"رحلتي إلى النور" - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854627 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389545 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 08-07-2006, 08:01 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 8/69

الحلقة الثامنة

سمعت عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أول مرة عن طريق
جارنا في الحي القديم في الطائف الأخ صالح الأسمري..
والذي أصبح الآن من أنشط الدعاة ونشرا للعلم وتعليمه..
حينما هداني الله تعالى خصني الشيخ صالح وكان حينها في المرحلة الأخيرة من الثانوية
خصني بعناية واهتمام فكنت أصحبه دوما للمسجد..
حيث أن باب بيتنا يجاور باب منزله مباشرة..
وكان يحدثني عن الشيخ بن عثيمين وعن دروسه في الحرم في العشر الأواخر..
وبعد انتقالنا للحي الجديد..
في ذلك العام 1410 للهجرة نزلت برفقة شباب المكتبة للبقاء بجوار بيت الله الحرام طوال فترة العشر الأواخر...
وحضرت في سطح الحرم درس الشيخ العلامة ابن عثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..
كانت تلك أول مرة أرى بها هذا العلم الجليل..
في اليوم التالي أخذتني الحماسة فاقتربت من كرسي الشيخ فدفعت ثمن اقترابي غاليا..
فلقد أوقفني الشيخ كعادته في دروسه وسألني سؤالا عما كان يتحدث عنه ؟؟
وكنت حينها شارد الذهن ..!!
فما استطعت أن أجيبه.. !!
فأمرني بالجلوس فشعرت بالخجل والخيبة حيث فشلت في أول امتحان معه!!
وما عدت لذلك المكان مرة أخرى..
بل بقيت خلف ظهره أو في صفوف بعيدة..
وفي إحدى رحلاتنا لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
حضرت درس الشيخ أبي بكر الجزائري ...
وبكرت بالحضور لأكون قريبا من الشيخ فكنت في الصف الثاني أمامه مباشرة..
سمعت الطلبة يتهامسون بين بعضهم.. فسمعت احدهم يذكر اسم ابن عثيمين..؟؟
وبعد دقائق جاء شيخ مسن قصير ورقيق البنية
لحيته بيضاء وشعره ابيض ووجهه أبيض.. وثوبه ابيض عليه غترة بيضاء..!!
وجبهته ناصعة عليها أثر السجود.. وحاجباه عريضان ومليئان بالشعر الأبيض
يجر عباءته خلفه ..
ويشق الصفوف نحو المقعد المخصص للشيخ أبي بكر الجزائري..!!
إنه الشيخ ابن عثيمين!!
هممت أن أقوم ولكن كيف ؟؟
فعندما رفعت رأسي ونظرت خلفي ..
رأيت ارتالا من البشر تحدق في الشيخ ابن عثيمين والذي أصبح خلفي مباشرة..!!
عندما استوى الشيخ على المقعد أشار إلي بعنف وسخط وقال :
أجلس فقد آذيت إخوانك..!!
جلست مطرقا .. ثم بدأ الشيخ حديثه بالحمد والصلاة ..
فأنصت لكل حرف وكلمة يقولها..
فما يدريني لعله سيفعلها مرة أخرى ويسألني..؟؟
ولقد فعلها والله مرتين .. في ذلك الدرس!!
فأجبته وأنا أتتعتع وأرتجف خوفا منه .. ولكن أجبته بما يريد..
فكافأني بكلمة واحده قال لي : أحسنت..!!
هذا الرجل تحبه من النظرة الأولى..
أحبته ملايين المسلمين في كل مكان..
وسمعت من الناس ما زاد حبي له.. من زهده في معاشه وهيئته ومسكنه..
فلقد سمعت حينها أنه يعيش في بيت من طين..!!
ولقد زاره الملك في عنيزة فاستقبله في هذا البيت من الطين .. وجلسا سويا على الأرض!!
وأنه يأكل مما يحرثه ويزرعه بنفسه!!
كانت تلك الصور في الذهن إن صحت أو لم تصح...
تثير الإعجاب والمحبة للشيخ مع ما وهبه الخالق سبحانه
من علم راسخ وفقه وفهم للشريعة قل نظيره في زماننا..
كانت فصاحة الشيخ وقوة حجته تبهر مستمعيه..
مع ما يثيره الشيخ من دعابة ومزاح مع من يسألهم ..
في تلك الجلسة في المدينة سأل الشيخ سؤالا ..
ثم نظر حوله بنظرة تذكرك بالصقر حينما يلتفت بحثا عن فريسة!!
وأخذت نبضات قلبي تزيد فقد ظننته سيلتفت إلي ويسألني..
فأشار للشخص الذي بجواري..
وكان رجلا بدينا فيه سمرة ويلبس المرآة على عينيه..
أشار له الشيخ وقال له: قم..؟؟
بقي الرجل فاغرا فاه ينظر للشيخ كالأبله!!
فكرر الشيخ كلامه وقال :أنت قم ،وطقطق بأصبعيه وأشار بسبابته إليه!!
فقال له أنا؟؟ وأشار لنفسه!!
قال: نعم أنت!!
تزحزح الرجل وحاول القيام بتثاقل حتى دفع من بجواره !!!
وحينما علا لم يستطع أن يرفع رأسه وبقي في هيئة كالراكع!!
كان مشهد جاري ذلك يثير الضحك والشفقة معا!!
فالظاهر انه لم يعتد الوقوف أمام الجموع وبين يدي إمام من أئمة السنة كابن عثيمين!!
أغلق الشيخ الميكرفون وناداه ليقترب منه ..
فدنا الرجل من الشيخ وهو منحني!!
فاقترب الشيخ من أذنه فهمس فيها بكلمات لم نسمعها!!
فكان الشيخ يهمس في أذنه والرجل يهز رأسه ويضحك..!!
ثم أمره الشيخ بالرجوع والجلوس في مكانه واستأنف درسه..
إن ذلك الموقف والتواضع والسماحة من رجل في مكانة الشيخ يجعل محبته
تسري للقلب كما تسري النار في الهشيم..

التعديل الأخير تم بواسطة قاصرة الطرف ; 08-07-2006 الساعة 08:07 PM.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 08-07-2006, 08:10 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 9 / 69

الحلقة التاسعة




حينما التفت إلي سعود قال لي..
ما رأيك في الالتحاق بحلقة الشيخ ابن عثيمين!!
ظننت الرجل يسخر مني !!
ثم أكمل حديثه وقال..
أنا اعرف شخصا مقربا من الشيخ محمد ويمكنه أن يتصل به مباشرة ليشفع لك!!
قلت له: أنا سمعت أن شروط قبول الطلاب عند الشيخ قاسية للغاية!!
فلا بد أن يكون حافظا للقرءان ولصحيح البخاري عن ظهر قلب!!
بلع سعود ريقه ثم صمت!!
وصلنا لحائل... ولم أنم تلك الليلة..
لقد كان ثني الركب بين يدي هذا العالم الجليل أمنية كل طالب علم..
لقد اشغل سعود تفكيري بتلك العبارة....
بعد صلاة الفجر قلت ياسعود.. وين رفيقك اللي يعرف الشيخ..
قال الليلة فيه عرس وسيحضر الرجل وبعرفك عليه..
انتظرت بفارغ الصبر ذلك اللقاء ولكن الرجل غاب ولم يحضر العرس..
في اليوم التالي صلينا العصر في مسجد ذلك الرجل ..
نسيت اسمه ولكنه رجل وقور وهادئ الطبع ..
درس عند الشيخ لأربع سنوات وكان محل ثقة الشيخ فعينه مشرفا على سكن الطلبة..
دخلنا منزله وجلسنا في مجلس الضيوف..
لم يكن يعلم الرجل عن الموضوع..
قال له سعود .. هذا الأخ فلان الشمري!!
يا الله ما أثقل تلك العبارة على قلبي ولكنه قالها سامحه الله..
قال : يرغب في الدراسة عند الشيخ محمد ونريدك تشفع له عند الشيخ..
رحب الأخ بذلك وتهللت أساريره وقال :بكل سرور..
وسأكتب له توصية عند الشيخ ..
سألته هل من شروط القبول حفظ القرءان أو صحيح البخاري كما سمعت؟؟
قال : أبدا هذا ليس بصحيح ويمكنك الدراسة عند الشيخ بدون شيء..
أما إذا أردت الالتحاق بالسكن فلا بد من توصيه.. وسوف اكتبها لك..متى ستذهب؟؟
التفت لسعود فأنا ضيفه ، ومعنى ذلك هو أنني سأغادر حائل وأهل حائل..
ويعلم الله تعالى صعوبة ذلك على نفسي.. ولكن لابد من عمل شيء..
فوالداي لا بد أنهما قلقان علي فلو علما أنني لدى عالم ادرس
والدراسة على الأبواب فلا بد أن أكمل دراستي الثانوية..
لو علما بأن أموري جيده فلا شك أن ذلك سيخفف من وقع المصيبة عليهما..
قال سعود: سوف اذهب في نهاية الأسبوع لتبوك وسوف أصحبك للقصيم..
ومن هناك سأسافر لتبوك....
وفعلا فقد كتب الأخ الكريم تلك التوصية مشكورا ..
ولكن ما كدر خاطري أنه نسبني لقبيلة أخرى غير قبيلتي ..
لقد كان خطئا فادحا سأدفع ثمنه غاليا من سمعتي لاحقا!!!
وضعت التزكية في جيبي وذهبنا للمنزل..
رآني سعود كئيبا فسألني عن سبب ذلك ..
أخبرته بأن من أسباب زعلي هو أنني سأفارق أناسا أحببتهم من كل جوارحي..
كما أحب إخوتي بل وأكثر..
سأفارق الأنس والكرم والجود والسماحة واللطف ..
ماذا لو لم تصلح أموري هناك..
وما يدريني ماذا ينتظرني في عنيزة والقصيم..
ألم أزل شابا غرا صغيرا لم تصقله الحياة
ماذا لو وقعت في يد أناس لا يخافون الله..
لقد كانت حالي استثنائية بكل المعايير وفيها من المغامرة والطيش شيء غير يسير..
دمعت عين سعود وقال لي :
والله إن بقاءك يسرني ويسر إخوتي ..
وإنني والوالدة والزوجة وجميع الأقارب الذين عرفوك يعدوك كواحد منا..
فلو شئت أن تمكث معنا فهذا يسرنا ويسعدنا ولو مكثت في بيتي عشر سنين..
ولكن إن مصلحتك تهمني ولا بد أن تتصل بعائلتك ووالديك ..
فهما مهما غضبا عليك فسيبقيان اهلك واقرب الناس لك..
وأنت شاب ما زلت في مقتبل العمر وتحب العلم والتحصيل فهذه فرصة ثمينة لك..
وثق تماما حتى لو انتقلت للعيش في القصيم فسأبقى قريبا منك تعودني وأعودك
وبخصوص تكاليف دراستك وإقامتك فسأتكفل لك بكل فلس تنفقه..
فانظر ماذا ترى والله يقدر لك الصالح..
لا شك أن كلام الأخ سعود هو حق ومع التأمل والتفكير فالمصلحة تقتضي
أن أتدارك حل مشكلتي بكل السبل الممكنة..
لقد قدم لي سعود الكثير الكثير..
فيكفي انه آواني وفرج كربتي جزاه الله عني خير الجزاء..
أخذني في اليوم التالي لسوق السيارات..
فرأيته يبحث عن سيارة ليشتريها..
قلت له ياسعود أنت لا تحتاج لسيارة أخرى!!
فلديك اثنتان وإخوتك غير محتاجين..
قال أريد أن اشتري لك سيارة..
أقسمت بالله عليه ورفضت رفضا قاطعا وجلست أتجادل معه أكثر من ساعة
حتى أقنعته بالعدول عن ذلك..
لم يكن سعود رجلا غنيا فهو متوسط الحال والذي لا اشك فيه أنه سيقترض ذلك المال..
وحتى لو لم يقترضه وكان غنيا فكفاني منه جوده وسخاؤه ..
فقد كان كل يوم أو يومين يضع في جيبي مبلغا جزيلا دون أن أطلبه والله..
قال لي مرة لقد زوجت أختي الصغرى قبل أن تأتيني بشهر واحد..
والله لو كنت أعرفك حينها وكنت موجودا معنا لزوجتك إياها!!
بارك الله في سعود وفي ماله وولده وكثر الله من أمثاله..
وليس هذا غريبا على أهل تلك المنطقة فمع أن انتشار الجهل بالأحكام الشرعية بين أهل
الشمال عموما هو الغالب ..إلا أنك تجد فيهم من الكرم والجود مالا تجده في مناطق
أخرى..
حدثني مرة سعود يقول تعطلت سيارتي مرة وأنا على طريق عام ..
فتوقف رجل أعرابي معه سيارة وانيت داتسن ذات باب واحد..
.. دون أن أشير له.. ومعه زوجته في داخل السيارة..
فعرف أنه لا يمكن إصلاح السيارة في الحال..
ولا بد من إحضار مهندس ..
أمر ذلك الرجل زوجته بالركوب في صندوق السيارة..
قال سعود: أبدا أنا سأركب في الصندوق.. ودع الأهل في مكانهم..!!
قال الرجل: هي طالق إن لم تركب أنت في الأمام وهي في الخلف..!!
ولقد رأيت من كرمهم وجودهم وافتخارهم بذلك ما يعز نظيره والله..
إن ميزة الكرم لدى الناس هناك أنه جود غير متكلف ..
فهذه سليقتهم وهذه طباعهم توارثوها من أجدادهم وما زالت راسخة لديهم..
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 08-07-2006, 08:12 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 10 / 69

الحلقة العاشرة.


مرت الأيام التالية علي سريعا ..
وحرصت أن استمتع بالجلوس فيها بالقرب من سعود..وأولاده وإخوته..
ذهبنا سويا أنا وسعود للمكتبة واشترى لي مجموعة من الكتب..
لقد أراد سعود أن يعدني إعدادا شاملا للدراسة عند هذا الحبر..
لقد كان سعود أشبه بوالد يزف ولده ...
ولم أكن اعلم أنا أو سعود ما يخبئه القدر لي..
قبل يوم السفر قدم قريب لسعود وكان قريب عهد بعرس ..
تلفظ معي هذا الرجل بكلام فهمت منه أنني غير مرحب بي..
قال لي: أنت لست من شمر وأريدك أن تخرج هويتك من جيبك لتثبت عكس ذلك..
كان متكئا على وسادة ومقابلا لي ..ويشير بيده بكل تيه وغرور..
قام أخو سعود إليه فأراد أن يلطمه على وجهه فدفعته وقلت له دعه ليقل ما يقل..
لم يكن من اللائق بي أن أحرج الأخ سعود في بيته فسكت ..
لكن أخا سعود استدعاني للمختصر وقال لي..
دعك من هذا السفيه وأنا أعرف كل شيء عنك وأنت أكرم عندي منه..
خفف ذلك علي كثيرا ففكرة الانتساب تلك مع خطئها الشرعي لم تكن فكرتي و هي
شيء مخالف لأعراف الناس وتقاليدهم وفيها ما فيها!!!
في اليوم التالي سافرنا صباحا للقصيم..
ودعت إخوة سعود ثم انطلقنا لرحلة الطلب ..
لم يكن إخوة سعود على استقامة تامة بالدين مع محافظتهما على الصلاة في المسجد
إلا أنهما رجلان شهمان طيبان وفيهما من الخلال الحميدة ما يفوق كثيرا ممن
رايتهم من المحافظين على الشعائر الظاهرة..
لقد أتصل علي سعود بعد أربع سنوات من ذلك اللقاء الأخير..
واخبرني بخبر اليم عن أخويه
فلقد حدث لهما حادث بالسيارة على الطريق العام في أحد طرق الشمال السيئة ..
فتوفيا على الفور رحمهما الله رحمة واسعة..
وخلف على سعود فيهما خيرا في ذريته وأولاده..
مر علي منذ أن خرجت من بيتنا من الطائف حوالي ثلاثة شهور تقريبا..
وهاأنذا أنتقل لمنطقة جديدة والله أعلم مالذي ينتظرني..
كنا وسعود في تلك السفرة صامتين .. فليس في مخيلتي أي كلمات أو حوار دار بيننا..
سعود هذا رجل .. ويكفي أن اسميه رجل..
إن من الناس من هو كمعدن الحديد ومنهم من هو كالفضة ومنهم من هو كالذهب..
سعود في نظري معدنه أثمن من الذهب والله ..
أنا لا احكم على الرجل من خلال موقفه هذا معي هذا اتركه للقراء الكرام..
وصدقوني يا معاشر القراء الكرام إن سعود لا يعلم عما أكتبه عنه الآن..شيئا والله..
ولو علم لغضب من ذلك وكرهه..
فهو يرى عمله ذاك شيئا يتقرب به لربه ولا يريد أن يخالطه مدح الناس..
إن سعود لا ينتظر من عمله ذاك أن أكتب عنه أو أن أمجده فهو لم يكن يعلم
ولا أنا كنت أعلم أين تسير بنا الأمور وما هي خاتمتها..
إنني أكتب هذا الكلام وهذه المواقف لأسجل لأبنائي ما حل بوالدهم..
لأروي لهم عمن رويت ومن خالطت ليعرفوا قدر الرجال وليعرفوا الدب مع الناس
إنني يا أبنائي وأنتم الآن أطفال صغار وستكبرون إن شاء الله..
اقتطع لكم من جسدي قطعا صغيرة مليئة بالمآسي والأحزان والأتراح والعذاب والآهات
فأنسجها لكم بهذه العبارات لكي تستمتعوا بها..
وتكون أنيسا لكم في دهاليز وظلمات ومضائق الحياة..
وأسجل للقراء الكرام ما حدث معي حتى يكون للناس فيها عبرة لمن أراد ذلك..
إنني أطلب من إخوتي القراء الكرام أن يشاركوني هذا الدعاء..
اللهم جازي سعود عني خير الجزاء
اللهم بارك له في ولده وذريته اللهم واغنه من فضلك واجعله من عبادك الصالحين واختم
له بخاتمة صالحة يا ارحم الراحمين .. اللهم اجعله من أهل فردوسك الأعلى ووالديه
وإخوانه وذريته يارب العالمين..
وصلت أنا وسعود إلى عنيزة ..
تلك المدينة الصغيرة الجميلة الهادئة..
مدينة العلم والعلماء..
دفن فيها من العلماء والصالحين على قرون مالله بهم عليم..
سماها أمين الريحاني باريس نجد..
شوارعها جميلة ونظيفة وأهلها كمجمل أهل القصيم فيهم العلم والدين والأدب الرفيع..
دخلت عنيزة وأنا فقير مشرد احمل معي حقيبة ملابس وكرتون كتب..
وكنت احمل قبل هذا في جعبتي تجارب قاسية وخبرة بسيطة في الحياة وسذاجة وقلة حيلة ..
دخلت عنيزة وأنا حائر و رأسي متلبد بغيوم الشك والارتياب والضياع ..
لم أكن أعلم وأنا أدخل عنيزة هل سأمكث فيها يوما أو أسبوعا أو شهرا.. فما يدريني
فأنا منذ شهور أتنقل في البلاد من مدينة لأخرى ..
ومن يد ليد أخرى ولكن رعاية الكريم ورحمته سبحانه هي التي ترعاني
دخلت وأنا ابلغ السادسة عشر عاما فقط..
وبقيت في عنيزة أكثر من اثنتي عشرة عاما..
حافلة بالتجارب والمواقف الرائعة مع إمام الدنيا وفقيهها شيخنا العلامة
محمد بن صالح العثيمين عليه سحائب الرحمة والغفران..
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 08-07-2006, 08:13 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي

الحلقة الحادية عشره



أكتب هذه المقالة وأنا مطرق وصامت..
أضع يدي على رأسي .. لكي أنظم ذاكرتي..
تمر أمام عيني الآن مئات المواقف .. والخواطر..
أشبه بحاسوب أدخلت إليه آلاف البيانات في وقت واحد..!!
إنني بهذه المقالة يا إخوتي وأخواتي أندب نفسي ..!!
إنني بها أنكأ جرحا غائرا..
قد خيطته بغرز منسوجة من الحديد ..
أحكي لكم عن أبي عبد الله !!
لكي تستمتعوا وتستأنسوا بعطره الجميل..
وبذكريات لا يعرف تفاصيلها من البشر سواي...
أما أنا فإنني أشق جروحا عميقة من جسدي وروحي
لأقول لكم خذوا هذه الذكرى الجميلة الموجودة في أعماقي، دونكم الدليل والبرهان..!!
عندما وصلنا لعنيزة أنا وسعود كان الوقت ضحى..
اذكر تلك اللحظات جيدا وما زالت في مخيلتي..
أوقفنا سيارتنا أمام الجامع الكبير في عنيزة..
عليه لوحة صغيرة خضراء..
مكتوب عليها جامع الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله
رفعت رأسي لأنظر لتلك المنارة الشاهقة والتي بنيت بجوارها منارتان حديثتان..
كأنهما فتاتان ذواتا قوام جميل ودلال وبهاء.. تنظران بشفقة وتشف
لتلك المنارة القديمة البناء المبنية بالطين واللبن..
تغنى أحد أدباء عنيزة بها قائلا..على لسان تلك المنارة..
وهي تخاطب الناس عن الشيخ ابن عثيمين قالت: أنا المئذنة وهو المنارة..!!!
نعم والله هي المئذنة وهو المنارة ..
هذه المئذنة بناها بناء محترف قبل عشرات السنين وكلف بناؤها عشرون ريالا..!!
ولكن أمير عنيزة زاد البناء عشرة ريالات مكافأة له على إتقان صنعته!!
وهي حتى هذه الساعة مازالت شامخة تفخر وتشرف على ضرتيها!!
وتغني وتقول .. أنا المئذنة وهو المنارة...
اقتربت من باب المسجد فشاهدت لوحة صغيرة مكتوب عليها تسجيلات إسلامية..
دخلت للتسجيلات فرأيت رجلا ملتح ابيض وسيم الطلعة قصير وممتلئ
على وجهه لحية قد اختلط سوادها ببياضها..
سلمت عليه .. فرد علي بصوت فيه بحة !!
قلت له أين أجد الشيخ محمد ؟؟
قال الشيخ الآن في الجامع وعنده درس حتى الساعة العاشرة والنصف..
قلت : وبعد ذلك ..
قال : يذهب ماشيا لبيته.. هل أنت طالب جديد أم تريد الفتوى؟؟
قلت : لا، أنا أريد الالتحاق بحلقة الشيخ..
رحب بي .. وقال أهلا بك في عنيزة ...
ثم عرفني باسمه ، وقال أنا أخوك عبد الرحمن الخليفي ..
قلت له وهل أنت قريب الشيخ الخليفي إمام الحرم..؟
قال هو أحد أقاربنا..
قلت : أريد التحق بسكن الطلاب من أقابل؟؟
قال: قابل الشيخ مباشرة وتحدث معه فهو صاحب الحل والربط!!!
منذ ذلك التاريخ أصبحت لي مع أبي صالح علاقة طيبة.. بارك الله فيه
خرجت من عنده فسمعت صارخا يصرخ على الميكرفون ..
بسم الله ونصلي على رسول الله...
عشرة ،عشرة، عشرة !!
ظننتها محاضرة !!!
ولكن حينما أنصت له عرفت أنه صوت البائع في سوق الخضار المقابل للمسجد...!!!
قلت لسعود ماذا ترى؟؟
قال : دعنا لنذهب نفطر وتصلي مع الشيخ صلاة الظهر.. وتقابله..
توجهنا لأطراف عنيزة في المزارع المحيطة بها..
حيث تنتشر البساتين الخضراء والمزروعة بالنخيل على مد البصر..
جلسنا تحت ظلال شجرة واخرج سعود عدة الطبخ ..
وصنعنا الشاي.. والإفطار..
كانت آخر جلسة لي مع سعود في مثل هذه الحال..
قلت لسعود : أنت لديك سفر طويل ، فهيا قم وأوصلني للجامع وسوف أتدبر أمري..
وفعلا توجهنا للجامع .. وأوقفني أمامه .. ودخلت أنا وسعود لصرحة المسجد ..
حينما فتحنا الباب وجدنا الجامع خال من الطلاب ..والشيخ قد طلع من الدرس!!
وضعت متاعي في زاوية المسجد قريبا من رفوف النعال..
ثم خرجت مع سعود..
أردت أن يكون وداعا سريعا!! حتى لا ينفطر فؤادي والله.. حزنا وكمدا..
قبلته بين عينيه ودعوت له وانصرفت وأنا تخنقني العبرة..
دخلت للمسجد فتنهدت وصليت على رسول الله..
تجولت بنظري في الجامع ..
لمن لا يعرف الجامع يظن ذلك الجزء هو كل الجامع..
استصغرته في البداية .. ولكن بعد حين عرفت أن ذلك تقسيم متعمد
وهو تقسيم معهود في المنطقة كلها..
في وسط المسجد يقع محراب خشبي مقوس ارتفاعه حوالي نصف ذراع ..
وبجوارة علبة خشبية صغيرة لوضع النعال!!
وفرشت سجادة من الفرش الرخيص ..
قد بليت مواضع السجود منها وموضع الركبتين!!
وألقيت بجواره مهفة ليروح بها الإمام عن نفسه من الحر..
وقعت عيني على مقعد على يسار الداخل للجامع ارتفاعه ذراع ويتسع لجالس واحد فقط
ولا قوائم له، يتكئ من يجلس عليه على جدار المسجد..
وأمام المقعد اسطوانة حدية مدهون مثبت بالأرض بمسامير قوية
عرضت عليه خشية طولها نصف متر تقريبا فيها فتحات صغيرة..
لوضع الميكرفونات عليها..
وأمام ذلك المقعد قد ألصقت بالأرض علامات منحنية كقوس لترتيب صفوف الطلاب..
حول شيخهم...
عرفت أن ذلك هو موقع الدروس..
صليت تحية المسجد واتكأت على الجدار ووضعت خدي على كف يدي
أفكر في حالي....
فتح الباب بشدة ودلف منه شخص كبير في السن!! ..
وعليه مرآة عريضة وبشت ثقيل !!
حينما رآني نظر لي نظرة حادة .. فصرفت وجهي عنه خوفا من نظراته..
فلم يعرني كثير انتباه!!
كأنه يقول واحدة بواحدة..!!
وضع نعله خلف موقع الإمام ثم خرج من المسجد!!
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 09-07-2006, 09:18 AM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 12 / 69

الحلقة الثانية عشر..

كان ذلك الشيخ الذي دخل للمسجد وخرج هو العم عبد الله بن عمر العمري..
وهو احد أقران الشيخ ابن عثيمين في الدراسة على شيخه ابن سعدي رحمه الله..
بعد برهة وجيزة دخل ذلك الشيخ مرة أخرى ..
وتسنن ثم نشر مصحفه وانكب عليه..
بقيت وحيدا أرقب باب المسجد وارقب حقيبتي وكرتوني..
خرجت قليلا من باب المسجد ، و قفت على الدرج الخارجي العريض ..
حيث يقابل الخارج من المسجد دكانان أحدهما مكتوب عليه مركز إحياء التراث ..
وعلى اليسار لوحة مكتوب عليها مؤسسة الاستقامة.. وكانت مغلقة!!
دخلت لإحياء التراث ، وهي عبارة عن مكتب خدمات تصوير ..
مليء بمذكرات دروس الشيخ ابن عثيمين ، وغيره من العلماء..
استأذنت البائع بالتصفح فأذن لي..
وسألته : هل هذه من تأليف الشيخ ..؟؟
قال : كلا ، هذه مذكرات مفرغة من دروس الشيخ ...
خرجت من عنده ثم توجهت للوضوء والاستعداد للصلاة..
بعد دقائق ... دخل شاب نحيل بهي الطلعة..
وتقدم لدولاب طويل أبيض خلف المحراب ملصق بالجدار..
ففتحه ثم أضاء الميكرفون فأذن.. بصوت عذب وندي أعجز عن وصفه..
لم اسمع في حياتي أذانا جميلا مثل أذان ذلك الشاب ..
لا أدري هل ذلك بسبب حبي للجامع وأهله أم أن ذلك حق يوافقني عليه آخرون..؟؟
لكن هذا رأيي الشخصي عن ذلك الصوت ولا شك أن الأذواق تختلف في الحكم ..!!
فلا تلوموني إخوتي !!!
اسم ذلك الشاب عبد الرحمن الريس بارك الله فيه..فهو جاري في الصف لسنوات !!
بعدها تتابع الناس في الدخول للمسجد ولكن بوتيرة بطيئة!!
خلاف ما رأيته في المساجد الأخرى.. !!
وغالب من جاء للمسجد هم من الشباب المستقيم الملتزم ...
تأخر الإمام فسألت من بجواري : هل الشيخ موجود ؟؟
قال : نعم ولكنه يتأخر..
وبعد مرور حوالي خمس وأربعين دقيقة من الأذان دخل الشيخ...
هو كما عهدته لم يتغير من شكله شيء ..
غير أنني هذه المرة أنا من قدم إليه..
تقدم من الباب ثم خلع نعله وحملها بيده ثم سلم على الجماعة ..
وقف المؤذن وفي يده ميكرفون ذو حبل طويل مما يعلق على الصدر..!!
أقام الصلاة .. وكان الشيخ يستن بالسواك بيده اليسرى!!
التفت للمؤذن ثم تناول منه الميكرفون فعلقه الشيخ على صدره بلمسة إحترافية..!!
ثم التفت للناس وأمر الجميع بالاستواء والتراص..
نظرات الشيخ ثاقبة وحاجباه كثيفان مليئان بالشعر الأبيض..
يثيران في النفس الرهبة والمهابة.. كأن نظرته تخترق جسدك اختراقا..!!
قدم وأخر في الصفوف كأنه قائد جيش !!
حينما اطمأن من تراص الصفوف واستكمال الأول فالأول كبر الشيخ..
أطال الشيخ في الركعة الأولى إطالة لم أعهدها...!!
وفي ركوعه وسجوده وسائر الأركان يطيل الشيخ تطويلا بينا..
فمع كبر سنه إلا أن نشاطه وتماسكه يساعدانه على تحمل تلك الصلاة !!
ثم إن أغلب من يصلي معه من الشباب النشيط..
سوى العم عبد الله العمري سالف الذكر..
ورجلا آخر له شأن وأي شان...
رجل مسن رقيق الجسم لا تكاد أن ترى في جسمه مزعة لحم..
منحني الظهر ثيابه رثة وهيئته كهيئة مخبول أو معتوه !!
ولكنه يحمل في صدره علما كالجبال ..
إنه الشيخ الزاهد عبد الله الفالح..
حينما رأيته ظننته شحاتا ..
ولكن سمعت عنه وجالسته بعد ذلك فوجدت الرجل واسع الإطلاع راسخ العلم ..
غير انه زاهد في الدنيا ومتعها حتى إنه لم يتزوج قط..!!
ولعل أن تأتي مناسبة للحديث عن هذا الحبر بشكل أوسع ..
ختم الشيخ صلاته بالسلام ..
ثم استغفر بصوت جهوري .. وضج المسجد خلفه بالتسبيح والتهليل..
ثم استدار الشيخ بفتوة ونشاط كما يستدير الفارس على صهوة فرسه..!!
واستمر في تسبيحه وتهليله..
تخطيت الصفوف وجلست بجوار الشيخ فألقيت بين يديه توصية صاحبي..
فأشار لي الشيخ بيده اليسرى وهزها بعنف أن انتظر ..
فخجلت وشعرت بحرارة تملئ وجهي حياء من ذلك الموقف..
حينما استكمل الشيخ تسبيحه قال ماذا تريد..؟؟
فقدمت له الورقة..
فقال : ماذا فيها؟؟
قلت: توصية من فلان..
قال أعرفه وماذا تريد ؟؟
قلت أريد أن ألتحق بحلقتك للدراسة لديك...
قرأ الورقة بسرعة ثم أعادها وقال..: هذا لا يكفي لا بد من توصيتين .. ابحث عن شخص آخر أعرفه ليوصي بك..!!!
ثم فز من مجلسه وتناول نعله وقام..!!!
بقيت برهة أنظر حولي واحترت..؟؟؟
هل انتهى كل شيء ؟؟
لم اطل التفكير بل عزمت أن ألحق بالشيخ لأكلمه مرة أخرى..!!
خرجت فلحقته فرأيت حشدا من الناس تسير مع الشيخ..
منهم السائل والمستفتي ومنهم صاحب الحاجة ..
كنت أراقب المشهد وأنا بحذو الشيخ ..
يسير الشيخ من المسجد حتى بيته في كل الصلوات..
صيفا وشتاء .. دونما كلل ..
ولقد رأيت فتية نشطاء أقوياء يعجزون عن لحاق الشيخ حينما يسرع الخطى!!
بعد تجاوز نصف المسافة .. ورجوع أكثر الناس..
نظر إلي وقال : ايش عندك؟
قلت له : ياشيخ لقد جئتك من مكان بعيد ولا يعرفني أحد سوى فلان الذي أوصى بي..
فماذا أفعل ؟ لا سكن عندي ولا أعرف أحدا هنا في عنيزة؟؟؟
قال : هل أنت شمري من حائل؟؟
أسقط في يدي فالورقة فيها فلان الشمري؟؟
فلو قلت غير ما هو مكتوب فهذا نهاية المطاف ؟؟
وإن كذبت فلا حول ولا قوة إلا بالله !!
تماسكت وقلت: نعم أنا شمري؟؟
قال هل يعرفك عبد الله العبيلان رئيس مكتب الدعوة في حائل؟
قلت : لا والله..
قال هل يعرفك فلان رئيس المحكمة؟؟
قلت : لا والله ياشيخ!!
قال : ماذا افعل لك تصرف!!
قلت : هل ممكن أن أنزل في السكن مع الطلاب حتى أجد من يزكيني؟؟
أدار الشيخ وجهه نحوي..
أخذني الشيخ طولا وعرضا بنظره وتأملني ثم قال : لا بأس أذهب لمحمد البجادي !!
وقله أرسلني لك محمد للسكن مؤقتا !!
قبلت رأسه ورجعت لمتاعي..
حملته ثم التففت من خلف السكن المقابل للمسجد..
وشاهدت جموعا من الطلبة تصعد وتنزل من باب السكن..
فرأيت لوحة مكتوب عليها : مكتبة عنيزة الوطنية ..
أسسها الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي..
وها أنذا أدخل السكن الذي لن أخرج منه سوى بعد سنوات..
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 09-07-2006, 09:19 AM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 13 / 69

الحلقة الثالثة عشر

دخلت لسكن الطلاب وهي عمارة ذات أربع طوابق..
تبرع بها الملك خالد رحمه الله وأوقفها لطلبة العلم في الجامع الكبير..
صعدت للطابق الثاني فوجدت الطلبة مجتمعين على الغداء..
وعن يمين الصالة علقت لوحة مكتوب عليها ( المكتبة)
سألت عن محمد بن بجاد.. فقال محدثي : أنا هو..!!
وكان واقفا بجوار براد الماء على مدخل صالة الطعام..
قلت له لقد بعثني الشيخ محمد إليك لكي توفر لي سكنا مؤقتا ..
قال : لماذا مؤقت؟؟
قلت : لم استكمل التوصيات ..
قال : ما اسمك؟؟
هل سأقول لهم اسما غير الذي أنادى به من شهر؟؟؟
أنا فلان الشمري؟؟
قال: ولكن لهجتك؟؟
قلت له: أنا عايش طوال حياتي في الطائف؟؟؟
انتهيت من تحقيق الأخ محمد الظريف ثم قال تفضل استرح في المطبخ!!!
دخلت لصالة الطعام .. وهي صالة مفروشة بزل قديم ..
كانت أشكال الطلبة مختلفة ومتباينة !!
فتسمع اللهجة الحجازية وكذلك لهجة نجد طبعا..وترى الأفغاني والأفريقي..
جاؤا من أصقاع الأرض ليثنوا ركبهم عند ذلك الحبر ..
يجلس الطلبة حلقا على سفر الطعام..
كانت رائحة الأكل تثير الشهية فانتظرت الأخ محمد ليدعوني أو غيره من الطلاب ..!
فلقد كنت خجلا فأنا غريب بينهم ولا اعرف أحدا منهم..
غربة ما بعدها غربة والله المستعان!!
تكرم احد الطلبة بعد أن لمحني أتلمض دجاجة مشوية لا احد حولها..
قال : تفضل كل معنا يا أخي ؟؟
كدت أن أتمنع!!
ولكن الجوع أبصر ..!!
فانقضضت على طريدتي.. ولم يزاحمني عليها احد.. فظن شرا ولا تسأل عن الخبر!!
حينما شبعت وغسلت يدي ..
وخلت الصالة بعد أن ذهب جلهم لغرفهم وبعضهم يقيم خارج السكن!!
بجوار المطبخ ثلاجة ذات بابين فيها مالذ من شراب وعصير وحلويات!! توجد
ولكن بجوارها يجلس رجل أفغاني كأضخم رجل تراه!!
وله لحية كثة وسمعت الطلبة يسمونه علاء الدين...
قلت له : ياعلاء الدين ؟؟ هل ممكن اشتري من هذه الثلاجة؟؟
ظننته سيقول هذا بالمجان تفضل خذ ما تريد!!
قال : ايش تشرب ؟
فطلبت البارد .. فقال : بس واحد ريال!!
دفعته طبعا ومن ذا يجرؤ يزعل مثل هذا المخلوق الضخم!!
لكن هذه الضخامة والسعة في الجسم تخفي في داخلها قلبا كبيرا ..
إن علاء الدين هذا رجل لا كالرجال !!
ولا اعرف أحدا في سكن الطلاب قد اشتكى منه طوال إقامتي في السكن..
ويكفي ثقة شيخنا محمد به ..
دعونا من علاء الدين الآن .. ولنكمل قصتنا..!!
توسدت حقيبتي فنمت ...
استيقظت على أذان عبد الرحمن وما أجمله من نداء..
لم يكن في الحقيبة شيء يخاف عليه فتركتها غير عابئ بما يصير لها!!
صلى بنا شيخنا صلاة العصر ثم قرأ عليه قارئ من كتاب رياض الصالحين ( أظن)
فعلق عليه الشيخ تعليقا مبسطا ميسرا..
والملاحظ كثرة المصلين في صلاة العصر عن صلاة الظهر ..
حينما كان الشيخ يتحدث تذكرت رجلا يعمل في هيئة الأمر بالمعروف في حائل
وهو من أقرباء سعود وذكر لي أنه من تلاميذ الشيخ محمد القدامى..
اسمه عباس المعاشي( أو الشمري الشك مني).. بعد انتهاء الدرس تحلق حول الشيخ حشد من الناس منهم السائل ومنهم المستفتي وصاحب الحاجة ولقد رايت ما يعانيه الشيخ من صلف الناس وجفاءهم فرحمه الله وعفا عنه
لحقت الشيخ وسألته...
هل تقبل توصية عباس الشمري....؟؟
قال : أنعم به وأكرم ...
كنت احتفظ برقم عباس ..
فتوجهت لكابينة الهاتف واتصلت عليه..
رد علي عباس بصوت غير الذي عهدته؟؟
كلمته في الموضوع..!!
قال : أنا مريض ولكن سوف اتصل على الشيخ وابلغه بما تريد إن شاء الله..
رجعت للسكن وبحثت عن محمد بن بجاد..
فطلبت منه غرفة بسرير مريح لكي أضع متاعي فيها!!
ضحك وقال : تعال اريك غرفتك!!
صعدنا للدور الثالث .. ففتح لي الباب ..
فرأيت غرفتي المريحة!!
غرفة صغيرة ملقى فيها طراحة مهترئة ولحاف بالي ووسادة مهترة!!
قد فرشت ببساط أقرب حاله أن أسميه أنه هالك!!!
ركز بجدرانها رفوف فارغة لوضع الكتب .. فكانت أشبه بعجوز فاغرة ولا أسنان لها..
قال تفضل هذه غرفتك..!!
وقال : أنا لست مشرف السكن!!
إن أردت شيء فكلم الأخ محمد زين العابدين !!
قلت له: وأين أجد محمد زين العابدين هذا؟؟
قال هو مسافر وسيأتي اليوم من شرورة ..و هو ينزل في غرفة في الدور الثاني ..
مع شخص اسمه نافع الشمري!!
حينما سمعت كلمة (شمري) جمد الدم في عروقي !!
فهاأنذا أجاور شمريا حقيقيا !!
ثم انصرف .. وتركني في الغرفة..
وأظنه قال في نفسه : يالهذا الأحمق هل يظن نفسه سينزل في غرفة خمس نجوم!!
جلست على طراحتي البالية ..
أنظر لجدران الغرفة المتسخة !!
سبحان الله .. كيف يرضى الشيخ محمد بهذا الحال؟؟
ولم أكن اعلم إلا بعد حين أن غرفتي تلك هي غرفة الضيافة!!
ولكن بعد فترة والشهادة لله فقد تحسنت الأوضاع بشكل ملفت..
وجدد السكن تجديدا يليق بمقام شيخنا رحمه الله رحمة واسعة..
وقفت على نافذة الغرفة حيث تشرف نافذتي على الشارع العام..
أراقب الرائح والجاي كما يقولون!!
لمحت نسوة كثرا متلفعات بالسواد .. وجالسات على الرصيف ..
وبعد لحظات جاء الباص فحملهن ومكتوب عليه ( مستشفى الملك سعود)
إذا ،هن ممرضات!! ومتسترات بهذا الستر؟؟ .. بل وسمعت ان كثيرا منهن غير مسلمات!!
فالسفور كما سبق نادر أو معدوم ...
تركت الممرضات اللاتي يذكرنني بالمرض والهم فنزلت للمسجد..
سألت عن الدرس في تلك الليلة ..
فقالوا لي :الدرس الليلة في كتاب زاد المستنقع ..
سألت أحد الطلاب عن مكتبة قريبة..
فأشار لمكتبة مجاورة لجنوب المسجد مكتوب عليها مكتبة الإمام الذهبي..
دخلت للمكتبة وطلبت من البائع أن يعطيني متن الزاد..
فاشتريته ثم توجهت للمسجد..
رأيت مجموعة من الكتب موضوعة للحجز أمام الشيخ ..
ولم تكن تلك العادة غريبة علي فقد كنت افعلها في دروس مشائخنا في الطائف..
تقدمت وبكل جرأة وصفاقة !!
فالتفت حولي هل يراني من احد !!
فأزحت كتابين عن بعضهما وفرقت بينهما في المجالس ووضعت كتابي بينهما..!!
ولقد اخترت الصف الأول بل وأمام الشيخ مباشرة!!
لقد كانت تلك الجرأة والصفاقة سببا هيئه الله تعالى لي لكي يفتح قلب شيخنا الكبير
لشخص مغمور ضائع مثلي...
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 10-07-2006, 01:29 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 14/69

الحلقة الرابعة عشر

توافد الطلبة على الجامع زرافات ووحدانا وذلك قبل الأذان..
وحينما أذن المغرب ازدادت وتيرة الحضور حتى غص بهم الجامع..
ولقد تأخر الشيخ كعادته للحضور حتى إنك إن خرجت خارج الجامع
سترى في الأسواق المحيطة بالجامع جلبة بعد خروجهم من صلاة المغرب من المساجد الأخرى!!
وأخيرا دخل شيخنا بهي الطلعة رحمة الله عليه..
صلى بنا المغرب وكنت أول مرة أسمع تلاوة الشيخ ..
تلاوته شبيهة بقراءة الشيخ السبيل إمام الحرم لمن يعرفه !!
إلا أن شيخنا يسرع قليلا في القراءة...
وفي قراءته نبرة حزن .....
صليت بجوار المؤذن عن يساره منذ ذلك اليوم..
وحينما سلم الشيخ انتظرت قليلا ثم تخطيت الصفوف والأرتال..
وللمسجد ضجة هائلة بالتسبيح والتكبير .. كما هي السنة..
توجهت لمكاني الذي حجزته ورفعت كتابي وجلست ..
قدم مجموعة من الطلاب ، وجلسوا حولي وقال أحدهم لي..
هذا مكان فلان .. قم وابحث لك عن مكان آخر!!
قلت له : وهل المكان ملك أبيه !!
هذا بيت الله والمكان لمن سبق!!
أعتدت على ذلك النقاش من قبل في الطائف!!
ابتسم محدثي وأطرق يقرأ في كتابه!!
كنت غرا ولا أدرك عواقب أفعالي..
استكملت الصفوف وبقي مكاني الذي أنا فيه فرجة صغيرة !!
كان كل من حولي يرقبني بنظرة إشفاق كأن عيونهم تقول لي:
انتظر قليلا وسترى!!!
جاء شاب آدم اللون مستوي البنية ولحيته خفيفة!!
وقد خرج من غرفة بجوار مكان الدرس ويظهر أنه من كبار الطلبة!!
ويحمل حقيبة صغيرة وضعها على مقعد الشيخ ثم استدار وجاء نحوي..!!
اقترب مني .. وقال:
هذا مكاني !!
قلت له : أهلا بك وزحزحت الذي بجواري حتى حشرته !!!
وقلت له: تفضل!!
فجلس الرجل وهو غير راض!!
تأخر الشيخ حتى يتسنن الراتبه .. ثم تخطى الصفوف ودخل حتى صار أمامنا..
وعلا فوق منصة الدرس المصنوعة من القطيفة المحشوة بالقطن أو ألأسفنج الخشن، لا أدري!!
ثم جلس وألقى عباءته خلفه ..
واتكئ على الجدار ..
نظر إلي فرأى وجها جديدا لم يعهده!!
فنظر لمن بجواري وأرخى رموش عينيه ليركز النظر ..
وهو يقلب في أوراق منشورة في حجره كأنه يتساءل من هذا؟؟
ثم قال الشيخ: أليس المكان ضيق عليكم؟؟
أما أنا فلم أنطق حرفا واحدا ولم أتحرك كأنني لا أسمع وخيرا فعلت!!
وأما جاري فاستوى في جلسته وأصلح من مكانه فصار فسيحا بقدرة قادر!!
ثم هز رأسه بعلامة تفيد برضاه !!
انتهى الحال على هذا ولكن يظهر أن الشيخ قال في نفسه :
ستدفع ثمن جرأتك ...!! فهذا المكان له ثمن!! وأي ثمن!!
ابتدأ الشيخ بالحمد والصلاة على رسول الله ..
وقال : درسنا في الفصل الماضي .. كذا وكذا ..
ثم بدأ بمراجعة الطلبة عما تلقوه في الدرس السابق...
كان الطلبة حولي يرفعون أيديهم لكي يجيبوا... أيهم يختار..
أما أنا فليس لي في ذلك النقاش ناقة ولا جمل!!
الشيخ محمد سهل وبسيط في كل أموره ..
في أخلاقه في سمته ، في لباسه ، في حديثه ،
أما حينما يتعلق الأمر بالسؤال والنقاش .. فليحمد الله كل من سلم من ذلك!!
يقولون إن علم الرجل يظهر من سؤال الناس له ..
حيث يسهل على كل واحد أن يحضر من كتاب فيفرغه كاملا بين يدي الناس!!
لكن حينما تتوارد عليه الأسئلة ويحيطه المناقشون الأذكياء..
فحينها يظهر علم العالم من جهله..
وهذا هو منهج الشيخ في السؤال والنقاش ..
يعود الطلبة على قوة الحجة وتحمل الجدال دونما خوف أو تردد..
ولذلك يتعمد حشر الطالب بأسئلة صعبة ويورد عليه الإشكالات ..
فلا يفلت منها إلا الأذكياء والنبهاء..
أما من يرى في نفسه عدم الأهلية أو يعرف من حاله انشغال فكره بمصالحه وولده
فخير له أن ينصرف للصفوف البعيدة وليدس رأسه خلف زاوية أو عمود!!
استمرت المناقشة والمراجعة وقت لا بأس به ..
ثم ابتدأ الشيخ بالدرس الجديد...
شيخنا رحمه الله فنان في التدريس قل نظيره ..
أسلوبه يسير لا يشق على المبتديء ولا يحتقره الطالب المجد القديم..
فكل يجد حاجته وكل يخرج وهو راض وفاهم ومستوعب لكلام الشيخ..
الشيخ محمد ليس صاحب كم ولكنه إمام في الكيف!!
من الأمثال المشهورة :
علمني صنعة ولا تقرضني مالا!!
شيخنا يعلمك صنعة العلم بحيث يمرس الطالب على كيفية
البحث والمناقشة والاستدلال والتأصيل ، والجدال وكيفية ترتيب الدليل والحجة ..
ولذلك يستمر الطالب عند الشيخ سنوات عديدة ولم يكمل كتابا واحدا عنده..
ولكنه يخرج بفهم ثاقب وقدرة هائلة على الطلب والبحث والاستمرار في التحصيل..
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 10-07-2006, 01:30 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي 15 / 69

الحلقة الخامسة عشر
في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس..
فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل ..
وفيهم من الطاقة والحيوية ما يجعلهم حريصين ومتنبهين لكل فائدة ومسألة.
ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف ..!!
سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلاث مرات كأنه يختبرني أو سيقول لي : طس !!
وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!!
فقد أجبته بما فتحه الله علي مما حصلته عند مشائخنا في الطائف..
فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى..
انتهى الدرس الأول بعد الأذان ..
ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضب مني!!
وعلق الميكرفون على صدره .. ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم..
بصوت جمع بين العذوبة والرقة ، وجمال الأبيات التي نظمها ابن القيم رحمه الله..
لقد كانت تلك المنظومة مع أنها تحوي ردودا علمية رصينة إلا أنها...
حوت حكما ومواعظ وطرائف لا يتقن نظم قلائدها سوى مثل ابن القيم وكفى به !!
لاحظت رجلا أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبس المرآة يجلس عن يمين الشيخ..
و لاحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته ..
وكانت أسئلته وركاكة لسانه الأعجمي تثير ضحك الطلاب ..
كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لأن شيخنا يسر بذلك ..
ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيث انه لا يتكلم سوى بالفصحى المكسرة..!!
إلا أن الرجل قد أتقن علوم الآلة من نحو وأصول وأصول تفسير ، بشكل شبه كامل..
أذكر في درس الفرائض من متن البرهانية المسألة العنقودية والتي لم يستطع حلها سوى
هداية الله !!
وهي مسألة شائكة ومعقده لا يقدر عليها سوى الراسخين في الحساب والفرائض..
كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير..
ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه ..
فلا ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خاص ثم يترجمه من فوره للغته الأفغانية!!
و هذا ما يفعله كل ليلة طوال ست سنوات جاورته وخبرت حاله..!!
انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضعت كتابا بجوار المؤذن لكي أصلي مكانه..
صليت خلف شيخنا .. وبعد السلام ..تحلق مجموعة من الناس حول الشيخ ..
كما هي العادة في كل صلاة سوى صلاة الفجر والمغرب..
ثم قام الشيخ وخرج من المسجد لحقته مع الناس وذلك بقصد الفضول فقط ..
كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لأسئلة الطلبة والمستفتين..
ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال:
يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !!
كانت غير متوقعة والله ..
ثم قال الشيخ .. هل نزلت في السكن؟
قلت : نعم..
كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق من الغيرة من هذا الحوار
الخاص!! والنموذجي!!
قال : إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء ..!!
قلت له : لقد اتصلت على عباس وهو مريض وقال سيتصل عليك!!
قال : خيرا إن شاء الله .. ثم عدت أدراجي للسكن..
استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتب له شيئا بل توفيق الخالق سبحانه وتعالى..
دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!!
وجدت شخصا جالسا في غرفتي..
سلمت عليه .. فرد وقال : هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟
قلت : اليوم نزلت فيها..
قال : إذا سنكون سوية هنا .. أنا أخوك بندر الحربي ..
تعارفنا .. قليلا ثم نزلنا للعشاء.. وهذه المرة لم أنتظر أحدا يدعوني!!
حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص لا تعرفه شيء مزعج..لمن لم يعتد عليه
خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن..
ولكن لا خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!!
ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر ..
وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته ..
ومع انه رجل انعزالي ولا يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ، لعمقها وحدتها!!!
إلا أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل..
استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!!
كنت أخرج للتنزه مع بندر على سيارته الوانيت في الطعوس المحيطة بعنيزة
وما أكثرها!!
في اليوم التالي .. حضرت درس الصباح ..
والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف..
ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب ..
والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالأمس..
حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية..
كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني..
ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصيف والتي لم تطل كثيرا..
بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالأمس ..
وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى..
وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!!
والذي ستكون لي معه مواقف ستصطدم كثيرا من قراء هذه الحلقات..
ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه..
فأنا لن اسميه ولا احد من القراء يعرفه أو يعرفني ..
ولا يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !!
ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سنوات عديدة إلا أنها لن تمر دون اعتبار وتمحيص..
والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 16-08-2006, 02:35 AM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي رحلتي إلى النور





رحلتي إلى النور


وبآخره ملحق قصة ( في وداع والدي أبي محمد رحمه الله )


مالك الرحبي
( مازن بن أحمد المنسي الغامدي يرحمه الله )
توفي في الساعة الثانية ظهر يوم ( الجمعة 13/12/1426)







للرد والتعليق على الموضوع
اتبع الرابط التالي للحفاظ على تسلسل الرواية
جزاك الله خيرا
http://forum.ashefaa.com/newthread.p...newthread&f=32








رد مع اقتباس
  #30  
قديم 16-08-2006, 02:36 AM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه فصول قصة حقيقية ...
أسردها سردا كما هي ...
قد مر على فصولها أكثر من خمسة عشر عاما..
ومع ذلك فمشاهدها وحكاياتها ما زالت راسخة في الفؤاد..
قد نقشت فيه كما ينقش في الصخر لا يزول إلا بأمر الله..
أطلب من القارئ الكريم أن يتمهل ولا يستعجل..في الحكم على القصة..
حتى تستكمل فصولها وينتهي رقمها ..
فهي في النهاية تحكي مواقف عن رجل فذ قد طوته اللحود..
هذا الرجل هو شامة في جبين التاريخ في عصرنا..
وأنا في موقفي هذا معه ما أنا إلا حاك وناقل لموقف واحد فقط من مواقفه ..
وحسنة واحدة من حسناته ..
أحكي لكم عن هذا الرجل وأقسم على كل حرف فيه ..
أرويه كما حصل بلا زيادة ونقصان..
وأما حصر أفعال هذا الرجل ، ورصد جمائله على الناس والأمة
فهذا مما تعجز عنه طاقة الناس ...
فمنذا يقدر حصر أفعاله ليجمع أفعال غيره!!
فأمره إلى الله ..
هو حسيبه تعالى ورقيبه لا يخفى عليه من أمره شيء..
سيجد القارئ الكريم في أول القصة مواقف تعنيني أنا بشخصي..
وهي في النهاية عن شخص مغمور ..
ولكنها في الخاتمة تكشف نبلا عزيزا لإمام جليل .. قد آن الأوان أن تعرف قصته..
وقد حكيت بعضا من تلك القصة على أحبابي وأترابي..
فكلهم أقسم علي إلا أن أكتبها وأنشرها .. فهي واجبة من الواجبات..
وحق لهذا الإمام علي كأقل جميل له علي أرده..
خاصة وأنني مقبل على أمر جلل.. لا أدري ما خاتمته..
فلتكن إذا صدقة من الصدقات وذخرا لي عند الباري سبحانه وتعالى ..
لعل الله أن يعفو عن الزلات ويتجاوز عني في الصالحين..
اللهم اغفر لي ولشيخنا وأستاذنا ولوالدي واجعلني معهم في فردوسك الأعلى يا أرحم
الراحمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شاركوووا..."سلسلة أخلاق المسلم" .." اليك يا رسول الله نعود".. شروق الاجزجي ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم 42 28-02-2009 09:20 AM
التدخين في حياة لاعبي كرة القدم : "زيدان" أشره المدخنين و"كرويف" أشهر المقلعين أحمد أبو فارس الملتقى الرياضي 9 21-04-2008 02:53 PM


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 134.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.41 كيلو بايت... تم توفير 5.99 كيلو بايت...بمعدل (4.46%)]