حديث: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213696 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-09-2019, 10:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي حديث: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه

حديث: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح




عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم آذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي»، فصلى رسول الله في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله تلبيته؛ قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت يقرأ في الركعتين: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون: 1]، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]، «أبدأ بما بدأ الله به»، فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحَّد الله وكبَّره، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده؛ أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، قال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسُق الهدي، وجعلتها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرةً»، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا بل لأبد أبد»، وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثيابًا صبيغًا، واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: «صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟» قال: قلت: اللهم إني أُهل بما أهلَّ به رسولك، قال: «فإن معي الهدي فلا تحل»، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي مائةً، قال: فحل الناس كلهم وقصَّروا، إلا النبي ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منًى، فأهلوا بالحج يوم التروية، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع ربانا، ربا عباس بن عبدالمطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدَّيت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد» ثلاث مرات، ثم أذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة السكينة»، كلما أتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبيَّن له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنه وكان رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهنَّ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحوَّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحوَّل رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلًا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، (وفي رواية: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبدالمطلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم»، فناولوه دلوًا فشرب منه؛ رواه مسلم.

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم "حديث (1218)"، وانفرد به عن البخاري، "وأخرجه أبو داود في "كتاب المناسك" باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حديث (1905)، "وأخرجه ابن ماجه في "كتاب المناسك" باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث (3074).

الكلام على الحديث من عدة وجوة:
حديث جابر يعد منسكًا مستقلًّا، فهو حديث شامل لأكثر ما ورد في حجة النبي صلى الله عليه وسلم لا كل أحداث حجته صلى الله عليه وسلم، ولكن أكثرها؛ لأن هناك أحكامًا أخرى جاءت في أحاديث أُخر، وأيضًا لهذا الحديث روايات عند غير مسلم هي متممة لرواية مسلم، ولعظم هذا الحديث فقد صنَّف العلماء فيه مصنفات، يصفون من خلاله حج النبي صلى الله عليه وسلم، من أواخر من صنَّف فيه الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب اسمه "حجة النبي" جمع فيه جميع روايات الحديث واصفًا حج النبي صلى الله عليه وسلم من خروجه من المدينة إلى رجوعه.

وفي حديث جابر رضي الله عنه فوائد وإشارات سنذكرها في شرح الحديث الذي سنعرضه وفقًا لعرض الأيام التي كانت في حج النبي صلى الله عليه وسلم.

أولًا: أيام انطلاقه صلى الله عليه وسلم مرورًا بالميقات حتى وصل مكة (9أيام):
ففي الصحيحين من حديث عائشة قالت: "خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة"،
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه عند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وأصحابه صبح رابعة يلبون بالحج"، وهذا يدل على أن خروجهم من المدينة كان في خمس وعشرين من ذي القعدة"، وكان دخولهم إلى مكة صبح الرابع من ذي الحجة، فهذه تسعة أيام هي مسيرة صلى الله عليه وسلم، بات ليلة بذي الحليفة (الميقات)، وثمان ليال قضاها في طريقه، كان الخروج يوم السبت ودخول مكة يوم الأحد، والوقوف بعرفة يوم الجمعة؛ انظر: (زاد المعاد) 2/ 102، وانظر: (حجة الوداع) لابن حزم ص 10-13.

نعود إلى سياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم آذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي»، فصلى رسول الله في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبَّيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك»، وأهلَّ الناس بهذا الذي يُهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله تلبيته، قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة".

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة بعد هجرته تسع سنين لم يحج، ثم حج في السنة العاشرة، وهذا ما ذكره جابر في حديث الباب وفي هذا إشارتان:
الأولى: أنه قبل هذه التسع سنين حج النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان في مكة، "وهذا ما ذكره غير واحد من أهل العلم منهم القرطبي وابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم حج حجة واحدة حينما كان بمكة، ونقل القرطبي رحمه الله الاتفاق على هذه الحجة، والخلاف هل حج غيرها حينما كان بمكة أم لا؟ انظر: المفهم (3/ 322) حديث (1094)، وزاد المعاد (2/ 102)، ويشهد لذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي إسحاق قال: حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، "وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها"، حجة الوداع؛ قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى".

والإشارة الثانية: أن حج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة كان في السنة العاشرة، وهذا دل عليه حديث الباب، وأيضًا دل عليه الإجماع؛ قال ابن القيم: "لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر"؛ انظر زاد المعاد 2/ 101، إذًا هاتان الإشارتان دل عليهما الأثر والاتفاق كما تقدم.

الفائدة الثانية: قول جابر رضي الله عنه "فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله"، وذلك بعد أن آذن في الناس يخبرهم بحجه صلى الله عليه وسلم، وفي قول جابر إشارتان:
الأولى: تحمل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلق الكثير في الحج، وكلهم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جميع أزواجه معه والناس معهم صبيانهم، وإذا أردت أن تتأمل عددهم، فاقرأ وصف جابر لهم في حديث الباب قال: "نظرت إلى مد بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله".

الثانية: فيه دليل على حرص الصحابة على العلم وتتبُّع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، ويؤخذ من هذا أنه يندب لمن أراد أن يسافر – لا سيما أسفار الطاعات - أن يختار من يعينه على الطاعة من أهل العلم والفضل والصلاح، فبحسب صحبتهم يكون حرصه على الطاعة كما دل على ذلك الواقع.

الفائدة الثالثة: ولادة أسماء بنت عميس رضي الله عنها محمدَ بن أبى بكر في ذي الحليفة، وفيها إشارتان:
الأولى: أن في هذا دليلًا على أن النفساء لا يمنعها نفاسها من الإحرام، وكذلك الحائض؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء رضي الله عنه بالاغتسال، وأمرها أن تستثفر، والاستثفار هو أن تشد المرأة على وسطها شيئًا عريضًا، ثم تأخذ خرقة عريضة تضعها في محل الدم، وتشدها لئلا يخرج الدم ويقوم مقامه ما عند النساء اليوم من وسائل حديثة، فتتحفظ النفساء، وكذلك الحائض عن خروج الدم وتحرم.

الإشارة الثانية: أنه لا يعرف عن حال أسماء بعدما أحرمت ماذا صنعت، فلم يأت في الأدلة ما بين حالها بعد ذلك: هل طهرت قبل رجوعهم ثم طافت، أو طافت وهي نفساء للضرورة، أو بقي معها أحد من محارمها حتى طهرت ولحقت بهم؟ كل ذلك محتمل والله أعلم.

الفائدة الرابعة: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركوبه القصواء واستوائها به على البيداء فيه ثلاثة إشارات:
الأولى: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إنما كانت صلاة الظهر على الصحيح كما دل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه عند مسلم، وأن الصواب أنه ليس للإحرام ركعتان تخصه، فإن وافق المحرم صلاة نفل أو فرض، جعل إحرامه بعدها، وإلا فلا يخص الإحرام بصلاة، والقول الثاني أنه يسن للإحرام ركعتان، وبه قال جمهور العلماء مستدلين بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة، وتقدم الجواب على ذلك، واستدلوا أيضًا بحديث عمر رضي الله عنه عند البخاري وفيه: (صلِّ في هذا الوادي المبارك)، وأُجيب بأن المقصود هي صلاة الظهر التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم.

الثانية: استدل بهذا القول من يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل من البيداء، وفي المسألة ثلاثة أقوال: قيل من المسجد، وقيل: من حين استوى على دابته وبدأ المسير، وقيل: من البيداء، وأظهرها والله أعلم الأول، والجمع بين الأدلة أن كل نقل ما رأى من موضع إهلال النبي صلى الله عليه وسلم.

الإشارة الثالثة: جواز تسمية الدابة ولوكان هذا الاسم لا يدل عليها، فالقصواء بفتح القاف هي الناقة التي قطع طرف أذنها، وناقة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مقطوعة الأذن، ولكن لقبها به حبًّا لها، وأيضًا لا بأس من تسمية الدابة أكثر من اسم؛ قال القرطبي رحمه الله: "قال ابن قتيبة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نوق منها القصواء، والجدعاء، والعضباء، قال غير واحد: والخرماء، ومخضرمة"، وقال: هي كلها أسماء لناقة واحدة؛ انظر: (المفهم)، المرجع السابق.

وكلها أسماء تدل على قطع في الأذن، والعضباء هي التي جاوز القطع فيها الربع؛ قال النووي رحمه الله: "قال أبو عبيد: العضباء اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تسم لذلك لشيء أصابها"؛ انظر: شرحه لمسلم حديث 1218.

الفائدة الخامسة: قول جابر: "وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك»، وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله تلبيته، قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة".

فيه أربع إشارات:
الأولى: حرص الصحابة على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة، فأي شيء يعمله النبي صلى الله عليه وسلم يعملون مثله.

الثانية: تلبية النبي صلى الله عليه وسلم تلبية عظيمة، ولذلك سماها جابر رضي الله عنه بالتوحيد.

الثالثة: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما يزيده الناس على تلبيته، ولم يرد عليهم شيئًا، وهذا يدل على جواز الزيادة على التلبية النبوية، إلا أن الأفضل التزام تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لقول جابر رضي الله عنه ولزم رسول الله تلبيته.

الرابعة: في قول جابر: "لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة"، دليل على ما كان عليه الصحابة حين إهلالهم كانوا يعتقدون أنْ لا عمرة في أشهر الحج، فكانت نيتهم حجًّا مفردًا، وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوها عمرة فيتمتعوا، وقد كان هذا الاعتقاد موجود عند أهل الجاهلية أنْ لا عمرة في أشهر الحج بل العمرة فيها من أفجر الفجور.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-09-2019, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حديث: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه

حديث: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح


ثانيًا: اليوم الرابع من ذي الحجة:

دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة، وكان بات ليلتها بذي طوى؛
قال ابن القيم: "ثم نهض صلى الله عليه وسلم إلى أن بات بذي طوى، وهي المعروفة الآن بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه ونهض إلى مكة، فدخلها نهارًا من أعلاها من الثنية العليا التي تشرف على الجحون.... ثم سار حتى دخل المسجد وذلك ضحى"؛ انظر زاد المعاد 2/ 224.

نعود لسياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: ï´؟ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ï´¾ [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت يقرأ في الركعتين: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، وï´؟ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ï´¾ [الكافرون: 1]، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ï´؟ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 158]، «أبدأ بما بدأ الله به»، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبَّره، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرةً»، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا بل لأبد أبد».

فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: سنية استلام الركن عند الابتداء بالطواف، والمراد بالركن في حديث جابر هو الركن الأسود؛ لأن الركن إذا أطلق يراد به الركن الأسود، واستلامه له عدة مراتب: أفضلها أن يستلمه ويقبله فإن شق عليه، استلمه بيده وقبل يده، فإن شق عليه استلمه بشيء، وقبل هذا الشيء، فإن شق عليه أشار إليه بيده، ولا يقبل يده، وكل هذه المراتب الأربعة جاءت أحاديثها في الصحيحين، واستلام الركن سنة بإجماع العلماء، قال ابن هبيرة رحمه الله: "أجمعوا على أن استلام الحجر الأسود مسنون"؛ انظر: الإفصاح لابن هبيرة (1/ 287)، وانظر مراتب الإجماع لابن حزم ص 44.

الفائدة الثانية: مشروعية الطواف بالبيت سبعة أشواط، وهذا الطواف هو طواف القدوم للقارن كالنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المفرد، وهو طواف العمرة لمن كان متمتعًا، ويسن أن يرمل في طوافه، وفي الرمل أربع إشارات:
الإشارة الأولى: مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى والمشي في الأشواط الأربعة الباقية.

الإشارة الثانية: أن الرمل سنة في طواف القدوم وطواف العمرة، فهو مشروع لكل قادم لمكة، فنخرج أي طواف آخر كطواف الإفاضة - فإن جابر في حديث الباب لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل في طواف الإفاضة - وكذلك في طواف الوداع، ونخرج من أراد أن يطوف بالبيت سبعًا تطوعًا، ونخرج المكي في طوافه؛ لأنه ليس قادمًا وإنما من أهل مكة.

الإشارة الثالثة: من فاته الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى لزحام أو نسيان ونحوه، فإنه لا يشرع له أن يقضيه في الأشواط الأربع الباقية، والقاعدة في ذلك أن السنة إذا فات محلها فإنها لا تقضى"، إلا ما ورد الدليل على قضائه إذا فات كالسنن الرواتب والوتر.

الإشارة الرابعة: الرمل يكون من الحجر الأسود إلى الحجر مرة أخرى، وهو سنة للرجال، وأما المرأة فلا يسن لها بإجماع أهل العلم؛ انظر كتاب الإجماع لابن المنذر ص (61).

الفائدة الثالثة: مشروعية صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، ومقام إبراهيم هو حجر كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه وهو يبني الكعبة حين ارتفع بناؤها، وهذا هو القول الأظهر من عدة أقوال قيلت في مقام إبراهيم، ويشهد لهذا القول ما رواه البخاري من حديث ابن عباس في قصة بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت وفيه: "فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له فقام عليه"، ويتعلق بهذا المقام بعد الطواف أربع سنن:
السنة الأولى: يسن بعد الطواف أن يمر بمقام إبراهيم ويقرأ: ï´؟ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ï´¾ [البقرة: 125]، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب.

السنة الثانية: صلاة الركعتين خلف المقام واختلف في هاتين الركعتين على قولين:
القول الأول: أنهما واجبتان، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه، والمشهور من مذهب المالكية، ورواية في مذهب أحمد؛ انظر بدائع الصنائع (2/ 148) والمنتقى (2/ 288).

واستدلوا: بظاهر الأمر في قوله تعالى: ï´؟ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ï´¾ [البقرة: 125].

القول الثاني: أنها سنة، وهو المشهور من مذهب أحمد والأصح من مذهب الشافعي، وقول مالك في إحدى روايتيه؛ انظر المغني (5/ 232) والمجموع (8/ 14).

واستدلوا: بعموم حديث طلحة بن عبيدالله، وفيه سؤال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم عن الفرائض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع"؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة أن ما عدا هذه الصلوات الخمس ليس بواجب ومنه ركعتا الطواف.

وهناك قول ثالث أنهما بحسب الطواف إن كان واجبًا فواجبتان وإلا فهما سنة، والأحوط للمسلم ألا يتركهما؛ انظر شرح مسلم للنووي المرجع السابق.

السنة الثالثة: أن تكون الركعتان خلف المقام، فإن تيسر له الاقتراب من المقام فيكون خلفه، يجعل المقام بينه وبين الكعبة فهو أفضل، وإن لم يتيسر صلى خلف المقام ولو بعيدًا، وإن لم يتيسر له لزحام ونحوه، أجزأه أن يصلي في أي مكان بالمسجد.

السنة الرابعة: يسن أن يقرأ في الركعة الأولى: ï´؟ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ï´¾ [الكافرون: 1]، وفي الثانية: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1]، ففي حديث الباب قال جابر: "يقرأ في الركعتين: ï´؟ قل هو الله أحد ï´¾ وï´؟ قل يا أيها الكافرون ï´¾، وفي رواية النسائي: ï´؟ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ï´¾، وï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾.

الفائدة الرابعة: يسن إن تيسر له بعد صلاة الركعتين أن يرجع لركن الحجر الأسود، فيستلمه ثم يذهب إلى الصفا، وظاهر الحديث أنه لا يسن تقبيل الحجر ولا الإشارة إليه لعدم الدليل، وإنما استلام باليد إن تيسر.

الفائدة الخامسة: قول جابر رضي الله عنه: (ثم خرج من الباب إلى الصفا)، وهذا حينما كان المسجد الحرام قديمًا له أبواب دون المسعى يخرج منها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الصفا من باب الصفا؛ كما في رواية الطبراني رحمه الله "ثم خرج من باب الصفا"، وأما اليوم فيتجه إلى المسعى من جهة الصفا ليسعى، ودل حديث جابر على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل على الصفا عدة أمور هي كما يلي مرتبة في الإشارات التالية:
الأولى: يسن على الصحيح إذا صعد الصفا أن يقرأ كما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع: ï´؟ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 158]، فيبدأ بالصفا؛ لأن هذا هو صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في فعله وقوله في مواطن العبادات التأسي، خلافًا لمن قال لا يسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال ذلك تعليمًا لأصحابه.
والصفا: جمع مفرده صفاة وهي الصخرة الصلبة الملساء، والمراد هنا أسفل الجبل المعروف في أول المسعى.

والمروة: هي الحجر الأبيض البراق الذي يقدح منه النار، والمراد هنا أسفل الجبل المعروف في نهاية المسعى.

ï´؟ من شعائر الله ï´¾: أي من أماكن عبادته المأمور بها في الحج والعمرة.

ثم قال: «أبدأ بما بدأ الله به»، وبدأ بالصفا وفي رواية النسائي، (ابدؤوا) بصيغة الأمر، والله تعالى ذكر الصفا أولًا في الآية السابقة: "ولكن رواية النسائي شاذة تفرد بها الثوري وسليمان بن بلال رحمهم الله جميعا عن بقية الثقات؛ انظر إرواء الغليل 4/ 317.

الثانية: يرقى الصفا ويستقبل البيت وإن تيسر له رؤيته، فهذا من السنة لقول جابر رضي الله عنه: "حتى رأى البيت فاستقبل القبلة"، وكانت رؤية البيت في الزمن السابق متيسرة، أما اليوم بعد البنيان ربما لا يجد إلا موضعًا يسيرًا يراه منه، فإن تيسر فهو أفضل وإن لم يتيسر، فيكتفي باستقباله.

الثالثة: الذكر الذي يقال في هذا الموضع يتلخص فيما يلي:
1- يرفع يديه لثبوت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم وفيه: "فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلًا عليه، حتى نظر إلى البيت، فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء أن يدعو"، فدل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أمرين لم يردا في حديث جابر رضي الله عنه: رفع اليدين وحمد الله تعالى.

2- يوحد الله ويكبره كما في حديث جابر رضي الله عنه في الباب، وجاء هذا التوحيد بلفظ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، فتبيَّن مما تقدم أنه يجمع بين التحميد والتكبير والتوحيد لثبوت ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلو قال مثلًا: "الحمد لله والله أكبر، ولا إله إلا الله"، وجاء بالتوحيد السابق لجمع بينها ويفعل ذلك ثلاث مرات.

3- يدعو بين كل ذكر وذكر، فبعدما يحمد ويكبر ويوحد، يدعو ثم يحمد ويكبر ويوحد، ثم يدعو ثم يحمد ويكبر ويوحد، ثم ينزل إلى جهة المروة، فيكون الذكر ثلاث مرات والدعاء مرتين بما شاء لقوله: "ثم دعا بين ذلك"، وهذا هو أول مواطن الدعاء في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم تضمنت ست وقفات للدعاء: على الصفا والمروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وعند الجمرة الأولى، وعند الجمرة الثانية؛ انظر زاد المعاد 2/ 287.

والمقصود بالأحزاب في الذكر السابق هم الطوائف التي تجمعت على النبي صلى الله عليه وسلم أيام الخندق، فتحزبوا عليه وهم: قريش، وغطفان، ويهود قريظة، والنضير وغيرهم، فهزمهم الله تعالى وكسرهم بلا قتال من الناس؛ قال تعالى في سورة الأحزاب: ï´؟ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ï´¾ [الأحزاب: 25].

الإشارة الرابعة: نزول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة ماشيًا حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، وهذا هو المشروع في حق من سعى، فإذا جاوز بطن الوادي مشى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الموضع الذي سعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم سعيًا شديدًا، عليه اليوم علمان أخضران وهو في الأصل مهبط الواد في الزمن السابق، وأما بقية أرض المسعى، فقد كانت غير مستوية سابقًا، والحكمة من السعي: هو سعي أم إسماعيل، كانت تمشي بين الصفا والمروة، فإذا وصلت الوادي أسرعت في مشيها؛ لأن المكان الذي فيه ولدها يغيب عنها إذا هبطت وهي قلقة عليه، فمن السنة أن يسعى كلما أتى بطن الوادي في ذهابه وإيابه في السبعة أشواط كلها.

الإشارة الخامسة: قول جابر: "ففعل على المروة كما فعل على الصفا"، فيه دلالة على أنه يفعل على المروة كما فعل على الصفا من استقبال للقبلة، ورفع لليدين، والذكر ثلاثًا يدعو بينهما مرتين، وأما أثناء السعي فيقول ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، ويكون آخر طوافه في المروة.

الفائدة السادسة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين ليس معهم هدي أن يحلوا ويجعلوا نسكهم عمرة، وفي ذلك ثلاث إشارات:
الأولى: فيه جواز تحويل النسك من إفراد إلى تمتع، وذلك لمن لم يكن معه هدي.
الثانية: قول النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن جعشم حينما سأله سراقة: "ألعامنا هذا أم لأبد؟"، فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا بل لأبد أبد»".

اختلف في معنى ذلك على عدة أقوال:
قيل: معناه جواز فعل العمرة في أشهر الحج إلى أبد الأبد؛ أي: إلى يوم القيامة.
وقيل: معناه جواز القران وإدخال العمرة في الحج إلى يوم القيامة.

وقيل: معناه جواز فسخ الحج إلى عمرة إلى يوم القيامة، وأن هذا ليس خاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة.

وكل الأقوال الثلاثة يحتملها اللفظ وربما تكون كلها مرادة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب جوابًا شاملًا، وأقرب هذه الأقوال القول الثالث؛ لأن السؤال كان عن فسخ العمرة إلى الحج؛ قال ابن حجر رحمه الله: "سياق السؤال يقوي هذا التأويل؛ انظر الفتح "كتاب العمرة" باب "عمرة التنعيم" حديث (1785).

الإشارة الثالثة: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث شبك أصابعه؛ ليكون أبلغ في توصيل الجواب.
نعود لسياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا، واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: «صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟»، قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك، قال: «فإن معي الهدي فلا تحل»؛ قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن والذي أتى به النبي مائةً، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي ومن كان معه هدي".
فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: فيه طاعة الصحابة رضوان الله عليهم الذين ليس معهم هدي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قصروا وأحلوا وجعلوها عمرة، كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن حل فاطمة رضي الله عنه بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج علي رضي الله عنه؛ حيث لبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت امتثالًا لأمر أبيها صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الثانية: الحديث فيه حرص علي رضي الله عنه على التثبت في الحكم الشرعي وإنكاره على أهله فيما يظنه خطأً؛ حيث ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم محرشًا؛ أي: مذيعًا لفعل زوجته فاطمة من التحلل بعدما أنكر عليها، وحين سأل النبي صلى الله عليه وسلم أقر النبي صلى الله عليه وسلم فعل فاطمة رضي الله عنها وقال: "صدقت صدقت".

الفائدة الثالثة: فيه دلالة على بذل النبي صلى الله عليه وسلم ماله في الطاعات، ومسارعته صلى الله عليه وسلم لذلك؛ حيث أهدى مائة بدنة وهي مجموع ما جاء به مع ما جاء به علي من اليمن، ولا شك أن هذا يدل على أن الأفضل ألا يقتصر الإنسان في هديه على شاة أو سبع من بدنة أو بقرة، بل السنة أن يبذل ما يستطيعه في الهدي.

الفائدة الرابعة: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه عن نيته في تعيين النسك، وإجابة علي رضي الله عنه له بقوله: "اللهم إني أُهل بما أهلَّ به رسولك".

وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له دليل على جواز الحوالة على الإحرام بإحرام الغير بشرط أن يكون ناويًا الإحرام من قبل، وهذا فيه جواز الإحرام من غير تعيين النسك، ثم بعد ذلك يعين، وورد عند مسلم أيضًا أن أبا موسى رضي الله عنه أيضًا أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما لم يسق الهدي، أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع بخلاف علي رضي الله عنه الذي أشركه النبي صلى الله عليه وسلم في الهدي، فصار قارنًا كالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان تعليق تعيين النسك بنسك الغير لا يجوز، لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الناس له، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ثالثًا: اليوم السادس والسابع والثامن من ذى الحجة:
تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة اليوم الرابع يوم الأحد، وفيه قضى الطواف والسعي، ثم مكث اليوم الخامس والسادس والسابع من ذي الحجة كلها في مكة في الأبطح تحديدًا يقصر الصلاة، فلما كان اليوم الثامن يوم الخميس توجه إلى منى؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وكان يصلي مدة مقامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة: يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء والأربعاء؛ انظر زاد المعاد 2/ 232،233.

رابعًا: اليوم الثامن (يوم التروية):
يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سُمي بيوم التروية؛ لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء في منى لما بعده من الأيام؛ ليشربوا ويستعملوا الماء، وليسقوا غيرهم هناك في عرفة ومزدلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقام بالأبطح هو ومن معه حتى صبح اليوم الثامن، فأحرم المتمتعون إحرام الحج قبل الزوال في الأبطح، ثم توجهوا إلى منى وكان ذلك يوم الخميس.

وهذا فيه دلالة على أن السنة للحاج أن يحرم من المكان الذي هو فيه أيًّا كان هذا المكان، وأن يحرموا قبل الزوال، قال ابن القيم رحمه الله: "فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى، فأحرم بالحج من كان أحل منهم من رحالهم"؛ أي: من مكانهم؛ انظر زاد المعاد 2/ 133.

نعود لسياق الحديث:
قال جابر رضي الله عنه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منًى، فأهلُّوا بالحج يوم التروية، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر".

فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على أن السنة للحاج - سواء كان متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا - أن يصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء من اليوم الثامن، وكذلك الفجر من اليوم التاسع في منى، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلاها في منى يقصر الرباعية من غير جمع.


الفائدة الثانية: الحديث فيه دلالة على أن السنة أن يكون مبيت الحاج ليلة التاسع في منى، وبإجماع العلماء أن خروج الحاج إلى منى يوم التروية وصلاته في منى وبيتوته كلها سنة، إذًا يوم التروية كله سنة بالإجماع والنص، وهو حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه عند أبي داود رحمه الله، وفيه أنه لم يأت منى وإنما مباشرة وقف بعرفة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله؛ مما يدل أن يوم التروية كله سنة.


قال القرطبي رحمه الله: "استحب جميع العلماء الخروج إلى منى يوم التروية، والمبيت بها، والغدو منها إلى عرفة، ولا حرج في ترك ذلك، والخروج من مكة إلى عرفة ولا حرج"؛ انظر المفهم (3/ 331) حديث (1094).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.15 كيلو بايت... تم توفير 2.36 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]