أم عبدالرحمن الناصر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 3741 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 2976 )           »          التحذير من قطيعة الرحم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مفاتيح الرزق الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حقيقة الزهد في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تأملات في آيات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 241 )           »          أمانة العامل .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          روح القميص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ظاهرة تسلط النساء على الرجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-03-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,299
الدولة : Egypt
افتراضي أم عبدالرحمن الناصر

أم عبدالرحمن الناصر
أحمد الجوهري عبد الجواد




وراء كل عظيم أم (3)



في الوقت الذي نفتقد فيه الشواهدَ والأخبار القولية عن عظَمة أم عبدالرحمن الناصر، فإنَّ الشواهد العمليَّة التطبيقيَّة في إثبات ذلك والتنويه به تتزاحمُ علينا من كل مكان، ولا ريب في أنَّ الشهادات العمليَّة أصدقُ قيلًا، وأجدى حديثًا؛ فهي تفاعُلُ الواقع، وهي حركة الحياة، وأعظم شاهدٍ على عظمة الأم هي نتاجها وأثرها، الذي يتمثَّل في ولدها الذي على عاداتها وأخلاقها ربَّته، ومن نبعِ قلبها وزهرة فؤادها سقَتْه، وعلى عينها صنعَتْه، فقدَّمت به للحياة شيئًا مذكورًا، بل قدوة يُأتسى بها!
وهكذا صنعت أمُّ عبدالرحمن الناصر رضي الله عنها وأرضاها.

وعبدالرحمن هو ابن محمد، ابن الأمير عبدالله أحد أحفاد الأمويين، خلفاء الأندلس الذين حكموا الأندلس بين عامي 136 هـ و422 هـ، ومن قبلها كانوا خلفاء الدنيا بأسرها، الذين حكموا الأقطارَ الإسلامية بين عامي 41 هـ و132 هـ[1].

وهو سميُّ عبدالرحمن الداخل صقر قريش ومؤسِّس الدولة الأمويَّة في الأندلس - وهو حفيده - سمِّي به تيمُّنًا بما حقَّقه من مفاخر وإنجازات، لا تكفي الصحائف والدفاتر لسردها، وعدِّ آثارها، وقد كان لحفيده هذا نصيبٌ كبير ويمنٌ عظيم بهذا الاسم، فسطَّر هو الآخر خلالَ حياته المباركة أعمالًا عظيمة، ومآثرَ جليلة، ويكفيه شرفًا أنه مدَّ ظِل الدولة الإسلامية في الأندلس حتى شملت يومئذٍ أجزاءً كبيرة من أهمِّ دول القارَّة الأوربية؛ فرنسا وسويسرا وإيطاليا، وروَّض كلَّ أولئك له، ورجفوا لبأسه، وأصبحت الأندلس في عصره مقرَّ خِلافةٍ يَحتكم إليها عواهلُ أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماءُ الأمم وفلاسفتها، بعدما كانت مجرَّد ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدِّماء، فقرَّتْ له بأسرها، وسنى لخشيته قلبها وأطرافها.

وذلكم الفضل في العزِّ والنَّصر، والجهادِ والظفر، والسياسةِ والحكم - يعود سرُّه كله إلى أمِّ عبدالرحمن، تلك الأمُّ التي اعتنَتْ بتربيته بعدما قتَل عمُّه أباه، فنشَّأته على أخلاق الأبطال، واهتمَّت لمستقبله اهتمامًا يجمع بين عمل الأم والأب معًا في قلبٍ واحدٍ، قلبٍ يحمل نفسَ الأمل الذي جمعهما يومًا في عقد، وأسكن نفسيهما في مودة ورحمة، نفس الأمل الذي شعَّ بريقُه يوم أهلَّ عبدالرحمن مولودًا في 22 رمضان 277 هـ، فلم يمضِ على مولده سوى واحد وعشرين يومًا حتى رحل والُده عن الدنيا[2]، وأراد بريق الأمل ذاك أن ينطفئ فزوَّدتْه أمُّ عبدالرحمن من قوَّة نفسها وعزم قلبها، واستمرَّت تَرعى وليدَها به حتى ترعرع طفلًا، وشبَّ صبيًّا ثمَّ رجلًا، ذلك الأمل هو الذي كان يحمل أمَّ عبدالرحمن ولا يضعها حتى حقَّقت ما أمَّلتْه.

كانت أمُّ عبدالرحمن جارية، مِلك يمين، ولم تكن حُرَّة، سُبيتْ أثناء حروب الأندلس في أوروبا، وكانت تسمَّى مزنة، فنكحها محمد وأَولَدَها عبدَالرحمن، وبهذا صارت أم ولده، وأصبحت بولادة هذا الولد حرَّة، أعتقها ولدُها[3].

ولم يكن أمر الرقِّ ذاك ليقعدَ بهمة "مزنة" أم عبدالرحمن عن طلب المعالي، وكم في الأوَّلين لها من قدوة وأسوة تتخذ منهنَّ رِفعةً لهمَّتها، وشحذًا لعزمها، على ما تصبو إليه! ويكفيها أن تنظر في سماء التاريخ فترى نجمةً متلألئة تبدو واضحة للأولين والآخرين؛ تلكم هي هاجرُ زوج نبي الله إبراهيمَ وأم نبي الله إسماعيل، وجدَّة كل الأنبياء والمرسلين بعدهما، فقد كانت جاريةً تزوَّجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام أهدَتْه إيَّاها زوجُه سارة، لينجب منها الولد، فولدَتْ له إسماعيل، ثم إنَّ سارة ولدت هي الأخرى إسحاق[4]، وأيضًا غير هاجرَ كثيرات؛ كمارية القبطية أم ولَد النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ولَدتْ له إبراهيم، وكان لعمر بن الخطاب أمهات أولاد، وكذلك لعلي بن أبي طالب، ولكثيرٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم، وكان علي زين العابدين بن الحسين، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبدالله بن عمر، من أمَّهات الأولاد، وروي أنَّ الناس لم يكونوا يرغبون في أمَّهات الأولاد حتى وُلد هؤلاء الثلاثة من أمَّهات الأولاد، فرغب الناس فيهنَّ[5].

لقد كان لأمِّ عبدالرحمن تلك عزيمةٌ لا يفلُّها الحديد، وبعزيمتها تلك استطاعت أن تصِل ولدها بسلَّم الأمجاد، وأن تسلكه في سلك العظماء، حينما ربَّتْه صغيرًا على حبِّ الجهاد، وورثته مؤهلات القيادة، وقد كان بين يديها ميراث عظيم من تاريخ آبائه وأجداده تحثُّه على تمثُّله، وتؤزُّه على الاقتداء به، وبالفعل سار عبدالرحمن على نَهْج آبائه العظام، لا سيَّما عبدالرحمن الداخل، وحينما وَلي الخلافةَ في الأندلس - وكان ثامن حكَّامها، وأوَّل من لُقِّب بأمير المؤمنين منهم - كانت ولايته كلها جهادًا في سبيل الله، لا يملُّ الغزوَ، واستمرَّ على ذلك مدة ولايته التي كانت خمسين سنة، ولم يَعرف خلالها طعمًا للسكون، قال عنه الذَّهبيُّ في سير أعلام النبلاء: "لم يزل عبدالرحمن يَغزو حتى أقام العِوَج، ومهَّد البلاد، ووضَع العدل، وكثر الأمنُ، ولم تزل كلمته نافذة"[6].

وكانت شخصيَّة عبدالرحمن تجمع بين شخصيَّة القائد العسكريِّ المحنك، والسياسيِّ الداهية، ورجلِ الدولة والإدارة اللبيب، وهي الصِّفات التي لم يسبق أن اجتمعت في حاكِم للأندلس منذ عهد جده الأمير عبدالرحمن الداخل[7].
هذا بعضُ صنيع عبدالرحمن، وكلُّ صنائعه رحمه الله مشرِّفة، وجميع ذلك شواهدُ عمليَّة على عظمة تلك الأم التي ربَّتْه.

كان محمَّد "أبو عبدالرحمن" أكبر أبناء والده الأمير عبدالله، وقد كتب له أبوه بولاية العهد من بعده، الأمر الذي حمل أخاه المُطرف على حسَده، فوشى المطرف بأخيه أبي عبدالرحمن عند أبيه، وكانت وشايته تحمل اتِّهامه بالتواطؤ مع زعيم المتمرِّدين على عرش الإمارة عمر بن حفصون، فأمَر الأمير عبدالله باحتجازه في القصر، ولما ثبتَتْ براءته أمَر بإطلاق سراحه، لكنَّه شُغل عن متابعة تنفيذ ذلك بالخروج في حَمْلة، وكان قد استخلف المطرف حين خروجه، فبادر المطرف إلى محمد في سجنه، وأثخنه طعانًا حتى مات[8].

كانت أمُّ عبدالرحمن مسيحيَّة - وتشير الروايات الأجنبية إليها باسم ماريا - ولا يبعد مع هذه المآثِر جميعها أن تكون أسلمَتْ، سيما وهي زوجة أمير ابن أمير، ووالدة أمير المؤمنين، فلئن حدَث ذلك فأمرها - كما رأيناه - عجيب، وإن لم تكن أسلمت فإنَّ أمرها أعجب!

وقد عاون أمَّ عبدالرحمن في تربيته بعد مقتل أبيه جدُّه عبدالله؛ فقد كفله وأسكَنه في قصره، فنشأ مقرَّبًا إلى جدِّه، الذي آثَره وأولاه عنايتَه، وعُني بتربيته وتعليمه، فتعلَّم القرآن والسنَّة، كما درس الشِّعرَ والتاريخ والنحو، وعلَّمه فنونَ الحرب والفروسية، وكان محلَّ ثقة جدِّه، ومِن هنا أوكَل إليه جدُّه القيامَ بمهام عديدة؛ بل ندَبه للجلوس مكانه في بعض المناسبات والأعياد لتسلِّم الجند عليه، ولما اشتدَّ المرض بالجد "الأمير عبدالله"، ألقى بخاتمه إلى حفيده عبدالرحمن إشارة منه باستخلافه[9].

ورضي بذلك أعمامه، فكانت خلافته من المستطرَف؛ لأنه كان شابًّا، وبالحضرة جماعة من أعمامه، وأعمام أبيه، فلم يعترض معترضٌ عليه، وبايَعوه!
ويظهر أنَّ ذلك كان زهدًا منهم في الإمارة؛ بسبب سوء أحوال الأندلس وتمزُّقها يومئذٍ[10]، فكانت بيعته فتحًا ونصرًا وعزًّا، وكان عمله موفَّقًا غاية التوفيق؛ كما أسلفنا.

وقال الذَّهبي في سير أعلام النبلاء في مدحه: "كان لا يمَلُّ من الغَزو، فيه سؤدد وحزم وإقدام، وسجايا حميدة، أصابهم قحط، فجاء رسولُ قاضيه منذرٍ البلُّوطي يحرِّكه للخروج، فلبس ثوبًا خشنًا، وبكى واستغفَر، وتذلَّل لربه، وقال: ناصيتي بيدك، لا تعذِّب الرعيةَ بي، لن يفوتك منِّي شيء، فبلغ القاضيَ، فتهلَّل وجهه، وقال: إذا خشع جبَّارُ الأرض، يرحم جبَّار السماء، فاستُسقوا ورُحموا، وكان رحمه الله يَنطوي على دِينٍ، وحُسن خلق ومزاح"[11].


[1] انظر: البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب؛ تأليف ابن عذاري، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس؛ تأليف خليل إبراهيم السامرائي وآخرين، ودولة الإسلام في الأندلس؛ تأليف محمد عبدالله عنان.

[2] دولة الإسلام في الأندلس (1/ 373).

[3] انظر أحكام "أم الولد" في الموسوعة الفقهية الكويتية (4/ 164 - 169).

[4] انظر تفصيل ذلك من حديث أبي هريرة في أحمد (9230)، والبخاري (4796)، ومسلم (2371)، وحديث ابن عباس في البخاري (3185).

[5] المغني (9/ 527، 528).

[6] سير أعلام النبلاء (8/ 267).

[7] البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب (2/ 157).

[8] دولة الإسلام في الأندلس (1/ 348).

[9] دولة الإسلام في الأندلس (1/ 373).


[10] انظر: البيان المغرب (2/ 157)، والتحديات الداخلية والخارجية التي واجهت الأندلس خلال الفترة (300 - 366 هـ / 912 - 976 م)، (24)، جامعة الموصل، انتصار محمد صالح الدليمي.

[11] سير أعلام النبلاء (15/ 563).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.86 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]