السلفية الجهادية : د/اكرم حجازي (مقالات متجددة ) - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الجدول في إعراب القرآن ------ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 534 - عددالزوار : 91717 )           »          الجويني ومنهجه العلمي والإبداعي في استخراج آرائه الاجتهادية​ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          التوبـــة قبــــل رمضـــان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          15 خطوة نحو بر الوالدين بعد الزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أقل مدة الحمل بين النص والواقع الاستثنائي لحماية الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          شهر الصبر والجهاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أيها الشباب ماذا أنتم فاعلون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          ماذا لو عطس؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          فضل عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حتى تستمر الحياة نصائح ووصايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 02-01-2012, 08:30 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: (الصين تحت مجهر السلفيه الجهاديه-2)د/اكرم حجازي

1) الصين وإسرائيل، أية علاقة؟
منذ اعتراف إسرائيل كأول دولة في الشرق الأوسط بجمهورية الصين الشعبية في 9/1/1959 وإقامة أول علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين في 24/1/ 1992 ثمة من يتحدث عناختراق إسرائيلي لسور الصين وينسج لقصة العلاقات الدفاعية مع الصينبوصفها قصة تعاون وثيق بين البلدين محورها الأمن والتسلح[1]. وطوال الخمسينات من القرن العشرين ظلت العلاقات متوترة، ولكن بعد وفاة الزعيم الصيني التاريخي ماوتسي تونغ ومنذ أوائل سنة 1979 بدأ الانفتاح بين الدولتين. لماذا؟ ببساطة لأن الصين ضعيفة تكنولوجيا وجيشها متخلف وضعيف عسكريا بحيث لم يستطع الوقوف أمام الجيش الفيتنامي في الصراع الذي تفجر بينهما سنة 1978 وانحازت فيه روسيا إلى الفيتناميين مما تسبب بزيادة الهوة وتفاقم الخلافات بين الصين والاتحاد السوفياتي.
إذن ثمة ضعف تقني وحظر أمريكي وأوروبي على تصدير السلاح للدول الشيوعية ومنها الصين، وثمة شقاقات مع الاتحاد السوفييتي، وبالتالي ما يشبه العدم في مصادر التسلح والأمن، ولأن التقنية الغربية أقوى من مثيلتها الشرقية بما في ذلك الصينية كان على الصين أن تضع الأيديولوجيا جانبا وتتنازل عن كبريائها لتحمي حدودها وتحصن جيشها. بطبيعة الحال لم يكن الحديث ليجري مع الإسرائيليين إلا على أساس تحديث الجيش الصيني وتزويده ببعض المعدات اللازمة. ولأن هنري كيسنجر أوحى للصينيين بأنه يمكنكم الاعتماد على إسرائيل كدولة رائدة في الصناعات التقنية والأمنية، " إنهم يصنعون معدات لا تقل جودة عما نصنعه هنا في أمريكا"[2]، فقد سارعوا إلى استقبال أول وفد إسرائيلي سرا ولكن بشروط قاسية ووجوه عابسة.
وتوالت اللقاءات وعقد الصفقات بين الجانبين على قدم وساق، وما أن أعلن عن إقامة علاقات ديبلوماسية على خلفية انعقاد مؤتمر مدريد للسلام حتى غدا التعاون العسكري بين الجانبين مثيرا لقلق الأمريكيين الذين اضطروا إلى إرسال فرق للتحقيق وعقد اجتماعات ثنائية عاجلة تم بموجبها عقد اتفاقات ثنائية فرضت بموجبها الولايات المتحدة عقوبات على تصدير إسرائيل للأسلحة لما ألحقته من أضرار مست هيبة الردع الأمريكية في وسط وجنوب آسيا، وهو ما اعترف به وزير الخارجية الإسرائيلي سالفان شالوم. فما الذي فعلته إسرائيل، الدولة التي تصدر عشر حجم صادرات الأسلحة في العالم، كي تثير كل هذا الغضب الأمريكي؟
من المؤكد أن أحدا غير الأطراف المعنية لا يمتلك المعلومات الدقيقة عن قضايا التسلح الاستراتيجي بين
الدول العظمى، وكل ما لدينا معلومات تم التصريح بها أو الكشف عنها يتحدث أغلبها عن صفقات تسلح من بينها "طائرات من دون طيار من نوع هاربي، وذخيرة محمولة، وأجهزة دفاع ضد الصواريخ البالستية، وصواريخ مضادة للدبابات، وطائرات تجسس للإنذار المبكر، وأجهزة رؤية ليلية، وأجهزة قتال إلكترونية، ووسائل الحراسة للدفاع عن الحدود"[3].
وحقيقة كان الاتحاد السوفياتي يرقب تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية في العمق، وهو ما كشفته وكالة تاس للأنباء. وفي يناير 1980 أعلن راديو موسكو أن إسرائيل ستساعد الصين للإسراع بتحديث جيشها[4]. وكانت سنة 1985 قد شهدت عقد أول صفقة أسلحة بين الجانبين استهدفت تحديث الدبابات الصينية من طراز T-62 السوفييتية الصنع. وفي ذلك الحين أضاف الصينيون إلى تلك الدبابات مدافع إسرائيلية من عيار 105 مليمتر، كما شملت الصفقة أجهزة اتصال رادارية ونظما دفاعية خاصة بالصواريخ جو ـ جو وأجهزة إطفاء الحرائق، وأجهزة الليزر والأشعة فوق الحمراء للرؤية الليلة، وكذلك أنظمة إلكترونية موجهة لتحديد الهدف. ويشار إلى أن الفنيين الإسرائيليين وفروا، فيما بعد، التقنية اللازمة لقذائف الدروع القادرة على اختراق الواجهة الأمامية للدبابة السوفييتيةT-72[5].
وفي سنة 1983 نشرت مجلة الأخبار الفرنسية خبراً تحت عنوان "2000 عسكري إسرائيلي يساعدون في تحسين الجيش الصيني"[6]. وقالت مصادر أخرى أن إسرائيل تساعد الصين بشكل سري في بناء خط دفاعي على طول حدودها مع الاتحاد السوفييتي البالغ 6679 كيلومترا، حيث يقوم مئات الخبراء الإسرائيليين بالعمل في هذا المشروع الذي تبلغ تكاليفه عدة مليارات من الدولارات، ويشمل عددا من إجراءات المراقبة المتقدمة إضافة إلى معدات الكترونية حديثة جدا. وأكدت مصادر أجنبية أن الخبراء الإسرائيليين يساعدون الصينيين في تحديث التقنية المتعلقة بالصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وأنهم بدؤوا فعلا بتعزيز النظام الدفاعي الصيني على الحدود مع الاتحاد السوفييتي منذ العام 1985[7].
وذكرت مصادر عسكرية غربية أن الصين قامت في العام 1990، بالتعاون مع إسرائيل، بتطوير صاروخ بحري مشتق من صاروخ غبريال الإسرائيلي، وسعت إلى استخدام الأنظمة الالكترونية الجوية الخاصة بالطائرة الإسرائيلية "لافي" التي ألغي مشروع إنتاجها، لإدخالها في الجيل الجديد من الطائرات الصينية المحلية قيد التطوير. وأضافت أن إسحق رابين وافق في حينها على الاستمرار في تطوير النموذج التجريبي الثالث من الطائرة لإثبات كفاءة رادارها ومدى وفائه لاحتياجات الجانب الصيني[8]. خاصة فيما يتعلق بمشروع إنتاج الطائرة الصينية المقاتلة F-10 عبر استخدام منظومة الاتصالات والتوجيه في طائرة لافي.
ومن جهتها أكدت مجلة "جينس ديفنس ويكلي" البريطانية المتخصصة في الشؤون العسكرية سنة 1986 إن إسرائيل باعت الصين الصاروخ المضاد للدبابات "مافتس". ونقلت للصين تقنية إنتاج صاروخ جو - جو "بانيون3" وهو تقليد للصاروخ الأمريكي "سايد وايندر". وقدمت إسرائيل - حسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية - معلومات متقدمة للغاية إلى الصين عن أجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة. وفي مطلع التسعينيات بدأت المفاوضات الصينية الإسرائيلية لتزويد بكين بطائرات استخبارية على نمط "الأواكس" بقيمة 250 مليون$[9].
وعلى صعيد تجارة الأسلحة أوردت المجلة أن صفقات السلاح بين الصين وإسرائيل بلغت نحو 3.5 مليار$. وحسب تقديرات أخرى، حتى نهاية الثمانينات، وصل معدل مبيعات السلاح الإسرائيلي للصين ضعف ذلك.ويقدر الحجم السنوي لصادراتها إلى الصين بنحو ملياري دولار يتوقع مضاعفتها خلال السنوات القليلة القادمة، كذلك تعتبر صادراتها من السلاح للصين بمثابة الدولة الثانية بعد روسيا طبقاً لتقرير أمريكي سنة 2004[10].
بيد أن الصينيين الذين أعربوا عن ثقتهم التامة فيما طورته إسرائيل من تقنية ونظم معلومات وعلوم عسكرية عقدوا معها اتفاقات ليس بهدف التحديث فقط، بل اشترطوا على إسرائيل بيعهم العلوم والتقنية كي يتمكنوا من صناعتها بأنفسهم، وسعوا إلى استيراد بعض التقنية المتقدمة لاسيما في مجالات التحكم والتوجيه الراداري وأجهزة التوجيه عن بُعد في الطائرات والصواريخ وتقنية الأسلحة الذكية، والحصول على التقنية الأمريكية من خلال إسرائيل[11].
وتذهب مصادر أخرى إلى القول أن الصينيين والإسرائيليين وقعوا اتفاقية إنشاء صندوق مالي، تقوم بموجبها مؤسسة مالية أميركية باستثمار 150 مليون$ أميركي للتعاون مع إحدى الجامعات الصينية، بهدف دفع تطور القطاعات الإسرائيلية المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا، على أن تستخدم هذه التكنولوجيا في الأسواق الصينية، كما أن ثمة اتفاقية بقيمة 75 مليون$ تم توقيعها بين شركة إسرائيلية للاعتمادات المالية ومؤسسة صينية شريكة.
هكذا أوغلت الصين في علاقاتها مع إسرائيل بالاتفاق على تعزيز التعاون معها في مجال تقنية الاتصالات والعلوم والتكنولوجيا والأمن والتقنية الزراعية والمرافق الأساسية وتقنية البيئة والأمن القومي، وتكفلت إسرائيل
بتقديم خدماتها في المجال الأمني بمناسبة الدورة الأولمبية لعام 2008 في الصين[12].
2) النشاط اليهودي في الصين
أما إسرائيل فبخلاف المكاسب السياسية والمالية والعلمية التي حققتها من علاقاتها مع الصين، تجهد الآن وفي المستقبل بإحياء وتنشيط الوجود اليهودي في الصين من خلال إقامة المراكز الثقافية والأكاديمية والدينية
زيادة على مأسسة العلاقات العلمية مع الصين.
ففي سنة 1991 وقَّعت الدولتان اتفاقية رسمية للتعاون بين أكاديميات العلوم فيهما أثناء زيارة الوفد العلمي الصيني إلى إسرائيل، وكانت جامعة بكين شهدت في سنة 1986 افتتاح كلية لتعليم اللغة العبرية والآداب والتاريخ والديانات اليهودية، كما افتتحت إسرائيل مركزاً أكاديميًّا لها في بكين سنة 1991م وتمَّ ترجمة بعض الكتب الصينية إلى العبرية[13].
وفي مطلع يناير من سنة 2004 أفسحت صحيفة "الصين اليوم" حيزا لمقال عن" يهود الصين" تحدث كاتبه، الذي سقط اسمه وبانت صورته، عما وصفه بحقائق عن اليهود في الصين. وورد في المقالة أن اثنين من أعضاء المجلس الاستشاري للدولة هم من أصول يهودية، وهما إسرائيل أبشتاين و سيدني شابيرو. وثمة إشارة إلى العديد من الشخصيات اليهودية الشهيرة التي عاشت في الصين، ومنها، إضافة إلى أفراد عائلتي ساسون وقادوري، مايك بلومنثال وزير الخزانة الأمريكي الأسبق، وإريك هالبرن مؤسس مجلة فار إيسترن إيكونومك ريفيو، التي مازالت تصدر في هونغ كونغ، وموريس كوهين (كان يُسمى كوهين ذو المسدسين) الذي عمل حارسا (بودي غارد) لزعيم الثورة الديمقراطية الصينية صون يات صن. بكين مراحل.
وتشير المقالة إلى ثلاثة موجات من الهجرة اليهودية إلى الصين (أولها) بعد سنة 1842 وتوقيع الصين لاتفاقية حرب الأفيون وفتح عدد من موانئها من بينها ميناء مقاطعة شنغهاي التي وفد إليها تجار يهود قدموا من غرب آسيا وخاصة من بغداد مثل عائلتي ساسون وقادوري اللتين استقرتا فيما بعد في هونغ كونغ وأصبحتا من أكثر العائلات ثراء بها لما امتلكوا من فنادق ومتاجر. و(الثانية) كانت ليهود روس بعد العام 1899، وبعد وقوع الثورة البلشفية1917، واستوطن هؤلاء في شمال الصين، أما (الثالثة) فكانت بين عامي 1937 و 1939 خلال الحرب العالمية الثانية حيث تدفق على الصين ما يقارب الـ 20 ألفا هربا من النازية الألمانية. وقدر عدد اليهود سنة 1910 نحو 1500 نسمة استوطنوا في هاربن (عاصمة مقاطعة هيلونجيانغ)، ثم ما لبث أن ارتفع الرقم إلى 13 ألفا بحلول سنة 1929، وقد انتقل الكثير منهم إلى شانغهاي في ثلاثينات القرن الماضي بعد الاحتلال الياباني لمقاطعة منشوريا (شمال الصين).
وعن نشاط هؤلاء الذين برعوا بحسب الصينيين بقطاع التجارة والمال كعادتهم، تذكر المقالة أن عدد الأفراد المسجلين في بورصة شنغهاي سنة 1932 كان مائة مضارب بينهم 40 مضاربا من اليهود الشرقيين. وأن أحد أفراد عائلة قادوري يعد اليوم واحدا من أقوى الشخصيات في هونغ كونغ، غير أن الوجود اليهودي
في الصين أخذ يتقلص تدريجيا بسبب الوفاة أو الهجرة.
وعلى الصعيد الثقافي ظهرت في كبريات المدن الصينية رموز للثقافة اليهودية كالجمعيات والأندية والمقاهي والمراكز ذات النشاطات الدينية وجمعية للصداقة، وتشهد شنغهاي نشاطا يهوديا يفوق ما تشهده العاصمة بكين. وثمة عدد من مراكز الدراسات اليهودية أحدها في جامعة نانجينغ الذي أنشئ في شهر أيار/ مايو سنة 1992، ويرأسه البروفيسور شو شين، الأستاذ بكلية الدراسات الأجنبية في الجامعة، وأنشط الشخصيات الصينية في مجال الدراسات اليهودية. وينظم المركز دورات حول تاريخ اليهود يدرس فيها نحو 200 دارس سنويا. وفي جولته الأخيرة إلى إسرائيل منحته جامعة بار إيلان الدكتوراه الفخرية "اعترافا بمساهماته في الدراسات اليهودية في الصين"، كما جاء في قرار مجلس الجامعة. وأصدر عددا من المؤلفات، لعل أهمها "الموسوعة اليهودية" (بالصينية)، "أساطير اليهود الصينيين في كايفنغ" (بالإنجليزية) يتحدث فيه عن اليهود القدماء في الصين، "اليهود في شانغهاي" (بالإنجليزية والصينية) و"معاداة السامية..كيف ولماذا" (بالصينية) لشو شين.
وفي شهر نيسان / أبريل سنة 2000 افتتح مركز هام آخر هو مركز هاربين لدراسات اليهود في أكاديمية هيلونجيانغ للعلوم الاجتماعية والذي استقبل أكثر من سبعين يهوديا ممن عاشوا في هاربين، وأصدر ألبوما حول حياة يهود هاربين خلال القرن الماضي بعنوان "اليهود في هاربين" كتب له إسرائيل أبشتاين مقدمته التي جاء فيها .."من أجل يهود هاربين، سوف تستمر ذكريات وطنهم الصيني إلى الأبد"[14].
وتمكن اليهود من افتتاح كنيسين لهم في هاربن سنة 2004، وطالب حاخام يهودي أثناء زيارته لشنغهاي بالاعتراف بالديانة اليهودية في الصين ردا على ما ذكرتهمصادر حكومية صينية أنه سيتم استخدام تلك المعابد في جذب السياح اليهود فقط وليس للعبادة؛ لأن اليهودية ليست ديانة رسمية معترف بها في الصين. وفيما بدا تعقيبا على ما ذكرته وكالة الأنباء الصينية 16-6-2004 من أن قيمة المعابد تكمن في أنها تمثل لليهود حدثًا تاريخيًا هامًا يُذكرهم بهروب آلاف اليهود من روسيا القيصرية ومن الألمان إلى مدينة هاربن في الصين حيث أقاموا هناك تلك المعابد، قال الحاخام شلومو عمار: "إنه سيطلب من الحكومة الصينية إعادة المعبد إلى الغرض الأصلي الذي بني لأجله". ومن المؤكد أن النشاط اليهودي سيتضاعف في الصين بناء على ما يعتبره البعض أن العشر سنوات القادمة لإسرائيل ستكون حاسمة باتجاه ترقية العلاقات الإسرائيلية الصينية والاستفادة منها على أعلى المستويات.
بقي أن نشير إلى ملاحظة هامة جدا تتعلق بالديانة المسيحية في الصين، فقد دخلت المسيحية إلى الصين للمرة الأولى في القرن الثامن الميلادي، ثم اندثرت وعادت مرتين لتتركز في المدن الكبرى مثل شنغهاي وبكين بتعداد سكاني يقارب الأربعة ملايين مسيحي على المذهب البروتستانتي[15]. ولا شك أن هذا العدد من البروتستانت يبرر إلى حد ما سبب النشاط اليهودي الحثيث في شنغهاي خاصة.
رابعا: صراعات دامية وتنافس محموم في وسط آسيا
من الملاحظ أن الصين قوة صاعدة وخطرة عالميا، فبعد انعقاد المؤتمر الأفريقي الآسيوي سنة 1956 وما نتج عنه من تضامن مشترك عبر منظمة دولية تطورت سنة 1961 إلى حركة عدم الانحياز أبدى الغرب قلقا كبيرا من دخول الصين على خط العلاقات الدولية إلى حد أن أحد الصحفيين الغربيين علق على الحدث
بالقول: ويل للعالم إن خرج هذا المارد من قمقمه.
في هذا المحور سنقدم ثلاثة مداخلات الأولى تتعلق بخطط الصين تجاه القاعدة وطالبان ومسلميها واستكشاف العلاقة بين الطرفين وما إذا كان ثمة ما يبرر العداء بينهما، والثانية تناقش مكانة الصين في خطط القاعدة في ضوء أدبياتها الصادرة ما بعد 11 سبتمبر 2001 لاسيما في وثيقة الاستراتيجيا، والثالثة تناقش حضور اليهودية العالمية الأمني والاستراتيجي في الصين ومناطق آسيا الوسطى وبحر قزوين واستشراف مدى قيام تحالف استراتيجي مع الصين بديلا عن الولايات المتحدة.
المداخلة الأولى: خطط الصين تجاه القاعدة وطالبان ومسلمي تركستان

[1]آمنون بارزيلاي ،اختراق سور الصين قصة العلاقات الدفاعية لـ "اسرائيل" مع الصين،صدر أوائل العام 1999، عرض للكتاب، 25/1/2002، على الشبكة: http://www.palestinianforum.net/forum/showthread.php?t=5630

[2]نفس المرجع السابق.

[3] ماجد كيالي، صادرات "إسرائيل" العسكرية وأزمة الثقة مع الولايات المتحدة، صحيفة الوطن السعودية 13/8/2005، نقلا عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية 9/6/2003، على الشبكة:
http://www.palestine-info.info/arabic/shoonalkaian/external/2005/saderat.htm

[4] اختراق سور الصين، مرجع سابق.

[5] نفس المرجع.

[6] ذيب القرالة، الصين وإسرائيل طفرة في التعاون الاستراتيجي على حساب العرب، وكالة قدس برس، عمّان، على الشبكة: http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/qpolitic-jul-2000/qpolitic2.asp.

[7] اختراق سور الصين، مرجع سابق.

[8] نفس المرجع.

[9] ذيب القرالة، مرجع سابق.

[10] د.محمد جمال مظلوم،لماذا تصر إسرائيل على بيع أسلحة للصين؟ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ملف الأهرام الإستراتيجي، على الشبكة: http://www.ahram.org.eg/acpss/ahram/2001/1/1/FI1E61.HTM.

[11] ذيب القرالة، مرجع سابق.

[12]كمال مساعد، الصين وإسرائيل... مجدداً، صحيفة السفير اللبنانية 16/5/2005، على الشبكة:
http://www.palestine-info.info/arabic/shoonalkaian/external/2005/isr_ch.htm

[13]ذيب القرالة، مرجع سابق.

[14] يهود الصين، صحيفة الصين اليوم، 1/1/ 2004. ويقول وانغ شي جيه، المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 6/11/2003 بعد عودته من جولة في الشرق الأوسط: "بالنسبة لي شخصيا، إنني من مدينة شانغهاي، وأكن لليهود شعورا طيبا، فقد لجأ الكثير منهم إلى الصين هربا من اضطهاد بعض الدول لهم إبان الحرب العالمية الثانية. لقد لاقوا استضافة ودية من قبل الشعب الصيني، كما أود الإشارة إلى وجود علاقات طيبة بيني وبين الكثير من اليهود خلال عملي ببعثة الصين لدى الأمم المتحدة".على الشبكة:http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2004n/4n1/1n16.htm

[15]خالد اللحام،المسلمون في الصين ... أمة منسية، على الشبكة:
http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/viewtopic.php?post_id=3523&topic_id=717
__________________
  #22  
قديم 02-01-2012, 08:34 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: (الصين تحت مجهر السلفيه الجهاديه-2)د/اكرم حجازي

1) القاعدة وطالبان
ليس ثمة أية علاقات للقاعدة في الصين لا مباشرة ولا غير مباشرة. ولكن من الممكن القول أنه في يوم ما كان ثمة مصالح سياسية مشتركة بين طالبان والصين بعيد إعلان الإمارة في أفغانستان. فقد توجهت الصين، في إطار صراع المصالح، إلى إقامة نوع من التوازن في علاقتها بحركة طالبان عبر تنفيذ بعض المشاريع في أفغانستان، ووصل الأمر إلى حد قرب الإعلان عن فتح سفارة للصين في كابول[1].
في الأثناء كانت الإمارة قد استقبلت أعدادا من مجاهدي الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية المحتلة من قبل الصين والمسماة بمقاطعة سيانغ يانغ، ورحب الملا محمد عمر بهم وتلقى منهم مبايعة إلا أنه نصحهم بالتروي والحذر لتجنب أي حرج مع الصين والتزموا بذلك فعلا. ولعل هذا ما يفسر انضمامهم إلى اللواء العسكري المكون من الأفغان العرب والذي ضم جنسيات مختلفة وتدربوا معه ولم يتدربوا مع طالبان بحيث بات " يشعر معظمهم أو كلهم تقريبا بتبعية للشيخ أسامة ابن لادن"[2] أكثر من تبعيتهم أو ولائهم للملا عمر، وخاضوا معارك ضارية إلى جانب الطالبان حتى انكشف أمرهم، وفيما توجه بعضهم إلى الصين للدعاية والحشد انقرض معظمهم قتلا أو أسرا من قبل القوات الأمريكية والباكستانيةبمن فيهم قائدهم حسن معصوم الملقب بأبي محمد
التركستاني[3].
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر انضمت الصين إلى الولايات المتحدة في حربها على ما تسميه مكافحة الإرهاب، وحصلت الصين على دعم أمريكي بتحسين العلاقات بعد قضية طائرة التجسس الأمريكية التي احتجزتها الصين، وكذلك على تلبية لطلبها فيما يتعلق بوضع واشنطن لـ "جبهة شرق تركستان الإسلامية" على القائمة السوداء ضمن المنظمات الإرهابية العالمية. وقد شرع الصينيون فعلا باستعمال مفردات مختلفة تجاه تركستان الشرقية التي تطالب بالاستقلال والحق في تقرير المصير. فقد تأكد للصين، رغم رفض بعض المنظمات الدولية لمزاعمها، أن بعض القوى الإسلامية كانت على علاقة بطالبان والقاعدة[4]، وأنه آن الأوان لاستغلال هجمات سبتمبر لوصم كل الكفاح القومي لقومية الأويغور ( سكان تركستان الشرقية ) بالإرهاب على الرغم من رفض الجماعات الإسلامية لما اعتبروه تلفيقا صينيا لتبرير جرائمهم ضدهم[5].
قدم أبو مصعب السوري لمحة قصيرة جدا عن تجربة مقاتلي تركستان وعلاقتهم بطالبان تاركا لأصحابها حق التأريخ للتجربة، غير أن الصينيين لم يتركوا الأمر على عواهنه فاستبقوا الجميع، مستغلين هجمات سبتمبر، للإشارة إلى علاقات استراتيجية بين طالبان وبن لادن من جهة والتركستانيين من جهة أخرى في محاولة منهم للربط بين ما يسمونه بالانفصاليين التركستان والإرهاب، فأصدروا كتاب الإدانة الذي نقتبس من ملخصه الفقرتين التاليتين:
" لقد تأسست "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية" برئاسة حسن محسوم بدعم وقيادة أسامةبن لادن. ومنذ تأسيسها, دبر أسامة بن لادن مؤامرات عديدة مع قادة المنظماتالإرهابية في آسيا الوسطى والغربية, هادفا إلى مساعدة قوى "تركستان الشرقية" الإرهابية على "الجهاد" في شينجيانغ وتحويل شينجيانغ الصينية إلى دولة "إسلامية" نموذجية تدمج بين السلطتين الروحية والزمنية. وقدمت قوة أسامة بن لادن الإرهابيةكمية ضخمة من نفقات النشاطات والمساعدات المادية لقوى "تركستان الشرقية" الإرهابية.
" في بداية عام 1999, قابل أسامة بن لادن قادة "الحركة الإسلامية لتركستانالشرقية", وفي الوقت الذي تعهد بتقديم مساعدات مالية, طلب منهم أن "جميع نشاطاتهميجب أن تنسق مع 'حركة التحرير الإسلامية لأوزبكستان' وحركة طالبان". وفي فبراير 2001, تشاورت قوة أسامة بن لادن الإرهابية مع قادة حركة طالبان في قندهار حول شؤونتدريب إرهابيي "تركستان الشرقية", بحيث قرروا تخصيص أموال طائلة لمساعدتهم علىالتدريب, وتعهدوا بتحمل نفقات نشاطاتها في عام 2001. كما قدمت قوة أسامة بن لادنالإرهابية وحركة طالبان و"حركة التحرير الإسلامية لأوزبكستان" كمية كبيرة منالأسلحة والذخائر وأدوات المواصلات وأجهزة الاتصالات لقوى "تركستان الشرقية" الإرهابية. وتقوم قوة أسامة بن لادن الإرهابية بتدريب عناصر قوى "تركستان الشرقية" الإرهابية بصورة مباشرة. لقد بحث حسن محسوم عن بعض المجرمين وعناصر دينية متطرفةوانفصاليي القومية من داخل الصين وخارجها, وكان يرسلهم إلى معسكرات التدريبالإرهابية في كل من قندهار ومزار الشريف وخوست وأمكنة أخرى في أفغانستان. وبعد أنيتم التدريب, يرسل بعض ركائز قوى "تركستان الشرقية" الإرهابية سرا إلى داخل حدود الصين لتطوير منظمات إرهابية وتخطيط وممارسة النشاطات الإرهابية داخل حدود الصين. وقد انضم بعضهم إلى قوات طالبان في أفغانستان, وشارك بعضهم الآخر في نشاطات القوىالإرهابية في الشيشان الروسية, وشارك بعضهم الثالث في نشاطات إرهابية في آسياالوسطى"[6].
ومع ذلك وجدت الصين نفسها، هذه المرة، بعد بضعة شهور من كتابها الأبيض في موقع الدفاع عن النفس
لما "نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور خبرا نقلت فيه عن عميلللمخابرات الأفغانية قوله أن شبكة القاعدة التابعة لأسامة بن لادن كانت تسعى للحصولعلى صواريخ دفاع جوى من الصين، وأنه من المحتمل أن الصينتورطت في دعممعسكرات القاعدة في باكستان والتزمت بتزويدها بالصواريخ".واضطر كونغ تشيوان المتحدث باسم وزارة الخارجيةالصينية إلى نفي " أي اتصال للصينمع شبكة القاعدة وبالتأكيد ليست لها علاقات عسكرية معها مؤكدا أن بلاده تدعم قيام تعاون أكبر في المجتمع الدولي فيالنضال ضد الإرهاب. وأن موقف الصينحول هذه القضية متسق وقاطع"[7].
إذن لنقل أنه ما من علاقة بين القاعدة أو طالبان مع الصين، ولكن أحدا لن يصدق أن مقاتلي تركستان ممن خبروا الحرب الأفغانية ومعارك الطالبان والقاعدة مع الولايات المتحدة والقوات الباكستانية يمكن أن ينكفئوا على أنفسهم بعد الذي قدموه من تضحيات كبيرة في أفغانستان وما كسبوه من خبرات. فهم بلا شك يمثلون رصيدا كبيرا للقاعدة مع أقرانهم من الحركات الإسلامية المجاهدة في وسط آسيا[8]، فهم من صنف الحركات الجهادية النادرة التي جاورها أبو مصعب السوري وعايشها عن قرب وبالغ في امتداحها لما تحلى به أفرادها من صفات خلاقة وجدية وصرامة وإخلاص ورقّة في تعاملهم مع أقرانهم من الحركات الأخرى في العالم الإسلامي وشجاعة نادرة دفعت الكثير من الجاليات والأوساط الإسلامية المنتشرة في العالم وخاصة في آسيا الوسطى إلى التودد لهم والتقرب منهم[9]. ولكن إلى أي مدى تبدو الصين قريبة من المسلمين أو بعيدة عنهم؟ وهل للقاعدة من قضية وعدو يبرران إعلان حالة العداء للصين؟
2) المسلمون في الصين ( تركستان الشرقية )
يبلغ عدد سكان الصين أزيد قليلا من 1.3 مليار نسمة بينهم أكثر من 120 مليون مسلم يتوزعون على عشر قوميات أغلبها من أصول تركية، وينتشرون في كافة أرجاء البلاد. وتتواجد في الصين، نحو 56 قومية تشكل قومية الهون منها ما نسبته 91% من السكان. وتبلغ مساحة البلاد نحو 11 مليون كم2 بضمنها مناطق التيبت ومنغوليا الداخلية ومنطقة تركستان الشرقية التي ضمها الصينيون إلى نفوذهم وغيروا اسمها إلى " سيانغ يانغ" أو الوطن الجديد وأحيانا المستعمرة الجديدة. ويشي التاريخ الطويل للصين بحقائق ثابتة تؤكد أن أباطرتها لم يتجاوزوا حدود بلادهم منذ خمسة آلاف سنة، ولعل سعة الجغرافيا وكثافة الديمغرافيا لديهم كفتهم التدخلات الخارجية، بخلاف المغول والتتار الذين غزوا البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وسفكوا من الدماء ما فاق حدود الوصف. ولولا أن أمكن للمسلمين احتواء النزعة الهمجية، التي هامت على غير هدى ولا بصيرة وأمعنت في القتل والفتك بالمخلوقات الإنسانية، وانتهت إلى التعقل باعتناقهم الدين الإسلامي، لكان للمسلمين عليهم ثارات لن تندمل في يوم ما.
ولكن حين يضطر الباحث فقط إلى نبش الأوراق القديمة عن العلاقات الصينية مع المسلمين فمن المؤكد أنه سيجد نفسه وجها لوجه مع صراع يقع في مستويين أولهما الصراع الدولي والإقليمي على مناطق آسيا الوسطى بوصفها مناطق عبور استراتيجي للقوى العظمى، وثانيهما الصراع ذاته على مناطق ذات ثروات طبيعية هائلة من الصعب أن تفلت من الحروب والتجاذبات الدولية المستمرة منذ خمسة قرون للسيطرة عليها لاسيما في القرنين الماضيين. فهل يمكن القول أن انكفاء الصين إلى الداخل كان أرحم على المسلمين من انفتاحهم ومشاركتهم التتار والمغول في غزو البلاد الإسلامية؟
لم يعد خافيا أن التاريخ يحفل بوقائع ثابتة تفيد بأن جرائم الصينيين بحق تركستان الشرقية لم تقل وحشية عن جرائم الروس ومن بعدهم السوفيات بحق مسلمي آسيا الوسطى (تركستان الغربية). هذه المنطقة، التي تعد أكبر الأقاليم، تشكل حاليا خمس أراضي الصين الشعبية بمساحة تقدر بنحو مليوني كم2[10] وعدد سكان يزيد عن 25 مليون نسمة من بينهم 95% من المسلمين[11]. ويرتبط تاريخها بالثورات على الاضطهاد والظلم والنهب الذي تتعرض له البلاد والسكان على السواء. فما بينمعاهدة " برشينك" في آب سنة 1689 ومعاهدة " سانت بتروسبورغ" السوفياتية في شباط سنة 1981 تعرضت تركستان الشرقية لمذابح دموية مروعة أبرزها ثورة سنة 1759 ضد حملات الاضطهاد والقمعللمسلمين التي بدأتها أسرة مانشو سنة 1648، وانتهت باحتلال الصين للبلاد ومقتل 1.2 مليون مسلم فيها، ونفي نحو 22 ألف إلى تركيا.وشهدت البلاد نحو 42 ثورة وطنية عارمة ضد الحكم الصيني ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر وتقاسم الصين وروسيا الأراضي العثمانية شن مسلمو تركستان ما بين خمس إلى سبع ثورات كبرى وقعت في سنوات 1820، 1830، 1847 و1857وما بعدها من صدامات مخلفة وراءها ملايين القتلى في صفوف المسلمين. ونجح المسلمون بتحرير البلاد من أيدي الصينيين مرتين وأقاموا دولة مستقلة لهم الأولى ابتداء من سنة 1863 بقيادة يعقوب بك واستمرت 16 عاما متواصلة، والثانية سنة 1933 و1944 إلى أن احتل الشيوعيون البلاد حتى هذه اللحظة[12].
كل هذه الحروب والمذابح من الأهمية بمكان القول أنها وقعت قبل انتصاب الحكم الشيوعي في الصين سنة 1949 بقيادة ماوتسي تونغ. وما زالت تركستان محتلة من الصين إلى يومنا هذا. ولا حاجة للتذكير بالمذابح الدموية التي تعرض لها السكان إبان الحكم الشيوعي وخاصة إبان ما اشتهر بالثورة الثقافية في سبعينات القرن الماضي والتي استمرت طوال عشر سنوات حطمت أغلب التراث الإسلامي في الصين وشوهت التاريخ والحضارة الإسلامية[13]. وقد يرى البعض، للوهلة الأولى، أن التضييق الصيني على المسلمين يدخل في إطار الأيديولوجيا الشيوعية المناهضة للأديان بيد أن واقع الأمور يتعلق بالدرجة الأساس بالمصالح وليس بالأيديولوجيا، وبلا مبالغة بعنصرية دينية مورست ضد المسلمين بالذات وبصمت عالمي مريع. أما لماذا؟
فلأن تركستان تمثل، ماضيا وحاضرا، بالنسبة للصين عصب الاقتصادوعصب صناعاتها الثقيلة والعسكرية[14]، إذ تمتلك من الاحتياط النفطي نحو 160 مليون طن، وتنتج سنويا خمسة ملايين طن وهو ما يجعلها تحتكر ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم[15]، أما عن المعادن، فبحسب إحصاءات 1964 تكتنز تركستان في خمس مناطق منها أجود أنواع اليورانيوم في العالم بمخزون يصل إلى 12 تريليون طن، ويتواجد الذهب في خمسين منطقة والحديد في 46 منطقة تنتج منه 250 مليون طن سنويا، والفحم في 70 منطقة بمخزون يوازي 600 مليون طن والقصدير في 12 منطقة والزئبق في 6 مناطق[16]، ويبلغ إنتاجها من الملح الصخري 450 ألف طن يكفي مخزونه ما يحتاجه العالم على مدار 1000 عام[17]. وكل هذه الثروات تذهب إلى داخل الصين.
وعن ثروتها الزراعية، تقدم تركستان ما نسبته 35% من الحبوب التي تحتاجها الصين[18]، وتشتهر بأنواع عديدة من الفاكهة والحبوب التي يستخرج منهاالزيوت مثل السمسم وزهرة الشمس, ويشكل الأرز والقمح أهم المحاصيل الزراعية فيالبلاد, ويعتبر القطن من المحاصيل الاقتصادية الهامة، وتشتهر كذلكبالثروة الحيوانية الضخمة للأغنام والمواشي والخيول والإبل. وكل هذا يؤشر على أن البلاد مستهدفة بوصفها ثروة لا يمكن التفريط بها. وإلى هنا يمكن تثبيت بضعة ملاحظات:
· إن وضع المسلمين في الصين لم يكن ليسر أحد منهم لا قبل المرحلة الشيوعية ولا بعدها. وكل ما في الأمر أن ما ارتكب من مذابح بحقهم وقع خلف الأسوار بمعزل عن أعين العالم الإسلامي أو بتوافق دولي بين القوى الكبرى أو بغض الطرف والعجز عن حمايتهم. ومثل هذا الأمر من شأنه أن يسقط نظرية أن الصينيين لم يمسوا المسلمين في تاريخهم. والأصح أن مسلمي الصين لم يجدوا من ينتصر لهم أو يهتم لأمرهم حتى أن بعض الكتاب والمهتمين لم ير غضاضة في وصفهم بفلسطين المنسية[19].
· إن تاريخ العداء ضد عموم مسلمي الصين لاسيما في تركستان الشرقية لم يكن عداء عقديا معلنا أو صريحا، كما أنه في العهد الشيوعي طغت عليه الأيديولوجيا التي مست تطبيقاتها الوثنية مختلف القوميات، وبالتالي يمكن القبول بامتياز أن العداء الصيني للمسلمين وليس الإسلام قائم حقيقة على فرضية صراع المصالح وليس على فرضية الصراع العقدي. ولكن لجوء الصين على الدوام إلى مصادرة ثروات البلاد الأغنى في العالم الإسلامي وحرمانها من التنمية وإفقار السكان[20] وتغيير في الطبيعة الديمغرافية للبلاد بحيث ارتفعت نسبة قومية الهون الصينية سنة 1950 من 6% إلى 40% من سكان البلاد[21] بدأت سنة 1952 بإحلال نحو مليوني صيني في مناطقهم والسيطرة على مساكنهم ومزارعهم بالقوة وطردهم إلى الصحاري القاحلة[22] واستخدام أراضيهم لإنتاج الصواريخ النووية والبالستية وتنفيذ تجاربهم النووية[23] تماما مثلما فعل الاتحاد السوفييتي بكازخستان أكبر الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى يلقي بظلال كثيفة من الشك على
حقيقة العداء الصيني للمسلمين والذي ظل طي الكتمان لقرون طويلة.
· أما أن الصين لم تكن قد خرجت من حدودها في يوم ما فهو صحيح بالإجمال، لأن الصيننشطت في الداخل ونسبيا في محيطها الإقليمي. ولكن بنية الحضارة الإنسانية الراهنة وتشابك المصالح وتعقيدها غير تلك الحضارات السابقة، كما أن احتياجات الدولة الحديثة ومصالحها وما تتطلبه من عبور، ربما، سيقذف بالصين، في مرحلة ما، إلى استعداء الآخرين علنا وليس سرا. فالصين كأعظم قوة اقتصادية قادمة لا محالة تعلم أنها تسير في الطريق عبر العالم، وتعلم أن إضاءة الصين وتشغيل آلاتها[24] تفرض عليها حماية مصالحها من أي خطر محتمل، كما أن العقلية الإمبراطورية تغري بالخروج إما عبر الهيمنة والتهديد أو عبر الغزو الصريح.
المداخلة الثانية: الصين في خطط القاعدة
من الواضح أنه ثمة تاريخ سيئ الذكر للصينيين تجاه المسلمين، ولن ينفع الصينيين تجاهله أو تشويهه، ومع أن القاعدة هي التنظيم الإسلامي الجهادي الوحيد والفريد الذي أعلن تبنيه لمصالح الأمة الإسلامية إلا أن قضايا المسلمين في آسيا الوسطى عموما وفي الصين خصوصا وقعت خارج حساباتها وخططها الإستراتيجية المعلنة والمنصوص عليها اللهم إلا فيما أورده أبو مصعب السوري من لمحة قصيرة عن مجاهدي تركستان ومقالته حول مسلمي آسيا الوسطى وأهمية المنطقة كمنطلق لما وصفه بمعارك الإسلام القادمة[25]، على الرغم من أن الحركات الإسلامية في المنطقة من أنشط الحركات الإسلامية في العالم ضد الأنظمة الشمولية والدموية هناك. والحقيقة أننا لم نجد ذكرا لا للصين ولا لروسيا ولا حتى مجرد نبوءة لدور ما قد تقوم به هاتان الدولتان في السنوات القادمة وكيف يمكن التعامل معهما فيما لو تبنيتا حماية إسرائيل والدفاع المباشر عنها كما تفعل الولايات المتحدة والتي تبدو بخطاب القاعدة والسلفية الجهادية عموما كما لو أنها الأفعى الوحيدة الموجودة في العالم فيما تبقى الفراخ فراخا، وهو ما ينفيه الحدث الاقتصادي القادم.
ففي المرحلة الرابعة من خطتها الاستراتيجية المسماة "مرحلةاستعادة العافية وامتلاك القوة القادرة على التغير 2010-2013"، تتحدث القاعدة عن مرحلة فك التحالف القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية واليهود في ضوء العمل على ضرب الاقتصاد مشيرة إلى آلية استخدام الذهب كمقياس وكأداة للتعامل النقدي الدولي. فالقاعدة، على ما تقول الوثيقة، تبنت فكرة طرحها حزب التحرير الإسلامي وشرعت بتنفيذها، لضرب الدولار كعملة مهيمنة عالميا على الاقتصاد العالمي. فاستخدام الذهب يعني إبطال النظرية اليهودية التي روجت طويلا ونجحت في تثبيت قيمة العملة ليس على أساس الاحتياطي الذي يغطيه من الذهب بل على أساس قيمة الناتج القومي الخام للدولة مما حدا بالأمريكيين إلى طباعة عملتهم دون حساب للقيمة الحقيقية للدولار. وإذا ما حل الذهب بديلا عن العملة الأمريكية فسيعني حتما سقوط مروع للدولار وبالتالي هروب لرؤوس الأموال والاستثمارات من الولايات المتحدة، ولأن متنفذي اليهود من كبار رؤوس الأموال والاقتصاديين يتحوطون منذ فترة، بحسب معلومات القاعدة، باستبدال مخزونهم من الأموال بالذهب، فسيعني مثل هذا السلوك في المحصلة احتفاظ اليهود بما لديهم من ثروات مقابل توجيه ضربة قاصمة للاقتصاد الأمريكي مما سيدفع المجتمع الأمريكي إلى صب جام غضبه عليهم لما سيتسبب به من انهيارات بالجملة أول ما تمس المصالح الأمريكية والمجتمع الأمريكي. وإلى جانب آليات أخرى، فسيكون فك التحالف بين الطرفين ورفع الدعم الأمريكي عن اليهود مرحلة لا بد من وقوعها، على أن تنتهي بضعف إسرائيل وبداية لنبذ اليهود عالميا ومن ثم زوال إسرائيل[26]. ومثل هذا التفكير سيعني حكما أمرين:
أولهما: أن الولايات المتحدة لم ولن تعود رأس الأفعى بعد أن يكون قد جرى تحطيمها اقتصاديا وفك تحالفها مع اليهود. وبالكاد يمكن لها أن تحتفظ بصيغة إحدى الدول العظمى إن نجحت في الإفلات من التفكك المحتمل إلى عشرات الدول المستقلة.
وثانيهما: أن إسرائيل ومن ورائها اليهود سيكون باتجاه الزوال كقوى عالمية مؤثرة في صيغة الهيمنة والتحالفات الدولية.
من المرجح، في الوقت الراهن، أن هذا التفكير سيجعل من القاعدة أبعد ما تكون عن أي عداء محتمل لها مع الصين في المدى المنظور. وهي فعلا تعتقد بذلك. وبما أن الصين تقع خارج حسابات القاعدة فمن المستبعد توقع قيام تحالف بين اليهودية العالمية والصين. وأكثر من ذلك، فلم يرد في أي من أدبياتها، ما بعد 11 سبتمبر، أية إشارة لصراع محتمل مع الصين[27]. أما لماذا؟ فلعل طبيعة الصراع مع اليهود والغرب تختلف اختلافا جذريا عن الصراع التاريخي بين المسلمين والصينيين.
فالقاعدة ذات التفكير السلفي المنهجي تعتقد أن العداوة بين المسلمين واليهود هي عداوة عقدية لا فكاك منها بحسب الأحاديث النبوية والنص القرآني تحديدا: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ... }، المائدة 82. أما أنه ثمة عداوة عقدية مع الغرب الصليبي، فهي، سياسيا، واقعة في صميم التحالف المسيحي البروتستانتي اليهودي. فهذا العدو بحسب القاعدة لا يمكن استمالته أو التأثير عليه.أما مع الصين فما من جذر عقدي شكلي أو جوهري يمكن أن ينفذوا من خلاله، فضلا عن غياب أية عوامل مشتركة بين اليهود والصينيين عبر التاريخ. ولكن ماذا لو نجح اليهود في نقل قوتهم إلى آسيا الوسطى والصين ونجحوا في الاحتماء بالتنين ذو الرؤوس المتعددة وليس برأس واحد كما هو الحال مع الولايات المتحدة؟
__________________
  #23  
قديم 02-01-2012, 08:37 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: (الصين تحت مجهر السلفيه الجهاديه-2)د/اكرم حجازي

المداخلة الثالثة: مأزق اليهودية العالمية والبحث عن مخرج
إن التفكير بحسب واقع الغرب ومصالح اليهود قد يدفع هؤلاء إلى التفتيش عن شروط جديدة للتحالف مع الصين أو غيرها، إذ أن نمط الحياة الراهن وشروط المعيش في الزمن الحالي مختلفة جذريا عن الأنماط السابقة، وإن لم توجد الشروط المناسبة فقد يتجه اليهود إلى خلقها وتهيئتها. كيف؟
إن فك الارتباط بين الدين والكنيسة هو الذي ولد مفهوم العلمانية، وهو الذي ولد المجتمع المادي، وهو الذي غلَّب القيم المادية على القيم الدينية مخلفا وراءه نظريات إلحادية وفوضوية أغلبها ذات منشأ يهودي. وإذا كانت الصين ملحدة فالغرب نفسه يشهد موجة إلحاد عاتية لم تتوقف حتى اللحظة. كما إن الطبقة السياسية في الغرب، حيث يقيم اليهود تحالفاتهم، ملحدة أكثر من غيرها بما في ذلك الرعيل الأول من اليهود الذين نادوا بإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، بل أن أغلبيتهم الساحقة كانوا وما زالوا من العلمانيين الذين وظفوا التوراة كغطاء ديني لأهدافهم، ونادرا ما كان بينهم متدينين. وأكثر من ذلك فاليهود المتدينين هم الذين رفضوا، في بادئ الأمر، الدولة اليهودية ولم يعترفوا بها وما زالت بعض الطوائف المتدينة منهم ترفض شرعية قيام إسرائيل كدولة لليهود. أما اليهود فمن الطبيعة الفطرية بعقليتهم وبقيمهم وأخلاقهم أن ينسجوا تحالفاتهم وفق ما تقتضيه مصالحهم أكثر من عقيدتهم التي قد تخضع للتعديل كي تتوافق مع التوجهات. فالمادة هي قوام السلوك والعقيدة اليهودية، وهم من قال فيهم رب العزة: { لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ... }، آل عمران181. فما الذي سيمنع اليهود من استغلال ثرواتهم ليقولوا للصينين في عصر تسيطر عليه المادة والإلحاد والمصالح وهو ما تعتقد به الصين أيضا: أنتم الفقراء ونحن الأغنياء؟
ثم إذا كانت إقامة التحالفات البعيدة المدى تستدعي مبررات عقدية لإنجاحها فليست المصالح المادية المشتركة بأقل أهمية من العقائد في الوقت الراهن علما بان منطقة وسط آسيا من أوزباكستان وحتى أذربيجان ذات رباط عقدي فيما يتعلق بظهور الرايات السود من هناك والأعور الدجال ومن بعده المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن تكون قد ملئت جورا وظلما[28]. وإذا كانت السلفية الجهادية تقرأ التحالفات اليهودية مع القوى الكبرى على أسس عقدية موجهة ضد الإسلام والمسلمين أصلا فمن الموضوعية عدم استبعادالقراءة الغربية في إقامة الدولة اليهوديةفي فلسطين والتي من بينها التخلص من المسألة اليهودية التي أرقت المجتمعات الأوروبية. فاليهود ليسوا على وئام مع الأوروبيين حتى هذه اللحظة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته المفوضية الأوروبية في نوفمبر / تشرين الثاني سنة 2002 أن 59% من الأوروبيين يعتقدون أن إسرائيلتمثل أكبر خطر على السلام العالمي بعد إيران وكوريا الشمالية على التوالي،الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب الإسرائيليين. وإذا كان اليهود يفكرون بإطالة عمر دولتهم الافتراضي فمن المؤكد أنهم لن يستطيعوا العيش طويلا في ظل الحماية الأمريكية[29]ولا بسوط معاداة السامية[30]، ولا بد من البحث عن مخرج، . أما علاقات الصين مع إسرائيل في مسائل بالغة الحساسية والخطورة ناهيك عن الاستثمارات المدنية لهذه الأخيرة في الصين فقد نسجت سرا في الوقت الذي كان يجاهر فيه الصينيون بأنهم لن يعترفوا بإسرائيل حتى لو اعترف بها الفلسطينيون، وهو التصريح الذي باهت به إحدى المجلات الفلسطينية الكبرى في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وهو التاريخ الذي شهد أول صفقات السلاح السرية مع إسرائيل كما أشرنا سابقا.
أما عن التحالفات اليهودية والغربية في وسط آسيا والقوقاز حتى بحر قزوين فتفرضها ثلاث مسائل كبرىليس لها علاقة بأية خلفيات عقدية، وهي قطاع الثروات النفطية ودور الحركات الإسلامية النشط في بلدان المنطقة وأمن الدولة اليهودية. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي استفاق العالم على سر كبير أخفاه الاتحاد السوفياتي طوال سبعة عقود ونصف وهو المخزون الهائل من النفط والغاز فضلا عن الثروات المعدنية الوفيرة لاسيما اليورانيوم. هذا المخزون النفطي الذي لم يستغل بفعل التخلف التقني والكلفة الباهظة حوّل المنطقة إلى ساحة صراع دولي لا يقل ضراوة عن الخليج العربي، فالحديث يجري عن أكثر من مائة مليار برميل من المخزون النفطي وعشرات التريليونات من الغاز المؤكد والاحتياطي. وتشير بعض الأرقام إلى استثمارات خيالية صبت ما يزيد عن مائة مليار دولار في المنطقة، إلى جانب استثمارات أميركية تصل إلى مائتي مليار دولار! أما عن عدد الشركات العالمية التي وصلت إلى منطقة بحر قزوين فقد بلغت أكثر من 50 شركة، معظمها أمريكية تليهاالبريطانية والفرنسية والنرويجية. وبلغ ما أنفقته حتى عام 1998م فقط 7400 مليوندولار، وقدر خبراء غربيون حجم الاستثمارات في المنطقة ما بين 50 إلى 75 مليار دولار[31].
لا شك أن الولايات المتحدة كانت سباقة إلى المنطقة، وفازت شركاتها (شيفرون، وأموكو، وأرامكو، وموبيل، واكسون، وبنزويل وأنوكال ) بمعظم العقود[32] وباتت تسيطر عليها فعلا، ولكن من هي القوة الأكثر تغلغلا واختراقا لعمق المنطقة؟
إنها اليهودية العالمية بامتياز. ولم يعد أحد يجادل الآن في حجم الاختراق وقبوله من الطرف الآخر ولا في كيف أو لماذا تذهب اليهودية العالمية وإسرائيل إلى وسط آسيا لتتموضع هناك وتنسج تحالفات هي الأقوى بعد الولايات المتحدة؟
فالمشكلة الأساس تكمن في الخطر الذي تمثله الحركات الإسلامية هناك على الأنظمة الشمولية الحاكمة، وما إذا كان هذا الخطر قد يمس إسرائيل في يوم ما[33]. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك جمهورياته ظهرت دول وسط آسيا في حالة من الفوضى وأنظمة حكم ضعيفة يقودها الشيوعيون، ولأن الغالبية الساحقة من شعوب هذه المناطق إسلامية فقد تنفست الصعداء بزوال الاتحاد السوفييتي وأملت في استعادة عقيدتها التي حرمت منها وحوربت فيها طوال سبعة عقود، وتبعا لذلك نشطت الجماعات الإسلامية على اختلاف توجهاتها الأمر الذي أخاف حكام المناطق وإسرائيل على السواء بحيث التقت مصالح الطرفين بعيدا كل البعد عن أي مقياس يتعلق بأية منظومة قيمية أو أخلاقية أو إنسانية أو عقدية[34].
فزعماء الدول الخمس الآنفة الذكر ورثوا سلطة لم يكونوا ليحلموا بها ولا ليفرطوا بها مهما كانت الأسباب، لذا نجدهم على استعداد لعقد تحالفات مع الغرب بدعوى الحيلولة دون انتشار التطرف والأصولية في البلاد، بيد أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترى أن خطرا شديدا يتربص في المنطقة من الجماعات الإسلامية ذات النزعة الجهادية، ويعتقدون أن المنطقة، إن لم يُحكَم إغلاقها، ستكون ملاذا آمنا كبيرا للقاعدة بعد ضرب أفغانستان، وعليه فلا يوجد أفضل من حكام ملحدين وديكتاتوريين ليتولوا أمرها.
والحقيقة أن الحديث لدى أبو مصعب السوري يجري عن مشروع جهادي كبير جدا ينطلق من شمال أفغانستان إلى ما وراء نهر جيحون بحيث يخترق دول وسط آسيا وصولا إلى الشيشان. وقد دعمت حركة طالبان المشروع بكل إمكانياتها، وشارك فيه مقاتلون من الأوزبك والطاجيك بقيادة جمعة باي. وبلغ عدد المقاتلين من قوميات مختلفة أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل كان من المفترض أن يتقاطع مشروعهم مع مشروع خطاب قائد المجاهدين العرب في الشيشان، وفعليا فقد حققوا إنجازات كبيرة لولا أن عاجلتهم ضربات سبتمبر والتدخل الأمريكي في أفغانستان حيث قتل منهم من قتل في قلعة جاجي وغيرها من مواقع المواجهة وخلال الاشتباكات والملاحقات التي تعرضوا لها على الحدود الأفغانية الباكستانية[35].
ولما يتعلق الأمر بمشاريع جهادية ورغبة لدى مسلمي آسيا الوسطى والقوقاز فالمقصود تجارب غنية وخبرات كبيرة وجغرافيا ملائمة ورصيد سكاني كبير يمكن أن يشكل ظهيرا لأية حركة جهادية جادة، وموردا بشريا كبيرا حتى لطالبان والقاعدة، مثلما يمكن أن تشكل هذه المناطق ملاذات آمنة لعشرات آلاف المقاتلين، فضلا عن أن المنطقة ذاتها كانت وستظل موضع اهتمام كبير لدى القاعدة أو أي تيار جهادي إسلامي عالمي لاسيما حين يتحدث شخص مثل أبي مصعب السوري عن أنها موطن الرايات السود ومعركة الإسلام القادمة من الشرق[36].
لمثل هذه الأسباب تحركت إسرائيل باتجاه الشرق، وفعليا نشطت أمنيا وعسكريا بصورة مدهشة، وكأن المنطقة واقعة على حدودها السياسية عبر:
· إرسال مئات الخبراء العسكريين والأمنيين حتى أن بعض المعلومات تتحدث عن مشاركة في الحرب
على أفغانستان[37] وإنشاء بنوك معلومات مع دول آسيا والقيام بإعادة تدريب وتأهيل أمني لقوات هذه الدول لاسيما أذربيجان وأوزباكستان حيث الحضور الأقوى لإسرائيل.
· الاستعانة بيهود المنطقة، إذ تقول بعض المصادر أن تل أبيب وظفت اللوبيات اليهودية في دول آسيا الوسطى لفتح الأبواب أمام تغلغلها السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي على أساس معرفة عميقة بأوضاع تلك الدول. وهذه اللوبيات منظمة بصورة ممتازة، وأن للمخابرات الصهيونية تغلغلا عميقا داخلها منذ العهد السوفييتي عبر جهاز خاص يتبع رئاسة الحكومة الإسرائيلية مباشرة يعرف بـ "جهاز الفافيت" المسئول عن تنظيم هذه الجاليات والذي يعتبر ذراعا قوية للتغلغل الصهيوني في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتهجير المطلوب هجرتهم من بين أفرادها، وتجنيد الجواسيس من بينهم .. الخ[38].
· وبسبب نشاط الإسلاميين،وتزايد المصالح الصهيونية في كازاخستان الدولة الإسلامية الأكثر تقدما علميا في تركستان الغربية، استقبلت هذه الأخيرة بعض الوفود الصهيونية من علماءوخبراء رسميين وسياسيين حاولوا أن يكتشفوا ما يجري هناك وفي آسيا الوسطى، وما هيقوات وإمكانيات وقدرات الحركات الإسلامية في كازاخستان على أمل اكتشاف علاقاتتعاون بين المجموعات الإسلامية في وسط آسيا وفلسطين، وقد حاولت الجهات العسكرية الرسمية الكازاخية إقامة علاقات مع العسكريين اليهود؛ لأن لديهم خبرة كبيرة في قتالالإسلاميين[39].
__________________
  #24  
قديم 02-01-2012, 08:38 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: (الصين تحت مجهر السلفيه الجهاديه-2)د/اكرم حجازي

خلاصة
ثمة شعور لدى الكثيرين بأن السنوات العشر القادمة ستشهد تغيرات عظمى في التاريخ الإنساني وستتضح أكثر صيغة التحالفات وموازين القوى، ولعلها ستكون حاسمة بالنسبة للدولة اليهودية. أما الصين فيبدو أنها ستتعرض لاحتمالين: فإما أنها ستقبل بالحصار المضروب عليها من قبل الولايات المتحدة، والذي يحد من نفوذها وتمددها باتجاه ثروات المنطقة، وإما أنها ستستنجد بإسرائيل واليهودية العالمية مجددا والتحالف معهما إذا أرادت الالتفاف على المخططات الأمريكية. وفي كلتي الحالتين الفائز واحد، أما العرب والمسلمون فقد يستفيقون للحديث عن عدو جديد للأمة هم عنه غافلون. فهل ستنجح استراتيجيات القاعدة؟ أم أن المصالح ستفرض نفسها بحيث تضطر القاعدة آنذاك إلى مراجعة حساباتها وإعادة النظر في دور اللات والعزى فضلا عن هبل؟


[1] أبو مصعب السوري (عمر عبد الحكيم)، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، طبعة ذي القعدة 1425هـ/ ديسمبر 2004م، ص789.

[2]فؤاد حسين، الزرقاوي: الجيل الثاني للقاعدة، دار الخيال، ط1، 2005، بيروت لبنان، ص

[3] أبو مصعب السوري، مرجع سابق، ص789.

[4] وردت مثل هذه التأكيدات فيما يسمى بـ "كتاب ابيض"، أصدره مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصينى ببكين تحت عنوان " قوى تركستان الشرقيةالإرهابية لا يمكنان تتنصل من مسؤوليتها عن الجرائم"، وقدمت صحيفة الشعب الصينية بتاريخ 22/1/2002 ملخصا للكتاب. http://arabic.people.com.cn/200201/22/ara20020122_50388.html

[5]فيصل قطي، مسلمو الأويغور.. المنسيون في الأرض!، ترجمة: شيرين حامد فهمي، 7/2/2002، على الشبكة:
http://www.islam-online.net/Arabic/politics/2002/02/article7.shtml.

[6]كتاب أبيض، مرجع سابق.

[7] الصين ترفض المزاعم عناتصالاتها بالقاعدة، موقع صحيفة الشعب الصينية اليومية. على الشبكة:
http://arabic.people.com.cn/200208/15/ara20020815_56649.html

[8] المقصود منطقة تركستان الغربية ذات الأربعة ملايين كم2 التي كانت تحت الاحتلال السوفييتي وتشمل الجمهوريات الخمس التالية: " كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرغيزيا وطاجكستان.وتبلغ إجمالي مساحة المنطقة أربعة ملايين كم2 وإن كانت تتباين بين طاجيكستان بمساحة0.14 مليون كم2 وكازاخستان بمساحة 2.7 مليون كم، ويعيش فيها نحو 60 مليون نسمةيتفاوت عددهم بين 5 ملايين نسمة في تركمنستان و27 مليون نسمة في أوزبكستان. ويبلغمتوسط نسبة المسلمين لإجمالي السكان في هذه الدول نحو 78 %، وأكبرها في طاجيكستان 90% وأقلها في كازاخستان 47%. وتبلغ أعلى نسبة للقومية الرئيسة في تركمنستان (85% من التركمان) وأقلهافي قرغيزيا وكازاخستان حيث لا تزيد نسبة القومية المسماة بها الدولة عن 64 %.. أنظر: د. عاطف عبد الحميد، قراءة جديدة لواقع الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى (1- 6). منشورة في مجلة المجتمع، العدد 1683، 6/1/2006، وعلى الشبكة:http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=178056

[9] أبو مصعب السوري، مرجع سابق، ص 789.

[10]محمد قاسم أمين تركستاني، تركستان الكبرى: ماضيها وحاضرها، محاضرة ألقيت أمام النادي الأدبي الثقافي بمكة، 1/2/1414هـ، على الشبكة: http://www.uygurlar.net/m_kasim.htm.

[11]مصطفى عاشور، تركستان الشرقية.. صفحات مجهولة من تاريخ أسود، على الشبكة:
http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/08/article25.shtml

[12]توختي آخون أركن، تركستان المسلمة..القضية المنسية. على الشبكة:http://www.uygurlar.net/a_makalet.htm.

[13] من بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية ضد مسلمي تركستان يذكر أحد كتاب البلاد: منع ممارسة الشعائر الدينية ومعاقبة كل من يقوم بها بموجب القوانين الجنائية ومنع تعليم الدين الإسلامي, وفرض تدريس الإلحاد في المدارس والنوادي والتجمعات ومصادرة المصاحف والكتب الإسلامية، وبلغ ما جمع منها 730 ألف كتاب مطبوع ومخطوط، وإجبار رجال الدين والعلماء على امتهانها وإحراقها في الميادين العامة، ونشر الكتب والمطبوعات المعادية للإسلام ورفع الشعارات والملصقات المسيئة للإسلام وأحكامه وتعاليمه، مثل: الإسلام ضد العلم والإسلام اختراع أغنياء العرب والإسلام في خدمة الاستعمار...واعتقال العلماء ورجال الدين واحتقارهم وفرض أعمال السخرة عليهم, وقتل من يرفض التعاون معهم وإجبار النساء على خلع الحجاب, وإلغاء العمل بالأحكام الشرعية في الزواج والطلاق والمواريث, وفرض الاختلاط, وتشجيع الزواج بين المسلمين والمسلمات من غير دينهم؛ بغية تخريب العلاقات الأسرية الإسلامية وإغلاق أكثر من 28 ألف مسجد و18 ألف مدرسة دينية, واستخدام المباني الإسلامية كالمساجد والمدارس في أعمال تتنافى مع قيم الإسلام كتحويلها إلى حانات ومخازن ومصادرة أموال الناشطين في العمل الإسلامي سواء كان بالتعليم أو التدريس أو التأليف والترجمة، وهدم بيوتهم ونفيهم من منطقة سكنية إلى الصحراء بعيدًا عن الناس وعن الجماعة ومنع السكان من السفر خارج البلاد وفرض النظام الجاسوسي على أفراد الشعب كله. وللمزيد من الإجراءات أنظر على الأقل: توختي آخون أركن، مرجع سابق.

[14]مصطفى عاشور، مرجع سابق.

[15] تقدر مساحة الأراضي التي تحتوي على البترول والغاز الطبيعي بنحو 740 ألف كيلو متر مربعًا؛ أي ما يعادل مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعة. راجع: توختي آخون أركن، مرجع سابق.

[16] أغلب البيانات الإحصائية مستقاة من: محمد قاسم أمين تركستاني ومصطفى عاشور، مرجعان سابقان.

[17]توختي آخون أركن، مرجع سابق.

[18]محمد قاسم أمين تركستاني، مرجع سابق.

[19]تركستان الشرقية أو فلسطين المنسية، شبة الفاروق:
http://www.elfarouk.net/modules.php?name=News&file=article&sid=212

[20]من الملفت للانتباه أن أكثر من 80 % من السكان يعيشون دون مستوى الفقر, وبدخل فردي سنوي لا يزيد عن 50 دولارًا! راجع: توختي آخون أركن، مرجع سابق.

[21] فيصل قطي، مرجع سابق. وحسب المصادر الصينية فعدد الهون يصل إلى ستة ملايين نسمة فيما تقول مصادر تركستانية أن عددهم يقارب الـ 20 مليونا. أنظر المرجع أعلاه.

[22] محمد أمين بوغرا، محاربة الحرية والاستعمار في التركستان الشرقية سنة 1959، http://www.uygurlar.net/bugra.htm
ويذكر أحد المؤرخين أن الخطط الصينية قضت بتهجير نحو مائتي مليون صيني إلى تركستان الشرقية لتستوعب البلاد نحو خمس سكان الصين وتنهي وجودها القومي إلى الأبد. راجع: - محمد قاسم أمين تركستاني، مرجع سابق.

[23] يتحدث كاتب تركستاني عن أن بكين أجرت 35 تجربة نووية منذ سنة 1964 في أراضي تركستان الشرقية دون اتخاذ أية تدابير لحماية المدنيين والبيئة من أخطار التلوث النووي، وأثرت هذه التجارب تأثيراً سيئًا على المحاصيل الزراعية وعلى الإنجاب, وفي عام 1990 مات أكثر من 800 مسلم بأمراض غير معروفة .. وفي التقرير السري لرئيس حكومة مقاطعة شنجانغ أوائل عام 1988 أكد ولادة عشرين ألف طفل مشوه. وفي نفس العام نسبت منظمة الصحة العالمية في تقريرها موت 3961 شخص مصاب بمرض مجهول في منطقة خوتن فقط .. كما وردت تقارير عن تزايد حالات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان والأمراض الخطيرة, بلغ أكثر من 5000 شباب أصيبوا بشلل الأطراف في كاشغر فقط، وأن تفجير العام 1994 بلغت قوته ما بين 1040 كيلوطن من المتفجرات. راجع: توختي آخون أركن، مرجع سابق.

[24]وليام إنغدال، النفط وليس الديمقراطية.. الدافع وراء غزو العراق، موقع الطليعة، ويقول: "ومع حلول عام 2045 ستصبح الصين معتمدة على النفط المستورد لتلبية 45% من احتياجاتها من الطاقة". على الشبكة:
http://www.taleea.com/newsdetails.php?id=8365&ISSUENO=1737

[25]أبو مصعب السوري، المسلمون في وسط آسيا ومعركة الإسلام المقبلة، سلسلة قضايا الظاهرين على الحق /3، مركز الغرباء للدراسات الإسلامية، ليلة 27 رجب 1420هـ / نوفمبر – تشرين الثاني 1999.

[26]فؤاد حسين، مرجع سابق، ص 200-213.

[27] يستثنى من ذلك توصيف بن لادن للنظام الدولي غير العادل تجاه المسلمين في فقرة وردت في تسجيل صوتي له في أفريل 2006 حيث قال: " إن الصليبية العالمية مع البوذية الوثنية هم أصحاب المقاعد الخمسة الدائمة وأصحابما يسمى بامتياز حق الفيتو في مجلس الأمن فأميركا وبريطانيا يمثلون النصارىالبروتستانت وروسيا تمثل النصارى الأرثوذكس وفرنسا تمثل النصارى الكاثوليك والصينتمثل البوذيين والوثنيين في العالم، وأما العالم الإسلامي المتمثل بـ57 دولة ويكونخمس أهل الأرض وهم أكثر منربع دول الأمم المتحدة وإن ولاية واحدةمنالولايات الإسلاميةمساحتها أكبرمنمساحةبريطانيا ومقاربة لمساحة فرنسا مثل ولاية دارفور في السودان ومع ذلك فلا مقعد لهمفي مجلس الأمن.".

[28]أبو مصعب السوري، المسلمون في وسط آسيا، مرجع سابق.

[29]كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن احتمال زوال قوة الولايات المتحدة وزوال إسرائيل حتى لدى المفكرين والمسؤولين الغربيين والأمريكيين واليهود على السواء، وكان مستشار الرئيس الأمريكي ريتشارد هاس أبرزهم. أما أحدث الأطروحات فقد وردت على لسان جيمس وولفنسون المدير السابق للبنك الدولي في الخطاب الذي ألقاه أمام مجمع اليهودالفيدرالي بشيكاغو، إذ ورد في موقع واي نيوز الإسرائيلي مقالة بعنوان }"ولفونسون: "أمريكا قد تفقد اهتمامها بإسرائيل"{ حيث توقع للتحالف الإسرائيلي – الأمريكي أن يضعف في غضون السنتين القادمين.

[30] في مقالة له يتحدث المقالح عن صحوة أوروبية تجاه الدولة اليهودية مستشهدا بمقالة للكاتب النرويجي يوستن جوردر أثارت غضب اليهود، حيث قال فيها: "لقد حان الوقت أن نبدأ في تعلم درسا جديدا: لا يجب أن نعترف بالدولة الإسرائيليةأكثر من ذلك... وعلينا الآن أن نعود أنفسنا لفكرةأن دولة إسرائيل في صورتها الحالية يجب أن تكون في ذمة التاريخ... نحن لا نؤمن بما يقال أن لله شعبا مختارا. مثل هذه التصورات مثيره للسخرية، ولانستطيع أن نعقلها بينما نراهم يرتكبون الجرائم. عندما يتصرف شعب وكأنه شعب اللهالمختار, فذلك ليس غباء وعجرفة فحسب, ولكنه أيضا انتهاك ضد الإنسانية, نحننطلق عليها عنصرية ... إن هناك حدودا لصبرنا وحدودا لتسامحنا, فنحن لا نؤمن بتلك الوعود الإلهية التياتخذوها ذريعة للاغتصاب والاحتلال والفصل العنصري. عليهم أن يعلموا أننا تركناالعصور الوسطى وراء ظهورنا، إننا نسمي الذين يقتلون الأطفال: قتلة الأطفال, ولا نقبل إطلاقا أي تفويض ألهى،أو سبب تاريخي يقال ليبرر تلك الأفعال الشريرة اللاأخلاقية ... إننا لا نقبل ولا نعترف بدولة يُغزل نسيج بنائها من المبادئ اللاأخلاقيةواللاإنسانية، وبقايا حفريات أركيولوجية من دين عنصري". أنظر: - د. عبد العزيز المقالح،ضمير أوروبايصحو، 30 /9 / 2006، صحيفة الحقائق الدولية.
http://www.alhaqaeq.net/defaultch.asp?action=showarticle&secid=5&articleid =60761 .
- يوستن جوردر، شعب الله المختار، صحيفة "الافتن بوسطن"النرويجية، 5/8/2006، ترجمة د. محيي الدين عبد الغني. على شبكة الفاروق:http://www.elfarouk.net/modules.php?name=News&file=article&sid=433،أما الرابط الأصلي للمقالة:http://www.aftenposten.no/meninger/kronikker/article1411153.ece

[31] شعبان عبد الرحمن، آسيا الوسطى ... أطماع عمرها خمسة قرون!، 1/11/2000، على الشبكة:
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/11/article2-5.shtml

[32]محمود مرتضى،دولة الكيان تلعب دور الذيل للسياسة الأمريكية بآسيا الوسطى،صحيفة البيان الإماراتية، الملف الأسبوعي، 25/1/2002.

[33] في اجتماع أمام لجنة الخارجيةوالأمن في الكنيست الإسرائيلي قال آرييل شارون سنة 1982: "إن الحد الشماليلدائرة المجال الحيوي لإسرائيل يمر بدول آسيا الوسطى".

[34] لاحظ تصريح الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف أمام برلمانه وهو يفاخر بالدعم الأمريكي لسياساته الدموية في بلاده ضد الإسلاميين: " اعلموا أن ورائي أمريكا وبوش وهم لا يعبأون بمثل هذه المذابح لأنهملو كانوا ضد هذه المذابح لما قدموا لنا هذه المساعدات المالية السنوية، وقد لاحظتذلك عند زيارتي لواشنطن؛ فقد ثمّن الأمريكيون جهدي وتضحياتي في الحرب على الإرهابوقدموا لي جائزة سخية من أجل تصفيتي وسحقي لأصحاب اللحى!... لا تنزعجوا عندما تجدون مسؤولين أمريكان ينتقدون سجلنا في مجالحقوق الإنسان لأن هدف أمريكا من وراء ذلك إظهار مراعاتها للقوانين الديمقراطية أمامالعالم". أنظر: أوزباكستان والغرام اليهودي، مفكرة الإسلام، 31/7/2004، على الشبكة:
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=215

[35] أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة...، مرجع سابق، صفحات 785- 788.

[36]أبو مصعب السوري، المسلمون في وسط آسيا ... ، مرجع سابق.

[37]هويدا سعيد، حقائق وأرقام: آسيا الوسطى والقوقاز .. تشابك الثروات والأعراق والمصالح الدولية، صحيفة البيان الإماراتية، الملف الأسبوعي، 25/1/2002.وتنقل الكاتبةعن صحيفة الحياة اللندنية، 4/12/2001، نقلا عن صحيفة "بفرييسكايا جازيتا" اليهودية ذات الصلة الوثيقة بقيادة الجالية اليهودية في روسيا، "أن وحدات صهيونية من القوات الخاصة المسماة بـ "سايرات ماتكال" أو الوحدة رقم 262 موجودة في ميدان المعارك على الأراضي الأفغانية لتقديم المساعدة إلى القوات الأمريكية والبريطانية في عملياتها ضد مقاتلي طالبان والقاعدة، وأشارت الصحيفة إلى أن الوحدات الصهيونية تقدم مساعدات استشارية للأمريكيين والبريطانيين وأنها جاءت إلى أفغانستان بناء على طلب من واشنطن بعدما وقعت وحدة من قوات دلتا الأمريكية الخاصة في كمين لمقاتلي طالبان بالقرب من قندهار".

[38]د. محمد فراج أبو النور، آسيا الوسطى .. منطقة جديدة للصراع و التوغل الصهيوني، ملحق الأسبوع السياسي في صحيفة البيان الإماراتية، 25/1/2002.

[39] الاختراق الإسرائيلي لآسيا الوسطى، الإسلام اليوم، 7/4/2002، على الشبكة:
http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=76&artid=756
__________________
  #25  
قديم 02-01-2012, 08:41 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: (الصين تحت مجهر السلفيه الجهاديه-2)د/اكرم حجازي

قائمة المصادر والمراجع

· أبو مصعب السوري (عمر عبد الحكيم)، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، طبعة ذي القعدة 1425هـ/ ديسمبر 2004.
· أبو مصعب السوري، المسلمون في وسط آسيا ومعركة الإسلام المقبلة، سلسلة قضايا الظاهرين على الحق /3، مركز الغرباء للدراسات الإسلامية، ليلة 27 رجب 1420هـ / نوفمبر – تشرين الثاني 1999.
· أبو مصعب النجدي، معركة القاعدة معركة اقتصادية لا عسكرية، الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية: سلسلة الكتابات والمقالات لأبي مصعب النجدي، جزيرة العرب 29/8/1426. على الشبكة:http://www.al-hesbah.org/v/showthread.php?t=36599
· الاختراق الإسرائيلي لآسيا الوسطى، الإسلام اليوم، 7/4/2002، على الشبكة:
http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&atid=76&artid=756
· أكرم حجازي، رحلة في صميم عقل السلفية الجهادية: القاعدة نموذجا، صحيفة القدس العربي الصادرة بلندن، ( أربع حلقات)، 28-31/8/2006.
· الأمير نايف ( تصريح)، صحيفة الشرق الأوسط السعودية، 21 / 9 / 2006، العدد 10159.
· أحمد الرمح، الانهيار الأمريكي... ما بين الواقع والسننية، على الشبكة:
http://www.awu-dam.org/politic/21/fkr21-008.htm
· "أ.ب.ب"على طريق "غزو" الصين،25/7/2006، سويس انفو مع الوكالات، على الشبكة:
http://www2.swissinfo.org/sar/swissinfo.html?siteSect=161&sid=5293083&cKey=10987 89681000.
· الإعلان عن الدول العشر ذات القوة الاستثمارية الكامنة، صحيفة الشعب اليومية الصينية، 21/12/2005، على الشبكة: http://arabic.people.com.cn/31659/3962050.html
· الصين ترفض المزاعم عناتصالاتها بالقاعدة، موقع صحيفة الشعب الصينية اليومية. على الشبكة:
· http://arabic.people.com.cn/200208/15/ara20020815_56649.html
· اقتصاد الصين "يتجاوز مجموعة السبعة بحلول 2050، موقع الـ BBC الدولية، 12/9/2006، على الشبكة:http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_4775000/4775522.stm
· آمنون بارزيلاي ،اختراق سور الصين قصة العلاقات الدفاعية لـ "اسرائيل" مع الصين،صدر أوائل العام 1999، عرض للكتاب، 25/1/2002، على الشبكة:
http://www.palestinianforum.net/forum/showthread.php?t=5630.
· أوزباكستان والغرام اليهودي، مفكرة الإسلام، 31/7/2004، على الشبكة:
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=215
· بن لادن، تسجيل صوتي لبن لادن في أفريل 2006.
· بن لادن، شريط بثته القاعدة بمناسبة الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عبر شبكة السحاب بتاريخ 7/9/2006.
· بيتر داي، تحولات على الخريطة الاقتصادية العالمية، 15/9/2006، موقع الـ BBC الدولية. على الشبكة: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_4264000/4264154.stm.
· بيتر مارتين(هانس) و شومان(هارالد)، فخ العولمة، شهرية عالم المعرفة / 295، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، الطبعة الثانية، آب2003.
· تركستان الشرقية أو فلسطين المنسية، شبة الفاروق:
http://www.elfarouk.net/modules.php?...rticle&sid=212
· توختي آخون أركن، تركستان المسلمة..القضية المنسية.http://www.uygurlar.net/a_makalet.htm.
· خالد اللحام،المسلمون في الصين ... أمة منسية، على الشبكة:
http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/viewtopic.php?post_id=3523&topic_id=717
· ذيب القرالة، الصين وإسرائيل طفرة في التعاون الاستراتيجي على حساب العرب، وكالة قدس برس، عمّان، http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/qpolitic-jul-2000/qpolitic2.asp.
· شعبان عبد الرحمن، آسيا الوسطى ... أطماع عمرها خمسة قرون!، 1/11/2000، على الشبكة: http://www.islamonline.net/arabic/po...ticle2-5.shtml
· عبد الله النفيسي، أحداث سبتمبر والهزة التاريخية في الفكر الأوروبي والأمريكي، مجلة العصر الإلكترونية، 10/9/2006. على الشبكة:
http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentID=8200.
· د.عاطف عبد الحميد، قراءة جديدة لواقع الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى (1- 6). منشورة في مجلة المجتمع، العدد 1683، 6/1/2006، وعلى الشبكة:
http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=178056
  • د. عبد العزيز المقالح،ضمير أوروبايصحو، 30 /9 / 2006، صحيفة الحقائق الدولية.http://www.alhaqaeq.net/defaultch.asp?action=showarticle&secid=5&articleid =60761.
  • د. عبد الله مرعي بن محفوظ، تقرير (يوروب 2020) يحذر من انهيار الدولارفي 2006، صحيفة الاقتصادية الدولية الالكترونية، 29/7/1427هـ. على الشبكة:
http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=2996.
· فؤاد حسين، الزرقاوي: الجيل الثاني للقاعدة، دار الخيال، ط1، 2005، بيروت لبنان.
· فيصل قطي، مسلمو الأويغور.. المنسيون في الأرض!، ترجمة: شيرين حامد فهمي، 7/2/2002،http://www.islam-online.net/Arabic/politics/2002/02/article7.shtml.
· "كتاب ابيض"، أصدره مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصينى ببكين تحت عنوان " قوى تركستان الشرقيةالإرهابية لا يمكنان تتنصل من مسؤوليتها عن الجرائم"، وقدمت صحيفة الشعب الصينية بتاريخ 22/1/2002 ملخصا للكتاب.
http://arabic.people.com.cn/200201/22/ara20020122_50388.html
· كمال مساعد، الصين وإسرائيل... مجدداً، صحيفة السفير اللبنانية 16/5/2005، على الشبكة
:http://www.palestine-info.info/arabic/shoonalkaian/external/2005/isr_ch.htm
  • كيفيين فيليبس، الثيوقراطية الأمريكية، عرض ألان برينكمان، 19/3/2006. على الشبكة:
http://www.islamdaily.net/AR/Contents.aspx?AID=4350
· ماجد كيالي، صادرات "إسرائيل" العسكرية وأزمة الثقة مع الولايات المتحدة، صحيفة الوطن السعودية 13/8/2005، نقلا عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية 9/6/2003، على الشبكة:
http://www.palestine-info.info/arabic/shoonalkaian/external/2005/saderat.htm
· محمد أحمد النابلسي، يهـود يكرهـون أنفسهـم، عرض كتاب، المركز العربي للدراسات المستقبلية، موقع المركز على الشبكة: http://www.mostakbaliat.com/link76.html
· محمد أمين بوغرا، محاربة الحرية والاستعمار في التركستان الشرقية سنة 1959، على الشبكة:http://www.uygurlar.net/bugra.htm
· د.محمد جمال مظلوم،لماذا تصر إسرائيل على بيع أسلحة للصين؟ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ملف الأهرام الإستراتيجي، على الشبكة:
http://www.ahram.org.eg/acpss/ahram/2001/1/1/FI1E61.HTM
· مدينة بكين، صحيفة الصين اليوم، 2/2/2004، على الشبكة:
· http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2004n/4n2/2n12.htm
· معمر الخليل، لماذا تخاف الولايات المتحدة من اقتصادالصين؟، 8/4/1427هـ، على الشبكة:
http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_report_main.cfm?id=837
· مصطفى عاشور، تركستان الشرقية.. صفحات مجهولة من تاريخ أسود، على الشبكة:
http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/08/article25.shtml
· د. محمد فراج أبو النور، آسيا الوسطى .. منطقة جديدة للصراع و التوغل الصهيوني، ملحق الأسبوع السياسي في صحيفة البيان الإماراتية، 25/1/2002.
· محمد قاسم أمين تركستاني، تركستان الكبرى: ماضيها وحاضرها، محاضرة ألقيت أمام النادي الأدبي الثقافي بمكة، 1/2/1414هـ، على الشبكة: http://www.uygurlar.net/m_kasim.htm.
· محمود مرتضى،دولة الكيان تلعب دور الذيل للسياسة الأمريكية بآسيا الوسطى،صحيفة البيان الإماراتية، الملف الأسبوعي، 25/1/2002.
· منظمة التجارة تصف الصينبأنها رابع أكبر دولة في التجارة السلعية، صحيفة الشعب اليومية الصينية، 6/11/2003،http://arabic.peopledaily.com.cn/200311/06/ara20031106_71720.html
· هويدا سعيد، حقائق وأرقام: آسيا الوسطى والقوقاز .. تشابك الثروات والأعراق والمصالح الدولية، صحيفة البيان الإماراتية، الملف الأسبوعي، 25/1/2002.
· وليام إنغدال، النفط وليس الديمقراطية.. الدافع وراء غزو العراق، موقع الطليعة، ويقول: "ومع حلول عام 2045 ستصبح الصين معتمدة على النفط المستورد لتلبية 45% من احتياجاتها من الطاقة". على الشبكة:http://www.taleea.com/newsdetails.php?id=8365&ISSUENO=1737
· يوستن جوردر، شعب الله المختار، صحيفة "الافتن بوسطن"النرويجية، 5/8/2006، ترجمة د. محيي الدين عبد الغني. على شبكة الفاروق:http://www.elfarouk.net/modules.php?name=News&file=article&sid=433،أما الرابط الأصلي للمقالة:http://www.aftenposten.no/meninger/k...cle1411153.ece، وعنوانه: "Gud sutvalgte folk"
· يهود الصين، صحيفة الصين اليوم، 1/1/ 2004.
http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2004n/4n1/1n16.htm




__________________
  #26  
قديم 02-01-2012, 08:47 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية (من التوحيد إلى صناعة القيادة)د/اكرم حجازي

سلسلة دراسات عن السلفية الجهادية (3)

بحث بعنوان:
مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية
(من التوحيد إلى صناعة القيادة)

د. أكرم حجازي


الأردن / إربد
تشرين أول / أكتوبر 2007

محتويات الدراسة



مقدمة .................................................. ................................. 3
المحور الأول: لغة السلفية الجهادية في مسائل معينة ................................... 5
أولا: ثقافة التوحيد .................................................. .................... 5
ثانيا: "محاربة الطواغيت" .................................................. ............. 11
ثالثا: سايكس – بيكو، واقع وثقافة .................................................. .... 15
رابعا: العلماء والفقهاء، أي دور؟ وأية وظيفة؟ ......................................... 19
المحور الثاني: صناعة القيادة .................................................. ........ 25
أولا: الراية، للأمة؟ أم للجماعة؟ .................................................. ..... 25
ثانيا: القيادة، مواصفات وشروط .................................................. ..... 31
i. العلم الشرعي .................................................. ............... 31
ii. التمرس في ساحة الجهاد .................................................. ... 34
خلاصة القول .................................................. ........................ 38
قائمة الحواشي والهوامش .................................................. ............ 40
قائمة المصادر والمراجع .................................................. ........... 48









__________________
  #27  
قديم 02-01-2012, 08:50 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية (من التوحيد إلى صناعة القيادة)د/اكرم حجازي

مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية
(من التوحيد إلى صناعة القيادة)
د. أكرم حجازي
مقدمة
في يوم جمعة من أواخر الثمانينات من القرن الماضي، كنت واقفا أمام مقر عملي وقريبا من المسجد في إحدى البلدان العربية رفقة أحد الزملاء، وأمام ناظرينا وعلى مقربة من موعد الصلاة، توقفت شاحنة صغيرة وهي تقل مجموعة من الشباب الملتحين وهم يرتدون جلابيب بيضاء، ثم بدؤوا ينزلون من الشاحنة بصعوبة ليقع بعضهم أرضا أو ينفلت الآخر فيمسك به زميله وثالث يتلمس الأرض بقدمه كما لو أنه يخشى السقوط! وبينما أراقب الموقف وكزني زميلي في خاصرتي ساخرا: أهؤلاء سيحررون فلسطين؟ وللحق فقد ضحكت من المشهد وقهقهت وقلت له: أتراني أخالفك الرأي؟
في تلك الأيام، وقبل عشرين عاما على وقوع المشهد، لم تكن السلفية الجهادية، التي كانت تخطو آنذاك خطواتها الأولى، لتثير كثيرا فضول الباحث أو المراقب، ولم يكن أحد ليصدق أو يتخيل أنه سيأتي يوم يمكن أن يهتز فيه العالم بأسره من فعل هؤلاء الذين كانوا في حين ما موضعا للسخرية والآن هم في دائرة صناعة الحدث العالمي، وفي دائرة القلق العالمي، بل وفي دائرة الحرب العالمية على ما يسمى مكافحة الإرهاب.
كيف ينتظمون؟ لا أحد يعرف، من هم؟ لا أحد يستطيع تتبعهم بسهولة، كيف يتجندون ويتكاثرون؟ هي مشكلة المشاكل، من يدعمهم ويمولهم بعد تجفيف منابعهم؟ الكل يخمن ويتنبأ، ما هي أطروحاتهم واستراتيجياتهم؟ قلَّ من يعلمها أو يعبر عنها خلا الأعضاء والأنصار وبعض المراقبين ممن يعدون على الأصابع، ونسبيا الباحثون الذين غفلوا عن الظاهرة فباغتتهم على حين غرة وطعنت في كفاءتهم. وعليه فإننا نقر مسبقا أننا لسنا بصدد ظاهرة تقليدية مألوفة، ولعل في هذا بعض العزاء، فلا الغربيون المعاصرون ولا العرب ولا المسلمون في شتى أنحاء العالم ولا غيرهم أيضا عاشوا مثيلا لها. فما الذي يمكن أن يفهمه عالَم اليوم، وليس الأمس، بمسلميه ونصاراه وبوذييه وهندوسييه وملحديه من أطروحات السلفية الجهادية عن قضية التوحيد أو الراية أو الحاكمية أو سايكس- بيكو بينما هو غارق حتى ناصيته بالحداثة والعولمة ولغة السوق؟
بالتأكيد فهذه الأطروحات ليست موضع ترحيب ولا تتمتع بالكثير من المصداقية عند أقران السلفية الجهادية، أو أنها منبوذة، فهي بنظر البعض مستحيلة التحقق ومتطرفة عند البعض الآخر وخارجية عند ثالث وباعثة على الفتن عند رابع وسبب رئيس في تشويه الإسلام عند خامس ومشبوهة عند سادس وهكذا. ولكن هذه التوصيفات لا تختلف كثيرا بالنسبة للسلفية عما واجهه محمد بن عبد الوهاب ومن بعده أئمة الدعوة النجدية حين جهروا في دعوتهم إلى التوحيد، بل أنها لا تختلف عما واجهه الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في أعقاب حادثة الإسراء والمعراج، فمن صدق حينذاك، غير قلة في مقدمتها الصحابي الجليل أبو بكر، بأن ما وقع كان حقيقة؟ فهل سيصدق أحد أن ما تفعله السلفية اليوم منطقي؟ أو مشروع؟ أو ممكن التحقق؟
لا شك أن ضربة 11 سبتمبر وحرب العراق وما أعقبهما من ظهور الجماعات الجهادية وفي مقدمتها تيار السلفية الجهادية مثل فرصة ثمينة جدا لفهم الظاهرة، ولا شك أن الإعلام الجهادي الإلكتروني عبر عشرات الشبكات الجهادية قد وضع النقاط على الكثير من الحروف ونجح إلى حد كبير في استفزاز الباحثين والدارسين للاطلاع على حقيقة الخطاب السلفي الجهادي ليس من خلال الرموز فقط بل، وهو الأهم، من خلال رؤية الرواد والكتاب والعلماء وطلبة العلم والمنظرين وما يطرحونه من مواقف ورؤى. والحقيقة أن هذه الأطروحات، الواقعة في إطار حرب الأفكار الدائرة في ساحات المنتديات بين مختلف التيارات الإسلامية الجهادية وغير الجهادية، كشفت عن بعض مكنونات الظاهرة وكيفية التصدي لها بالبحث. لكن، يبقى الإشكال الرئيس في قدرة الباحث على الاستمرار في متابعة الظاهرة التي نؤكد، للمرة الثانية، بأنها مرهقة جدا ومهمة عسيرة للغاية خاصة ما تصدره الشبكات أو ما يدور في المنتديات من حوارات ساخنة وتعبير عن المواقف التي تمثل، ولا ريب، رصيدا معرفيا خاما وهائلا باشتماله على أدق التفاصيل ومختلف التوجهات، ولعل معاينة كبريات القضايا التي تطرحها السلفية الجهادية لا ينبغي، منهجيا، أن يخرج عن هذه الساحات.
في مناسبات سابقة، كنا قد بحثنا في جذور نشأة السلفية الجهادية، وسلطنا الضوء على بعض أفكارها[1]، ولكن عذرية الظاهرة تتسبب دوما، ودون رحمة، بإلقاء المزيد من التساؤلات الغزيرة عن ماهية هذه الأطروحات بحسب فهم السلفية الجهادية لها؟ ومن يصنع القيادة فيها؟ وبأية شروط؟ ووفق أية آليات؟ ولماذا تحتاج الأمة إلى قيادة؟ وراية؟ وما علاقة سايكس بيكو بنوعية القيادة؟ ولماذا ترفض السلفية تسليم القيادة لأية جماعة أخرى؟ أما لماذا هذا العناء فلأن الظاهرة لم يجر توصيفها حتى الآن، ولما يكون الأمر كذلك فهل بمقدورنا، كباحثين، تحليلها؟ ناهيك عن نقدها؟
الأكيد أن التساؤلات كثيرة وكبيرة، أما الإجابات فقليلة إن لم تكن نادرة أو خاوية إنْ وجدت، والأسوأ أن السلفية الجهادية ذاتها ما زالت تقدم خطابا بلغتها هي لا بلغة العصر ولا بلغة العامة، وخطابا، إذا ما قسناه بلغة العلم، فهو أقرب إلى خطاب النخبة منه إلى خطاب العامة من الناس بمن فيهم المثقفين، فإذا نادت السلفية، مثلا، بمقاومة "الطاغوت" أسقطته الغالبية حصرا على الحاكم وحده وعدّته خروجا على الإمام، وإذا نادت بمحاربة "سايكس – بيكو" رأت فيه العامة والخاصة فتنة ورجعية وخروجا عن التحديث وسنن التغيير، وإذا ربحت معركة وصفوها بالإرهاب وإذا خسرتها حملوها المسؤولية، ومع كل هذه التناقضات تستمر السلفية الجهادية كظاهرة في تحديها دون أن تلتفت كثيرا لما ينتظرها، هكذا هي في أفغانستان والعراق ولبنان والشيشان وباكستان ... وبصورة تبعث على الدهشة فعلا حيثما وجدت، فما من جماعة جهادية أو حركة تحرر سابقة عليها اشتغلت بنفس الطرق والأدوات ماضيا وحاضرا، ولعلنا كنا نسمع ونراقب على الدوام، ولمّا نزل، عن محاولات سياسية من جماعات جهادية ووطنية تبدي استعدادها للمفاوضات ولو بشروط بينما لم نقع على أية مبادرات من هذا النوع من قبل السلفية الجهادية اللهم تلك التي لا تخلو من إهانة للقوى الغازية وبشروط عسكرية صرفة أو شرعية[2].

المحور الأول: لغة السلفية الجهادية في مسائل معينة

بداية لا بد من الحسم بأنه لا يهمنا مطلقا أن نقبل أو نرفض لغة القوم بقدر ما يهمنا معرفة المعنى وما ترمي إليه حقيقة، إذ أن الظروف لا تتيح لنا أكثر من التوصيف والتحدث بلغة الظاهرة علنا نفهم بعض ما تشي به من مضامين ما زالت خبيئة أو أنها عصية على الفهم خاصة وأنها تُطرَح بلغة العلم الشرعي فيما الغالبية الساحقة من الأمة بعيدة عن العلم بعقيدتها أو فهم مراميها، فلنتحدث إذن بلغة ميسرة قريبة من الأفهام، مع التأكيد على أننا لا نرى غضاضة في استخدام أدوات تحليل من شأنها أن تساعد على فهم الظاهرة دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال المس بجوهر المسائل المطروحة أو إحداث أي خدش يقلل من قيمة التوصيف.

أولا: ثقافة التوحيد
يردد الشيخ أسامة بن لادن حكمة تقول: "من أصعب المهمات توضيح الواضحات". ولعل أصعب قضية في عقل السلفية الجهادية وأثقلها على المسلم هي قضية التوحيد، إذ ما من قضية يعادل وزرها وزر التوحيد. هذه القضية، بداية، تعني في اللغة الإفراد والتفرد الذي لا نظير له ولا شريك، وفي الاصطلاح الديني هو الشهادتان وتحقيق مقصودهما، وأول الأركان الخمسة، ويقسم إلى ثلاثة أقسام:
· توحيد الربوبية، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة، ونحو ذلك.
· توحيد الألوهية، وهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله كائنا من كان، ويمكن أن يعرَّف بأنه: توحيد الله بأفعال العباد، وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلل، ومن أجله بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، وخلق الخلق، وشرعت الشرائع، وفيهوقعت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم.
· توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات عبر(1) إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو ما أثبته له الرسول صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات من غير تحريف لها أو تأويل لمعناها أو تعطيل لحقائقها أو تكييف لها و (2) تنزيه الله عنكل عيب، ونفي ما نفاه عن نفسه من صفات النقص.
ولكن في الواقع ماذا نفهم من التوحيد غير ظاهر القول؟ بل ما هي العلاقة بين التوحيد والواقع المعيوش؟ وإذا ما طبق المفهوم على السياسة والاقتصاد والثقافة والجهاد وغيرها من دروب الحياة الاجتماعية والدينية فهل سيختلف الأمر؟ وهل سيكون للتوحيد معنى مختلف عما هو كائن؟
لو سألت مسلما سؤالا بسيطا: ما هو دينك؟ لأجاب على الفور: إنه الإسلام، ولو أردت استفزازه فاسأله: هل تقبل أن تكون نصرانيا أو يهوديا؟ ذلك أن الوجه الآخر للتوحيد هو الشرك. ومن يتخذ من التوحيد دينا له فلأنه يدرك قطعا{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } (لقمان 13)، وعليه فإذا ما تلقى مسلما، أيا كان تدينه، وصفا له بالنصراني أو اليهودي فهو، في الواقع، كمن تعرض لشتيمة وإهانة من العيار الثقيل، ولعلي أذكر حادثة وقعت في إحدى حافلات النقل العام في الجزائر حين صعد أحد المخمورين إليها وهو يتأرجح يمنة ويسرة على الركاب حتى هوى على السائق سقوطا فاغتاظ ونهره موبخا إياه على سكره قائلا:" راك يهودي؟"، بمعنى هل أنت يهودي؟ فما كان من الرجل إلا أن جن جنونه وخرج عن كل طور وهو يشتم ويصيح ويعربد محتجا على الوصف ومرددا عبارة "أنا مسلم موحد، أنا كافر؟ أنت اليهودي ... أنا موحد ... أنا موحد ... أنا أقول لا إله إلا الله وأنت تقول عني يهودي ... ينعن بوك يا وِلْد ..."، وفي المقابل، إذا اختلف أحدنا مع الآخر أو طغى أو غضب ترى من حوله يتطوعون لزجره وإعادته إلى جادة الصواب بالقول: "وحد الله" أو "صلي على النبي".
هاتان صورتان تعكسان، ولا شك، مكانة التوحيد في نفسية الفرد، لكن هل يمكن القول أن الأمة على توحيد خالص؟ سؤال يصلح للبحث بامتياز، أما من حيث المبدأ عامة ومشاهد الحياة الاجتماعية والثقافية اليومية خاصة فليس من الصعب الإجابة عليه بالنفي، بل أن من يقرأ الكتب التاريخية في المائتي سنة الأخيرة من الحكم العثماني سيصاب بدهشة من فظاعة أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي سادت بين الناس، والتي وصلت في مناطق كثيرة خاصة في شبه الجزيرة العربية إلى ما يشبه الردة، فالفساد والرشاوى وأسعار الفائدة والابتزاز والسلب والنهب والإغارات القبلية والسمسرة والنفاق والكذب والزوايا والاستغاثة بالسحرة والمشعوذين والأموات والتبرك في القبور كانت علامات بارزة في حياة الناس الذين تعاملوا معها كما لو أنها عادات اجتماعية وحقائق راسخة خاصة وأننا نتحدث عما يشبه القيم التي عاشت بين الناس وبلغت من الزمن عتيا.
على أن أغرب ما في كَتَبَة هذا التاريخ أن الباحث قد لا يجد في متونها ولا حواشيها إنكارا أو تلميحا إلى مخالفة شرعية لا من شيخ ولا من مؤرخ ولا من عالم أو فقيه، ولولا بعض الحركات الإسلامية والدعوية كالوهابية في الجزيرة وغيرها في السودان ومصر لكان حقا على المرء أن يتساءل فعلا: أوَلم يشعر هؤلاء الناس من الأجداد أن الشرك يداخلهم من كل ناحية؟ وأنهم باتوا، في ضلالاتهم وبدعهم، أقرب ما يكونوا إلى الشرك من قربهم إلى التوحيد؟ وهل يمكن الحديث في ظل هذا النمط من الحياة عن مجتمع إسلامي أو أمة مسلمين؟
الحقيقة لمن يطلع على مجريات الحياة الاجتماعية العربية في أواخر الحكم العثماني سيغلب عليه الشعور وكأنه يقرأ تاريخا لمجتمعات وثنية أكثر منها مجتمعات إسلامية. فأي نوع من التوحيد هذا الذي يجعل أهله ممن قست قلوبهم وغلظت طباعهم وجَلُفَ سلوكهم؟ بينما الدين المعاملة؟
إذن لعل الأمة [3]، ومنذ قرون من الزمان، تبدو أبعد ما تكون عن التوحيد رغم أنها عاشت في خضم غطاء إسلامي ممثلا بالخلافة، فكيف يكون حالها وهي خارج هذا الغطاء منذ نحو قرن من الزمن؟ ألا ينطبق عليهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:"إذا تبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم
في المقابل فلعل أهم ما أنجزته السلفية الجهادية في التاريخ الراهن لهذه الأمة أنها أعادت إحياء وتفعيل التوحيد كأهم مصطلح شرعي على الإطلاق لا يوازيه في المكانة والعمل حتى إعلانها للجهاد. فهي تقيس كل سلوكها وفعالياتها طبقا لمفهوم التوحيد ودلالاته وشروطه بوصفه الباروميتر الذي سيؤدي العمل به إلى إعادة استنبات جديدة لكل التشريع الإسلامي بحيث يكون بديلا عن كل التشريعات الأخرى ويسعى لخلق ثقافة مغايرة على النقيض من كل الثقافات والأيديولوجيات التي جلبتها معها سايكس – بيكو.
لا ريب إذن أن عقيدة التوحيد ينبغي أن تكون مقدمة لأية فعاليات تقع على مستوى الأمة باعتبارها منهاج حياة وليست قولا في اللغة ولا مجرد اصطلاح في الدين، ذلك أن الزج بالمفهوم في خضم الحياة اليومية سيقدمه باعتباره الفيصل في الحكم على النوازل التي قد تصيب الفرد والجماعة والأمة مثلما هو الفيصل في الحكم على سلامة الاعتقاد والوطن والمقدسات والحقوق والواجبات، وهو الفيصل في الحكم على كل فعل أو سلوك، وهو الفيصل في الاجتماع والانقسام، بل هو الفيصل في تقرير الأمور لكل الموجودات من خلق الله وما ينتج عنها. وهذا يعني أنه ما من مرجعية يمكن أن يعتد بها غير التوحيد وإلا فهي باطلة شرعا وقاصرة عقلا، وهذا ينسحب على الأيديولوجيات والسياسات ذات المصادر الوضعية. هذا هو الاعتقاد عند السلفية الجهادية ودونه "زخرف القول والحياة الدنيا". لذا فإن أول ما تعنيه السلفية بالقول أن كل سلوك يخالف عقيدة التوحيد هو بالضرورة سيكون واقعا خارج التوحيد بقدر ما، وفي هذه الحالة فصاحب السلوك المخالف يمكن أن يُحكَم عليه، بحسب قربه أو بعده عن التوحيد: بالآثم أو العاصي أو الفاجر أو الفاسق أو الظالم أو المفارق للجماعة أو الكاذب أو المنافق أو الضال وصولا إلى المرتد والكافر.
بطبيعة الحال تنتظر السلفية الجهادية من إسقاط المفهوم على الحياة الاجتماعية والاقتصادية تغيرا جوهريا في أنماط المعيش والتفكير والسلوك الإنساني والسياسي والاقتصادي والثقافي، بحيث يغدو التوحيد معيارا لسلامة الإيمان وحسن السلوك وعقلانيته بما أنه لن يصدر عن الهوى بقدر ما سيتقيد بمتطلبات الحكم الشرعي، وإذا كانت سايكس – بيكو تهيمن على الأمة عبر تجزئتها وتفكيكها وغزوها بثقافات وافدة واستباحة أراضيها ومقدساتها وحرماتها والمساس بدينها وعقيدتها وفرض الأنظمة والقوانين الوضعية عليها [4] وخلق أنماط ثقافية ومعيشية تلائمها فإن تفعيل ثقافة التوحيد سيكون بالمرصاد لكل مخرجات العقلية الوضعية ومن يدافع عنها أو يروج لها أو يحتمي بها. وسيجد المسلم نفسه، تحت سقف التوحيد، مدعوا للاستجابة{ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } (الأنفال 24) وليس لصناديق الاقتراع والصراعات الفكرية والحزبية والمفاوضات والمساومات والتحالفات المشبوهة والمصالح التنظيمية والحزبية، كما سيجد نفسه مدعوا للاختيار بين ثنائيات القانون الإلهي أو القانون الوضعي، والعدالة الاجتماعية أو الظلم، والاستقامة أو الفساد، والجهاد والتضحية أو السلامة والذل، والتواضع أو الكِبْر، والصدق أو الكذب، والصرامة أو الميوعة، والحق أو الباطل، وهكذا وصولا إلى التوحيد مقابل الشرك.
ورغم أن الحقيقة الصارخة في أيامنا تثبت أن التوحيد غدا، منذ زمن ليس بالقليل، إشكالية عصية على الفهم والالتزام لكن لا مفر منها ولا بديل عنها ولا يمكن المساومة فيها أو عليها، إذ أن التوحيد عقيدة ليست من صناعة البشر ولا الظروف، ولأنها عقيدة ربانية خالصة فهي من الحسم بحيث لا تتقبل أية اجتهادات أو رؤى أو تأويلات خارج ما تفرضه من شروط، ولا تقبل بأية مبررات تاريخية تجاه هذه الجماعة أو تلك، ولا تتسامح مع أية مواقف سياسية إلا بإخضاعها حكما لعقيدة الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الشرك والكفر والطواغيت، وعليه فإن التوحيد بالنسبة للسلفية هو عقيدة كالسيف القاطع، تقسم ولا تقبل القسمة، وتأمر فلا تقبل نفاقا ولا كذبا ولا إفكا ظاهرا أو باطنا، وتَقهَر ولا تُقْهَر، وتفضح كل تُقيا ولا تبالي، وتفرض ولا تجادل، وتبقى هي وما دونها من عقائد وأيديولوجيات تزول، أما من اختار الجهاد فله القول الفصل:{فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت 6)‏[5] .وأما من تأول وثَقُل عليه التوحيد فلن يفيده ليّ النصوص ولا العبث بها حتى لو نجح في مسعاه، إذ أن: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (الكهف29)، ولأن"الحق أحق أن يتبعفالدوران ينبغي أن يتجه حيث "تدور العقيدة" [6]وليس حيث تستدعي الظروف والمصالح وموازين القوى.
هذا المنطق الصارم يمكن إسقاطه على الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعلم والأخلاق والمعاملات والعلاقات الاجتماعية والروابط القرابية ... والمقارنة مع منطق الوضعية، ولكننا سنتتبعه هنا فقط في ساحات الجهاد حيث يجري تفعيله على نطاق واسع باتساع الساحات، وسنلاحظ أي نوع من العقليات تربي السلفية الجهادية أبناءها عليه، وأي عقليات تنتج مقارنة بعقلية الجهاد والنضال الوطنيين:
· { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } (الأنفال 67).
· { أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }‏ (الفتح 29).
· { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } (التوبة 73).
· { أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}(الإسراء 5) .[7]
· { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} (آل عمران 126).
· [ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ [حديث نبوي صحيح].
إذن التمحيص عبر المزيد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية[8]يحيلنا حتما إلى العقلية السائدة في التعامل مع الأعداء، وهي عقلية جهادية صيغت بموجب المرجعية الدينية لتكون محملة بسمات الغلظة والبأس والشدة والذبح والإثخان في الأرض بالنسبة للأعداء يقابلها عقلية اللين والرحمة بالمؤمنين، والملاحظ بجلاء أن النبي ذاته كان أول من التزم بالتعليمات الإلهية وأول من أُمِر:
· بأن يهدد بالذبح قبل أن يخوض معركة؛
· وأن يثخن في الأرض وهو في المعركة أولا قبل أن يأسر من العدو؛
· وأن يجاهد بالغلظة؛
· ويتحلى بالشدة والبأس على الأعداء؛
· ويترحم بالمؤمنين؛
فمن الأولى بالمسلمين والمجاهدين، تأسيا بالمنهج النبوي، وليس اجتهادا ولا بدعة، أن يلتزموا في ميادين المعارك وخارجها بالتوجيهات الربانية بديلا عن أية مرجعيات أخرى، ولما يكون هذا هو الأساس في التعامل مع العدو فكيف يصح لهم، بحجة الاجتهاد وتعدد أشكال الجهاد [9]، بأن يلجوا باب التفاوض والمساومات والديمقراطيات ويعرضوا عن الجهاد وهم في قلب المعارك وصولات الأعداء في بلادهم؟
لا شك أنها عقلية لا يمكن أن تنتجها ثقافة سايكس – بيكو أبدا بقدر ما تنتجها عقلية التوحيد، وحتى هذه فإن تطبيقاتها في التجنيد فريدة إلى حد ما خصوصا إذا عرفنا أن أغلب مقاتلي السلفية الجهادية هم من صغار السن أو ممن لم يخوضوا تجارب أيديولوجية علمانية أو إسلامية وطنية وبالتالي فلم تتلوث عقولهم ولم تهرم. إنها عقلية العذارى الذين يتقبلون ثقافة التوحيد[10]ويقدرون على تحملها أكثر من أولئك الذين علقت برؤوسهم أيديولوجيات ورواسب على الأغلب ستحد من نقاوة توحيدهم وقدراتهم على الالتزام بأسخن مخرجاته، فقد يتحمل هؤلاء دخول المعارك التقليدية بالأسلحة النارية ولكن أنَّى لهم أن يتحملوا معارك "الذبح" و "الغلظة" و"الشدة" و "البأس
كانوا يقولون: فقط اصمدوا قليلا قدر يومين، وماذا بعد؟ بعدها ستجدون العالم كله يناصركم ويهب لنجدتكم، فلا صمد أحد ولا وصلت نجدة، ولكن هذه هي عقلية سايكس – بيكو وهي تستنجد بالروس أو بالشرعية الدولية أو بأحرار العالم ناهيك عن الأشقاء والأصدقاء، ولا ريب أنه ثمة فرق بين عقلية العمل والدعاء والتوكل على الله بصيغة {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 105)، أو {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} (الأنفال 10)وبين عقلية الاتصالات السياسية والوساطات والتدخلات والشرعية الدولية. وثمة فرق أعظم بين ثقافة الجهاد وثقافة المقاومة والنضال[11]، وفرق مماثل بين عقلية تستنجد بالله وتستمد النصر من عنده غير آبهة بالنتائج، بعد الإعداد بقدر الاستطاعة، وأخرى تحسب حسابا دقيقا أو مغلوطا لموازين القوى السياسية والعسكرية وما إذا كانت الظروف ملائمة لخوض معركة أم لا.
هذا المنطق الصارم أيضا يمكن استعماله لملاحظة ردود الفعل على فعاليات الجهاد بالمواصفات السلفية، ذلك أن أقل الاتهامات الموجهة للمجاهدين هي الدموية والقتل والإجرام وسفاكو الدماء [12]، فما تقوم به مثلا دولة العراق الإسلامية والقاعدة ليس من الجهاد في شيء وليس من الأخلاق الإسلامية، أما لماذا؟ فلأن العدو إذا كان يسمح لنفسه بالقتل العشوائي وارتكاب أبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية ويستعمل أشد الأسلحة فتكا بما فيها المحرم دوليا فهذا شأنه! أما نحن فأخلاقنا الإسلامية وديننا لا يسمحان لنا بمجاراته في جرائمه ولا بالتشبه بأفعاله، لذا علينا ألا ننزلق إلى أخلاقه!، وكأن خصوم السلفية، بهذا الخطاب، ينتظرون منها جهادا رقيقا ناعما يستجيب للغة العصر ويرأف بالأعداء!، أما { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } (البقرة 194)فهذه مسألة فيها ما يقال. وغني عن البيان أن مثل هذه الردود لو عملت بها السلفية الجهادية لما كان هناك جهاد إلا بمواصفات سايكس - بيكو الوطنية وهو ما تعده السلفية خارج التوجيهات الدينية ومخالفا للشرع وحينها ما من معنى للغلظة والشدة والإثخان[13].
لكن الخلاف بين الجهاد الوطني والجهاد السلفي لا يتوقف عند عقلية الشدة والبأس بقدر ما يمتد ليصل إلى تخوم جبهة الأعداء، فالعدو عند السلفية هو عدو سواء كان محليا أو أجنبيا، ولأنه كذلك وحالة العداء قائمة فلا تصالح معه ولا مهادنة، لكنه عند الخصوم يمكن أن يكون بريئا وضحية كما هو الحال بالنسبة لضحايا أبراج التجارة العالمية أو تفجيرات لندن ومدريد وبالي وغيرها أو حتى جنود الاحتلال الأمريكي. أو حين دمرت جماعة التوحيد والجهاد مقر الأمم المتحدة في العراق. وفي المحصلة فإن مثل هذه الأحداث التي خفت حدتها ظلت تستعمل كمبررات للطعن في مشروعية الجهاد العالمي. لكن الأطروحة السلفية تؤكد أن الخلاف قائم ليس على شرعية الأهداف من عدمها بل على مضمون التوحيد نفسه وما يفرضه من اختيارات والتزامات بعكس ما تفرضه المرجعيات الوطنية وتأويلها للتوحيد.
فبعض الجماعات الإسلامية ناهيك عن العلمانية أصبحت مغرمة بعقلية سايكس – بيكو لدرجة أنها لم تعد قادرة على مغادرتها، والأعجب أنها باتت خيارها الذي تدافع عنه بشراسة وتبحث لها عن موطئ قدم وشرعية في إطاره الأمر الذي يعرضها إلى نقد شديد من السلفية الجهادية وهي تأخذ عليها مثلا:
· التفريط بالحاكمية؛
· وتضييع عقيدة الولاء والبراء؛
· والتخلي عن الأهداف التي وجدت من أجلها؛
· وحصر نفسها في أطر ضيقة؛
· وتبعا لذلك السعي للتفاهم مع أعداء الأمة والدين إن لم يكن التحالف معهم؛ وبالتالي فبأي حق ومضمون تعرِّف عن نفسها كجماعة إسلامية؟[14].
وفي السياق من الجدير الإشارة إلى أن مسألة التوحيد تشكل جوهر الخلافات التي تعصف بالجماعات الجهادية في العراق على خلفية مستقبل البلاد وبالتحديد بين تيارات السلفية الجهادية من جهة وتيارات الجهاد ذات النزعة الوطنية من جهة أخرى. ويمكن القول بصريح العبارة أن كل الصراعات والاتهامات والتحالفات وردود الفعل والحملات الإعلامية وغيرها أيا كان محتواها أو آلياتها إن كان لها من منطق فهو منطق واحد لا يتجاوز مسألة التوحيد بأي شكل من الأشكال، إذ أن السؤال المطروح هو: لماذا نقاتل؟ ولأية أهداف؟[15]
· إذا كان الجواب، بلغة السلفية، لتعميم جهاد التوحيد وتحرير بلاد المسلمين وإقامة حكم الله في الأرض فهذا يعني أن الجهاد ماض لن يتوقف بقدر ما سيعمل على عبور الحدود، فكما في العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها موحدون ففي فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر والمغرب ونيجيريا وإندونيسيا والفلبين موحدون أيضا، فلمن يُترَك هؤلاء؟ وبأي نوع من التوحيد يمكن إرجاءهم وإهمالهم؟
· أما إذا كان الجواب جهاد التحرير بغرض طرد الاحتلال واستعادة العراق لحريته وكفى الله المؤمنين شر القتال فمن الطبيعي أننا إزاء منظومتين فكريتين متناقضتين [16]ليس وقوع الصراع بينهما غريبا خاصة وأن التوحيد مسألة لا تقبل القسمة بحيث يمكن توزيعها وفقا لاحتياجات ومتطلبات هذه الجماعة أو تلك. فالتوحيد إذن واحد، وما ينطبق على هذه الجماعة أو البلد ينطبق بالضرورة على ذاك أو تلك.
غير أن أهم الملاحظات على تعميم ثقافة التوحيد لدى السلفية الجهادية تكمن فيما تتلقاه من اتهامات بالتكفير لدرجة أن الخصوم باتوا يلمزونها أو يجهرون صراحة بوصمها وروادها بـ "التكفيريين". على أن القاعدة تنفي هذه التهمة جملة[17]. وحقيقة الأمر أن مسألة التوحيد بحد ذاتها هي مصدر الاتهامات باعتبار الكفر أو الشرك رديفا لها، ولعل ساحات المنتديات في الشبكات الجهادية هي من ساهم مساهمة فعالة بتعميم فكرة التكفير بسبب المشاحنات الحامية بين الأعضاء والعجلة في إصدار الأحكام حتى على صغائر الأمور مع الإشارة إلى ما يراه الشيخ عطية الله وغيره اختراقات للمنتديات[18].
لكن هذه المشكلة التي غالبا ما يقع تجاوزها في ساحة ما يستعصي مواجهتها في ساحات أخرى أكثر أهمية خاصة حين تكون في الميدان الجهادي أو على تماس مباشر مع المجتمع. فبعض المنتسبين للسلفية الجهادية وصلوا مرحلة من الاعتقاد والسلوك تستعصي على الفهم فيما يتعلق بالتوحيد والكفر ومتطلبات الحياة اليومية، وإذا ما تعارضت قناعاتهم وأفهامهم مع العلماء والفقهاء من السلف فلا يجدون غضاضة من التنكر لهم وعدم الأخذ عنهم، وحتى فقه الضرورات لا يعملون به ولا يقيمون له وزنا فتراهم عالة على أنفسهم وأبنائهم وغيرهم خاصة وأنهم لا يعترفون بمسجد ولا بمؤسسة ولا بهوية ولا بجواز سفر ولا بفاتورة كهرباء أو ماء أو هاتف ولا بأية علاقات مالية متضمنة لمدفوعات ضريبية للدولة، ولو رغبوا في الزواج لفضلوه بلا عقد! بل أنهم لا يتوانون عن التكفير لأتفه الأسباب، وإذا فعلوا قاطعوا الآخر حتى لو كان من أقرب المقربين فلا يسلمون عليه ولا يدعون له ولا يجالسونه ولا يجادلونه لا بالحسنى ولا بغيرها، والحوار معهم منقطع، ولعل النبذ والعزل كان من نصيبهم لما تسببوا فيه من التنفير والأذى للعامة والخاصة وللدين، ومثل هؤلاء يتبرأ منهم حتى أنصار السلفية الجهادية لجلافتهم وتعنتهم وسوء معاملتهم وتطاولهم على المجاهدين وعلى مشايخهم[19].
واقع الأمر أن هذه الخلافات والردود والصور مبررة بما أنها تكشف حقيقة عن أن التوحيد في الأمة موضع خلاف بالنظر إلى اختلاف منظومات القياس لدى القوى الإسلامية ناهيك عن القوى العلمانية، وحتى أنه موضع جهل مدقع لدى الأفراد، فالأمة حتى هذه اللحظة لم تبلغ تحقيق التوحيد بعد، وليست على دراية به ويصعب التعويل عليها بالنظر لحجم التخريب الذي أوقعته الأنظمة السياسية والثقافات الغربية في عقولها[20]، ومع ذلك فالسلفية الجهادية ماضية في شدتها وغلظتها حتى لو كلفها ذلك حياة كل رموزها ومقاتليها، ولا يتسع المجال لذكر الكثير من الشواهد والاستدلالات على ذلك، لكن من الملفت للانتباه ملاحظة العبارة الطريفة التي قالها أبو حمزة المهاجر في خطاب له وهو يعقب على سياسات الحزب الإسلامي تجاه مشاركتهم في حكومة نوري المالكي وعلى الإخوان المسلمين في العراق وغيره: "لا نريد منكم شيئاً؛فقط دعونا والعدو فإن انتصرنا عليه فهو عزّ الدنيا والآخرة لنا ولكم، وإن قضي علينا فهي شهادةٌ لنا وتكونوا قد استرحتم منا ولن تلقوا الله بدمائنا"[21].
__________________
  #28  
قديم 02-01-2012, 08:58 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية (من التوحيد إلى صناعة القيادة)د/اكرم حجازي

ثانيا: "محاربة الطواغيت"
يحفل لسان العرب لابن منظور بعديد المعاني والدلالات المشتقة من كلمة "طَغي" التي تعني في أول معانيها "جاوز القدْر وارتفع وغلا في الكفر". ومن تصريفاتها اللغوية ومنها "الطاغوت أو الطواغيت"، وتنسحب على "الواحد والجمع والمذكر والمؤنث" من "الجن والإنس"، وتتخذ من المعاني أسماء ودلالات لها كـ "الشيطان" و "الكاهن وكل رأس في الضلال" و "الأصنام" و "الأحمق المستكبر الظالم" و "الذي لا يبالي ما أتى يأكل الناس ويقهرهم لا يثنيه تحرج ولا فَرَقٌ" و "من طغى بالكفر وجاوز الحد" و"هم عظماؤهم وكبراؤهم" و "الجبت والطاغوت" حيث ينسحب "الجبت" على أسماء بعينها مثل "اليهوديان حيي بن الأحطب وكعب بن الأشرف" فيما "الطاغوت" توصيف يمس "رئيس النصارى" كـ "ملك الروم".
هذه التوصيفات اللغوية غالبا ما يقع إسقاطها على الحاكم، ففي كل مناسبة نجد دعوات تنهال على الحكام الطواغيت مصحوبة بسيل من الاتهامات بموالاة الكفار والمشركين أو بمنعهم الجهاد أو بقمعهم لشعوبهم أو بسيطرتهم على ثروات البلاد أو بهيمنتهم على الشعوب أو حتى باختزال الوطن بشخصياتهم، في حين أن الطاغوت في التوصيف القرآني ليس له هوية أبدا، قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} (البقرة 256)، ومن الواضح أن الآية:
· فيها عموم (الطاغوت) بحيث يدخل فيها الحاكم وغير الحاكم من الناس وغير الناس.
· كما أنها لم تحدد هوية الطاغوت الدينية هل هو المسلم أم الكافر.
· مثلما أنها لم تحدد جنسيته هل هو عربي أم أجنبي، وهل هو أفريقي أم آسيوي، وهل هو أوروبي أم أمريكي ...الخ
· فضلا عن أنها لم تحدد هوية الطغيان فيما إذا كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا...الخ
· وبالتالي فالآية تنبئ عن طغاة وطغيان كائنين في كل مكان وزمان.
واقع الأمر أن للمفهوم سعة لا حدود لها بحيث ينطبق على الفرد والمجتمع والمؤسسة والحزب والجماعة والأيديولوجيا مثلما ينطبق على كل ما يعبد من دون الله، ولعل سبب حضوره الطاغي في عالمنا العربي والإسلامي أكثر من غيرهما أن الحاكم بالذات هو المتهم بكونه طاغوتا يمارس الطغيان، فالحاكم، بعرف السلفية الجهادية[22] ، جاوز كل حد في تبعيته للقوى العدوانية والشريرة والكافرة ونسج معها كل التحالفات الضامنة لبقائه في الحكم وتوريثه وخاض الحروب ضد شعبه وضد المسلمين بشكل مباشر أو بالوكالة، وهو الأمر الذي يدخل في بابي الاضطهاد أو الاستعانة بالمشرك على المسلم ما يكفي لإخراجه من الملة. بل أن السلفية الجهادية تذهب أبعد من ذلك حين توسع من المفهوم بالقدر الذي يتيح لها أن تسبغ على الحاكم صفتي الهيمنة والنفوذ اللتين تجعلان منه ليس مشركا فقط بقدر ما بات وكأنه صار "ربا يعبد من دون الله في الأرض"[23]، فهو الحاكم المطلق بأمره، المشرع من دون الله والحاكم بغير شريعته، وهو المتصرف بأمر البلاد والعباد، وهو الرئيس المؤمن والإمام المبايَع وصاحب العطايا والهدايا، وقائد الجيش ورئيس البلاد وباني عزها ونهضتها ومجدها، وهو كبير تجارها وأثريائها ومشايخها وأمير أمرائها، ولديه من الصفات ما يشبه الغزل ومن الألقاب ما يجعله صاحب سلالة ومن النياشين ما يثقل كاهله ولا يتسع لها صدره، ومن المنجزات ما جعل شعبه من أرقى الشعوب ووضع دولته في مصاف الدول المتقدمة! بل هو فرعون العصر بحسب تعبير جماعة الجهاد المصرية.
هذا الحاكم ظل حريصا على تراث ميكيافيلي ووفيا لمبادئه ونصائحه، لكنه ليس مثيلا لقادة أوروبا الميكيافيليين الذين يلعبون دورهم المسند إليهم، ففي عالمنا العربي خاصة والإسلامي عامة يتجاوز الحاكم حتى النزعة الميكيافيلية نحو نزعة عجيبة غريبة على الحكام في الدولة الحديثة. وفي هذا السياق يقدم المفكر الكويتي عبد الله فهد النفيسي توصيفا طريفا لما يسميه بـ"الطغيان السياسي" العربي الذي يعد واحدا من بين ثلاثة مشاكل تعاني منها الأمة العربية بالإضافة لـ "سوء توزيع الثروة والتحلل الاجتماعي"، ويرى أن هذا الطغيان الذي يعني "استئثار القلة بالقرار السياسي" على حساب الأغلبية زاد في دول الخليج لأن "النظم الحاكمة في الجزيرة العربية بلا استثناء تمارس الحكم والتجارة في نفس الوقت، فهي تحكم وفي نفس الوقت هي كتل في السوق تزاحم الناس على أرزاقها، هي تشتري الأراضي وتبيع الأراضي وتدخل في مقاولات ومناقصات وتدخل في عالم المال والأسهم وإنشاء الشركات وإسقاطها، وفي نفس الوقت تقرر سياسيا، والذي يجمع الحكم والتجارة حتما سيحرف القرار السياسي لمصلحته، ولذلك كان هذا محرما في الشريعة الإسلامية ... وهذا ما جعل للطغيان السياسي منصاته القوية على الأرض"[24] .
السؤال البسيط: لماذا لا يلعب الحاكم دوره كمهنة ويكتفي بمنصبه؟ ولماذا يصر على لعب أدوار اقتصادية واجتماعية وثقافية ليست من اختصاصه ولم يُدعَ إليها ولا هو مؤهل لها؟ ولماذا يصر على الحضور الإعلامي اليومي؟ ألأنه والدولة قويان بما فيه الكفاية؟ أم أنه والدولة مجرد ظاهرتين طارئتين، وبالتالي فهو في موقع غنيمة ينبغي الاستفادة منها إلى أقصى الحدود قبل أن ينقضي أجلها؟
وفي الحقيقة فالطغيان السياسي ليس مقتصرا على الحاكم، وكما قال النفيسي، فقد باتت له منصات، وهو ما يعني أن القوى الاقتصادية والاجتماعية المتنفذة ضليعة حتى النخاع في لعب دور الطغاة وممارسة الطغيان. فمن يمتلك المال بالتأكيد سيمتلك السلطة والقرار أو على الأقل هو مساهم في صناعته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من أن الشرائح الاقتصادية المتنفذة في عموم العالم العربي لم تكن تملك من الثروة الشيء الكثير قبل مائة عام، ولم تكن محسوبة على القوى الاجتماعية ذات النفوذ العريق على قلتها إلا أن مصادر الثراء ذاتها ولدت بطرق غير شرعية البتة[25]، بل أن ما يوصف، عبثا، بالبرجوازية العربية الكبرى، ليس إلا طبقة مشبوهة ومخلعة الجذور صنعتها ظروف معينة ودعمتها القوى الاستعمارية وثبتتها الدولة الوطنية[26]، وبالتالي فهي طبقة لم تكن أصيلة في يوم ما ولا ذات علاقة بالعلم أو المعرفة ولم تراهن عليهما قط في بناء ثرواتها لأنها لم تكن خيارا اجتماعيا رأسماليا بقدر ما هي خيار سياسي أيديولوجي صرف[27].
هذه الطبقة تجيد القول بأن المال ليس له وطن! فتبرر بذلك هجرة رؤوس أموالها خارج أوطانها، وهي بذلك تساهم في الإفقار خاصة وأنها تستثمر بغرض تنمية ثرواتها لا بغرض تنمية بلدانها ومجتمعاتها، بل أنها غالبا ما تعيش خارج بلدانها أو على متون الطائرات والسفن، والأسوأ من ذلك أنها أبعد ما تكون عن أية مسؤولية دينية أو أخلاقية، ولو سئلت عن زكاة أموالها المنقولة وغير المنقولة لأطبقت صمتا بينما لا يضيرها حجم الترف والبذخ وتبديد ثروات لو وزعت على مستحقيها لكفت الأمة برمتها. والأسوأ من هذا وذاك أنها ترعى التحلل الاجتماعي واستيراد الثقافات الأجنبية وتسعى لمد طغيانها على قطاعات الاقتصاد غير المهيكلة فتحرم الريف من اختصاصاته الإنتاجية والفرد من مصادر الرزق[28]، فكيف لا تكون جزء أصيلا ومؤثرا من الطغيان؟
في المجتمعات العربية فإن التشكيلات السياسية الكائنة يغلب عليها الطابع القبلي، فالقبيلة باتت عضوا مؤسسا في كافة المؤسسات المدنية من أحزاب ونقابات وجمعيات ونوادي وحتى قادة في الجيش، بل أن التشكيلة السياسية في الحكم تراعي إلى حد كبير التوازنات الاجتماعية القائمة على النفوذ القبلي، وكذا الأمر في الجيش والقضاء والسلطة والأمن والاقتصاد، وتبعا لذلك سينشأ بفعل هذه التقسيمات والهيمنات منظومة قيمية يجري التحاكم إليها والدفاع عنها كما لو أنها النموذج الثقافي الأسمى، فماذا بقي للدين والأخلاق والعلم من حضور في ظل هذا الطغيان؟
من المألوف جدا في أي مجتمع بني على الطغاة والطغيان أن تتسم مختلف جوانب حياته بالطغيان، فالساسة، مثلا، هم الفئة المستأثرة في القرار السياسي، وتكاد هذه الفئة تنغلق على نفسها بحيث تبدو الدولة برمتها حكرا عليهم، ولكل منهم نصيب في مؤسساتها وميادينها، وترى نفوذ الواحد منهم يصل إلى الجامعة والبرلمان والحكومة والسوق والقضاء والجيش والأمن والخدمات وكل ما يمكن تخيله في الدولة والمجتمع علاوة على ما يتحصل عليه من امتيازات وإعفاءات بوصفه رجل دولة قدم خدمات جليلة لها وبالتالي يحق له ما لا يحق لغيره! وفي المقابل لا يجد العامة من الناس قوتهم إلا بشق الأنفس، ولا يجدون من ينتصر لهم إلا بالواسطة والرشاوى، ولا من يُحصٍّل لهم حقوقهم إلا بمساومتهم عليها. وإذا ما اهتزت البلاد في نازلة من النوازل فهم أول الضحايا والخاسرين. ومع أنه لا فرص أمامهم ولا طموح بحيث يبقى الفقير منهم فقيرا حتى لو امتلك ناصية الكفاءة والعلم والغني غنيا حتى لو كان من الجهلة إلا أنهم مدعوون إذا طلب منهم الرقص أن يرقصوا فرحا وإذا طلب منهم الغناء فليغنوا طربا وليتغزلوا بالحاكم ولو نفاقا، وإذا كان عليهم أن يحزنوا فليبكوا حتى النواح، أما الحالة الطبيعية لهم فهي التزام الصمت حتى حين يكون الصراخ فضيلة.
ولعل أطرف المشاهد الاجتماعية على الطغيان وأخطرها ما يمس الفرد ذاته، فلما يغيب القانون وتغيب الشريعة ويغيب الوازع فمن الطبيعي أن تتقدم النوازع النفسية الشريرة خطوات إلى الأمام، وهي صورة يمكن أن نجدها مجسدة أكثر في المجتمع المصري وريث الثقافة الفرعونية القائمة على ثنائية "السيد – العبد" وليس "الأسياد – العبيد"، والأغرب أن مثل هذه الثقافة يجري الترويج لها والدفاع عنها في وسائل الإعلام والمنشورات والفضائيات على مرأى ومسمع من الدولة ومن أفراد وليس من جماعات فقط! ولا شك أن الفضل في كشف التعذيب في السجون المصرية ومراكز التوقيف والتحقيق يعود للمدونين الذين نشطوا في الدفع بالظاهرة المتجذرة إلى العلن بعد أن كانت حبيسة أجهزة وزارة الداخلية والمخابرات. ولما تُسأل السلطات المصرية أو القريبون منها عن ممارسات التعذيب كاللواء فؤاد علام تأتي الإجابة محملة بقدر كبير من البلاهة: "بالتأكيد هي ممارسات فردية"! والحقيقة أن الطغيان الفردي يمكن أن يكون أخطر من الطغيان الجماعي أو المؤسسي كونه يعكس ثقافة اجتماعية شاملة وعميقة جعلت من الفرد حاضنا لها لاسيما وأن لسان حاله سيغدو على شاكلة من يقول: " أنا سيد على من هو دوني"، وحينها سيكون سهلا على من يمسك بالسلطة كرجال الشرطة أن يتحولوا إلى طغاة يلقوا برجل من علٍ أو يعذبوا آخر في أعضائه الجنسية أو يسقطوا هذا وذاك أخلاقيا ويهددوا آخرين بالاغتصاب.
حتى الظواهر الاجتماعية في البلاد الإسلامية تتسم بالطغيان إذا ما قورنت في بلدان أخرى. فظاهرة التسول انتقلت إلى المؤسسة الإدارية وبات الموظف بطلها الخارق. ففي بعض البلدان العربية يحتفظ الموظف بختم المصادقة على المعاملات والوثائق في جيبه الخاص وكأنه ملكا له ورثه أبا عن جد، ويحتفظ بالحيلولة دون حق المواطن فيما يستحق من استخراج وثائقه أو المصادقة عليها إلا بعد أن يدفع للموظف أو المسؤول لقاء ما يطلب منه، والأطرف أن بعضهم يوسط ويدفع الرشاوي ليعمل في وظيفة معينة كونها تدر عليه دخلا معتبرا بينما راتبه فيها لا يكاد يعيله وحده! ولعل المشكلة في الفساد أن له مؤسسات تحميه وأناس يدافعون عنه على الرغم من أنه يضرب الجميع بلا استثناء، والأسوأ أنه يخلق قهرا اجتماعيا يصعب تحمله، فكيف يمكن تبرير فساد إداري يستغل حاج أو معتمر راغب إلى ربه في آخر لحظات قبل إغلاق الحدود؟ وكيف يمكن تحمل الأمر ذاته في افتتاح المدارس؟ وكيف يمكن تقبل فساد إداري وابتزاز في أجهزة الشرطة والقضاء؟ بل وفي الجهاز الطبي ذاته وما يشكله من معاناة للمريض وأهله فضلا عن معاناة المرض إياه؟ ونفس المشاهد وأسوأ يعاني منها الأجانب المقيمين سواء في تجديد عقودهم وإقاماتهم وسفرهم وتسوية أوضاع أسرهم أو حتى في تحصيل رواتبهم وحقوقهم؟
الغريب في كل هذا أنه لما استفحلت الظاهرة وباتت سلوكا اجتماعيا يضرب كافة الشرائح الاجتماعية وسلم التراتبات الوظيفية من قمة الهرم الوظيفي إلى أسفله وعلى مستوى الأفراد وجدت حلا لها في مخارج فقهية لم تتحرج من إصدار الفتاوى التي تجيز دفع الرشا لتجاوز العقبات الإدارية!
بهذا المعنى للطغاة والطغيان من بقي خارج دائرة الاتهام؟ إذا كان الحاكم والقاضي والمحامي والطبيب والمسؤول الإداري والشرطي والرأسمالي والوسيط والفقيه والأستاذ والموظف وأمثالهم وحتى المواطن كلهم طغاة يمارسون الطغيان؟ لا أحد، لكن يبقى للطغيان السياسي عند السلفية نكهته الخاصة وتداعياته الخطرة.
__________________
  #29  
قديم 02-01-2012, 09:02 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية (من التوحيد إلى صناعة القيادة)د/اكرم حجازي

ثالثا: سايكس – بيكو، واقع وثقافة
لم تكن معاهدة سايكس – بيكو سنة 1916 بين القوى الكبرى (فرنسا وبريطانيا) في أوائل القرن العشرين إلا ثمرة اتفاق على تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية. هذه المعاهد نتج عنها (1) فرض استقلال تركيا في دولة مستقلة و (2) إلغاء نظام الخلافة الإسلامي و (3) تقسيم ما أسمي استعماريا بالوطن العربي و (4) فرض الوصاية على 21 جزء منه تحولت إلى دول مستقلة، ومن (5) ثم فرض التبعية السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية عليها، وأخيرا (6) زرع الدولة اليهودية في قلب المنطقة العربية في (7) عملية تقطيع أوصال حضارية، و (8) منع أية عملية توحد في المستقبل بفعل القوة الجديدة في المنطقة.
كان لدى العرب أرض واحدة وأمة واحدة وعقيدة واحدة وثقافة واحدة وحاكم واحد ونظام واحد واقتصاد واحد وبضعة بحار، والآن لديهم 22 دولة و22 بقعة جغرافية و22 شعب عربي أو مسلم و22 أمة و22 قومية يحكمها 22 نظام سياسي و22 عقيدة و22 حضارة و22 تاريخ و22 ثقافة و22 نظام تعليمي و22 اقتصاد و22 سياسة و22 منظومة قانونية و22 بحر و22 فضاء، وكان لديهم حرمان شريفان فصار عندهم نجف أشرف! وقائمة لا تنتهي من التمزق[29]. أما لو أسقطنا سايكس – بيكو على الخلافة كرمز اجتماع العالم الإسلامي فلنتصور حجم التمزق لذي وقع على أمة الإسلام والمسلمين، والأهم من هذا أن أحدا من الأجيال الراهنة، حكاما ومحكومين، لم يعش في حياته لحظة عروبة واحدة ولا لحظة توحيد صافية منذ مائتي عام على الأقل.
وبلغة العامة والخاصة يؤثَر عن منتجات سايكس – بيكو القول: "اتفق العرب على ألا يتفقوا"، هذه العبارة يرددها رعايا سايكس – بيكو ابتداء من "الزعيم" وانتهاء بـ"الواد سيد الشغال". فما من فرد عربي، من قمة الهرم السياسي إلى أدناه، إلا ويدرك أن الحديث عن مسمى الوحدة العربية هو مضيعة للوقت ليس إلا. إذ أن منطق الأمور يؤكد على استحالة التوحد انطلاقا من بنية لا تشتمل على أي عنصر وحدوي على الإطلاق، وبالتالي فإن كينونتها وآليات اشتغالها لا يمكن لها أن تعمل بغير التمزق كهدف وكحصيلة نهائية لمبررات وجودها، وعليه فإن كل أدواتها لا يمكن لها أن تنتج غير مزيد من التفكك، فهل يعقل القول أن الدعوة إلى الوحدة العربية، عبر هذه الكينونة، مفهوم يجمع؟ ولا يفرق؟ فضلا عن القول بإمكانية تحقيقها؟
نظريا، وحين البحث عن عناصر الوحدة ومبرراتها، يبدو الأمر ممكنا، ولكن عمليا من يستطيع أن يحقق الاجتماع العربي بأدوات ولدتها تقنيات سايكس – بيكو عبر 22 وحدة بنيوية أصبح لكل منها طموحاتها وأهدافها وشروطها ورؤاها وآليات اشتغالها؟ ففي الجزيرة العربية استبدل الاسم بدول الخليج العربي كنظير للخليج الفارسي، ورغم تماثل البنى الجغرافية والسكانية والاقتصادية ظلت قطر هي قطر والبحرين هي البحرين والكويت في واد مثلما هي عمان في واد آخر أما اليمن التي تعد الخزين الحضاري والديمغرافي للجزيرة فهي تعيش وكأنها في قاع الأرض. وفي دول المغرب العربي لدينا وحدة جغرافية وسكانية مفككة كبلاد الشام، أما مصر فقد انتزعت من العروبة والإسلام ليعاد إرسالها إلى رحم الفرعونية وكأنها باتت بلاد بلا تاريخ إلا من أبو الهول وأهرامات الجيزة وشارع الهرم سيئ السمعة والصيت! ولما يكون الأمر كذلك فعلى أية أسس ينادي القوميون وأمثالهم بوحدة لن تتحقق أبدا؟ وكيف يمكن لوحدة أن تتحقق بعد هذه العقود إذا كان البعض يتخوف الآن من تجزئة القطر نفسه ويدعو إلى الحفاظ على تماسكه!؟
أما الشواهد على اشتغال آليات التجزئة فثمة منها ما يفوق كل تنبؤ، فما دامت سايكس – بيكو تعمل بكامل طاقتها وعنفوانها فلن يكون مستغربا أن تشمل عمليات التفكيك الحضاري والأخلاقي والإنساني العقيدة نفسها ويُعتدى على الدين والأنبياء والرسل وتشوه صورة الإسلام ويحرف الدين عن بكرة أبيه حتى يغدو ملائما لليبرالية، وها هي دول التجزئة تتلقى المزيد من المطالب بتعديل مناهجها التعليمية، وليس العلمية غير الموجودة أصلا، بحيث تؤدي عمليات التعديل إلى إلغاء عقيدتها حتى لا تكون للأمة أية مرجعية يعتد بها حين تقع النوازل عليها. بل أن الظاهرة العجيبة التي تضرب العالم العربي على الخصوص أن أحاد الناس بات معنيا بمخاطبة الغرب بعد أن كان هذا الخطاب حكرا على الدولة، فالفرد والقبيلة والحزب والجماعة والنقابة والمؤسسة وكبار المسؤولين وحتى صغارهم والشخصيات النافذة ورجال الأعمال والوسطاء والسماسرة والفنانين وغيرهم كلهم الآن باستطاعتهم نسج الخيوط والعلاقات مع الغرب دون وجل أو خشية من مراقبة أو محاسبة أو اتهام، بل أن بمقدور الكثير من هؤلاء الاستقواء بالغرب والاستعانة به وتهديد مصير بلاده ومصالحها دون أن يرتد له طرْف[30]، بل أن بعضهم يدافع باستماتة عن خياراته "الوطنية" ويدعو الآخرين إلى الاقتداء به إذا أرادوا الخلاص من الديكتاتورية[31]! والسؤال الغريب العجيب: لِمَ يخاطبنا الغرب بلغة واحدة فيما بتنا نخاطبه عربا ومسلمين بمائة لغة؟ لِمَ يجتمع علينا ونفترق عليه؟ لماذا ينجح ونحن نفشل؟ ما هي آلياته؟ وما هي آلياتنا؟ ولماذا تنتج سايكس – بيكو عمالة محمودة في عالمنا العربي؟
ولعل أطرف ما في سايكس – بيكو كثقافة ما خزنته المصادر والمراجع في عقول الأجيال عن ثورات وحركات تحرر واستقلال عن القوى الاستعمارية، فما أن حلت هذه القوى حتى شُرِع في تدشين ثورات وطنية من أجل الحرية والاستقلال! ولم يعد العرب يطالبون لا بالتوحد ولا بالخلافة. وكم كان الاستعمار كريما وهو يسمح لـ "الشعوب العربية" بمناهضته بالسلاح بينما هو في قمة النشوة أن مخططاته نجحت سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وحتى طائفيا، وصارت سايكس – بيكو واقعا وفكرة وعلامة سياسية برسم الاستقلال والتحرر وتقرير مصير! وباتت الأعلام ترفرف على المؤسسات الوطنية والنشيد الوطني يتلى صباحا في المدارس وكأنه قرآن. فمن يصدق اليوم أن السنة والشيعة في العراق اتحدوا آنذاك في جبهة واحدة ليشكلوا كتائب العشرين التي أذاقت الإنجليز الويلات؟ بينما نفس القوى الغازية للعراق اليوم تشعل الحرب الطائفية بأبشع صورها وتهدد بتقسيم دول أخرى؟ وتسعى كل طائفة إلا الاستقلال عما أصبح بين ليلة وضحاها غريمتها؟ إذا كان العرب لا يصدقون أن أهداف الاستعمار آنذاك كانت تقضي بصناعة وطن مستقل ذو مواصفات استعمارية فكيف سيصدقون أن الاستعمار ذاته يجد نفسه بعد كل هذه السنين مضطرا لتفكيك ما صنعته يداه؟ لعلنا كنا مغفلين، في لحظة من الزمن، ونحن نصنع سايكس – بيكو بأيدينا، وسنكون مغفلين حتى النخاع إذا ما زلنا نعتقد أن الوطن الحر المستقل المعترف به دوليا بمنأى عن الاندثار بأيدي من صنعه.
هذا أقل ما فعلته معاهدة سايكس – بيكو لتبدأ عملية الاشتغال الثقافي تأخذ المنحى الغربي التام حتى في الأنماط الثقافية والحياتية العامة والخاصة. لذا فإن سايكس – بيكو ليست ولم تعد مجرد معاهدة استعمارية بقدر ما هي حالة ثقافية بأتم معنى الكلمة واقعا وسلوكا. بل إن التقسيمات الجغرافية والتي صمم الكثير منها بصيغ خطوط الطول والعرض وأخذت شكل الدولة المستقلة، ومنذ اللحظة الأولى، ظهرت كما لو أن كلا منها سليل حضارة مستقلة قائمة بذاتها حتى لو لم يكن الأمر كذلك تاريخا، وحتى لو اضطرت مثل هذه الدول إلى زراعة حضارات وتواريخ لها من جديد أو إعادة استنبات المدفون منها حتى لو كان على ذمة المستعمر.
تنظر النظرية الماركسية إلى المجتمع باعتباره مكون من بنية تحتية وبنية فوقية، وإذا وضعنا سايكس – بيكو في مستوى البنية التحتية فإن كل ما أنتجته وتمظهر في البنية الفوقية هو بالتأكيد من ذات الصناعة والمحتوى. وهو بلغة ماركسية مجرد أيديولوجيا لا أكثر ولا أقل. لذا فإن السلفية الجهادية ترفض كل البناء باعتباره بناء باطلا ومخالفا للشريعة. وعليه ينبغي هدمه من الأساس لإعادة البناء من جديد على أسس شرعية، فهل يكفي هذا التوصيف لنفهم حقيقة العبارة التي ترددها السلفية وأنصارها على الدوام والتي تحولت إلى أساس كل صراع[32] "الدم الدم والهدم الهدم"[33]؟
من العبث التفكير بأن صراع السلفية الجهادية مع الأنظمة السياسية العربية هو صراع فردي أو سياسي، ونكاد نجزم أن أحدا من رموز السلفية الجهادية الذين تعج بهم أخبار وسائل الإعلام ومحافل الأمن لم يكن في يوم ما في السلطة ولا خاض معها صراعا على امتياز. والأصح التفكير بالصراع باعتباره صراعا بين منظومتين فكريتين إحداهما عقدية والأخرى غير عقدية، فما الذي تعنيه السلفية الجهادية حين تصف مخالفيها بأنهم صناعة سايكس – بيكو وحملة ثقافتها؟
على الصعيد السياسي، وتأسيسا على عقيدة التوحيد، فإن موقف السلفية الجهادية من الجماعات الإسلامية كافة يتحدد بالنظر إلى تفاعلها سلبا أو إيجابا مع ما أنتجته سايكس - بيكو من مؤسسات وأنظمة وقوانين وأيديولوجيات ومفاهيم ومصطلحات وغيرها[34]. فالوطنية والقومية واليسارية والليبرالية هي مفاهيم أيديولوجية رافقت ظهور الدولة الحديثة مثلما رافق ظهورها الحاكم والقبيلة والعشيرة والحزب والنقابة والمؤسسة، أما الدعوة إلى تعميم الوعي والديمقراطية والعلمانية والحرية والقانون والنظام والحقوق والواجبات أو المناداة بها وإسقاطها على كامل المجتمع فقد تلازمت هي الأخرى، على السواء، مع نواقضها من التسلط والقمع والسجون والمطاردة والتضييق على الحريات وانخفاض خطير في سقف المطالب الاجتماعية إلى حد البحث عن الأمن والملاذات الآمنة، وليس أدل على ذلك من حجم اللجوء السياسي لمواطنين عرب إلى الدول الغربية وحتى إلى دول مجاورة، وقس على ذلك ما تشاء من الإفرازات حتى أن المعارضة لا يمكن لها أن تفلت من كونها جزء من التكوينة الاستعمارية بقطع النظر عن أية معايير أخرى بما فيها الراديكالية مهما بلغت من المصداقية وقدمت من تضحيات[35].
الأهم في سايكس - بيكو بوصفها حالة ثقافية هو ذاك الخراب الذي أصاب القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية في الصميم، إذ أن قيم العنصرية تضرب الغالبية الساحقة من البلدان العربية وتجد من يدافع عنها ويتفاخر بها، وأكثر من ذلك فيما يتصل بقيم من المفترض أنها منبوذة عقديا وشرعيا إلى حد اعتبارها من الكبائر كالكذب وشهادة الزور والسرقة والفساد والزنا والغدر والاحتيال والنصب والاحتكار واللامبالاة والاستهتار حتى في الدين وسب الإله والأنبياء، ولا غرابة إذا قلنا، من واقع التجربة والمعاينة، إن بعض المجتمعات العربية تغزوها اليوم أحط القيم وأشدها تناقضا لدرجة أن المرء يتساءل فعلا إن كانت هذه المجتمعات ذات قيم إسلامية كما يروج لها القائمون عليها أو أن لها علاقة ما بالإسلام! إذ من السهل ملاحظة شيخ نصاب ومصل كذاب ومحدث جاهل وجار سوء وصديق غادر ومتبرجة تصوم وموظف لئيم وزانية تعمل بترخيص حكومي.
في سايكس – بيكو أيضا كل يغني على ليلاه! حتى الثقافة السياسية للمواطن غدت ذات مواصفات عنصرية بغيضة وضيقة وهي تحصر نفسها بأطر جغرافية واجتماعية، وبتنا نلحظ لغة من نوع "البلاد بلادنا ونحن أحرار فيما نفعل بها"! ثم تطورت إلى صيغة "أولا"، ولما تكون الثقافة بهذه الصيغة فالسؤال المشروع: أيها يكون ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا؟ الدين؟ العقيدة؟ وما هو الترتيب الذي يحتله الحرمان الشريفان أو المسجد الأقصى؟ وهل يمكن حماية ما تبقى من جغرافيا أو تركيب اجتماعي ينزلق نحو القبيلة والعائلة والفرد بدلا من الأمة؟ وهل يمكن لثقافة من هذا النوع أن تقيم وزنا يذكر حتى لتاريخها وإرثها الحضاري؟ وقد شاهد العالم أجمع كيف أن كل التراث العراقي والوجود الحضاري له خاصة الخزين الحضاري الإسلامي من إرث الخلفاء والدولة الإسلامية لم تساوي عند الأمريكيين سلامة وزارة النفط وآبارها التي بدت بلا أدنى شك أثمن من عشرة آلاف عام من الحضارة بكل محتوياتها، وأكثر من ذلك وأهم أن تحطيم هذا الخزين كان يقع بأيد نهلت ثقافتها وعقيدتها من معين سايكس – بيكو.
ولا شك أن مثل هذه المشاهد في رحاب سايكس – بيكو تبدو أكثر غرابة لدى الحركات الإسلامية التي نالت القسط الأكبر من هجوم السلفية الجهادية عليها على خلفية الدفاع عن سايكس – بيكو وتبني أطروحاتها من دولة وطنية إلى دولة علمانية يجري تخفيف وطأتها عبر التعبير عنها بـ "دولة مدنية"! كما أن بعض الجماعات الجهادية نكصت على عقبيها وبات خطابها السياسي والديني أشد وقعا على الجهاد والمجاهدين وقضايا الإسلام من خطاب السلطة ذاته الذي يضطر في كثير من الأحايين إلى التواري في تصريحاته خشية إثارة الرأي العام من حوله فيما لا تتوانى جماعة إسلامية، على خلفية أحداث مخيم نهر البارد مثلا، عن تقديم الفلسطينيين وكأنهم المذنبون فيما وقع عليهم من ظلم تاريخي فضلا عن أن مسلحيهم لا يحترمون البلدان المضيفة لهم[36]. أما القضايا الكبرى مثار الخلاف فتكمن فيما تعتبره السلفية الجهادية تراجعا من هذه الجماعات عن الأهداف التي نشأت من أجلها كقضايا الحاكمية والجهاد والموقف من الدولة و"أنظمة الطواغيت" والتحالف مع القوى المعادية للأمة، محليا وخارجيا، ومحاربة المشروع الجهادي العالمي كما حصل في أفغانستان والعراق والجزائر وحتى فلسطين. زد على ذلك أن بعضها أصيب بآفة الغرور والتعصب بحيث بات التنظيم بعينها هدفا بحد ذاته والسد الوحيد الذي بدونه ستنهار الأمة وبعضها الآخر لمّا يزل أسيرا لأطروحات قديمة غير مجدية ناهيك عن جماعات أخرى ليس لها من الإسلام أكثر من الطبل وإحياء المناسبات، بل أن النفيسي في ندوته الشهيرة يذهب أبعد من ذلك وهو يصف هذه الجماعات، في الجزيرة العربية، وعلى اختلاف مسمياتها ما عدا القاعدة، بأنها "داخلة مع السلطة في البزنس".
لكن، هل كان من الممكن أن تنتج سايكس – بيكو غير هذه المشاهد؟ وهل من المعقول أن تتمكن هذه المنتجات من العمل بغير ما تفرضه سايكس – بيكو من أدوات أو ما تتيحه من وسائل؟
لعل منطق الإجابة يشير أنه من المستحيل على من يلجأ إلى إفرازات سايكس – بيكو أن يستعمل تقنيات مغايرة، فمن يرتضي القَسَم على الدساتير الوضعية مثلا أو يقرر الولوج إلى ساحة الفعل السياسي العلني أو ينشئ جماعة مرخصة لا بد له وأن يعترف أولا بأن لكل منظومة وسائلها وتقنياتها ومدخلاتها، ولا بد له أن يقبل بقواعد اللعبة كما تفرضها خصائص النشأة، وحينها لا تثريب عليه فيما هو ذاهب إليه من سياسات وما يترتب عليها من نتائج، لكن الاحتجاج باجتهادات شرعية أو سياسية لتبرير اختياراته هو ما يثير السلفية الجهادية التي ترى في مثل هذه التوجهات والمواقف ردّة وإرجافا وتخذيلا أو ليّا لعنق النصوص كما يقول أبو يحيى الليبي[37]، كما لا ينفع، في مثل هذه الحالات التي تستدعي موقفا شرعيا صارما، التحصن بتاريخ الجماعة وتضحياتها ولا بالثقة في رجالاتها ولا بالمراهنة على عامل الزمن ريثما تثبت صحة السياسات المتبعة وكأنه وقفٌ عليها تحبسه بسياساتها متى تشاء وتفرج عنه متى تشاء وما على الأمة إلا الانتظار أو منح الثقة بلا تحفظ! ومع ذلك: أليست السلفية الجهادية ذاتها قد خرجت من رحم سايكس – بيكو؟ فلماذا تعيب على الآخرين ما هو عيب فيها؟
إنها كذلك بالتأكيد، إلا أن الفارق بين السلفية الجهادية والجماعات الأخرى يكمن في تحكيم الشريعة والالتزام بها فيما يذهب إليه كل منهما في سياساته، وهو المعيار ذاته الذي يتيح للسلفية إعلان حالة الحرب على سايكس – بيكو وكل مخلفاتها بنفس القدر الذي تعلن فيه الحرب على القوى الغربية والمعادية للأمة، في حين تبدو الجماعات الأخرى قانعة بقواعد اللعبة إلى درجة تمكن أقربها للجهاد:
· من نبذ وإدانة الفكر السلفي الجهادي ووصفه بالفكر الخارجي والغريب عن الأمة؛
· بل وإنكار وجوده عبر التقليل من شأنه على مستوى الأمة[38]؛
· أو إحالته إلى قوى استخبارية أمريكية وصهيونية باعتبارها بلد المنشأ؛
· والعمل على مكافحته بما يتوافق تماما مع الأطروحات الأمريكية الداعية إلى "مكافحة الإرهاب"، وتشكيل لجان خاصة للغرض.
· بل ومحاربته بالسلاح، وإذا اقتضى الأمر التحالف الصريح والعلني مع أعداء الأمة على سحقه كما حصل في أفغانستان ويحصل الآن في العراق.
والطريف أن مثل هذه التوصيفات ذات المنحى التكفيري والتي تُرمى بها السلفية من قبل خصومها هي ذاتها التي تُتهم هي بها.

__________________
  #30  
قديم 02-01-2012, 09:06 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مسائل جوهرية في فكر السلفية الجهادية (من التوحيد إلى صناعة القيادة)د/اكرم حجازي

رابعا: العلماء والفقهاء، أي دور؟ وأية وظيفة؟
في كتابه "مفهوم الدولة" يرى المفكر المغربي عبدالله العروي أن العلماء والفقهاء ظلوا يمثلون الرأي العام في الحواضر الإسلامية حتى أواخر العهد العثماني، وتحديدا حتى انطلاقة الدفعة الثانية من الإصلاحات سنة 1882، ومع أنهم استبشروا خيرا في توجهات الدولة العثمانية الجديدة إلا أنهم فوجئوا باستبعادهم وتهميشهم عن إبداء آرائهم في الإصلاحات أو الشأن العام واستبدالهم بالخبراء والمستشارين الأوروبيين فما كان منهم إلا الانزواء منذ ذلك الحينفلا هم دافعوا عن حقوقهمواختصاصاتهم ولا هم لملموا شتاتهم،وها هم اليوم مفككين وعاجزين عن التقرير بأي شأن عام صغر أو كبر، بل إنهم وقعوا فريسة الاحتواء والتدجين وبعضهم تسابق على التحالف مع السلطة وشرعنة سياساتها علَّه يحظى ببعض الامتيازات والحضور وبعضهم استحدث له جماعة أو فرقة وبعضهم تمرد على واقعه وواقع الأمة فاختار طريق الجهاد وقضى فيه قتلا أو أسرا أو مطاردا.
مع تقدم الوقت وانهيار الإمبراطورية العثمانية ودار الخلافة ومجيء القوى الاستعمارية الغربية وانتصاب الدولة الوطنية صرنا نلحظ تجذرا لجماعات إسلامية وفرق مختلفة ومتنوعة بعضها منحرف كالقاديانية والبهائية، وأخرى صوفية كل ما لديها من الدين الدروشة والترانيم والموشحات، وجماعات دعوية عادت السياسة واكتفت بالوعظ والإرشاد، وجماعات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين وحزب التحرير، والجماعات الجهادية كتلك التي قادها الشيخ عمر المختار في ليبيا والشيخ عز الدين القسام في فلسطين. وبطبيعة الحال فإن بعض هذه الجماعات خاصة الجهادية منها اندثرت لسبب أو لآخر، وبقيت جماعات أخرى تضخمت وخرجت من حدودها نحو العالمية كالإخوان والتبليغ والدعوة والصوفية والتحرير، وعلى خلفية النشأة والاستمرارية، وقعت اصطفافات للعلماء والأتباع داخل هذه الجماعات التي شهدت صراعات داخلية على خلفية سياساتها وأيديولوجياتها أو بسبب صراعاتها مع الدولة الوطنية كان من نتائجها ظهور انشقاقات قوية تبلورت في صيغة:
· تيارات جهادية وطنية خاصة في مصر والجزائر وفلسطين ...؛
· تيارات عالمية كالقاعدة في أفغانستان والعراق ومجاهدي الشيشان وكشمير والفلبين وغيرها؛
· تيارات سلمية معارضة للدولة والحاكم تميزت بتاريخ جهادي أو قربها من الجهاد والمجاهدين إلا أنها تراجعت وباتت أقرب ما تكون إلى جمعيات ذات طابع إغاثي واستثماري كالإخوان في مصر والسرورية في السعودية؛
· تيارات إخوانية المنشأ والانتماء تحالفت مع السلطة حيث تكون كما هو الحال في أفغانستان والجزائر والعراق، وبقطع النظر عن هوية السلطة أو القوة ما إذا كانت محلية أو أجنبية غازية؛
· تيارات حليفة للدولة حملت أسماء رموزها كالمدخلية والجامية؛
· وتيارات ارتدت عن أهدافها ونشأتها ونبذت تاريخها وعقدت صلحا مع الدولة؛
· التيارات الإرجائية، وهم الذين يعتقدون اعتقاد المرجئة الأوائل على طبقاتهم ودرجاتهم، والقاسم المشترك الأغلب بينهم هو: إخراج العمل من مسمى الإيمان أي من حد الإيمان ... أي القول: بأن الإيمان هو الاعتقاد فقط، أو الاعتقاد مع القول باللسان فقط، أو المعرفة فقط.
ولا ريب أن العمل الإسلامي وفقا لصيغ التيارات المعروضة معقد خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود تيارات إسلامية أخرى ذات طابع علماني! وأخرى تعلن تمسكها بالعلمانية كما هو الحال في تركيا وثالثة تروج لما تسميه بالإسلام الليبرالي، وبالتأكيد فالأمر يزداد تعقيدا ويصبح عصيا على الفهم كلما توالت التصريحات والبيانات الصادرة عن التيارات والجماعات والعلماء والفقهاء وهي محملة بالتناقضات والفتاوى المثيرة إلى الدرجة التي يستحيل معها التصنيف والمراقبة وحتى الفهم.
ففي أي سياق شرعي، مثلا، نضع عالم يفتي بحق فرنسا بحظر الحجاب؟ أو عالم يبيح إمامة المرأة؟ أو عالم يدافع عن الأمريكيين وجرائمهم؟ أو يفتي بجواز قتال الجندي الأمريكي المسلم للمسلمين!!وآخر يفتى بأن بول بريمر ولي أمر ولا يجوز الخروج عليه؟ وعالم يفتي بعدم جواز الدعاء على اليهود لأنهم أهل كتاب!؟ ويحرم الجهاد ويكفر المجاهدين لأنهم يقاتلون في سبيل الطاغوتحسب قوله!؟ وعالم يطالب قادة المجاهدين ورموزهم بالخروج من سراديبهم وهو يعلم ما ينتظرهم؟ وعالم يدعو لدولة علمانية في فلسطين تجمع اليهود والنصارى والمسلمين ثم يتراجع ويقول دولة مدنية!؟ وثاني يجيز الصلحالمطلق مع اليهود؟ وثالث يتنكر لوجود جماعة جهادية من الأساس ويصف فكرها بالمنحرف وصنيعة الأمريكيين واليهود وفي نفس الوقت يبيح تناول المشروبات الروحية في الفنادق!؟ وعالم يفتي بجواز إرضاع الموظفة لزميلها في العمل لتجاوز الخلوة؟ وعالم يعطي الحق للمسلم بالارتداد عن دينه؟ ويرى بالصحابة أشاعرة!؟ ويقول إن عمر بن الخطاب أحول بطول ثلاثة أمتار؟ وعلماء يتساءلون عمن أجاز للقاعدة الجهاد باسم الأمة؟ وعلماء يؤيدون هذه الجماعة ضد تلك؟ وعلماء يهاجمون علماء ويجردونهم من علمهم لاختلافهم معهم في الرأي والتوجه؟ وعلماء يبترون الآيات القرآنية والأحاديث في أسانيدهم أو يقطعونها من سياقها؟ وعلماء يجهدون في تشويه الجهاد والمجاهدين ويفتون بعدم مشروعيته ولكنهم لا يبينون مرة واحدة متى يكون الجهاد فرض عين؟
كل هذا "العجب" بعرف السلفية هو ضلال مبين وتضليل وظلم للأمة وانحراف خطير في العقيدة، وعلى حد قول أبي يحيى الليبي في رده على مفتي السعودية لو صمت هؤلاء عن قول الحق لكان "خيرالهم ولنا إذ أن للحق أهله"، ولكنهم اصطفوا يدافعون عن الباطل ويشرعون له ويروجون[39] ويهاجمون الجهاد وأهله، لذا فهي تستخدم توصيفات صارمة بحق أمثال هؤلاء العلماء والوعاظ والدعاة الذين تعتبرهم ممن حجبوا قول الحق الذي أودعه الله فيهم وحرفوا وبدلوا في دين الله وتسببوا في هزيمة الأمة وقهرها وفي أحسن الأحوال هربوا من الفصل في النوازل والقضايا المطروحة إلى العموميات[40]عبر تمييع الحكم الشرعي القابل للبناء عليه، وبالتالي فلا هم إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولو اعتدلوا لتغيرت موازين القوى ومالت الكفة لصالح الإسلام والمسلمين، ولأنهم لم يفعلوا فلا بد من قول كلمة الحق فيهم والتخلص منهم باعتبارهم "علماء سوء" أو "تجار دين"، فمثلهم من يبرر أو يجادل أو يدافع عن ثقافة سايكس – بيكو ومنتجاتها، ومثلهم من يسهل عليه دعم سياسات الدولة والحاكم وتبني أطروحات الغرب في "تهذيب" الإسلام ونبذ التطرف ومحاربته، ومثلهم من أجاز غزو البلاد الإسلامية وشرّع لبناء قواعد عسكرية ضخمة على أراضيها ومنعوا أهل البلاد من مقاومتها وأحالوا أمر جهاد الدفع إلى ولي الأمر باعتباره الإماموهو الذي لم يدعُ في يوم ما إلى نفير أو شارك في جهاد، ومثلهم من يجهد في إصدار فتاوى القعود والتشكيك بالمجاهدين وصولا إلى وصمهم بالإرهاب والخوارج ودعاة الفتنة. ومثلهم من ينتصر للوطن والنظام أكثر مما ينتصر للعقيدة والأمة[41]، ومنهم من يروج لما يسميه بالإسلام الوسطي[42]المعتدل. ومثلهم من وصل بهم الأمر إلى حد السخرية من الجهاد والمجاهدين ومن كل مقدس ومحرم حتى أن بعضهم سار في ركب فتنة الجهاد والمجاهدين في ساحات مختلفة من الجهاد[43] فامتطوا ظهور الدبابات الأمريكية وشاركوا في الحكومات العميلة وشرّعوا لقواعدهم الفتك بالمجاهدين ومحاربتهم وكشف مخابئهم وإعانة المحتل عليهم، وكل ذلك تحت بند الاجتهاد!
لكن المشكلة الحقيقية ليست في هذه التوصيفات التي تعج بها أدبيات السلفية الجهادية بل فيمن يصنعها، ولعل أبرز من تنبه لإشكالية من هذا النوع كان الشيخ أبا محمد المقدسي الذي خصص مؤلفا ثقيلا رفض فيه النظام التعليمي ومخرجاته برمته، وحمله مسؤولية الفشل والضلال والجهل الذي تعانيه الأمة في دينها[44] ودنياها. إذ أن هذا النظام صمم، ابتداء من المدرسة وحتى الجامعة، ليفرز شرائح واسعة من العلماء والفقهاء وطلبة العلم ذوي النزعة القطرية ممن يتمتعون بهوى وبمواصفات تميل إلى المسكنة والدِّعة والراحة ولا تأبه للجهاد والمشقة.
والثابت أن مواقف العلماء والفقهاء تجاه الأحداث الكبرى تختلط وتتناقض رغم تشابهها إلى حد التطابق، وتتأرجح بين التأييد العلني تارة للجهاد والمجاهدين وبين الخضوع لسطوة السلطان تارة أخرى وبين التطوع لعداء سافر أو الانزواء، فمن بين المواقف صدور فتاوى تدعم الجهاد في أفغانستان وتحرض عليه وتدعو للنفير لرد الاحتلال الشيوعي بما في ذلك فتاوى مماثلة ضد جرائم الشيعة في العراق وما يسمى بالمشروع الصفوي في المنطقة، ولكن ثمة فتاوى أخرى نفرَّت من الجهاد في العراق بحجة غياب الإمام والراية، وليس مفهوما كيف يتمتع الشيعي بامتياز المجاهدة ولا يكون للغازي والمحتل المعاملة بالمثل! ومنهم من أفتى باعتبار القوات الأجنبية مستأمنة في بلاد المسلمين، وآخرون أفتوا بمقاتلتهم إبان حرب الخليج الثانية.
لا شك أن مثل هذه الفتاوى تجعل من حسم الموقف مع العلماء مهمة عسيرة على السلفية الجهادية ومريرة، لكن ملاحظة تمايز بينهم على أساس قربهم أو بعدهم عن الجهاد والمجاهدين يمكن أن يسهل المهمة ويضيق الخناق على من يسميهم د. أيمن الظواهري بـ "علماء السوء" ويتيح لها الاستفادة من علمهم وتوسيع دائرة العلماء العاملين، فهم ليسوا صنفا واحدا ولا يمكن أن يكونوا كذلك، فثمة:
1) صنف جهادي عامل، التحق بساحات الجهاد وعمل بها لسنوات طويلة وما يزال على حاله، ومثل هؤلاء فقدوا كل الدنيا وما فيها وتفرغوا للجهاد في ساحاته وميادينه.
2) صنف جهادي يشرِّع للجهاد والمجاهدين ويدعم أطروحاتهم ويصدع بمواقفه غير آبه بأية عواقب، حتى أن أغلبهم يقبع في السجون أو أنه دفع حياته ثمنا لفتاواه.
3) صنف جهادي يختلف مع السلفية الجهادية وبعض نشاطاتها المسلحة في العالم. وهذا الصنف يدخل في نطاق العلماء المؤيدين للجهاد والمجاهدين إلا أنهم لا يستطيعون الجهر بأطروحاتهم، ومثل هؤلاء ممن رفضوا إدانة القاعدة في العراق خشية انقسام أهل السنة ولعدم وجود أدلة دامغة على الدعاوى المرفوعة ضدهم يشكلون في الواقعمع غيرهمصمام الأمان للمشروع الجهادي برمته رغم ملاحظاتهم الكثيرة عليه واختلافهم حتى مع رموز القاعدة.
4) صنف له تاريخ جهادي ولكنه خضع لضغوط السلطة وبات بعضه ينفذ ما يطلب منه، وأحيانا تصدر منه فتاوى غالبا ما تكون بلغة السلطة والخصوم، بل أنه أدان تاريخه بالكامل ويجهد لتبرير اختياراته ويدعو إلى الاقتداء بها.
5) صنف رسمي متذبذب ولكنه أميل إلى خطاب السلطة ولا يتوانى عن التصريح بما يطلب منه أو القيام بأي عمل يخدم سياسة الدولة وتوجهاتها بحجة طاعة ولي الأمر.
6) صنف معادي بمبادرة ذاتية منه، واشتهر بعدائه للجهاد والمجاهدين وبتمييعه للدين عبر إصداره لفتاوى متطرفة لا أساس لها من الشريعة، وبتخليه شبه التام عن قضايا الإسلام والحرب الشعواء عليه من قبل الغرب واللادينيين، ولم يعد يضيره أن يكون في صف القوة الغاشمة حيث تكون، ولا يضيره التطوع في القول دون أن يطلب منه أحد التدخل، ولا يتورع عن نصرة أعداء الإسلام عبر التقليل من إساءاتهم وتهجماتهم على الإسلام كعقيدة ودين وعلى المسلمين، ومثل هؤلاء تسميهم السلفية الجهادية بـ "المنافقين".
7) صنف يوصف بالقصاصين المنبوذين في التاريخ الإسلامي، وهؤلاء قدموا الدين كما لو أنه
قصص وحكايات على حساب الحكم الشرعي مبتعدين طواعية عن قضايا الأمة، ومثل هؤلاء جاهروا بعدائهم للجهاد والمجاهدين وسخروا منهم، وهم مَنْ فتحت لهم الأبواب وأجيز لهم التنقل بين أرجاء العالم واستخدموا في إلقاء المحاضرات وعقد الندوات مبشرين بالإسلام الحضاري والمعتدل، بل أن بعضهم منح الجوائز والألقاب.
وفقا لهذه التصنيفات فمن السهل معرفة جبهة المجاهدين والمناصرين من العلماء والفقهاء وجبهة المخالفين والأعداء منهم، على أن السمت الرئيس في العلاقة ما بين العلماء والسلفية الجهادية يبقى مركزا على وجوب الالتزام بثنائية "العلم للعمل"[45] لأنه لا قيمة لعلم دون عمل (= الجهاد والصدع بالحق)، ولا قيمة لعلم يوظفه حامله لإلحاق الأذى بالأمة، ولا قيمة لعلم الولاء والبراء فيه لسايكس - بيكو.غير أن للعلماء والفقهاء أكثر من نقطة قوة تشكل بالنسبة للسلفية الجهادية نقاط ضعف كبيرة والعكس صحيح، أبرزها:
· طلبة العلم[46]
بعض هؤلاء غالبا ما يتسببون بإثارة الخلافات والانقسامات ويشيعون الأحقاد والضغائن إما بسببضعف علمهم أو تعصبهم لمشايخهم وإما لأنهم يتلقون علوما شرعية فيها اجتهادات متنوعة لقضايا حساسة أو حتى بسيطة بحيث يحل الاجتهاد بديلا عن النص وسعته، وبديلا عن أية اجتهادات أخرى، وإما لأنهم ممن تأخذهم العزة بالإثم فيتصدرون قبل أن يتأهلوا ويتنمرون[47] بما يعتقدون أنه سلطان العلم.
· الحصانة
من البديهي أن يتمتع العالم أو الفقيه بعلم شرعي مرموق، ومن الطبيعي أن يستمد هيبته أو حصانته من الرصيد العلمي الذي يتمتع به، ولكن الإشكال يكمن في النظر إلى العالم وكأنه يتمتع علاوة على حصانته العلمية بحصانة شرعية تجعله معصوما[48] من الوقوع في الزلل والخطأ، وللمسألة أكثر من مشهد نورد بعضها:
1) مشهد عالم من المفترض أنه موثوق يفتي في نازلة على نحو مخالف لما هو مألوف أو مفاجئ فتكون الردود متوافقة مع الفتوى أو متحفظة بحجة أن العالم لا يرد عليه إلا عالم وهذا موقف منطقي، لكن مقولة " اتقوا لحوم العلماء فإن لحومهم مسمومة" حدث فيها مبالغة وتعسف في استعمالها فيما يبدو، وباتت كالسيف المسلط على من يعارض الفتوى أو ينتقدها خاصة ممن هم أقل درجة وكأن ما يحق للعلماء، حتى لو كان فيه اعوجاج، لا يحق لغيرهم وإن أصابوا.
2) مشهد عالم راسخ في العلم، وخدم في علمه العقيدة والدين والمسلمين وانتشرت كتبه وفتاواه حتى بلغت أقاصي الأرض وباتت مراجع أساسية كبرى يتدارسها العلماء والطلبة على حد سواء ويرجع لها في الحكم على النوازل، لكن مواقف هذا العالم في قضايا سياسية وشرعية كبرى كالجهاد والحاكمية والقوى الأجنبية وغيرها مما يلتبس على العامة والخاصة إما أنها قريبة من السلطة أو متطابقة معها أو مختلطة أو ذات معايير مزدوجة، هذا النوع من العلماء ممن ذاع صيتهم بين الأمم غالبا ما يتسببون بانقسام الأمة التي تنتظر القول الفصل على ألسنتهم ثقة بسعة علمهم، ومع ذلك يصعب الطعن بهم دون ثمن باهظ، بل يحظون بالتماس العذر حتى من أتباعهم فيما لو ثبت عليهم من الزلات ما هو عظيم الأثر. فمن يجيز الصلح مع اليهود سيكون أقرب إلى الحث على التفتيش عن وسائل السلامة معهم من قربه إلى وجوب قتالهم. وأخطر ما في فتاواهم أنها لا تأخذ بعين الاعتبار عامل الزمن. فمن يجيز الصلح الدائم (التطبيع) مع اليهود مثلا عليه أن يعرف مقدار صمود الفتوى ومدى مطابقتها للشريعة وإلا ففي حال سقوطها فالمشكلة ستكون وبالا على الأمة خاصة وأنها ستغدو سابقة يقاس عليها ولو بعد ألف عام بحجة أن راسخا في العلم أفتى في يوم ما.
3) مشهد عالم حتى لو كان عاملا إلا أن تلامذته يتبعونه فيما يذهب إليه من أقوال وأفعال ومذاهب، ويحيطونه بهالة من القدسية والعظمة. فإذا التحق بالجهاد لحقوا به وإذا قعد عنه قعدوا معه وإذا نكص على عقبيه نكصوا معه وإذا أخطأ التمسوا له ما لا يلتمسون لغيره من الأعذار، وبما يفيض عن حاجته، أما صعوبة التعامل مع هذه الحالة فتكمن في تلامذته ومريديه الذين يشكلون بالنسبة له، شاء أو أبى، ما يشبه الحصانة بحيث يترصدون كل نقد يصيبه أو نصيحة توجه له. وفي هذه الحالة التي يُنتظر فيها من العالم أن يحمي الأمة والدين نراه حين ينزلق يحتاج إلى حماية من أتباعه ويركن إليهم!
4) مشهد عالم لا يعنيه الموقف الشرعي فيبرر التعامل الصريح لجماعته أو حزبه مع العدو أو إعانته بمجرد اجتهاد سياسي قد يصيب وقد يخطئ رغم ما يتسبب فيه مثل هذا الموقف من انقسام في الأمة وتضليل للعامة، والإشكال أن هذا العالم يجر معه القاعدة إذا ما كان في موقع القيادة. والأسوأ أن أغلب مكونات القاعدة تلحق به وتدافع عن خياراته كما لو أن مرجعيتها الحزبية أقوى من أية مرجعية أخرى بما فيها الشريعة.
وحقيقة فالمشاهد كثيرة في هذا السياق، وغالبا ما تفشل المناقشات والردود ومحاولات بيان الموقف الشرعي في تحقيق أية نتيجة تذكر حتى لو احتمت السلفية الجهادية بنصيحة الإمامين أحمد بن حنبل وابن المبارك[49] أو احتجت بعقيدة الولاء والبراء أو بمقولات من نوع: "الحق يعرف بالحجة ولا يعرف بالرجال" أو "كل قول يؤخذ منه ويرد إلا قول رسول اللهصلى الله عليه وسلم "، فالخلاف قد يطال أهل الثغور أنفسهم مثلما يطال الحق نفسه دون أن تسلم عقيدة الولاء والبراء من الاجتهاد وحتى الطعن.
لكن نقطة القوة لدى السلفية الجهادية تكمن في دعوتها المفتوحة والمستمرة للعلماء للالتحاق بساحات الجهاد بدلا من إصدار الفتاوى التي تطعن في الجهاد عن بعد. وحجة السلفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مقدمة الجيش الإسلامي في غزواته وفتوحاته ولم يكن متخلفا في يوم ما، كما أن الصحابة والعلماء من بعدهم كانوا على الدوام في صفوف الجيش. إذ هو واجب شرعي أولاعلى كل المسلمين علماء وعامة، فضلا عن أن ساحات الجهاد لا تخلوا من أخطاء، والمجاهدون كغيرهم من البشر ليسوا معصومين فيمكن أن يصيبوا أو يخطئوا، وبدلا من التجرؤ عليهم كان من الأولى بالعلماء ألا يفارقوا الجهاد والمجاهدين ويفتوا في أمورهم عن بينة، وأن يكونوا عونا لهم لا عليهم، وحينها يمكن محاصرة الفتن ووأدها في مهدها عبر بيان الحكم الشرعي بناء على الظروف والواقع وليس عبر الاستماع من هنا وهناك وما يترتب على ذلك من قصور في الصورة وربما تجني من طرف على آخر[50]. غير أن مثل هذه الدعوات التي تتكرر في كثير من خطابات رموز السلفية الجهادية وتعج بها كتاباتهم بصورة كثيفة للغاية[51] لم تلق آذانا صاغية بالشكل المرجو الوصول إليه حتى الآن، بل أنها تلقى تجاهلا وصدودا وبعضها لا تخلو من ريبة وهي تطالبهم بـ "الخروج من سراديبهم لمباهلة العلماء ومجالستهم"! [52].
__________________
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 281.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 275.89 كيلو بايت... تم توفير 5.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]