السلفية الجهادية : د/اكرم حجازي (مقالات متجددة ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الجويني ومنهجه العلمي والإبداعي في استخراج آرائه الاجتهادية​ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التوبـــة قبــــل رمضـــان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          15 خطوة نحو بر الوالدين بعد الزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أقل مدة الحمل بين النص والواقع الاستثنائي لحماية الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شهر الصبر والجهاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أيها الشباب ماذا أنتم فاعلون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ماذا لو عطس؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          فضل عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حتى تستمر الحياة نصائح ووصايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فتاوى الشيخ مصطفى العدوى من خلال صفحته على الفيس ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1315 - عددالزوار : 175001 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-12-2011, 10:54 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي السلفية الجهادية : د/اكرم حجازي (مقالات متجددة )

مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي


(نموذج العراق)

مقدمة
منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت بعض رموز القوة في الولايات المتحدة وما بعدها برزت ظاهرة "السلفية الجهادية" كفاعل استراتيجي دولي مميز وفريد من نوعه سواء تعلق الأمر بالحدث السياسي أو بالحدث الأمني. فأنْ يستفيق العالم على أحداث بهذه الضخامة فهي مسألة في غاية الإثارة، لكن أن يتحسب لوقوع أحداث مماثلة في المستقبل فهي مسألة تبعث على الدهشة حقا، وتستوجب التوقف عندها. إذ أن الإشكال المطروح هنا يتعلق في الأهداف والطموحات التي تسعى السلفية الجهادية إلى تحقيقها، وما إذا كان ممكنا وقف هذا الاندفاع والتحدي الذي تشكله الظاهرة.
فالظاهرة، شئنا أم أبينا، وفي ضوء عروضها العسكرية والأمنية النوعية على المسرح الدولي، باغتت في فعالياتها ومساعيها كل من السياسي والديني والاجتماعي والثقافي والعلمي والمعرفي وحتى الحضاري قبل أن يستشعر أحد بجدية المخاطر التي تخلفها في بنية التنظيم الدولي والعلاقات الدولية. وفقط بعد فوات الأوان تفطنت الولايات المتحدة، كخصم، إلى جدية الظاهرة فأعلنت حربا عليها عبر ما تسميه "مكافحة الإرهاب العالمي" وجندت تحالفا دوليا لتحقيق الغرض، لكن هذه الحرب أثارت الكثير من التساؤلات إذا ما أعيد النظر، على الأقل، في التصريحات الأمريكية إن لم نقل في السياسات خاصة فيما يتعلق بمفهوم "الفوضى الخلاقة". ذلك أن المفهوم يحيل البعض إلى الاعتقاد بوجود توجهات أمريكية تقضي بغض الطرف عن نمو السلفية الجهادية وغيرها من الظواهر التي من شأنها إشاعة فوضى يمكن السيطرة عليها من جهة وتوظيفها كآليات وأدوات تسمح بالمزيد من التدخلات الأمريكية من جهة أخرى. بل أن هذا البعض يغالي أكثر في الاعتقاد بأن السلفية الجهادية ليست أكثر من علامة تجارية أمريكية مسجلة في حظائر وكالات الاستخبارات الأمريكية[1].
وفي الواقع فإن المسألة مختلفة، إذ يصعب تقبل الأحداث الراهنة وتطورات الظاهرة وخطابها بموجب معايير أيديولوجية أو حزبية أو تنظيمية خصيمة لها أكثر من الولايات المتحدة نفسها ووفق حسابات خاصة تناست بموجبها تصريحات أمريكية وغربية من قمة الهرم السياسي إلى أدناه وهي تتحدث عن حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين واعتبار الإسلام هو العدو القادم للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فالمنطق يؤكد أن العناصر المكونة للظاهرة كعالميتها فضلا عن المرجعية الدينية التي تتحصن بها كافية لِأنْ تقف سدا منيعا أمام أية تأويلات غير موضوعية. وبالتالي فنبذ الظاهرة أو إنكارها والاستخفاف بها، كما هو شائع لدى السياسي والأمني وحتى الديني والتنظيمي، لن يجدي نفعا في فهمها. وعليه فالسؤال الذي نطرحه هو: لماذا نجحت الظاهرة في تحقيق انتشار أفقي؟ وتهديد حتى حصون الجماعات الإسلامية والسياسية الأخرى؟ ولماذا فشلت المقاربات السياسية والأمنية والأيديولوجية في التعامل معها حتى اللحظة؟ وبصيغة أخرى: كيف وصلت السلفية الجهادية إلى نقطة اللاعودة وتحولت إلى ظاهرة لا يمكن أن تتلاشى أو تزول فاعليتها قبل أن تصل إلى مدياتها النهائية؟
بداية نشير إلى أننا سنتعرض بالبحث إلى معالجة أربعة محاور أساسية هي:
المحور الأول: حاضر السلفية الجهادية
المحور الثاني: السلفية الجهادية والجماعات الأخرى
المحور الثالث: المجاميع الجهادية الكبرى في العراق
المحور الرابع: السلفية الجهادية ودولة العراق الإسلامية
وأخيرا: تعقيبات ختامية على المقالة السلفية
لكن قبل الخوض في بعض تفاصيل الظاهرة عبر المحاور أعلاه، نرى من الأهمية بمكان تثبيت بعض الملاحظات المنهجية التي تساعد في قراءة الظاهرة من الداخل. إذ أن الدراسة موضع النظر تعتقد أنه ما من جدوى في فهم الظاهرة خارج المقاربة الدينية، مما يعني ضرورة الابتعاد عن أية مقاربات تقليدية سواء كانت سياسية أو أيديولوجية أو أمنية ... إلخ
ملاحظات منهجية في فهم الظاهرة
أولا: وحدة لغة السلفية الجهادية
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التحدث بلغة السلفية الجهادية لا يعني أبدا قبول أطروحاتها أو رفضها بقدر ما هي وسيلة ناجعة لفهمها وتفسير خطاباتها والوقوف على استراتيجياتها وسياساتها بالمضمون الذي هي تريده وتسعى إلى التعبير عن نفسها به[2]. فمن العبث قراءة الأطروحة السلفية إعلاميا أو أيديولوجيا أو أمنيا أو سياسيا أو حتى تنظيميا، ذلك أن السلفية تيار متشعب ومعقد لكنه ليس تنظيما وإن بدت أدواته الضاربة كذلك في مواضع شتى. فهو يضم رموز وقادة وعلماء وأنصار ومجاهدين، وكل هؤلاء ومن يدور في فلكهم ينطقون بلغة واحدة هي لغة التوحيد التي يقدمون أنفسهم بها أينما كانوا.
ثانيا: توصيف الظاهرة
قد يبدو توصيف ظاهرة السلفية الجهادية سهل المنال وهو في الحقيقة مظهر خادع ليس الوصول إليه متاحا بالنظر إلى سرية الفاعلين واختلاف البناء الهيكلي للأدوات التي تشكل الظاهرة كالتنظيم الأم والأدوات الضاربة لها في شتى أنحاء العالم مقارنة بالأبنية التقليدية التي ألفناها من الجماعات الجهادية المسلحة. فما من باحث استطاع بمفرده التصدي للظاهرة بالبحث إلا في مستويات محدودة أبرزها الخطاب الذي تبوح به. لذا يصعب الحصول على دراسات نجحت في تتبع الظاهرة بمختلف مكوناتها. بل أن الباحثين يعزفون عن التصدي للظاهرة لأسباب عديدة ليس التعقيد الشديد والغموض الذي يميزها أو السرية أو التحرج أو الحساسية إلا بعض منها. وفي المحصلة لدينا فقر مدقع في الرصيد المعرفي عن الظاهرة.
هذا لا يعني أن السلفية لا تتمتع بإنتاج معرفي هائل تفوقت فيه، كما ونوعا، على ما سبقها من الجماعات السياسية، وهنا بالذات تكمن المشكلة. فمن ذا الذي يمكنه أن يتفرغ للإحاطة بالظاهرة بحيث يكون ملزما، علميا وأدبيا، بمطالعة ملايين الصفحات من المنشورات التي تعج بها الشبكات الإعلامية الجهادية ومئات الساعات من الأشرطة المرئية والصوتية وآلاف المجلدات من الكتب والأبحاث؟ لهذا من الواجب بداية التأكيد على (1) أننا في سياق البحث العلمي ما زلنا في المراحل الأولى من توصيف الظاهرة والتي نحسب أنها لن تنتهي قريبا و (2) أن التوصيف ينصب على الخطاب الفكري للظاهرة فقط. وهذا يعني أيضا أننا أبعد ما نكون، علميا، عن تناول الظاهرة بالتحليل العميق والنقد الموضوعي.
ثالثا: مرجعية التوصيف
لعل أكثر الأخطاء الشائعة في توصيف ظاهرة السلفية الجهادية أو التعليق على خطاباتها أو رصد سياساتها واستراتيجياتها العسكرية والأمنية والإعلامية هي تلك التي ينطلق أصحابها في قراءة الحدث، لا شعوريا، من مكونات الواقع السياسي أو الأيديولوجي الذي يعيشونه. والواقع أن السلفية الجهادية ربما تكون الجماعة الإسلامية الدينية الوحيدة التي ظهرت في عالمنا هذا منذ تقسيم الوطن العربي وانهيار الخلافة العثمانية. وهذا معطى حاسم يؤدي إلى:
1)النظر إلى الجماعات الإسلامية، بما فيها الجهادية، على أنها جماعات سياسية وطنية ذات طابع إسلامي لكنها بالتأكيد ليست جماعات دينية خالصة كما هي السلفية الجهادية، وبالتالي فهي تعمل في إطار المنظومات القانونية والسياسية المحلية والدولية السائدة بخلاف السلفية الجهادية التي لا تقبل بغير حاكمية الشريعة كمعيار لفهم اختياراتها والحكم على توجهاتها السياسية. وهذه فرضية حاسمة لمن يرغب في التعرف على لغة السلفية الجهادية وأطروحاتها.
2)تأسيسا على ما سبق وجب التخلي، موضوعيا، عن معايير التوصيف التقليدية التي اتبعت في دراسة الجماعات السياسية السابقة عليها سواء كانت علمانية أو إسلامية. أما لماذا يتوجب علينا الالتزام بهذه الخطوة المنهجية الحاسمة فلأن استعمال مصطلحات وضعية في تحليل خطاب يستند إلى السياسة الشرعية سيؤدي قطعا إلى نتائج خاطئة[3].
رابعا: لغة التوصيف
إذن لغة الخطاب السلفي الجهادي صعبة التوصيف وليست سهلة كما يعتقد البعض. ولهذا السبب، أكثر من
غيره، يحجم الباحثون عن الخوض في الظاهرة. أما الصعوبة فتكمن في عدة أسباب:
1)إن لغة الخطاب السلفي هي لغة العلم الشرعي التي لا يقوى على فهم شروطها وتفاصيلها إلا من يمتلك قدرا معقولا منه. وهذا يعني، مبدئيا، أن الخطاب السلفي يخاطب النخبة والمتخصصين أكثر مما يخاطب العامة. وحتى انتقادات رموز الجهاد العالمي تتوجه نحو النخبة من المشايخ والعلماء والقادة وليس نحو الأتباع والعامة من الناس الذين يستقبلون من السلفية خطابا تحريضيا.
2)غزارة الإنتاج المعرفي للسلفية وأنصارها عبر عديد المؤسسات الإعلامية والشبكات الجهادية، وبالتالي ثمة صعوبة فائقة في متابعة الأحداث والمواقف التي غالبا ما تصيغها هذه المؤسسات قبل أن يعبِّر الرموز عن مواقفهم تجاهها.
لذا من المهم التنبه إلى اللغة السائدة في وسائل الإعلام الجهادي بوصفها مخزنا للمعلومات والآراء والأفكار المؤيدة والمعارضة، ومصدر الأخبار الرئيسي فيما يتعلق بالتيار الجهادي، ولا نبالغ إذا قلنا أنها باتت سيفا ذو حدين، فهي من جهة تعبر عن السَّمت الحقيقي لتوجهات الرموز وسياسات التيار في مختلف مناطق تواجده، ومن جهة أخرى لها من القوة بحيث تقيد الرموز وتدفعهم نحو الصراحة في القول والحسم في القضايا الخلافية. والأكيد أن المتابع لهذه الوسائل سيحتاج إلى فترة طويلة وجهود مضنية كي يفهم آلية عملها وطرق التعامل مع روادها وكتابها ومشايخها وما يدور فيها وإلا فقد يتعرض للطرد من رحابها إذا ما خالف توجهاتها أو شروط الكتابة فيها.

المحور الأول: حاضر السلفية الجهادية
أولا: هوية السلفية الجهادية والأس العقدي للظاهرة
استقر مصطلح السلفية الجهادية في وسائل الإعلام ليعبر عن تيار جهادي ذو صبغة عالمية[4]، لكنه في عرف أصحاب التيار لا يكفي لبلوغ المعنى الدقيق له فضلا عن أن ترويجه ينطوي على حصر للتيار في أطر ضيقة. فالوهابية مثلا تمثل أحد المصادر الشرعية والتاريخية للفكر الجهادي العالمي لكنها ليست المصدر الوحيد، وتبعا لذلك ليست السلفية الوهابية الجهادية هي التيار الجهادي العالمي ولا هي المخولة بالتحدث باسمه، كما أن التيار الجهادي أوسع، في مرجعياته ومكوناته، من أية مرجعية منفصلة. والحقيقة أن التصاق تعبير السلفية بالتيار الجهادي العالمي يمكن رده إلى عدة أسباب منها:
· كثرة منتسبيه من الجزيرة العربية وخاصة من السعودية إثر دخول الدولة على خط الجهاد الأفغاني الأول ودعمها لعديد القوى المنخرطة فيه وتوفير الغطاء المادي والإعلامي له وحتى الشرعي[5].
· تبني الكثير من علماء السعودية للمشروع الجهادي ممن ذاع صيتهم في الأوساط الجهادية والإعلامية.
والحقيقة أن اهتمام الجهاديين بالوهابية (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) والتركيز على تراثها برز بشكل لافت عقب أحداث سبتمبر وما تبعها من دخول شيوخ نجديين على الخط الجهادي ممن كان لهؤلاء اهتمام بالغ وكبير بتراث أئمة الدعوة النجدية خاصة علي الخضير وأحمد الخالدي حيث تعج مؤلفاتهما بكثرة الإحالات (إلى) والنقل (عن) تراث أئمة الدعوة مما ينبئ عن استظهارهما لتلك الرسائل.
· الاسترشاد بالدعوة السلفية الوهابية كمنهج علمي وعملي، والنظر إلى كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب كأحد المراجع الرئيسية للتيار الجهادي العالمي ومن بعده رسائل أئمة الدعوة النجدية خاصة الدرر السنية. فبعد الجهاد الأفغاني أضحى التراث الوهابي مصدرا رئيسيا أضيف إلى مصادر التراث المعرفي الجهادي ممثلا بفتاوى ابن تيمية وتلاميذه وسيد قطب ومحمد قطب وعبد الله عزام.
· انقسام السلفية الوهابية إلى سلفية تقليدية وأخرى جهادية الأمر الذي سمح باستخدام المصطلح بهدف التمييز بين التيارين. فـ"السلفية الجهادية" كمصطلح لا يعني بأي شكل من الأشكال وجود سلفية بلا جهاد لاسيما وأن التيار الجهادي كغيره من التيارات الإسلامية يرى في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام هي خير القرون دعوة وجهادا وحضارة، وبالتالي فالسلفية تعبير أصيل، لكن المصطلح استخدم بهدف التميّز عن أولئك الذين صنفوا أنفسهم من أهل السلف إلا أنهم، وبلغة سايكس – بيكو كما تقول السلفية الجهادية، همشوا الجهاد أو منعوه بدعوى الضعف والعجز فكان لزاماً علينا التفريق بين سلفية تركز على الجهاد وتدعو له بصورة عالمية وأخرى تهمشه أو تمنعه وفي أحايين أخرى تحاربه.
لكل هذه الأسباب وغيرها استعمل المصطلح للدلالة على التيار الجهادي العالمي، إلا أننا لم نقع على قبول فعلي للمصطلح من قبل رموز التيار حتى تلك التي تستعمله إعلاميا. وفي المقابل لا يبدو على هذه الرموز رفضا للمصطلح بقدر ما تحرص على التعبير عن نفسها بـ "أهل السنة والجماعة" كتسمية دالة على التيار ومحببة إليها[6] أكثر من تعبير "السلفية الجهادية".
والحقيقة أن المقدسي، كنموذج للمعاينة، أحسن في توصيف هوية التيار السلفي الجهادي حين سئل عنه، ففيما يتعلق بالتسمية وعلاقة المصطلح بالجماعات السلفية الأخرى والجهادية يقول:
"أولا: أحب أن أنوه بأننا (1) لم نتسمى بهذا الاسم و (2) إنما نعتنا به من سمانا به من الناس لتمسكنا بما كان عليه السلف الصالح من الاعتقاد والعمل والجهاد، (3) فالسلفية الجهادية تيار يجمع بين الدعوة إلى التوحيد بشموليته والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، أو قل هو تيار يسعى لتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت .. فهذه هي هوية التيار السلفي الجهادي والتي تميزه عن سائر الحركات الدعوية والجهادية"[7].
هذه الأطروحة ترى، ولا شك، أن الشرك يداخل الأمة من جوانب عدة، وعليه فهي تقدم "التوحيد" أو إقامة "الحاكمية" كهدف وغاية ليس الجهاد إلا الوسيلة الرئيسية لتحقيقها إلى جانب الدعوة. وهي رؤيا تنسف كافة الأطروحات الدعوية السابقة عليها سواء تلك التي نأَتْ بنفسها عن الوضع القائم أو شاركت به كـ: "بعض الحركات السلفية (التي) تقزم وتحصر دعوة التوحيد على شرك التمائم والتولة والقبور ولا تتعرض من قريب أو بعيد إلى شرك الحكام والمشرعين والقوانين والقصور، بل قد تكون ممن يسير في ركاب الحكام ويعمل على تثبيت عروشهم"، أو تلك التي عبرت عنها أطروحات: "بعض الحركات الجهادية (التي) تبوتق جهادها وتحصره في منطلقات وطنية وترفض رفضا جازما وحاسما أن تتعدى بجهادها حدود الوطن"[8].
وعطفا على ما انتهى إليه المقدسي:
"فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء. ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته وفي كل مكان فحيث وجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته وحيث وجدت هذه الدعوة وجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها ... ولذلك فأنت ترى أن هذا التيار لا يحصر جهاده في بقعة معينة من الأرض من منطلقات قومية أو أرضية بل ميدانه هي الأرض كلها فتجد أبناءه يجاهدون في شتى بقاع الأرض ... فرق بين الاجتهادات النابعة من السياسة الشرعية وبين الثوابت والأصول النابعة عن الوطنية أو نحوها من الموازين الجاهلية"[9].
ويغلب علينا القول بأن توصيف المقدسي هذا يعد نموذجا ممتازا للغوص في أعماق الأطروحة السلفية الجهادية وليس فقط البحث في ماهيتها. فإذا ما استبعدنا الجهاد كوسيلة لإقامة الحاكمية وانطلقنا من التوحيد بوصفه أهم المفاهيم التي تميز السلفية الجهادية على الإطلاق، وما دونه تفاصيل، فإن خصائص الظاهرة يمكن استخراجها بيسر من رحم المفهوم وإسقاطها على كافة الأدوات الضاربة للسلفية الجهادية ابتداء من الفلبين وحتى المغرب.
فالتوحيد بمعناه الشرعي يستدعي الكفر بالطاغوت. فكل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر شرعا أو فاسق أو ظالم أو كلها معا، وبالتالي فهو مفهوم يحيل السلفية الجهادية إلى مرجعية وحيدة في الحكم على الأقوال والأفعال والنوازل أيا كان مصدرها ومكانها، فإذا ما وافقت الشريعة كان بها وإلا فهي قطعا باطلة ومنبوذة ومحاربة. وتبعا لذلك فالسلفية الجهادية ستجد نفسها، مختارة، في صدام حتمي مع كافة منتجات الحضارة الراهنة ابتداء من النظم الفكرية والأيديولوجية والدينية والأخلاقية وانتهاء بكل تجلياتها المادية من هياكل وبنى على اختلاف تشكيلاتها ومستوياتها. لكن هذا الصدام القائم لا يعني أن السلفية بصدد ممارسة الهدم بمعناه التقليدي، بالنسبة إليها فالهدف هو القضاء على منظومة العلاقات التي تتحكم بمصائر البشر سواء كانوا مسلمين أو "مستضغفين"، إذ أن العلاقات السائدة في النظام الدولي فضلا عن أنها تفرض على "المؤمنين" تشريعات "كفرية" لا يجوز الاحتكام إليها فهي أيضا تفرض علاقات هيمنة وتسلط ونهب وإذلال وإهانة خاصة للمسلمين وبالتالي تجب محاربتها والتخلص من سطوتها.
ولا ريب أن إسقاط المفهوم "التوحيد" على المنطقة العربية، كنموذج للمعاينة، ستكون له انعكاسات جوهرية على واقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل أن انعكاساته ستطال كل مكون أو معطى سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو الدولة أو المؤسسة أو حتى الفعل والسلوك الفردي. فسايكس – بيكو مثلا، كاتفاقية استعمارية، عنيت بتقسيم الوطن العربي إلى عديد الدول إنما ولدت كحالة سياسية لا تمت إلى التاريخ العربي والإسلامي بصلة فإذا بها تتحول على مَرّ العقود إلى مكاسب ومنجزات وطنية وحالة ثقافيةتعبر عن أنماط سياسية واجتماعية واقتصادية وسلوكية كما لو أنها أصيلة وليست مستحدثة. بينما في عرف السلفية الجهادية فإن كل مكونات سايكس – بيكو ليست سوى منتجات لأيديولوجيا غير مشروعة لا بد من هدمها والتخلص منها. فالقضاء منظومة قانونية ودستورية وضعية، والحكم في الدولة يستند إلى مؤسسات تشرِّع من دون الله، والتعليم غيَّب العلم الشرعي وأنتج علماء وفقهاء يشرِّعون للوضع القائم، والاقتصاد تحكمه قوانين الربا، والتجارة بيد نخبة تمارس الاحتكار والهيمنة والربح غير المشروع، والثقافة غربية الطابع، والعلاقات الدولية مرهونة بإرادات القوى العظمى ومصالحها، والبلاد بعضها مغتصب والآخر محتل أو مهدد، والدين ضائع ومضيَّع، ولا شك أن القائمة لا تنتهي.
لكن للوصول إلى فهم أدق وأشمل لمفهوم التوحيد وإسقاطاته يمكن الانطلاق من التكليف الإلهي للنبي إبراهيم عليه السلام وهو يتلقى عن ربه أمرا صريحا: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }- الحج27. وهذا يعني: (1) أنه أيا كانت معتقدات الناس فهم مأمورون بالتوحيد حتى ولو كانوا في فج عميق، و(2) أن التوحيد ليس له سقف جغرافي لأنه لا يعترف أصلا بأية فواصل أو حدود، لذا فمن (3) الأولى القول أن كافة المسلمين حيثما وُجِدوا فهم معنيون بدعوة التوحيد قبل غيرهم. وعليه فالتوحيد كلية لا تتجزأ ولا تقبل القسمة. فحيثما وُجد مسلم وُجِدت العقيدة ووُجد التوحيد والموحدون، وبالتالي فهم من مشمولات دولة التوحيد، وإذا ما أقيمت دولة إسلامية تحكم بموجب الشريعة فهذا يعني أنها ستكون معنية بمصالح كافة المسلمين في شتى أنحاء الأرض، ولا يجوز والحالة هذه الاعتقاد بوجود توحيد ذو نكهة وطنية كأن تزعم دولة إقامتها للتوحيد ضمن حدودها وسيادتها وتعفي نفسها من أية مسؤولية تجاه المسلمين الآخرين باعتبارهم رعايا دول أخرى. لذا لا تعترف السلفية الجهادية بأية تقيّة في التوحيد، ولا معنى عندها لأي توحيد سياسي أو وطني أو قومي أو مرحلي. فهل هذا هو معنى الشمولية التي يتحدث عنها المقدسي؟ سنرى لاحقا.
أما عقيدة الولاء والبراء عند السلفية الجهادية فهي المعيار المعتمد في قياس مدى نقاوة التوحيد لدى الأفراد والجماعات الإسلامية. وبهذا المعيار رأت السلفية، مثلا، في الحكام "طواغيت" هم ومن والاهم وساندهم أو شرع لسلطانهم ودعم تشريعاتهم، لكن مع التفصيل في الأمر، فقهيا، فيمن كان كفره ظاهرا أو خفيا ونحو ذلك. أما فيما يتعلق بالجماعات الإسلامية والجهادية فأغلبها، في أحسن الأحوال، بعيدة عن عقيدة الولاء والبراء التي تفرض على المسلم موالاة المسلم والتبرؤ من المشرك ومظاهر الشرك، ووفق هذه العقيدة فالمسلم الموحد مُلزَم بمبدأ الأخوة الإسلامية بديلا عن الأخوة الوطنية، وملزم بالنصح لإخوانه بديلا عن تتبع عوراتهم، وملزم بالحاكمية بديلا عن التشريعات الوضعية، وملزم بالنصرة بديلا عن التخذيل، وهكذا. لكن ذروة عقيدة الولاء والبراء لا تقع في مستوى النماذج النظرية التي ذكرنا بعض صورها بل في مستوى تطبيقات النماذج، فما تراه بعض الجماعات والعلماء مسائل خلافية تحتمل التأويل والتفصيل تراه السلفية الجهادية من جهتها تمييعا للعقيدة وتخذيلا أو إرجافا أو إرجاء، كالوطنية والديمقراطية والاستعانة بالأجنبي والاحتكام إلى الشرائع الوضعية والمفاوضات وغيرها.
ثانيا: الأدوات الضاربة للسلفية الجهادية
لا شك أن الموضوع بالغ التعقيد، فالمعطى البارز الذي أمكن ملاحظته، مع بروز ظاهرة الجهاد العالمي، يكمن في تراجع نمط المقاومة ذات الطابع الوطني أو القومي وتَقَدُّم "الجهاد" بديلا عن "المقاومة" كمصطلح ومضمون، فما من أحد يتكلم اليوم عن نضال وطني أو قومي أو أممي ولا عن وحدة عربية شاملة ولا جزئية ولا حتى عن تنسيق عربي، وعلى العكس من ذلك فإن أغلب الجماعات المسلحة الحديثة، خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اتخذت من الجهاد منهجا لانطلاقتها ومن التراث الإسلامي تسمية لها.
وها هي السلفية الجهادية تقدم نفسها تيارا من رحم العقيدة يسعى إلى بلوغ مصالح الأمة الإسلامية في ضوء الدعوة إلى التوحيد وإقامة الدين، وعبر مجاهدة ما تعتبره "طواغيت العرب" و "طواغيت العجم". فالمسألة إذن ذات منحى مختلف عما شهدناه طوال عقود من جماعات إسلامية سياسية بعضها عالمي النشأة والتوجه لكن الكثير منها حبيس تأويلات جعلتها أقرب إلى المحلية من أية صفة عالمية. وتبعا لذلك فإن تيار الجهاد العالمي تجاوز المسألة التنظيمية واستقر الآن كفكرة (= منهجا وعقيدة) تتعلق بالأفراد عامة أو ما يسمى بـ "الخلايا النائمة" خاصة مثلما تتعلق بالجماعات الجهادية المنظمة، وموضوعيا يصعب الإحاطة بالأمرين إن لم يكن مستحيلا.
وفي ذات القراءة، على مستوى الاعتقاد والمنهج، يصعب رد جماعة جهادية إلى السلفية أو تبرئتها منها خاصة وأن السلفية الجهادية أثرت كثيرا في مناهج بعض الجماعات وسلوكها السياسي فضلا عن تأثيرات خطاب الظاهرة نفسه على أفراد الجماعات الجهادية ذات الطابع الوطني بحيث يمكن ملاحظة انتشار الخطاب الجهادي العالمي في صلب هذه الجماعات دون أن يعني ذلك تبنيها له رسميا لأكثر من سبب. بل أننا لا نستبعد أن يكون التأثير قد وصل إلى رؤوس القيادات العسكرية والسياسية على السواء.
أما الرموز الكبار في السلفية الجهادية كـ: بن لادن والظواهري فنحسب أن فعاليات التيار الجهادي العالمي قد تجاوزتهم على الرغم من ثقلهم ومشروعيتهم كقيادة تاريخية، إذ أن بقاءهم على سطح الأحداث أو اختفاءهم لم يعد يقدم كثيرا أو قليلا في انتشار الظاهرة وترسخها خاصة وأن مكوناتها وآليات اشتغالها باتت على الأغلب ذاتية المنشأ والدفع، ومثل هذا التوصيف ينطبق حتى على تنظيم قاعدة الجهاد ذاته. وهذا مؤشر على أن الرموز الأفقية للظاهرة أكبر وأخطر من الرموز المألوفة وأدعى لاستمراريتها، ونعني بذلك شرائح العلماء والفقهاء وطلبة العلم الشرعي والأنصار والقيادات المتوارية عن أنظار الإعلام وكل المؤمنين بفكرة الجهاد العالمي سواء المؤطرين منهم في تنظيمات مسلحة أو ممن ليست لهم أية سوابق تنظيمية.
كل هؤلاء يشكلون، في واقع الأمر، أدوات ضاربة باعتبارهم جبهة أكثر منهم خلايا نائمة، فهم مشاركون في الإعلام الجهادي بفعالية، وفي توسيع جبهة الأنصار وفي حشد المعلومات ونشرها وتوزيعها وفي خوض نقاشات متشعبة ومرهقة مع القوى الأخرى بما فيها الجماعات المخالفة والخصيمة لفكرة الجهاد العالمي، والثابت أن صراحة الأطروحة الجهادية ووضوحها وصرامتها وثباتها تجعل من الأطروحات الأخرى، في أحسن الأحوال، في موقف الدفاع غالبا. فالكثير من القوى الإسلامية، أفرادا وجماعات (رسميين أو غير رسميين)، سبق لها وأن ناهضت مفاهيم كالديمقراطية والوطنية وموالاة النظم السياسية والتشريعية والدولية لكنها عادت إلى تبريرها والدفاع عنها والمشاركة في مؤسساتها وطلب نصرتها، ومثل هذه القوى تجد نفسها في موقع الحرج والإدانة من قبل السلفية الجهادية التي تعيب عليها تأرجح مواقفها السياسية وتوظيف الدين للدفاع عن أطروحات سبق لها وأن نبذتها، وإذا كان حقا لها أن تعبّر عن نفسها كجماعة سياسية فهذا شأنها أما أن تنسب نفسها إلى الإسلام كجماعة دينية فهذا لم يعد واردا ولا يعبر عن حقيقة واقعها.
لكن صعوبة حصر الظاهرة أفقيا لا يعني سهولة معاينتها ميدانيا، فالجبهات الساخنة في التيار الجهادي العالمي هي عالم سري لا يمكن الاقتراب منه إلا من خلال الفاعلين أنفسهم سواء عبر المادة الإعلامية التي يقدمونها أو عبر كتاباتهم وتأريخهم لتجاربهم وهو ما لم يحصل حتى اللحظة إلا نادرا[10]. ولعل أفضل معاينة متاحة للأدوات الضاربة للجهاد العالمي هي الانطلاق من الجبهات الساخنة بوصفها فضاءات استقطاب ذات مستويات متفاوتة في العمل الميداني منها:
· المستوى الأول: يضم مناطق أفغانستان: "حركة طالبان بقيادة الملا محمد عمر وقاعدة الجهاد بقيادة أسامة بن لادن" والباكستان: "حركة طالبان الباكستانية بقيادة بيت الله محسود" والعراق: "دولة العراق الإسلامية بإمارة أبو عمر البغدادي وجماعات السلفية الجهادية الأخرى" والشيشان: "إمارة القوقاز الإسلامية بإمارة دوكو عموروف"، وأخيرا الصومال: "حركة الشباب المجاهدين بإمارةالشيخ مختار عبد الرحمن (أبو الزبير)"، وهي المناطق التي تمثل بالنسبة للتيار الجهادي العالمي جبهات حرب مفتوحة ضد القوى الأجنبية على أراضيها.
· المستوى الثاني: يضم مناطق المغرب العربي ومركزه الجزائر: "قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي" التي تنشط ضد النظام السياسي، ونسبيا القاعدة في الجزيرة (بفرعيها النجدي واليمني) واللتان تعتبران نشاطهما، على الأغلب، كما لو أنهما في وضعية دفع الصائل، إذ غالبا ما تهاجمان منشئات حيوية وأهدافا أجنبية إلا من بعض الممارسات التي لم تتبناها تلك الجماعات كما حصل من استهداف لمقر الأمن العام في الرياض ونفي زعيم القاعدة عبد العزيز المقرن المسؤولية عنها. وجدير بالذكر أن "قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية" وجنوبها: "قاعدة الجهاد في اليمن"، ذواتا ارتباط تنظيمي مباشر بقاعدة الجهاد في أفغانستان.
__________________
  #2  
قديم 31-12-2011, 10:56 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

· المستوى الثالث: مناطق شرق آسيا في الفلبين وأندونيسيا ومؤخرا جزر المالديف[11] "، ودول آسيا الوسطى خاصة تركستان الشرقية وطاجكستان وأوزباكستان، وتضم هذه البلدان جماعات جهادية تمرَّس بعضها على القتال في مراحل الجهاد الأفغاني وكذلك في بلدانها.
· المستوى الرابع: لبنان: "حركة فتح الإسلام وعصبة الأنصار" وقطاع غزة: "جيش الأمة وجيش الإسلام وفتح الإسلام وسيوف الحق"، وجميع هذه القوى فلسطينية الطابع ما عدا حركة فتح الإسلام التي تعرضت لحرب استئصالية شنها الجيش اللبناني على معقلها في مخيم نهر البارد شمال لبنان، بالإضافة إلى سوريا حيث تنشط بعض المجموعات بين الحين والآخر تحت مسمى: "جند الشام" أو "قاعدة الجهاد في بلاد الشام"
لكنها غير واضحة المعالم حتى الآن، وكذلك في مصر: "قاعدة الجهاد في أرض الكنانة".
· المستوى الخامس: يشمل خلايا المبادرة الذاتية أو ما يطلق عليه أمنيا بـ "الخلايا النائمة"، وهذا النوع ينشط عبر العالم من خلال أفراد لا تربطهم صلات تنظيمية مباشرة بالقاعدة أو جماعات الجهاد العالمي.
هذه المستويات الخمسة من الأدوات الضاربة تخص الجبهات الساخنة للجهاد العالمي، وفيما عدا المستوى الأول ذو الجبهات المفتوحة وإلى حد ما المستوى الثاني يمكن بيسر أن نلاحظ، حينا ما، تَقدُّم إحدى الأدوات على ما عداها أو ارتقائها إلى مستويات أكثر فاعلية حينا آخر كما حصل في المحاكم الإسلامية في الصومال والتي خرجت من رحمها حركة الشباب المجاهدين لتحسم الموقف وتشكل إحدى أقوى الأدوات الضاربة ضد القوات الأثيوبية المحتلة، وهذا يؤشر على مخاض متواصل لفعاليات الجهاد العالمي يتخذ شكلا طارئا (نشاط الخلايا النائمة) أو ثابتا لكنه ضعيف (غزة) أو ساعيا لتأسيس انطلاقة قوية كـ (فتح الإسلام في لبنان) أو تشكيلات قوية جدا لكنها مغمورة إعلاميا كما هو حال الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى خاصة في أوزباكستان وبدرجة أقل في تركستان الشرقية.
لكن هناك مستوى سادس أشرنا إليه في سياق جبهة الأنصار وهو مستوى هلامي غير محدد المعالم لكنه مرشح لِأنْ يلعب الدور الأخطر مستقبلا على صعيد الجهاد العالمي كونه يتعلق بجماعات إسلامية تتمتع بالعالمية لكنها ذات توجهات سلمية، على الأقل في الوقت الحاضر، كالإخوان المسلمين والتبليغ والدعوة وحزب التحرير وحتى جماعات الصوفية.
فلم يعد خفيا القول أن بعض هذه الجماعات تشهد صراعات باطنية تمس صميم أطروحاتها العقدية تجاه بعض القضايا الخلافية كالديمقراطية والمشاركة السياسية والجهاد والحاكمية والتحالفات غير المفهومة لبعض أجنحتها خاصة في أفغانستان والعراق فضلا عن التنكر لظاهرة الجهاد العالمي (الإخوان المسلمين) أو تعليق فريضة الجهاد بانتظار الخليفة حتى في البلدان المحتلة (حزب التحرير) أو التعهد بهجرة العمل السياسي وتحريمه (الدعوة)، كما أن المخازن البشرية لهذه الجماعات تتعرض إلى هجمات متواصلة من قادة الفكر الجهادي العالمي وأنصاره، وقد يؤدي هذا، في مراحل لاحقة، إلى إحراجها وتحقيق اختراقات في أطروحاتها الشرعية والأيديولوجية بما يسمح باستنزاف في مواردها البشرية التي قد تجد نفسها مخدوعة ومدفوعة إلى تبني أطروحات الفكر الجهادي العالمي بدلا من الدخول في مماحكات سياسية وأيديولوجية وتنظيمية عقيمة.
ولا ريب أن رموز السلفية الجهادية وروادها يعلمون أن تحقيق أية اختراقات لا تعني بشكل أو بآخر السعي إلى هدم ما تعتبره أصلا رصيدا للجهاد العالمي بقدر ما يعني هدم الأطروحة التنظيمية التي تعتبرها سياسية بالدرجة الأساس وإنْ تلبست باجتهادات شرعية، وهي رؤية باتت تجد لها قبولا لدى الكثير من أفراد الجماعات إياها وتبعث على الاطمئنان في نفوسهم من أن الهدف هو الحرص عليهم من أن يجاهدوا أو يقضوا تحت "رايات عميَّة" كما تصفها السلفية الجهادية.

المحور الثاني: السلفية الجهادية والجماعات الأخرى
من المثير حقا أن تستقر السلفية الجهادية فاعلا استراتيجيا نشطا على الساحة الدولية في بضع سنين خلت خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لذا، لكن، وفي ضوء ما سبق بيانه من هوية وتيارات ضاربة،
ينبغي التأكيد على أن الظاهرة لا يمكن لها أن تكون فعالة على المستوى الدولي وهي تقارع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وقوى الغرب عامة ولا تكون كذلك على المستوى الإسلامي في موازاة الجماعات الإسلامية الأخرى ذات الصبغة العالمية، ذلك أن هذه الجماعات تمثل بالنسبة لها الاحتياط الاستراتيجي الذي تنهل منه وستنهل منه لاحقا ولو على المستوى الفردي، كمرحلة أولى، بسبب جاذبية الخطاب السلفي.
فالسلفية لا تعنيها كثيرا الجماعات الإسلامية المغمورة أو التي حشرت نفسها في أطر جغرافية أو خدمية ضيقة لم تتجاوزها منذ عشرات السنين مثلما تعنيها الجماعات ذات الانتشار العالمي الذي لا يخلو منه بلد إسلامي أو غير إسلامي، وهذا يعني أن السلفية تعمل بموجب نظام العولمة الذي يحقق لها تواصلا مع الرصيد في مختلف البلدان والمناطق. لكن كيف يمكن التمييز بين السلفية الجهادية وغيرها من الجماعات الأخرى؟ وأية فائدة قد تجنيها السلفية من "قريناتها
الحقيقة أن الإجابة تكمن في الفهم الدقيق لـمضمون "الشمولية" التي يطرحها المقدسي، وهو مضمون عقدي بالدرجة الأساس، فقد عاش العالم الإسلامي ردحا من الزمن اختلط فيه التوحيد بالشرك عبر تقديس الأولياء والزوايا والقبور، وتسببت الكثير من الفرق الضالة والتخلف في شيوع ظاهرة التمائم والترانيم والأساطير والخرافات والبدع وكأنها جزء من العقائد وطرائق للعبادة فيما هي شرك من حيث يعلم المعتقدون بها أو يجهلون، لذا استهدفت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في جانب منها، وكذا أئمة الدعوة محاربة هذه الانحرافات وتصحيح الاعتقاد، بل أن الدعوة السلفية اشتهرت عالميا باعتبارها دعوة للتوحيد بشقيه عبر محاربة: "شرك القبور" و "شرك الحاكمية"، وبصيغة أخرى فالدعوة استهدفت تحقيق "التوحيد الاجتماعي" و"التوحيد السياسي"، إذ ما من معنى لمحاربة مظاهر الشرك لتحقيق التوحيد دون استكماله بإقامة الحاكمية.
لكن مع مرور الوقت ثبتت الأولى "محاربة شرك القبور" تدريجيا فيما سقطت الثانية "شرك الحاكمية" كليا إلا حين يكون ثمة حاجة لتنزيلها في موضع معين. ومثل هذا الأمر يشمل، مثلا، بعض علماء "السلفية العلمية" أو النظرية التي تقول بكفر الشرائع الوضعية التي لا تحكم بما أنزل الله، ولكنها عاجزة عن تنزيل الحكم على الواقع. لذا ترى السلفية الجهادية أن المعنى الشمولي للتوحيد، كالذي تحدث عنه المقدسي، يتطلب تحقيق شقي التوحيد الاجتماعي والسياسي في آن واحد، ولا يجوز "إقامة" أحدهما و "تأجيل" الآخر إلى يوم الحساب. هذا مع العلم أن المصادر والمرجعيات الشرعية للسلفية العلمية والجهادية واحدة بحيث لو قارنا مثلا بين الشيخ صالح الفوزان والشيخ علي الخضير أو أحمد الخالدي لما وجدنا خلافات تذكر فيما يتعلق بفقه التوحيد.
وفي ضوء هذا الفهم، فالإشكال واقع ليس في اختلاف مصادر التشريع ومرجعياته بقدر ما هو واقع في تنزيل الحكم الشرعي، أو بمعنى آخر بين النظرية والتطبيق. فكيف يمكن تفسير ما ذهب إليه بعض العلماء من تشريع للجهاد الأفغاني والشيشاني، في مرحلة ما، ثم نبذه في مراحل لاحقة فضلا عن إنكاره في العراق؟ فهل تغيرت المصادر والمرجعيات؟ وإلا فبأية مشروعية جاهدوا ونزّلوا الحكم؟ وبأية مشروعة نقضوا ما سبق وأجمعوا عليه؟ وبأية مشروعية يكون الجهاد في مكان ما ولحظة ما من الزمن مشروعا؟ وبأية مرجعية يكون "قذارة" أو قتالا في سبيل الطاغوت؟ وفي ضوء هذا الفهم أيضا، وعبر المنهج والعقيدة، يمكن بسهولة ملاحظة ذات الإشكاليات والاختلافات بين السلفية الجهادية والجماعات الأخرى.
فقد تمتعت جماعة الإخوان المسلمين، في بداية النشأة، بنهج سليم فيما يتصل بالدعوة إلى حاكمية الشريعة
والسعي لإقامة الخلافة الإسلامية، لكنهم، فيما بعد، "أرجؤوا"[12]، وصار لهم اجتهادات وتأويلات تبرر وتشرِّع لمفاهيم الديمقراطية والشرعية الدولية والقوانين والعمل بموجب الدساتير الوضعية، فشاركوا في الانتخابات ومجالس النواب وأعلنوا "احترامهم" للقوانين والمعاهدات وما شابهها، وتبرؤوا حتى من هدف إقامة الدولة الإسلامية ناهيك عن اللبس الذي يرافق شعار "الإسلام هو الحل" وما إذا كان ما يزال صالحا للعرض أم لا؟ ورغم أن الجماعة هي الأقرب للسلفية الجهادية، بالنظر إلى تاريخها وخروج الكثير من العلماء وقادة الجهاد العالمي من رحمها أمثال سيد قطب وعبد الله عزام، إلا أنها تبدو اليوم أقرب إلى كونها جماعة اقتصادية كبرى تنشط في تنمية الرأسمال ومصادره أكثر بكثير مما هي جماعة دينية، ولا شك أن هذا التوجه دفع الجماعة إلى البحث عن الاستقرار والأمن وتدعيمه كي يتسنى لها الاستثمار في السوق وتنمية مواردها عبر بناء الجمعيات والمؤسسات والمصانع والدخول في الصفقات التجارية والمالية وسائر النشاطات الاقتصادية، وفي هذا السياق بالضبط يجري توصيف الجماعة من قبل السلفية الجهادية باعتبارها إحدى أدوات ومنتجات سايكس – بيكو. إذ لا فرق بينها وبين أي حزب أو مؤسسة أو جماعة، وهو ما يفسر أغلب مواقفها السياسية وتحالفاتها، ولأنها لا يمكن أن تكون معادية، فهي إما مشاركة في السلطة أو حليفة لها أو ساعية إليها بقطع النظر عن هويتها سواء كانت محلية أو قوة احتلال أجنبية كما هو الحال في العراق وأفغانستان.
إذن فالجماعة على مستوى المنهج لم يعد الجهاد حتى إحدى وسائل التغيير لديها، بل أنها بتوجهاتها الجديدة، الباحثة عن الأمن والاستقرار، يبدو من غير المنطقي مطالبتها بإعلان الجهاد أو دعم السلفية في جهادها على الأقل ضد "طواغيت العجم"، بل أن التصريحات "الشخصية" لمرشد الجماعة محمد مهدي عاكف من الجرأة بحيث تصل إلى حد إنكار وجود القاعدة: "أنا شخصيا لا اعتقد أن هناك تنظيم القاعدة" واعتبار الفكر السلفي الجهادي: "فكر منحرف يسري بين شباب الأمة بتحريض من العدو الصهيوني والأمريكي وتصرفاته ضد العرب والمسلمين"[13]، والأكيد أن مثل هذه التصريحات منسجمة إلى حد بعيد مع توجهات الجماعة، ولو كان الأمر غير ذلك لتوجب على المرشد العام والجماعة أن يردا على تساؤلات رموز السلفية الجهادية التي باتت تدرك أن توجيه الخطاب للقواعد أجدى من توجيهه إلى قيادات "تخلت عن الحاكمية" وأخرى "باعت دينها"[14].
أما حزب التحرير الرديف المحتمل للسلفية الجهادية بوصفه حركة عالمية، فلا يقل وضعه حرجا عن غيره من الجماعات بنظر السلفية. فهو حزب سياسي أكثر منه جماعة إسلامية، وهو يشكو تاريخيا من غياب العلماء وطلبة العلم، بل أنه لا يهتم لا بالعلم ولا بالعلماء، وبالتالي فتراثه المعرفي أو الفقهي يكاد يكون موقوفا على مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني، وهي مسألة تضع عقيدة الحزب برمتها تحت المساءلة ليس فقط من قِبَل السلفية الجهادية بل ومن أية جماعة جهادية أو حركة مقاومة وطنية، أما من حيث المنهج فالجهاد موقوف عنده على ظهور الخليفة بما يشبه انتظار المهدي المنتظر حتى في أحلك الظروف سواء تعرضت البلاد لاحتلال مباشر أو حكم مستبد[15]، وهذا يعني تعطيلا تاما للجهاد سواء حضرت السلفية أو غابت، والغريب في الحزب أنه يحتجب عن ساحات الإعلام طويلا ثم يظهر فجأة عبر حشود بشرية مفاجئة[16] كمن يغيب دهرا ويحضر شهرا.
ومع ذلك فالمسافة بينه وبين السلفية الجهادية ليست صوفية الطابع، فهو يلتقي معها، نظريا، في مسألة إقامة الخلافة والحاكمية إلا أنه يبتعد عنها واقعيا في إعلان الجهاد، ولا شك أن وقائع التصدعات في الحزب تشابه إلى حد كبير مثيلاتها لدى الإخوان المسلمين. فمنذ نشأته كانت له صولات وجولات في عديد الدول العربية أملا في تحقيق انقلاب ما يتيح له إعلان الدولة والخلافة لينطلق في مجاهدة "الكفار"، وكانت أبرز محاولاته في الأردن والعراق ومصر وتونس ثم توقف بعد حرب العام 1967، والآن ينشط في دول آسيا الوسطى خاصة في وادي فرغانه، والسؤال: هل يخرج الحزب من عزلته؟ أم سيشهد تصدعات على خلفية مواقفه كما حدث في حالة عمر بكري، الذي قاد الحزب في بريطانيا حتى عام 1996 ثم انشق عنه ليؤسس ما عرف بجماعة المهاجرين ذات التوجه المناصر للجهاد العالمي؟
وإذا كانت الصوفية موقوفة على مظاهر الشرك والبدع والضلالات مما لا يخفى على أحد، وهذه لا تنفع السلفية الجهادية لا بالسياسة ولا بالجهاد، فالأمر، منهجا وعقيدة، أبعد ما يكون عن تمني السلفية ِلأنْ يكون لمثل هذه الجماعة دور يذكر في شأن الأمة إنْ لم تكن، أصلا، خارج حسابات الإسلام والمسلمين.
لكن فيما يتعلق بجماعة الدعوة والتبليغ ذات النشأة الآسيوية (الهند وباكستان) فالمسألة فيها نظر[17]. فقد قيل الكثير في الجماعة إنْ سلبا أو إيجابا، وعلى كل مستوى بدء من نشأتها الصوفية مرورا بنقد فتاواها ومناهجها وعقائدها رغم تنوعها واختلافها من بلد لآخر وانتهاء بـ "جهودهم الدعوية الحسنة". أما منهج الجماعة، التي يصفها البعض بالعزلة عن العالم، فهو سلمي تجاه كافة المكونات الاجتماعية والسياسية، فلا هي تهاجم السلطة ولا تدخل في أية صراعات سياسية أو حزبية، بل هي ممن ينأى بدعوته عن السياسة بفصلها الدين عنه وعن الدولة، الأمر الذي يعرِّض دعوتها للطعن خاصة وأن الإسلام هو "دين ودولة" ولا يجوز "تبعيضه"، وهي بهذا أقرب ما تكون إلى "التوحيد الاجتماعي" من قربها إلى "التوحيد السياسي". والحقيقة أن أكثر الطعون الموجهة لها تقع في مسألة التوحيد وما يسميه البعض بـ "الخروج" عند الجماعة ذلك المصطلح الذي جعلت منه "الركن الأساسي الذي لا تصح الدعوة دون القيام به" بينما "الخروج" عند السلفية الجهادية هو تعبير مرادف للجهاد[18] وفق النص القرآني. ولعل السبب في ذلك نشأتها الصوفية، لكن مصدر الطعون بالدرجة الأساس تمس الجماعة من حيث الجهل في طلب العلم الشرعي وتركها للفقه، فرغم أنها تدعو إلى طلب العلم وأخذه عن العلماء[19] إلا أنها غالبا ما توصف بالجهل كلما رأت في العلم "طاغوتا" وكلما تمسكت أكثر بكتاب "رياض الصالحين" كواحد من أهم المراجع الذي "يتداوله الأعضاء كل يوم خميس حتى يتوفاهم الله" على ذمة أحدهم.
في المحصلة لا وجود لسياسة شرعية أو غير شرعية عند الجماعة، وبالتالي لا جود لأي تراث جهادي لا في عقائدها ولا في مناهجها، فضلا عن أن الصفات الست[20] التي تعمل بموجبها لإصلاح الناس أُنكرت من قبل العلماء لا من حيث الطعن بمحتواها بل من حيث النقص في تعبيرها عن شقي التوحيد. والثابت عن الجماعة أنها لم تزعم يوما أنها تمثل الإسلام أو المسلمين، ولأن كل ما تفعله هو"الهداية"، فليس للجماعة أية نوازع أو طموحات تذكر في العمل السياسي وغيره، وحتى النشاط الدعوي الذي تمارسه يلخصه البعض بعبارات لا تخلو من دلالة وهو يرى أن الجماعة تستطيع إدخال الشبان إلى المساجد لكنها قلما تستطيع الاحتفاظ بهم، ومثل هذا الوضع يجعل من الجماعة غير المحصنة سياسيا أو عقديا أو أيديولوجيا أو تنظيميا وجبة دسمة يسهل افتراسها أمنيا.
لكن ما لا تستطيع أية جماعة أن تجاريهم فيه، ويشهد لهم فيه العامة والخاصة، هو تمتعهم بأخلاق رفيعة وأدب جم* واستهدافهم، في دعوتهم، العامة من الناس، فيخرِّجون شبانا على الفطرة ليسوا مؤدلجين ولا هم حزبيين ولا منتمين لأي فكر إسلامي، وهو أفضل ما يخدم السلفية الجهادية التي تبحث عن أنصار ومتطوعين لم تلوثهم الأيديولوجيات العلمانية و "ثقافة سايكس – بيكو". وهنا بالضبط يمكن أن نفهم لماذا تبدو الجماعة في غزة، مثلا، منأقرب الجماعات إلى السلفية الجهادية، ولماذا التحق المئات منهم بساحات الجهاد العالمي. وفي هذا السياق لما سئل خطاب قائد المجاهدين العرب في الشيشان من قبل إبراهيم الداغستاني عضو جماعة التبليع عن رأيه في الجماعة أجاب: "إن الجهاد والدعوة جناحان لطائر واحد"[21]، وهي إجابة كافية ليطير بها "الداغستاني" فرحا إلى بلاده وجماعته كي ينشط في تصدير عشرات الشبان منها إلى الجهاد الشيشاني. أما الشيخ عبد الله عزام فكانت شهادته عن أخلاق الجماعة تزكية غير مسبوقة وهو يقول: "رأيت أحسن المجاهدين أخلاقاً الذين كانوا قبل جهادهم في جماعة التبليغ"[22].
إلى هنا يمكن القول أن الجماعة التي يراها البعض "صوفية بثوب جديد" وهي تفترض على العضو المبايع أن يدلي بقَسَم يمتنع بموجبه عن الاشتغال بالسياسة الشرعية بما يصل إلى درجة التحريم، ليست سيئة بالنسبة للسلفية الجهادية كما هو الحال تجاه أغلب رموز السلفية العلمية ناهيك عن الكثير من الفرق كالمدخلية والجامية.

[1] قارن مع تصريحات محمد مهدي عاكف مهدي عاكف، منتدى حوار موقع الـ BBC: "مرشد جماعة الإخوان المسلمين مهدي عاكف يرد على أسئلتكم "، شباط / فبراير 2007.

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/talking_point/newsid_6370000/6370217.stm.



[2] أطرف ما قيل في مايكل شوير رئيس الوحدة المكلفة بملف أسامة بن لادن في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، حين كان يمازحه أصدقائه: "لعل شيطان أسامة قد ركبك!"، ذلك أن الرجل أدرك بعضا من عقل أسامة وخطاب السلفية وبات يتحدث بلغتها، ومع ذلك فقد فشل في القبض على غريمه وتم حل الوحدة وإقالته من منصبه.

[3] لاحظ ردود الفعل العنيفة على خطاب بن لادن لـ: "أهل العراق - 23/10/2007 " وكيف تعرضت قناة الجزيرة إلى نقد مرير وإعلان حرب عليها بسبب ما اعتبرته السلفية الجهادية تلبيسا للخطاب وتحويرا له عن مقاصده وإغفالا للقضايا الأخرى حين ركزت ومعلقيها على ما اعتبرته انتقاد بن لادن لأخطاء القاعدة في العراق بينما النقد وجه لجميع الجماعات وحتى الأفراد وعلى الخصوص منهم القاعدة باعتبار بن لادن زعيما لها. راجع: رد مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية للقاعدة والصادر عن مركز الفجر للإعلام (23/10/2007)، وكذلك الهجمة التي قادها العضو "محب الإرهاب" نائب المشرف العام على شبكة الإخلاص، وكذا انتقادات د. أيمن الظواهري لأداء الجزيرة الانتقائي تجاه خطابات القاعدة في لقائه الرابع مع مؤسسة السحاب (17/12/2007).

[4] في الدراسة موضع النظر سنعتمد مصطلح "السلفية الجهادية" إجرائيا بديلا عن أية مصطلحات أخرى لسلاسة المفهموم وشيوعه وسهولة استعماله في البحث.

[5] حتى سقوط كابول بيد المجاهدين الأفغان سنة 1991 كان عدد المتطوعين العرب القادمين من السعودية قد بلغ قرابة الـ 20 ألف متطوع. راجع: أبو مصعب السوري (عمر عبد الحكيم)، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، طبعة ذي القعدة 1425هـ/ ديسمبر 2004م، ص 896. واستشهد من المتطوعين العرب 1000 مقاتل من العدد الإجمالي خلال المرحلة الأولى من الجهاد الأفغاني.

[6] أنظر رأي الشيخ عطية الله، لقاء خاص مع مركز اليقين، وبحسب المركز فقد [أنجز اللقاء عبر المراسلة في العشر الأواخر من جمادى الأولى 1428 هـ/ يونيو2007 م]، وكذلك حوار أجرته صحيفة الأيام (12/1/2007) مع "أحد القادة البارزين لجيش الأمة في قطاع غزة"، منشور على موقع الجيش:

http://www.al-amanh.net/arabic/modules.php?name=News&file=article&sid=32


[7] حوار مع الشيخ أبي محمد المقدسي أجراه معه مندوب مجلة العصر الإلكترونية وصحيفة المرآة، 1423هـ، وبحسب منبر التوحيد والجهاد فقد "نشر أجزاء من هذا الحوار في مجلة المرآة في الأردن ونشر في مجلة العصر الإلكترونيةثم سحب بعد دقائق!!". على الشبكة: http://www.tawhed.ws/r?i=83&a=p&PHPSESSID=6e7cd3991ebce2b89175bbbacb81c a16

[8] نفس المصدر.

[9] نفس المصدر.

[10] في الحقيقة ثمة بعض المحاولات كالتي قام بها أبو مصعب السوري، وحتى هذه اعتذر فيها عن التأريخ لتجربة القاعدة في مرحلتي الجهاد الأفغاني. ومما يلفت الانتباه أن الكثير من الأسئلة التي وجهت للظواهري في اللقاء المفتوح الذي أعلن عن تنظيمه مؤسسة السحاب بالتنسيق مع مركز الفجر التابعين لقاعدة الجهاد (16/12/2007) عبر أربع شبكات جهادية تتولى تلقي الأسئلة هي: "الحسبة والإخلاص والفردوس والبراق" تساءل أصحابها عن غياب التأريخ للتجارب الجهادية.

[11] صدر شريط مرئي (17/11/2007) مدته أقل من دقيقتين عن "أنصار المجاهدين" يعرِّف بجماعة جهادية في جزر المالديف على وشك الظهور.

[12] واقع الأمر أن الإخوان لم يفلتوا من خطابات أي من رموز السلفية الجهادية ابتداء من أسامة بن لادن والظواهري وأبو الليث الليبي وأبو يحيى الليبي وعطية الله مرورا بأبي عمر البغدادي وانتهاء بأبي حمزة المهاجر الذي وصفهم، في أحد خطاباته، بذوي"التاريخ النكد" وتعميمهم لـ "منهج الإرجاء" على نطاق الأمة. لكن مع ذلك يمكن استثناء حركة حماس الفلسطينية بوصفها حركة جهادية مع أن قيادتها لم تسلم من النقد الشديد الذي طالها من كافة رموز الجهاد العالمي على خلفية مشاركتها في العمل السياسي بموجب إفرازات اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل سنة 1994 فضلا عن مواقف قيادتاها وتحالفاتها السياسية على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي.

[13] محمد مهدي عاكف، منتدى الـ BBC، مصدر سابق.

[14] التخلي عن الحاكمية وردت في أغلب خطابات ولقاءات د. أيمن الظواهري، أما بالنسبة للشيخ أسامة فأول نقد وجهه لقيادة حركة حماس ورد في خطابه"السبيل لإحباط المؤامرات"، شريط صوتي، مؤسسة السحاب، 29/12/2007.

[15] لا أظن أن هناك حاجة لإثبات توجها الحزب في فلسطين كمثال لشعب واقع تحت الاحتلال أو أوزباكستان كمثال لنظام حكم مستبد تمتلئ سجونه بعشرات الآلاف من أعضاء الحزب دون أن يكون له موقف إلا انتظار الخليفة ليعلن الجهاد. حبذا لو تمت مراجعة مقالة أبو بصير الطرطوسي: "حزب التحرير وسياسة تسمين الخراف" عن مواقف الحزب من الجهاد عامة وموقفه من نظام حكم الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف خاصة إثر أحداث أنديجان (13/5/2005) التي ذهب ضحيتها مئات القتلى، واتهم النظام حزب التحرير الأوزبكي بالوقوف وراءها. على الشبكة:

http://www.tawhed.ws/r?i=3557&PHPSESSID=6e7cd3991ebce2b89175bbbacb81ca1 6


[16] في مسيرات ذكرى انهيار الخلافة، مرة في رام الله (12/2/2007) ومرة في أندونيسيا (12/8/2007).

[17]بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأوروبية فالجماعة "تشجع أتباعها على انتهاج "الإرهاب"، لكنهم أقروا في الوقت نفسه بعدم وجود أدلة على ذلك"، وبحسب مسؤول استخبارات فرنسي فالجماعة:"تعد أرضاً خصبة لنشر الإرهاب"، ونقلا عن صحيفة "نيويوك تايمز - 28/4/2005" فإن: "عدة إرهابيين خرجوا من تحت عباءة هذه الجماعة" من بينهم زكريا الموسوي أحد المتهمين بصلته في هجمات 11 سبتمبر. راجع: فكري عابدين، "أوروبا تفتح النار على "التبليغ والدعوة"، نقلا عن موقع "إسلام أن لاين":http://www.islamonline.net/Arabic/news/2005-04/28/article08.shtml

[18] {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} التوبة46 ... لهذا يتهمها أغلب العلماء بالبدع والشطط في فتاواها كموقفها من الجهاد مثلا.

[19] لمزيد من الاطلاع على عقائدها، يفضل تفحص موقع الجماعة على الشبكة: http://binatiih.com/go/.

[20] الصفات الست هي: (1) تحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله (2) الصلاة ذات الخشوع والخضوع (3) العلم مع الذكر (4) إكرام المسلمين (5) إخلاص النية (6) الدعوة إلى الله والخروج في سبيله.

* من المثير حقا أن لجماعة الدعوة ما يشبه منظومة "إيتيكيت" بالغة اللطف وهي تتجلى في سلوك الأعضاء خلال زياراتهم للمرضى أو حين تجولهم في الحارات وطرق أبواب البيوت ودعوتهم الشبان لحضور دروس "الهداية" والنصح والإرشاد في المساجد.

[21] أبو عبيدة المقدسي، شهداء في زمن الغربة، ص 18.

[22] نفس المصدر، ص49.
__________________
  #3  
قديم 31-12-2011, 11:04 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

المحور الثالث: المجاميع الجهادية الكبرى في العراق
يمكن لأي كان من المراقبين أو الباحثين أن يجادل في الشأن العراقي إلا في سرعة تفجر المقاومة السنية ضد القوات الأمريكية وحلفائها بعيد أيام قليلة من سقوط بغداد، ومع أن التكوين الديمغرافي في العراق خليط طائفي وإثني مرعب بما يكفي ليجعله مرشحا، بامتياز، في مثل هذه الحالات إلى انقسامات شديدة إلا أن الساحة العراقية شهدت ولادة العديد من الجماعات المسلحة التي اتخذت من الجهاد، وليس المقاومة، طابعا مميزا لها، ومن العقيدة مرجعية لفعالياتها السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية.
وإذا ما تجاوزنا الحركات السياسية وجماعات المقاومة الوطنية كونها ليست من اهتمامات الدراسة، فمن الممكن أيضا لأي كان أن يجادل في الأطر المرجعية للجماعات الجهادية ابتداء من الإخوان المسلمين ومرورا بالسرورية وانتهاء بالسلفية الجهادية[1].
لكن ما لا يمكن الجدال فيه أن أغلب الجماعات الجهادية انتظمت منذ منتصف العام 2007 في أطر جبهوية
تعكس إلى حد ما تقاربا سياسيا أو أيديولوجيا أو عقديا فيما بينها، على أنه من المهم الإشارة إلى أن التحالف الجبهوي بين بعض الجماعات لا يعني اندماجا فيما بينها بحيث تؤول إلى أمير واحد وقيادات عسكرية وأمنية وإعلامية واحدة. ولم يصدر عن أية جماعة بيان يشير إلى اندماجها مع أخرى، وما نلاحظه حتى الآن هو احتفاظ كل جماعة بأميرها وقيادتها ومقاتليها وإمكانياتها مستقلة عن الأخرى، وكل ما هنالك، فقط، تحالف جبهوي يقتصر الإعلان عنه عبر بيان إعلامي وبرنامج سياسي وناطق رسمي باسم الجبهة المشَكَّلة. أما العلميات العسكرية والإصدارات الإعلامية فغالبا ما تعلن عنها الجماعة باسمها وعبر مواقعها إنْ وجدت. فمن هي القوى المعنية؟
أولا: جبهة الجهاد والإصلاح
ضمت الجبهة حين تشكيلها (2/5/2007) كل من الجيش الإسلامي في العراق وجيش المجاهدين وجماعةأنصار السنة (الهيئة الشرعية)[2]. وإثر ذلك بدأت البيانات تتوالى عن انضمامات أخرى وتحالفات جديدة تبعها انسحابات وانشقاقات سواء عن الجبهة أو عن الجيش الإسلامي.
· فقد أعلن جيش الفاتحين في بيان مقتضب (29/5/2007) انضمامه للجبهة ثم ما لبث أن انسحب منها في 1/1/2008 في بيان صدر عن مكتب الإمارة للجيش قال فيه: "... تبين لنا أن هذا المشروع لن يحقق لنا هدفنا المنشود بسببما وجدنا من اختلاف بين الواقع في الساحة الجهادية وبين ما تم الاتفاق عليه من منهج وثوابت في الجبهة... فنحسب أنفسنا اجتهدنا فيدخول هذا المشروع وقد أخطأنا الاجتهاد".
· في 18/7/2007 بثت قناة الجزيرة نبأ انشقاق جماعة من الجيش أسمت نفسها بـ: "جيش الفرقان". وكان من الممكن أن يمر الخبر مرور الكرام لولا أن توقف المراقبون عند أسباب الانشقاق من"فتن صاغها المحتل وأعوانه وأخرى هي من عند أنفسنا" مبينا إياها بـ (1) "استعجال قطف الثمرة ... " و (2) "انحراف البعض عن المنهج النبوي ... "، وعليه "نعلن انفصالنا منالجيش الإسلامي...".
· وفي 28/7/2007 صدر بيان آخر عن جبهة الجهاد والإصلاح رحبت فيه بانضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى الجبهة. والطريف أن البيان لم يصدر عن الجماعة كما هي حال البيانات الأخرى. والأطرف أن اسمها سقط من بيان إعلان تشكيل المجلس السياسي للمقاومة لاحقا.
· في11/10/2007 أٌعلن عن تأسيس المجلس السياسي للمقاومة العراقية الذي يضم جبهة الجهاد والإصلاح بفصائلها الأربعة (الجيش الإسلامي، جيش المجاهدين، جماعة أنصار السنة - الهيئة الشرعية وجيش الفاتحين) مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس – العراق) والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع).
ثانيا: أجنحة الإخوان المسلمين
هي أكثر جماعة في العراق متشظية من حيث الموقف السياسي من الاحتلال الأمريكي وما تمخض عنه من عملية سياسية مبررة عند هذا ومرفوضة عند ذاك، وبصيغها الكائنة فهي أقرب إلى أن تكون تيارات من كونها جماعة كما هو حالها في بلدان أخرى[3]. ومن الصعب جدا ضبط الموقف السياسي لأجنحة الجماعة أو من يدور في فلكها، فهناك بعض المواقف الصريحة والواضحة مثلما هناك غموض يلف أغلب النشاطات السياسية والأمنية وحتى العسكرية منها. وأشهر أجنحتها:
· الحزب الإسلامي
الراجح أنه الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في العراق، ويتزعمه الآن د. طارق الهاشمي الذي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في حكومة نوري المالكي. وكباقي أحزاب المعارضة العراقية شارك في مؤتمرات لندن وصلاح الدين قبل غزو العراق، وبعد الاحتلال شارك أمينه العام السابق د. محسن عبد الحميد في عضوية مجلس الحكم تحت ولاية بول برايمر الذي نصبته الولايات المتحدة حاكما مدنيا للعراق بعد سقوط بغداد. وفيما بعد خاض الحزب الانتخابات النيابية بالتحالف مع جبهة التوافق السنية. والحقيقة أن تصريحات الهاشمي غنية عن التعريف حتى أنه ما من قوة جهادية إلا وأدانت تحالفاته وسياساته.
فهو من وافق على الدستور وشرّع لحكومة المالكي الموصوفة بالطائفية وطالب بعدم انسحاب القوات الأمريكية وعقد معاهدات طويلة الأمد معها وشارك في اجتماع الخمسة الكبار الذي أدانته الجماعات الجهادية وهيئة علماء المسلمين وأعلن حربا شرسة على القاعدة؛ فساهم في تشكيل الصحوات ودعمها وطالب بتسليحها وأسس كتائب الحمزة التي هاجمت القاعدة في أكثر من موضع خاصة في القائم ومناطق أبو غريب ودعم مجلس إنقاذ الأنبار وغيره واختراقه لكتائب ثورة العشرين والتسبب بانقسامها.
ومن الملفت أن ملف الحزب الإسلامي لدى هيئة علماء المسلمين وحدها أطول منه لدى الجماعات الجهادية ذاتها. وثمة فرضيتين على طرفي نقيض تتوجهان إلى الحزب، الأولى: ترى فيه أداة من أدوات السياسة الأمريكية أشد خطرا على السنة من الاحتلال الأمريكي ذاته وتحشد من الأدلة والوثائق والشهادات والتصريحات ما لا تتسع لذكره هذه الصفحات. والثانية: تسعى إلى تبرئة الحزب عبر تنزيل نشاطاته في باب الاجتهاد، وعليه فقد يصيب وقد يخطئ.
· جماعتي "حماس – العراق" و "جامع"
ظهرت حماس العراقية على أنقاض كتائب ثورة العشرين في بيان رسمي صدر بتاريخ 9آذار2007وأعلن عنه في26من الشهر نفسه. ووفقا للتاريخ الأول فقد ورد فيما أسمي ببيان الانفصال أن: "المعنيون في قيادة كتائب ثورة العشرين المجاهدة (التقوا) للتداول في الظروف التي تمربها الحركة, وبعد نقاش وتشاور مستفيض توصلوا الى القراراتالآتية: 1- الفصل التام بين التشكيلين اللذين تم الاتفاق على إنشائهما تحتاسمي ( فيلق الجهاد الإسلامي) و( فيلق الفتح الإسلامي).2 - اتفق الطرفان على عدماستخدام اسم (كتائب ثورة العشرين) منفصلا عن اسم الفيلق بحيث تكون الصيغة المستخدمةهي (كتائب ثورة العشرين؛ فيلق)". ويتحدث البيان عن أنه: "يحق لكل فيلق التنسيق والتحالف والاندماجوتغيير الاسم مع أي فصيل آخر عامل في الساحة"، وعن"7 - التزام كل طرف بعدم محاولةالتأثير على الطرف الآخر، والسماح بالعمل لكل فيلق بعملية استحداث عمل جديد في أيقاطع من القواطع"، وعن "8 - تشكيل لجنة مشتركة لحل الإشكالات المتوقعة".
لكن في البيان الأول الذي صدر بتاريخ 26/3/2007 أعلن فيلق الفتح الإسلامي عن تغيير اسمه إلى "حركة المقاومة الإسلامية: حماسالعراق" فما كان من فيلق الجهاد إلا العودة إلى الاسم الأصلي وهو "كتائب ثورة
العشرين"[4].
في وقت لاحق أصدرت الجماعتان (حماس وجامع) بيانا بتاريخ 30/4/2007 قالتا فيه: "... اجتمعت قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس- العراق) مع قيادةالجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)، خلال اليوميين الماضيين، وبعد مشاوراتومداولات مطولة توصلت القيادتان - بفضل الله تعالى- إلى النتائج والتوصياتالآتية:
-1 كتابة مشروع يهدف إلى اندماج الحركتين اندماجا كليا على المستوىالعسكري والسياسي.
-2 أن يعرض هذا المشروع على الجهات المختصة في الحركتين لوضعالآليات التفصيلية لتنفيذ هذا الاتفاق".
ورغم وجود تنسيق ميداني وسياسي بين الجماعتين إلا أننا لم نقع على صدور بيان مشروع الاندماج المنتظر. وكل ما حصل هو الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي للمقاومة الذي ضم الجماعتين وجبهة الجهاد والإصلاح في إطار سياسي موحد كما بشر به د. أحمد سعيد الحامد عضو المكتب السياسي لحماس العراق في
وقت سابق[5].
أما فيما يتعلق بنسبة الجماعتين للحزب الإسلامي كما تعتقد تيارات السلفية الجهادية فهناك من يعتبر أن أجندتهما مختلفة عنه وإن كانت مرجعيتهما واحدة، ومن جهته يرى "الحامد" في رده على أسئلة الملتقى: "أن ما اختاره الحزب الإسلامي لنفسه كمنهج يخالف الموقف الصحيح الذي كانعليه أن يقفه؛ فالمحتل أينما كان وكيفما كان لابد له من مقاومة تقارعه، لكن معهذا فهم ليس كمن جاء على دبابة المحتل وساهم في الحكومات والعمليات السياسية فنقول:هم اجتهدوا باجتهاد نراه خاطئاً، وبذلك يكون اختلافنا معهم اختلاف تضاد لا تنوع".
والثابت أن شبهات قوية حامت حول دور الجماعتين في معارك ديالى خاصة فيما يتعلق بحماس، وتكررت التصريحات الأمريكية عديد المرات وهي تزعم أن كتائب العشرين تقاتل إلى جانب الأمريكيين لطرد القاعدة من ديالى، ولأن التصريحات مست الكتائب أكثر من مرة فقد اضطرت إلى إصدار أكثر من بيان نفي وتهديد مشيرة إلى أن الكتائب ليس لديها أي وجود عسكري في ديالى بخلاف حماس العراق، وعلى خلفية ضلوع عدي البهرزاوي في علاقات أمنية مع القوات الأمريكية بهدف محاربة القاعدة في بعقوبة، واستعماله اسم الكتائب بدلا من حماس العراق، انفجرت حرب بيانات مضادة بين الجماعتين لعلها لم تتوقف بعد[6].
وإذا كنا لا نجد صعوبة في علاقة الحزب الإسلامي وجبهة التوافق بقوات الاحتلال الأمريكي والمشاركة في الحكومة العراقية، إلا أننا كثيرا ما نقع على اتهامات خاصة فيما يتعلق بضلوع حماس العراق في: (1) محاربة القاعدة رفقة القوات الأمريكية أو (2) المساهمة في تشكيل الصحوات ومجالس الإسناد والمشاركة فيها، وهي المدعومة من قبل الأمريكيين والحكومة العراقية، ومن هذه الاتهامات خاصة تلك التي عبرت عنها تصريحات د. بشار الفيضي، الناطق باسم هيئة علماء المسلمين لقناة الجزيرة[7]، والتي تتهم، بالإشارة، حماس العراق بالتعاون مع الأمريكيين، أما "جامع" فقد صرح الناطق الرسمي بهاالدكتور سيف الدين محمود (وكالة قدس برس – 3/1/2008): "إن مجالس الصحوة نابعة من العشائر العراقية، وهدفها المعلن هو خدمة المناطق التيقامت فيها ومنع أي نشاط فيه ضرر للناس،وعليها أن تبقى ضمن هذا المسار"[8]، وهو تصريح على النقيض مما يصرح به مشايخ هيئة علماء المسلمين وجبهة الجهاد والتغيير وجيش المجاهدين وكافة الجماعات السلفية حول كون الصحوات مشروعا أمريكيا لا هدف لها إلا ضرب المشروع الجهادي، فعن أية خدمات بالضبط تتحدث جامع والقوات الأمريكية هي من يقرر تشكيلها وتعقد معها اتفاقيات رسمية تحدد لها شروط عملها ومناطق تحركها وهي مزينة بالأوشحة الفسفورية لمنع استهدافها من القوات الأمريكية؟
ثالثا: جبهة الجهاد والتغيير
بعد الإعلان عن جبهة الجهاد والإصلاح والبيان المشترك بين جامع وحماس حول مشروع الاندماج المقترح أعلنت ثمانية جماعات جهادية عن تحالف جبهوي جديد (6/9/2007) أسمته "جبهة الجهاد والتغيير" التي ضمت كل من: كتائب ثورة العشرين وجيش الراشدين وجيش المسلمين في العراق والحركة الإسلامية لمجاهدي العراق وسرايا جند الرحمن وسرايا الدعوة والرباط وكتائب التمكين وكتائب محمد الفاتح وأخيرا (20/1/2008) انضمامجيش التابعين.
ولعل الطابع السلفي الجهادي هو الغالب على الجماعات المشاركة في الجبهة إلا أنها ليست ذات صبغة عالمية، إذ أن أكثرها حضورا على الساحة الجهادية (الكتائب) يؤمن بإقامة دولة إسلامية وتحكيم الشرع والذود عن الإسلام لكنها تؤمن أيضا بالمرحلية، وتصر على أنها في وضعية جهاد الدفع وليس جهاد الطلب، وبالتالي فهدفها الأول هو تحرير العراق. وتبعا لذلك فهي أبعد ما تكون عن السلفية الجهادية اجتهادا وطموحا وأقرب ما تكون إليها في المشروع الجهادي، وإذا كانت ترفض رفضا قاطعا الاحتلال أو مهادنته أو التفاهم معه فهي كذلك ترفض إسباغ الشرعية كليا أو جزئيا أو المشاركة بأي من الأطر السياسية والعسكرية والأمنية التي تمخضت عن الاحتلال من حكومة وبرلمان وجيش وشرطة وسياسات ومؤسسات وما إلى ذلك.
وفي وسائل الإعلام والمراقبين غالبا ما يصنفونها، بالنظر إلى مواقفها وسياساتها، قريبا من هيئة علماء المسلمين باعتبار هذه الأخيرة مرجعيتها الشرعية، وهو تصنيف ينبعث من المواءمة بين الأطروحة الوطنية والأطروحة الدينية. وفيما عدا الخلافات التقليدية بين الكتائب ودولة العراق الإسلامية من جهة وبين الاثنتين وحماس العراق تبدو كتائب العشرين خاصة والجبهة عامة قانعة بدورها وسياساتها بعيدا عن أية صراعات سياسية أو مسلحة مع بقية المجاميع الجهادية لكن، كغيرها، متأملة وحدة الجماعات الجهادية.
__________________
  #4  
قديم 31-12-2011, 11:04 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

رابعا: هيئة علماء المسلمين
تأسست في 14/4/2003 بعيد سقوط بغداد مباشرة، وضمت في عضويتها مئات العلماء العراقيين برئاسة الدكتور حارث الضاري. وينظر إليها على أنها الجناح الشرعي للإخوان المسلمين، والأرجح أنها خليط من شتى الاتجاهات، وتوجهاتها السياسية والعقدية والفكرية أبعد ما تكون عن الإخوان المسلمين. وعمليا فإن نشاطاتها السياسية ومعارضتها الشديدة للاحتلال وللعملية السياسية ومناصرتها للمشروع الجهادي بكافة أطيافه مثّل انعكاسا جليا لفتاواها الشرعية. وتبعا لذلك فهي على النقيض تماما من الحزب الإسلامي بزعامة طارق الهاشمي أو من جبهة التوافق العراقية وكافة الأجنحة التي تدور في فلك الجماعة كحماس العراق وجامع، حيث تنظر، بعين الريبة، إلى نشاطاتهما السياسية وتحالفاتهما مع الحكومة العراقية ودورهما في تأسيس ما يعرف بالصحوات العشائرية أو مجالس الإنقاذ أو الإسناد في بعض المدن العراقية[9].
وفيما يتعلق بموقفها من القاعدة فعلى الرغم من الانتقادات التي توجهها لها بين الحين والآخر بسبب ما تراه أخطاء وقعت بها القاعدة والخشية من تقسيم العراق على خلفية إعلان دولة العراق الإسلامية إلا أن الشيخ الضاري أعلن أكثر من مرة أنه لا يقبل بمقاتلة القاعدة ولن يشجع على حرب بين السنة ولن يهَب مشاريع الصحوات العشائرية أية مشروعية كونها مشروع أمريكي لضرب المشروع الجهادي بحجة محاربة القاعدة وهو ما عبر عنه الشيخ بشار الفيضي في أكثر من مناسبة، لكن تصريحه الأخير (الضاري) بأن: "90% من القاعدة هم عراقيون، وبالتالي فالقاعدة منا ونحن منهم"[10] شكل قطيعة بينه وبين أجنحة الجماعة والقوى السياسية التي دعت إلى محاربة القاعدة بحجة ما ترتكبه من أخطاء[11]. ولعل سياسته هذه لاقت ارتياحا لدى بعض العلماء الذين انتقدوا أداءه في مواضع أخرى من بينها: "انخداعه بمن أسماهم بشرفاء الشيعة
والعلمانيين الذين يعارضون الاحتلال".

المحور الرابع: السلفية الجهادية ودولة العراق الإسلامية
لا شك أن مجاميع السلفية الجهادية في العراق أكثر من عصائب العراق وأنصار الإسلام ودولة العراقالإسلامية، لكنها الوحيدة من بين المجاميع الأخرى التي لم تنتظم لا في إطار جبهوي ولا اندماجي رغم أنها الأقدم في الساحة والأوضح من حيث المنهج والعقيدة والأقرب إلى بعضها والأكثر تنسيقا ميدانيا فيما بينها. وليست الاحتكاكات النادرة، في ظروف معينة، بقادرة على أن تحول دون هذا التوصيف. لكن من هي دولة العراق الإسلامية التي توصف بكونها الأشد بأسا وقوة بين الجماعات الأخرى؟
بالنسبة للجماعات الجهادية في العراق فإن دولة العراق الإسلامية هي سليلة تنظيم القاعدة حتى لو اتخذت
من الأسماء ما اتخذت ابتداء من جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها أحمد فضيل نزال الخلايلة الشهير بـ "أبي مصعب الزرقاوي" وظهرت عقب سقوط بغداد مباشرة مرورا بـ "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بعد مبايعة الزرقاوي لتنظيم قاعدة الجهاد بزعامة أسامة بن لادن (8/1/2004) و"مجلس شورى المجاهدين - أكتوبر/تشرين الأول2005" وقبل الأخير "حلف المطيبين- 13/10/2006" وانتهاء بـ "دولة العراق الإسلامية - 15/10/2006" بزعامة أبو عمر البغدادي. وفيما يلي بعض التفصيل.
أولا: توصيف مراحل نشأة دولة العراق الإسلامية
لا شك أن الزرقاوي الذي أنشأ معسكر هيرات في أفغانستان وقاده، نسَج علاقات وثيقة جدا مع قادة القاعدة خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر لما انضمت المجاميع الجهادية العربية تحت إمرة القاعدة، ولا شك أنه احتفظ بصلاته الوثيقة هذه سواء خلال الفترة القصيرة التي مكث فيها بإيران، أو بعد احتلال العراق. والأرجح أنه ما توجه إلى العراق إلا انتظارا لمقاتلة الأمريكيين، وهو ما كان له رفقة بضعة عشرات من أوائل المقاتلين العرب الذين رافقوه أو انضموا إليه، أما الشيخ أبو أنس الشامي، أعلمهم شرعيا، فكان ممن لحق بالزرقاوي، وممن لا تنقصهم الفطنة والمبادرة. وعمليا التحق بهم الكثير من العرب الذين كانوا قد تطوعوا في الحرب لمساندة العراق فضلا عمن التحق بهم من العرب والعراقيين لاحقا عبر الحدود، وتمكنت الجماعة الأولى، قبل أن تَتَسمّ بأي اسم أو تظهر أية جماعة مقاتلة على الساحة، من إشعال حرب شعواء هاجمت خلالها القوات الأمريكية والإيطالية والبولندية ودمرت مقر الأمم المتحدة. كان هذا في المرحلة الأولى قبل أن تتوالى طلائع الجماعات الجهادية العراقية بالظهور[12].
في كتابه "الانتصار لأهل التوحيد" يعيد أبو حسين المهاجر الذي عاصر بعضا من تجربة القاعدة في العراق نشأة "التوحيد والجهاد" إلى أمرين حاسمين هما:
1) اتساع حجم الجماعة ونشاطها العسكري مما دفع أبو أنس الشامي إلى وجوب العمل على أن يكون لها أمير يقودها ويسهر على شؤون الجهاد والمجاهدين. فاستقر الرأي على اختيار أبو مصعب الزرقاوي رغم تمنعه عنها.
2) في المرحلة الثانية، استعرت الحرب، وتم تنفيذ سلسلة كبيرة من العمليات دون أن يعلن عنها أحد
الأمر الذي أفسح المجال لبعض الجماعات، حتى لو كانت وهمية أو بهدف تحقيق مكاسب معينة، كي تتقدم وتتبنى: "بعضاً منـ}ها{زوراً وبهتاناًفما كان من أبي أنس الشامي إلا المبادرة من جديد ليصرّ: "على وضع اسم للجماعة، حفاظاً على ثمرة الجهاد* ... فكان هذا الاسم جماعة التوحيد والجهاد"[13].
وحتى ذلك الحين لم يكن هذا الوضع ليرضي الزرقاوي الذي قبَِل البيعة بصعوبة بحسب أبو حسين المهاجر، فكان لا بد له من أن يؤطر بيعته في إطار يضمن للجماعة تحقيق النصرة، عبر غطاء شرعي وتنظيمي، في بيئة تتعطش آنذاك لمن ينتصر لها، وكانت هذه هي المرحلة الثالثة التي أسفرت، بعد مراسلات متبادلة بينه وبين زعماء القاعدة (الظواهري وبن لادن) على مبايعة أسامة بن لادن الذي أعلن في شهر أكتوبر 2004 عنتأسيس "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وتعيين أبو مصعب الزرقاوي أميرا لها لتبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخ السلفية الجهادية الحاسم على المستوى العربي والدولي.
هكذا مكّن الإعلان عن تأسيس القاعدة الجماعات ذات التوجه السلفي من الاطمئنان إلى سلامة التوجه وقوته فانضمت، في البداية، مجاميع قوية من أنصار السنة في قاطع سلمان باك في ديالى[14] مما دفع قادة القاعدة إلى التفكير جديا بتوسيع الساحة الجهادية وتوحيدها، وبدأت مشاورات فعلية شملت كافة الجماعات لتحقيق وحدة مبكرة، وبات الحديث يدور عن مشروع جهادي وليس مجرد مصاولة للقوى المحتلة، لكن بعض القوى الكبرى، لاجتهادات خاصة بها، نأت بنفسها عن مشروع التوحد كالجيش الإسلامي وجيش المجاهدين الذي يصفه البعض بـ "الأخ غير الشقيق" لـ "التوحيد والجهاد"، وكذلك فعلت جماعة أنصار السنة التي أوصى الزرقاوي رفاقه بأن: "أحسنوا إليهم فهم إخوانناوعصائب العراق: " فإنهم قريبون منّا"[15].
هذه هي المرحلة الرابعة التي أفرزت ولادة "مجلس شورى المجاهدين" والذي تخلى فيه الزرقاوي عن القيادة لصالح عبد الله رشيد البغدادي خاصة وأن القاعدة باتت عضوا في المجلس كسائر الأعضاء المنضوين تحت رايته، وفي البداية انضم له ستة جماعات ثم ارتفع العدد إلى ثمانية وفي مرحلة لاحقة وصل إلى اثنتي عشرة جماعة هي: "جيش الطائفة المنصورة، جيش أهل السنةوالجماعة، جماعة جند الصحابة، سرايا الجهاد الإسلامي، سرايافرسان التوحيد، سرايا ملة إبراهيم، كتائب كردستان، كتائب المرابطين، كتائب أنصار التوحيد، كتائب أنصار التوحيد والسنة، كتائب الأهوال، كتائبالغرباء (كان يقودها محارب عبدالله الجبوري)، بالإضافة إلى عدة كتائبمنجيش الفاتحين ( الشائع انضمام أربع كتائب من أصل خمسة) والجيش الإسلامي (في عدة قواطع أبرزها قاطع الأنبار ومنطقة عرب الجبور) وأنصار السنة وبعض كتائب جيش المجاهدين وثورة العشرينوعصائب العراق الجهادية".
لكن ما خططت له القاعدة في العراق كان أبعد من وحدة المجاهدين، وكما سبقت الإشارة فالحديث بدأ يدور عن مشروع جهادي. فبعد الخطاب المرئي الشهير للزرقاوي (25/4/2006) تسربت، لاحقا، مقتطفات منه لم يتضمنها وهو يحاور بعض مجالسيه حول إمكانية إعلان إمارة إسلامية في غضون ثلاثة أشهر. والحاصل أن هذا الخبر كان مقدمة لما عزمت عليه القاعدة، فقبل يومين بالضبط من "إعلان دولة العراق الإسلامية" أُعلن عن تشكيل "حلف المطيبين" حيث ظهر في الشريط المقتضب بضعة ملثمين قيل أنهم من قادة العشائر ومجلس الشورى يتعاهدون فيه على تحكيم الشريعة والانتصار للجهاد والمجاهدين في العراق. وكان الإعلان عن تأسيس الدولة تدشينا للمرحلة الخامسة من فعاليات جماعة التوحيد والجهاد وميلاد عهد الصراع السياسي وبعض الصدامات المسلحة بين القاعدة وبعض الجماعات الجهادية.
يتبع ان شاء الله
__________________
  #5  
قديم 31-12-2011, 11:22 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

رابعا: هيئة علماء المسلمين
تأسست في 14/4/2003 بعيد سقوط بغداد مباشرة، وضمت في عضويتها مئات العلماء العراقيين برئاسة الدكتور حارث الضاري. وينظر إليها على أنها الجناح الشرعي للإخوان المسلمين، والأرجح أنها خليط من شتى الاتجاهات، وتوجهاتها السياسية والعقدية والفكرية أبعد ما تكون عن الإخوان المسلمين. وعمليا فإن نشاطاتها السياسية ومعارضتها الشديدة للاحتلال وللعملية السياسية ومناصرتها للمشروع الجهادي بكافة أطيافه مثّل انعكاسا جليا لفتاواها الشرعية. وتبعا لذلك فهي على النقيض تماما من الحزب الإسلامي بزعامة طارق الهاشمي أو من جبهة التوافق العراقية وكافة الأجنحة التي تدور في فلك الجماعة كحماس العراق وجامع، حيث تنظر، بعين الريبة، إلى نشاطاتهما السياسية وتحالفاتهما مع الحكومة العراقية ودورهما في تأسيس ما يعرف بالصحوات العشائرية أو مجالس الإنقاذ أو الإسناد في بعض المدن العراقية[1].
وفيما يتعلق بموقفها من القاعدة فعلى الرغم من الانتقادات التي توجهها لها بين الحين والآخر بسبب ما تراه أخطاء وقعت بها القاعدة والخشية من تقسيم العراق على خلفية إعلان دولة العراق الإسلامية إلا أن الشيخ الضاري أعلن أكثر من مرة أنه لا يقبل بمقاتلة القاعدة ولن يشجع على حرب بين السنة ولن يهَب مشاريع الصحوات العشائرية أية مشروعية كونها مشروع أمريكي لضرب المشروع الجهادي بحجة محاربة القاعدة وهو ما عبر عنه الشيخ بشار الفيضي في أكثر من مناسبة، لكن تصريحه الأخير (الضاري) بأن: "90% من القاعدة هم عراقيون، وبالتالي فالقاعدة منا ونحن منهم"[2] شكل قطيعة بينه وبين أجنحة الجماعة والقوى السياسية التي دعت إلى محاربة القاعدة بحجة ما ترتكبه من أخطاء[3]. ولعل سياسته هذه لاقت ارتياحا لدى بعض العلماء الذين انتقدوا أداءه في مواضع أخرى من بينها: "انخداعه بمن أسماهم بشرفاء الشيعة
والعلمانيين الذين يعارضون الاحتلال".

المحور الرابع: السلفية الجهادية ودولة العراق الإسلامية
لا شك أن مجاميع السلفية الجهادية في العراق أكثر من عصائب العراق وأنصار الإسلام ودولة العراقالإسلامية، لكنها الوحيدة من بين المجاميع الأخرى التي لم تنتظم لا في إطار جبهوي ولا اندماجي رغم أنها الأقدم في الساحة والأوضح من حيث المنهج والعقيدة والأقرب إلى بعضها والأكثر تنسيقا ميدانيا فيما بينها. وليست الاحتكاكات النادرة، في ظروف معينة، بقادرة على أن تحول دون هذا التوصيف. لكن من هي دولة العراق الإسلامية التي توصف بكونها الأشد بأسا وقوة بين الجماعات الأخرى؟
بالنسبة للجماعات الجهادية في العراق فإن دولة العراق الإسلامية هي سليلة تنظيم القاعدة حتى لو اتخذت
من الأسماء ما اتخذت ابتداء من جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها أحمد فضيل نزال الخلايلة الشهير بـ "أبي مصعب الزرقاوي" وظهرت عقب سقوط بغداد مباشرة مرورا بـ "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" بعد مبايعة الزرقاوي لتنظيم قاعدة الجهاد بزعامة أسامة بن لادن (8/1/2004) و"مجلس شورى المجاهدين - أكتوبر/تشرين الأول2005" وقبل الأخير "حلف المطيبين- 13/10/2006" وانتهاء بـ "دولة العراق الإسلامية - 15/10/2006" بزعامة أبو عمر البغدادي. وفيما يلي بعض التفصيل.
أولا: توصيف مراحل نشأة دولة العراق الإسلامية
لا شك أن الزرقاوي الذي أنشأ معسكر هيرات في أفغانستان وقاده، نسَج علاقات وثيقة جدا مع قادة القاعدة خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر لما انضمت المجاميع الجهادية العربية تحت إمرة القاعدة، ولا شك أنه احتفظ بصلاته الوثيقة هذه سواء خلال الفترة القصيرة التي مكث فيها بإيران، أو بعد احتلال العراق. والأرجح أنه ما توجه إلى العراق إلا انتظارا لمقاتلة الأمريكيين، وهو ما كان له رفقة بضعة عشرات من أوائل المقاتلين العرب الذين رافقوه أو انضموا إليه، أما الشيخ أبو أنس الشامي، أعلمهم شرعيا، فكان ممن لحق بالزرقاوي، وممن لا تنقصهم الفطنة والمبادرة. وعمليا التحق بهم الكثير من العرب الذين كانوا قد تطوعوا في الحرب لمساندة العراق فضلا عمن التحق بهم من العرب والعراقيين لاحقا عبر الحدود، وتمكنت الجماعة الأولى، قبل أن تَتَسمّ بأي اسم أو تظهر أية جماعة مقاتلة على الساحة، من إشعال حرب شعواء هاجمت خلالها القوات الأمريكية والإيطالية والبولندية ودمرت مقر الأمم المتحدة. كان هذا في المرحلة الأولى قبل أن تتوالى طلائع الجماعات الجهادية العراقية بالظهور[4].
في كتابه "الانتصار لأهل التوحيد" يعيد أبو حسين المهاجر الذي عاصر بعضا من تجربة القاعدة في العراق نشأة "التوحيد والجهاد" إلى أمرين حاسمين هما:
1) اتساع حجم الجماعة ونشاطها العسكري مما دفع أبو أنس الشامي إلى وجوب العمل على أن يكون لها أمير يقودها ويسهر على شؤون الجهاد والمجاهدين. فاستقر الرأي على اختيار أبو مصعب الزرقاوي رغم تمنعه عنها.
2) في المرحلة الثانية، استعرت الحرب، وتم تنفيذ سلسلة كبيرة من العمليات دون أن يعلن عنها أحد
الأمر الذي أفسح المجال لبعض الجماعات، حتى لو كانت وهمية أو بهدف تحقيق مكاسب معينة، كي تتقدم وتتبنى: "بعضاً منـ}ها{زوراً وبهتاناًفما كان من أبي أنس الشامي إلا المبادرة من جديد ليصرّ: "على وضع اسم للجماعة، حفاظاً على ثمرة الجهاد* ... فكان هذا الاسم جماعة التوحيد والجهاد"[5].
وحتى ذلك الحين لم يكن هذا الوضع ليرضي الزرقاوي الذي قبَِل البيعة بصعوبة بحسب أبو حسين المهاجر، فكان لا بد له من أن يؤطر بيعته في إطار يضمن للجماعة تحقيق النصرة، عبر غطاء شرعي وتنظيمي، في بيئة تتعطش آنذاك لمن ينتصر لها، وكانت هذه هي المرحلة الثالثة التي أسفرت، بعد مراسلات متبادلة بينه وبين زعماء القاعدة (الظواهري وبن لادن) على مبايعة أسامة بن لادن الذي أعلن في شهر أكتوبر 2004 عنتأسيس "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وتعيين أبو مصعب الزرقاوي أميرا لها لتبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخ السلفية الجهادية الحاسم على المستوى العربي والدولي.
هكذا مكّن الإعلان عن تأسيس القاعدة الجماعات ذات التوجه السلفي من الاطمئنان إلى سلامة التوجه وقوته فانضمت، في البداية، مجاميع قوية من أنصار السنة في قاطع سلمان باك في ديالى[6] مما دفع قادة القاعدة إلى التفكير جديا بتوسيع الساحة الجهادية وتوحيدها، وبدأت مشاورات فعلية شملت كافة الجماعات لتحقيق وحدة مبكرة، وبات الحديث يدور عن مشروع جهادي وليس مجرد مصاولة للقوى المحتلة، لكن بعض القوى الكبرى، لاجتهادات خاصة بها، نأت بنفسها عن مشروع التوحد كالجيش الإسلامي وجيش المجاهدين الذي يصفه البعض بـ "الأخ غير الشقيق" لـ "التوحيد والجهاد"، وكذلك فعلت جماعة أنصار السنة التي أوصى الزرقاوي رفاقه بأن: "أحسنوا إليهم فهم إخوانناوعصائب العراق: " فإنهم قريبون منّا"[7].
هذه هي المرحلة الرابعة التي أفرزت ولادة "مجلس شورى المجاهدين" والذي تخلى فيه الزرقاوي عن القيادة لصالح عبد الله رشيد البغدادي خاصة وأن القاعدة باتت عضوا في المجلس كسائر الأعضاء المنضوين تحت رايته، وفي البداية انضم له ستة جماعات ثم ارتفع العدد إلى ثمانية وفي مرحلة لاحقة وصل إلى اثنتي عشرة جماعة هي: "جيش الطائفة المنصورة، جيش أهل السنةوالجماعة، جماعة جند الصحابة، سرايا الجهاد الإسلامي، سرايافرسان التوحيد، سرايا ملة إبراهيم، كتائب كردستان، كتائب المرابطين، كتائب أنصار التوحيد، كتائب أنصار التوحيد والسنة، كتائب الأهوال، كتائبالغرباء (كان يقودها محارب عبدالله الجبوري)، بالإضافة إلى عدة كتائبمنجيش الفاتحين ( الشائع انضمام أربع كتائب من أصل خمسة) والجيش الإسلامي (في عدة قواطع أبرزها قاطع الأنبار ومنطقة عرب الجبور) وأنصار السنة وبعض كتائب جيش المجاهدين وثورة العشرينوعصائب العراق الجهادية".
لكن ما خططت له القاعدة في العراق كان أبعد من وحدة المجاهدين، وكما سبقت الإشارة فالحديث بدأ يدور عن مشروع جهادي. فبعد الخطاب المرئي الشهير للزرقاوي (25/4/2006) تسربت، لاحقا، مقتطفات منه لم يتضمنها وهو يحاور بعض مجالسيه حول إمكانية إعلان إمارة إسلامية في غضون ثلاثة أشهر. والحاصل أن هذا الخبر كان مقدمة لما عزمت عليه القاعدة، فقبل يومين بالضبط من "إعلان دولة العراق الإسلامية" أُعلن عن تشكيل "حلف المطيبين" حيث ظهر في الشريط المقتضب بضعة ملثمين قيل أنهم من قادة العشائر ومجلس الشورى يتعاهدون فيه على تحكيم الشريعة والانتصار للجهاد والمجاهدين في العراق. وكان الإعلان عن تأسيس الدولة تدشينا للمرحلة الخامسة من فعاليات جماعة التوحيد والجهاد وميلاد عهد الصراع السياسي وبعض الصدامات المسلحة بين القاعدة وبعض الجماعات الجهادية.
__________________
  #6  
قديم 31-12-2011, 11:23 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

ثانيا: معنى الدولة وتداعيات الإعلان
1) ماهية الدولة المقترحة
كمنطلق منهجي للفهم، سنقتصر على المنطقة العربية في توصيف ماهية "دولة التوحيد" التي سبق وأشرنا إليها باعتبارها الأس العقدي للظاهرة السلفية. وواقع الأمر أن العرب، غساسنة ومناذرة، كانوا قبل البعثة النبوية منقسمين في تحالفاتهم ما بين الروم والفرس، وبعيدا عن الفلسفة الراهنة في نشأة الدول ونموها يمكن القول أن العرب لم يعيشوا قط في رحاب إطار سياسي مستقل يعبر عن مصالحهم وقوميتهم لا قبل الإسلام ولا بعده، لكنهم، منذ البعثة، عاشوا في إطار إسلامي. بطبيعة الحال يستحيل القبول بمعايير الدولة الحديثة للتقرير فيما إذا كان هذا الإطار يعبر عن مواصفات الدولة الراهنة أم لا. فالإسلام أتى بنظام حكم لكنه لم يأت بنظام دولة كما هو الآن (أرض وشعب وسلطة)، وليس هذا نقيصة بما أن المسألة العقدية تتعلق بالدرجة الأساس بتحكيم الشريعة حيث يكون هناك تجمع إسلامي أيا كان نمط المعيش الذي يتخذه له، وليس بإقامة الدول أو تصنيف تفاضلي للقوميات والأعراق، بل أن الدولة الإسلامية لا يتوفر في قيامها لا شرط الشعب ولا شرط الأرض. فالمسلم هو من أهل الله والأرض لله والخليفة هو المكلف بتطبيق سلطان الله، وبالتالي فما من علاقة تذكر بين دولة التوحيد بالدولة الراهنة.
اشتهر الإسلام بأنه دعوة وغزوة في آن واحد، وهذا يحيلنا إلى القول أن الإسلام كونه آخر الأديان فهو مكلَّف من تابعيه بتبليغ الرسالة وإقامة حكم الله في الأرض، لذا كانت هناك غزوات استهدفت التمكين للدين ومن ثم فتوحات استهدفت نشره، وفرْق بين الفتح الإسلامي والعدوان الذي تمارسه الدول الكبرى في عصرنا الراهن. فالفتوحات المحكومة بضوابط الشريعة، سواء كانت صلحا أو عنوة، ليست لها أية أهداف غير نشر الدين وتحكيم الشريعة بخلاف الحروب الراهنة التي غدت عقائدها الأخلاقية والسياسية والعسكرية قائمة على تشريع السيطرة والهيمنة والسلب والنهب والقتل العشوائي وحصار الشعوب والأمم وتدمير البنى التحتية والتجويع والحرمان واستخدام أسلحة الإبادة وفرض الأيديولوجيات والثقافات وأنماط المعيش على الشعوب الضعيفة. ولما لم تكن الجيوش الإسلامية معنية لا بالقتل ولا بالتدخل في أنماط المعيش وإخضاع السكان وإذلالهم بقدر ما هي معنية بنقل المجتمعات المستهدفة بالفتح من منظومة المعايير الأخلاقية والدينية والوثنية والوضعية عامة إلى منظومة أخرى قوامها الشريعة الإسلامية، فالمطلوب إذن فقط تحكيم الشريعة وإخضاع السلوك الفردي والاجتماعي بكل تجلياته إلى منظومة العبادة والحلال والحرام والحقوق والواجبات دون تدخل في نمط المجتمع ونموه وخصوصياته التي كانت تترك لأهل البلد.
الأكيد أيضا أن أرفع ما في نظام الحكم الإسلامي هو منصب القضاء وليس الخليفة أو أمير المؤمنين أو السلطان، وحتى الخليفة لم يكن بمقدوره أن ينازع القاضي في سلطانه الذي هو سلطان الشريعة ذاتها، فالمصطلحات السائدة لدى القاضي والقضاء هي العدل بمقتضى الحاكمية والولاء والبراء وليس بمقتضى الاستقلالية والنزاهة والإنصاف والتاريخ والمكانة الاجتماعية.
لذا فإن دولة التوحيد لم تأت لتقيم دول أو تقسِّم مناطق أو تستعمرها أو تضمها إلى الدولة الأم أو تهيمن على السكان أو تنهب الخيرات والمقدرات كما فعلت الدول الاستعمارية، ذلك أن عقيدتها ليست قومية ولا عرقية ولا رأسمالية ولا اشتراكية ولا وطنية ولا هذا أو ذاك من الفلسفات التي يعج بها التاريخ والحاضر، ولو كان الأمر كما هو حال الدول الكبرى اليوم لكان كافيا أن تكون الدولة الإسلامية المفترضة على امتداد 1400عام أغنى الدول وأقواها وأشرسها.
بطبيعة الحال هذا هو التوصيف المثالي لدولة التوحيد، لكن طبائع النفس البشرية بما تكتنزه من خير وشر ستجعل من إقامة التوحيد مسألة نسبية. وسنجد في التاريخ الإسلامي كوارث وقتل وتحالفات مشبوهة وخيانات مثلما سنجد دعوات وغزوات وبطولات ورجال عز نظيرهم في التاريخ البشري ونهضة وعلوم وحضارة إسلامية بلغ إشعاعها مشارق الأرض ومغاربها، وتواصلت على امتداد مئات السنين، واستطاعت على الدوام تجاوز عثراتها واستيعاب نكباتها وهزائمها. المهم أن كل هذا حدث في إطار إسلامي وليس في إطار وضعي كما هو الحال الآن.
هكذا، فالعرب لم يَخْبَروا العيش في دولة عربية كما تروج لذلك أو تدعوا إليه الأيديولوجيات الوطنية والقومية والرأسمالية والاشتراكية وغيرها، كما أنهم، منذ مائتي سنة أو يزيد، وخاصة بعد اتفاقية سايكس – بيكو، لم يعيشوا في دولة إسلامية. وحقيقة الأمر أن الدول العربية الراهنة هي نتاج نقي لمعاهدات استعمارية ليس للعرب شأن في تكوينها لا من قريب ولا من بعيد مثلما أن المجتمعات العربية هي، أيضا، نتاج للمجتمع العثماني بكل صور تخلفه حتى ولو كان محكوما في الإطار الإسلامي. وبعيدا عن الأطروحات القيمية ذات النوازع الأيديولوجية والفلسفات الغيبية والعصبية التي تميز حالة الانحطاط العربي الراهن؛ فلا الشعوب ولا الأنظمة السياسية العربية الراهنة، على علاتها، قبلت يوما ما بهذه الصيغة من النشأة والاجتماع الإنساني. وعليه فلا الدولة القطرية لها أية مرجعية وطنية أو سياسية ولا الأيديولوجيات القومية وغيرها لها أي سند تاريخي. ولمثل هذه الأسباب وغيرها اعتقدت الكثير من الجماعات الإسلامية بمعية المفكرين الإسلاميين أن "الإسلام هو الحل" وروجت له كشعار، لكن بدلا من أن تؤدي تطبيقاته إلى توافق مع العقيدة رأت السلفية الجهادية أنه تلاحَم مع مخرجات ثقافة سايكس – بيكو وبات جزء منها سواء وعى ذلك أم جهله.
إلى هنا بوسعنا القول أن "التوحيد" كتعبير عن مشروع الدولة الإسلامية المقترحة من قبل السلفية الجهادية ليس مرتبطا قط بأية حدود جغرافية أو سياسات وضعية، وليست هذه المسائل من سماته ولا من تكويناته حتى يتبناها أو يتقبلها أو يفصِّل بها. فالدولة الإسلامية قائمة حيث تكون العقيدة وحيث يكون هناك مسلمون، وهم بهذا المعنى من رعاياها وتحت سلطانها ومسؤوليتها. ولما يكون هؤلاء واقعون، في قلب حواضرهم، خارج سلطان الشريعة؛ وبعضها مغتصب أو محتل أو مهدد أو مسلوب الإرادة فالواجب تحريرهم ونصرتهم بموجب ما تفرضه النصوص الشرعية. بهذا المنطق دشنت القاعدة في العراق مشروعها عبر إعلان تأسيس "دولة العراق الإسلامية". فأية معاني تضمنها هذا الإعلان؟ وأي تداعيات ترتبت عليه؟ وستترتب عليه مستقبلا؟
1) التداعيات
من الطبيعي أن يشهد العراق، كساحة صراع وحرب طاحنة، انفلاتات وصدامات بين القوى، ولئن تسرب الكثير منها، إلا أنها لم تكن لتأخذ طريقها إلى الإعلام بصورة صارخة لولا إعلان تأسيس دولة العراق الإسلامية. فالإعلان أطلق ما توارى من الخلافات المنهجية بين الجماعات الجهادية إلى السطح، وجهدت كل جماعة لإثبات وجهة نظرها عبر بيانات متبادلة تَصدَّرها قادة الجيش الإسلامي حتى وصلت إلى حد التشهير بالقاعدة متخذة من منهج التخطيء سبيلا لحرب إعلامية تمخض عنها صدامات مسلحة بين الجانبين كان أبرزها أحداث حي العامرية ببغداد. وبغض النظر عن صوابية أي طرف من الأطراف المعارضة لإعلان الدولة سواء كانت جبهة الجهاد والإصلاح أو هيئة علماء المسلمين أو حتى جبهة الجهاد والتغيير ناهيك عن أجنحة الإخوان المسلمين فالأكيد أن إعلان الدولة كانت له تداعيات كبرى على أكثر من مستوى:
أولا: المستوى المحلي
فقد كشف الإعلان، ليس فقط عن خلافات سياسية بين الجماعات الجهادية وافتقادها لمشروع موحد كما تقول الهيئة، بل عن أكثر من مشروع جهادي وليس مشروعا واحدا[8]. فالسلفية الجهادية وهي تعبر عن ذاتها بمشروع إعلان الدولة إنما ترفض حقيقة أن تظل حبيسة ما تراه حدود سايكس – بيكو، بعكس مشروع جبهة الجهاد والإصلاح التي تكتفي بدولة حديثة في العراق تضمن مصالح الجميع وتقيم علاقات جوار حسنة، أو مشروع جبهة الجهاد والتغيير التي تعتقد بالمرحلية. فالدولة بالنسبة للسلفية هي نواة خلافة وبالتالي نقطة ارتكاز استعدادا ومنطلقا لعبور إقليمي وعالمي نحو كل ما هو مسلم، وهو أمر ترى بعض الجماعات الأخرى أن وقته لم يحن بعد، وترى أخرى أنها ليست معنية في الدخول في صراع عالمي وحروب لا تنتهي.
وعلى هذا الأساس فقد شكل إعلان الدولة، على مستوى بعض الجماعات، فرصة: (1) لتمايز منهجي بين الجماعات من جهة وبينها والسلفية الجهادية من جهة أخرى فظهرت جبهات جديدة وتحالفات غير مفهومة، و (2) لتصفية الحسابات مع القاعدة على خلفية مشروع العبور سياسيا وعسكريا و (3) لشن حملات تشهير إعلامية منظمة ضد القاعدة أو دولة العراق الإسلامية دشنها البيان الشهير للجيش الإسلامي (4/5/2007) من جهة إلى جانب الحزب الإسلامي من جهة أخرى وشاركت بها جماعات وقوى سياسية أخرى بنسب متفاوتة
و (4) للبحث عن مخرج سياسي يقطع الطريق على مشروع القاعدة.
لكن على مستوى القاعدة فالإعلان عن الدولة جاء للحيلولة دون أية قوة سياسية قد تُسوِّق نفسها لقطف ما تسميه "ثمرة الجهاد"، فالتجارب العلمانية أثبتت أن قوى المقاومة غالبا ما خسرت نضالاتها وجهودها في التحرير لصالح قوى أخرى نجحت في الاستحواذ على ثمار المقاومة، وكذا الأمر حصل فيما يتعلق بالجماعات الجهادية في أفغانستان والبوسنة. كما أن الإعلان مكن القاعدة من استقطاب عشرات الجماعات الجهادية الصغيرة وآلاف الأفراد والعلماء والخبراء وغيرهم ممن التحقوا بالدولة التي تحولت إلى ملاذ ابتلع القاعدة وحولها إلى كينونة محلية بنسبة 90%[9]. ولعل هذا التضخم الذي بني في جزء منه على استنزاف في الموارد البشرية للجماعات الأخرى هو ما أثار حفيظة الجماعات الأخرى. والحقيقة أن ما تسميه السلفية الجهادية عموما والقاعدة خصوصا "ثمرة الجهاد" يُعَدّمسألة حاسمة في إعلاندولة العراق الإسلامية لا ينبغي التقليل من شأنها كما يفعل البعض تحقيرا لها.
وفي هذا السياق، لعله من المفيد التذكير بالدور الكبير والحاسم الذي لعبه أبو أنس الشامي في التمهيد والدفع بالمجموعات العربية المقاتلة إلى الاندراج في صيغة جماعة منظمة، لكن ما هو أجدر بالملاحظة هو إصرار الشامي على اتخاذ اسم لهذه المجموعات خشية أن تقطف القوى العلمانية ما أسماه في حينه بـ "ثمرة الجهاد"، وهي خشية لم تكن وليدة الجماعات الجهادية التي لم تكن آنذاك قد ظهرت أو اشتد عودها على الأقل، والدليل على ذلك أن خشية الشامي على الجهاد وثمرته، وهو في خطواته الأولى، كان مصدرها بلسانه: "بعثي خبيث، أو علماني مرتد"[10] ولم تكن جماعة جهادية ما، وعليه فمن الصعب قبول فرضية أن إعلان الدولة كان موجها، آنذاك، ضد الجماعات الجهادية الأخرى حيث لم تكن قد ظهرت بعد، ومع ذلك ليس من السهل إغفال "فرضية الجبل"[11] من عقل السلفية الجهادية فيما يتعلق بإعلان الدولة خاصة وأن خطابات الأمير أبو عمر البغدادي ووزير دفاعه أبو حمزة المهاجر كانت تعج بعتاب الجماعات الجهادية التي رفضت، بعد أن اشتد ساعدها وتنازعتها القوى الإقليمية والأجنبية، ما جاهدت أصلا من أجله.
بل أن التوصيف الموضوعي والدقيق لا بد وأن يسلِّم بالقول أن "دولة العراق الإسلامية" لا يمكن لها أن تكون أو تظل أسيرة لمشروع القاعدة وحدها، خاصة بعد الإعلان عنها، ولعلنا نذهب أبعد من ذلك إلى الجزم بأن تعدد الجماعات المكونة للدولة زيادة على آلاف المبادرات الفردية التي التحقت بها معطوفا عليهم العشائر المؤيدة لمشروع الدولة أكثر من القاعدة فضلا عن الأنصار والمتعاطفين وذوي المصالح الذين ربطوا مصيرهم بالدولة يجعل من هذه الأخيرة ذات حصانة تستعصي على التفكك[12] بمجرد قرار تنظيمي أو إداري، فالدولة، بمختلف مكوناتها السوسيولوجية وعلاقاتها الاجتماعية، لم تعد ملكا للقاعدة ولا للبغدادي ولا حتى لبن لادن أو الظواهري. ولعل هذه المعطيات بالذات هي أكثر ما يثير حفيظة الخصوم الذين يصفونها بدولة الانترنت، وهو توصيف ، بحسب الخطاب السلفي الجهادي، أقرب إلى "الحسد" و"الغيظ"[13] من قربه للواقع

[1]ليست ثمة مشكلة في التعرف على توجهات الحزب الإسلامي وجبهة التوافق تجاه الاحتلال الأمريكي والمشاركة في الحكومة العراقية، أما فيما يتعلق بحماس العراق وجامع فثمة اتهامات على ضلوعهما في تحالف مع الأمريكيين ومشاركتهم في الصحوات وغيرها ظهرت عبر التصريحات الأمريكية وصراع البيانات مع كتائب ثورة العشرين فضلا عن تصريحات د. بشار الفيضي، الناطق باسم هيئة علماء المسلمين لقناة الجزيرة، والتي تتهم حماس العراق بطريقة غير مباشرة بالتعاون مع الأمريكيين، أما "جامع" فقد صرح الناطق الرسمي بها الدكتور سيف الدين محمود (وكالة قدس برس – 3/1/2008): "إن مجالس الصحوة نابعة من العشائر العراقية، وهدفها المعلن هو خدمة المناطق التيقامت فيها ومنع أي نشاط فيه ضرر للناس،وعليها أن تبقى ضمن هذا المسار".وهو ذات التصريح الذي أدلى به العميد أبو بصير لصحيفة السبيل الأردنية.

[2]وردت في برنامج "ضيف المنتصف" على قناة الجزيرة مع د. حارث الضاري، 5/10/2007.

[3]الحقيقة أن القطيعة ابتدأت من لحظة انقسام كتائب العشرين وتشكيل حماس العراق ثم الإعلان عن تأسيس مجلس علماء العراق ، وبدا واضحا أن محمد عياش الكبيسي الذي كان ممثلا للهيئة وانسحب منها على خلفية موقفها الإيجابي من القاعدة هو من تصدر =
= هذه الانقسامات ورحب بها، وهو من أعلن مرارا الحرب على القاعدة واستعداده للتحالف مع الشيعة لتحقيق الغرض، وهو من ترجحه أوساط السلفية الجهادية الزعيم ا لفعلي لحماس العراق.

[4]ظل قادة الجيش الإسلامي يرددون في كل مناسبة إعلامية أن الجيش تأسس قبل نحو ثلاثة أشهر من غزو العراق، وأنه بهذا المعنى يكون أقدم من جماعة التوحيد والجهاد لكن هذه الأطروحة نقضها أحد قادة الجيش في لقاء الاستراحة الشهير بين أمير الجيش وبعض علماء الجزيرة (راجع مقالة الباحث على المدونة: سيناريوهات متعددة ومشاهد مثيرة لمرئية جهادية بلا مونتاج- 3: مشهد خفايا الصراع بين القاعدة والجيش الإسلامي)، وفي لقاء قناة العربية الذي استضافت فيه أبو عزام التميمي قال بأن: "أغلب الجماعات =
= الجهادية الرئيسية كالجيش الإسلامي وجيش المجاهدين لم تكن مشكَّلة قبل ذلك، وأنها ظهرت على الساحة العراقية ابتداء من سنة 2004". (برنامج صناعة الموت – 18/1/2008).

* سنرى أهمية التفكير بمثل هذه العبارة المسطَّرة لاحقا.

[5]الشيخ أبو حسين المهاجر، الانتصار لأهل التوحيد، 27ذي القعدة سنة 1427هـ، ص 14.

[6]نفس المصدر، ص 14.

[7]نفس المصدر، ص 15.

[8]هيئة علماء المسلمين في العراق: "رسالة مفتوحة إلى أبنائنا وإخوانناالمجاهدين، الصابرين المرابطين على أرض العراق"، 5/9/2007. موقع الهيئة على الشبكة: http://www.iraq-amsi.org/index.php.

[9] الضاري في "ضيف المنتصف" على قناة الجزيرة، مصدر سابق. وكنا قد أشرنا إلى هذه النسبة في مقالة سابقة على مدونة الباحث بعنوان: "هل حققت "راند" اختراقا جديدا في الساحة العراقية؟" نشرت بتاريخ 8/4/2007، على الشبكة: http://drakramhijazi.maktoobblog.com/، لكن أهمية تصريحات الشيخ حارث الضاري حول هوية تنظيم القاعدة في العراق تكمن في كونها الأولى التي تصدر عن مسؤول عراقي رفيع خاصة وأنه مرجع ديني.

[10] الانتصار لأهل التوحيد، مصدر سابق، ص14.

[11] "فرضية الجبل" هي تعبير مستمد من وقائع غزوة أحد لما نزل الرماة عن الجبل اعتقادا منهم أن الجيش الإسلامي قد حسم المعركة فكانت النتيجة هزيمة ساحقة للمسلمين من بعد قوة، وحين تطبيقها على الجماعات الجهادية في العراق سيجد المراقب خلافات فيما بينها تتعلق بإجراء مفاوضات مع الأمريكيين أو الدخول في العملية السياسة، بحيث تبدو بعض الجماعات كما لو أنها نزلت عن الجبل، في وقت تستعر فيه الحرب ولم تحسم المعركة بعد مما أضعف فعاليات العمل الجهادي في العراق وهدد المشروع الجهادي برمته.

[12] يفضل مراجعة مقالة الباحث على المدونة: "في ضوء وقفات البغدادي: هل حل الدولة ممكن؟ -117/4/2007.

[13] لاحظ من جهة خطابي البغدادي: (1) "قل إني على بينة من ربي" وهو يتحدث عن "طائفة منالحُسَّاد" و (2) "حصاد السنين بدولة الموحدين" وهو يكرر لفظة "باقية" عن الدولة عشر مرات كمبررات لبقائها، راجع: خطابي أبو عمر البغدادي: "حصاد السنين بدولة الموحدين"، شريط صوتي، مؤسسة الفرقان، 17/4/2007، و "قل إني على بينة من ربي"، نفس المصدر، 13/3/2007. ومن جهة أخرى ما يراه أبو حمزة المهاجر تجاه الرافضين حتى أن خطابه اتخذ له عنوان: "قل موتوا بغيظكم"، أبو حمزة المهاجر، "قل موتوا بغيظكم"، شريط صوتي، مؤسسة الفرقان، 5/5/2007.
__________________
  #7  
قديم 31-12-2011, 11:26 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

ثانيا: المستوى الإقليمي
هو أعقد المستويات بالنظر إلى دقة حساباته، فالدول المحاذية للعراق أو القريبة منه باتت بين المطرقة والسندان، إذ أنها لا تستطيع المضي قُدُما وبلا هوادة في معاداة التيار السلفي بغير حساب لأن بعضها مهدد إما بالمشروع الصفوي وامتداداته المحتملة وإما بالتقسيم كما هو حال السعودية ومصر والعراق وإما بالهيمنة الأمريكية والإسرائيلية المباشرة على المنطقة خاصة وأنه ما من ضمانة يمكن أن يطمئن إليها أي طرف إزاء اندفاع المشروع الأمريكي الصهيوني أو توقفه عند حدود معينة، الأمر الذي يعرِّض هذه الأنظمة إلى مزيد من الحرج مع شعوبها ويهدد بسحب ما تبقى لديها من شرعية. لذا فالأنباء التي تتحدث عن تسرب للعناصر العربية باتجاه العراق بغية الالتحاق بالجماعات الجهادية قد يُفهَم منها على أنها نوع من غض الطرف على خلفية التقاطع في بعض المصالح دون أن يعني هذا قبولا أو تسليما بالأمر الواقع.
ولأن المشروع السلفي الجهادي، الذي لا تعنيه كثيرا حسابات الآخرين، له أيضا حساباته الشرعية فيما يتعلق بعبوره للحدود، فإن عدم مواجهته، من قبل الدول المجاورة، يُعَد مغامرة ذات عواقب وخيمة. فالسلفية ليست من النوع الذي يمكن التفاهم معه في منتصف الطريق، ولا هي تقبل بأنصاف الحلول ولا تعترف بقوانين ولا بنظام دولي ولا بعلاقات دولية ولا بشرعية محلية أو دولية، فضلا عن أنها تَسِمُ الأنظمة السياسية العربية بـ "الطواغيت"، الأمر الذي يستوجب محاربتها وإزالتها باعتبارها تحكم بغير الشريعة مثلما هي موالية للغرب وسببا في الظلم الواقع على الأمة.
ثالثا: المستوى الدولي
يمكن أن يقال الكثير عن السياسة الأمريكية في العراق ابتداء من علمها وتخطيطها للاحتلال والبقاء فيه طويلا، إلى الزعم بأن الولايات المتحدة جاءت بمشروع احتلال عسكري ولكنها فشلت في إدارة البلاد سياسيا، وفوجئت، أمنيا، بسرعة ظهور المقاومة وشراستها. كل التحليلات واردة تجاه حدث ما زال مستمرا ولم تنكشف أوراقه بعد. لكن ما لا يمكن التجاوز عنه بسهولة هو مصير إسرائيل والمنطقة فيما لو انسحبت الولايات المتحدة من العراق، فهذه مسألة ليست موضع تحليلات ولا تأويلات.
على أن المفاجأة الكبرى واقعة لا محالة فيما تواجهه الولايات المتحدة من عقيدة قتالية ذات محتوى ديني وأهداف دينية أكثر منها سياسية. ولا شك أن الأمريكيين يواجهون نمطا قتاليا لم يَخبَْروه بعد، ولا تنكشف أسراره خارج الميادين الحربية، وهذه بحد ذاتها عِلَّة تجعل من الحرب، في كثير من الأحايين، مجرد مغامرات خطرة وعصية على الفهم والدراسة. وبحسب تصريحات ضباطهم فهم يواجهون عدوا مصمما على القتال حتى الموت، في ظاهرة حربية فريدة من نوعها لم يسبق لهم أن خبروها في أية منطقة في العالم في العصر الحديث إذا ما قارنا القدرات العسكرية والإمكانيات المتوفرة بيد الطرفين.
صحيح أن الأمريكيين خاضوا أسوأ حرب في فيتنام، نتج عنها أسوأ انسحاب، لاحقتهم فيه قوات الفايتكونغ بالقصف وهم في المطارات وعلى السفن الحربية في مناظر مرعبة ومهينة. لكن المقارنة بين الانسحاب الأمريكي من فيتننام وذاك المحتمل من العراق، على فرض صحته، غير واردة، بسهولة، لدى أعتى السياسيين وخبراء الاستراتيجيا، ذلك أن الفيتناميين اكتفوا بالبقاء داخل حدودهم ما أن نجحوا بإخراج الأمريكيين من بلادهم، في حين أن مشروع السلفية الجهادية سيلاحقهم إلى خارج الحدود، وسبق له أن تجرأ حتى على رموز القوة لديهم في عقر ديارهم، فكيف سيكون حالهم وحال إسرائيل والمنطقة فيما لو انسحبوا دون ترتيب الوضع سياسيا وأمنيا؟ وباعترافهم؛ فالأمريكيون وغيرهم ليسوا قلقين من الجماعات الجهادية الأخرى بقدر ما تسبب لهم السلفية الجهادية في معتقداتها واستراتيجياتها وتصميمها على المواجهة أرقا مزمنا قد يمتد فعلا إلى عشرات السنين، فإلى أين سينسحبون والرئيس الأمريكي جورج بوش يصرح، بمرارة، أنهم (الجهاديون)، يريدون إقامة خلافة من المغرب إلى جاكارتا؟

تعقيبات ختامية على المقالة السلفية
أولا: المجاميع الجهادية في العراق
لا شك أن أكثر التحالفات بين المجاميع الجهادية في العراق إثارة للجدل هي تلك المتعلقة بجبهة الجهاد والإصلاح وبالمجلس السياسي للمقاومة. ولا شك أن أكثر القوى تأييدا لهذه التحالفات هم الإخوان المسلمين بينما أكثرها مناهضة لها هي تيارات السلفية الجهادية. والسؤال هو: إذا كان من الممكن تفهم التحالفات القائمة في جبهة الإصلاح؛ فما الذي يجمع بين الجبهة وحماس العراق وجامع في إطار المجلس السياسي؟
إذا استبعدنا، كعامل مشترك، بين أعضاء المجلس السياسي كل من: (1) الفكر السلفي الجهادي بصيغة القاعدة أو دولة العراق الإسلامية وأنصار الإسلام وعصائب العراق؛ و (2) جبهة الجهاد والتغيير ومرجعيتها الشرعية هيئة علماء المسلمين باعتبارها (الهيئة) تمثل أحد مرجعيات السنة وليست المرجعية الوحيدة بحسب جماعات أخرى[1]؛ و (3) المشروع السياسي الأمريكي الذي تمثله حكومة المالكي ومعها جبهة التوافق السنية؛ فماذا يتبقى للمجلس من هدف، في أحسن الأحوال، غير الاستئثار بورقة التمثيل السياسي للمقاومة؟ لا شيء. لكن هنا يلزم القول:
· إن البيان الأول للمجلس السياسي للمقاومة، وهو يطرح فكرة حكومة التكنوقراط كمخرج من الأزمة وحل انتقالي، أغفل أي ذكر للفكر السلفي في قراءاته المختلفة، بل أنه لم يأت على ذكر الإسلام إلا مقرونا بتاريخ العراق، بينما استعمل تعبيرات وطنية كما لو أنه صادر عن حزب علماني: "المقاومة المسلحة، التاريخ، الحضارة، التحرير،القوى والهيئات والشخصيات، الممثل الشرعي حكومة منالمهنيين، أعمال المجاهدين، أساس عادل، شرعية، دستور، نظام حكم، قانون، وحدة العراق، ثروات، مُلْك، الطائفي، خصوصية المسألة الكردية، العرب والمسلمين وشعوب العالم والمجتمع الدولي ..."، وفي المقابل غابت تعبيرات الجهاد والحاكمية والدولة الإسلامية ... إلخ
· كل التعبيرات أعلاه خالفت بالكامل الفلسفة المعلنة لجبهة الجهاد والإصلاح، وخالفت حتى لغتها الشرعية ومناهج تربيتها لأعضائها. والغريب أن الجيش الإسلامي لم يصدر أي بيان تفسيري يوضح مقاصده، ليس فقط من التحالف مع "حماس وجامع"، بل من تلك التعابير الجديدة التي استعملت في بيان التأسيس وخاصة الدعوة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، ومن فلسفته الجهادية ما إذا كانت مقاومة؟ أم جهاد؟ ومن أهدافه النهائية من جهاده إنْ كان دولة وطنية على شاكلة العراق السابق؟ أم دولة إسلامية تحكم بالشريعة ولو داخل العراق وحده؟
· أما عن ردود الفعل على البيان السياسي فلم تكن تستهدف "حماس أو جامع" بقدر ما استهدفت جبهة الجهاد والإصلاح وخاصة الجيش الإسلامي، فمن المعروف أن الجيش عرض شروطه لبدء مفاوضات سياسية مع الولايات المتحدة لتحقيق الانسحاب من العراق، لكن عروضه السابقة، حتى لو كانت وطنية الطابع، تبقى ضمن الإطار الجهادي وليس العلماني، وهذا يحيلنا إلى الاعتقاد بأن خصومته مع القاعدة هي خصومة ذات أهداف سياسية بالدرجة الأساس وليست شرعية خاصة فيما يتعلق بموقفه من إعلان دولة العراق الإسلامية.
أما فيما يتعلق بجيش المجاهدين فمن الصعب الوقوع على تبرير منطقي لمساهمته في تشكيل جبهة وقفت من التيار السلفي موقف الضد؟ ثم ما الذي يدفعه قدما إلى التحالف مع المجلس السياسي بحيث يفقد ما تبقى له من رصيد سلفي في ضوء الشبهات المثارة حول الدور الذي تلعبه "حماس وجامع" ومن ورائهما الحزب الإسلامي في تشكيل الصحوات ومقاتلة القاعدة؟
· فالثابت أن جيش المجاهدين سلفي التوجه، وتطلعاته لمستقبل العراق من المفترض ألاّ تقِلّ عن تمني إقامة دولة إسلامية فيه.
· والثابت الثاني أيضا أنه رغم خصومته مع دولة العراق الإسلامية إلا أنه امتنع عن المشاركة في حملات
التشهير التي قادها الحزب والجيش الإسلاميين. بل أنه، رغم تحفظاته على ما يعتبرها أخطاء ساهمت في تراجع الجهاد، إلا: "أن القاعدة أحدثت نكاية عظيمة في أعداء الله ... وأن أفراد القاعدة في العراق ليسوا بدرجة واحدة في الغلو والإفراط والاستهانة بالدماء"[2].
· والثابت الثالث هو الذي يرى فيه أن: "إعانة الأمريكان لقتال القاعدة ولو بكلمة}هو{كفر بواح وردّة
وخروج عن الإسلام لا ينفع معه صلاة ولا صيام ولا جهاد"[3]. ولا شك أن هذه لغة جديدة وبالغة الصراحة وموقف تَقدَّم فيه على غيره مقتربا من مواقف التيار السلفي الجهادي.
· والثابت الرابع أن جيش المجاهدين: "لم ينبس ببنت شفة في مسألة ربط القاعدة بإيران" بخلاف الجيش الإسلامي الذي يتبنى هذه الأطروحة ويروج لها على نطاق واسع كجزء من سياسته المناهضة للقاعدة.
· والثابت الخامس أنه الجماعة الوحيدة التي أصدرت دراسة شرعية تؤصل لحرمة الدخول في مشاريع الصحوات العشائرية أو المشاركة فيها أو إعانة أي عدو على الجهاد والمجاهدين. ودراسة أخرى يرفض بها مهادنة العدو[4].
هذه بعض ثوابت جيش المجاهدين التي ترقى إلى مستوى الحقائق، لكن المشكلة في كونها تتناقض مع تحالفاته وما يصدره من دراسات مؤصلة شرعيا تجاه بعض المسائل، الأمر الذي يحير معه الباحث في فهم سياسات الجيش وتوجهاته. ففيما يتصل بتحالفاته لا يرى الجيش غضاضة من وصف بعضها بـ "الفصائل المتلبسة ببعض البدع والأخطاء"، ويمضي لما هو أبعد من ذلك فيقول: "أما عن موضوع التحالف مع بعض الفصائل المتلبسة بما ننكره عليها فنقول وبكل وضوح: بأننا نختلف في مسائل كثيرة مع الجيش الإسلامي وحتى مع الهيئة الشرعية للأنصار، وخلافنا مع حماس وجامع أكبر، وانضمامنا إلى مجلس يضمهم لا يعني رضانا بكل ما يصنعون، ونحن نحاول جاهدين أن نوصل إليهم ما نعتقد أنه الحق".
أما ما هي طبيعة الخلافات التي يتحدث عنها جيش المجاهدين؟ ولماذا تتفاوت بين هذه الجماعة وتلك؟ وما هي تداعياتها على الجماعة من الداخل؟ فذلك ما لن يستطيع الجيش التفصيل به إعلاميا على الأقل في المرحلة الراهنة، لكن مجرد جهره بها يُعَدُّ مؤشرا على أنها بالغة الخطورة، وبطبيعة الحال لا نقول بأن هذه اللغة توحي وكأن جيش المجاهدين بصدد الانسحاب من تحالفاته، مع أننا لا نستبعد ذلك في أي حين، لكننا نتساءل: فقد يكون مفهوما أن يعمد الجيش الإسلامي إلى تنفيذ مشروعه السياسي المنادي بحكومة تكنوقراط منذ الإعلان عن دولة العراق الإسلامية، ويبحث له عن حلفاء يساندونه في مساعيه، إلا أن ما قدمه جيش المجاهدين، صاحب اللغة الشرعية، من مبررات لدخول المجلس السياسي والمشاركة في صياغة بيان يخلو من أية لغة شرعية والأخذ بـ "بفقه الاستضعاف" ليست كافية ولا مقنعة خاصة وأن هناك جماعات أخرى تخوض حربا طاحنة ضد الأمريكيين والصحوات والقوى الحكومية والطائفية والعملاء في آن واحد دون أن تشر من قريب أو بعيد إلى مرحلة استضعاف. وفي هذا السياق نستحضر حدثين مهمين في جبهة الجهاد والإصلاح هما:
1) انشقاق جيش الفرقان عن الجيش الإسلامي (18/7/2007) بحجة (أ): "استعجال قطف الثمرة ...(فـ)لا يصح أن نزج بمشروع الجهاد قبل نضجه واستكمال مراحله في تجارب تحتمل الخطأ والصواب" و (ب): "انحراف البعض عن المنهج النبوي: فأخذوا الناس بالشدة والغلظة وعدم الرفق والحلم والتدرجوعدم مراعاة منازل الناس فأدى إلى نفور الكثيرين مما جعلهم فريسة لمخططات أعداءالدينوعليه "نعلن انفصالنا منالجيش الإسلاميردهم الله إلى الحق والصواب ونتبرأ من كل ما خالف شريعة الرحمن".
2) انسحاب جيش الفاتحين (6/1/2008) بعد: " تبين لنا أن هذا المشروع}جبهة الجهاد والإصلاح {لن يحقق لنا هدفنا المنشود بسبب ما وجدنا من اختلاف بينالواقع في الساحة الجهادية وبين ما تم الاتفاقعليه من منهج وثوابت في الجبهة. ثم بيناالخلل وحاولنا الإصلاح جاهدين ولكنا وجدنا نفوراوتعاليا من الآخرين".
الأكيد أن جيش المجاهدين أعرق وأكثر خبرة، وتاريخه وعقيدته وسمعته توجب عليه تقديم تفسيرات مقنعة لتحالفاته، وإلا فإن الحدثين أعلاه قد يوحيان بأن تحالفاته ربما تكون أوقعته في ورطة لم تكن في حسبانه خاصة وأنه لم يجن شيء يذكر من تحالفاته غير اللوم والأذى.
بقي موضوع جيش أنصار السنة التي استعادت الاسم القديم لها مؤخرا "جماعة أنصار الإسلام". فقد كان بينها والجيش الإسلامي محاولات سابقة للوحدة (2004) فشلت على خلفية: (1) الدخول في العملية السياسية إذا اقتضىالأمر أو (2) في سلك الجيش والشرطة بحجة توفير الحماية لأهل السنةفيمناطقهم أو (3) تعيين بعض الأفراد من أجل حماية أنابيب النفط والطاقة الكهربائية لتمويل العمل الجهادي أو حتى (4) بعض السياسات التي تخص الخارجية والإعلام. لكن الخلافات تفجرت بين الجماعة وجبهة الجهاد والإصلاح على خلفية تشكيل هذه الأخيرة وضمها اثنين من "ديوان القضاء والشرع" باسم "الهيئة الشرعية – أنصار السنة" التي قيل أنها أسست "كتائب" مسلحة لها[5]. وبطبيعة الحال فقد أعقب التشكيل احتجاجات شديدة من الأنصار بسبب ما بدا وكأنه تعدٍّ على الهيكلية التنظيمية للجماعة التي ظهرت وكأنها تعرضت لانشقاق في صفوفها. إلا أن الجبهة لم ترد رسميا على بيانات الجماعة، ولما ووجه د. علي النعيمي المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسلامي بالسؤال عن "قصة أنصار السنة" أشار إلى أن الهيئة انسحبت برمتها من الأنصار ولحق بها أكثر من ألفي عنصر في تحالف مع الجبهة[6]. ومن جهته أشار جيش المجاهدين إلى أن المشكلة نجمت عن تملصأبي عبد الله الشافعي أمير الأنصار من محاولات إحياء مشروع التوحد بعد أن وافق عليه مما اضطر الرجلين إلى الانفصال على وقع "التزامات قطعوها على أنفسهم أمام المشايخ استشاروا إخوتهم في الداخل والخارج واقتنعوا بمسألة الانفصال تحت هذا المسمى"[7]. لكن كلا التبريرين يعكسان بيان عضوي ديوان القضاء والشرع[8] اللذين انفصلا عن الجماعة، وحجة الأنصار أن الجماعة تسمي مؤسساتها مبتدئة بلفظة "ديوان" وبالتالي لا وجود للتسمية الجديدة في الجماعة.
على أن للأنصار، على ما يبدو، اجتهاداتها فيما يتعلق بالوحدة، فهي لا تقبل التوحد مع جماعات جهادية
ذات توجهات وعقائد وطنية، وهذا الاجتهاد يرجع لكون الجماعة سلفية جهادية بالدرجة الأساس، لكن ثمة اجتهادات للجماعة لاقت انتقادا شبه صريح من أسامة بن لادن في خطابه "السبيل لإحباط المؤامرات"[9] حول مسألة التمسك بالفرع على حساب الأصل، خاصة تلك التي ترى أن الواجب الشرعي يفرض على الجماعة اللاحقة مبايعة الجماعة السابقة عليها، إذ لا يصح شرعا أن تبايع جماعة سابقة أخرى لاحقة فيما البيعة معقودة في عنق الأولى، ولعل هذا يعد سببا رئيسيا لعدم تحقيق أي تقدم على صعيد اندماج الجماعات السلفية الجهادية في العراق وهو ما دفع بن لادن إلى انتقاد هذا الاجتهاد باعتباره يقدم الفرع (البيعة) على الأصل (الوحدة).

[1] راجع: مقابلة ياسر أبو هلالة مع د. إبراهيم الشمري المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسلامي، (18/9/2007على مدونة الكاتب: http://abuhilaleh.maktoobblog.com/ وكذاإجابات د. علي النعيمي على أسئلة "اللقاء المفتوح" (مصدر سابق)،حيث يعتبران هيئة علماء المسلمين إحدى مرجعيات الشرعية لأهل السنة وليس المرجعية الوحيدة.

[2] توضيحات، المكتب الإعلامي لجيش المجاهدين، 6 محرم 1429هـ، ردا على مقالة كتبها محمد بن زيد المهاجر (أبو أسامة) بعنوان: "جيش المجاهدين بين سير الخالدين واستدراج الماكرين"،ونشرتها الشبكات الجهادية بتاريخ 7/1/2008.

[3] توضيحات، المكتب الإعلامي لجيش المجاهدين، مصدر سابق.

[4]صدرتا بعنوان:"من يغسل العار عن العشيرة؟"، 14/10/1428،و"الجواب الكافي لمن نوى الهدنة مع العدو ظاهرا أو خافي- وصفة الصياد20/10/2007، عن الهيئة الشرعية لجماعة جيش المجاهدين. في حين أن مواقف الجيش الإسلامي تجاه العملية السياسية معلنة، ومواقفه تجاه تبرير ظهور الصحوات ظلت ثابتة إلى حين بثت قناة العربية لقاءها الشهير مع أبو عزام التميمي فتغير الموقف تماما إلى اعتبار"مشروع (الصحوات) يحمي ظهر أمريكا في كثير المناطقراجع بيان الجيش الإسلامي بعنوان: "قناة العربية تساهم في لملمة شعث أمريكا في محاولات يائسة20/1/2008.

[5]لمزيد من التفاصيل راجع مقالة الباحث: "الجيش الإسلامي: ثوابت سياسية؟ أم أخطاء مدمرة؟"، على المدونة:
http://drakramhijazi.maktoobblog.com/

[6] إجابات د. علي النعيمي على أسئلة اللقاء المفتوح، مصدر سابق.

[7] توضيحات، المكتب الإعلامي لجيش المجاهدين، مصدر سابق.

[8]صدرعن الشيخ عبد الوهاب بن محمد السلطان (أبو وائل أو سعدون القاضي) بعنوان: "بيان صادر عن الهيئة الشرعية لجماعة أنصار السنة"، 21ربيع الأول 1428.

[9]الشيخ أسامة بن لادن، "السبيل لإحباط المؤامرات"، مصدر سابق.
__________________
  #8  
قديم 31-12-2011, 11:30 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

ثانيا: جاذبية الخطاب السلفي الجهادي
لعله من المثير القول أن التحدي الذي تواجهه القوى العالمية في حربها على التيار الجهادي العالمي أو ما يسمى بمكافحة الإرهاب، وإن اختلفت الحسابات، هو ذات التحدي الذي تتعرض له الجماعات الإسلامية الكبرى خاصة وأن الخطاب السلفي الجهادي العابر للحدود، بوصفه "دعوة وغزوة"، يتوجه إلى العامة والأفراد من الناس مخاطبا فطرتهم حتى لو كانت لغته نخبوية باستعمالها لغة العلم الشرعي مما يجعل من خطابها ذو جاذبية تحسد عليها كلما بدا أنها تقترب من نبض أمة تشعر أن سلطانها مغتصب ومجدها وعقيدتها في مهب الريح، بخلاف الجماعات الأخرى التي توجه خطابها في غالب الأحوال لأفراد الجماعة بلغة سياسية أو أيديولوجية أو حتى أمنية قلّما يمكن الدفاع عنها شرعيا. كما أن السلفية كفكرة ليست تنظيما، فأي نصير للسلفية يمكنه أن يشارك في الحوار بحيث يثني ويمتثل مثلما يناصح وينتقد ويجاهر بخلافه مع رموزها الكبار دون أن ينتظر تهميشا أو نبذا أو تجميدا لعضوية أو تهديدا بقطع الراتب أو فقدان لضمانات الرعاية والصحة والتعليم والتشغيل وغيرها مما يُكَبَّل به الأعضاء عادة. فالعقيدة هي الحَكَم بين الأنصار والرموز وأهل الجهاد وليس التنظيم وما يقدمه من امتيازات. لكن مشكلة بعض الجماعات الإسلامية التي نخرتها الحزبية والعصبية التنظيمية إلى حد أنها تتعامل مع السلفية، باستخفاف ظاهري تارة وباستعلاء تارة أخرى، تبدو وكأنها تخوض معها صراعا على امتياز ما في حملة انتخابات نقابية بالكاد بدأت فعالياتها، في حين أن الكتلة السلفية برمتها لم يعد لها من امتياز حتى في الحياة الآمنة[1] وهذا ما يساهم في تعزيز مصداقية خطابها.
وفي السياق ذاته من الجاذبية يتجلى الخطاب السلفي على مرأى المُشاهِد ومسمعه كونه خطاب ذو طابع هجومي وهو يضع الجماعات الإسلامية كافة تحت مجهر الشريعة والتاريخ الإسلامي الحافل بالفتوحات والغزوات مما يجعلها في موقع الدفاع، فما لم يدركه الكثير أن التحصن في العلم الشرعي والتوسع في دراسة الفرق الإسلامية والملل والنحل والأديان والجماعات وغيرها مكّن السلفية من الوقوف على (1) مناهج و (2) عقائد هذه الجماعات وغيرها، وبالتالي أصبح بمقدوره تحديد الموقف الشرعي منها، وكشف حقيقة توجهاتها وصولا إلى إحراجها وحتى إدانتها إن لزم الأمر. وفي حين خلت أدبيات الجماعات الأخرى، مثلا، من مفردات الإرجاء والإرجاف والتخذيل والرِّدَّة والحاكمية والطاغوت والنصرة وجهاد الدفع والطلب وغيرها نرى الأطروحة السلفية، على العكس تماما، تعجّ بها وتستعملها كدليل شرعي لفضح ما تسميه "علماء السوء" و "تجار الدين" و "العصبية التنظيمية"، وساعية، بلا هوادة، لكشف عورات الجماعات الأخرى والطعن في مناهجها وعقائدها. إذ أن مثل هذه المفردات ليست مستوردة من السياسة والأيديولوجيا ووسائل الإعلام ولا من العقائد والفلسفات الوضعية ومناهجها، وعلى العكس من ذلك فهي جزء أصيل في الفكر الإسلامي والعقيدة، لكنها أُخفيت وغُيِّبَت عن مناهج التربية الدينية عند الجماعات الأخرى، فما كان من السلفية إلا أنْ أحيتها واستعملتها كسلاح في وجه القوى الإسلامية، أفرادا وجماعات ومؤسسات، لتعريتها وكشف حقيقة دعاواها وأطروحاتها تجاه الكثير من المسائل العقدية الغائبة عن أدبياتها، ولعل في هذا ما يفسر جانبا من شدة العداء والكراهية للسلفية الجهادية من قِبَل أقرانها.
والأرجح أن جاذبية الخطاب السلفي لا يمكن تفسيرها، أيضا، بمعزل عن الأداء المسلح للتيار الجهادي العالمي سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو الشيشان أو أفغانستان والعراق وغيرها من المناطق الساخنة، وهو ما يشكل علامات فارقة في مخرجات الخطاب الديني إذا ما قورن بمثيله الرسمي. فالخطاب السلفي يقدم نفسه، إعلاميا، ليس على المنابر ولا عبر البيانات أو الانشغال بالخطب الرنانة والاجتهادات الفقهية المستعصية على التطبيق، بل في الميادين العسكرية وعبر شعار: "الجواب ما ترى لا ما تسمع": (1) في صورة مقاتلين "أولي بأس شديد"، وهم يحطمون الآليات العسكرية الضخمة ويطايرون الأشلاء ويقطعون الأوصال ويدمرون الأبراج ويسقطون الطائرات ويقنصون الجنود ويخترقون الحصون والساحات، و (2) في مشهد "الفئة القليلة" من الأفراد ممن يتحصنون بالعقيدة وبإمكانيات بدائية لم تصل حتى إلى عُشر ما امتلكته المنظمات الفدائية عدة وعتادا، و (3) في صورة فترة زمنية قصيرة، تشعر السلفية الجهادية فيها أنها في وضع من "التمكين" والقدرة بما يكفي لنقل المعركة من الساحة الإسلامية إلى ساحة الخصم عبر شعار "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا" وترجمته في صورة الهجوم على الولايات المتحدة في عقر دارها وهدم رموز القوة فيها واستباحة ديار من المفترض أنها آمنة وبعيدة عن التهديد والخطر كما هو حال الدول الأوروبية، بينما الخطاب السياسي العربي ورديفه الديني بكل ما يمتلكه من إمكانيات وعناصر للقوة بدا على امتداد عقود من الزمن أميل إلى المهادنة من التفكير بخوض أية مواجهة حقيقية كانت ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وهذا ما تسبب بانهيار مصداقية الخطاب الرسمي ذو اللغة الأمنية والإعلامية الاستفزازية أصلا في تعامله مع الظاهرة، وهي لغة تم فرضها حتى على لغة المراجعات لبعض الجماعات الإسلامية والمشايخ مما ساهم في
جعْل الخطاب السلفي الجهادي ذو جاذبية تستعصي على الكسر خاصة وهو يستفيد من سقم لغة الخصوم*.
ثالثا: مرحلة اللاعودة
ومع جاذبية الخطاب السلفي لدى العامة، فضلا عن الأنصار، يكون المشروع الجهادي، على المستوى الإسلامي في العالم، منهجا وعقيدة، قد تجاوز مرحلة الاندثار ونقطة اللاعودة، فالمسألة جد حاسمة فيما لو اطلعنا على خطابات قادة القاعدة في أفغانستان والعراق وتصريحات الأمريكيين والمراقبين. فمن جهة، وبدلا من أن نلحظ تراجعا، صرنا نرقب ولادة إمارات إسلامية وجبهات مفتوحة في أفغانستان والشيشان والعراق والصومال وما يشبه الطارئة كما في لبنان، وصرنا نقع على تصريحات قوية من نوع ما أتى به الظواهري: "القاعدة قصمت ظهر الأمريكان في العراق"[2]، أو ما ورد في خطاب بن لادن لأهل العراق وهو يبشر بأنه: "سيعاد رسم خريطة المنطقة بأيدي المجاهدين بإذن الله وتمحى الحدود المصطنعة بأيدي الصليبيين لتقوم دولة الحق والعدل، دولة الإسلام الكبرى من المحيط إلى المحيط"[3].وفيرسالته: "السبيل لإحباط المؤامراتجدد بن لادن قَسَمَه الشهير فيما يتعلق بفلسطين: "والله لننصرنكم ولو حبوا على الركب أو لنذوقن ما ذاقه حمزة بن عبد المطلب"[4]، وفي أول تسجيل مصور لأبي مصعب الزرقاوي كانت أهم الجمل التي قالها وتكرر ترديدها على لسان أبو عمر البغدادي وألسنة قادة القاعدة فيما بعد: "إننا نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس"[5]، لكن أكثرها تميزا ووضوحا في التصميم على عدم التراجع تلك التي صرح بها أبو حمزة المهاجر معقبا على دور الحزب الإسلامي في العراق والإخوان المسلمين: "... لا نريد منكم شيء، فقط دعونا والعدو فإن انتصرنا عليه فهو عزّ الدنيا والآخرة لنا ولكم، وإن قضي علينا فهي شهادةٌ لنا وتكونوا قد استرحتم منا ولن تلقوا الله بدمائنا"[6].
هذه تصريحات القوم، ولا نحسب أنها دعائية خاصة وأنها لا تتناقض البتة مع تصريحات الخصوم سواء كانوا غربيين أو محليين، فالإشكال واقع لا محالة مع تيار أصبح التعايش معه، قسريا، في حكم المؤكد إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تصريحا قويا للملك السعودي وهو يشير إلى أن: "محاربة الإرهاب ستمتد من عشرين إلى ثلاثين سنة"[7] .
زد على ذلك، فثمة منطق آخر للاعودة هو منطق السياسة، ففي أفغاستان رفضت طالبان وقيادتها أية مساومات على تسليم أسامة بن لادن إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفضلت الدخول في حرب لا شك أن التيار الجهادي العالمي خسر فيها خسائر فادحة على كل صعيد، وفي لبنان سواء خاضت فتح الإسلام معركة مخيم نهر البارد أو أجبرت عليها إلا أنها لم تستسلم قط لأية مطالب للسلطة، وما لحق بالمخيم من دمار يشبه الأساطير، وكذا الأمر حصل في مخيم جنين وفلوجة العراق والعاصمة الشيشانية غروزني وغيرها من المناطق الساخنة. ولا نبالغ إذا قرأنا هذه الحروب وقلنا أنها رسائل قاطعة تفيد بأن عصر التراجع والانسحابات والمساومات والوساطات في المعارك قد انتهى مع السلفية الجهادية إلى غير رجعة.
وفي هذا السياق لا بد من طرح التساؤل: هل تهميش السلفية الجهادية وتياراتها المسلحة إعلاميا وتجاهلها أو إنكار وجودها أو الزعم بقرب اندثارها يصنف ضمن خطاب الحرب عليها؟ أم ضمن خطاب الكراهية والعداء؟ أم ضمن خطاب الحذر منها باعتبارها تهمة لمن يحسب نفسه على التيارات الوسطية؟ وأخيرا؛ هل سيؤدي هذا التصنيف إلى نتائج ملموسة كالحد من جاذبية الأطروحة السلفية مثلا ووقف اندفاع التيار الجهادي العالمي؟ سؤال للبحث.
__________________
  #9  
قديم 31-12-2011, 11:33 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رد: مدخل إلى السلفية الجهادية ومشروعها الجهادي د/اكرم حجازي

قائمة المصادر والمراجع


· القرآن الكريم
- سورة الحج : 27.
- سورة التوبة : 46.
· مصادر وثائقية
ثانيا: الأشرطة المرئية والصوتية
1) أبو حمزة المهاجر، "قل موتوا بغيظكم"، شريط صوتي، مؤسسة الفرقان، 5/5/2007.
2) أبو عمر البغدادي، "قل إني على بينة من ربي"، شريط صوتي، مؤسسة الفرقان، 13/3/2007.
3) أبو عمر البغدادي، "حصاد السنين بدولة الموحدين"، شريط صوتي، مؤسسة الفرقان، 17/4/2007.
4) أبو مصعب الزرقاوي، "هذا بلاغ للناس"، شريط مرئي، الهيئة الإعلامية لمجلس شورى المجاهدين، 25/4/2006.
5) الشيخ أسامة بن لادن، "السبيل لإحباط المؤامرات"، شريط صوتي، مؤسسة السحاب، بتاريخ 29/12/2007.
6) الشيخ أسامة بن لادن، "رسالة إلى أهل العراق"، شريط صوتي، مؤسسة السحاب، بتاريخ 23/10/2007.
7) د. أيمن الظواهري،"رسالة إلى شعب باكستان"، شريط مرئي، مؤسسة السحاب، 28/4/2006.
8) د. أيمن الظواهري،"لقاء السحاب الرابع"، شريط مرئي، مؤسسة السحاب، 17/12/2007.
9) شريط مرئي مدته أقل من دقيقتين عن "أنصار المجاهدين" يعرِّف بجماعة جهادية في جزر المالديف على وشك الظهور، 17/11/2007.
ثانيا: البيانات الرسمية
10) أنصار السنة – الهيئة الشرعية، الشيخ عبد الوهاب بن محمد السلطان بعنوان: "بيان صادر عن الهيئة الشرعية لجماعة أنصار السنة"، 21ربيع الأول 1428.
11) الجيش الإسلامي: "قناة العربية تساهم في لملمة شعث أمريكا في محاولات يائسة20/1/2008.
12) جيش أنصار السنة:
- رسالة من قيادة جماعة أنصار السنة إلى جبهة الجهاد والإصلاح، مركز الفجر للإعلام، 3/5/2007.
- بيان من ديوان الشَرع والقضاء لجماعة أنصار السُنة حولَ كَذِب بيان ما يُسمى بـ(الهيئة الشرعية)، مركز الفجر للإعلام، 5/8/2007.
13) جيش المجاهدين:
- توضيحات، المكتب الإعلامي لجيش المجاهدين، 6 محرم 1429هـ، ردا على مقالة كتبها محمد بن زيد المهاجر (أبو أسامة) بعنوان: "جيش المجاهدين بين سير الخالدين واستدراج الماكرين"،ونشرتها الشبكات الجهادية بتاريخ 7/1/2008.
- الهيئة الشرعية لجماعة جيش المجاهدين، دراستان صدرتا بعنوان:"من يغسل العار عن العشيرة؟"، 14/10/1428،و"الجواب الكافي لمن نوى الهدنة مع العدو ظاهرا أو خافي- وصفة الصياد20/10/2007.
14) كتائب العشرين- المكتب الإعلامي: "كتائب ثورة العشرين: بيان الرد على تخرصات حماس – العراق"، ‏1/1/2008، موقع الكتائب على الشبكة:http://kataeb-20.com/main/news.php?action=list&cat_id=102
15) مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية للقاعدة، رد على قناة الجزيرة بخصوص خطاب الشيخ أسامة بن لادن: "أهل العراق"، مركز الفجر للإعلام، 23/10/2007.
16) هيئة علماء السنة، "رسالة مفتوحة إلى أبنائنا وإخوانناالمجاهدين، الصابرين المرابطين على أرض العراق"، 5/9/2007. موقع الهيئة على الشبكة: http://www.iraq-amsi.org/index.php.
ثالثا: اللقاءات والحوارات
17) د. إبراهيم الشمري المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسلامي، (مقابلة مع الجزيرة)، 18/9/2007،على مدونة مراسل القناة ياسر أبو هلالة: http://abuhilaleh.maktoobblog.com
18) أبو عزام التميمي، قناة العربية، برنامج صناعة الموت، 18/1/2008.
19) الشيخ أبو محمد المقدسي: حوار مع مندوب مجلة العصر الإلكترونية وصحيفة المرآة، 1423هـ، وبحسب منبر التوحيد والجهاد فقد "نشر أجزاء من هذا الحوار في مجلة المرآة في الأردن ونشر في مجلة العصر الإلكترونيةثم سحب بعد دقائق!!". على الشبكة:


20) إجابات أحمد سعيد الحامد عضو المكتب السياسي،حماس العراق، ملتقى الإخوان على الشبكة:
http://forums.ikhwan.net/t/showthread.php?t=35791
21) د. بشار الفيضي، الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين، تصريحات لقناة الجزيرة، 24/8/2007.
22) جيش الأمة (فلسطين - غزة)، "حوار مع أحد القادة البارزين لجيش الأمة في قطاعغزةصحيفة الأيام، 12/1/2007، على موقع الجيش:http://www.al-amanh.net/arabic/modules.php?name=News&file=article&sid=32.
23) د. حارث الضاري، برنامج "ضيف المنتصف"، قناة الجزيرة مع، 5/10/2007.
24) خادم الحرمين (الملك عبدالله)، مقابلة على تلفزيزن الـBBC، نقلا عن موقع: "الحرس الوطني"، 19/10/1428. على الشبكة:


25) د. سيف الدين محمود،الناطق الرسمي باسم "جامع"، وكالة قدس برس، 3/1/2008.
26) د. عبد الرحمن القيسيالناطق باسم جبهة الجهاد والإصلاح، مقابلة مع وكالة يقين للأنباء، 27/8/2007. على الشبكة:http://www.yaqen.net/?p=174
27) الشيخ عطية الله، لقاء خاص مع مركز اليقين، وبحسب المركز فقد [أنجز اللقاء عبر المراسلة في العشر الأواخر من جمادى الأولى1428هـ/ يونيو2007م].
28) د. علي النعيمي الناطق الإعلاميللجيش الإسلامي في العراق، أجوبة اللقاء المفتوح، مؤسسة البراقالإعلامية التابعة للجيش، 9/12/2007. على الشبكة:www.alboraqmedia.org.
29) العميد أبو بصير الناطق العسكري باسم "جامع" في حوار أجرته معه صحيفة السبيل الأردنية نشر في 8/1/2008.
30) محمد مهدي عاكف، "مرشد جماعة الإخوان المسلمين يرد على أسئلتكم"، منتدى حوار موقع الـ BBC شباط / فبراير2007.


· المصادر
31) الشيخ أبو حسين المهاجر، الانتصار لأهل التوحيد، 27ذي القعدة سنة 1427هـ.
32) أبو عبيدة المقدسي، شهداء في زمن الغربة.
33) أبو بصير الطرطوسي: "حزب التحرير وسياسة تسمين الخراف"، على الشبكة:

http://www.tawhed.ws/r?i=3557&PHPSESSID=6e7cd3991ebce2b89175bbbacb81ca1 6

34) أبو مصعب السوري (عمر عبد الحكيم)، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، طبعة ذي القعدة 1425هـ/ ديسمبر 2004م.
· المراجع
- مقالات الباحث على المدونة http://drakramhijazi.maktoobblog.com/:
35) الجيش الإسلامي: ثوابت سياسية؟ أم أخطاء مدمرة؟، 6/11/2007.
36) سيناريوهات متعددة ومشاهد مثيرة لمرئية جهادية بلا مونتاج- 3: مشهد خفايا الصراع بين القاعدة والجيش الإسلامي، 22/5/2007.
37) سيناريوهات متعددة ومشاهد مثيرة لمرئية جهادية بلا مونتاج: مشهد الانشقاقات والتحالفات والمرجعيات الأيديولوجية للجماعات الجهادية -2، 14/5/2007.
38) صدى التحالفات الجهادية الجديدة بين العذر والإدانة، 21/10/2007.
39) "في ضوء وقفات البغدادي: هل حل الدولة ممكن؟ -117/4/2007.
40) قراءة أولية في انقسام كتائب ثورة العشرين30/3/2007.
41) هل حققت "راند" اختراقا جديدا في الساحة العراقية؟، 8/4/2007.
- صحف وتقارير:
42) تركي الفيصل، صحيفة الخليج الإماراتية (21/1/2008)، على الشبكة:http://www.alkhaleej.co.ae/articles/show_article.cfm?val=471874
43) تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب الدولي في العام 2006- المملكة العربية السعودية" ،صادر من مكتب منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية في 30 نيسان/إبريل، 2007. على الشبكة:


44) فكري عابدين، "أوروبا تفتح النار على "التبليغ والدعوة"، نقلا عن موقع "إسلام أن لاين":






[1]من الطريف أن يحدث هذا في وقت تتحدث فيه التقارير الأمريكية عما تواجهه السلطات السعودية من صعوبات في مواصلة: "محاربة جاذبية أيديولوجية القاعدة". راجع: "تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب الدولي في العام 2006- المملكة العربية السعودية" ،صادر من مكتب منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية في 30 نيسان/إبريل، 2007. على الشبكة: http://www.cdhrap.net/text/tqarer/alkarjeei/004/2006.htm

* بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 رفع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات شعار: "لا حرب بعد اليوم"، ومنذ ثلاثين عاما أو أكثر، ما زالت البيانات السورية تشتمل على عبارة ثابتة عقب تعرضها لأي هجوم إسرائيلي: "نحن من يحدد زمان المعركة ومكانها، ولن نسمح لأي كان أن يجر سوريا إلى معركة لا تحدد هي زمانها ومكانها"، وأخيرا صرح الأمير السعودي تركي الفيصل لوكالتي الأنباء الألمانية (د.ب.أ) و"رويترز" في كرونبرج بألمانيا: }"إن عرض المبادرة العربية للسلام الشامل مع "إسرائيل" لايزال قائماً"، وإن العالم العربي تجاوز بمبادرة عام 2002 بشكل حاسم مرحلة العداء ومد يد السلام إلى "إسرائيل". وطالب =
= بضرورة وضع "إسرائيل" ضمن "إطار جغرافي" يمتد من الخليج إلى المحيط الأطلسي"{، راجع: موقع صحيفة الخليج الإماراتية (21/1/2008)، على الشبكة:http://www.alkhaleej.co.ae/articles/show_article.cfm?val=471874.

[2] د. أيمن الظواهري،"رسالة إلى شعب باكستان"، شريط مرئي، مؤسسة السحاب، 28/4/2006.

[3]الشيخ أسامة بن لادن، "رسالة إلى أهل العراق شريط صوتي، مؤسسة السحاب، 23/10/2007.

[4] الشيخ أسامة بن لادن، "السبيل لإحباط المؤامرات"، مصدر سابق، 29/12/2007.

[5] أبو مصعب الزرقاوي، "هذا بلاغ للناس"، شريط مرئي، الهيئة الإعلامية لمجلس شورى المجاهدين، 25/4/2006.

[6] أبو حمزة المهاجر، "قل موتوا بغيظكم"، مصدر سابق.

[7]مقابلة مع خادم الحرمين على تلفزيزن الـBBC، نقلا عن موقع: "الحرس الوطني"، 19/10/1428. على الشبكة:

http://www.sang.gov.sa/SANGcs/Arabic/Left/PublicRelations/News/year2007a/14281019.htm
__________________
  #10  
قديم 02-01-2012, 07:43 AM
*سلفيه مندسه* *سلفيه مندسه* غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
مكان الإقامة: ارض الكنانه
الجنس :
المشاركات: 405
افتراضي رحلة في صميم عقل السلفية الجهادية(فلسطين_1)د/اكرم حجازي

سلسلة دراسات عن السلفية الجهادية (1)








بحث:


وهي على مشارف فلسطين:


رحلة في صميم عقل السلفية الجهادية


(القاعدة نموذجا)


صحيفة القدس العربي


28/9 – 31/9/ 2006



منقحة ومزيدة



د. أكرم حجازي



الأردن / حزيران 2006














محتويات البحث


مقدمة .................................................. ..................... 2
المسألة الأولى: الأطر المرجعية للسلفية الجهادية وبعض تطبيقاتها ......... 3
أولا: الوهابية بوصفها حركة سلفية ......................................... 3
ثانيا المخزون الثوري .................................................. .... 8
ثالثا: تطبيقات مفاهيمية (الوطن الإسلامي نقيضا للوطن العربي) ............. 10
المسالة الثانية: التكون التاريخي لتنظيم القاعدة ............................. 16
أولا: المستوى النظري الأول من التوصيف ................................. 17
ثانيا: المستوى النظري الثاني من التوصيف ................................. 22
المسألة الثالثة: فلسطين في عقل القاعدة .................................... 24
أولا: استراتيجيا المواجهة عند القاعدة ....................................... 24
1) التواجد في مناطق التوتر .......................................... 24
2) توسيع ساحة المواجهة ............................................. 26
ثانيا: فلسطين كهدف للقاعدة ................................................ 29
1) المحتوى الديني وتطبيقاته ........................................ 29
2) حقيقة القاعدة في فلسطين ........................................ 34
خلاصة .................................................. .................. 38
قائمة بالمراجع والمصادر .................................................. 39








وهي على مشارف فلسطين:


رحلة في صميم عقل السلفية الجهادية


(القاعدة نموذجا)





د. أكرم حجازي


الأردن / آب 2006



مقدمة
يعزف المرء أحيانا عن الخوض في بعض المواضيع ذات الطبيعة الحساسة خشية المتاعب التي قد يلاقيها أو لأن المواضيع ذاتها على درجة من الغموض بحيث يغدو التعرض لها نوع من المغامرة العلمية والأخلاقية. يستحضرني في هذا السياق كثرة الحديث عما يسمى بـ "استراتيجية القاعدة" وسيل التصريحات المتعلقة بوصول أو قرب وصول القاعدة إلى غزة والضفة الغربية، ولكن ما لفت الانتباه تلك التصريحات النارية التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لصحيفة الحياة اللندنية (الخميس 2/3/2006) مستندا إلى معلومات استخبارية فلسطينية تشير إلى وجود تنظيم القاعدة في المناطق الفلسطينية لاسيما غزة والضفة الغربية على حد السواء، ولا شك أن المخاوف الإسرائيلية من تسرب تنظيم القاعدة إلى فلسطين لها ما يبررها باعتباره تنظيما يثير فزعا من نوع ما على هذه الدولة "إسرائيل" التي تحسب لكل صغيرة وكبيرة وتَحْسَب أنها مهددة في وجودها على الدوام بسبب النشأة الشاذة التي رافقت ظهورها في قلب العالم العربي والإسلامي، ولكن، أن تكون الخشية الفلسطينية على لسان الرئيس ترقى إلى استعمال عبارات مرعبة من نوع "تخريب المنطقة" فهي مسألة تدعو إلى التأمل بقطع النظر عن اتفاقنا مع الرجل أو اختلافنا معه، فإذا ما صحت تحليلاتنا القادمة فإن كلمة "تخريب" ستغدو بائسة لما يمكن أن تتعرض له المنطقة.
ويبدو أن الوقت قد حان لاستطلاع ما يسمى بـ " استراتيجية القاعدة "، والتفتيش عن محتوى "التخريب" المزعوم ومداه حتى لا تبقى المسألة، وبلا مسؤولية، حبيسة لتكهنات البعض من أولئك الذين تقدمهم بعض وسائل الإعلام بصفة "باحث أو خبير في الحركات الجهادية" ويظنون، عبثا، أنهم كذلك، أو أولئك الذين يقدمون خدماتهم في الكتابة والبحث عن القاعدة حتى بدوا لكتاب آخرين متطفلين وكأنهم في موسم تسوق مهمتهم تنظيم جولات من السياحة الإعلامية للراغبين بها من الإعلام المحلي أو الدولي. يحدث هذا في وقت يبدو فيه العالمين العربي والإسلامي واقعين في حالة فريدة وغير مسبوقة في التاريخ من انعدام الوزن.
بداية فلسنا بصدد البحث عن استراتيجيا التنظيم في اللغات المهيمنة والدارجة كما هو الحال في الصحافة والإعلام والسياسة، بل في فلسفة التنظيم بالذات، باعتباره بالمحصلة تنظيما يستقي أفكاره (من) ويتغذى (على) عقيدة السلف. ولأن هذه الفلسفة تقع في نطاق عريض يمثل فيه القرآن والسنة والتراث السلفي معينه الذي لا ينضب فسنعمد إلى البحث والتنقيب عما يمكن أن يقربنا ويتيح لنا إمكانية التعرف على ما يجري في الواقع والكشف عن استراتيجيا القاعدة ليس من خلال لغة الخطابات الإعلامية والأيديولوجية أو بعض النشاطات المسلحة للقاعدة بل وفي ضوء المحتوى الديني بالذات والذي نعتقد أنه الأكثر حسما في توجيه عقل القاعدة.
وعلى الرغم من أن البحث لا يدخر جهدا في طرح الكثير من التساؤلات التي يحاول الإجابة عليها قدر المستطاع، إلا أن الكيفية التي تحول بها تنظيم القاعدة إلى تنظيم عالمي مقاتل، ومحاولة التحقق مما إذا كانت نشاطاته قد وصلت إلى فلسطين أو أن المسألة لا تعدو أن تكون محض فزاعة تمتطى لتمرير مخططات التصفية للقضية الفلسطينية، تقع في القلب من جملة التساؤلات المطروحة والتي ستجري الإجابة عليها عبر ثلاثة مسائل كبرى هي:
· المسألة الأولى: الأطر المرجعية وبعض تطبيقاتها.
· المسألة الثانية: تكون التنظيم.
· المسألة الثالثة: فلسطين في عقل القاعدة.


المسألةالأولى: الأطر المرجعية للسلفية الجهادية وبعض تطبيقاتها


تقع البنية الذهنية والإدراكية للقاعدة في نطاق ما بات يعرف، منذ عقد على الأقل، بـ "السلفية الجهادية". وهو مصطلح جديد كل الجدة وفريد في المحتوى حين يعبر مضمونه المترامي الأطراف عن إجمالي التيارات الجهادية التي غدت تؤمن بما تسميه الإسلام العالمي المقاتل. أما الجدة في هذا الطرح فتكمن في أن الجهاد لم يعد يعبر عن محتوى أيديولوجي ذو نزعة تنظيمية قطرية محدودة بقدر ما بات يُقَدّم على أنه عبادة وفريضة متعينة بقطع النظر عن إمكانية تطبيقها على مجاميع الأمة الإسلامية، إذ أن مبدأ التطبيق اليوم بالنسبة للتيارات الجهادية وفي الظروف الحالية يقتصر على الفرد دون الجماعة، لذا فهو يتخذ من الآية الكريمة التالية شعارا له، وبموجبها يعمل: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {84}، النساء).
أما سؤالنا الرئيس في هذه المسألة فهو: ما هي المصادر المعرفية والمنهجية التي شكلت البنية الإدراكية والذهنية للسلفية الجهادية وغيرت جذريا من المفاهيم التقليدية؟
أولا: الوهابية بوصفها حركة سلفية
لم تحظ أية حركة إسلامية معاصرة بالدرس والتحليل والتنقيب بمثل ما حظيت به الدعوة الوهابية التي ظهرت في الجزيرة العربية منذ ثلاثة قرون (1791-1703 ) سواء أكانت حركة فقهية دعوية أو حركة سلفية جهادية. إذ أن غزارة الإنتاج المعرفي حول الحركة يزيد بما لا يدع مجالا للشك من التعقيد والإرهاق لأي باحث يعيد استهدافها بالدرس أو يحاول وضعها تحت مجهر البحث.
ومع ذلك فبقليل من المغامرة وكثير من الحزم، يمكن اعتبار الوهابية أقدم الحركات الإسلامية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي. ولقد ظلت أسرع الحركات الإسلامية انتشارا وأشدها تأثيرا في المجتمعات والدول الإسلامية على السواء، وما يلفت الانتباه أن ظهورها واشتداد عودها تَلازَم مع انطلاق العربة الاستعمارية الأوروبية في بدايات القرن التاسع عشر والبدايات الأولى لانهيار السلطنة العثمانية، الأمر الذي حملها مسؤوليات كبيرة وأجبرها على خوض مواجهات للدفاع عن ذاتها وتنزيهها عن أية علاقات رأسمالية مع الغرب الأوروبي (المشرك) أو ضربها بطموحات سياسية تستهدف الدولة العثمانية (المسلمة) وتسلم الخلافة نيابة عنها. والحقيقة أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي مرت بها الجزيرة العربية من شأنها إسقاط هذا التلازم المشين في النشأة والذي، ربما، يقع في خانة المصادفات، أو على الأقل هو ليس من اهتمامات البحث.
واقع الأمر أن الجزيرة كانت مقسمة إلى مناطق نفوذ قبلي متنوع اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وحتى طائفيا، ويكاد البعض من المطلعين يجزم أن الجزيرة كانت تمر بمرحلة ثقافية جد متخلفة وغارقة في دروب الخرافات والأساطير والشرك وحتى الوثنية[1]. لهذا تبدو دعوة محمد بن عبد الوهاب قد جاءت في أوانها وفي الصميم، وليس أدل على ذلك من اعتبار الفقهاء والعلماء والمؤرخين والمحدثين على اختلاف مشاربهم وآرائهم وحتى توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية كتاب "التوحيد" أهم كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الإطلاق[2]. فالدعوة، إذن، جاءت ردا على واقع اجتماعي بات أبعد ما يكون عن العقيدة وأصولها التي اختلطت مناسكها بالبدع إلى حد الشرك والوثنية[3] وليس ردا على أسباب سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية. وفي مثل هذا الأمر الحاسم في النشأة يغدو السؤال عن ماهية الدعوة: هل هي مذهب أم جماعة أم حركة أم تيار؟ مشروعا مئة بالمئة، فطبقا للمصطلحات الراهنة لا ترى أطياف الشيعة والصوفية ومثليهما في الوهابية غير مذهب ضال، في حين تراه بعض أطياف السنة، بالإضافة إلى كونها مذهبا، حركة إسلامية تجديدية، ومع ذلك فمن
حين لآخر يغدو رسم "الوهابية" للبعض مجرد شتيمة أو مذمة يُرمى بها من يعتقد بها أو يدافع عنها.
والسؤال هو: كيف ينظر أتباع الوهابية وشيوخها وتلامذتها إلى الدعوة؟
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن "السلفية" مصطلح ينسحب على الماضي بالكامل، متحصنا بمشروعية موضوعية تقع في صلب التعبير التاريخي "السلف الصالح" الصيغة الأكثر شيوعا في المؤلفات والكتب والأشد تداولا على ألسنة الفقهاء والمحدثين، وبالتالي فإن أي حديث عنها سيعني قطعا التوجه نحو الماضي والتعلم منه والأخذ به، وهي دعوة مبررة لمقاربة الواقع الذي نشأت به السلفية بالواقع الذي كانت عليه قبل نحو 1200 عام على انطلاق الدعوة المحمدية. ولأن تجليات واقع النشأة ذات محتوى ثقافي أبعد ما يكون عن أصول الدين وسيرة السلف الصالح فمن الطبيعي أن تركز الدعوة على قضايا تهتم بتحقيق أصول الدين مستعملة ما يشبه أسلوب الطِّباق اللغوي أو ما يعرف بالمتضادات كالتأكيد على "التوحيد مقابل اجتناب الشرك" ولإثبات "الولاء والبراء للخالق نقيضا للعبودية والتزلف للمخلوقين". وبهذا المعني سنكون أمام الثوابت التالية التي يعتقد بها التيار الجهادي:
· إن الوهابية هي دعوة سلفية خالصة لها "قواعدها وأصولها[4]"، ومن مهماتها إحياء علوم الدين وتصحيح الانحرافات وتفكيك الأساطير والخرافات ومظاهر الشرك وإعادة الناس إلى الفطرة الدينية السليمة. وبما أنها دعوة دينية فمن المستبعد أن تقدم السلفية نفسها أو تكون انعكاسا لتكوينات اجتماعية أو طائفة دينية أو سياسية، ولعل سر ديمومتها واتساعها هو فيما تدعو إليه من العودة إلى الفطرة والتمسك بسيرة السلف في فهمه للدين والعمل بهوليس بسبب توجيهات سياسية من السلطة ولا بسبب امتلاكها الإمكانات المادية كما يروج البعض وهو ما كانت تفتقده أصلا حين النشأة، فضلا عن أن مؤسسها، وإن كان والده قاضيا، إلا أنه كان من عائلة نجدية صغيرة وفقيرة[5].
· ولأنها سلفية فهذا يعني أنها تفكر في العقيدة من أجل العقيدة ومن أجل المعتقدين بها، وبالتالي لا يعنيها من قريب أو من بعيد الاجتهاد من خارج منظومة العقيدة الإسلامية ولا التعليق على المنظومات الفكرية الأخرى ذات المنشأ غير الإسلامي أو الاستعانة بها، ولا العقائد الأخرى من وضعية أو وثنية أو تحريفية، وأزيد من ذلك أن كتابات محمد بن عبد الوهاب خلت من الإشارة إلى أي ارتباط بمصادر فلسفية قديمة كالفلسفة اليونانية أو الأوروبية إجمالا، مما يعني أنه لم يطلع عليها أصلا ولم يكن يفكر بموجب معتقدات الآخرين. وعليه فالسلفية، بحسب تعبير أحد الباحثين،: " حركة أصلية بكر ... واجهت آخر هو "المسلم" الذي لم يعد مسلما تحت وطأة الشرك. إنها حركة إحياء داخلي بالأساس... "[6].
· ترفض السلفية رفضا قاطعا حصر الدين في المنظومة التاريخية بحيث تغدو الكثير من الآيات القرآنية إن لم يكن القرآن برمته بكل ما يتضمنه من قصص أو أحكام أو عبر أو ... محصورا بأسباب النزول التاريخية، مما يعني إخراج العقيدة بكل مضامينها ومقاصدها من حيز الواقع والمستقبل بحيث لن تعود ذات جدوى كبير فيما بعد، وهو ما يعني بالمحصلة النهائية طي القرآن وآياته وأحكامه وفقهه وتفسيره وتأويله والاستدلال به أو الاعتماد عليه، وتجريده من الواقعية الأزلية فيغدو حينها كتابا صالحا لماضي ليس له كبير أثر على الحاضر والمستقبل.
· تسمح السلفية بممارسة الاجتهاد والتأويل من داخل المنظومة الإسلامية العقدية، وبما لا يتجاوز قط المس بأي حكم شرعي، فالاجتهاد واقع فيما لا نص فيه، بل أن " الوهابية ترى في الاجتهاد الحقيقي مصدراً رابعاً للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع "[7].
· ولأنه لم يسبق أن أفرز أي من المذاهب السنية الأربعة مذهبا خامسا أو سادسا؛ ولأن الوهابية حنبلية المذهب أصلا وفصلا؛ فمن غير العلمي ولا الموضوعي أن توسَم الوهابية بالمذهب الخامس وهي ليست كذلك أبدا إلا عند خصومها لاسيما الشيعة منهم.
· وتأسيسا على ما سبق؛ فالوهابية ربما يمكن اعتبارها حركة تتمتع بالأصالة بوصفها تعبير بنيوي عن احتياجات ذاتية للإصلاح، وليست تنظيما سياسيا ولا دينيا، كما أنها ليست تعبيرا عن فرقة دينية وليست مذهبا بأي شكل من الأشكال، وليس من مهماتها العمل بأي مما سبق[8].
إذن، فلما تكون السلفية الوهابية مجرد دعوة دينية وليس في نشأتها ولا في نيتها أن تكون ممثلة لجماعة بعينها أو تعبيرا عن تطلعات طائفية، ولا أن يكون في أهدافها تكوين حركة سياسية أو استحداث مذهب جديد فليس من المبالغة أن تنظر إلى نفسها وينظر إليها الآخرون باعتبارها "منهج علمي وعملي شامل ومتكامل تجاه النصوص الشـرعية، وليسـت مجـرد موقـف علمـي"[9]كل ما يتمناه هو تلمس العودة بالسلوك الديني والثقافة الإسلامية إلى عصورها الأولى النقية. وبناء على ذلك يلزم القول أن الاختلاف في هذه القضية أو تلك مما جاءت به الوهابية لا ينفي عنها البتة ميزتها الجوهرية كمنهج في العمل الإسلامي بالدرجة الأساس مثلما هي دعوة.
والآن، بما أن السلفية ظهرت في الجزيرة العربية، فمن الصحيح منهجيا أن تظهر التطورات والتبدلات الأيديولوجية الحاسمة داخل الإطار الذي احتضن النشأة. وفي الحقيقة لسنا بصدد البحث في هذه المسألة الجديرة بالفحص، ولكن لنتعرف على الأقل على ما يسميه البعض بمكونات المشهد الديني داخل السعودية من خلال رؤية أحد الناشطين الذي لاحظ وجود خمسة تيارات إسلامية
ناشطة[10] في هذه الأيام وهي:
__________________
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 326.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 320.84 كيلو بايت... تم توفير 5.64 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]