الباحثون عن الحقيقة الشيخ عائض بن عبدالله القرني - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849962 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386164 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-07-2019, 07:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الباحثون عن الحقيقة الشيخ عائض بن عبدالله القرني

الباحثون عن الحقيقة


الشيخ عائض بن عبدالله القرني




إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس:
إن أكبر قضية في حياة المسلم، وفي حياة الإنسان، هي قضية البحث عن الهداية، قضية معرفة الله سبحانه وتعالى، قضية توحيد الله - عزَّ وجلَّ، الله أكبر؛ فلا أكبر من الله، ولا إله إلا الله، ولا إله غير الله.

اللهُ رَبِّي لا أُرِيدُ سِوَاهُ هَلْ فِي الوجود حقيقةٌ إلاَّ هُو
قَدْ ضَلَّ مَنْ يَرْجُو سِوَاهُ وَأَفْلَسَتْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي العُلا يُمْنَاهُ



يقول عز من قائل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 19].
ولذلك كانت هذه القضية، هي القضية الكبرى، التي بحثها الإسلام، والتي أرسى قواعدها، وأقام الأدلة عليها.
فأين الباحثون عن الحقيقة، وأين الملتمسون للهداية، وأين المتطلعون إلى معرفة الله سبحانه وتعالى؟
نحن اليوم مع بعض أولئك النفر الصالحين، مع المتلمسين للهداية، مع الباحثين عن الحقيقة، وفي مقدمتهم، وفي أولهم؛ سلمان الفارسي – رضي الله عنه وأرضاه – سلمان ابن الإسلام، الذي لما اجتمع مع نفر من العرب، فأخذ كل واحد منهم يفتخر بنسبه، فهذا يقول: أنا قرشي، وذاك يقول: أنا قيسي، وآخر يقول: أنا تميمي، أما سلمان – رضي الله عنه – فقال:
أَبي الإِسلامُ لا أبَ لِي سِوَاه إذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ

هو لا يعرف إلا الإِسلام، ولا ينتسب إلا إلى الإِسلام، وأكرم به من نسب.
نسبٌ كأن عليه من شمس نوراً ومن فَلَقِ الصباحِ عمودا

فولاية الله - عزَّ وجلَّ - لا تُنال بالنسب - وإن اقترب - وإنما تُنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيماناً وعملاً، فهو أعظم ولاية، سواء كان له نسبٌ قريب، أو لم يكن.
لعمرُك ما الإنسانُ إلا بدينهِ فلا تترك التقوى اتكالاً على النَّسبِ
لقد رفعَ الإِسلامُ سَلْمَانَ فارس وَقَدْ وضَعَ الشِّرْكُ النَّسِيبَ أَبَا لَهَبِ


أتى سلمان من أرض فارس، من وراء النهر، يلتمس الهداية، يطلب النور، يريد الحقيقة، وأبو جهل، وأبو لهب، وأبو طالب عند الركن اليماني، والحجر الأسود، يبغضون لا إله إلا الله، ويعادون لا إله إلا الله، ويكيدون لـ: لا إله إلا الله.
وانظر إلى قدر الله، وهداية الله، واصطفاء الله، كيف يقود الله سلمان من وراء جبال ((سيحون وجيحون)) ليكون من حماة الإسلام؟! وكيف يطرد الله هؤلاء الشرذمة الحاقدة، وهم عند الحجر الأسود والركن اليماني، فيموتون على الكفر والضلال؟!!.
كان سلمان يعبد النار من دون الله - تبارك وتعالى - يتخذها إلهاً، ويتقرب إليها بإيقادها وإشعالها!
وَأَصْبَحَ عَابِدُ النِّيرَانِ قِدَماً حُمَاةَ الْبَيْتِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِ

يحكي سلمان قصته فيقول: كنت مع أبي، وكان أبي من سدنة النار للمجوس، يوقدها لهم، ولا يتركها تخبو ساعة، فأمرني أبي ذات يوم أن أذهب إلى ضيعته فأطَّلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، ثم قلت لهم: أين أصْلُ هذا الدين؟ قالوا: بالشام.
وعدتُ إلى أبي في المساء، فسألني: أين كنت؟ فأخبرته الخبر، فحبسني، ووضع الحديد في رجلي – لأنه خاف أن أرتد عن دين المجوسية، وهكذا حماسُ أهل الباطل، فأين حماس أهل الحق؟!.

وبعثتُ إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركبٌ من الشام فأخبروني بهم، قال: فأخبروني بقدومهم، فلما أرادوا العودة إلى بلادهم، ألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين علماً؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك، وأخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، فأصلي معك، قال: ادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء؛ يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا له شيئاً، كنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين! حتى جمع سبع قلال من ذهب، وورِق. قال: وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع، ثم مات.

واجتمعت له النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء؛ يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها، كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئاً. فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ فأريتهم كنزه، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهباً وورِقاً، فلما رأوها قالوا: لا ندفنه أبداً، فصلبوه، ورجموه بالحجارة، وجاؤوا برجل آخر، فوضعوه مكانه. قال سلمان: فما رأيت رجلاً أفضل منه، فأحببته حبّاً شديداً، فأقمت معه زماناً، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إني قد كنت معك، وأحببتك حبّاً شديداً، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ فقال: أي بني، والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنت عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحقْ به. قال: فلما مات وغيب، لحقت بصاحب الموصل، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلاناً أوصى بي إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه، إلا رجلاً بنصيّبين، وهو فلان فالحقْ به، فلما مات وغُيب، لحقت بصاحب نصيبين، فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحباي، فقال: أقمْ عندي، فأقمتُ عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى مَنْ توصي بي، وبم تأمرني؟ قال: يا بني، والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا، آمرك أن تأتيه إلا رجل بعمّورية من أرض الروم، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فائته فإنه على أمرنا، فلما مات وغُيب، لحقت بصاحب عمورية، فأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت عند خير رجل، قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حُضر قلت: بم تأمرني وإلى من توصي بي؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحداً على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين، به علامات لا تخفى؛ يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغُيب، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث.

* عباد الله:
إنها رحلة طويلة شاقة، قضاها سلمان، وهو يبحث عن الحقيقة، يقطع المفاوز، ويعبر القارات، ليصل إلى الدين الحق، وقد عاش سلمان – كما قال أهل التاريخ – ثلاثمائة سنة، في المجوسية، والنصرانية والإسلام، فهو شيخ مجرب، ورجل مخضرم، استقرأ الحوادث والوقائع والأيام، وخرج بنتيجة واحدة، وهي أن الإسلام هو الدين الصحيح الذي رضيه الله تعالى للناس.

ولم تنته رحلة سلمان بعد، ولكنه اقترب من الحقيقة، بعد أن هداه صاحبه الرابع إلى نبي سيخرج في أرض العرب، قد أظل زمانه.
وتبدأ الرحلة من جديد للوصول إلى هذه الأرض البعيدة، يقول سلمان: ثم مر بي نفر من (كلب) تجار، فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه، وغنيمتي هذه – وكان سلمان قد اكتسب في عمورية فحصّل بعض الأموال من البقر والغنم – قال: فأعطيتهموها وحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى، قريباً من المدينة، ظلموني، فباعوني من رجل يهودي عبداً!! وانظر إلى عناية الله، كيف يقربه - تبارك وتعالى - من المدينة.

قال سلمان: فكنت عند هذا اليهودي، ورأيت النخل، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي.
فبينا أنا عنده، إذ قدم ابن عم له، من بني قريظة من المدينة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة!! فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفتها بصفة صاحبي لها، فأقمت بها، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقام بمكة ما أقام، ولا أسمع له بذكر، مما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، وبينا أنا في رأس نخلة لسيدي أعمل، وسيدي جالس تحتي، إذ أقبل ابن عم له، حتى وقف عليه، فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة – وبنو قيلة هم الأنصار – إنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. قال سلمان: فلما سمعتها أخذتني الرعدة، حتى ظننت أني ساقط على سيدي، فنزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ فغضب سيدي، فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك.

طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ
حَتَّى إِذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُُه كَذِباً شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرقُ بِي


قال سلمان: وقد كان عندي شيء جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء – فدخلت عليه، فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((كلوا)) وأمسك يده فلم يأكل. فقلت في نفسي: هذه واحدة.

ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئاً، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ثم جئته وقلت له: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية، أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وأمر أصحابه، فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي: هاتان ثنتان. قال: ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببقيع الغرقد، قد تبع جنازة رجل من أصحابه، وعليه شملتان، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته، عرف أني استثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تحول)) فتحولت بين يديه، فقصصت عليه حديثي، وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وشغل سلمان الرقُّ، فلم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوتي بدر وأحد، ثم أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمكاتبة، وأعانه، وأمر الصحابة أن يعينوه حتى أعتق. قال: فشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق حرّاً، ثم لم يفتني معه مشهد[1].

وصل سلمان الفارسي إلى الحقيقة، وسار في طريق الهداية، بعد رحلة مضنية شاقة، لا تتحملها النفوس، ولا تصبر عليها الأبدان، فتوَّجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتاج: ((سلمان منا آل البيت))[2].

فهو من أهل البيت نسباً في التقوى، وهو من أهل البيت سلالة عريقة في النجابة، وفي النبل، وفي الجهاد، وهو من أهل البيت في العبادة، والطهارة، والنزاهة. ولذلك كان من أصدق الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
والذي يحرص على الهداية، ويلتمسها، ويبحث عنها، ويدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يهديه إلى سبلها، يوفقه الله إليها، ويطلعه عليها، ويقربه منها وإن كان بعيداً.

والذي يعرض عن الهداية، ولا يحرص عليها، ولا يسأل الله إياها، يطبع الله على قلبه، وينسيه ذكره، ويجعل الشيطان يستحوذ عليه {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5].

* ويقول عز من قائل: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].
فيا مَنْ يريد الهداية، ابحث عنها، تلمَّسها، اسأل الله طريقها، وسوف تجدها، لأن الهداية لا تتعلق بنسب، ولا بمنصب، ولا بمال، ولا بجاه، ولكن إذا نظر الله إلى قلوب العباد، فرأى قلباً يستحق الهداية، قرب الله إليه هدايته، وأعطاه، واجتباه، واصطفاه، قال – تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

* ورجل آخر، ورائد ثانٍ من رواد الحقيقة، ومن الباحثين عن النور، إنه (الطفيل بن عمرو الدوسي) رضي الله عنه.
كان الطفيل يعيش في جبال السراة، وكان سيداً مطاعاً شريفاً في دوس.

قدم من السراة من جبال زهران إلى مكة للتجارة، فاجتمع به كفار قريش، وخافوا عليه من الإسلام، فحذروه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهوه أن يجتمع به، أو يستمع كلامه، قالوا: يا طفيل، أنت سيد في قومك، وعندنا رجل كاهن ساحر، إذا سمعت كلامه، فرق بينك وبين زوجك وأولادك، وسحرك. قال: فوالله ما زالوا بي، حتى أجمعت ألاّ أسمع منه شيئاً، ولا أكلمه، حتى جعلت القطن في أذني، فَرَقاً من أن يبلغني شيء من قوله.
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند الكعبة. قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً. فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؛ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته، فدخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني حتى سددت أذني بكرسف[3]؛ لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض عليّ أمرك. قال: فعرض عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام، وقرأ عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: ((اللهم اجعل له آية)). قال: فذهبت إلى قومي، حتى إذا أقبلت عليهم، فإذا نورٌ قد وقع بين عيني مثل المصباح. فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا بي مُثْلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول النور، فوقع في رأس سوطي. قال: فجعل الحاضرون يتراؤون ذلك النور في رأس سوطي كالقنديل المعلّق.

فلما وصلت إليهم، أتاني أبي – وكان شيخاً كبيراً – فقلت: يا أبي، أنت مني حرام، وأنا منك حرام، قال: ولم يا بني؟ قلت: لقد أسلمت وتابعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم.

قال: أي بني، فديني دينك، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. قال: ثم أقبلت صاحبتي، فقلت لها مثل الذي قلت لأبي، فأسلمت. قال: ثم خرجت على قومي فدعوتهم إلى الإسلام، فأبطؤوا عليّ، وأعرضوا عني، فجئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فقلت: يا رسول الله، إني قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم. قال: فرفع الرسول عليه الصلاة والسلام يديه، واستقبل القبلة، فقلت في نفسي: هلكت دوس، هلكت دوس، هلكت دوس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اهد دوساً، اللهم اهد دوساً، اللهم اهد دوساً)) ثم قال: ((ارجع إلى قومك فادعهم، وارفق بهم)) نعم!

إنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، إنه الرؤوف الرحيم، {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].[4]

قال الطفيل: فلم أزل بأرض دوسٍ أدعوهم إلى الإسلام، حتى أسلموا كلهم على بكرة أبيهم، وشهدوا شهادة الحق.
واستأذن الطفيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحرق ذا الكفين – وهو صنم لعمرو بن حممة – فأذن له، فخرج إليه الطفيل، فجعل يوقد عليه النار ويقول:

يا ذا الكَفَّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَا
مِيلادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلادِكَا
إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا

ويستمر الطفيل بن عمرو على وفائه وإسلامه وجهاده، بعد أن ارتد كثير من العرب، وخرج مع المسلمين لمطاردة المرتدين، حتى فرغوا من طُليحة، ومن أرض نجد كلها، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة؛ لمطاردة الدجال الكذاب مسليمة، وكان معه ابنه عمرو بن الطفيل، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة، فقال لأصحابه: إني قد رأيت رؤيا، فاعبروها لي؛ رأيت أن رأسي حُلق، وإنه خرج من فمي طائر، وأنه لقيتني امرأة، فأدخلتني في فرجها، وأرى ابني يطلبني طلباً حثيثاً، ثم رأيته حُبس عني! قالوا: خيراً. قال: أما أنا، والله فقد أولتها، قالوا: ماذا؟ قال: أما حلق رأسي، فيقطع. وأما الطائر الذي خرج من فمي، فروحي. وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها، فالأرض تحفر لي، فأغيب فيها. وأما طلب ابني إياي، ثم حبسه عني، فإني أراه سيجتهد أن يصيبه ما أصابني.
وابتدأت المعركة، وقتل الطفيل بن عمروا شهيداً في سبيل الله، ومن أجل لا إله إلا الله، وجرح ابنه جراحة شديدة، ولكنه لم يمت، ثم قتل عام اليرموك – زمن عمر – شهيداً – رحمه الله –[5] {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169-170].

أيها الناس:

من أراد الله - عزَّ وجلَّ - والدار الآخرة، وفقه الله إليه، ودَلَّه على طريقه، ويسر له سبيل الاستقامة.
ومن أعرض عن الله، واستغنى عنه - تبارك وتعالى - حرمه الله الهداية، وختم على سمعته وقلبه، وجعله من الأشقياء؛ {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} [النور: 35]. يوفق الله لهدايته من يشاء، يمنح الله عطاءه لمن يشاء.

فيا أيها الجيل المسلم ويا أيتها الأمة المباركة. ويا أيها المؤمنون الصادقون، هلموا إلى الهداية، سابقوا إلى النور والاستقامة، سارعوا إلى مغفرة من ربكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:
إن الهداية إلى الطريق المستقيم، أعظم النعم التي امتن الله بها على العبد، لأن الله - عزَّ وجلَّ - حجب هذه الهداية عن ملايين من البشر، فلم يوفقهم إليها، ولم يهدهم سبلها، ولم يقربهم من طرقها.

وللهداية أسباب وعلامات ودلائل، تحصل الهداية غالباً لمن تعرض لأسبابها، ولمن تلبس بدلائلها وعلاماتها.
ومن أعظم أسباب الهداية: الاعتناء بكتاب الله - عزَّ وجلَّ - تلاوة، وسماعاً، وتدبراً، وعملاً بأحكامه وآدابه، فإن الله ذمّ قوماً فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] فهذا القرآن من أعظم أسباب الهداية؛ {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. وهذا القرآن من أعظم أسباب الشفاء والرحمة؛ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]. فمن لم يهتد بالقرآن فلا هداه الله، ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله.

ومن أسباب الهداية أيضاً: تعظيم سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره، والتخلق بأخلاقه، وعدم التقدم عليه؛ برأي، ولا مذهب، ولا قول، ولا فكرة؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21].

ومن أسباب الهداية: كثرة ذكر الله، وكثرة الدعاء والابتهال إلى الله الحي القيوم؛ أن يثبتك على الطريق المستقيم، وأن يريك الحق حقّاً ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، وأن يصلح بنيك وبناتك وأهل بيتك.

ومن أسباب الهداية أيضاً: التقرب إلى الله - عزَّ وجلَّ - بالنوافل، بعد أداء الفرائض، لقول الله - عزَّ وجلَّ - في الحديث القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقربُ إليّ بالنوافلِ حتى أحبَّه، فإن أحببتُه، كنت سمعه الذي يسمع به، وبَصَرَه الذي يُبصر به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعْطِيَنَّهُ، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه))[6].

وأما موانع الهداية، أو الأسباب التي تحول بين العبد وبين الهداية، فهي كثيرة أيضاً، نذكر بعضاً منها.

السبب الأول:

الخُبث: خبث النفس، فإن بعض الناس، مُعْرِض عن الله، لا يريد الله، ولا الدار الآخرة، لا يذكر الله، ولا يقرأ كتاب الله، ولا ينظر في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا ذُكر الله في مجلس، أو ذُكر الرسول عليه الصلاة والسلام، اشمأز قلبه، واحمر وجهه، وساء حاله، فنعوذ بالله من هذا الخبث؛ {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [الزمر: 45]. وقد يقول قائل من هؤلاء الأغبياء؟ إنني لا أكذِّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنني لا أتبعه، فلا أكذِّبه ولا أصدِّقه. فنقول: كذبت يا عدو الله، فعدم اتباعك للرسول - صلى الله عليه وسلم - تكذيب برسالته، وطعن في نبوته، ولذلك يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3].

فما صرف الله من صرف عن الهداية، وما أضل الله مَنْ أضلّ، إلا لأنهم لا يريدون إلا الضلال، ولا يريدون إلا الكفر والإعراض؛ {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].

السبب الثاني:
مرض الشبهة والشك والإلحاد: وهو الذي ابتلي به كثير من شبابنا، حتى صار يشك في القدرة، ويشك في الإيمان، ويشك في الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد حوربنا بهذا المرض الخطير في هذه الأيام، وهي حرب شعواء، أعظم وأشد من حرب الطائرات والصواريخ؛ إنها حرب الإلحاد، حرب الرأي العفن المتخلف، رأي ماركس ولينين واستالين، الذين اجتاحوا المعمورة بهذا التخلف والعفن، واجتاحوا به أيضاً كثيراً من البلاد الإسلامية، فنشروا الشكوك، وأبرزوا الشبهات، واستخدموا كل وسيلة للدعوة إلى باطلهم وكفرهم، حتى ألحد كثير من الناس وتركوا دينهم، وانصرفوا عن المسجد وتلاوة القرآن إلى جهنم وساءت مصيراً.

ولكن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد: 17]. فانتقم الله - عزَّ وجلَّ - منهم، وأزال دولتهم، ومحاها من الوجود، {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8].

والسبب الثالث:
مرض الشهوة: وهو التهالك، والتزاحم، والتقاتل، على الحطام، فكثير من الناس، لا يعرف شيئاً في حياته، إلا أنه يجمع المال، ولا نقول إن جمع المال حرام؛ بل هو مطلوب، وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم من أغنى الأغنياء، ولكن الحرام أن يعبد الإنسان المال من دون الله، أو أن يشغله عن طاعة الله، أو ينفقه في معصية الله، ولا يؤدي حق الله فيه.

وكثير من الناس ابتلوا بالفحش؛ كالزنا، وشرب الخمر، وتعاطي السموم المخدرة، ذهبت عقولهم فأعرضوا عن الله - تبارك وتعالى - فتركوا الطاعات، وهجروا المساجد، وقاطعوا كتاب الله، وامتلأت بهم السجون، فما نفعت معهم موعظة، ولا أثرت فيهم نصيحة.
فنسأل الله - تبارك وتعالى - أن يقربنا من أسباب الهداية، وأن يصرفنا، ويصرف شبابنا عن موانعها، حتى نكون كما أرادنا الله - عزَّ وجلَّ - خير أمة أخرجت للناس.

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} [آل عمران: 193].

عباد الله:
وصلوا وسلموا على مَنْ أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً))[7].
اللهم صلّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.



[1] انظر: "البداية والنهاية" (2/289-291).
[2] أخرجه الطبراني والحاكم عن عمرو بن عوف. قال الألباني ضعيف جداً، وقد صح موقوفاً عن عليٍّ رضي الله عنه انظر ضعيف الجامع رقم: (3272).
[3] الكرسف: هو القطن.
[4] أخرجه مسلم (1/288) رقم: (384).
[5] انظر: البداية والنهاية (397، 98). قال ابن كثير: هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد. ثم ذكر ابن كثير لها شواهد عند الإمام أحمد.
[6] أخرجه البخاري (7/190).
[7] أخرجه مسلم (1/288) رقم: (384).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.87 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]