الشر إليه -وهو تعالى- خالق كل شيء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَالشَّرُّ ‌لَيْسَ ‌إِلَيْكَ) (رواه مسلم).
ومما يعين على الصبر:
- أن يعلم العبد أن الله -تعالى- قَدَّر عليه ذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا بد أن يقع.
- وأن يعتبر بقصة أيوب -عليه السلام-، إذ جعلها الله -تعالى- ذكرى للعابدين.
- وأن ينظر لمَن هو أشد منه بلاءً؛ لتهون عليه مصيبته.
- وأن يعلم أنه إن صبر ورضي عن الله في مقدوراته؛ أحبه الله -تعالى-، ورضي عنه، وعاجله بفرجه.
وفي قوله -تعالى-: (‌نِعْمَ ‌الْعَبْدُ ‌إِنَّهُ ‌أَوَّابٌ) (ص: 44): بيان لأهمية التوبة، وأثرها في رفع البلاء.
- في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فجعل يحثي في ثوبه)، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار من الحلال، في حقِّ مَن وثق مِن نفسه بالشكر عليه. وفيه: تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة. وفيه: فضل الغني الشاكر".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 80.76 كيلو بايت... تم توفير 3.50 كيلو بايت...بمعدل (4.15%)]