تاريخ المسلمين في البرازيل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4411 - عددالزوار : 849075 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3941 - عددالزوار : 385595 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59782 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 164 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28266 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 798 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 687 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-10-2019, 02:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي تاريخ المسلمين في البرازيل

تاريخ المسلمين في البرازيل

الجذور التاريخية


الشيخ خالد رزق تقي الدين

هذه حلقة مهمَّة من تاريخ المسلمين في البرازيل، أشعر بالألَم والحزن كلمَّا تعمَّقت في البحث ولَمَست ما تحمَّله وعاناه إخوانٌ لنا في هذه الأراضي البعيدة؛ من أجْل الحفاظ على دينهم، ولَم يكن لهم من نصيرٍ إلاَّ الله، ولَم تكن لديهم وسائل اتِّصال لتشرح وتَصِف ما عانوه من ظُلم وقتْل وتشريد، وإرغامٍ على اعتناق دين ليس دينهم، واتِّباع عادات ليستْ من عاداتهم، وكلُّ مَن عرَف بعض ما عاناه هؤلاء المسلمون، أُصيب بالحزن والأسى مثلي!

يذكر الشيخ عبد الرحمن البغدادي[1] في مخطوطته "مسلية الغريب": "وكم مرة سألتهم عن سببِ هذا التستُّر الشديد -أي: ممارسة شعائر الدين في السرِّ، مع أن الدول أطْلَقت من الحرية لكلِّ شخصٍ ما يريد-، فأَخْبرُوني بأنَّ حربًا وقَعتْ بينهم؛ أي: المسلمين الأفارقة، وبين الخرستيان، وحاوَل السودان أن يَملكوا منهم البلدان وكانت النُّصرة للنصارى، وكلما رأيت الإسلام فيما ذكَرته من التغطيس -التعميد الإجباري- والدفن في مقابر النصارى، والاكتتام -ممارسة شعائر الإسلام في السرِّ- تَهطل من عيوني الدموع السجام، وأتأسَّف على بلاد الإسلام، وأتذكَّر وطني وبُعْد المسافة، ولا أجد لي حُرًّا أرْتجي إسعافه، سيَّما في بلدة عُدِم بها النصير، وجارَ بها الحقير، ودقَّت النواقيس، وكَثُرت وساوس إبليس" (مخطوطة مسلية الغريب).

إنَّ هذا البحث وغيره من الأبحاث المتصلة به يجب أن تَنال اهتمامَ المؤسَّسات التي تُعنى بتاريخ المسلمين والجاليات الإسلاميَّة، وأن تُرفَع إلى المستويات السياسية في بلاد الإسلام؛ لمطالبة البلاد التي استعمرَت البرازيل بالاعتذار عن هذه الحقبة التاريخيَّة، والتي تعامَلت فيها مع البشر بشكلٍ همجي، لا يمتُّ للإنسانيَّة بصِلة، وكذلك يجب أن تعتذر الجِهات الدينيَّة التي قامَت بعملية إرغام هؤلاء العبيد؛ ليتحوَّلوا عن دينهم، إنها صفحات حزينة لتاريخ المسلمين في البرازيل.

تناوَلت في الحلقة الأولى من تاريخ المسلمين في البرازيل استعراضًا للأقوال التاريخيَّة التي توضِّح -وبما لا يَدَع مجالًا للشكِّ- أنَّ التواصُل بين المسلمين والبرازيل قديم جدًّا، وتَمَّ التأكيد على أنَّ العبيد الذين جَلَبهم البرتغاليون للعمل على استصلاح أراضي البرازيل وزراعتها، كان أغلبُهم من المسلمين.

صفات العبيد المسلمين وفضلهم على البرازيل:

الواضح من الدراسات التاريخيَّة أنَّ العبيد المسلمين الذين تَمَّ جلْبُهم من إفريقيا، كانوا على قدر واسعٍ من العلم والثقافة والتقدُّم الحضاري، فكانوا يلقبونهم بـ"المعلمين"؛ نظرًا لتفوُّقهم وسَعة اطِّلاعهم وثقافتهم مُقارنة بالبرتغاليين، فلقد كانوا يُجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية.

"إنَّ الدراسات الإستوريوغرافيَّة حول البرازيل تربط وصولَ الإسلام إلى هذا البلد بتجارة الرقيق، وهي تجمع في تحليلاتها للإثنيَّات الزنجيَّة المسلمة في البرازيل، على أنَّ الأمرَ يتعلَّق بمجموعات بشريَّة ذات مستوى ثقافي لا بأْس به، كانتْ تعرف القراءة والكتابة، ولَم تختلط ببقيَّة الرقيق ذَوِي الأصول الإفريقيَّة، تزعَّمت أهمَّ التمرُّدات الزنجيَّة التي عرَفتها البرازيل، وتَصِف هذه الدراسات الإسلام بالديانة التي تَبعث على عِزَّة النفس، وتُقاوم كل محاولات التمسيح، كما تَصِف الزنوج الذين يدينون بها في البرازيل بأُناس متشامخين ثائرين، لهم عِزَّة نفس" (الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية، ص: [207]).

وعملية التواصُل والتخاطب بين السادة كانتْ تتمُّ عن طريق العبيد المسلمين، "الأسياد الأُميُّون كانوا يتخاطبون من خلال عبيدهم الزنوج؛ يكتب العبد المسلم رسالة السيد الأُمي إلى زميله السيد الآخر الذي يقرأ له الرسالة عبدُه المسلم المتعلِّم" (الأدب في البرازيل، ص: [25]).

يقول الدكتور شاكر مصطفى: "ولكن إفريقيا قدمَت إليها أيضًا "للبرازيل" مُعَلِّمين للمدارس، كما قدمت وهو الأهمُّ شيوخًا مسلمين" (الأدب في البرازيل، ص: [25]).

"جاؤوا مُؤدِّبين ووُعَّاظًا، وأئمة صلاة، ومعلِّمي دينٍ، وكانوا في معظمهم من ممالك البورنو وسوكوتو وغاندو، ذوات التنظيم السياسي المتقدِّم، والأدب الديني الإسلامي الكامل، ولهم مؤلَّفاتهم المحليَّة باللغة العربيَّة، وفنُّهم القوي الأصيل الذي لا يُقارَن بتفاهات البرتغاليين" (الأدب في البرازيل، ص: [28-29]).

"كان الماليز يتمتَّعون بمستوًى ثقافيٍّ عالٍ إذا ما قُورِن بمستوى البرازيليين، وكانوا قادرين على القراءة والكتابة باللغة العربية" (موسوعة التاريخ الحي: [20/ 80-85]).

"في باهيا كانوا قادِرين على أن يكتبوا العربيَّة بمهارة، وكانوا أعلى ثقافةً من أسيادهم بكثير"[2].

أمَّا بالنسبة للمجموعات المسلمة التي تَمَّ اختطافها من غرب إفريقيا، فقد كانتْ أسْمى في التعبير الفني، وفي التعليم وفي قصائد الشعر، وفي نوع الحياة وتنظيمها، وفي أساليب الزراعة والتجارة والقتال (الأدب في البرازيل، ص: [26]).

وأمَّا أولئك الذين تَمَّ اختطافُهم من السهوب الشرقيَّة المسلمة في معظمها، وكلها مناطق إسلاميَّة متقدِّمة الحضارة، بسبب اتِّصالها الدائم بالشمال الإفريقي وبمصر (الأدب في البرازيل، ص: [27]).

فقد أكَّد الدكتور مايكل جوميز[3] أنَّ "هؤلاء العبيد كان يوكَل لهم مهامُ فنيَّة، مثل: الحلاقة، أو البناء، أو النجارة، أو الرسم، أو النحت على الخشب، وبعد فترة حدَث نوعٌ من الاتفاق مع مُلاَّكهم، فكانوا يحصلون على جزءٍ من أجورهم مقابل ترْك حريَّة لهم في العمل وإعالة أنفسهم".

وأضاف: "كان بعض العبيد مِن طوائف ومراتب اجتماعيَّة مرموقة، فقد كان مِن بينهم أُمراء وجُنود، ومعلِّمون وعلماء، تَمَّ أسْرهم وترحيلهم كعبيدٍ إلى بلاد مسيحية غربيَّة" (موقع علامات أون لاين).

وقد كان لهؤلاء العبيد الفضْل في اكتشاف الذهب والأَلْماس؛ "لقد أصرَّ البُرتغاليون أن يستعبدوا الأفارقة؛ لأنهم الأقدر على اكتشاف مناجم الذهب البرازيلية"، وقد تَمَّ اكتشاف المناجم 1720م.

"لقد استطاع الأفارقة أن يُنَقبوا عن الذهب البرازيلي حتى في الأنهار والجداول، وذلك تحت إمرة البرتغاليين" (صراع اليهودية والإسلام في البرازيل، ص: [17]).

يقول جيلبيرتو فريري[4]: "كانوا يُشكِّلون عنصرًا نشيطًا مبدعًا، ويُمكن أن نقول: إنه نبيلٌ في استعمار البرازيل لا يخفض من مكانته، إلاَّ أنهم يُعتبرون رقيقًا! ما كانوا حيوانات جَرٍ أو عُمَّال زراعة، ولكنَّهم مارَسوا دورًا حضاريًّا بارزًا، كانوا اليد اليمنى في التكوين الزراعي، بينما كان الهنود وبعض البرتغاليين اليد اليسرى.

البرازيل تدين لهم على الأقل بقصب السكر والقهوة التي جلَبَوها، والتبغ والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديديَّة كلها إفريقيَّة، وقد طوَّرها الزنوج أنفسهم، والخلاسيون المولَّدون منهم حسب حاجات البلاد، ليس هذا فحسب، بل إن التعدين في البرازيل واستخراج الحديد قد أُخِذا عن هؤلاء الإفريقيين، كانتْ وسائلهم التقنية في ذلك أكثرَ تقدُّمًا من وسائل الهنود، ومِن وسائل الأوروبيين أيضًا، ويُمكن أن نُضيف تأثيرًا ثالثًا أيضًا لهم هو الطَّهي، فلقد اغْتَنى وارتَقى بالإسهام الإفريقي، ونُضيف أثرًا رابعًا هو رعْي الماشية، إنها في ماتو غروسو من أصل إفريقي قامَت على أكتاف الزنوج" (جيلبيرتو فريري: البيت الكبير والكوخ، ص: [255-265]).

ولقد "كان تأثير هؤلاء الزنوج أصيلاً خلاَّقًا، طوَّر المجتمع الذي كان على طريق التكون في البرازيل بعناصر ذات قيمة من الحضارة الإفريقيَّة وتقنياتها المتقدِّمة يومذاك لا على حضارة البرازيل، ولكن على حضارة الولايات المتَّحدة أيضًا" (الأدب في البرازيل، ص: [25]).

"لقد أقرَّ البرتغاليون أنفسهم بأنه لولا العبيد الأفارقة ما استطاعوا أن يَجنوا ثمرة واحدةً من البرازيل، وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه" (جمعيات المارون، ص: [170])، "رسَّخوا أقدامهم في البرازيل، وباتَ وجودهم وكَثرة أعدادهم أمرًا لافتًا للانتباه، ومن هنا لَم يستطع أحدٌ أن يُنكر عليهم وجودهم الفعَّال، وفي القرن السادس عشر الميلادي توقَّع البُرتغاليون للأفارقة أن يَصبحوا بعد أربعة قرون الركيزة الأساسيَّة للاقتصاد البرازيلي" (صراع اليهودية والإسلام في البرازيل، ص: [18]).

دور علماء المسلمين الأفارقة:

لقد كان للعلماء والمشايخ في إفريقيا دور بارزٌ وتضحية تُكتب لهم في ميزان أعمالهم يوم القيامة، كانوا يقعون في الأَسْر مُختارِين؛ حتى يقوموا بمرافقة هؤلاء العبيد في طريقهم للأرض المجهولة، كان هدفهم واضحًا في الحفاظ على إسلامهم، وتقوية عزائمهم، وتعليمهم شعائرَ الدِّين، وعدم ترْكهم عُرضة لمصير مجهول لا يعلمه إلا الله!

شاهَد العلماء كيف كانتْ تتمُّ عملية غسْل عقول العبيد، وتغيير أسمائهم قبل شحْنهم في السفن، وشاهَدوا عملية التعميد الجماعيَّة التي كانتْ تُقام لهم لدى وصولهم البرازيل، وكانتْ وصيَّتهم للمسلمين بالصبر والثبات، وبدأ هؤلاء العلماء رحلة طويلة وشاقَّة؛ لتعليم العبيد شعائرَ الإسلام والمحافظة على دينهم، دون شعور من الأسياد، ونجحَت هذه العمليَّة التربويَّة في الحفاظ على العقيدة الإسلاميَّة لدى العبيد، وأن تكون حافزًا للكثير من الثورات التي تَمَّت بعد ذلك.

"كانوا يلحقون بالعبيد متطوعين؛ لإرشادهم إلى الدين، وينزلون معهم في الأكواخ، ويُلَقِّنونهم القرآن والكتابة، ومبادئ الشريعة، كانوا يحبسون أنفسهم معهم، وفي إطار عبوديَّتهم؛ ليستنقذوا البقيَّة الباقية من تمسُّكهم بالدِّين في الظروف الوحشيَّة التي يعيشونها" (الأدب في البرازيل، ص: [25]).

يذكر الدكتور علي الكتاني: "وصادَف أن كان من بين هؤلاء علماء في الدين، فنَجَحوا في الحفاظ على علْمهم، وأسَّسوا جاليات قويَّة ومنظَّمة بين المستعبَدين في ولايات باهيا، وريودي جانيرو، وسان لويس دو مرانيون، ونَجحوا في إدخال كثيرٍ من العبيد الآخرين في الإسلام، وكانت لهم المدارس الإسلاميَّة والمساجد وشيءٌ من الحرية الدينيَّة، وكان يُسَمِّيهم البرتغاليون بالمعلِّمين" (المسلمون في أوربا وأمريكا، ص: [251]).

وهذا ما أكَّده الدكتور خالد محمد أبو الحسن: "فقد وُجِد من هؤلاء العبيد شيوخٌ كِبار، كانوا يقومون بمهمة جليلة في البرازيل، وهي مهمَّة الوعظ والإرشاد والتفقيه، فقد كانوا ينزلون مع العبيد الصغار الأكواخ، ويعلِّمونهم القرآن ومبادئ الشريعة الإسلامية السَّمحاء" (صراع اليهودية والإسلام في البرازيل، ص: [22]).

ويؤكِّد الباحث الإثنوغرافي "روجيه باستيد"[5] الذي اهتمَّت أبحاثه بالديانات الإفريقية في البرازيل، وفي دراسة صدَرت له سنة 1971م، ذكر فيها أنَّ المسلمين الزنوج كانوا يوجدون خلال الثُّلُث الأخير من القرن التاسع عشر في جُلِّ مناطق البرازيل، وأنهم -وبحسب المصادر الشفوية التي اعتمَدها- كانتْ لهم مساجدُ في الأغواس، وبرنامبوكو وباهيا (الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية، ص: [207]).

نفس النتيجة وصَل إليها جواو خوسيه رايس حينما ذكَر "أنَّ الثورة الإسلامية جاءتْ في وقت انتشار الإسلام بين الأفارقة الذين يعيشون في باهيا" (جواو خرسيه رايس: ثورة العبيد في البرازيل، ص: [137]).

الإعداد العلمي والتربوي للمُسلمين الأفارقة:

اتَّبع العلماء والمشايخ أسلوبًا تربويًّا وتنظيمًا راقيًا؛ حيث كانوا يقسمون الأفارقة مجموعات، كلُّ مجموعة تضمُّ عددًا من الأتْباع بين الخمسة والعشرة، ويُباشر الشيخ تعليمَهم القرآنَ، ويؤدي معهم الصلوات، ولقد أشار القس إتيان "أنَّ الإسلام قوي وتفرَّع في البرازيل، وأضاء ظُلمة أكواخ الرقيق الذين جاؤوا من إفريقيا -معلِّمين ووُعَّاظًا- لتعليم القراءة والكتابة باللغة العربية والقرآن الكريم؛ حيث كانتْ توجَد المدارس والمصليات المحمديَّة" (جيلبيرتو فريري: البيت الكبير والكوخ، ص: [367]).

ونستطيع التأكيد على أنَّ الدِّين الإسلامي كان الدافع لتجمُّع العبيد وتوحُّدهم؛ "إنَّ الدين الإسلامي هو الذي أوْجَد للمهاجرين إلى البرازيل كِيانًا، ورُبَّما كان سببًا في تقوية تجمُّعهم وتعضيد استقرارهم، رغم حياة الشَّتات التي كانوا يعيشونها" (صراع اليهودية والإسلام في البرازيل، ص: [18-19]).

"فالأغلبيَّة الساحقة من هؤلاء العبيد كانوا من المسلمين الذين أُرْغموا على ترْك دينهم تحت التهديد والتعذيب، وعليه تقهقَر الإسلام في أمريكا اللاتينية" (إمام أحمد علي: أضواء على الإسلام والمسلمين في اليابان وأمريكا اللاتينية، ص: [46]).

يذكر الدكتور مايكل جوميز: "إنَّ العبيد المسلمين عاشوا في مجموعات متراصة، وكانوا يشدون من أزْرِ بعض، ويُطَوِّرون أنفسهم ومجتمعهم، وخَلقوا مساحة لهم بعيدًا عن بقيَّة السكان، وضربوا مثلًا برفْضهم مصافحةَ غير المسلمين باليد، وسُخريتهم من نُظرائهم ممن اعْتَنقوا المسيحية بسبب وضْعهم لصُوَر القديسين في بيوتهم، وكانوا يعملون على التجمُّع في منزل محدَّد للصلاة وقراءة القرآن الكريم، بعض العبيد كانوا يُدرِّسون العربية لغيرهم، ووُجِد الكثير من المخطوطات في ملابس القتلى والأَسْرى منهم تتضمَّن آيات قرآنيَّة وأدعية وأحاديث شريفة، وعَمَدوا إلى ارتداء الملابس البيضاء لتمييز أنفسهم، بالإضافة إلى تناول المنتجات الحلال والابتعاد عن الخمور" (موقع علامات أون لاين).

وقام العلماء المسلمون بإحياء المناسبات الإسلاميَّة كفرصة لالتقاء أكبر عددٍ من المسلمين والعمل على تنظيمهم؛ يقول جواو خوسيه ريس[6]: "لقد تحوَّلت أكواخ العبيد إلى مدارس قرآنيَّة، ليس هذا فحسب، بل كانوا يجتمعون يوميًّا للصلاة، وللإفطار الجماعي خلال شهر رمضان"، ويَصِف خوسيه رايس آخر احتفال قام به المسلمون في باهيا قبل ثورة 1835م، فيقول: "وكانوا يجتمعون لإحياء المناسبات الإسلامية المختلفة، وهنا يُمكننا أن نلاحظ أنَّ آخِرَ اجتماع عام قامَ به المسلمون كان لإحياء ليلة المعراج -صعود النبي محمد إلى السماء- قد حدَث في يوم السبت 29 نوفمبر عام 1834م" (جواو جوزيه ريس: ثورة العبيد في البرازيل، ص: [129]).

بدايات الثورة الإسلامية:

أثْمَرت التربية الإسلامية التي قام بها العلماء عن وجود رُوح جهاديَّة قويَّة عند المسلمين دفَعتهم للكثير من الثورات، كانتْ نهايتها الفشل، "ففي مايو 1807م خطَّط الأئمة المسلمون للثورة اعتراضًا على الظلم، بعد أن حوَّلوا بيوتهم إلى مساجد؛ لشحْن الثوَّار، وكدَّسوا فيها السلاح، وكان للثورة ثلاثة أهداف: قتل السادة البيض المستعبِدين للأفارقة، وتسميم مصادر مياه الشرب العامَّة، والهروب في السفن عبر ميناء سلفادور، والعودة إلى الأوطان في غرب إفريقيا، لكن حاكِم "باهيا" كان قد دسَّ عُملاء من الأفارقة بين الثوَّار تَمكَّنوا من تسريب المعلومات المطلوبة قبل إشعال الثورة، فتَمَّ اعتقال قادة الثورة، وصدَرت أحكام بالإعدام والجَلد والسجن على المسلمين المشاركين في التمرُّد، ثم طُبِّقت قوانين حظرِ التجوُّل ليلاً في كافة مناطق وجود المسلمين والأفارقة في باهيا" (موقع علامات أون لاين).

في يناير 1809م تكرَّر التمرُّد، وكان ناجحًا هذه المرة، وأوْقَع عشرات القتْلى والجرحى من الجنود البيض، بعد أن استولَى المتمرِّدون على مستودع للسلاح في منطقة ريفيَّة من باهيا، وتتبَّعت السلطات المتمرِّدين، وقتَلَت وأَسَرت منهم المئات، ثم تكرَّرت عشرات حوادث التمرُّد التي انخرَط فيها مئات الأفارقة، وتزعَّمهم قادة مسلمون من قبائل اليوروبا والهوسا في أعوام (1814-1816)م، و(1822-1826)م، ثم اندلَعَت عدة تمرُّدات على مدى أربعة أعوام متتالية (من 1827 وحتى 1830)م.

في بداية القرن التاسع عشر تَمَّ جلْبُ المزيد من العبيد الأفارقة، وكثير منهم كان قد تتلمَذ على يد الشيخ "عثمان بن فون"[8]، وعايَش حركته الجهادية الإصلاحيَّة في إفريقيا؛ لتصحيح عقائد المسلمين ضد الخُرافات، وكان وصولهم للبرازيل بمثابة وقود جديد لاستمرارية الثورة ضد البرتغاليين، لقد أسهَمت هذه المجموعة الجديدة في توسيع حركة الجهاد داخل صفوف الأفارقة، وتشكيل العقليَّة المسلمة بأفكار جديدة وقُدرة تنظيميَّة رائعة، جعَلت المسلمين يقرِّرون الثورة على المظالم التي يتعرَّضون لها.

إنَّ المسلمين في باهيا وبقيَّة مناطق البرازيل قاوَموا الرِّقَّ والعبودية، من خلال تطوير مفهوم جديد للجهاد اعتبروا فيه الكتابة بالعربيَّة، والحفاظ على الصلاة والصوم، وارتداء الأزياء العربيَّة الإفريقيَّة - نوعًا جديدًا من الجهاد يحافظ على الهُويَّة من مَغبَّة التنصير والابتلاع (موقع علامات أون لاين).

ثورة العبيد 1835م:

تُعتبر ثورة العبيد 1835م والتي قامَت في مدينة "سلفادور" عاصمة ولاية باهيا، أكثر الثورات شُهرة في تاريخ البرازيل، وعُرِف باسم تمرُّد مالي Male؛ أي: تمرُّد المسلمين الأفارقة؛ حيث بدأ المسلمون في جمع الأموال وتخزين الأسلحة، ووضْع الخُطط باللغة العربية لثورة 1835م؛ "كان الإسلام قد عشَّش وتفرَّع وقَوِي في عَتْمة الأكواخ "السنزالا"، وكان العبيد قد بلَغوا من الشكيمة في أنفسهم، ومن القوة بدينهم، ومن الاعتداد بكَثرتهم - الدرجة التي قرَّروا فيها الثورة، قادَهم فيها الشيوخ الذين يَقبعون معهم في العتمة المنبوذة، وتعاوَن فيها أبناء الهاوسة مع الفولا، واليوروبا، والناغو، والأيوه والكيجة...، كان المسلمون وشيوخهم من هؤلاء يمثِّلون نوعًا من الأرستقراطية بين زنوج الأكواخ" (الأدب في البرازيلـ، ص: [28]).

الأجواء التي سبَقت ثورة سنة 1835م للزنوج في باهيا؛ أجواء حماسة دينيَّة بالغة، في أزقة ماتابوركس على شرفة الساحة، قُرْب صليب القديس فرانسوا، وفي ظلِّ الكنائس والأديرة الكاثولويكيَّة، وفي الأركان التي تُنتصب فيها العذراء وتماثيل سان أنطونيو اللشبوني، كان الزنوج يضعون القرآن ويُقيمون الصلوات، متحدِّين بذلك الأسيادَ البيض الذين كانوا يَرقبونهم من النوافذ في أعالي البيوت، وكانوا يهاجمون القُداس الكاثوليكي، مُعلنين أنه ليس أكثر من عبادة لقطعة من الخشب، وكانوا يرفعون مسابهم ذات الـ 99 حبَّة من الخشب، والمنتهية بطرة وكُرة صغيرة في وجْه المسابح التي تحمل الصليب (الأدب في البرازيل، ص: [28] بتصرُّف).

تعود أسباب الثورة إلى عدم رضا المسلمين عن العبوديَّة والتمييز العنصري الذي كان يُمارس في حقِّهم، وبُغضهم للتعصُّب الديني الذي مارستْه الكنيسة بإجبارهم على اعتناق الكاثولوكيَّة.

"كانت المقاومة في باهيا وغيرها من مناطق أمريكا اللاتينية موجَّهة ضد الأوضاع الاستبدادية والقمعيَّة التي نشأَتْ من محاولات تحويل المسلمين قسْرًا إلى المسيحية، وكانتْ دوافع الرفض واضحة: كيف يُمكن اعتناق دين أصحابه استعبدوا غيرهم، وطبَّقوا العنصرية في مقابل التخلِّي عن دين يعلم المساواة والحرية؟!" (موقع علامات أون لاين).

لقد حدَّد المسلمون أهدافهم، والتي تبلوَرت في التحرير الكامل للعبيد، والقضاء على الديانة الكاثولوكية، ومُصادرة جميع الممتلكات الخاصة بالبيض، وإقامة دولة إسلاميَّة.

استطاع العلماء توحيدَ الأفارقة وتربيتهم على القرآن، وبثُّوا في نفوسهم السعي للتحرُّر، عن طريق مقاومة المستعبد، وحاوَل العبيد القيام بأكثر من ثورة، وكانتْ أهمُّ هذه الثورات ثورة العبيد أو ثورة المالي؛ كما يُطلق عليها في البرازيل عام 1835م؛ حيث أعدَّ لها الأفارقة إعدادًا جيدًا، وخطَّطوا للقضاء على النظام البرتغالي الموجود، ورفْع الظلم وتحرير العبيد، والحريَّة في ممارسة الشعائر الإسلاميَّة.

تَمَّ اختيار ليلة القدر؛ لتكون شرارة انطلاق الانتفاضة، وكانت تناسب يوم الأحد 25 يناير، وهو يوم عُطلة رسميَّة للجنود البرازيليين "عيد القيامة النصراني"؛ مما يعني ضَعْف الرقابة الصارمة التي كانتْ تُمارس ضد العبيد، وتعدُّ عليهم أنفاسهم.

اجتمَع قادة الثورة في تلك الليلة لوضْع اللمسات الأخيرة لقيام الثورة، وحدَث ما لَم يتوقَّعه أحدٌ، أن تسرَّبت هذه المعلومات لأحدِ العبيد الذي كانتْ له صِلة بالشرطة، فقام على الفور بالإبلاغ؛ مما دفَع بقوَّات كبيرة للوصول إلى المكان وحاصَرَتْه، وبدأ إطلاق الرصاص فما كان من العبيد إلاَّ أن انطلَقوا في الشوارع؛ لإعلام بقيَّة العبيد بقيام الثورة، واندلَعَت مواجهات قويَّة وحرب شوارع في شارع النصر، استدعَت القوات في مدينة سلفادور قوات للتعزيز من شرطة ساو بالو، ودارتْ معارك شَرِسة في أكثر من مكان، كان من نتائجها قتْل معظم قادة الثورة، وإلقاء القبض على الكثير من العبيد، ومُصادرة أيِّ كتابات باللغة العربية، أُقيمَت المحاكمات لِمَن تبقَّى منهم، وحُكِم على بعضهم بالإعدام، وأُعِيد بعضهم إلى إفريقيا، وتَمَّ توزيع البقيَّة على ولايات البرازيل المختلفة، بحيث يتمُّ تشتيت الأُسَر؛ الأب في مكان، والأم في مكان، والأولاد في مكان.

ذُبِحت الثورة سنة 1835م كما ذُبِحت سابقاتها، ولكن بشكلٍ أشدَّ عنفًا ودمويَّة، كلُّ قوى الدولة والكنيسة الكاثوليكيَّة، والمستعمرين، سُخِّرت لسحْقها الشديد كالديدان المؤذية.

القصة السوداء التي تُحكى عن الوحشيَّة الإسبانيَّة في تدمير الهنود، هي نفسها التي مارَسها البرتغاليون في خَنْق الثورات الزنجية الإسلاميَّة، وهذه الأخيرة بالذات ظلَّت جُثثهم تتعفَّن -روائحَ ودَمًا وعِظامًا- مدة طويلة على الطرقات وفي عتمة السنزالات الخَرِبة (الأدب في البرازيل، ص: [29-30]).

نتائج الثورة:

تَمَّ ترحيل 500 من قادة التمرُّد من العبيد المحرَّرين إلى بلادهم الأصليَّة، وأشار ميشل تورنر من جامعة مدينة نيويورك في بحثٍ له عن المسلمين المحرَّرين من البرازيل إلى إفريقيا، أنهم قد عادوا إلى داهومي، وأقاموا أوَّل مسجدٍ بعاصمة البلاد (سيد عبد المجيد بكر: الأقليات المسلمة في الأمريكتين والبحر الكاريبي، ص: [340]).

وأكَّد ذلك الدكتور على الكتاني: "وهاجَر الكثير منهم إلى إفريقيا؛ حيث يكونون اليوم ساحل الداهومي ونيجيريا والدول المجاورة لها جاليات إسلاميَّة من أصْل برازيلي، وأسماؤهم ما زالت بُرتغالية إلى اليوم" (د. علي المنتصر الكتاني: المسلمون في أوربا وأمريكا: [2/252]).

إنَّ عملية القمع التي عانَت منها الجالية الإسلامية بعد هذه الثورة شتَّتت الجالية وفرَّقتها، حُكِم بالإعدام على أربعة إفريقيين، على الرغم من عدم كونهم من الزعماء؛ ليكونوا مثالًا لباقي الثوار، ونال المئات الجَلْدُ وغيرهم السجن، وتَمَّ نفي الأحرار منهم إلى إفريقيا، وبِيعَ الآخرون إلى مناطق أخرى في البرازيل، واعْتُبِر مشبوهًا أيُّ إفريقي يحمل أوراقًا باللغة العربية (باولو دانيا: مسلية الغريب، ص: [40-41]).

لقد أثَّرت الثورة على كلِّ البرازيل، وانتشر خبرُها في صحف أمريكا الشمالية والصحف الإنجليزية، وكانتْ سببًا مباشرًا لصدور القرار الخاص بتحرير العبيد، والقضاء على تجارة الرقيق والذي وقعته الأميرة إيزابيل في 13 مايو عام 1888م في دولة البرازيل.

على الرغم من عِظَم التضحيات التي قُدِّمت من قِبَل المسلمين الأفارقة للحصول على حريَّتهم، وبالرغم من الملاحقات والتعذيب والتشريد، فإنَّ المسلمين ظلُّوا محافظين على دينهم، وبَقِي الإسلام في البرازيل لسنوات عديدة بعد ذلك، حاوَل المسلمون خلال هذه الفترة تنظيمَ أنفسهم، والتواصُل فيما بينهم رغم بُعْد المسافات، وقلَّة وسائل النقل آنذاك، إلاَّ أنَّ تعاليم الدين الإسلامي كان قد أصابَها الكثير من التبديل والتحريف والذي أسهمَت فيه العوامل السابقة، إضافة لاختراق بعض اليهود لصفوف المسلمين؛ لكي يُفسدوا عليهم دينهم، وهذا ما سنتاوله بالدراسة في الحلقة القادمة بإذن الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:
[1]- (عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي الدمشقي، ولد في بغداد وترقى في العلم حتى أصبح إمامًا للبحرية العثمانية. وصل للبرازيل عام 1865م على ظهر سفينة عثمانية ضلت طريقها، وحينما علم بوجود مسلمين في البرازيل بقي بينهم ثلاثة أعوام، وزار جميع الجاليات المسلمة من العبيد الأفارقة في ريو دي جانيرو وسلفادور وريسيفي وبرنامبوكو، وكتب مذكراته عن هذه الرحلة في مخطوط مهم موجود بمكتبة برلين).
[2]- توماس إوبانك (THOMAS EWBANK): الحياة في البرازيل، أو أرض الكاكاو والنخيل، ص: [144]

Landres lifein brazil or the land of the coco and the palm.

[3]- (الدكتور مايكل جوميز أستاذ التاريخ والدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بجامعة نيويورك).
[4]- (مؤرخ برازيلي، ولد في ريسيفي 1900م، يُعتبَر من أهم علماء الاجتماع في القرن العشرين).
[5]- (عالِم اجتماع فرنسي ولد عام 1898م، وتم ابتعاثه لجامعة ساو باولو عام 1938م، وكان لديه اهتمام بدراسة الديانات الإفريقية البرازيلية).
[6]- (من مواليد ريسيفي عام 1952م، واحد من أهم المؤرخين البرازيليين، أشهر المحللين والدارسين لتاريخ العبيد المسلمين وله كتاب "ثورة العبيد" والذي يعتبر عمدة لكثير من الأبحاث حول هذا الجانب، ويعمل حاليًا أستاذًا لقسم التاريخ بجامعة ولاية باهيا الاتحادية).
[7]- (وُلِدَ الشيخ عثمان بن فون عام 1754م في نيجيريا، وينتسب إلى قبيلة الفولاني، درس العلم على والده، وتأثر بفكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب خلال زيارته لمكة المكرمة ولقائه بشيوخ السلفية في ذلك الوقت. قام بحركة إصلاحية للمفاهيم الإسلامية وأنشأ حركته المسماة بالجماعة، وأعلن الجهاد ضد الممالك الوثنية وانتصر عليهم، وبايعه المسلمون أميرًا، واتخذ مدينة سوكوتو مركزًا لدعوته، واتسعت مملكته حتى أصبحت أقوى الممالك في إفريقيا في ذلك الوقت. توفي عام 1818م).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-10-2019, 02:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ المسلمين في البرازيل

تاريخ المسلمين في البرازيل

الشيخ خالد رزق تقي الدين

صفات العبيد المسلمين وفضلهم على البرازيل (2)


هذه حلقة مهمَّة من تاريخ المسلمين في البرازيل، أشعر بالألَم والحزن كلمَّا تعمَّقت في البحث ولَمَست ما تحمَّله وعاناه إخوانٌ لنا في هذه الأراضي البعيدة؛ من أجْل الحفاظ على دينهم، ولَم يكن لهم من نصيرٍ إلاَّ الله، ولَم تكن لديهم وسائل اتِّصال لتشرح وتَصِف ما عانوه من ظُلم وقتْل وتشريد، وإرغامٍ على اعتناق دين ليس دينهم، واتِّباع عادات ليستْ من عاداتهم، وكلُّ مَن عرَف بعض ما عاناه هؤلاء المسلمون، أُصيب بالحزن والأسى مثلي!

يذكر الشيخ عبد الرحمن البغدادي في مخطوطته "مسلية الغريب": "وكم مرة سألتهم عن سببِ هذا التستُّر الشديد -أي: ممارسة شعائر الدين في السرِّ، مع أن الدول أطْلَقت من الحرية لكلِّ شخصٍ ما يريد-، فأَخْبرُوني بأنَّ حربًا وقَعتْ بينهم؛ أي: المسلمين الأفارقة، وبين الخرستيان، وحاوَل السودان أن يَملكوا منهم البلدان وكانت النُّصرة للنصارى، وكلما رأيت الإسلام فيما ذكَرته من التغطيس -التعميد الإجباري- والدفن في مقابر النصارى، والاكتتام -ممارسة شعائر الإسلام في السرِّ- تَهطل من عيوني الدموع السجام، وأتأسَّف على بلاد الإسلام، وأتذكَّر وطني وبُعْد المسافة، ولا أجد لي حُرًّا أرْتجي إسعافه، سيَّما في بلدة عُدِم بها النصير، وجارَ بها الحقير، ودقَّت النواقيس، وكَثُرت وساوس إبليس" .

إنَّ هذا البحث وغيره من الأبحاث المتصلة به يجب أن تَنال اهتمامَ المؤسَّسات التي تُعنى بتاريخ المسلمين والجاليات الإسلاميَّة، وأن تُرفَع إلى المستويات السياسية في بلاد الإسلام؛ لمطالبة البلاد التي استعمرَت البرازيل بالاعتذار عن هذه الحقبة التاريخيَّة، والتي تعامَلت فيها مع البشر بشكلٍ همجي، لا يمتُّ للإنسانيَّة بصِلة، وكذلك يجب أن تعتذر الجِهات الدينيَّة التي قامَت بعملية إرغام هؤلاء العبيد؛ ليتحوَّلوا عن دينهم، إنها صفحات حزينة لتاريخ المسلمين في البرازيل.

تناوَلت في الحلقة الأولى من تاريخ المسلمين في البرازيل استعراضًا للأقوال التاريخيَّة التي توضِّح -وبما لا يَدَع مجالًا للشكِّ- أنَّ التواصُل بين المسلمين والبرازيل قديم جدًّا، وتَمَّ التأكيد على أنَّ العبيد الذين جَلَبهم البرتغاليون للعمل على استصلاح أراضي البرازيل وزراعتها، كان أغلبُهم من المسلمين.

صفات العبيد المسلمين وفضلهم على البرازيل:

الواضح من الدراسات التاريخيَّة أنَّ العبيد المسلمين الذين تَمَّ جلْبُهم من إفريقيا، كانوا على قدر واسعٍ من العلم والثقافة والتقدُّم الحضاري، فكانوا يلقبونهم بـ"المعلمين"؛ نظرًا لتفوُّقهم وسَعة اطِّلاعهم وثقافتهم مُقارنة بالبرتغاليين، فلقد كانوا يُجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية.

"إنَّ الدراسات الإستوريوغرافيَّة حول البرازيل تربط وصولَ الإسلام إلى هذا البلد بتجارة الرقيق، وهي تجمع في تحليلاتها للإثنيَّات الزنجيَّة المسلمة في البرازيل، على أنَّ الأمرَ يتعلَّق بمجموعات بشريَّة ذات مستوى ثقافي لا بأْس به، كانتْ تعرف القراءة والكتابة، ولَم تختلط ببقيَّة الرقيق ذَوِي الأصول الإفريقيَّة، تزعَّمت أهمَّ التمرُّدات الزنجيَّة التي عرَفتها البرازيل، وتَصِف هذه الدراسات الإسلام بالديانة التي تَبعث على عِزَّة النفس، وتُقاوم كل محاولات التمسيح، كما تَصِف الزنوج الذين يدينون بها في البرازيل بأُناس متشامخين ثائرين، لهم عِزَّة نفس".

وعملية التواصُل والتخاطب بين السادة كانتْ تتمُّ عن طريق العبيد المسلمين، "الأسياد الأُميُّون كانوا يتخاطبون من خلال عبيدهم الزنوج؛ يكتب العبد المسلم رسالة السيد الأُمي إلى زميله السيد الآخر الذي يقرأ له الرسالة عبدُه المسلم المتعلِّم".

يقول الدكتور شاكر مصطفى: "ولكن إفريقيا قدمَت إليها أيضًا "للبرازيل" مُعَلِّمين للمدارس، كما قدمت وهو الأهمُّ شيوخًا مسلمين".

"جاؤوا مُؤدِّبين ووُعَّاظًا، وأئمة صلاة، ومعلِّمي دينٍ، وكانوا في معظمهم من ممالك البورنو وسوكوتو وغاندو، ذوات التنظيم السياسي المتقدِّم، والأدب الديني الإسلامي الكامل، ولهم مؤلَّفاتهم المحليَّة باللغة العربيَّة، وفنُّهم القوي الأصيل الذي لا يُقارَن بتفاهات البرتغاليين".

"كان الماليز يتمتَّعون بمستوًى ثقافيٍّ عالٍ إذا ما قُورِن بمستوى البرازيليين، وكانوا قادرين على القراءة والكتابة باللغة العربية".

"في باهيا كانوا قادِرين على أن يكتبوا العربيَّة بمهارة، وكانوا أعلى ثقافةً من أسيادهم بكثير".

أمَّا بالنسبة للمجموعات المسلمة التي تَمَّ اختطافها من غرب إفريقيا، فقد كانتْ أسْمى في التعبير الفني، وفي التعليم وفي قصائد الشعر، وفي نوع الحياة وتنظيمها، وفي أساليب الزراعة والتجارة والقتال.

وأمَّا أولئك الذين تَمَّ اختطافُهم من السهوب الشرقيَّة المسلمة في معظمها، وكلها مناطق إسلاميَّة متقدِّمة الحضارة، بسبب اتِّصالها الدائم بالشمال الإفريقي وبمصر، فقد أكَّد الدكتور مايكل جوميز أنَّ "هؤلاء العبيد كان يوكَل لهم مهامُ فنيَّة، مثل: الحلاقة، أو البناء، أو النجارة، أو الرسم، أو النحت على الخشب، وبعد فترة حدَث نوعٌ من الاتفاق مع مُلاَّكهم، فكانوا يحصلون على جزءٍ من أجورهم مقابل ترْك حريَّة لهم في العمل وإعالة أنفسهم".


وأضاف: "كان بعض العبيد مِن طوائف ومراتب اجتماعيَّة مرموقة، فقد كان مِن بينهم أُمراء وجُنود، ومعلِّمون وعلماء، تَمَّ أسْرهم وترحيلهم كعبيدٍ إلى بلاد مسيحية غربيَّة".

وقد كان لهؤلاء العبيد الفضْل في اكتشاف الذهب والأَلْماس؛ "لقد أصرَّ البُرتغاليون أن يستعبدوا الأفارقة؛ لأنهم الأقدر على اكتشاف مناجم الذهب البرازيلية"، وقد تَمَّ اكتشاف المناجم 1720م.

"لقد استطاع الأفارقة أن يُنَقبوا عن الذهب البرازيلي حتى في الأنهار والجداول، وذلك تحت إمرة البرتغاليين".

يقول جيلبيرتو فريري: "كانوا يُشكِّلون عنصرًا نشيطًا مبدعًا، ويُمكن أن نقول: إنه نبيلٌ في استعمار البرازيل لا يخفض من مكانته، إلاَّ أنهم يُعتبرون رقيقًا! ما كانوا حيوانات جَرٍّ أو عُمَّال زراعة، ولكنَّهم مارَسوا دورًا حضاريًّا بارزًا، كانوا اليد اليمنى في التكوين الزراعي، بينما كان الهنود وبعض البرتغاليين اليد اليسرى.

البرازيل تدين لهم على الأقل بقصب السكر والقهوة التي جلَبَوها، والتبغ والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديديَّة كلها إفريقيَّة، وقد طوَّرها الزنوج أنفسهم، والخلاسيون المولَّدون منهم حسب حاجات البلاد، ليس هذا فحسب، بل إن التعدين في البرازيل واستخراج الحديد قد أُخِذا عن هؤلاء الإفريقيين، كانتْ وسائلهم التقنية في ذلك أكثرَ تقدُّمًا من وسائل الهنود، ومِن وسائل الأوروبيين أيضًا، ويُمكن أن نُضيف تأثيرًا ثالثًا أيضًا لهم هو الطَّهي، فلقد اغْتَنى وارتَقى بالإسهام الإفريقي، ونُضيف أثرًا رابعًا هو رعْي الماشية، إنها في ماتو غروسو من أصل إفريقي قامَت على أكتاف الزنوج" .

ولقد "كان تأثير هؤلاء الزنوج أصيلاً خلاَّقًا، طوَّر المجتمع الذي كان على طريق التكون في البرازيل بعناصر ذات قيمة من الحضارة الإفريقيَّة وتقنياتها المتقدِّمة يومذاك لا على حضارة البرازيل، ولكن على حضارة الولايات المتَّحدة أيضًا".

"لقد أقرَّ البرتغاليون أنفسهم بأنه لولا العبيد الأفارقة ما استطاعوا أن يَجنوا ثمرة واحدةً من البرازيل، وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه"، "رسَّخوا أقدامهم في البرازيل، وباتَ وجودهم وكَثرة أعدادهم أمرًا لافتًا للانتباه، ومن هنا لَم يستطع أحدٌ أن يُنكر عليهم وجودهم الفعَّال، وفي القرن السادس عشر الميلادي توقَّع البُرتغاليون للأفارقة أن يَصبحوا بعد أربعة قرون الركيزة الأساسيَّة للاقتصاد البرازيلي".

دور علماء المسلمين الأفارقة:

لقد كان للعلماء والمشايخ في إفريقيا دور بارزٌ وتضحية تُكتب لهم في ميزان أعمالهم يوم القيامة، كانوا يقعون في الأَسْر مُختارِين؛ حتى يقوموا بمرافقة هؤلاء العبيد في طريقهم للأرض المجهولة، كان هدفهم واضحًا في الحفاظ على إسلامهم، وتقوية عزائمهم، وتعليمهم شعائرَ الدِّين، وعدم ترْكهم عُرضة لمصير مجهول لا يعلمه إلا الله!

شاهَد العلماء كيف كانتْ تتمُّ عملية غسْل عقول العبيد، وتغيير أسمائهم قبل شحْنهم في السفن، وشاهَدوا عملية التعميد الجماعيَّة التي كانتْ تُقام لهم لدى وصولهم البرازيل، وكانتْ وصيَّتهم للمسلمين بالصبر والثبات، وبدأ هؤلاء العلماء رحلة طويلة وشاقَّة؛ لتعليم العبيد شعائرَ الإسلام والمحافظة على دينهم، دون شعور من الأسياد، ونجحَت هذه العمليَّة التربويَّة في الحفاظ على العقيدة الإسلاميَّة لدى العبيد، وأن تكون حافزًا للكثير من الثورات التي تَمَّت بعد ذلك.

"كانوا يلحقون بالعبيد متطوعين؛ لإرشادهم إلى الدين، وينزلون معهم في الأكواخ، ويُلَقِّنونهم القرآن والكتابة، ومبادئ الشريعة، كانوا يحبسون أنفسهم معهم، وفي إطار عبوديَّتهم؛ ليستنقذوا البقيَّة الباقية من تمسُّكهم بالدِّين في الظروف الوحشيَّة التي يعيشونها".

يذكر الدكتور علي الكتاني: "وصادَف أن كان من بين هؤلاء علماء في الدين، فنَجَحوا في الحفاظ على علْمهم، وأسَّسوا جاليات قويَّة ومنظَّمة بين المستعبَدين في ولايات باهيا، وريودي جانيرو، وسان لويس دو مرانيون، ونَجحوا في إدخال كثيرٍ من العبيد الآخرين في الإسلام، وكانت لهم المدارس الإسلاميَّة والمساجد وشيءٌ من الحرية الدينيَّة، وكان يُسَمِّيهم البرتغاليون بالمعلِّمين" .

وهذا ما أكَّده الدكتور خالد محمد أبو الحسن: "فقد وُجِد من هؤلاء العبيد شيوخٌ كِبار، كانوا يقومون بمهمة جليلة في البرازيل، وهي مهمَّة الوعظ والإرشاد والتفقيه، فقد كانوا ينزلون مع العبيد الصغار الأكواخ، ويعلِّمونهم القرآن ومبادئ الشريعة الإسلامية السَّمحاء".

ويؤكِّد الباحث الإثنوغرافي "روجيه باستيد" الذي اهتمَّت أبحاثه بالديانات الإفريقية في البرازيل، وفي دراسة صدَرت له سنة 1971م، ذكر فيها أنَّ المسلمين الزنوج كانوا يوجدون خلال الثُّلُث الأخير من القرن التاسع عشر في جُلِّ مناطق البرازيل، وأنهم -وبحسب المصادر الشفوية التي اعتمَدها- كانتْ لهم مساجدُ في الأغواس، وبرنامبوكو وباهيا.

نفس النتيجة وصَل إليها جواو خوسيه رايس حينما ذكَر "أنَّ الثورة الإسلامية جاءتْ في وقت انتشار الإسلام بين الأفارقة الذين يعيشون في باهيا".

الإعداد العلمي والتربوي للمُسلمين الأفارقة:

اتَّبع العلماء والمشايخ أسلوبًا تربويًّا وتنظيمًا راقيًا؛ حيث كانوا يقسمون الأفارقة مجموعات، كلُّ مجموعة تضمُّ عددًا من الأتْباع بين الخمسة والعشرة، ويُباشر الشيخ تعليمَهم القرآنَ، ويؤدي معهم الصلوات، ولقد أشار القس إتيان "أنَّ الإسلام قوي وتفرَّع في البرازيل، وأضاء ظُلمة أكواخ الرقيق الذين جاؤوا من إفريقيا -معلِّمين ووُعَّاظًا- لتعليم القراءة والكتابة باللغة العربية والقرآن الكريم؛ حيث كانتْ توجَد المدارس والمصليات المحمديَّة".

ونستطيع التأكيد على أنَّ الدِّين الإسلامي كان الدافع لتجمُّع العبيد وتوحُّدهم؛ "إنَّ الدين الإسلامي هو الذي أوْجَد للمهاجرين إلى البرازيل كِيانًا، ورُبَّما كان سببًا في تقوية تجمُّعهم وتعضيد استقرارهم، رغم حياة الشَّتات التي كانوا يعيشونها".

"فالأغلبيَّة الساحقة من هؤلاء العبيد كانوا من المسلمين الذين أُرْغموا على ترْك دينهم تحت التهديد والتعذيب، وعليه تقهقَر الإسلام في أمريكا اللاتينية".

يذكر الدكتور مايكل جوميز: "إنَّ العبيد المسلمين عاشوا في مجموعات متراصة، وكانوا يشدون من أزْرِ بعض، ويُطَوِّرون أنفسهم ومجتمعهم، وخَلقوا مساحة لهم بعيدًا عن بقيَّة السكان، وضربوا مثلًا برفْضهم مصافحةَ غير المسلمين باليد، وسُخريتهم من نُظرائهم ممن اعْتَنقوا المسيحية بسبب وضْعهم لصُوَر القديسين في بيوتهم، وكانوا يعملون على التجمُّع في منزل محدَّد للصلاة وقراءة القرآن الكريم، بعض العبيد كانوا يُدرِّسون العربية لغيرهم، ووُجِد الكثير من المخطوطات في ملابس القتلى والأَسْرى منهم تتضمَّن آيات قرآنيَّة وأدعية وأحاديث شريفة، وعَمَدوا إلى ارتداء الملابس البيضاء لتمييز أنفسهم، بالإضافة إلى تناول المنتجات الحلال والابتعاد عن الخمور".

وقام العلماء المسلمون بإحياء المناسبات الإسلاميَّة كفرصة لالتقاء أكبر عددٍ من المسلمين والعمل على تنظيمهم؛ يقول جواو خوسيه ريس: "لقد تحوَّلت أكواخ العبيد إلى مدارس قرآنيَّة، ليس هذا فحسب، بل كانوا يجتمعون يوميًّا للصلاة، وللإفطار الجماعي خلال شهر رمضان"، ويَصِف خوسيه رايس آخر احتفال قام به المسلمون في باهيا قبل ثورة 1835م، فيقول: "وكانوا يجتمعون لإحياء المناسبات الإسلامية المختلفة، وهنا يُمكننا أن نلاحظ أنَّ آخِرَ اجتماع عام قامَ به المسلمون كان لإحياء ليلة المعراج -صعود النبي محمد إلى السماء- قد حدَث في يوم السبت 29 نوفمبر عام 1834م".

بدايات الثورة الإسلامية:

أثْمَرت التربية الإسلامية التي قام بها العلماء عن وجود رُوح جهاديَّة قويَّة عند المسلمين دفَعتهم للكثير من الثورات، كانتْ نهايتها الفشل، "ففي مايو 1807م خطَّط الأئمة المسلمون للثورة اعتراضًا على الظلم، بعد أن حوَّلوا بيوتهم إلى مساجد؛ لشحْن الثوَّار، وكدَّسوا فيها السلاح، وكان للثورة ثلاثة أهداف: قتل السادة البيض المستعبِدين للأفارقة، وتسميم مصادر مياه الشرب العامَّة، والهروب في السفن عبر ميناء سلفادور، والعودة إلى الأوطان في غرب إفريقيا، لكن حاكِم "باهيا" كان قد دسَّ عُملاء من الأفارقة بين الثوَّار تَمكَّنوا من تسريب المعلومات المطلوبة قبل إشعال الثورة، فتَمَّ اعتقال قادة الثورة، وصدَرت أحكام بالإعدام والجَلد والسجن على المسلمين المشاركين في التمرُّد، ثم طُبِّقت قوانين حظرِ التجوُّل ليلاً في كافة مناطق وجود المسلمين والأفارقة في باهيا".

في يناير 1809م تكرَّر التمرُّد، وكان ناجحًا هذه المرة، وأوْقَع عشرات القتْلى والجرحى من الجنود البيض، بعد أن استولَى المتمرِّدون على مستودع للسلاح في منطقة ريفيَّة من باهيا، وتتبَّعت السلطات المتمرِّدين، وقتَلَت وأَسَرت منهم المئات، ثم تكرَّرت عشرات حوادث التمرُّد التي انخرَط فيها مئات الأفارقة، وتزعَّمهم قادة مسلمون من قبائل اليوروبا والهوسا في أعوام (1814-1816)م، و(1822-1826)م، ثم اندلَعَت عدة تمرُّدات على مدى أربعة أعوام متتالية (من 1827 وحتى 1830)م.

في بداية القرن التاسع عشر تَمَّ جلْبُ المزيد من العبيد الأفارقة، وكثير منهم كان قد تتلمَذ على يد الشيخ "عثمان بن فون"، وعايَش حركته الجهادية الإصلاحيَّة في إفريقيا؛ لتصحيح عقائد المسلمين ضد الخُرافات، وكان وصولهم للبرازيل بمثابة وقود جديد لاستمرارية الثورة ضد البرتغاليين، لقد أسهَمت هذه المجموعة الجديدة في توسيع حركة الجهاد داخل صفوف الأفارقة، وتشكيل العقليَّة المسلمة بأفكار جديدة وقُدرة تنظيميَّة رائعة، جعَلت المسلمين يقرِّرون الثورة على المظالم التي يتعرَّضون لها.

إنَّ المسلمين في باهيا وبقيَّة مناطق البرازيل قاوَموا الرِّقَّ والعبودية، من خلال تطوير مفهوم جديد للجهاد اعتبروا فيه الكتابة بالعربيَّة، والحفاظ على الصلاة والصوم، وارتداء الأزياء العربيَّة الإفريقيَّة - نوعًا جديدًا من الجهاد يحافظ على الهُويَّة من مَغبَّة التنصير والابتلاع.

ثورة العبيد 1835م:

تُعتبر ثورة العبيد 1835م والتي قامَت في مدينة "سلفادور" عاصمة ولاية باهيا، أكثر الثورات شُهرة في تاريخ البرازيل، وعُرِف باسم تمرُّد مالي Male؛ أي: تمرُّد المسلمين الأفارقة؛ حيث بدأ المسلمون في جمع الأموال وتخزين الأسلحة، ووضْع الخُطط باللغة العربية لثورة 1835م؛ "كان الإسلام قد عشَّش وتفرَّع وقَوِي في عَتْمة الأكواخ "السنزالا"، وكان العبيد قد بلَغوا من الشكيمة في أنفسهم، ومن القوة بدينهم، ومن الاعتداد بكَثرتهم - الدرجة التي قرَّروا فيها الثورة، قادَهم فيها الشيوخ الذين يَقبعون معهم في العتمة المنبوذة، وتعاوَن فيها أبناء الهاوسة مع الفولا، واليوروبا، والناغو، والأيوه والكيجة...، كان المسلمون وشيوخهم من هؤلاء يمثِّلون نوعًا من الأرستقراطية بين زنوج الأكواخ".

الأجواء التي سبَقت ثورة سنة 1835م للزنوج في باهيا؛ أجواء حماسة دينيَّة بالغة، في أزقة ماتابوركس على شرفة الساحة، قُرْب صليب القديس فرانسوا، وفي ظلِّ الكنائس والأديرة الكاثولويكيَّة، وفي الأركان التي تُنتصب فيها العذراء وتماثيل سان أنطونيو اللشبوني، كان الزنوج يضعون القرآن ويُقيمون الصلوات، متحدِّين بذلك الأسيادَ البيض الذين كانوا يَرقبونهم من النوافذ في أعالي البيوت، وكانوا يهاجمون القُداس الكاثوليكي، مُعلنين أنه ليس أكثر من عبادة لقطعة من الخشب، وكانوا يرفعون مسابهم ذات الـ 99 حبَّة من الخشب، والمنتهية بطرة وكُرة صغيرة في وجْه المسابح التي تحمل الصليب.

تعود أسباب الثورة إلى عدم رضا المسلمين عن العبوديَّة والتمييز العنصري الذي كان يُمارس في حقِّهم، وبُغضهم للتعصُّب الديني الذي مارستْه الكنيسة بإجبارهم على اعتناق الكاثولوكيَّة.

"كانت المقاومة في باهيا وغيرها من مناطق أمريكا اللاتينية موجَّهة ضد الأوضاع الاستبدادية والقمعيَّة التي نشأَتْ من محاولات تحويل المسلمين قسْرًا إلى المسيحية، وكانتْ دوافع الرفض واضحة: كيف يُمكن اعتناق دين أصحابه استعبدوا غيرهم، وطبَّقوا العنصرية في مقابل التخلِّي عن دين يعلم المساواة والحرية؟!".

لقد حدَّد المسلمون أهدافهم، والتي تبلوَرت في التحرير الكامل للعبيد، والقضاء على الديانة الكاثولوكية، ومُصادرة جميع الممتلكات الخاصة بالبيض، وإقامة دولة إسلاميَّة.

استطاع العلماء توحيدَ الأفارقة وتربيتهم على القرآن، وبثُّوا في نفوسهم السعي للتحرُّر، عن طريق مقاومة المستعبد، وحاوَل العبيد القيام بأكثر من ثورة، وكانتْ أهمُّ هذه الثورات ثورة العبيد أو ثورة المالي؛ كما يُطلق عليها في البرازيل عام 1835م؛ حيث أعدَّ لها الأفارقة إعدادًا جيدًا، وخطَّطوا للقضاء على النظام البرتغالي الموجود، ورفْع الظلم وتحرير العبيد، والحريَّة في ممارسة الشعائر الإسلاميَّة.

تَمَّ اختيار ليلة القدر؛ لتكون شرارة انطلاق الانتفاضة، وكانت تناسب يوم الأحد 25 يناير، وهو يوم عُطلة رسميَّة للجنود البرازيليين "عيد القيامة النصراني"؛ مما يعني ضَعْف الرقابة الصارمة التي كانتْ تُمارس ضد العبيد، وتعدُّ عليهم أنفاسهم.

اجتمَع قادة الثورة في تلك الليلة لوضْع اللمسات الأخيرة لقيام الثورة، وحدَث ما لَم يتوقَّعه أحدٌ، أن تسرَّبت هذه المعلومات لأحدِ العبيد الذي كانتْ له صِلة بالشرطة، فقام على الفور بالإبلاغ؛ مما دفَع بقوَّات كبيرة للوصول إلى المكان وحاصَرَتْه، وبدأ إطلاق الرصاص فما كان من العبيد إلاَّ أن انطلَقوا في الشوارع؛ لإعلام بقيَّة العبيد بقيام الثورة، واندلَعَت مواجهات قويَّة وحرب شوارع في شارع النصر، استدعَت القوات في مدينة سلفادور قوات للتعزيز من شرطة ساو بالو، ودارتْ معارك شَرِسة في أكثر من مكان، كان من نتائجها قتْل معظم قادة الثورة، وإلقاء القبض على الكثير من العبيد، ومُصادرة أيِّ كتابات باللغة العربية، أُقيمَت المحاكمات لِمَن تبقَّى منهم، وحُكِم على بعضهم بالإعدام، وأُعِيد بعضهم إلى إفريقيا، وتَمَّ توزيع البقيَّة على ولايات البرازيل المختلفة، بحيث يتمُّ تشتيت الأُسَر؛ الأب في مكان، والأم في مكان، والأولاد في مكان.

ذُبِحت الثورة سنة 1835م كما ذُبِحت سابقاتها، ولكن بشكلٍ أشدَّ عنفًا ودمويَّة، كلُّ قوى الدولة والكنيسة الكاثوليكيَّة، والمستعمرين، سُخِّرت لسحْقها الشديد كالديدان المؤذية.

القصة السوداء التي تُحكى عن الوحشيَّة الإسبانيَّة في تدمير الهنود، هي نفسها التي مارَسها البرتغاليون في خَنْق الثورات الزنجية الإسلاميَّة، وهذه الأخيرة بالذات ظلَّت جُثثهم تتعفَّن -روائحَ ودَمًا وعِظامًا- مدة طويلة على الطرقات وفي عتمة السنزالات الخَرِبة.

نتائج الثورة:

تَمَّ ترحيل 500 من قادة التمرُّد من العبيد المحرَّرين إلى بلادهم الأصليَّة، وأشار ميشل تورنر من جامعة مدينة نيويورك في بحثٍ له عن المسلمين المحرَّرين من البرازيل إلى إفريقيا، أنهم قد عادوا إلى داهومي، وأقاموا أوَّل مسجدٍ بعاصمة البلاد ، وأكَّد ذلك الدكتور على الكتاني: "وهاجَر الكثير منهم إلى إفريقيا؛ حيث يكونون اليوم ساحل الداهومي ونيجيريا والدول المجاورة لها جاليات إسلاميَّة من أصْل برازيلي، وأسماؤهم ما زالت بُرتغالية إلى اليوم".

إنَّ عملية القمع التي عانَت منها الجالية الإسلامية بعد هذه الثورة شتَّتت الجالية وفرَّقتها، حُكِم بالإعدام على أربعة إفريقيين، على الرغم من عدم كونهم من الزعماء؛ ليكونوا مثالًا لباقي الثوار، ونال المئات الجَلْدُ وغيرهم السجن، وتَمَّ نفي الأحرار منهم إلى إفريقيا، وبِيعَ الآخرون إلى مناطق أخرى في البرازيل، واعْتُبِر مشبوهًا أيُّ إفريقي يحمل أوراقًا باللغة العربية.

لقد أثَّرت الثورة على كلِّ البرازيل، وانتشر خبرُها في صحف أمريكا الشمالية والصحف الإنجليزية، وكانتْ سببًا مباشرًا لصدور القرار الخاص بتحرير العبيد، والقضاء على تجارة الرقيق والذي وقعته الأميرة إيزابيل في 13 مايو عام 1888م في دولة البرازيل.

على الرغم من عِظَم التضحيات التي قُدِّمت من قِبَل المسلمين الأفارقة للحصول على حريَّتهم، وبالرغم من الملاحقات والتعذيب والتشريد، فإنَّ المسلمين ظلُّوا محافظين على دينهم، وبَقِي الإسلام في البرازيل لسنوات عديدة بعد ذلك، حاوَل المسلمون خلال هذه الفترة تنظيمَ أنفسهم، والتواصُل فيما بينهم رغم بُعْد المسافات، وقلَّة وسائل النقل آنذاك، إلاَّ أنَّ تعاليم الدين الإسلامي كان قد أصابَها الكثير من التبديل والتحريف والذي أسهمَت فيه العوامل السابقة، إضافة لاختراق بعض اليهود لصفوف المسلمين؛ لكي يُفسدوا عليهم دينهم، وهذا ما سنتاوله بالدراسة في الحلقة القادمة بإذن الله.


الشيخ خالد رزق تقي الدين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-10-2019, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ المسلمين في البرازيل

تاريخ المسلمين في البرازيل

الشيخ خالد رزق تقي الدين

الشيخ عبد الرحمن البغدادي في بلاد السامبا (3)


كنت قد سمعت وقرأت منذ عامين بوجود مخطوطة تتحدَّث عن زيارة أحد علماء المسلمين للبرازيل في قديم الزمان، وبدأت رحلة بحث مضنية عن هذه المخطوطة، أو أي خيط يدلني عليها، وحينما حصلت على بعض الورقيات منها فرحت فرحًا شديدًا لأن هذه المعلومات القليلة أعطتني تصورًا عن وضع المسلمين في البرازيل في ذلك الحين، إلى أن حصلت عليها كاملة منذ حوالي شهر ففتحت أبواب معرفتي لحقائق ما تعرَّض له المسلمون في البرازيل من عذابات وما لا قوه في سبيل المحافظة على دينهم...
التصنيفات: التاريخ الإسلامي - قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
القسم الأول

"في ليلة والنوم أسبل علي والسِّنة، رأيت ما يرى النائم أني في كنيسة قائم، كاشِفًا عن رأسي مثل النصارى لابسًا لباسهم لا أتوارى، متمثلًا بين يدي الصورة التي هي رسم ذات عيسى المطهَّرة، ومعي أقوام أقول لهم قولوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4]، فقمتُ مرعوبًا من هذا المنام وقصصته على أصحابي فقالوا: أضغاث أحلام، ولكن احذر من الذنوب فإنها مُشوِّهة للقلوب، وبعضهم قال غير ذلك والله تعالى أعلم بما هنالك"، رؤية رآها الشيخ عبد الرحمن البغدادي[1] قبل 15 عامًا من وصوله إلى البرازيل، ورواها في مخطوطته "مسلية الغريب"[2].

كنت قد سمعت وقرأت منذ عامين بوجود مخطوطة تتحدَّث عن زيارة أحد علماء المسلمين للبرازيل في قديم الزمان، وبدأت رحلة بحث مضنية عن هذه المخطوطة، أو أي خيط يدلني عليها، وحينما حصلت على بعض الورقيات منها فرحت فرحًا شديدًا لأن هذه المعلومات القليلة أعطتني تصورًا عن وضع المسلمين في البرازيل في ذلك الحين، إلى أن حصلت عليها كاملة منذ حوالي شهر ففتحت أبواب معرفتي لحقائق ما تعرَّض له المسلمون في البرازيل من عذابات وما لا قوة في سبيل المحافظة على دينهم.

هذه المخطوطة تُعد -بلا شك- عمدة للدارسين والمتابعين لتاريخ المسلمين في البرازيل، لأن من كتبها عالِم جليل وأديب مخضرم، استطاع أن يصف كل ما رأى، وأن يضع تصوراته لإنقاذ الجالية المسلمة في ذلك الوقت، لقد أضافت هذه المخطوطة بُعدًا آخر على تاريخ الإسلام والمسلمين في البرازيل.

كان الاعتقاد السائد لدى الدارسين لتاريخ الإسلام والمسلمين في البرازيل أن قصة المسلمين الأفارقة الأوائل الذين عاشوا في البرازيل تنتهي بثورة 1835م في ولاية باهيا، إلى أن وصلتنا هذه المخطوطة لتستكمل حلقة مفقودة في تاريخ المسلمين في البرازيل، ولتؤكد أن الإسلام استمر تواجده وبفاعلية في دولة البرازيل، وإن كان مستترًا لسنين طويلة بعد هذه الثورة.

حاول المسلمون خلالها أن يتوحَّدوا وكان هناك تواصل منظٌَّم بين تجمعاتهم المنتشرة في دولة البرازيل الكبيرة، ومارسوا شعائر دينهم التي شابها الكثير من التحريف نتيجة قتل مشايخهم واندساس بعض اليهود بينهم والذين عمِلوا على تبديل أوليات الدين الإسلامي، ولذلك كانوا حريصين على بقاء الشيخ عبد الرحمن البغدادي بينهم لكي يُعلِّمهم أمور دينهم كما سيتبين لنا من قراءة المخطوطة.

كان الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي الدمشقي، عالِمًا أديبًا ذو مواهب متعددة، يكتب الشعر والأدب، ويتقن العلوم المختلفة إضافة للعلوم الشرعية، ويتقن اللغتين العربية والتركية، وكان محبًا للسفر والتِجوال، ولقد سافر إلى الدولة العلية العثمانية في الأستانة وكان ذلك في عهد السلطان عبد العزيز الأول[3].

وترقَّى في المناصب ليصير إمامًا للبحرية العثمانية، وحينما عَلِم أن هناك سفينتان ستسافران إلى البصرة مرورًا برأس الرجاء الصالح طلب الإذن لمرافقة إحداهما، وكان ذلك في عهد أمير البحار محمد صالح آتيش باشا، وكان قصد الشيخ كما ذكر: "فطلبت المسير بإحداهما قصدًا للسياحة والتأمُّل بكل ساحة، إذ هي تزيد اليقين ويتأكد بالنظر لعظمة القدير المبين"[4].
وقد بدأت الرحلة في أوائل جمادى الأولى سنة 1282 هجرية؛ وحينما وصلت السفينتان للمحيط الأطلسى هبَّت عاصفة قوية، وحملتهما إلى بلاد بعيدة تبين بعد ذلك أنها "ريو دي جانيرو"[5] عاصمة دولة البرازيل في ذلك الوقت.
وهناك قرَّر الشيخ البغدادي أن يبقى في البرازيل بقصد تعليم المسلمين "وهناك تركت البوابير لأجل تعليم المسلمين الذين بهذه البلاد مقيمين محتسِبًا لوجه ربِّ العالمين"[6].

أول لقاء للشيخ مع المسلمين في البرازيل

يروي الشيخ البغدادي أول لقاء له مع المسلمين في مدينة ريو دي جانيرو فيقول:

"في اليوم الذي وصلت فيه البوابير إلى ريو دي جانيرو أجرت نظامات الدول من إطلاق المدافع النارية وإظهار الشنان للعساكر الشاهانية، وفي اليوم التالي خرجت ضباط العساكر الإسلامية للتفرُّج على هذه البلدة السنية وكذلك الداعي؛ فلما وافيت الأسكلة وشاهدت الصور والأمثلة، فإذا برجلٍ من السودان قدِم عليَّ وأشار بقوله "السلام عليكم" إليَّ وخصَّني بها من دون القوم بالتعظيم لأن لباسي مشتمِلًا على العمامة والهيئة الرسمية وفيه الإشارة العلمية، وبما أن لباسه لباس طوائف الأفرنجية ما رددت عليه هذه التحية وظننت أنه تعلمها للاستهزاء وخاطبته بالعربي والتركي فما فهم ولا بالإيماء بل تكلم بلغة البرتكزية، فَسِرت وما ألقيت له بالي لِما غلب على ظني أنه مستهزيء بالكلية".

"فتفرجنا في ذلك اليوم -على بعض ما سأذكره وإليه أُشِير- ورجعنا في المساء إلى البوابير، كل مِنَّا بالسلامة قرير؛ لأننا لاقينا في الطريق نوعًا من الشدة والضيق، وبعدها وردت متفرِّجوا الإفرنج من كل فج عميق، وأذن القماندار لهم بالتفرُّج، وأعد ذلك من مكارم دولتنا العلية وقصدًا لإشهار فضلها ولو كانت عن ذلك غنية"؟

"فدخل أمم لا تحصى ومن جملتها بعض من السودان، وحين دخولهم كل منهم يبادر بالسلام ويقول "إيو مسلم"[7] فما فَهِم أحد من ضباط العساكر ما قال؛ لأنه ليس فيهم من يتكلم بالبرتكيز بل يعرِفوا لغتي الفرنسيس والإنكليز، فخاطبوهم بهما فما فهموا ما خوطبوا ومكثوا قليلًا وذهبوا".
"وبعد أن قل المتفرِّجون بمدة قليلة؛ جاء من هذه السودان شرذمة جليلة وتكلموا مثل الكلام الأول وقعدوا عندنا إلى وقت الظهيرة، فقمنا إلى أداء ما فرض الله تعالى علينا، فقاموا جميعاً وتوضأوا وصلوا مثلنا، فتحققنا أنهم مسلمون ولواجب الوجود يدينون، فأخذنا لذلك العجب وتمايلنا من الطرب! وأظهرنا لهم الإكرام وحُسن الالتفات التام".
في مساء هذا اليوم؛ طلب المسلمون الإذن بالإنصراف، وعادوا في بعد ذلك ومعهم مترجم يجيد اللغتين العربية والبرتغالية، لاحظ الشيخ البغدادي أنهم حاسري الرؤوس وكان ذلك يعد نقصًا في المروءة في ذلك الوقت ومع ذلك أظهر لهم البشاشة، وقام بواجبهم بكل احترام، وقام بعمل اجتماع ليتعرَّف على أحوالهم فأخبره هذا المترجم أن هؤلاء العبيد جُلِبوا من إفريقيا قبل 60 عامًا وكانوا أسرى للحروب التي وقعت في ذلك الوقت بين الممالك الإفريقية، وأنه تم جلب أكثر من 50 مليونًا إلى الأمريكتين.

ذكر الشيخ البغدادي على لسان المترجم:

"والمسلمون منهم طائفة قليلة غير أن قلوبهم بالجهالة عليلة؛ لأنهم خرجوا من بلادهم صغار ما فيهم من تعلَّم دين النبي المختار، ولما شاهدوكم زاد بهم الفرح وزال عنهم الترح، ومرادهم أن تذهب معهم إلى دُورِهم وتنظر في أمورهم، كي يتعلَّموا منك اللازم من الدين وتطمئن قلوبهم عن يقين".

كانت هذه دعوة صريحة من المسلمين للشيخ البغدادي لكي يصحبهم ويتعرَّف على أمورهم ويُعلِّمهم مبادئ الدين ويطمئنوا على إسلامهم، ولذلك طلب الشيخ من القماندار الإذن بالذهاب معهم بعد أن شرح له قضيتهم، فأذِن له واعتبر هذا الطلب من المسلمين دليلًا على ثبات الإسلام في صدورهم، وطلب منه أن يطلب منهم صالح الدعاء له، وكان الإذِن يتطلب أن يبقى معهم الشيخ لأيام قليلة يعود بعدها للسفينة حتى تستمر رحلتهم مرة أخرى.

ملاحظة ودراسة واقع المسلمين

لقد بدأ الشيخ البغدادي يُسجِّل ملاحظاته حول سلوكيات المسلمين؛ حتى يستطيع أن يُشخِّص أمراضهم ومن ثم يجد العلاج الناجع، وقد تبيَّن له أنهم شديدي الجهل "رأيت من جهلهم ما يُبهِر الأفكار"، وخلال هذه الفترة لفت انتباهه أمرين، الصلاة والمترجم.

أولًا: الصلاة

لاحظ أنه حينما صلى بهم المغرب وعند قيامه لأداء السنة اقتدوا به؛ فطلب منهم أن يصلوا فرادى ففعلوا، يقول فرأيت الرجل منهم بعد أن ينوي تكبيرة الافتتاح قائمًا يميل مرة لليمين ومرة للشمال ويسجد للأرض لاثمًا بلا ركوع ولا سجود ولا قراءة ويُكرِّر ذلك ما شاء بدون الجلوس الأخير فارِشًا للرمل الأبيض -عِوض الحصير- ويخرج منها بدون سلام ويقول ما يريد فيها من الكلام متوشِّحًا بوِشاح أبيض وبعضهم أزرق وإذا ضايقه البلغم أعد كاسة بها بصق.

ثانيًا: المترجم

لاحظ أن الناس يُعظِّمون ذلك المترجم، ويستفتونه في كل صغيرة وكبيرة، فتشكَّك أن يكون هو الذي عَلَّمهم هذه الطريقة الخاطئة في الصلاة، فسأله الشيخ عن دينه، فقال المترجم إنه مسلم ولكنه خرج من بلده وهو صغير السن وليس لديه الكثير من العلم والمعرفة بالدين، ومع ذلك فهو أعلم من هؤلاء المسلمين المتابعين له.

ومما زاد شك الشيخ البغدادي في هذا المترجم؛ أنه قال له أنهم في بلاد الأجانب ولا يقدرون على أداء الفرائض، وضرب مثالًا على ذلك: أنه في رمضان الماضي اكتفى بصيام 15 يومًا من رمضان لشدة الحرارة وأنه ليس عليه ذنب ولا لوم ولا يجب عليه إعادة الصوم! هذا الكلام جعل الشيخ يتأكد أن ذلك المترجم يُخفي شيئًا عظيمًا "فتعجبت من خلطِ جوابه، ونفرَ طبعي منه لتزويق إرابه".

تعامل الشيخ مع هذا الواقع بشيءٍ من الحكمة، ومن خلال دراسة الخطوات التي اتخذها معهم لبيان الحق وتعليمهم أصول الدين يتبيَّن لنا أننا أمام عالِم وداعية من طراز فريد؛ إذ لم يُنكِر عليهم صراحةً أفعالهم ولا على هذا المترجم، وذلك خوفًا من نفورهم وكسر خواطرهم، بل استحسن ما عملوه، وطلب من المترجم أن يطلب منهم الاقتداء بأفعاله.

استجمع الشيخ البغدادي فكره وحواسه، ورأى ضرورة أن يبدأ معهم بأمور العقيدة قبل تعليمهم الوضوء والصلاة، وكذلك لم يظهر لهذا الترجمان أنه اكتشف أمره لأنه محتاج إليه لترجمة ما سيقوم به من أمور التعليم يقول الشيخ "ثم ضربتُ أخماسٍ في أسداسٍ وجمعت فكري والحواس، أني إذا التفت إلى تعليم القوم كيفية الوضوء والصلاة والصوم، فاتني تعليمهم الفرض الأعظم الذي هو على كل فرض مقدَّم، وهو معرفة واجب الوجود والقِدَم، وكذلك إن أظهرت للترجمان ما تحققته من الزور والبهتان عدمته لأني محتاج إليه في مادة اللسان كيف وقد فهمت أنه ليس في هذه البلاد غيره يرتجى في الترجمة خيره، فكتمت سري وطلبت المعونة ممن يعلم أمري، وبدأت أولًا في التكلم على معرفة الباري المتعال المنزَّه عن النظير والمِثال".

واستمر الشيخ البغدادي على هذا الحال ثلاثة عشر يومًا يصل الليل بالنهار، ويُكرِّر مجالس الوعظ، ويُزيِّن دروسه بذكر صفات المولى سبحانه وتعالى ومحاسن النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه، وكانت هذه العملية تتم في دار كبيرة استأجرها المسلمون لهذه الغاية، وواضح أنهم لم يُطلِقوا عليها اسم "مسجد" لتخوُّفِهم من الدولة ورقابتها الصارمة ضد أي مظاهر إسلامية في ذلك الحين.

بعد هذه المدة تبيَّن للشيخ من خلال فهمه وفراسته أن كلامه ووعظه لم يُغيِّر شيئًا من سلوك المسلمين، فرد هذا الأمر إلى أمرين، الأول إما أن يكون هذا المترجم لا يحسن التكلم باللغة البرتغالية ولا يستطيع ترجمة هذه الأمور العلمية، أو أن يكون المترجم قد فهم مقصود الكلام ولكنه بدَّل وحرَّف فيه كما يشاء وهذا الاحتمال هو الذي تحقق الشيخ منه بعد أن أتقن اللغة البرتغالية.

لم يُعِر الشيخ القضية الاهتمام اللازم لأنه كما قال "ولكن لعلمي أن هذه المدة قصيرة ولستُ من أمري على بصيرة، قلت ما بيدي حيلة أكثر مما أظهرته ولا أقدر على زيادة مما أبديته، ولا أعلم لسان القوم" وطلب منهم الإذن وعاد مرة أخرى للسفينة، مع وعد لهم بأن يعود مرة أخرى.

تأثَّر الشيخ البغدادي تأثرًا شديدًا بواقع المسلمين المؤلم، ولدى وصوله للسفينه استقبله القماندار وكان مشغول البال عليه، ودار بينهما حوار طويل بدأه القامندار بالعتب عليه أنه قد تأخر كثيرًا وطلب منه أن لا يذهب مرةً أخرى لهؤلاء المسلمين، وعلَّل ذلك بأمرين، الأول أنه توجد اتفاقيات بين الدول تمنع التدخل في الشؤون الداخلية، ولو علِمت دولة البرازيل بما قام به الشيخ لحدثت أزمة بينها وبين الدولة العثمانية ويكون القماندار هو المسؤول، والثاني أن المسلمون في البرازيل يكتمون إسلامهم وقد عرف رُبَّان السفينة ذلك من خلال سؤاله لبعض الإنجليز، وأن السلطات الحاكمة تعتبرهم نصارى.

هذا الحديث لم يمنع الشيخ البغدادي أن يصف ما رأى وشاهد ويترك لقائد السفينة أن يُفكِّر في الأمر جيدًا، فالموضوع يتصل بأخوة له في الدين سيطرت عليهم الجهالة وهم بحاجة إلى من يعلمهم قال الشيخ:

"فقلت إن ما ذكرت قرين الأصول فاسمع ما أقول: إن هذه الأهالي غلبت عليهم الجهالة وهم منها في أسوأ حالة، وشرحت له بعض ما شاهدت من صلاتهم وما هم فيه".

هذا الحديث أثَّر في رُبَّان السفينة ولكنه وقع بين نارين إن سمح للشيخ بالبقاء على أرض البرازيل؛ لم يسلم من اللوم من الدولة العثمانية، وإن لم يسمح له يخشى من بطش المولى سبحانه وتعالى، وصعوبة الجواب يوم القيامة إذا ما سئل عن هؤلاء المسلمين، وخصوصًا أنهم أول من التقى بهؤلاء المسلمين وعلِموا ما هم عليه من الفساد والتحريف، والواجب يملي عليهم أن يقوموا بعملية الإصلاح، وظل النقاش مستمرًا والتفكير في هذه القضية يستحوذ عليهم مدة ثلاثة أيام، وأوكلوا الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.

كان المسلمون قد نفذ صبرهم وقرَّروا العودة إلى السفينة ومقابلة رُبَّانِها والحديث معه مباشرة وإقناعه بضرورة بقاء الشيخ البغدادي معهم، وفعلًا جاء وفد كبير منهم ومعهم مترجم آخر يُجيد الإنجليزية والبرتغالية وقالوا له "نحن ما نريد منكم حطام ولا نبغي حماية ولا عن أنفسنا وقاية، فقط نريد منكم التعليم لهذا الدين المستقيم، لأننا كنا نظن أنه ليس في الدنيا سوانا مسلمين... وأننا على الطريق المبين، وأن جميع البيضان هم طوائف الخرستيان، إلى أن منَّ الله تعالى ورأيناكم فعلِمنا أن ملك الباري واسع، والدنيا ليست بلاقع بل معمورة بالمسلمين فلا تبخلوا علينا بتعليم هذا الدين، وإن قلتم لنا هاجروا إلى بلاد الإسلام وتعلَّموا الصلاة والصيام نقول إن علينا من الشروط من كل أمر منوط، إن من هاجر مِنَّا بنفسه يخرج من حطام الدنيا وما خوَّله لنفسه ويتركه للدولة خالصًا ولا يكون في إعطائه حائصًا، وهذا مما يصعب على النفوس حيث هذه البلاد صارت لنا وطنا مأنوس، فاعمل معنا هذا المعروف وأنقذنا من هذا الأمر المخوف، واسمح لنا بالباباز بوجه الانجاز ودعوا له بصالح الدواعي".

كانت هذه الكلمات كافية لتحريك مشاعر رُبَّان السفينة للاستجابة لطلب المسلمين، فقد أوضحوا أنهم لا يريدون شيئًا من حطام الدنيا وأنهم لا يطلبون الحماية، وكل ما يحتاجونه أن يتفقهوا في دينهم، وواضح من أقوالهم أنهم كانوا يعرفون مفهوم الهجرة، غير أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مواطنون برازيليون، وهذا يدل على سعيهم لتوطين دعوة الإسلام في البرازيل، كذلك كان الكثير منهم ما يزال تحت العبودية لأنه كان يدفع مستحقات حريته لسيده.

أرسل القماندار واستدعى الشيخ الذي رأى المسلمون فاستخبر عن أمرهم فأخبره قائد السفينة بما دار بينهم وخيره بين البقاء مع المسلمين أو السفر وجعل القرار النهائي له، لم يتردد الشيخ البغدادي لحظة واحدة وهكذا عهد العلماء فقال "أذهب معهم وأبذل نفسي ولو لاقيت رمسي وأطلب بذلك رضاء الله وأساله التوفيق لما يحبه ويرضاه".

وطلب من المسلمين حمل أمتعته وكتبه، لقد تحرَّكت مشاعر العالِم الصادق، والداعية الحريص على هداية الناس، وهو يعلم علم اليقين أن هناك مخاطرة كبيرة لبقائه في البرازيل، لأن أمر الإسلام مستتر عن العيون، ولو علمت الحكومة البرازيلية في ذلك الحين أو شعرت بأي مظاهر إسلامية يكون جزاء صاحبها الإعدام أو الحبس أو النفي، لقد أعلن الشيح البغدادي أنه ماضٍ في طريق الدعوة حتى لو قدَّم نفسه رخيصة إذا كان العوض هو نيل رضوان الله تبارك وتعالى.

كانت هذه ليلة الوداع بين قائد السفينة والشيخ البغدادي "وفي هذه الليلة سهرت مع جناب القماندار وليس معنا ثالث سوى المنزه عن أن يشبه بحادث"، وطال الحديث بينهما وامتد إلى صلاة الفجر واتفقا على جملة أمور مهمة تدل على وعي شامل من القبطان والشيخ بأمور الدعوة الإسلامية، وكذلك تسهل مهمة قائد السفينة حينما يرجع إلى تركيا بدون الشيخ البغدادي "واتفقنا على الكتمان والقناعة، وأن لا أحمل القوم ما لا يطيقون دفاعه"، هذين أمرين هامين في الدعوة إلى الله وخصوصًا في الظروف التي كان يمرُّ بها المسلمون في البرازيل كانت تقتضي الكتمان حتى لا يُفضَح أمرهم وتقضي الدولة عليهم قضاءً تامًا، وكذلك عدم حدوث أزمة بين حكومة البرازيل والدولة العثمانية بسبب وجود الشيخ البغدادي، والأمر الآخر أن يُيسِّر الشيخ الأمور الدعوية وأن يكون خفيفًا عفيفًا مع هؤلاء المسلمين.

من جانبه وحتى تسير الأمور بشكلٍ طبيعي أمام الحكومة البرازيلية؛ قام قائد السفينة بإرسال رسالة إلى الحكومة البرازيلية يُبيِّن فيها أن الشيخ البغدادي خرج متفرِجًا على بلدة "ريو دي جانيرو" وقد أُعجِبَ ببساتينها وجمال مبانيها، وتأخر في العودة إلى السفينة، وأنه على عجلة من أمره ولا بد له من الرحيل، فجاء جواب الحكومة البرازيلية بأنه يستطيع الرحيل ومتى عثروا على الشيخ البغدادي سيرسلونه مكرَّمًا على أول سفينة، وبهذه الطريقة أمَّن قائد السفينة نفسه وكذلك العلاقات بين الدولتين من أن تُصاب بانتكاسة ويكون هو السبب في ذلك.

استقبل المسلمون الشيخ البغدادي بالفرح والسرور، وكان الشيخ قد بدأ في رسم خطة لملامح العمل الدعوي والتحرُّك وسط الجالية المسلمة خلال الفترة القادمة، فما هي معالِم هذه الخطة؟ وكيف تعامل الشيخ مع المشاكل المختلفة التي كانت تمرُّ بها الجالية؟

هذا ما سنعرِفه في الحلقة الرابعة بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــ


[1]- (عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي الدمشقي، ولد في مدينة بغداد ثم انتقل إلى مدينة دمشق، ومنها إلى عاصمة الخلافة العثمانية حيث عين إمامًا للبحرية العثمانية من قبل أمير البحر في ذلك العهد محمد صالح آتيش باشا، لم تتوفر لدي معلومات مفصلة عن الشيخ عبد الرحمن البغدادي غير التي ذكرها في مخطوطته).

[2]- (مخطوطة للشيخ عبد الرحمن البغدادي سمَّاها "مسلية الغريب بكل أمر عجيب" يروي فيها رحلته من إستنبول وصولًا إلى البرازيل، ومدة الثلاث سنوات التي قضاها هناك بين المسلمين، وعودته إلى مكة ثم الشام ونهاية بإستنبول مرة أخرين والمخطوطة موجودة في مكتبة برلين وتُعَد من أدب الرحلات).

[3]- (السلطان عبد العزيز بن الخليفة محمود بن عبد المجيد تولى الخلافة 1277هـ وعُزِلَ منها 1293هـ، قام بالعديد من الإصلاحات في الدولة العثمانية وطور الجيش والأسطول البحري العثماني ليُصبِح ثالث قوة بحرية في ذلك الوقت، ورفض كافة الدساتير الأوروبية، هذه التغيرات التي لم ترق إلى الغرب فقاموا بتشويه صورته، فتم العمل على عزله ثم اغتياله بعد ذلك).

[4]- (مخطوطة مسلية الغريب).

[5]- مدينة ريو دي جانيرو "نهر يناير"، تم تأسيسها عام 1565م، ويبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، العاصمة السابقة لدولة البرازيل بعد أن كانت باهيا العاصمة الأولى، من أجمل مدن العالم وتقع على المحيط الأطلسي).

[6]- (مسلية الغريب).

[7]- (هذه كلمة باللغة البرتغالية "Eu Muslim" وتعني "أنا مسلم").

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-10-2019, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ المسلمين في البرازيل

تاريخ المسلمين في البرازيل

الشيخ خالد رزق تقي الدين

الشيخ عبد الرحمن البغدادي في بلاد السامبا (الجزء الثاني)


(4)

مخطوطة الشيخ عبد الرحمن البغدادي "مسلية الغريب بكلِّ أمر عجيب"، تأصيل تاريخي ووصْف متميِّز لعالِم جليل، وداعية مِن الطراز الأول، وصَل قدَرًا إلى أرض البرازيل بداية عام 1866م،
التصنيفات: التاريخ الإسلامي - قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
مخطوطة الشيخ عبد الرحمن البغدادي "مسلية الغريب بكلِّ أمر عجيب"، تأصيل تاريخي ووصْف متميِّز لعالِم جليل، وداعية مِن الطراز الأول، وصَل قدَرًا إلى أرض البرازيل بداية عام 1866م، بعدَ أن حملتِ الرياحُ سفينتَه لترسوَ على ساحل مدينة "ريو دي جانيرو" البرازيليَّة، حيث التقى هناك بمجموعةٍ مِن المسلمين الأفارقة، الذين طلبوا منه البقاءَ لتعليمهم أمورَ الدِّين الإسلامي، وقد قَبِل الشيخ البقاءَ، وذلك بعد مرور ثلاثة أيَّام كان قد قضاها في التشاور مع قائدِ السفينة حولَ وضْع المسلمين في البرازيل، والجهْل الذي أصابَهم، وتبديل شعائرِ دِينهم، وكانتْ قد تبلورت لديه بعضُ الأفكار الرئيسية لعملية الإصلاح التي عزَم القيام بها.
المسلمون في مدينة "ريو دي جانيرو":
بمجرَّد وصولِ الشيخ للإقامة مع المسلمين في مدينة "ريو دي جانيرو" قام بعمليةِ حصْر لأعدادهم، فتبيَّن أنَّهم 5.000 خمسة آلاف مسلمٍ على وجهِ التقريب، ثم بدأ بعدَ ذلك دراسةَ ومتابعةَ أسبابِ انحطاط المسلمين وبُعْدهم عن شعائرِ الإسلام، ووجد أنَّ مرد ذلك للأسباب التالية:
1- الجهْل بتعاليمِ الإسلام الأساسيَّة.
2- دَوْر المترجِم اليهودي الخبيث في تحريفِ الدِّين الإسلامي.
3- الكَنيسة وعملية التعميدِ الإجباريَّة.
4- محارَبة الدولة لأيِّ مظهَر إسلامي.
أولاً جهلهم بتعاليم الإسلام:
حصَر الشيخُ مظاهرَها في بعضِ الأمور، منها عدمُ حِفظهم للقرآن الكريم، ومَن كان منهم يقرأ إلى سورة عم كانوا يعدُّونه عالِمًا كبيرًا، وكانوا يحتفظون بالمصاحِف في الصناديق بغايةِ البَرَكة، وعندَ تلاوتهم للقرآن يصعب نُطقهم 10 أحْرُف مِن حروف اللغة العربية، ومخالفة طريقة صِيامهم للتعاليم الإسلاميَّة، وعدم احتِجاب نِسائهم، وشُرْبهم للخمور، وعدم مَعرفتِهم بالمواريث، واتِّباعهم للعادات البرازيليَّة في ذلك، وانتشار الكهانة، وحبّ زُعمائهم للرئاسة والدنيا على حسابِ السعي لتوحيد المسلمين.
ابتدأ الشيخُ بالعناية بأمورِ التعليم لأهميتها، وقسَّم النهار أقسامًا؛ لكثرة مَن كانوا يتردَّدون على الدار حتى وصَلوا إلى 500 مسلم، وقد قام باختيارِ الأطفال والراغبين في التعليم مِن الرِّجال، ولاطفَهم في الأقوال والأعمال، وأيقظ همَّتَهم وبالهم، حتى ظهَر فيهم الصلاح، واستطاعوا أن يَنطِقوا الحروفَ بشكل سليم.
وقام بعمل درْس عامٍّ؛ لأجْل تعليم قواعدِ الإسلام بعدَ صلاة الظهر، وقام بتحفيظ الصِّغار والكبار حديثَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بُنِي الإسلامُ على خمس...»، وقام بتأليف رسالة خطها باللغة العربية، وكلامها باللغة البرتغالية، جمَع فيها التعريفَ بصفات الله تبارك وتعالى وكذلك التعريف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفرائض الوضوء والصلاة، والصوم والزكاة والحج، وضمَّنها كلماتٍ نافِعةً، ومواعظَ مختلفة؛ قال الشيخ: "وأغلبُ القوم حفِظوا الرِّسالة، واستوعبوا المقالة، فظَهَر عليهم تغيير الحالة، وصاروا يتوضَّؤون، وللخمس يصلُّون، وبالصلاة يقرؤون".
نلاحِظ مِن خلال استقراء المخطوطة أنَّ عمليةَ تعليم اللُّغة العربية للمسلمين أخذتْ حيزًا كبيرًا مِن تفكير وتربيةِ الشيخ لهم، وشهدتْ هذه العمليةَ تقدُّمًا ملحوظًا، تمثَّل في إخراج الناس المصاحِفَ مِن الصناديق بغرضِ القراءة، ولَمَس المسلمون حاجتَهم لأعداد جديدة مِن المصاحف؛ لقلَّةِ ما كان في حوزتهم، وكان الشيخُ البغدادي لا يَدَّخِر جهدًا في البحث عن مصادرَ للحصول على كُتبٍ تعينه في التعليم "صادَف أنِّي نزلتُ يومًا للأسواق؛ للفُرجة على بديع الخلاق.
فمررتُ على دكَّانة رجل يبيع الكتب الخرستانية، فدخلت لعلِّي أرَى كتابًا في ترجمة العربية والبرتكيزيَّة"، حيث وجد بين الكتب مصحفًا باللغة العربية مطبوعًا في فرَنسا، وبسرعة تلقَّاه وراجَعه فلم يجد فيه تحريفًا، فاشتراه بليرة فَرَنسيَّة، وأخبر صاحب المكتبة بحاجته للمزيدِ مِن المصاحف ودفَع له عربونًا، وفعلاً وصلتِ المصاحف واشتراها المسلمون حتى كثُرتْ بينهم، كتَب الكونت جوزيف آرثر دو كوبينو (1816-1882)م الممثِّل الدبلوماسي الفَرَنسي في البرازيل أنَّ الفرنسيين -فوشون وديبون- كانوا يبيعون سنويًّا للمستعْبَدين وللذين نالوا حريتَهم حوالي 100 نُسخة مِن القرآن الكريم، إضافةً إلى كُتب قواعد اللغة العربية مع شرْح بالفرنسيَّة[1].
وقدِ اعتمد الشيخُ في خِطابهم -وكذلك في الأحكام الفقهيَّة التي يفتي بها- على الأسهل الموافِق لأحكامِ الشريعة مِن المذاهب الأربعة، وعلَّل ذلك بقوله: "خوفًا على قلوبهم مِن النفار، أو أن يستثقلَ أحدٌ منهم دِين النبي المختار صلَّى عليه مدبِّر الليل والنهار".
بالنسبة لصيام شهْر رمضان، فقد ردَّه الشيخ إلى وقتِه الصحيح، وأعلن بذلك في جميعِ الدولة البرازيليَّة، وكان قدْ لاحظ أنَّ المسلمين لا يبلعون ريقَهم أثناءَ الصيام، وإنْ كانوا في الصلاة بصَقُوا في كأسٍ أعدوها لذلك، ولا ينظرون في المِرآة، ولا يُضاجعون نساءَهم، ولا يكلمونهنَّ إلا بعدَ الزوال، ويأكلون قبلَ الشمس، ويُفطرون عندَ العشاء، وفي آخِر رمضان يصومون ثلاثةَ أيَّام متتالية لا يأكلون فيها شيئًا غير نوْع مِن أنواع الشراب يشربونه عندَ الإمساك والإفطار، والنِّساء لا يصمْنَ خلال هذا الشهر الكريم، وقد عمِل الشيخ على بيان فسادِ هذه الأمور، وعَلَّمهم الدين الصحيح.
أمَّا بالنسبة لحِجاب النِّساء والمواريث، فقدْ لاحظ الشيخُ أنَّ النساء كنَّ يتمددْنَ في الأسواق على ظهورهنَّ مِثل نساء الإفرنج بغيرِ حِجاب، وتتعاطين المنكرات، وترِث المرأة مِن زوجها النصفَ إذا ماتَ، والنصف الآخَر يُوزَّع بالسوية بيْن الذكور والإناث، فقام الشيخُ ببيان الحقِّ في هذه المسألة، ولكن هذا الأمر لم يرُقْ للنِّسوة، فترك الأمر لهم على الاختيار بدون مشاحَنة، حتى لا يتنازعوا وينكشِف أمْر إسلامهم للدولة البرازيليَّة؛ "وقدْ أعلنتُ وبينتُ للإسلام بعضَ طرائق من عِلم الفرائض، وما بيَّنه الله في كتابه المجيد، وقلت: مَن رضِي بهذا التحديد فنعمْ، ومَن لم يرضَ شأنه وما يريد مِن اقتدائه بالدِّيانة الإفرنجيَّة، ولا تشاحنوا ودعوا أحوالَكم خفيَّة، وذلك حينما رأيتُ عدمَ قَبول النساء تلك القسمةَ الإسلامية، ونفور طباعهنَّ منها بالكلية".
لاحَظ الشيخُ انتشارَ عِلم الكهانة، وخصوصًا بين رؤساء العشائر، وكانتْ وسيلتهم لجذْبِ قلوب الأتباع والعشيرة، وقد بيَّن لهم الشيخ أنَّ هذه العلوم غيرُ نافعة، وحرام تعاطيها أو العمل بها، وبالَغ في نهيهم عنها، وقال: إنَّهم أظهروا ترْكَها إرضاءً له فقط، وإنَّ مِن الصعب إزالةَ هذا المنكر؛ لاعتمادِهم عليه في كثيرٍ من الأحوال.
كما ركَّز الشيخ على انشغال زُعماء العشائر بحبِّ الدنيا والرِّئاسة، وسَعْي كل عشيرة لاحتواء الأُخرى، وقِلَّة المحبَّة فيما بينهم، ولقدْ حاول الشيخُ أن يُؤلِّف بين قلوبهم، ويُزيل عيوبهم، وواضح أنَّه استطاع في بعضِ الأمور أن يَصِل لمراده، وأخْفق في بعضها.
ثانيًا المترجم اليهودي وتحريفه للدين:
حينما عاد الشيخ مع المُسلمين للإقامة بينهم، جاؤوا بالمترجِم؛ ليكون أنيسًا له، ولقد استفاد الشيخُ منه في تعلُّم أصول اللغة البرتغاليَّة، وساعده على ذلك كونُ جميع المسلمين لا يتكلَّمون العربيَّة؛ مما جعله يُتْقِن اللُّغة خلال فترة قياسيَّة، وهو أمر مهمٌّ بالنسبة للداعية، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم من الآية:4]، وبدأ في إلقاء الدُّروس والخطب، وتفسير الأحكام، واستغنى بذلك عن هذا المترجِم الخبيث الذي لم يَسترح له يومًا، وكان يتشكَّك في كونه مسلمًا، وبالفعل اختفى هذا المترجم عن الجالية المسلِمة فترةً من الزمن، قام خلالها الشيخُ بِجَمع كلِّ ما قام به هذا المترجم من التحريف والتبديل لدين الإسلام، فوجد الكثيرَ من الأمور التي يَشِيب من هولها الولدان.
كان أوَّلُ ما حرَّف هذا المترجم هيئةَ الصلاة، حيث علَّم الأفارقةَ طريقة غريبةً لأدائها؛ فقد كان الواحدُ منهم ينوي تكبيرة الإحرام، ثم يميل قائمًا؛ مرة لليمين، ومرة للشمال، ويسجد للأرض لاثمًا، بلا ركوع، ولا قراءة، ويكرِّر ذلك ما شاء بدون الجلوس الأخير، ويخرج من الصلاة بدون سلام، ويقول ما يريد فيها من الكلام، وإذا ضايقه البلغم أعد (كاسة) إلى جواره يبصق فيها!
أمَّا تحريفه للصيام، فقد أباح للناس الإفطارَ في صيام رمضان، وعلَّل ذلك بشدَّة الحرارة، وقدَّم صيامه لشهر شعبان، وقد أخبر المترجمُ الشيخ البغداديَّ أنه أفطر 15 يومًا في رمضان الماضي، وأنه ليس عليه ذنبٌ، ولا يجب عليه الإعادة، وعلَّل ذلك بأنَّهم في البرازيل يصعب عليهم إقامةُ الفرائض وشعائر الدِّين.
وتحيَّة الإسلام هي "السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، قام هذا اليهوديُّ الخبيث بتحريفها، قال البغداديُّ رحمه الله: "وفي بعض يومٍ جاءني رجل من أكابرهم، ومعه آخر، وبدأ بالسَّلام حسبما تعلموا من هذا الدليل كيفيته؛ لأن كيفيَّة سلامهم أنَّ الرجل منهم حين دخوله يركع كاشفًا عن رأسه، ويلقي نفسه على البلقع، ويضع رأسه ووجهه على الغبراء، ولا يرفع حتى يُؤْذَن له، وهو مخصوصٌ في مجالس العلماء"، وقد أوضح الشيخُ أنه تخلص من هذه العادة السيِّئة.
ولقد أباح ذلك المترجم اليهوديُّ للمسلمين شربَ الخمر! يقول الشيخ البغداديُّ: "وكلٌّ منهم يشرب المُدام، ويضعونها على سُفَرهم بغير اكتِتام، ودعاني بعضُ أكابرهم، ووضع على السُّفرة مع الطعام قناني الخمر، وأواني المدام، فعرَّفتُهم بتحريم ذلك الأمر، فقالوا: إن اليهودي هو الذي أباح لنا شرب الخمر"، وقد استطاع الشيخُ -بفضل الله- القضاءَ على شرب الخمر، وقد سأله بعض المسلمين عن بيع الموجود بِحَوزتهم، فأفتاهم أنَّ الذي حرَّم شربه حرَّم بيعه، "فسفح في هذه الليلة جملة أوعية وفية، والبعض ما تركه بالكلية، فأسأل الله أن يتفضَّل عليَّ وعليهم بتوبة سنيَّة، وعلى جميع المسلمين، إنه جواد كريم".
أخطر الأمور التي قام بها هذا اليهوديُّ الحاقد على الإسلام: أنه قد فرض ضريبة على من يريد الدُّخول في الإسلام، عبارة عن 20 ليرة من الذهب الأحمر؛ فقد جاء رجلٌ من أكابر القوم إلى الشيخ البغدادي يريد اعتناقَ الإسلام، وحينما وقف بين يديه أخبره أنه الآن قد اكتمل معه كامل المبلغ اللازم لاعتناق الإسلام، فتساءل الشيخ: ولماذا المال؟ فقال الرجل: إنَّ الترجمان كان لا يقبل دخول أحدٍ في دين الإسلام إلاَّ إذا دفع عشرين ليرة من الذهب الأحمر، لا تنقص ليرة واحدة، وكان يقول لهم: هذا ما قاله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!
هؤلاء الذين كذَبوا على الأنبياء، ألن يكذبوا على خير الخلق صلوات ربي وسلامه عليه؟ وقعَتْ هذه الكلمات على سمع الشيخ البغدادي وقوعَ الصاعقة، فطلب جمع المسلمين لمؤتمر جامعٍ؛ حتَّى يُبيِّن لهم الحقَّ في هذه القضية الخطيرة، "فحين سماعي زادتْ لوعتي، وتصاعدت زفرتي، وهطلَتْ عَبرتي، وحالًا لقَّنتُ الرجل الذي مرادُه الدخول في الإسلام كلمِتَي الشهادة، وأخرج المال فردَدْتُه عليه، وأخرجت له مقدارًا من الدراهم أهديتُها منِّي إليه، وطلبت جمعيَّة جميع المسلمين، فبعد زمن قليلٍ كل أخذ عندي مكانه بالتمكين، فحمدتُ مولى الإسعاف، وصليت على سيِّد الأشراف.
وقلت: أيُّها الإخوان، اعلموا أنَّ السعيد من وفَّقه الله، والشقي من طُرِد عنه، فلْيَستعد للانتقام، ومن هدى الله به أحدًا إلى هذا الدِّين خيرٌ له من حُمر الأنعام، وأَخْذُ الجائزة من الداخلين في عقْد هذا الدِّين، محرَّم باليقين، ومتى الرجل قال كلمة الشهادة، كُتِب من أهل السعادة، له ما لكم وعليه ما عليكم، وينبغي أن تتلقَّوه بالإكرام، ولا يَخْطر بأذهانكم أنَّه لا يظهر صِدْق الداخل في الإسلام، إلاَّ بدفع المال؛ فهذا خلاف الحال؛ فإنَّ الإسلام له الظاهر، والله يتولى السرائر، والمقصود بَذْل المجهود بتكثير هذه الفِرْقة الإسلاميَّة، وإخلاص النيَّة والطوية.
وما زِلْتُ أقرع أذهانَهم بالمواعظ بألطفِ عبارة، وأكرِّرها بأحسن إشارة، إلى أن جرَتْ من عيونهم الدموع، وقالوا: أيُّها (الفا)[2] الذي كلامه مسموع، إنَّه لو علمنا أنَّ الأمر كما ذكرْتَ، وسِرْنا على النحو الذي به سِرْت، لكُنَّا في هذه البلاد ألوفًا، وفي كل يوم ننوف؛ لأنَّ خلقًا كثيرًا مُرادهم الدخول في ديننا ويمنعهم دَفْع المال، فقلت: بادروا -يرحمكم الله- إلى إصلاح هذا الحال، وإعلان ذلك المقال، وانفضَّ المجلس في ذلك اليوم".
هذا الكلام يدلُّ على ما كان يتَّصِف به الشيخ البغداديُّ رحمه الله من فَهْمٍ عميق لأصول الدعوة، وطرقها المختلفة، فبَيَّن أن هداية الناس للإسلام خيرٌ من حمر النعم، وحرَّم وأبطل أخْذَ المال من الناس نظيرَ بيان صدْقِهم لاعتناق الإسلام، وأن الإنسان يكفيه أن يتلفَّظ بالشهادتين ليصبح مسلمًا، ويكون من أهل السعادة، والله يتولى سرائره، وأن الواجب على المسلمين أن يرحِّبوا به ويكرموه، والواجب هو بَذْل الجهد لإدخال الناس في دين الله، وقد بكى الناس من هذه الموعظة، وبيَّنوا له أنَّهم لو سلكوا هذا الطريق لكانت أعداد المسلمين في البرازيل بالآلاف، وقد طلب منهم الشيخُ أن يهبُّوا للدعوة، ويذيعوا بين الناس حقيقةَ ما حدث في هذا الاجتماع.
ولقد كان لهذا الموقف ردَّةُ فعل قوية داخل المجتمع البرازيلي، حيث أسلم بعد ذلك 19.000 من الأفارقة، يقول الشيخ البغدادي: "ووردتُ بعدها إلى أقوام راغبين في دين الإسلام، فاعتنيتُ بإكرامهم، والتفَتُّ إلى تهذيبهم وتعليمهم، وكان عدَّة من أسلم في هذه البلاد تسعة عشر ألفًا من العباد".
تيقَّن الشيخُ أن أفعال هذا المترجم لا يُمْكِن أن تصدر من مسلمٍ، فأرسل في استدعائه بعد مرور فترة من الزمن، وواجهه مباشرةً بسؤال: "أما أنت يهودي؟ قال: نعم، غير أنِّي لا أخاف منك ولا من هؤلاء القوم نزول النِّقم، فقلت: لِم فعَلْت هذه الفعال، أيُّها الخبيث المحتال؟ فقال: قصدًا لإيذاء المسلمين، وتمامًا لحصول نفعي المبين؛ لأني بسبب هذه الحيل، نلت من الدنيا أكبر أمل".
هكذا اليهود في كل زمان ومكان، يعيشون على آلام الشُّعوب، ويسعون إلى التبديل والتحريف للأديان والملل، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة من الآية:64].
"إن هذا الترجمان الخبيثَ يسمِّي نفسه أحمد، وهو الذي لعقائد المسلمين بدَّل، ولحسن جمع شملها فرق وبدَّد؛ لأنَّه كان عندهم الأوَّل، وعليه في أمور الفتاوى المعوَّل، وهو مغربيُّ الأصل، من طنجة، مجاورٌ للمسلمين، عارف ببعض كلماتٍ من القرآن المبين، ولما جاء لهذه البلاد الغاربة، كان ابتداء دخوله لابسًا لباس المغاربة، فرأوه أسمرَ فتلافوه واعتقدوه، وهو يعرف لسانهم فبجَّلوه واحترموه، فصار يعلِّمهم اليهودية بالتدريج، ويسلك بهم طريق الفساد الفجيج، وما علمهم شيئًا خاليًا من القبح، سوى الختان والذَّبح؛ لأنَّه يأكل معهم ويأبى طعام الخرستيان".
لقد اغترَّ المسلمون في هذا الرجل حينما رأوا لباسه المغربيَّ، وكان أول من يصل إليهم مِن العرب، وكان يُجيد البرتغاليَّة، فاتَّبَعوه ووصل بهم الأمر إلى فقدان الكثير من الشَّريعة على يديه، وأصبح الدين ممسوخًا، ولم يبقَ لهم منه إلاَّ الختان والذبح؛ لأنه لم يكن يأكل من طعام النصارى، بعد هذا الاعتراف من ذلك اليهوديِّ بإفساده لدين المسلمين، وعدم خوفه منهم، طلب المسلمون من الشيخ أن يُفْتيهم فيه، وكيف يتصرَّفون معه، فغلَّب الشيخُ المصلحةَ العامة للمسلمين، وطلب منهم أن يتركوه لعقاب الله؛ لأنَّهم لو قاموا بأيِّ تحرُّك ضده رُبَّما ينكشف أمر إسلامهم للسُّلطات الحاكمة؛ "فشاورَني القوم في شأنه، فقلت: دعوه لمن يعلم بشأنه؛ لأنَّكم مستترون، ومن الاشتهار تَخافون، وذهب لا فزعًا ولا خائفًا، فلعنة الله عليه أنَّى كان واقفًا".
ثالثًا الكنيسة والتعميد الإجباري للمسلمين:
مارسَت الكنيسة دورًا غير أخلاقي، كان يبدأ في إفريقيا قبل شحْن العبيد إلى البرازيل، بإرغام المسلمين على التعميد وتغيير أسمائهم، ولا بدَّ من حصول مَن يتمُّ تعميده على ورقة تُفيد ذلك، وإلا تعرَّض لكثيرٍ من الأذى طوال حياته، وكذلك كان يتمُّ الأمر مع كلِّ المسلمين في البرازيل؛ يقول الشيخ البغدادي: "وجميع المسلمين بهذه الديار يُغَطِّسون أولادهم بماء جرن المعمودية... وسبب دخول المسلمين في هذا الشرك أنه حين التغطيس يؤخَذ ورقة من البترك، وهي فلان بن فلان قد غطس، وحضَر تغطيسه فلان أحد الأكابر، فيكون كأبيه الشحي ذلك الحاضر، ويسأل عن الورقة بعد مدة فإذا ما وجدت وما وجد قيدها بالدفاتر، يؤخَذ للميري رأْسًا كالرقيق، ولا ينجو في كلِّ عُمره من الضِّيق".
وهذا الأمر كان يندرج على مراسم الدفن، فإذا لَم توجَد الورقة التي تُفيد التعميد، كان لا يتمُّ قبول دفْن الميِّت، وقد استطاع الشيخ أن يجدَ حلاًّ لهذا الأمر بالتحايُل على هذه القوانين الصارمة، وقام بتغسيل بعض المسلمين ودفْنهم تُجاه القِبلة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ "ولا بدَّ لكلِّ ميِّت من المسلمين أن يأتوا له بأحدِ مأموري البترك خانة وبعض الحُكماء، ويُعطون ورقة ليد أهْله بلا خَفاء، حتى إنَّ بوَّابين المقابر يدفنوه، وإذا لَم توجَد الورقة معهم لَم يَقبلوه، فأشرْتُ عليهم أن بعد مَجيء المأمور يَشلحوه ويُغَسِّلوه، ويُصَلُّوا عليه وللمقابر يحملوه وما أمكن أن نُظهر للدفن حيلة، فإنَّ خُدَّام المقابر يضعونه كما يعرفون ولا يراعون بذلك قِبلة، وغَسَّلت في هاتيك المحلات بعضَ أفراد من الرجال؛ قصدًا لتعليم المسلمين كيفيَّة الحال".
رابعًا مُحاربة الدولة لأيِّ مظهر إسلامي:
لقد تعاوَنَت الدولة مع الكنيسة؛ للقضاء على أيِّ مظهرٍ إسلامي، ومع ذلك التضييق حافَظ المسلمون على دينهم في الخَفاء، حتى إنهم طلَبوا من الشيخ البغدادي ألاَّ يَظهر بملابس العلماء؛ حتى لا يَلفت النظر، ويُعَرِّضهم للخطر؛ "وكنت أشتهي أنْ ألبسَ لباسي المألوف إذا خرجْتُ للتفرُّج في البلدة، فيمنعني المسلمون من ذلك، ويُقَدِّمون لي أعذارًا، عد منها أنَّك إذا لَبِست لباسَك، لا نقدر على المجيء عندك، وذهَب نفعُك؛ لأنه متى عرَفك الخرستيان أنَّك مسلم، ظنوا بِنا مثلك".
وكانوا يؤدُّون صلواتهم في السرِّ: "وكان الرجل منهم حين صلاته يُغلق الباب، ويتوارى عن الخِلاَّن والأصحاب، ويُصَلِّي منفردًا؛ خوفًا من أن تشتهر عليه الخرستيان".
وواضح أنَّ أيَّ تصريحٍ بشعائر الدِّين الإسلامي أو مظاهره، كان يعرِّض صاحبه لإحدى العقوبات التالية: الحبس المؤبَّد، أو النفي، أو القتل؛ "وأنكَر المسلمون لهذا الدين خوفًا من المهالك، حتى إلى الآن إذا اشتهرَ النصارى على أحدٍ من الإسلام رُبَّما قتَلوه أو نفوه، أو مؤبَّدًا حبسوه".
صُوَر من بذْل المسلمين وتضحيتهم:
على الرغم من كل ما ورَد ذِكْره من أمراض اعْتَرَت المسلمين، فإنهم حافَظوا على دينهم وتوارَثوه فيما بينهم، وحَمَلت ذاكرتهم الكثيرَ من شعائر الإسلام، صحيح أنه تَمَّ تشويه الكثير منها لأسباب خارجة عن إرادتهم، ولكنَّهم احتفَظوا بمقومات أخلاقيَّة، حصَر الشيخ البغدادي الكثير منها، فلقد كان لَدَيهم زُهْدٌ فيما في يد غيرهم، تجلَّى ذلك في خطابهم لقائد السفينة التي حَمَلت الشيخ البغدادي للبرازيل: "نحن لا نُريد منكم حُطامًا"، وكانوا يحافظون على صلواتهم سرًّا، فمنهم من كان يقطع عمله، ويُغلق دُكَّانه لواجب الصلاة، ومنهم مَن كان يعود لمنزله؛ ليؤدِّي هذه الفريضة، وكان بين المسلمين الكثير من المحبَّة التي كانت تُغْري غيرهم من الأفارقة وتُحَفِّزهم لاعتناق الإسلام؛ حتى يصيروا جزءًا من الأُمَّة الإسلامية؛ "وعندما ينظرون إلى الطائفة الإسلامية منهم وأنهم شديدو المحبَّة لبعضهم، تأخذهم غيرة جنسيَّة، ويدخلون في دين الإسلام بأنْفس شهيَّة، والله الموفِّق لِمَن شاء، وإذا حلَّت الهداية قلبًا نَشطَت في العبادة الأعضاءُ".
وكانوا ينفقون من أجْل الحفاظ على الدين؛ سواء بشراء الكتب، أو بتأجير المصلِّيات وأماكن تجمُّعهم، يصف الشيخ البغدادي الدار التي أعدَّها المسلمون للتعليم واللقاء فيما بينهم، فيقول: "وكنَّا في دار عظيمة البناء، واسعة الفِناء، بعيدة عن السكان، قريبة من القيعان، أعدُّوها لأجْل هذه القضيَّة، بأُجْرة وفيَّة".
سجَّل الشيخ البغدادي مشاهداته عن الأرض والعُمران، والنبات والفواكه، ووصَف كلَّ ما رأى في مدينة "ريو دي جانيرو"، وهذه المشاهدات تحتاج لتحليلٍ خاصٍ، ولكن أهم ما يَلفت النظر هو حرْصه على مشاهدة ومعرفة ما كان يدور في المناسبات المختلفة، وخصوصًا اليوم الذي كان يحتفل فيه البرازيليون برفْع المسيح.
ومن كثرة حديث المسلمين عما يصير في ذلك اليوم من أعاجيب، قرَّر الشيخ أن يرى بعينَيْه هذا الأمر، يقول: "ثم وهذا الداعي بهذه البلاد في اليوم الذي يُصادف به رفْع عيسى ابن مريم عليهما السلام وهو اليوم الذي يعتقد الخرستيان به صلْب ذاته المشرَّفة، نزَل إمبراطور برازيليا إلى الكنيسة العُظمى عندهم، وبصحْبته البترك الكبير وهما بالألْبِسة التي يَظهر عليها الحزن، وجميع العساكر والمراكب منكِّسِين البواريد والإشارات، وجميع الأهالي كذلك بَادِينَ الحُزن والكآبة، أرْخى عليهم الحُزن جِلبابه.
وقد أخبرني بعضُ المسلمين عن أعجوبة ذلك اليوم المهين، فكنت للاطِّلاع على ذلك من المبادرين، وذَهبت مع جملة من المسلمين، كلٌّ منَّا عليه لباسُ الإفرنج، فدخلْنا الكنيسة، فرأينا الإمبراطور والبترك وقوفًا على يمين الصنم، الذي هو بالفضة والذهب معلم، ثم أشاروا بالسجود على رُكَبهم باركين، رافعين أيديَهم كالمستجيرين، وأظهروا هيئة العبوديَّة، لتلك الصورة الرسميَّة، فلمَّا رأى الداعي فِعالهم، اقشعرَّ مني الجسد، وقلتُ لرِفاقي: قولوا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1-4]، وذلك سرًّا مرة بمرة، وفي ذلك الوقت تذكَّرت ذلك المنام، الذي رأيتُه قبل هذه الأعوام، فكان عين اليقين، بلا شُبهة ولا مين".
كان هذا تفسير الرؤية التي رآها الشيخ البغدادي، والتي بدأنا بها الحلقة الثالثة من تاريخ المسلمين في البرازيل، قبل أن يعلم أنه سيعيش على أرْضها في يوم من الأيام، ولَم يكن يَدور بخَلَده أنه سيتعرَّض لهذا الموقف، حتى إنه في ذلك الوقت استيقَظ فَزِعًا من رُؤياه، وهذا الموقف يدلُّنا على كامل التوحيد عند الشيخ البغدادي وأتباعه، فمع أنهم كانوا داخلَ الكنيسة التي قامَت بتعميدهم رغمًا، وبوجود أركان النظام والدولة وعلى رأسهم إمبراطور البرازيل، ومع أنَّ هذا الموقف كان سيكلِّفهم الكثير إذا تَمَّ كشْفهم، إلاَّ أنهم أقرُّوا بالوحدانيَّة لله ربِّ العالمين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
بدأتِ الدعوات تتوالَى والوفود تَصِل للقاء الشيخ البغدادي في مدينة ريو دي جانيرو، طالبين زيارة الشيخ لتجمُّعات المسلمين الأخرى داخل دولة البرازيل، والاستفادة من علْمه، وهذا يدلُّنا على وجود تواصُل بين الأُمَّة البرازيلية المسلمة في ذلك الوقت، وتبادُل الأخبار فيما بينهم، فأين توجد هذه التجمُّعات؟ وكيف تعامَل معها الشيخ البغدادي؟ وما هي تطلُّعاتهم؟ وهل يمرُّون بمشاكل كالتي يمرُّ بها المسلمون في مدينة ريو دي جانيرو؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة الخامسة من تاريخ المسلمين في البرازيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] J-F de RAYMOND (ed), Arthur de Gobineau et le Brasil: correspondencediplomatique de France a Rio de Janeiro,Grenoble, PressesUniversitaires de Grenoble, 1990 :143-148.

[2] تَعْني: عالِمًا جليلًا عارفًا بِمُحكم التَّنْزيل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-10-2019, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تاريخ المسلمين في البرازيل

تاريخ المسلمين في البرازيل

الشيخ خالد رزق تقي الدين

الشيخ عبد الرحمن البغدادي في بلاد السامبا (الجزء الثالث)

(5)

زيارةُ الشيخ عبد الرحمن البغدادي للبرازيل عام 1866م تُعتَبر أوَّل زيارة لعالِمٍ عربي مُسلِم للمسلمين في دولة البرازيل، سجَّل الشيخ خِلالَها ووصَفَ بدقَّةٍ أخلاقَهم وحَياتهم، وممارساتهم وتفاعُلاتهم المختلفة، وحاوَل من خِلال برنامجٍ تربوي إسلامي التغلُّبَ على مُعظَم المصاعب والأمراض الأخلاقيَّة التي أصابت عددًا كبيرًا من مُسلِمي البرازيل.
من الأمور المهمَّة التي سجَّلها الشيخ البغدادي خلال مشاهداته: الحديثُ عن الأمم المتوحِّشة من بني أمريكا، ويقصِد بهم سكَّان البرازيل الأصليين "الهنود الحمر"، فقد عَلِمَ أنهم يعيشون وسط الغابات المتشابِكة، ويأكلون لحومَ البشَر، وأنهم قد بلَغُوا في عِلم المداواة بالأعشاب مَبلَغًا فاقَ أفلاطون وابن سينا.
وقد التَقَى الشيخ أثناء وجوده في مدينة ريو دي جانيرو بطبيبٍ من أصولٍ إفريقية كان قد عاش فترةً من الزمن مع هؤلاء الهنود، وتعلَّم منهم طريقة استخدام الأعشاب وفوائدها المختلفة، وكانت فرصةً للبغدادي ليطَّلع على أمورِهم ويتعرَّف على أحوالهم، وذلك من خِلال حوار دارَ بينه وبين ذلك الطبيب، يقول الشيخ: "وقد اجتمعتُ معه وسألتُه عمَّن يَسُوس أمرَهم ويرجع إليه حلهم وعقدهم، فقال: أشدُّهم سحرًا أنفذُهم أمرًا، وليس لهم دِين يرجعون إليه بالكليَّة، ولا تفاخر بمتاع الدنيا الدنيَّة، بل تفاخُرهم بجميل نشاب وقوس وحراب بهيَّة، ووحوش غريبة وكواسر يقتنونها فتحرسهم وتجلب لهم الخير، وتكلَّم أمامي بلغتهم فإذا هي كصفير الطيور".
رغم أنَّ الحديث عن تلك الأمم غريبٌ وعجيبٌ وشيِّق، ولكنَّ الذي لفت نظرَ الشيخ البغدادي بصِفته عالِمًا مسلمًا وداعية إلى الله هو كيفيَّة دعوة "الهنود الحمر" إلى الإسلام، فقد علم من خِلال حديثه مع الطبيب الإفريقي أنَّ الهنود ليس لهم دينٌ يرجعون إليه بالكليَّة، يقول في مخطوطته: "وكم خطَر لي الذهاب إليهم لألقي دين الإسلام عليهم فيمنعونني[1] المسلمون ويقولون لي: إنَّ هذه الأمم لا يقبَلُون سيما ولا تعرف لسانهم، فربما يبطشون فيك، فدعْ ما لا يعنيك؛ لئلاَّ ترى ما لا يرضيك"، وهذا دليلٌ على ما كان يتَّصف به هذا العالِم الجليل من حِرصٍ على الوصول بدعوة الله تبارك وتعالى إلى كلِّ أرجاء البرازيل، حتى تلك الأماكن المجهولة، والعجيب في أيَّامنا أنَّه مع وجود وسائل الاتِّصال الحديثة ومعرفة الكثير عن هؤلاء الهنود، إلا أنَّه -وعلى حسَب علمي- لم يتمَّ عرض مَبادئ وتعاليم الإسلام على هذا الشعب، وهذه مسؤوليَّة المسلمين في كلِّ مكان.
المسلمون في "مدينة باهيا"
تلقَّى الشيخ البغدادي دعوةً لزيارة المسلمين في مدينة باهيا[2] من خِلال وفدٍ جاء خِصِّيصَى من أجْل دعوته للإقامة بين المسلمين هناك بهدف تربيتهم وتعليمهم شَعائرَ الإسلام، وهذا يدلُّ على مَدَى التنظيم والترابُط والتواصُل الذي كان يحكُم علاقة المسلمين بعضهم ببعض في دولة البرازيل، يقول الشيخ: "ثم انتقلتُ من ريو دي جانيرو إلى بلدة أبائيَّة -بتشديد الياء المفتوحة على وزن عربية- وذلك لأنه أتى رجال منها لطلبي"، هذه البلدة كانت مشهورةً بتصدير طير "الببغاء" وقد أهدى المسلمون طائرًا للشيخ، وكان الشيخ حريصًا على ترديد الأذان داخل البيت ممَّا جعل الببغاء يُردِّده خلفه؛ "وأتوا إليَّ بطائر منها، فعلقته عندي مدَّةً من الزمان، وتكرَّر سماعُه الأذان منِّي فحفظه بالعيان؛ لأنَّه سريع الفهم والتقليد، ولا يجيب عن الماضي بالتأكيد".
أحوال المسلمين في باهيا
كما هي عادَتُه، أعطى الشيخ أهميَّةً لإحصاء أعداد المسلمين في باهيا، يقول: "في هذه البلدة من المسلمين أكثر من الأولى"، وهذا مؤشرٌ يدلُّ على أنَّ تعداد المسلمين قد تجاوَز 24 ألفًا في مدينة باهيا، وما وصلنا إليه نستَنتِجُه من خِلال الاستعراض الدقيق للمخطوطة؛ حيث ذكر الشيخ أنَّ عددَ المسلمين في مدينة ريو دي جانيرو 5 آلاف، وأنَّ الذين اعتنَقُوا الإسلام خِلالَ فترة وُجودِه هناك بلَغُوا 19 ألف مسلم، فيكون مجموع المسلمين 24 ألفًا، وهذا العدد ليس كبيرًا، فكلُّ المتابعات التاريخيَّة التي بدَأت تتكشف في الآوِنة الأخيرة تدلُّ على وجود أمَّة إسلاميَّة كبيرة وقويَّة في ذلك الوقت داخل دولة البرازيل، ولكن تَكالبَتْ عليها عواملُ مختلفة عملت على القَضاء عليها وإقصائها من التاريخ ومن ذاكرة الأحداث داخل دولة البرازيل.
ذكر الشيخ أنَّ رغبة المسلمين في تعلُّم الإسلام في مدينة باهيا أقلُّ من رغبة المسلمين في مدينة ريو دي جانيرو، وأنَّ أحوالهم تتماثَل مع أحوالهم في الجهل في الدِّين، وينفردون ببعض الأمراض الأخلاقيَّة عن مسلمي ريو دي جانيرو.
من هذه الأمراض طريقتهم في الزواج؛ حيث كان الرجل إذا أراد الزواج قام باختيار امرأة للعيش معها فترةً من الزمن حتى تنجب منه، فإذا ظهر منها خِلال هذه الفترة أنها تكتم سرَّه وتُدبِّر أمره وتحبُّه يقوم بالعقد عليها وتكون زوجته، وإنْ وجدها خلاف ذلك أعادَها مع أبنائها إلى أبيها، وقد قام الشيخ بوضع حلٍّ لهذه المخالفات الشرعيَّة وقام بحملة توعية لهؤلاء الشباب ودعوتهم للتوبة، وكان مَن يتوب منهم يقومُ بتزويجه بعقد ومهر، وأخبرهم بأنَّ الله قد أباح الطلاق إذا وجدت الحاجة إليه، وقد كانت هذه الطريقة سببًا في إصلاح سُلوكيَّات الكثير منهم.
صامَ الشيخ شهرَ رمضان مع مسلمي باهيا، وشعر برغبتهم في أداء صلاة التراويح، فقام بأدائها مع المسلمين عشر ركعات من باب التسهيل عليهم، وكان هذا هو المنهج الذي اتَّبَعه الشيخ خلال إقامته في البرازيل، وهو حمْل الناس على المحافظة على إسلامهم بأفضل طريقةٍ، وعدم التشديد عليهم في أحكام الشريعة.
ولم يختلفْ وضع المرأة المسلمة في مدينة باهيا كثيرًا عن شكل وهيئة المرأة البرازيليَّة العاديَّة؛ فهي تمشي متبرِّجةً ولديها خلل في عقيدتها، كانت إحداهن إذا مات زوجُها أو أخوها أو أبوها تذهب للكنيسة وتتصدَّق على الرهبان، وتَطلُب منهم قراءة الإنجيل ووهب ثوابه للميت، ولقد بالَغ الشيخ في وعظهن والتلطُّف معهن حتى انتهَيْنَ عن هذه العادة السيِّئة التي تُخالِف شعائر وتعاليم الإسلام.
أمَّا أبناء المسلمين فكانوا يشبُّون على عقيدة النصارى ممَّا يجعلهم يعتنقونها، وقد حصَر الشيخ البغدادي أسبابَ اعتناق هؤلاء الأبناء للنصرانيَّة، فوجد أنَّ ذلك عائدٌ إلى تأثُّرهم بما يرَوْنه من مظاهر تبهر العيون خِلال احتفالات النصارى وما لديهم من كثْرة القسس، وما يُرافِق تلك الحفلات من مُوسيقى وحركات، وفي المقابل يجدُ والده وحيدًا في مخالفة هذا المدِّ الجارف، فيعتَقِدُ كذب أبيه، فيمشي وراء الأغلبيَّة في طريق الفساد والفجور.
وقد أشار الشيخ على الآباء بإقامة دورات تعليميَّة لأبنائهم داخل البيوت حتى يبلغوا سنًّا معيَّنة يكون فيها مُحصَّنًا ضد التأثُّر بما يراه من مظاهر الشرك؛ يقول الشيخ: "فأشَرتُ على بعض المسلمين أهل الغناء بحبس أطفالهم إلى تمام رشدهم وتعليمهم"، وقد قام المسلمون بتطبيق هذا المنهج حتى بدأ الصَّلاح يظهَرُ فيهم.
أقام الشيخ في مدينة باهيا عامًا كاملًا لا همَّ له ولا غاية سوى تعليم المسلمين أمور الشريعة الإسلاميَّة؛ "وأقمت بهذه البلدة نحو سنة لا شغل لي غير تعليم المسلمين وتهذيب أخلاقهم على حسب السَّعة والإمكان".
المسلمون في مدينة "برنامبوكو"[3]
بِناءً على رغبة المسلمين في هذه المدينة أيضًا وطلبهم لوجود الشيخ بينهم لتعليمهم وتهذيب أخلاقهم، سافَر الشيخ لتلك المدينة ووصف المسلمين فيها بأنهم أشدُّ نباهةً وفَطانةً من الذين عاشَرهم وعايَشهم في مدينتي: ريو دي جانيرو وباهيا، وكان يرشدهم لأمورِ الدِّين مسلمٌ اسمه يوسف، وصَفَه الشيخ بالنباهة والفطنة والعلم.
والمسلمون في تلك المدينة كانوا يُعانون من نفْس الأمراض السابقة التي أصابتِ المسلمين في البرازيل عُمومًا، غير أنَّ الشيخ ذكر أنَّ الدولة كانت لا تُضيِّق على مسلمي برنامبوكو كثيرًا، ومردُّ ذلك أنَّ المسلمين كانوا بارِعين في ممارسة الكهانة والتنجيم وضرب الرمل، وكان النصارى يعتَقِدون في توقُّعاتهم للمستقبل، بل ويعطونهم المال الوافر مُقابِل ذلك.
أقام الشيخ بينهم 6 أشهر، ومع قصر هذه المدَّة إلا أنَّه ظهَر فيهم استجابةٌ كبيرة لتعاليم الإسلام؛ "وفي مدَّة ستة أشهر ظهَر فيهم أهليَّة أحسن من الذين ما فارقوني في طول مدَّتي".
العودة للأوطان
بعدَ هذه الفترة الثريَّة والحافلة بالمواقف الدعويَّة المختلفة والدروس والعِبَر، سواء الشيخ أو المسلمون المقيمون في البرازيل، شعر الشيخ بحنينٍ إلى بلاد الإسلام، وسَماع صوت الأذان ومقابلة الأصدقاء والخلاَّن، فقرَّر السفر لزيارة أهله مع وعدٍ للمسلمين بالعودة إذا سمحت له الدولة العثمانيَّة؛ يقول: "وبما أنَّه قد تقرَّر عند ذوي العقول وأرباب الفِطَن، أنَّ من الإيمان حبَّ الوطن، مع ما شاهدته من التأثُّر على هؤلاء المسلمين وغُربة هذا الدين، جذبَتْنِي أزمة القَضاء والقَدر، وحرَّكتني دواعي الأرق والسهر، واشتاقَتْ نفسي لسَماع الأذان، ونظر المساجد والخلان، فاستأذنت المسلمين ووعدتهم الرُّجوع إنْ أرسلتني الدولة العليَّة العثمانيَّة لتلك الرُّبوع، وخرج لوداعي جمعٌ عظيم قدموا من سائر الأقاليم، وما كلَّفت المسلمين شيئًا في هذه المدَّة سوى ما أكلته وما شربته، وقهرًا عنِّي دفعوا أجرة الوابور الذي ركبتُه، وتوجَّهت قاصِدًا للبلاد الإسلاميَّة".
وبهذا نكون قد استعرَضْنا فترةً مهمَّة من تاريخ المسلمين في دولة البرازيل، كانت مجهولةً للكثيرين ممَّن درسوا تاريخ البرازيل، سجَّلَها لنا بكلِّ تفاصيلها عالِمٌ كبير من عُلَماء المسلمين، وأعتقد أنَّ المسلمين إذا استطاعوا التمسُّك بشعائر الإسلام خِلال الفترة التي تَلَتْ زيارة الشيخ البغدادي حتى وصول هِجرة المسلمين الحديثة للبرازيل -وهي فترةٌ لا تتجاوَز 50 عامًا- لكانَ لهم شأنٌ آخَر داخل دولة البرازيل، ربما كان سببًا في أنْ يكون هناك عددٌ كبير من أتْباع الدين الإسلامي.
ولكن من الواضح أنَّ المسلمين لم يستطيعوا مقاومة حملات التنصير المستمرَّة وضغط السُّلطات الحاكمة ومُعاقبتها لأيِّ مظهرٍ إسلامي، إضافةً إلى انعدام تواصُلهم مع الدول الإسلاميَّة، وعدم اهتمام تلك الدول بأمورهم، وقلَّة العلماء، كلُّ هذه العوامل أدَّت بلا شكٍّ إلى ذَوبان هؤلاء المسلمين بكلِّ ما حملوه من نورٍ وعلمٍ وحضارةٍ في نسيج المجتمع البرازيلي، ونشأة جيل جديد لا يَعرِف شيئًا عن الإسلام سوى أنَّ أجداده كانوا مسلمين.
المنهج الدعوي للشيخ البغدادي
مخطوطة "مسلية الغريب" غنيَّة بالدروس الدعويَّة للدُّعاة الذين يعمَلون وسط الأقليَّات المسلمة في العالم، ونستطيع اعتبارَها أنها أوَّل اجتهادٍ لعالمٍ مسلم في الأمريكتين، حيث تُقدِّم نمطًا متميزًا من الدعاة الذين يرغَبُون في الإصلاح والرُقِيِّ بوضْع المسلِمين.
ونستطيعُ استِخلاص بعض الدُّروس من رحلة الشيخ البغدادي للبرازيل:
1- تعليم العقيدة الإسلاميَّة للمسلمين وتوثيق صلتهم بالخالق جلَّ وعلا وتذكيرهم بعظمَتِة والهدف من خلقهم - هي البداية الناجحة لأيِّ داعية، وهذا ما بدَأ به الشيخ البغدادي دعوتَه داخل البرازيل.
2- تركيز الداعية وحرصُه على تعليم المسلمين أركانَ الإسلام وشعائره المختلفة، وقد بذَل الشيخ جُهدًا مُضنِيًا حتى حفظ المسلمون أركانَ الإسلام.
3- التدرُّج في عمليَّة التعليم وتصحيح الأخطاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأفضل السُّبل والوسائل.
4- التدرُّج في النصح وقبول الآخَر كما هو؛ حتى يتمَّ صلاحه؛ فقد قبل الشيخ في البداية الأخطاء التي كان المسلمون يقومون بها، ثم بدأ بإصلاحها واحدةً تلوَ الأخرى بدون تعنيف.
5- حِرْصُ الداعية على توفير الكتب والمصاحف؛ لأهميَّتها في عملية التربية والتعليم، وقد استَطاع الشيخ أنْ يُعِيدَ للغة العربيَّة أهميَّتها ومكانتها في نُفوس المسلمين ويُوفِّر لهم نُسَخًا كثيرة من القرآن الكريم.
6- سَخاء الداعية وإنفاقُه من ماله في سبيل الدعوة إلى الله، واستغناؤه عمَّا في يد الناس - له أكبرُ الأثر في تأثُّر الناس بالداعية، فقد كان الشيخ البغدادي يُهدِي من ماله للمسلمين الجُدُد، ولم يُكلِّف المسلمين شيئًا خلالَ فترة إقامته.
7- الاهتمام بتربية الصغار وتنشئتهم على الإسلام، وخُصوصًا في بلاد الاغتراب، وقد أعطى الشيخ أولويَّة خاصَّة في تكوين مجموعاتٍ من أبناء المسلمين لكي يُربِّيهم ويُعلِّمهم، وأوصى الآباء بالاهتِمام بتربية أبنائهم وتمكين العقيدة الإسلاميَّة في نُفُوسِهم قبل اختِلاطهم بالمجتمع؛ حتى لا يتاثَّروا به.
8- فطنة وذكاء الداعية للمُؤامرات التي تستَهدِف المسلمين؛ حيث كانت هذه الفطنة سببًا في اكتشاف حِقْدِ المترجم اليهودي الخبيث، وإضلاله المتعمَّد للمسلمين في البرازيل.
9- «يَسِّروا ولا تُعسِّروا» (متفقٌ عليه)؛ مبدأٌ عظيم من مبادئ الدعوة التَزَمَ به الشيخُ البغدادي خِلالَ دعوته لِمُسلِمي البرازيل.
وبعدُ، فقد طوَيْنا صفحةً مهمَّة من تاريخ المسلمين في البرازيل، تُوجِب علينا أنْ نعمل على إبرازها وإقامة البحوث المختلفة حولها؛ لتكون سببًا في عودة أحفادهم إلى الإسلام، وهذا ما نُلاحِظه اليوم؛ حيث الكثير من البرازيليين الذين يعتنقون الإسلام يكون دافعهم هو دِراستهم ومعرفتهم أنَّ أجدادهم المسلمين كانوا ممَّن أسَّسوا دولة البرازيل، وأنهم حافَظوا على إسلامهم رغم كلِّ العقبات التي تعرَّضوا لها.
مرَّت سنواتٌ بعد زيارة الشيخ البغدادي بدَأتْ بعدها الهجرة العربيَّة للبرازيل عام 1882م، وكان مُعظَم مَن هاجروا من نَصارى بلاد الشام، فمتى هاجر المسلمون الجدد إلى البرازيل؟ وما هي دوافع هجرتهم؟ وأين تَمَركَزوا؟ ومتى بدَؤُوا في التفكير للحِفاظ على إسلامهم، هذا ما سنَعرِفُه في القسم السادس من (تاريخ المسلمين في البرازيل).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- هكذا وردت في المخطوطة، ولعله يريد فيمنعني المسلمون، وهي على لغة (أكلوني البراغيث).

[2]- (باهيا) واحدةٌ من الولايات السبع والعشرين الفيدراليَّة البرازيليَّة تقَعُ في الشمال الشرقي، وتُعتَبر أهمَّ ولايةٍ في الشمال الشرقي، وأهم جهة للسيَّاح، عاصمتها مدينة سالفادور، التي تُعتَبر ثالث أكبر عاصمة اكتظاظًا بالسكَّان في البرازيل.
[3]- ولاية (بيرنامبوكو) واحدةٌ من الولايات السبع والعشرين البرازيليَّة تقع في النصف الشرقي من شمال شرق البرازيل عاصمتها مدينة ريسيفي والتي تُعتَبر أقدم عاصمة في البرازيل؛ حيث أُسِّستِ المدينة في 1573م، ويقطنها 1.5 مليون نسمة، وتأتي بالترتيب الخامس في قائمة الاقتصاد البرازيلي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-10-2019, 11:03 PM
jayarambro jayarambro غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
مكان الإقامة: india
الجنس :
المشاركات: 5
الدولة : India
افتراضي رد: تاريخ المسلمين في البرازيل

Excellent Blog! I would like to thank for the efforts you have made in writing this post. I am hoping the same best work from you in the future as well.
I wanted to thank you for this websites! Thanks for sharing. Great websites!



gbwa
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 173.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 169.72 كيلو بايت... تم توفير 4.16 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]