الحياة الاجتماعية في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4438 - عددالزوار : 872393 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3971 - عددالزوار : 404442 )           »          تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 439 - عددالزوار : 12639 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12854 - عددالزوار : 227874 )           »          لتنعمي بالحياة مع ( حماتك) عامليها كوالدتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الدعوة في ساعة الأزمات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          إلى ولدي الجامعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلم خدمه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          نصائح ذهبية في الامتحانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          عجيب أمر هذا الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-11-2020, 04:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي الحياة الاجتماعية في الإسلام

الحياة الاجتماعية في الإسلام
محمد سلامة الغنيمي

كان العرب قبل القرآن عبارة عن قبائل متفرقة متنازعة، تسود فيهم العصبية القبلية والهمجية البدوية، فتقوم الحروب بينهم على أتفه الأسباب، تنتشر بينهم الأمية ويتفشى فيهم الجهل، وكان الرق جزءاً أساسياً في حياتهم، يسخرونهم الأغنياء لخدمتهم ويستعملونهم في تجاراتهم، ليس لهم حقوق، وليس هناك قوانين وأسس تحكم العلاقة بين الخادم والسيد، فكل سيد يعامل خادمه كيف يشاء.
وكان لديهم بعض العادات الاجتماعية السيئة مثل التقليل من شأن المرأة واحتقارها، فكانت زوجة الأب تورث مثلها مثل سائر الحيوانات والماديات، وانتشرت بينهم عادة وأد البنات وهى دفنهم أحياء، فضلاً عن التشاؤم والطيرة خاصة من الأنثى.
وانتشرت بينهم الكثير من السلوكيات الخاطئة، مثل شُرب الخمر وكانوا يحبونها حباً جماً، وكذلك الميسر فكانوا يراهنون ويقامرون، وبجانب ذلك ساد فيما بينهم التعامل بالربا.
فجاء القرآن الكريم بنهج اجتماعي أخلاقي، كان من نتائجه توحد تلك القبائل المتناثرة المتناحرة في قالب الأخوة الإسلامية، وأزال الفوارق الاجتماعية، وجعل الأفضلية للأتقى، وأكرم المرأة وأعطاها حقها أُماً وزوجة وبنتاً وأختاً، وألغى العادات والسلوكيات الجاهلية الأثمة، مثل وأد البنات والتعامل بالربا وشرب الخمر ولعب الميسر فسار المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضهم بعضاً، فتعاونوا على نصرة الدين، فسادوا العالم أكثر من ألف عام، وحضارتهم هي الحضارة الباقية الخالدة إلى يوم القيامة، في حين أن جميع الحضارات القديمة ولت واندثرت مع مرور الأيام، ولم يبقى منها إلا أطلال خاوية، وأثاراً بالية.
والأن ما هي القواعد والأسس الاجتماعية التي يرتكز عليها المنهج الإسلامي في الحياة الاجتماعية، التي ربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها صحابته، فكان منهم ما كان، حتى نربى أبنائنا عليها.
العدالة الاجتماعية:
من أهم المبادئ التي أرساها الإسلام والتي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، والأسس التي تؤسس عليها العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم، والعدل هو المعيار الذى يدرك من خلاله مدى ثبات المجتمع واستقراره، فالمجتمع الذى يتفشى فيه الظلم وتضيع فيه الحقوق وتغيب بين أفراده الواجبات، فهو مجتمع جاهلي فوضوي، حيث يتسم أفراده بهيجان النفس واضطراب القلب وشرود الفكر وذهاب العقل من جراء الخوف والظلم وعدم الشعور بالاستقرار والأمن، فيسود بينهم النزاع والشقاق وتتفشى فيهم الجريمة وكل ذلك من أمارات خراب المجتمعات وذهابها، فما قامت الصراعات والثورات وتغيرت الحكومات والأنظمة السياسية والاجتماعية إلا نفوراً من الظلم وبحثاً عن العدل.
أما المجتمع الذى يسود فيه العدل وتعرف فيه الحقوق وتؤدى فيه الواجبات فهو مجتمع يتسم بالثبات والاستقرار، حيث تسكن فيه النفوس، وتطمأن فيه القلوب فتهدأ فيه الضمائر وتهتدى فيه العقول، لشعورهم بالأمان والاستقرار، مما يؤدى إلى رخاء وازدهار ذلك المجتمع، لأنه لا ثبات ولا تقدم إلا بالأمن والاستقرار، ولا أمن ولا استقرار إلا بالعدل، وكما قيل: "إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل، ويهلك الدولة المسلمة مع الظلم".
لذلك عنى الإسلام بالعدل، وجعله حقاً للجميع مع الطبقات والفئات والأشخاص، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النساء: 135].
فلا فرق بين الغنى والفقير والصغير والكبير والصالح والطالح والضعيف والقوى والكافر والمسلم والحاكم والمحكوم والحقير والعظيم والعدو والصديق... فالكل في ميزان العدل سواء، روت عائشة...
قال -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد: 25].
المساواة الاجتماعية:
المساواة تعنى: المماثلة والمتشابه في القدر والقيمة، فالمساواة بين اثنين تعنى أن لهم نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات، ولا فرق بينهم، وعكسها الظلم والاستبداد.
فالمساواة الاجتماعية من أهم المبادئ التي ينادى بها الاجتماعيين والتربويين فهي القاعدة التي تحفظ للبشر حقوقهم، فمن يريد التميز في ظل مجتمع تغيب فيه المساواة ويسوده التمييز الطبقي والتعصب العرقي فلن يجد النور؛ لأن مثل هذا المجتمع تُقتل فيه المواهب وتضعف فيه القدرات، فالظلم الاجتماعي يؤثر تأثيراً كبيراً على سلوك وأخلاق أفراد المجتمع، فالمجتمع الذى تغيب فيه المساواة الاجتماعية، ويعلوه الظلم ويسوده القهر والاستبداد لفئة دون فئة، يُنشأ أفراد يتسمون بالجبن، والاستهتار واللامبالاة وعدم الانتماء، لانهم لم يحصلوا على حقوقهم ولم يتلقوا فرصتهم، فقُتلت بداخلهم المواهب والقدرات الشخصية، وتاهت الطموحات، وكل هذا مبرر كاف لانتشار الرذائل في هذا المجتمع.
ومن ثم جاء الإسلام في أُمة تتسم بالتعدد الطبقي، سادة، وفقراء، ونساء وعبيد، ويسود الظلم بين هذه الطبقات، فالحقوق كلها موكولة إلى طبقة السادة، أما الفقراء فلا حق لهم سوى دريهمات معدودة نظير خدمتهم للطبقة الأولى، والعبيد لا يملكون أي حقوق فهم ملك لسيدهم يحق له التصرف فيهم كيفما شاء، ولا يخفى على أحد موقف المرأة في العصر الجاهلي، وكان العرب مع ذلك يرون أنهم أكمل شعب على الإطلاق وأن بقية الشعوب التي سموها بالأعاجم، هي شعوب وضيعة ناقصة.
ولما قام المجتمع الإسلامي، أزال التعدد الطبقي، وألغى الفوارق الاجتماعية وساوى بين الناس جميعاً، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70].
فالتكريم حاصل لجميع البشر، فجنس الإنسان مكرم عند الله فلا تفرقة بين قبيلة وأخرى، ولا بين جنس وآخر، ولا سلالة وأخرى، ولا فرق على أساس اللون أو الجاه أو اللغة فالكل سواء، فلا يترك الإسلام لجماعة أن تستعلى وتترفع على جماعة أخرى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
فالأصل واحد وهو آدم -عليه السلام-.
ومن مظاهر المساواة في الإسلام: تحقيق العدل مع كل الطبقات والأشخاص، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النساء: 135].
وروت عائشة: أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أُسامة بن زيد حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتشفع في حد من حدود الله؟)) ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أُهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))[[1]].
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن المساواة والعدل حتى ولو أدى إلى قطع يد ابنته، فالكل في الثواب والعقاب سواء؛ لا فضل لمخزومي على أعرابي.
ومن مظاهرها أيضاً: المساواة في الحقوق الواجبة عليهم تبعاً لقدراتهم واستطاعتهم، قال -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا)[الطلاق: 6-7].
بذلك نرى أن الإسلام أتاح للجميع نفس الفرص ونفس الظروف، فما هو معيار التفاضل في الإسلام؟ وهل يستوى من جد واجتهد مع من تبلد وركن إلى هواه وشهواته؟ بل من أوضح مظاهر المساواة أن وضع الإسلام للتفاضل بين الناس، لا يجرى فيما لا يملكه الإنسان كالخلق والتكوين، وإنما يندرج ضمن قدراته واستعداداته، كأداء العبادات وفعل الخيرات وطاعة الله ورسوله فكلها أعمال يستطيع كل إنسان القيام بها، فوجه التفاضل فيها بحسب أداء كل شخص لها، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].
كما حث القرآن الجميع على التسارع والتسابق في فعل الخيرات، لينال كل منهم جزائه على حسب عمله وأدائه، قال - تعالى -: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[أل عمران: 133].
وقال تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21].
وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الكهف: 30].
فهكذا مع المساواة والعدالة الاجتماعية أتيحت الفرص أمام الصحابة جميعاً فظهر تفوقهم ونبوغهم، كلاً حسب إمكاناته وقدراته، فتولى بلال المولى الحبشي الأسود مهمة الأذان لأنه الأندى صوتاً، وتولى زيد بن حارثة قيادة الجيش في مؤتة لأنه الأصلح، ثم تولى من بعده ابنه أُسامة قيادة الجيش في تبوك ولم يتجاوز سنه السابعة عشر لأنه الأجدر بالمهمة، ولما طلب أبو ذر الإمارة رده النبى - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها أمانة وليس كفؤ لها، وعزل أبو بكر أمين الأمة أبو عبيده وولى خالداً لأن له فطنة في الحرب ليست في أبى عبيده، وكان منهم الاقتصادي الذى يسيل المال الحلال بين يديه كالماء مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ابن عفان، وكان منهم القائد الفذ الذى تدرس أفكاره وخططه حتى الأن مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وكان منهم الإداري العبقري مثل عمر بن الخطاب، وهكذا نبغوا وتفوقوا في جميع المجالات.
لذلك وجب علينا أن ننشر العدل والمساواة فيما بيننا، وقد أوضحنا خطورة الظلم على المجتمع عامة، فكل من ولاه الله أمراً مهما كان حجمه فليتق الله ولينشر العدل فيه فالوالد في بيته، والمعلم في فصله والمدير في إدارته والموظف في مكتبه، وهكذا في كل الأوساط، حتى تتاح الفرص أمام الجميع وينتشر الخير ويعم الرخاء.
وما الإرهاب وغيره من الجرائم الاجتماعية، إلا نتيجة للظلم الاجتماعي والتمييز بين الأفراد بناءَ على معايير آثمة ظالمة، حيث ينشأ الصغير في أسرة تفضل أحد أبنائها على غيره لصغر سن الآخر أو لجمال سمته، فيشعر معه بالقهر والإحباط، وبعد دخول المدرسة، يجد مُدرسه يهتم بأحد الأولاد ويوليه رعاية واهتمام أكثر من غيره من الأولاد إما لأنه ابن لزميل له، أو يأخذ معه درس خصوصي أو أنه ابن شخص لامع اجتماعيا، كما يجد أن من هو أقل منه تحصيلاً علمياً تفوق عليه في الدرجات بسبب الغش، وبعد أن يتم تعليمه الثانوي ويلتحق بالجامعة، يجد أن الفرصة الوحيدة للعمل بالجامعة والترقي في الدرجات العلمية والوظيفية لا بد أن يكون ابناً لاحد الأساتذة الموجودين بكليته، وبعد أن يتخرج هذا الشاب، لا يجد أمامه من فرص العمل إلا بعض الاعمال الدنيوية التي ليست لها علاقة بمجال تخصصه الدراسي في حين أن الوظائف المرموقة قاصرة على من لديهم المال أو المنصب " الجنيه أو الكارنيه"، وهذا هو التعبير السائد بين الشباب، وإذا تغلب الشاب على كل هذه المعوقات وأراد أن يكون أسرة وجد أمامه عدة عراقيل ومثبطات منها أن التسهيلات والمشاريع التي تقوم بها الدولة للشباب من أجل الحصول على سكن لا ينالها إلا أصحاب النفوذ، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وارتفاع المهور......، فبالله عليكم ماذا سيكون مثل هذا الشاب؟ يصبح مثل هذا الشاب أمام أعداء الدين والوطن فيسهل عليهم توظيفه لمصالحهم وأهدافهم.
فإذا كنا نريد مجتمعاً إسلامياً كمجتمع الصحابة، علينا أن نرسخ مفهوم المساواة في أذهان أبنائنا قولاً وعملاً، ونكون لهم خير قدوة، ويجب ألا ننس هذه المقولة: "إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل، ولا يقيم الدولة المسلمة مع الظلم".
الإخاء:
بعد أن سرب الإسلام الطمأنينة إلى أفراد المجتمع بإشاعة المساواة بينهم وإقامة العدل فيهم وجعل التفوق والتميز نظير العمل فمن آمن وصدق قوله عمله وسلم الناس من غوائله ليس كغيره، ومن جد واجتهد في طلب العلم ليس كغيره عند الله، قال - تعالى -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة: 11].
حينئذ استقرت النفوس واطمأنت القلوب واهتدت العقول، ومع ذلك فكان لابد من ربط أبناء المجتمع المسلم، برابطة تعبر عن روح الإسلام في الوحدة والاجتماع وحرصه على نبذ التعصب والتفرق، رابطة ثابتة مستقرة لا تتغير بتغير الزمن ولا تتأثر بتداخل الثقافات، ليست اشتراكية، ولا رأسمالية..... وإنما هي رابطة إسلامية ربانية.
قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10].
والأخوة التي اختارها الإسلام إخوة مبادئ لا أخوة نسب؛ لأنها أقوى وأوثق من رابطة النسب؛ فهي التي جمعت بين " صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي" وبين أبناء شبه الجزيرة العربية على اختلاف اتجاهاتهم القبلية" روم وحبشة وفرس وعرب "، أجناس وأوطان وألوان وعادات ومناهج وطباع وغرائز واتجاهات، فضلاً عن اختلاف الرؤى التي ينظر كل طرف من خلالها إلى الآخر، بين " الفرس و الروم " عداء منقطع النظير، و الفرس والروم ينظرون إلى العرب نظرة استقلال فهم يرون أن العرب " بدو همج " لا يستطيع أحد العيش معهم، فلم تحاول دولة واحدة منهم غزو العرب رغم سهولة ذلك، وفى الاتجاه الآخر نرى العرب أنفسهم يظنون أنهم خير الأجناس، وأن لهم السيادة على البشر.
رغم كل هذه العوائق والتي يستحيل أن يقضى عليها ويمحى أثرها إلا الأخوة الإيمانية تلك الرابطة التي أزالت ومحت الفوارق العنصرية والعرفية، فلا " أبيض وأسود " ولكن " مؤمن وغير مؤمن " فردت الجميع إلى الأصل " آدم وحواء "، فهما الذى جاء منهم البشر جميعاً ومن ثم فكلهم متساوون، وتكون الأخوة بينهم على حسب إدراك كل منهما للدور الذى خلق الله آدم وحواء من أجله وهى عبادة الله وعمارة الأرض.
وتلك الرابطة إنما هي نعمة من الله وفضل منه؛ لأنها تتعلق بالروح والقلب، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، فلا يستطيع أحد أن يشتريها ولا يأتي بمثلها، قال -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الانفال: 63].
وقد تفوقت هذه الأخوة على أخوة النسب، بحيث لانسب ولا قرابة أمام الأخوة الإيمانية، فهذا أبو بكر الصديق.
ومن هنا يقول: أنه لن تقوم الأمة الإسلامية، وتعود إلى ريادته ومكانتها التي كانت عليها، ولن تكون لها منعه وقوة علمية وحربية واقتصادية وفكرية وتجارية و.. و.. إلا بالعودة إلى الأخوة الإسلامية والانضواء تحت رايتها، فضلاً عن إدراكنا أن ما شاع بين المسلمين من نزاعات وقوميات وحدود وجنسيات إنما هي دعاوى هدم لا إصلاح، دعاوى تفريق وتشتيت لا تلاحم وترابط قام بها أعداء الإنسانية لبعثرة وحدتها وضياع هيبتها.
وقد جعل الإسلام لهذه الأخوة مقومات تفضى إلى المحبة والوحدة وتبيد وتمنع كل عوامل النزاع والكره.
المقصود من الإخاء في هذا الباب هو أن يتأخى مجموعة من الناس في العقيدة، قال -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الانفال: 63].
كان الصحابة قبل الإسلام عبارة عن قبائل متناحرة متنازعة، فقد كان بين الانصار " الاوس والخزرج " حروب طويلة دامت لسنوات عديدة، وكانوا يحملون لبعضهم البعض من الكره والبغض ما يستحيل معه زواله لو كان على يد بشر، إلا أن الإسلام آخى بين الجميع أوس وخزرج، أنصاراً ومهاجرين، قال -تعالى-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر: 47].
وقال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10].
وقال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[أل عمران: 103].
وقد عمق النبى -صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ في نفوس المسلمين، بجملة من الأقوال والسلوكيات، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث بن عمر: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"[[2].
ومنه أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ فقال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره"[[3]].
ومنه ما رواه أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تهادوا تحابوا"[[4]].
وايضاً عن أنس قال: "يا بني! تبادلوا بينكم؛ فإنه أودّ لما بينكم"[[5]].
وهكذا كان يتعامل المسلمون مع بعضهم البعض على أساس هذا المبدأ، فكان الواحد منهم يسعى إلى مرضاة أخيه، بل ولديه استعداد إلى أن يضحى بماله بل وبنفسه من أجل أخيه، فكانوا كالجسد الواحد يتألم بعضهم لتألم البعض الأخر، فكانوا خير قدوة وخير مثال في العلاقات الاجتماعية.
مقومات الأخوة الإيمانية:
إذا فقدت الأخوة الأساس الذى تقوم عليه، والذى يمدها بالثبات والاستقرار، والذى يعمل على تدعيمها وترسيخها كمبدأ من مبادئ التربية الاجتماعية، لأصابها الذبول وولت مدبرة مع أبطئ ريح، لذلك وضع الإسلام لها مقومات تدعمها وترسخها وتثبت أركانها.
1. المحبة والولاء:
الولاء يعنى حب الله ورسوله والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، فكل مسلم يجب عليه حب المؤمنين وموالاتهم ونصرتهم، ومن لم يفعل ذلك ووالى الكفار بالحب أو التقليد أو المحاكاة، فقد نقص إيمانه، قال - تعالى -: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)[المائدة: 80].
فلا يمكن أن تتحقق الأخوة إلا إذا أحب المسلم أخاه المسلم محبة صادقة تصدر من القلب، قال - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
ولأهمية الحب في قيام المجتمع المسلم، جعله الله -تعالى- شرط من شروط الإيمان، قال - تعالى -: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[المائدة: 81].
كما جعله النبى - صلى الله عليه وسلم - أوثق عرى الإيمان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله))[[6]].
وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[[7]].
هكذا قرن النبى -صلى الله عليه وسلم- المحبة بين المسلمين بمحبتهم أنفسهم، كما أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان وهذا من أكمل دواعي الحب، قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))[[8]].
والأحاديث في الباب كثيرة.
وطالما توافر هذا المبدأ في مجتمع ما فماذا تجد منهم؟ فمثلهم سيعملون على إرضاء بعضهم البعض، وبالتالي فلن تجد هناك شقاق أو خلاف، وإنما سيتفرغوا لنصرة دينهم وأوطانهم، كما فعل صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد سادو العالم في فترة لا تكاد تذكر.
إذاً فلا سبيل إلى استقرار وتنمية في العلاقات الاجتماعية إلا بنشر المحبة بين صفوف المجتمع، الكل يعمل للكل، والكل يكمل الكل، محبة صادرة من الضمير، نابعة من القلب؛ لأنه يرجوا بها ابتغاء مرضاة الله -عز وجل-، لذك لن يشوبها المراء والمداهنة، بل هي صافية نقية خالصة ومن هنا كان لزاماً علينا أن نكون خير قدوة لأبنائنا، وأن نلقنهم القصص والمواقف التي تشير إلى تلك المحبة وفضلها، وأن نجنبهم المنافسات التي تثير الشحناء والبغضاء فيما بينهم.
2. الإيثار:
وهو أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه، وضده الأثرة: وهى استئثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه، وعرفه الجرجاني في التعريفات: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة.
والإيثار من الفضائل التي امتاز بها الإسلام دون غيره من الشرائع، فهو أرفع درجات السخاء، وأقوى دعائم ومقومات الأخوة الإيمانية، فهو مؤشر بقوة المحبة والإخوة، وعمق العلاقات الاجتماعية، وقوة التماسك الاجتماعي، فالإيثار ضد الأنانية، وحب الذات، والتي بدورها معول من معاول هدم العلاقات الاجتماعية وتفريقها، والتي تسربت وانتشرت داخل مجتمعنا الإسلامي، مهددة له بالتفكك والتمزق، زرعها الغرب وترك رعايتها للرأسماليين والعلمانيين، لذلك يأتي دور الإيثار حتى تعود الأخوة الإيمانية والترابط والتماسك الاجتماعي داخل الحضر، الذى أصبح التفكك سمة من سماته، فلنربي أبنائنا على الإيثار، كما تربى الجيل الاول عليه.
فقد مدح الله-- تبارك وتعالى - الأنصار الذين أثرو المهاجرين على أنفسهم برغم ما كان بهم من فقر وحاجة، فقد أثروهم بالأموال والأولاد والدور، لذلك بشرهم الله - تعالى -بأسمى بشارة يبشر بها إنسان، وهو الفلاح، وهذا الفلاح ليس قاصراً على الدنيا فقط بل يتعداه ليشمل الآخرة ايضاً، قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الحشر: 9].
وليس الفلاح خاص بهم مقصوراً عليهم، بل يمتد ليشمل كل من اقتفى أثرهم وسار على دربهم واتبع نهجهم، قال - تعالى - في الآية التالية: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)الحشر: 1].
وقال - تعالى -: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].
واعلم أخي المربى أن المربى الكفء من صفاته أن يحول أولاده من المنافسة على الامتلاك إلى المنافسة على الإيثار، ولك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاسوة الحسنة والقدوة الصالحة، هو وصحابته، ومن افضل الوسائل التي يكتسب بها الطفل الإيثار ويصبح ضمن قيمة واتجاهاته، هو أسلوب القصة المشوقة والحكاية المؤثرة والمواقف الخالدة المنتقاة من تاريخ هذه الأمة الناصع، ومنها ما فعله الأنصار مع إخوانهم المهاجرين، وينبغي على الأبوين داخل الاسرة أن تلتزموا بهذا السلوك، فهي أول قدوة في حياة الإنسان.
ومن الجدير بالذكر، إن المؤاثرة لا تكون إلا في طاعة الله، كأن تترك مثلاً صلاة الجماعة في المسجد حتى لا تزعج ضيفك فهذه المؤاثرة مرفوضة، كأن يترك الفرد مساعدة أمه حتى يترك المجال لأخيه، فهذه أيضاً ليست مؤاثرة، فلابد أن ينتبه المربى لمثل هذه الأمور، كما ينبغي للمربى أن يكون يقظاً لماحاً، فإذا لاحظ الإيثار من أحد تلاميذه، فينبغي أن يبادر بالثناء عليه ومدحه ومكافأته، فالله -تعالى- يقدر ويكافئ على قدر العمل.
3. العفو والصفح:
من السلوكيات الاجتماعية التي ينبغي أن يبنها الآباء والمربون في نفوس تلاميذهم وأبنائهم.
وقال ابن منظور في لسان العرب: العفو: هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه وأصله المحو والطمس، أما الصفح: فهو الإعراض عن الذنب.
قال - تعالى -: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
هذه الآية تدل على عظمة هذا السلوك القويم وأهميته في التربية الاجتماعية، فالتعبير القرآني يشير بالأخذ، والعرف يقول أنه كلما كان الإنسان عظيماً وقال خذ، فهذا يدل على أن المأخوذ عظيم في نفسه، فما بالك إذا كان المعطى هو الله - جل وعلا - والأخذ هو أحب خلق الله إلى الله، فكيف يكون الشيء المأخوذ، فلابد أنه أعظم القدر، والعفو هو مفتاح السعادة؛ وهو سر النجاح في معاشرة الخلق؛ فمن تأمل حال الخلق وحدهم غير معصومين من الخطأ، ولو وقف المرء أمام كل خطأ ليقتص لنفسه ما عاش أحد، وإذا تتبعت أحوال الناجحين في الحياة الاجتماعية، لوجدت من أهم سماتهم الاجتماعية هو العفو، فهو يرقى بالإنسان فالانتقام وعدم العفو والوقوف على الأخطاء صغيرها وكبيرها، سمة من سمات الحيوان، ويكفى أن العفو من صفات الله -تبارك وتعالى-، كما أن الانتقام أيضاً من صفاته ولكن مع من أصر على العصيان وأثر العناد.
من هنا كان العفو من أهم مقومات ودعائم الأخوة، فهو يزيل العداوة والكره ويذهب بالبغضاء والشحناء، لذا تجد العفو محبوب اجتماعيا، ليس له أعداء، لذلك أمر الله -تبارك وتعالى- به في كثير من الآيات، وحث عليه بأسمى الأُمنيات، قال - تعالى -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الحجر: 85].
وقال -تعالى-: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور: 22].
وقال - تعالى -: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134].
وقال -تعالى-: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشورى: 43].
وغيرها من الآيات التي تبين فضله وأثره.
وإذا كنا نريد لأبنائنا وتلاميذنا، تربية نفسية صافية من كل ما يعكر النفس ويشوبها، وإذا كنا نريد لهم تربية اجتماعية قوامها الأخوة والمحبة، والأمان والسيادة، وكسب العلاقات الاجتماعية الفعالة، فعلينا بإكسابهم سلوك العفو، فنتمثل ونتشبع به، ونقص عليهم ما يؤثر من المواقف الجليلة، والقصص الرائعة في العفو، وأن نكافئ ونثيب عليه.
ولا تنس؛ أخي المربى أن تعلمهم أن العفو لابد أن يقابل بالفضل، كما علمنا الله تبارك وتعالى، قال: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة: 237].
4. الصبر واحتمال الأذى:
المؤمن يتحمل ويصبر على ما يجده من إخوانه من جفاء وغلظة، وما يلقاه منهم من أذى وإساءة سواء بالقول أو الفعل، فهو يتحمل كل ذلك احتسابا عند الله وحفاظاً على الأخوة، قال -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت: 34 – 35].
يربى الله -تبارك وتعالى- المجتمع المسلم على ما يسميه أصحاب علم الاجتماع بثقافة التسامح، فمن أخلاق المسلمين المؤمنين أن يقابلون الإساءة بالإحسان؛ لأنه من خصائص النفوس الكريمة إنها تحب من أحسن إليها، وعفا عنها، وبها تزول العداوة ويصير العدو ولى حميم، ولما كانت هذه الخصلة تحتاج إلى مجاهدة ومثابرة، أتبعها الله بما من شأنه أن يدفع كل عاقل إلى الالتزام بها والاتصاف والتمسك بها، حتى يكون من أصحاب الحظ العظيم.
وهذه الصفة من أهم الصفات والسلوكيات التي تحافظ على وحدة المجتمع وبقاؤه متماسكاً متفاعلاً، فلو ذهب كل فرد إلى الانتقام لنفسه ممن إساء إليه، ويدفع السيئة بمثلها لما انتهى الدور، وعندها صبح المجتمع في دوامة من البطش والعنف.
5. خصال مذمومة نهى الإسلام عنها:
ولم يغفل الإسلام تحريم بعض الصفات المذمومة التي توقع العداوة وتنشئ الفتن وتلقى بشرها على المجتمع كله مقطعة أوصال المحبة والأخوة.
الغيبة:
حرم الله -تعالى- الغيبة، وهى ذكر المسلم أخيه بما يكره في غيابه، قال -تعالى-: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[الحجرات: 12].
فقد نفر الله -تعالى- منها أبلغ وأشد تنفير، حيث صور الذى يغتاب بأنه يأكل لحماً وهذا اللحم ميتاً ليس هذا فحسب إنما هو لحم أخيه، والنفوس السليمة تجزع وتنفر من سماعه.
وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنها أيضاً؛ فعن أبى هريره -رضى الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"[[9]].
وعن أبى بكرة -رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال خطبته يوم النحر بمنى في حجه الوداع: ((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)[[10]].
وعن عائشة -رضى الله عنها- قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعنى قصيره فقال: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) قالت: وحكيت له إنساناً، فقال: ((ما أحب أنى حكيت إنساناً وإن لي كذا وكذا))[[11]].
والغيبة من الأمراض الخلقية والاجتماعية الخطيرة، لها آثارها السلبية على الفرد والجماعة تورث الهم والغم والحزن، وتسبب الشعور بالقلق وعدم الارتياح، من قبيل قول الشاعر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ** وصدق ما يعتاده من توهم
تفقد الاحترام وتذهب بالهيبة، لانشغال صاحبها بهفوات الناس وسقطاتهم، كما تنشأ العداوات والأحقاد وثير البغضاء والكراهية فهي تفرق بين الناس، وتورث العداوة والشحناء، كما أنها كشف للستور وإظهار للغيوب، وفضح للعيوب، لذلك فأثارها مدمرة من شأنها أن تقضى على المجتمع وتذهب بريحه، فكان من رحمة الله علينا أن حرمها وصور حرمتها بأبشع الصور.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-11-2020, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحياة الاجتماعية في الإسلام

ولكن هناك حالات خاصه تباح فيها الغيبة.
قال الامام النووي: اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله -تعالى-.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه. وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى، فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة [[12]].
النميمة:
ومن آداب الحديث أيضاً خلوه من النميمة وهى نقل الكلام بين طرفين لغرض الافساد وزرع العداوة والفتنة بينهم.
وقد حرمها الله ورسوله، قال - تعالى -: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم: 11].
وعن حذيفة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخل الجنة نمام)) [[13]].
وقد أعد الله -تعالى- للنمام العذاب الأليم في القبر؛ فعن ابن عباس -رضى الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين، فقال: ((إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما، فكان يمشى بالنميمة، وأما الاخر فكان لا يستتر من بوله))[[14]].
والنمامون هم شرار الناس، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " شراركم المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الاحبة، الباغون العيوب))[[15]]
حقاً هم شرار الناس لأنهم يضيعون أوقاتهم وأوقات غيرهم هباءً منثورا بدلاً من ذكر الله وما ينفع الناس، فضلاٍ عن الأضرار المادية والأدبية التي يلحقونها بالناس، فضلاً عن الفتن والأحقاد التي يذرعونها بين الناس، فهؤلاء لا أمان لهم.
قال الشاعر:
من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ** على الصديق ملم تؤمن أفاعيه
السيل بالليل لا يدرى به أحد *** من أين جاء ولا من أين يأتيه
الويل للعهد منه كيف ينقضيه *** والويل للود منه كيف يفنيه
الكذب:
الكذب من كَذَبَ كِذْباً و كِذّاباً: أخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، وهو سلاح من أقوى وأشد أسلحة إبليس في إفساد بنى آدم، فهو البداية لكل معصية، فالكذوب يتعمد الكذب ليغطي ويمحو نقيصة قام بها أو ليجمل سيئة فعلها، أو ليبرر ما يقوم به من أعمال الشيطان، لذلك فهو كما وصفة الصادق الصدوق بأنه يؤدى إلى الفجور، لهذا فقد حاربه الاسلام وحرمه صيانه للفرد والمجتمع من أخطاره وقضاءً على أقوى أسلحه إبليس اللعين.
وقد حرمه الله -تعالى- فقال: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[الاسراء: 36].
وقال -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
وقال -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[البقرة: 10].
وقال -تعالى-: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)[الزمر: 60].
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً))[[16]].
كما أنه خصله من خصال النفاق، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصله منهن كانت فيه خصله من نفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))[[17]].
وقيل: رأس المأثم الكذب وعمود الكذب البهتان، أمران لا ينفكان من الكذب، كثرة المواعيد، وشدة الاعذار.
وقال الفضيل: ما من مضغة أحب إلى الله -تعالى- من اللسان إذا كان صدوقاً ولا مضغة أبغض إلى الله -تعالى- من اللسان إذا كان كذوباً.
لا يكذب المرء إلا من مهانته *** أو فعله السوء أو من قله الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جد وفى لعب.
ما يجوز من الكذب:
قال الامام النووي - رحمه الله -: اعلم أن الكذب، وإن كان أصله محرماً، فيجوز في بعض الاحوال بشروط، مختصر ذلك أن الكلام وسيله إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا، كان الكذب واجبا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها، وجب الكذب بإخفائها.
والأحوط في هذا كله أن يوري. ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.
واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم - رضي الله عنها -، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا)).
زاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها [[18]].
السخرية والاحتقار:
حرم الله -تعالى- احتقار المسلم أخاه، والاحتقار من حقر يحقر بمعنى ذلَّ، فالحقر يعنى الذلة والتصغير والتقليل والاستهانة بالغير، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 11].
وقد ذم الله -تعالى- فاعله، وأعد له عذاباً أليماً، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 79].
وكما يسخر الشخص من الآخر، يسخر المعتدى عليه من الساخر يوم القيامة، قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المطففين: 29: 36].
وعن أبى هريره -رضى الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"[[19]].
فيحرم على المسلم أن يشمل حديثة احتقاراً لغيره، فالله -سبحانه- يرفع الناس بعضهم فوق بعض، فهو - سبحانه - قادر على أن يزل المُختَقِر ويرفع المحتقَر، فعن جندب بن عبد الله -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله -عز وجل-: من ذا الذى يتألى على أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له، وأحبطت عملك))[[20]].
السباب واللعان وإيذاء الغير:
حرم الله ورسوله السب واللعن وإيذاء الغير بغير حق تحقيقاً للعدل والرحمة وحفاظاً على الوحدة والمحبة والألفة بين المسلمين، ووقاية ودرءاً للفتنة والفرقة والاختلاف، ومحواً لأمراض القلوب قبل علتها من حقد وكره.
قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الاحزاب: 58].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن المؤمن كقتله))[[21]].
فقد شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن المؤمن بالقتل وهو أكبر الكبائر تنبيهاً للمسلمين لما يحدثه اللعان من أثر في نفس المعتدى عليه.
ونفى النبى - صلى الله عليه وسلم – الشفاعة والشهادة عن اللعانين يوم القيامة، قال: ((لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة))[[22]].
ويستثنى من ذلك لعن بعض أصحاب المعاصي غير المعينين، من قوله - تعالى -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[هود: 18].
فلم يحدد شخصاً يعنيه، ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون تحديد، مثل لعن الواصلة والمستوصلة، لعن المتشبهين من الرجال بالنساء.. إلخ، فكلها ألفاظ تكره.
كما جعل - صلى الله عليه وسلم - سب المسلم من الفسق فقال: ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))[[23]].
وأيضاً من صفات غير المؤمنين السب و اللعن و الفحش في القول، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[[24]].
وإنما المسلم من حفظ لسانه ويده عن المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))[[25]].
المن على الغير:
ومن آداب الأخوة: ألا يمن المرء بما أعطى ويعتدّ به، يقصد من الاعتداء إلحاق الاذى والتوبيخ بالمعطى.
والمن يبطل الصدقة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 264].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) قال -أي الراوي-: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، ثم قال الراوي -أبو ذر-: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ((المُسبل، والمنان، والنفق سلعته بالحلف الكاذب))[[26]].
الهمز والمز:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 11].
وقال -تعالى-: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم: 11].
وقال - تعالى -: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[الهمزة: 1].
الهمزة من الهمز، بمعنى الطعن في أعراض الناس، ورميهم بما يؤذيهم، واللمزة من اللمز، بمعنى السخرية من الغير، عن طريق الإشارة باليد أو العين أو غيرها... وقيل الهمزة الذى يعيبك في الغيب، واللمزة الذى يعيبك في الوجه، وقيل العكس، وحاصل هذه الأقوال يرجع إلى أصل واحد، وهو الطعن وإظهار العيب، ويدخل في ذلك من يحاكى الناس في أقوالهم وأفعالهم وأصواتهم ليضحكوا منه[[27]].
التنابز بالألقاب:
التنابز هو التداعي بالألقاب المكروهة، كأن ينادى الشخص بأقبح أسمائه ازدراءً له وتعيراً به، فقد نهى الله -تبارك وتعالى- عنه في آية السلوك، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 11].
ولكن يستحب للمسلم أن ينادى أخاه بأحب أسمائه إليه.
سوء الظن:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[الحجرات: 12. وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث))[[28]].
يحرم الله -تبارك وتعالى- سوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، النقي النظيف، وذلك بدون دليل واضح وبرهان قوى، ففيه هتك لحرمات الأشخاص واستباحة لكراماتهم وحرياتهم، فهو بأمرهم اجتناب كثيراً من الظن، فلا يتركوا أنفسهم نهباً لكل ما يوسوس به الشيطان وما يلقيه من شبهات وشكوك تثير القطيعة وعدم التواد في المجتمع.
وقد عبر جل شأنه بقوله: (كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) للإشعار بأن الغالب على الظن أن يكون باطلاً لا أصل له، فهو لا يدرى أي ظنونه تكون صادقة؛ وما دام الامر كذلك فالأولى والأجدر اجتناب الظن كلية.
التجسس وإتباع العورات:
قال -تعالى-: (وَلَا تَجَسَّسُوا)[الحجرات: 12].
فالله -تبارك وتعالى- يحث المجتمع المسلم على الأخذ بالمظهر من أحوال الناس، وينهاهم عن البحث عن الأسرار وتتبع العورات.
والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن، وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات، والاطلاع على السوءات والقرآن يقاوم هذا العمل الديني من الناحية الأخلاقية، فالناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في صورة من الصور، ولا تمس بحال من الاحوال، ولا يوجد مبرر مهما يكن لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات، حتى ذريعة تتبع الجريمة لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس[[29]].
التثبت من الأخبار:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
يأمر الله عباده المؤمنين بالتثبيت والاستيقان من الأخبار صيانة للمجتمع من الخصام والتفكك، ومن الاندفاعات وراء أخبار الفساق، وذلك لا يشبع الشك بين المسلمين، فتستقيم الأخوة الإسلامية ولا تعصف بها أخبار وأقوال المشككين والفساق.
التكافل الاجتماعي:
يقصد بالتكافل الاجتماعي، ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[[30]].
فالتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي يعنى أن تكون أفراد المجتمع متشاركين متضامنين مع بعضهم البعض، محافظين على مصالحهم العامة والخاصة، يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والاضرار، ليس فقط في النواحي المادية، بل المعنوية أيضاً.
وتأتى فكرة الضمان الاجتماعي في العصر الحديث، في نهاية الحرب العالمية الثانية، من منطلق أن السلام الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق في حياة الشعوب إذا ترك الفرد يواجه محنه وشدائده وحاجته، دون أن يشعر بان المجتمع من حوله على استعداد لمديد المعونة إليه وقت ضعفه ومحنته.
ومن هنا يتضح الفرق بين التكافل الاجتماعي كما بينه القرآن الكريم، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت، كما في قوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
فالتكافل الاجتماعي يعم كل فرد من أفراد المجتمع المسلم، طاعة لله ورسوله، وابتغاء الثواب من الله، في حين أن التكافل الاجتماعي الذى نادى به العرب قائم على رغبة الفرد، فهو تطوعي.
كما أن التكافل الاجتماعي في القرآن لا يقتصر على المسلمين فقط، بل يتعداهم كل بنى الإنسان على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم؛ ما داموا يعيشون بسلام داخل ذلك المجتمع، وليس بينهم وبين المسلم قتال ولا عداوات؛ من اغتصاب للأموال والدور، فأولئك يشملهم التكافل الاجتماعي القرآني، قال - تعالى -: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].
ومن أهم مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام، كفاية المحتاجين، من غذاء أو كساء أو إيواء، فقد جعل الله -تبارك وتعالى- كفايتهم فرض كفاية على الأغنياء، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103].
وقال -تعالى-: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 18-19].
وهذه الآيات وغيرها تعنى بفريضة الذكاة، وفضل التصدق على المحتاجين وثمرته في الدنيا قبل الآخرة، وأن الصدقة تكون في السر وتكون في العلن وأن صدقة السر أفضل من صدقة العلن أو الجهر، ومن واجبات المربى أيضاً أن يلقن الصغير ما جاء في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 262].
فالتكافل الاجتماعي في الإسلام يعتبر أن المحتاج له حق الإعانة على الميسور، ومن ثم لا ينبغي على الميسور أن يؤذيه بالقول أو بمجرد الإشارة، ولا يمن عليه.
ومن الوسائل الفعالة في غرس التكافل الاجتماعي لدى الأولاد أن نعطيهم أموال الذكاة أو الصدقات، ليعطوها هم للمستحقين ونبين لهم حقيقة الأمر كما علمنا الله إياه، كما ينبغي للمربين أن يذكروا الأولاد بالفقراء والمحتاجين مع ظهور النعم وفى المناسبات مثل الأعياد، ففي عيد الفطر تأتى صدقة الفطر، وقدرها زهيد يستطيع تقريباً كل فرد أن يشارك بالتكافل الاجتماعي من خلالها، وفى الأضحى تأتى الاضحية، هكذا يكون المجتمع المسلم.
كما لا يقف التكافل على الجوانب المادية فقط بل يتعداه كما أسلفنا ليشمل جميع متطلبات الحياة، ومنها نشر العلم داخل المجتمع بين أفراده، وعدم كتمان العلم عمن يطلبه، ومن مظاهره أيضاً إعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف.
وإذا غرست أيها المربى في نفس طفلك منذ نعومة أظفاره التكافل الاجتماعي كما بينه القرآن الكريم، وعلمته القناعة والرضا برزق الله، فقد أنشأت طفلاًَ صحيحاً نفسياً واجتماعيا، فمعظم المشاكل التي تواجه الإنسان تكمن في المال، فمن يحرص على إعانة الأخرين وحمل همومهم، فهو إنسان ينظر للمال على أنه وسيلة وليس غاية، والعكس فمن يعتبر المال غاية في حد ذاته، هلك في بحر الطمع والأنانية والبخل وأحاطت به الهموم والغموم وألمت به الأمراض والأسقام الجسدية والاجتماعية، وهلك معه من حوله من أفراد أسرته، فهو لا يعتنى إلا بالمال وجمعه فقط، بالإضافة الفقراء والمساكين من أفراد مجتمعه، ولم يكترث هو في جمعه عن حقوق غيره، فلا يضره أكان عن طريق أخذ أموال اليتامى أو بالنصب وظلم الناس.
ولهذه الأثار المدمرة قال -تعالى- عن المال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[التوبة: 34].
وقال -تعالى-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[الكهف: 46].
وقال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)[آل عمران: 14].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-11-2020, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحياة الاجتماعية في الإسلام

الإصلاح الاجتماعي:
بجانب ما سبق من مبادئ وأسس التربية الاجتماعية، يأتي هذا المبدأ البالغ الأهمية، فالله -سبحانه وتعالى- يطلب من المؤمن أن يكون إيجابياً في مجتمعه إذا رأى منكراً ينكره، ويوجه الواقعين فيه إلى الخلاص منه ويحذرهم من خطره، وإذا رأى معروفاً أو خيراً لا يمارس يأمر بأدائه ويعرف به وفضله، فالفروض المجتمع الإسلامي إيجابياً يعمل على إصلاح مجتمعه، قال -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
وقال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: 17].
فمما لا شك فيه أن أي شيء إذا أحكمت غلقه، فإنه إذا كان هناك من يحاول فتحه فمع مضى الزمن سيفتح، فالله - سبحانه وتعالى - كما رأينا وضع من المبادئ والأسس الاجتماعية ما يضمن بقاء الجماعة الإسلامية إلى يوم القيامة، ولكن مع وجود النفس الأمارة بالسوء والهوى والشهوات وشياطين الإنس والجن، كل هؤلاء يدعون إلى الفساد والتحلل من تلك المبادئ والأسس، فكان لابد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، درئاً ودفعاً للوساوس والشهوات، بحيث لو تغلب أحدهم على فرد ما وجد من يذكره ويعظه، فيفنى الخير.
ومجتمعاً خالياً من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهو مجتمع يعج بالفتن والشهوات فهو كالسنبلة تأتى بها الريح وتذهب، ويصبح ذلك المجتمع عرضة للانحراف والهلاك، وهذا ما حدث مع المجتمع المسلم، فيوم أن غاب الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أصابت المجتمع فتنة المال، ومن بعدها توالت الفتن تترا، فانحط المجتمع في وحل من الشهوات والملذات، فتداعت عليه الأمم، وزالت هيبته، واضمحلت ريادته، فبعد أن كان سائداً تتبعه الأمم أصبح مسوداً تابعاً لغيره، لا يملك حتى رأيه.
ولذلك علق الله -تبارك وتعالى- خيرية هذه الأمة وأفضليتها على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110].
فقدم الله أداتي الإصلاح الاجتماعي على الإيمان به، لأنه يغيرهما لن يكون هناك إيمان، إلا بقدرة الله -تبارك وتعالى-.
ونظراً لأهمية هذا الإصلاح في المجتمع، وجه الله -تبارك وتعالى- رسالة إلى المربين يوجههم فيها إلى ضرورة توجيه الأولاد إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، أي دورهم في الإصلاح الاجتماعي، وجاءت هذه الوصية على لسان لقمان الحكيم وهو يوصى ابنه، قال -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: 17].
فيصبح لزاماً على المربين أباءً ومعلمين، ليس فقط أن يأمروا هم أبنائهم وطلابهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، بل يوجهونهم إلى القيام بهذا الدور، فيكونون هم آمرون وناهون، وأن يقصوا عليهم ما جاء في القرآن من قصص تتعلق بهذا الأمر، ويظهر والهم أهميته وضرورته في الإصلاح وفضله وثوابه عند الله، كيف أنه دور من اصطفاهم الله من رسله وأنبيائه لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، فهم بالقيام بهذا الدور يقتدون بالرسل ويشاركونهم صفة من صفاتهم، حتى يلمس هذا السلوك شفاف قلوبهم، فيرتبطوا به ويشبوا عليه، وينفعلوا له.
اكتساب الآداب والقيم الاجتماعية والسلوكية:
وضع القرآن الكريم جملة من القيم، التي لا غنى للمجتمع بدونها، وتعد معايير للحكم على السلوك، فبدون هذه القيم يقف المجتمع بلا تقدم، قيم يحيى بها الفرد والجماعة، تدفع إلى سلامة الفرد ووحدة الجماعة وتماسكها، بما تبثه من تعاون، وتلقيه من محبة ومودة تذكى روح الأخوة والمساواة، وتقضى على الحقد والكراهية، وتذهب بالغضب والحسد والأنانية أدراج الرياح.
وإليك هذه القيم والآيات التي تشير إليها:
1. التواضع:
التواضع هو ذلك السلوك الفعال في كسب القلوب وأسر العقول، لذلك لا تجد نبياً إلا متواضعاً، وقد بين الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين أن التواضع هو السر في إمالة القلوب واستقطابها، وأن الغلظة والتعالي سبب البعد والنفور، قال -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران: 159].
التواضع هو السلوك الذى يمنح القدرة على التعبير عن النفس، وتدرك من خلاله السجايا، وتعرض من خلاله الحقائق بمرونة وبشكل سهل بسيط، يضفى على صاحبه هالة ووقار يدركه كل من يتعاملون معه، ويعطى انطباعاً إيجابياً، وتوفر عليه البحث عن أساليب معقدة يفرض من خلالها نفسه ورغباته.
وقد مدح الله -تعالى- المتواضعين وذم المستكبرين وتوعدهم بالعذاب الأليم، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)[المائدة: 82]
وقال -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الشعراء: 215].
وقال -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)[النجم: 32].
وقال -تعالى-: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)[الأعراف: 48- 49].
أما الكبر وهو الترفع والتعالي واعتقاده أنه فوق الناس، قال -تعالى- فيه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)[الإسراء: 37].
وقال -تعالى- على لسان لقمان: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لقمان: 18].
فالتواضع ترسيخ وتدعيم للأخوة والمساواة التي وضعها الإسلام، أما الكبر فهو المرض العضال الذى ينال من الأخوة فيفضى عليها ويضع بدلاً منها الكره والحقد والحسد، فلا أحد يرضى أن يتعالى عليه أحد، لذلك حرمه الله بأشد الألفاظ وأبشع الأوصاف، حتى ترتعد منه النفوس، وتتجنبه العقول.
ومما يدل على أهميه في تربية الأولاد أنه يدخل ضمن ما وصى به لقمان الحكيم ولده، فاحرص أيها المربى على التواضع وغرسه في نفوس أولادك وحذرهم من الكبر، وبطش الله للمتكبرين، وجازهم وكافئهم على التواضع، وعليك بقصة "قارون وفرعون" فيهما من العظات ما يكفى.
2. الصدق:
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35]
وقال -تعالى-: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[محمد: 21].
أما الكذب، فقد قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[النحل: 105].
وقال -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[الأنعام: 11].
وقال -تعالى-: (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 50].
وقد عرف العلماء الصدق بأنه مطابقة ما ينطق به اللسان، لما هو مستكن في القلب والوجدان، أما الكذب فهو ضده، وهو الغش الاجتماعي، وتور الحقائق على الناس.
والصدق منهج تربوي إسلامي؛ فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لصبى تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة))[[31]] فهكذا نرى نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحرص تمام الحرص على تربية الأولاد على هذه الصفة الحميدة والخلق القويم، وكيف لا، فإن الصدق في الأقوال يؤدى إلى الصدق في الأفعال مما يؤدى إلى صلاح الأحوال، وانتشار البركات والرحمات، وزيادة المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فيتقدم المجتمع ويعمه الرخاء والازدهار، وعلى النقيض إذا انتشر الكذب انتشر معه الفساد والاضمحلال والكساد، بما يؤدى بضعف المجتمع وزوال هيبته؛ لأن الكذب يؤدى إلى الفجور كما أخبرنا النبى -صلى الله عليه وسلم-، وكما قيل: "رأس المأثم الكذب" وهو من أقوى أسلحة إبليس في الإغواء وتسهيل ارتكاب المعاصي، فالكذوب يتعمد الكذب ليغطي ويمحو معصية ارتكبها أو ليتجمل سنية فعلها، أو ليبرز ما يقوم به من أعمال الشيطان، لذلك يجب أن نصون أبنائنا عنه ونحميهم منه.
3. التعاون على البر والتقوى:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2] تشير الآية الكريمة إلى نوعين من التعاون.
النوع الأول: هو الذى ارتضاه الإسلام وحرص عليه وحث عليه المسلمين، وهو التعاون في كل وجوه الخير التي تعود على الأفراد والجماعات بالنفع، التعاون على طاعة الله ونصرة دينه، التعاون لنصرة المظلوم، التعاون لردع الظالم، التعاون من أجل المصلحة العامة، التعاون للارتقاء بالمجتمع ونشر العلم والثقافة، وهكذا.
أما النوع الآخر: فهو النوع المذموم الذى حاربه الإسلام، وهو ما كان عليه العرب في الجاهلية، وهو التعاون على الإثم والعدوان وظلم الناس والإفساد ونشر الرذيلة والفاحشة فقد كان العرب يقولون أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العزلة عن المجتمع، فهو يحتاج إلى غيره لإشباع حاجاته الأساسية من كساء وغذاء ودواء وغير ذلك من متطلبات الحياه، وغيره كذلك يحتاج إليه، ومن ثم كان التعاون ضرورة ملحه لابد منها، لذ حث الإسلام عليه وقننه وضبطه، ومن ثم ينبغي أن يتعود الطفل على التعاون المثمر والفعال منذ الصغر، كما ينله على التعاون ضرورة من ضروريات الحياة، فكثيراً من الأنبياء الصالحين طلب نت الله يعينهم بغيرهم، مثل "موسى" -عليه السلام-، و "ذو القرنين" وغيرهم، حتى يتقدم بهم المجتمع.
4. أداء الأمانة:
قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[النساء: 58].
وقال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 72].
يتصور أن مجتمع تضيع فيه الأمانة، فهو مجتمع لا أمان فيه، تضيع فيه الحقوق، ينتشر فيه أمراض القلوب من الحقد والكره والغضب، وهو من علامات قيام الساعة كما أخبرنا بذلك المعصوم - عليه الصلاة والسلام -، ومن علامات النفاق ويرتبط بالخيانة العديد من الرذائل التي تحط من قدر الإنسان أمام نفسه وأمام مجتمعه.
5. الاتحاد:
قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103].
يأمر الله -تبارك وتعالى- في الآية بالاعتصام وهو التمسك والتشبث بشريعته، وشبه الشريعة بالحبل زيادة في الإيضاح وحثاً على التمسك بها، فهي وسيلة الاتحاد والتجمع التي يستمد منها المسلمون قوتهم بالالتفاف حولها، وتنهانا عن التفرق، التفرق يأتي الضعف والهوان، وإذلال الأمم والشعوب.
وينبغي للمربين أن يبثوا في نفوس أولادهم قيمة الاتحاد وأثرها على الفرد والمجتمع، والفُرقة والشتات وأثره على الفرد والمجتمع، ويعظوهم ويحثوهم بآيات الله، وقصص القرآن، قال -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
وقال -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: 46].
كما ينبغي أن يروى لهم ما فعله الاستعمار والغرب قديماً وحديثاً، حيث لم يستطيعوا الهيمنة على أرض الإسلام ونهب ثرواتها قديماً لاتحاد المسلمين، فأدركوا أن قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم التي تمدهم بالاتحاد، فحاولوا إضعاف العقيدة وتمزيق الوحدة، فحال المسلمين اليوم كما نراه، لا يسر عدواً أو صديق، ومنها فهناك علاقة طردية بين ارتباط المسلمين بعقيدتهم وبين قوتهم وازدهار حضارتهم ورقيها.
كما ينبغي خلق المواقف التي تتطلب الاتحاد والتعاون من الأطفال وحثهم عليه ودفعهم إليه، حتى يعتادوا عليه.
6. الوفاء:
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[المائدة: 1].
من القيم الهامة التي لها أثر عميق في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، فهو يعمق الاحترام بين الأفراد والجماعات، وينمى المحبة ويوسع دائرة العلاقات الاجتماعية، والإخلال به، يجلب اختلال العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.
وقد جاء استعماله في القرآن الكريم بصيغ مختلفة ومتنوعة، فتارة يأتي الوفاء بعهد الله، كما قال -تعالى-: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)[البقرة: 40].
وتارة يأتي بعموم الوفاء، كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )[الصف: 2- 3].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[الإسراء: 34].
وقال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الانعام: 152].
وهكذا يأتي اهتمام القرآن الكريم في تربية للمسلمين بالوفاء والحث عليه وتنوع الآيات القرآنية المختصة به توحى بعموم المعنى، فلا يقتصر فقط على الوفاء بالمواعيد، والعهود، والكيل والميزان فقط، بل المعنى أشمل من ذلك، وهكذا تتجلى عظمة التربية القرآنية وروحها، ولكى يحث ويدفع الله -تبارك وتعالى- المسلمين إلى الوفاء لم يحذرهم من الإخلال به فقط، بل ضرب لنا أروع وأسمى نموذج في الوفاء، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟!)[التوبة: 111].
فاحرص أيها المربى على تربية أبنائك عليه، وإذا لم تفعل فاعلم أن أول من يعانى من ضده هو أنت.
الروابط والصلات الاجتماعية:
عمل القرآن الكريم على ربط أفراد المجتمع المسلم مع بعضهم البعض بعدة روابط وجعل لها آداب وحقوق، وحذر قطع هذه الصلات، دفعاً لتماسك المجتمع وتقوية روابطه، وزيادة المودة والألفة.
فمنها روابط الأبوة والبنوة، قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)[الإسراء: 23].
وقال -تعالى-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].
وأيضاً قوله -تعالى-: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا)[الإسراء: 28].
وقال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14].
فلنعلم أبنائنا ونربيهم على بر الوالدين، فقد أكثر الله -تعالى- من التوصية بهما خيراً، حتى أنه قرن الأمر بعبادته بالأمر بالإحسان إليهما، وقرن الأمر بشكره بالأمر بشكرهم.
ولا تقتصر العلاقات والصلات الاجتماعية على الوالدين فقط، بل تمتد لتشمل جميع الأقارب والأرحام، فقد نهى الله قطعها وأمر بوصلها، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)[الرعد: 21].
ويوصى أيضاً بالجار القريب، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[النساء: 36] فقد جمع الله في هذه الآية المستحقين للإحسان والصلة، ومنهم الصاحب. فينبغي أن ينظم المربى أوقات للصلة والإحسان إلى هؤلاء المشار إليهم في الآية ويطلع الصغير عليه، ويشاركه فيها، ومع مرور الوقت يحاسبه هو إذا كان يصل الأهل والأصدقاء والجيران أم لا، ويكافئ عليها.
ومن الجوانب المهمة أيضاً التربية الاجتماعية، أن يحرص المربى على تلقين الأولاد الآداب الاجتماعية، مثل الاستئذان والسلام، والتهادي وغير ذلك.
وأخيراً، فهذا النموذج الأمثل في التربية الاجتماعية، الذى يضاهيه ولا يضارعه نموذج فهو نموذج من وضع الله الذى يعلم السر وأخفى، الذى يعلم بمكنون النفوس، وما يضرها وما يصلحها، فإذا كنا نريد السلامة لأبنائنا والنجاة من عقاب ربنا فلنتبع ما وجهنا إليه، ولا نأخذ بما يأتي به العقل الضعيف الذى يخطئ ويصيب، وخاصة العقول الغربية الكافرة، فلو كان في أفكارهم خير لصلحت بها مجتمعاتهم، لكن التفكك والإغراق يعم مجتمعاتهم، فابتغوا العزة فيما عند الله فهو المعز وهو المذل، لا إله إلا هو.
وفيما يلى نعرض لبعض لبعض المواقف الاجتماعية، ونبين آدابها وآثارها:
السلام:
جعل الله -تبارك وتعالى- تحية الاسلام: "السلام"، تعبيراً عن هدف الاسلام ومقصده من نشر الامن والطمأنينة بين أفراد المجتمع المسلم، ودعوة للمحبة ونشر الخير وزيادة في الألفة والمؤانسة، ونبذ الكراهية والبغضاء والتحصين ضد الحسد والحقد، وهو مجال لتوسيع العلاقات الاجتماعية وتدعيمها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم))[[32]] جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط المحبة التي هي شرط الإيمان، والايمان شرط لدخول الجنة، فكأنما جعل إفشاء السلام شرط على دخول الجنة، فالمسلمين إذا تقابلا أقرا السلام بينهما، لك منى السلام ولى منك السلام.
والله -سبحانه- شرع السلام منذ بداية الخليقة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لما خلق الله آدم -صلى الله عليه وسلم- قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحبونك فإنها تحيتك وتحيه ذريتك، فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله))[[33]].
بذلك يكون السلام تحية البشرية جمعاً، وليست خاصة بالمسلمين فقط.
ويستحب أن يقول المبتدأ بالسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ويرد عليه الاخر بقوله: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" وله بكل كلمه عشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: ((عشر)) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: ((عشرون) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: ((ثلاثون))[[34]].
والأحاديث الواردة في بيان فضل السلام كثيره منها ما رواه عبد الله بن سلام رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))[[35]].

[1] رواه البخاري " 3475 " , ومسلم " 1688 " .

[2] رواه البخاري " 2442 " , ومسلم " 2580 " .

[3] رواه البخاري " 6952 " , والترمذي " 2255 " .

[4]رواه البخاري في الأدب المفرد , وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد "240".

[5] نفس التخريج السابق.

[6] رواه الطبراني , والبغوي في السنة , وصححه الألباني في الصحيحة " 998 ".

[7] رواه البخاري " 13 " , ومسلم " 45 ".

[8] رواه البخاري " 16 " , ومسلم " 43 ".

[9] رواه مسلم " 2589 " , والترمذي , وأبو داود .

[10] البخاري " 67 " , " 4662 " , ومسلم " 1679 " .

[11]رواه أبو داود , والترمذي , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 5140 ".

[12] رياض الصالحين , " ص 376 ".

[13] رواه البخاري " 6056 " , وصحيح مسلم " 1714 " .

[14] رواه البخاري " 216 , 1387 " , ومسلم " 292 ".

[15]رواه أحمد , وحسنه الألباني في الأدب المفرد " 323 ".

[16]رواه البخاري " 6094 " , ومسلم " 2607 ".

[17]رواه البخاري " 34 " , ومسلم " 58 ".

[18] رياض الصالحين , ص " 382 – 383 ".

[19] رواه مسلم " 2563 , 2564 ".

[20] إنفرد به مسلم " 2621 ".

[21] رواه أحمد , والطبراني في المعجم الكبير , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 712 ".

[22] رواه مسلم "2598 " , وأبو داود.

[23] رواه البخاري " 48 " , ومسلم " 64 ".

[24] رواه الترمذي , وصححه الألباني في الصحيحة " 890 ".

[25] رواه مسلم " 41 " , وأحمد.

[26] رواه مسلم " 106 " , والترمذي , والنسائي , وأبو داود , وابن ماجة.

[27] التفسير الوسيط : جـ 15 , صـ 504.

[28] رواه البخاري " 5144 " , ومسلم " 2563 ".

[29] التفسير التربوي : جـ 3 , صـ 324.

[30] رواه البخاري " 6011 " , ومسلم " 2586 " , واللفظ له.

[31] رواه أحمد وحسنه الألباني فى الترغيب والترهيب " 2942 ".

[32] رواه مسلم " 54 ".

[33]البخاري " 3326 " , ومسلم " 2841 ".

[34] رواه أبو داود , والترمذي , وصححه الألباني في صحيح أبى داود " 4327".

[35] رواه الترمذي , وصححه الألباني في صحيح الجامع " 7865 "


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 150.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 147.81 كيلو بايت... تم توفير 2.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]