تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 27 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854515 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389458 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #261  
قديم 21-10-2020, 06:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



رواية القرطبي في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

قال: [ وذكر القرطبي في تفسيره الرواية التالية: كل بلدة ] أو إقليم [ يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلاء ] أيما مدينة أو قرية أو بلد يوجد فيه أربعة رجال فأهله معصومون من البلاء، محفوظون بحفظ الله، لا يصيبهم بلاء في دنياهم فضلاً عن أخراهم، أربعة، فمن هم يا ترى؟قال: [إمام عادل لا يظلم ] أولاً: حاكم.. أمير.. شيخ، المهم في ذلك البلد حاكم عادل لا يظلم أحداً. هذا أول الأربعة: إمام عادل.ثانياً: [ وعالم على سبيل الهدى ] عالم يعلم الناس الخير ويدعوهم إليه ويساعدهم عليه، متى وجد هذا الشخص أيضاً فأهل القرية مع الإمام العادل ناجون من البلاء سالمون من المحن.ثالثاً: [ ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرسون على طلب العلم والقرآن ].أولاً: إمام عادل. ثانياً: عالم على سبيل الهدى يوضح الطريق وينصر أعلام الهداية. ثالثاً: مشايخ من أهل العلم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرسون على العلم والقرآن الكريم. رابعاً: [ ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ] متى وجدت هذه الأربع فبشر أهل بلادهم بأنهم آمنون من البلاء.هل في بلاد العالم الإسلامي هؤلاء الأربعة؟ موجودون عندنا، والله موجودون عندنا في المملكة:أولاً: إمام عادل، فهل هناك من يرفع يده ويقول: عبد العزيز أو ابنه فيصل أو خالد أو فهد أخذوا مالي، سلبوني، ظلموني؟ ما بلغنا، وما كان، وهذا هو العدل.ثانياً: عالم على سبيل الهدى، فما خلت هذه البلاد من علماء كـمحمد بن إبراهيم وكـابن حميد وكـالباز يدعون على سبيل الهدى. ثالثاً: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وها هي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قرية وكل بلد مشايخ بعمائمهم ولحاهم.رابعاً: نساؤهم مستورات لم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، أنتم ما عرفتم هذا والعدو والله لقد عرف هذا من سنين، وهو يعمل جاهداً على أن ينتهي العدل من هذه البلاد، ويعمل جاهداً والله العظيم على أن لا يبقى علماء من هذا النوع جاهدين على أن ينتهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله يكتبون ويتقززون من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الحجاب الذي تنعم به هذه الأمة وفقد في العالم إلا من رحم الله فيعملون بكل الوسائل على أن تكشف المرأة السعودية وجهها، ومظاهرات تمت حتى بجدة. هذا القرطبي في القرن الرابع يقول: أربع إذا وجدوا في بلد أمن أهله من الفتن والمحن والبلايا:الأولى: إمام عادل، سواء كان حاكماً أو شيخاً أو أميراً في القرية، إذا كان عادلاً فهذا أول الخير.الثانية: عالم يبين للناس الطريق ويزيل عن أعينهم الغشاوة والعمى؛ ليعرفوا الطريق إلى الله، فبدون علم كيف ننجو ونسلك؟ هذا ضروري.الثالثة: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرصون على العلم والقرآن العظيم؛ حتى ما يفقد ويضيع.رابعاً: نساء مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.لعلكم ما اطمأنت نفوسكم إلى ما قلت لكم، والله لكما أقول، انزع من ذهنك معنى الجهل وعدم البصيرة، يعملون ليل نهار أن لا يبقى هذا الحجاب في نسائنا، بالوسائل المتعددة، من الأفلام إلى الأقلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يوجد في العالم إلا في هذا البلد، وهم يجرون بالوسائل ولولا الله لكانوا أسقطوا الهيئة، ما يريدونها، فالحمد لله، نقول هذا ليبلغ عنا الخبراء أن على هذه الحكومة أن تحافظ على هؤلاء الأربعة ليستمر أمنها وطهارتها وصفاؤها.أولاً: العدل في كل من يلي أمر البلاد، حتى شيخ القرية يجب أن يكون عادلاً.ثانياً: أن لا يخلو بلد من عالم رباني يعلم الناس الهدى ويرشدهم إلى ما فيه رضا الله عز وجل.ثالثاً: لا بد من رجال يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في كل قرية وفي كل مدينة، مهمتهم إذا رأوا منكراً غيروه، وجدوا معروفاً متروكاً أمروا به حتى يفعل.والأخيرة: الحجاب، يتغنون يكيدون يمكرون فلا نسمع، فالمرأة لا تخرج كاشفة عن وجهها ولا محاسنها، وإن غضب العالم بأسره.وهناك ما رواه غير واحد: [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل: ( يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ) ] صاحب سأل كما سأل أبو عبيدة : ( من أشد الناس عذاباً يوم القيامة؟ )، هذا قال: ( متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رسول الله؟ )، الجواب [ ( قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم من قبلكم ) ].إذا ظهر فيكم أيها المسلمون ما ظهر في الأمم من قبلكم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصدق رسول الله فمن إندونيسيا إلى بريطانيا انتهى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأننا استغربنا وأصبحنا غربيين، ما نسمح لرجل يقف أمامي يقل لي: صل، أو: يا فلانة غط وجهك، ما نسمح بهذا؛ لأن الغرب ما يفعل هذا، وكأن رسول الله شاشة أمامه يشاهد أحداث العالم فيها، عجب.[ قال: ( يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم من قبلكم. قلنا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا؟ ) ] يتابعونه سؤال وجواب [ ( قلنا: يا رسول الله! وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: الملك في صغاركم ) ] الحكم في أيدي صغاركم؛ لأن الحاكم يصدق أن يكون تجاوز الخمسين على الأقل، المفروض ستين وسبعين، أما حدث ما زال يلعب ويسند إليه الأمر لا يفلح [ ( قال: الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم ) ] الكبار يزنون ويفجرون [ ( الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم ) الرذالة: كحثالة ] العلم يوجد في حثالة الناس. إذا حصلت هذه انتهى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقع هذا فعلاً، وهو غيب يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وتمضي القرون متتالية ولا بد وأن يتحقق، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

معنى قوله تعالى: (يكفرون بآيات الله)

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] هذا خبر إلهي جاء بالمضارع في (يكفرون، ويقتلون، ويؤمرون)، فلم ما قال: (إن الذين كفروا بآيات الله وقتلوا)؟الجواب: لنتصور الواقع كأنه حاضر بين أيدينا، ولعلم الله تعالى أن هذا سيتكرر على مدى الحياة، (إن الذين يكفرون) اليوم أو غداً أو بعد ألف سنة. فما معنى: (يكفرون بآيات الله)؟ وما هي آيات الله؟علمنا أولاً: أن هذا اللفظ يشمل المعجزات التي يظهرها الله على أيدي نبيه، إذ كل معجزة آية، أي: علامة بارزة على أن من ظهرت على يده فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جحد الآيات اليهود والنصارى بالمدينة وأبوا أن يؤمنوا بالمعجزات المحمدية.ثانياً: الآيات التنزيلية القرآنية سواء في التوراة أو الإنجيل أو القرآن، تلك الآيات علامات على الحق والعدل وعلى وجود الله عز وجل وألوهيته الحاملة لشرائعه وأحكامه. إذاً: الكفران به معناه جحودها والتكذيب بها وبما تحمله من هدى، فالذي يكذب بآية واحدة من كتاب الله كفر ومأواه جهنم وبئس المصير، والذي يكفر بحكم واحد يقول: لا أعترف بالزكاة. والله كفر، أو يقول: لا أعترف بهذا الصيام. كفر، أو يقول: لا أعترف بقطع يد السارق ولا أقره. كفر. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:21] هذه الجريمة الأولى. والثانية: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:21].وهل هناك نبي قتل بحق؟ مستحيل، فهو معصوم فكيف يرتكب ذنباً يقتل به، ولكن من باب تقبيح قتل الأنبياء. الجريمة الثالثة: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21]. من هم الذين يأمرون بالقسط من الناس؟ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، العلماء العارفون بآيات الله وشرائعه، إذا أمروا بالعدل والحق والخير والمعروف قتلوهم كما فعل بنو عمنا اليهود، وفعله المسلمون في شتى العصور.

معنى قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم)

قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ من الذي يبشرهم؟ وهل العذاب بشرى تزف إليهم؟ هذا فيه معنى التهكم وهو أشد لذاعة وآلم في النفس من ضرب الجسد؛ لأن هؤلاء موجودون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبشرهم يا رسولنا بخبر من شأنه أن يغير بشرة وجوههم فتسود وتكلح فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] بماذا نبشرهم يا رب؟ قال: بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].أتدرون ما العذاب؟ العذاب: كل شيء يزيل عذوبة حياتك فهو عذاب، موت أبيه عذاب يزيل عذوبة طعامه وشرابه في تلك الأيام، وكل ما يزيل عذوبة الحياة فهو العذاب، الذي يزيل ويبعد عذوبة الماء الحلو هو العذاب أو الطعام الشهي هو العذاب.والأليم الموصوف بشدة الإيلام والإيجاع، أي: شديد الإيلام والإيجاع، هذا صالح أن يكون في الدنيا وفي الآخرة، وقد تم لهم في الدنيا أيضاً، فالذين كفروا بآيات الله وقتلوا النبيين وقتلوا الآمرين بالمعروف نزلت بهم البلايا، أما في اليهود فلا تسأل، وفي النصارى أشد أيضاً.فبشرهم بعذاب موجع أولاً في الدنيا وأخيراً وثانياً في الآخرة، ولو أراد الآخرة لقال: فبشرهم بعذاب أليم يوم القيامة، لكن أطلق؛ لأن هذا يناله الناس في دنياهم وأخراهم.قد تقولون: بين لنا وأعطنا صورة يا شيخ؟فأقول: لما حكمتنا بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وفعلوا بنا الأعاجيب كان ذلك عذاباً بسبب ذنوبنا، فهو عذاب في الدنيا، وينتظرنا آخر غداً إن لم نرجع إلى الطريق السوي ونسلك سبيل الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين)
قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22]. قوله تعالى: أُوْلَئِكَ [آل عمران:22] أشار إليهم بلام البعد (أولئك) أي: البعداء في الشقاوة والخسران.. في الضلال والكفران أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [آل عمران:22]. ‏

معنى قوله تعالى: (حبطت أعمالهم)

ما معنى: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [آل عمران:22]؟ بطلت، ما نفعتهم أعمالهم في الدنيا من البناء والتعمير والأموال، كل ذلك ما أفادهم شيئاً في الآخرة، كفرهم وشركهم وعباداتهم كلها بطلت ولم تنفعهم شيئاً. حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22] معاً، ولذا كان العذاب أيضاً في الدنيا والآخرة.

إحباط الشرك للعمل في الدنيا والآخرة

هل تدرون ما الذي يحبط العمل في الآخرة؟ بلا شك هو الشرك بالله عز وجل، فالشرك مبطل للعمل محبط له، لو يعبد صاحبه ربه ألف سنة وهو راكع ساجد صائم قائم ثم يفعل شركاً اعتقده أو قاله أو عمله يبطل ذلك العمل كله ويتبخر ويتلاشى. ما الدليل؟أولاً: قول الله عز وجل على لسان عيسى بن مريم، عيسى ابن البتول عليه السلام يخطب الناس من بني إسرائيل في حفل عظيم كما حكاه الله عنه في سورة المائدة فقال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. سبحان الله! كيف بلغنا هذا؟ عيسى خطب في بني إسرائيل واعظاً معلماً فمن نقل إلينا هذا؟ قولوا: الله! فالحمد لله، هذا كتابه المشتمل على كل المعارف في الدنيا والآخرة، كأننا حاضرون مع بني إسرائيل، بيان رسمي ألقاه عيسى، اسمعوا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، فأي ظلم أعظم من الشرك؟ ما وجه ذلك؟أنت تظلم أخاك فتأخذ دابته، تظلم أخاك فتفسد عليه زوجته لتتزوجها، تظلم أخاك فتسلب ثوبه، هذا ظلم والذي يأخذ حق الله بكامله ويصرفه لمخلوق من مخلوقاته فأي ظلم أبشع من هذا؟ يعلم أن الله ما خلق الخلق إلا ليعبد، فهو سر وجود الحياة بكاملها، علة الوجود بكامله أنه أراد تعالى أن يذكر ويشكر، والعبادة ما خرجت عن الذكر والشكر، فخلق الجنة والنار والعوالم كلها، وخلق الإنس والجن من أجل أن يذكر ويشكر، فإذا ترك العبد ذكر الله وشكره خسر خسراناً أبدياً، لن يخرج من عالم الشقاء أبداً؛ لأن جريمته قومناها، جريمته كأنما نسف الكون كله. تعرفون جريمة من لم يعبد الله؟ القضاة بكم يقدرونها؟ جريمته كأنه نسف السماوات ومزق الأرض والخليقة والجنة والنار كل ذلك أبطله. هذه جريمته. كم يعذب من مليار سنة؟ فلهذا أهل الشرك خالدين فيها أبداً، فما هو قتل نفس ولا جماعة أو إحراق مدينة، هذا الخلق كله دمره؛ لأن الله ما خلق هذا الخلق إلا ليذكر هو ويشكر.إذاً: أعظم الظلم هو الشرك؛ لأنك تسلب حق الله وتعطيه للشيطان، فأعوذ بالله منك يا عبد الله! تأخذ حق الله الملك الحق وتعطيه لعدو الله؟!عرف هذا ذاكم العبد الحبشي النوبي لقمان الحكيم، عرف هذا ولم نعرفه يا أهل القرآن، أجلس طفله بين يديه يعظه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] هذه قالها لقمان من بلاد الحبشة. ولما نزلت آية الأنعام واحتار الصحابة وارتبكوا: ( من منا لم يظلم يا رسول الله؟ ) وهي قوله تعالى: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] فأي الفريقين نحن أم أنتم أيها المشركون أحق بالأمن من عذاب الله فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] أجاب الله بنفسه فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا [الأنعام:82] أي: لم يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]فهم أحق بالنجاة من النار، الذين آمنوا ثم لم يلبسوا إيمانهم بظلم. لما نزلت هذه الآية احتار الصحابة وجاء وفدهم إلى رسول الله وقال: ( أينا لم يظلم نفسه يا رسول الله؟ ) إذا كان لا نجاة إلا لمن لم يظلم نفسه فأينا ما يظلم؟ فقال: ( ليس الأمر كما علمتم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان الحكيم: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] )، فالظلم المانع من دخول الجنة هو ظلم الله، أن تأخذ حق الله الذي أوجبه بخلقك ورزقك وحياتك وتعطيه لغيره.

صور من الشرك

معشر المستمعين! هل تعرفون عن الشرك شيئاً؟ لا تعرفون، إذاً: أعلمكم؟تسأل أحدهم: هذه النخلة لمن؟ فيقول: هذه نخلة سيدي عبد القادر . لم؟ حتى يبارك البستان بما فيه. تسأل: هذا التيس لمن؟ فيقول: هذا التيس لسيدي عبد القادر .عبدوا عبد القادر والبدوي وإدريس .. وكل الأولياء، وفاطمة والحسين أيضاً، فكل من يعطي حق الله لمخلوق فقد عبد ذلك المخلوق وأشرك بعبادة الله هذا المخلوق. الذي يقف ويقول: يا سيدي عبد القادر .. يا رسول الله .. يا فاطمة .. يا رجال البلاد، أنقذوني، أنا أستشفع بكم، فقد جعلهم مثل الله يسمعون كلامه ويعرفون حاله ويقدرون على إلجائه أو إعطاء سؤاله، سواء بسواء. ومن قال: لم؟ نقول: كيف ينادي بقلبه ولسانه ويطلب وتقول: لا لا، هذا تناقض ، فالذي يقول: يا سيدي فلان المدد المدد، والعوام يقولون حتى لرسول الله، لو كان بينهم لأدبهم أو سلط عليهم عمر ، يقولون: يا رسول الله المدد! الغوث أغثنا. انصرفوا عن الله وأقبلوا على غيره، فكيف يرضى الله بهذا وهو ما خلقهم إلا لعبادته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].اسمعوا! في تلك الحجرة الطاهرة كان النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من الصحابة بجواره في المسجد، وكان منافق يتسلط عليهم في بداية الإسلام في السنة الأولى أو الثانية، فقالوا: هيا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الكافر المنافق، فسمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم: ( إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله )، واقرأ في القرآن: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9].وهذا رجل يتكلم فقط مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله، قال: لا، ما زدت أن جعلتني لله نداً قل: ما شاء الله وحده )، الرجل بنيته قال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فغضب الرسول وقال: لا تقل هذا، قل: ما شاء الله وحده، فكيف تسوي مشيئة الله بمشيئة العبد؟ سمعهم يحلفون بالسيد فلان وحقي ورأس كذا، فصعد صلى الله عليه وسلم على المنبر فخطب وقال: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). ومرة أخرى قال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ). ومرة قال: ( فقد كفر ). كيف هذا يا رسول الله؟الجواب: نسيت ربك، نسيت من بيده أمرك، نسيت من رزقك بيده، نسيت العليم الحكيم، نسيت العليم الخبير.. نسيت نسيت، وتقول: على المخلوق، وتقول: أحلف به، أين ذهب بعقلك؟ ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أي: في تعظيم الله فعظم سواه، كفر لأنه غطى الله وجحده ولم يحلف به وحلف بمخلوق من مخلوقاته.ولما رآهم متورطين لحداثة إيمانهم وإسلامهم بين لهم أنه ما يشرع لأحد أن يقول: (واللات). آخر يقول: (والعزى)، عاش خمسين عاماً يحلف بهما والآن يتوب، ففي يوم واحد لا يستطيع يبقى يجري على لسانه. وآخر يقول: تعال أقامرك، جماعة مكة؛ لأنهم يعيشون على القمار، تعال أقامرك، فيجري على لسانه، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحادثة كيف يعالجها؟ هم لا يقصدون ذلك ولكن تجري على ألسنتهم؛ لطول ما لازموها، فوضع قاعدة نفعنا الله بها وانتفع بها المؤمنون الذين يحضرون هذه الحلقة كثيراً وهي اسمع: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله تمحها ). أنت تعودت أن تحلف بسيدي عبد القادر ، جرى على لسانك ولا تقصد فقل: لا إله إلا الله تمحها. ( ومن قال لأخيه: تعال أقامرك فليتصدق )، بريال.. بحفنة تمر تمحو ذلك؛ لأنه لا يريد أن يقامر، لكن لطول ما لعب القمار يجري على لسانه: تعال أقامرك، فالعلاج صدقة، وما حددها لتكون نافعة من الكبير والصغير، ( ومن حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ).إذاً: إخواننا المصريون ونحن معهم اعتادوا على قول: (والنبي)، يجيء الرجل يسألني وأنا على الكرسي فيقول لي: (والنبي) ما قلت كذا؟ يقول: والنبي ما نزيد، والنبي لا أزيد مرة ثانية. فلم ينفعنا شيء أكثر من هذه القاعدة، من قال: (والنبي) يقول: لا إله إلا الله؛ لأن الإنسان إذا اعتاد شيئاً لا يتركه بسهولة، بل يحتاج إلى زمن، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة: من حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله تمحو تلك السيئة، ومن قال لأخيه: تعال نلعب القمار يتصدق بصدقة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #262  
قديم 21-10-2020, 06:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير آل عمران- (3)
الحلقة (144)



تفسير سورة آل عمران (11)

أوجب الله على الناس التحاكم إلى كتابه عند الاختلاف، وقد كان اليهود من شأنهم أنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى كتاب الله تولوا وأعرضوا مستهزئين بأمر الله زاعمين أنهم لن يعذبوا بسبب مخالفتهم لأنهم أبناء الله وأحباؤه، وحتى لو أدخلهم النار فلن يزيد بقاؤهم فيها على أيام معدودة، لكن الله عز وجل هو من سيحكم عليهم في الآخرة وسيدخلهم النار جزاء رفضهم لحكمه في الدنيا.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم اجعلنا من هؤلاء المؤمنين الذين فازوا بهذا الأجر العظيم.وها نحن مع تلاوة هذه الآيات الثلاث بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25]. وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات أذكركم بنتائج الآيات السابقة التي درسناها أمس بإذن الله. ‏

الكفر والظلم من موجبات الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة

عرفنا أن الكفر والظلم من موجبات هلاك الدنيا ولزوم عذاب الآخرة، فالكفر والظلم من موجبات ومقتضيات ومستلزمات هلاك الدنيا وعذاب الآخرة.وتذكرون ذلكم الحديث، حديث أبي عبيدة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ فأجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم: رجل قتل نبياً )،فهذا من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ( رجل قتل نبياً بغير حق، ورجل أمر بالمعروف أو نهى عن منكر فقتلوه )؛ لأن الله قال: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21]، والقسط هو العدل، والعدل يدور حول ما أمر الله به وما نهى عنه، فمن أمر بما أمر الله به ونهى عما نهى الله عنه ما زاد أبداً على العدل.ثم ذكر محنة بني إسرائيل أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً في الصباح، ولما قام العباد الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ونهوهم وأمروهم قتلوهم، وكان عددهم مائة وسبعة وسبعين. والله عز وجل توعد من يفعل ذلك فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].

خصال أربع تمنع البلاء

هل تذكرون تلك الكلمات الطيبة التي رواها القرطبي في تفسيره وهي تنطبع تماماً على هذه الدولة أو هذه البقية الباقية في العالم الإسلامي. ماذا قال؟ كل بلدة يكون فيها أربع خصال أو أمور فهي آمنة من البلاء، بعيدة من الشقاء. أول هذه الخصال الأربع: إمام عادل. أي: حاكم لا يظلم ولا يجور، لا يعتدي على أعراض الناس ولا أموالهم ولا على أبدانهم، ويحكم بينهم بما حكم الله به ورسوله. هذه واقية من أعظم الواقيات الأربع.الثانية: رجل على سبيل الهدى. أي: عالماً يعلم الناس الخير والهدى ويدعوهم إليه، فإذا وجد في البلدة عالم قائم بواجب البيان والهداية فالأمن حاصل.الثالثة: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مشايخ من أهل العلم يأمرون أهل البلدة بالمعروف إذا تركوه، وينهونهم عن المنكر إذا فعلوه، فهم وقاية عجيبة.الرابعة من الواقيات من البلاء: نساء متسترات غير متبرجات تبرج الجاهلية الأولى. وهذه ما إن ظهرت هذه الدولة على يد عبد العزيز حتى ظهرت فيها هذه الوقايات الأربع، وإن شئتم حلفت لكم بالله، واستمر النور والهداية والأمن والطهر وعرف هذا العدو من اليهود والنصارى والمشركين وما عرفه المسلمون، فأعداء الإسلام إلى هذه الساعة يعملون بجد واجتهاد على إبطال هذه الأربع الواقيات وإبعادها لتهبط هذه البقية الباقية إلى مستوى العالم الإسلامي، فلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا حجاب ولا تستر، ولا عدل ولا رحمة، ومن الأسف أننا نحن أهل البلاد ما عرفنا هذا، فمن الحين إلى الحين تظهر ظاهرة دعوة إلى السفور، إلى كشف وجوه النساء. وإذا تبرجت النساء وخرجن واختلطن بالرجال كاشفات الوجوه فعلى الطهر السلام، يحل محله الخبث، ولازم الخبث غضب الرب وسخطه وبذلك يحل العذاب.وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الهيئات تسمع من ينقد، تسمع من يطعن، حاولوا أن يكتبوا أيضاً وكتبوا متقززين: كيف تقام الصلاة ويخرج الناس من دكاكينهم وأعمالهم؟ تألموا لذلك ولا هم لهم إلا إطفاء هذا النور الباقي.

دعائم الدولة الإسلامية

نقول بالعلم الذي تقرر عندنا: إن الدولة الإسلامية -بلغوا المسلمين- لا تقوم على مقام يرضاه الله ويثمر الطهر والأمن والصفاء إلا إذا أقيمت على أربع دعائم وضعها الله العليم الحكيم، وجاء هذا واضحاً بيناً، من سمع الآية فهم، من قرأها علم، فلا لبس ولا غموض، ولا تقديم ولا تأخير، وإليكم هذه الآية الكريمة من سورة الحج المدنية المكية، إذ قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: حكموا وسادوا.

الأولى: إقامة الصلاة

الأولى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] هذه واحدة أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] ما قال صلوا، بل قال: أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] وإقام الصلاة: إذا أذن المؤذن ونادى أن حي على الصلاة وقف دولاب العمل وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم كالمظاهرة الغربية التي يتعشقها الغافلون، المظاهرات في أوروبا يزحف النساء والرجال والأطفال فيسدون الشوارع والطرقات يشتكون، ونحن معنا تلك المظاهرة الربانية خمس مرات في أربع وعشرين ساعة، إذا نادى منادي الصلاة لصلاة الظهر وقف العمل نهائياً وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم ليناجوا مولاهم ويتملقوه ويتزلفوا إليه بذكره ودعائه ورفع شكاتهم إليه. وإذا انتهت الصلاة عاد العمل كما كان وأحر مما كان، لأنهم أهل إيمان، لأنهم أحياء تمام الحياة، فإذا نادى منادي صلاة العصر وقف العمل وخرجت الأمة إلى ربها، إذ لهذا خلقها، فلا تفهم غير هذا، فوالله ما خلقنا إلا لهذه، فكيف نحاول أن نتملص ونخرج ونشرد ونقول: صل حيثما وجدت،فإذا أذن المغرب وأذن العشاء خمس مظاهرات ربانية يلتقي المؤمنون بعضهم ببعض في بيوت ربهم في مظهر من مظاهر الدين الحق.أما أن يؤذن المؤذن فمن شاء أن يغلق دكانه ومن شاء أن يفتحه، من شاء أن يغني ومن شاء أن يصلي، من شاء ومن شاء.. فأين الربانية إذاً؟ أين مظاهر العبودية لله؟ وقد مكن الله عز وجل العالم الإسلامي في الحكم بعد أن استدل واستعبد واسترق على أيدي أعدائه الكافرين من مستعمري الشرق والغرب فخلصهم ليبتليهم، فتستقل الدولة والإقليم ولا تقام بينهم صلاة، وأنا أعجب، من صرفهم؟ هل اشترطت عليهم بريطانيا : اسمعوا! أعطيكم الاستقلال، نخرج من دياركم على شرط أن لا تصلوا؟ والله ما كان هذا أبداً ولا تفعله بريطانيا أو فرنسا، فلم ما أقمنا الصلاة وقد مكننا الله في الأرض وسودنا وحكمنا؟! من ثَمَّ المسلمون في بلاء وشقاء وتعاسة وآلام إلى اليوم، فأين ثمار الاستقلال ونتائجه الطيبة؟ أين الأمن؟ أين الطهر؟ أين الإخاء؟ أين المودة؟ ما الذي حصل؟ حال لا نشكوها إلا إلى الله.

الثانية: إيتاء الزكاة

الدعامة الثانية: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] إقام الصلاة هي الدعامة الأولى، والثانية: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] الزكاة التي بينها الله في كتابه وبينها رسوله من حيث المقادير، والأنصبة، ومن حيث الحول والشروط. الزكاة هي قاعدة الإسلام الثالثة، ولكننا ما علمنا وما بلغنا أن إقليماً استقل أهله عن بلجيكا أو بريطانيا أو فرنسا فأجبروا المواطنين على إخراج الزكاة، فهل اشترطت عليهم فرنسا وقالت: نخرج من دياركم على شرط أن لا تجبوا الزكاة حتى يتحطم الإسلام؟ لا والله.ومن العجيب ونحن أطفال صغار كانت تأتي ضرائب تسمى غرامة من الدولة الحاكمة فرنسا، والله تسميها الزكاة، وتذكرنا نحن المستعمرين بالزكاة، لا تلوموا ولا تبكوا إذا أخذنا منكم هذا القدر لأنكم أنتم تؤدون الزكاة، والله بعيني أقرأ كلمة زكاة، وكأنما تذكرنا بالإسلام، ولما جاء رجالنا وأبناؤنا مسحوها فليس هناك زكاة بل الضريبة حتى ينسى المؤمنون الزكاة، فأي ظلم أعظم من هذا؟ وما زلنا نرقص لأننا نمشي إلى الهاوية، لم تخطئ سنة الله بشراً إما أن نتوب وإما أن تنزل البلايا والرزايا. سئل أحدهم: أين الله؟ قال: بالمرصاد، يشير إلى قوله تعالى لما دمر عاداً وثمود وفرعون قال: إِنَّ رَبَّكَ [الفجر:14] يا محمد لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فلسنا بأفضل من قوم عاد أو قوم صالح وثمود أو فرعون. إذاً: جباية الزكاة فريضة الله، ودعامة الدولة. ولما كون عبد العزيز تغمده الله برحمته هذه الدولة، جعل نوابه في القرى وأخذوا يجمعون الناس على الكتاب والسنة، ويقرأ قائمة في كل صلاة صبح، إبراهيم بن عيسى، عثمان بن خالد، زيد بن إبراهيم، نعم نعم، كلهم حضروا، وإذا غاب واحد يمشون إليه: لم غبت؟ فإذا كان مريضاً يدعون الله أو يداوونه، وإن كان غائباً بلا عذر يعرفونه، فإن أبى أن يحضر يؤدبونه بالعصا، فأقيمت الصلاة بمعنى الكلمة. وقولوا لي: ما الذي تبع إقام الصلاة؟ تبعها أن انتهى الخبث ومظاهر الشر والباطل والفساد، وهذه سنة الله عز وجل.

الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

القاعدة الثالثة: وجود مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ إذ قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] نحن نكون رجال الأمن وقوى الأمن، ما حاجتنا للبوليس والدرك والجند والشرط، ولكن شيخ بلحيته يأمر بالمعروف في القرية.. في السوق. أسألكم بالله! من صرفهم؟ أنا قلت لكم: ما بلغنا وقد خبرنا الحياة ظاهرها وباطنها ما بلغنا أن دولة مستعمرة اشترطت على ذاك الشعب المستعمر عند استقلاله أن لا يصلي أو أن لا يؤتي الزكاة أو أن لا يأمر بالمعروف.. أبداً، فما الذي صرفنا لتنزل بنا المحنة ويحل بنا البلاء والشقاء والعذاب؟! الله الله في هذه الأيام أيام هذه الاختراعات العجيبة والفتوحات الربانية، لو أسلمنا لدخل البشر كلهم في الإسلام، لكن نحن صرفنا الشرق والغرب عن الإسلام لأنهم ينظرون إلينا ونحن أشد هبوطاً منهم، لا وفاء ولا صدق ولا حرم ولا كرامة ولا ولا. إذاً: يتقززون من حالنا، ينظرون إلينا وإلى الإسلام من خلال سلوكنا، والآن لا نستطيع أن نصلي صلاة الظهر في العالم الإسلامي مع بعضنا البعض، فنؤخر نحن ويقدم الآخرون في وسطها ونصلي الصلاة في ساعة واحدة. أما الصيام أما العيد فلا تسأل! فهل نحن أمة واحدة، إذاعتها واحدة.إذاً: القاعدة الثالثة: هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه دعائم الدولة الإسلامية، فأيما شخص يفكر في إقامة دولة ولم ير فيها ما رأى الله ولم يقيم على ما أراد الله والله إن سلكها لهاو وإنها لساقطة ولن ينتفع أهلها بها، ولا كرامة ولا طهر ولا صفاء ولا سعادة.لم لا يتكلم بهذا العلماء والكتاب والمربون؟قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] لم يشأ الله أن تقوم دولة على هذه القواعد فتسند هذه الدولة وتشد من عضدها أبداً.إذاً: قال القرطبي في ما يرويه: أربع إذا وجد في بلد أمنت من البلاء والدمار والعذاب.الأولى: إمام عادل، عدل الإسلام لا عدل الاشتراكية الذين سلبوا أموال الأغنياء وأراضيهم ومزارعهم وأعطوها للفقراء والشعب، وقالوا: عدل كبير هذا، أي عدل هذا؟ هذا أبشع أنواع الظلم، هذا تقرير قاعدة بلشفية حمراء روسية وضعها اليهود من أجل تدمير العالم والقضاء على الروح الإنسانية. أيضاً: الضرائب ففي بعض البلاد النافذة عليها ضريبة، كيف تفتح نافذة في الشارع؟ ادفع ضريبة. والضرائب: أكل أموال الناس بالباطل، لم يأذن الشارع فيها إلا في حالة ضرورية قصوى، كأن يكون إمام المسلمين مضطر لظروف دعت إلى ذلك، أما أن تصبح فريضة بدل الزكاة ويحجب معنى الزكاة ولفظها فهذا والله لظلم عظيم، وآثاره واضحة.ثانياً: عالم على سبيل الهدى، وليس عالماً خرافياً صوفياً، وقد جئناكم بمجموعة من الكتب نسمعكم كل يوم إن شاء الله منها، بعث بها إلينا رجل عالم من نيجيريا، جمع كتب المتصوفة كلها وجمع العجائب من كل كتاب عجيبة، وهذا يتفق مع آيتنا الآن. ثالثاً: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يا أهل القرى! اجتمعوا في مسجدكم وإن كانت الحاكمة بريطانية وكونوا لجنة من صلحائكم، تجولوا في القرية فإذا رأيتم طفلاً يقول الباطل، أو رجلاً يرتكب حماقة أدبوه وعلموه، فهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يرضى الله عنا ولا يسخط.

الرابعة: تستر النساء وعدم التبرج

والأخيرة: نساء مستورات غير متبرجات، والدعوة الآن إلى كشف الوجوه عندنا قائمة، ولولا لطف الله عز وجل لانتشر السفور بيننا، ونحن نندد بهذا السلوك والجماعة تغضب، قلنا لهم: بناتكم علموهن ست سنوات في الابتدائية، فإذا كملت السنة السادسة وأصبحت تعرف الله بأسمائه وصفاته، أصبحت تعرف كيف تتملق إلى الله بذكره، عرفت كيف تبر أباها وأمها، عرفت كيف تربي أولادها، تقول لها: حسبكِ يا بنية، الزمي البيت، ساعدي أمكِ على مهامها وغداً تتزوجين وتصبحين ربة بيت، أعانكِ الله، لهذا خلقتِ. إياكم والمتوسطة والثانوية والجامعة وأخيراً: الوظيفة! وحلفت لهم بالله في رسالة قديمة بعنوان (الإعلام بأن العزف والغناء حرام) أنكم إذا فتحتم الابتدائيات كانوا يطالبون بالثانوية.جريدة البلاد: تكتب وتقول: المرأة السعودية في ديجور من ظلمات الجهل.. كذا، وهم مدفوعون بدوافع الشيطان وأوليائه. قلنا: والله! إن فتحتم الابتدائيات لتطالبن بالثانويات يومئذ، ولتفتحن الثانويات ولتطالبن بالجامعات، ووقع هذا، وكان هذا قبل خمس وثلاثين سنة. والآن الوظيفة شريفة أو خبيثة؟ ما دام هذا النور فليس بمسموح أن المرأة تتوظف مع الرجال، وهم يتألمون لماذا؟ آه! أين أولوا البصائر والنهى؟ هيا بنا ندرس الحياة بكاملها؟ أخلقنا لهذه؟ من قال نعم قل له: لا تمت، ولم مات أبوك وماتت أمك؟ أين يذهبون؟ إذاً: ما دمت عاجزاً على أن تفرض بقاءك على الله فاعلم أنك لم تخلق لهذه بل خلقت لغيرها، فتهيأ للملكوت الأعلى حتى تسكن السماوات العلى، والشاهد عندنا: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123] سنة الله، السم يقتل، الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، الكفر يوجب غضب الرب وعذابه، الفسق يقود إلى الهاوية وزوال النعم، وهكذا، لن تتبدل سنن الله. فإن قال قائل: علل يا شيخ لهذه المحنة؟ الجواب معروف، الجهل، جهلونا، أبعدونا عن الله ومعرفته فأصبحنا كالبهائم يسوسوننا كما شاءوا ويركبوننا كما أرادوا، فهيا نخرج من هذا المضيق؟فإن قال قائل: يا شيخ! ما نستطيع، نحن مسحورون، نقول: سبحان الله! لماذا لما تسحر امرأتك لا تأتي بمن يقرأ عليها حتى تشفى؟ هل ترضى أن تكون مسحوراً؟ حاول أن تخرج نفسك من هذا السحر.فإن قال: بماذا؟ نقول: أن نتعاهد لربنا بأننا عدنا وله أسلمنا قلوبنا ووجوهنا، وأننا من اليوم إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفنا العمل، إن كنا في مقهى أغلقنا بابها، دكان كذلك، متجر، مصنع، كل عمل، وأخذنا نساءنا وأطفالنا طاهرين إلى بيت ربنا، إلى المسجد مسجد القرية ونجتمع فيه، ونبكي بين يدي ربنا الساعة والساعة والنصف ونحن بين يديه منطرحين نتعلم الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم حتى تلوح الأنوار وحتى تتصدع الصدور بتلك الأنوار ونصبح لا نرى إلا ما يرى الله، ولا نسمع إلا ما يسمع الله، ولا نعمل إلا بما أذن الله، ويومها لو أراد أهل الأرض أن يزلزلوها من تحت أقدامنا ما استطاعوا. ولا تسألني عن النتائج المادية، ينتهي كل مظهر من مظاهر الجريمة، فلا غش، لا خداع، لا كذب، لا باطل، لا خيانة، لا لا.. بل حل محل ذلك الأمن، الطهر، الولاء، المحبة، الغنى، والله ما يبقى في القرية من يشكو جوعاً وإخوانه شباع، ولا من يتألم للبرد وإخوانه مكسوون، ينتهي هذا نهائياً. ستقولون: آه! ما نستطيع هذا يا شيخ، فأقول لكم: ما يمنعكم؟ لو كانت تحكمنا بريطانيا وأردنا هذا والله ما تمنعنا. أقسم بالله لو كانت تحكمنا إيطاليا والله ما تمنعنا من هذا، فهذا يساعدهم على أن يستقر الوضع وتهدأ الأحوال ويستغني الناس وينتهي التلصص والجريمة والخيانة، فلم يمنعوننا إذاً؟ هذا الكلام يشهد الله أننا قد رددناه مئات المرات، فهل من واعٍ يعي هذا؟ لا أحد. هل من سامع؟ لا أحد. لماذا؟ نرد الأمر إلى الله، بهذا قضى الله عز وجل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #263  
قديم 21-10-2020, 06:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ...)

قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23]. ‏

سبب نزول قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب...)

روى ابن جرير الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية: عن ابن عباس قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله ) دخل عليهم وهم مع علمائهم ليعرض عليهم الإسلام ( فقال له: نعيم بن عمرو والحارث بن زيد ) أي: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ( على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه ) ، أي:أنا على دين إبراهيم، وهو والله كذلك، فالتوحيد ملة إبراهيم، وتبقى القوانين توجد بحسب أحوال البشر، يحل اليوم شيء ويحرم غداً؛ لأن المربي العليم الحكيم هو الذي يقنن ويشرع، أما الملة فلا إله إلا الله، لا يعبد إلا الله وبما شرع الله. ( فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً ). أي: كيف تقول أنا على ملة إبراهيم وإبراهيم كان يهودياً، إذاً: ادخل أنت في اليهودية حتى تكون كما تقول على ملة إبراهيم، فإبراهيم كان يهودياً، ( فقال صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم )، أي: بيننا وبينكم التوراة، هاتوا التوراة، ومعلوم أن التوراة نزلت بعد وجود إبراهيم بمئات السنين، التوراة نزلت على موسى وبين موسى وإبراهيم قرون عديدة ( فأبيا عليه ) لما عرفوا أن التوراة ليس فيها يهودية ولا نصرانية، رفضوا إتيان التوراة والنظر فيها والعمل بما فيها ( فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] ) . فكانت الآية منطبقة عليهم، واتضح معنى الآية تماماً. هنا قالت العلماء: إذا دعوت مؤمناً إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ورفض دخل مع هذه الجماعة الملعونة! إذا دعوت مؤمناً حاكماً كان أو مواطناً إلى التقاضي إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليهما فرفض لأنه خائف من الحق أن يخرج من جيبه فهو ممن قال الله فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] غير ملتفتين إلى التحاكم إلى كتاب الله التوراة.هذه الآية وحدها يقرؤها النساء والرجال من المؤمنين والمؤمنات ولو كانوا يقرءونها ويفهمون معناها لم يتحاكم مؤمن ولا مؤمنة عند بريطانيا ولا الأمم المتحدة، والآن يتحاكمون في مجلس الأمن، نزاع بين دولتين إلى مجلس الأمن.هذه مظاهر الجهل بالله، ما عرفنا الله معرفة تثمر لنا حبه في قلوبنا، ولا الرغبة والخوف منه في نفوسنا، فلهذا لا نبالي أن نتحاكم إلى اليهود والنصارى، ونحن أهل العدل، أهل الكتاب والحكمة.

معنى قوله تعالى: (أوتوا نصيباً من الكتاب)

وقوله: أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ [آل عمران:23] أي: قطعة من الكتاب. لم والتوراة بين أيديهم؟ لأن التوراة لم يبق فيها ما تسمى به التوراة على الحقيقة، همشوا وحشوا وزادوا ونقصوا وبدلوا فأصبحت كلمات الله فيها كالكواكب هناك كوكب وآخر هنا والباقي كله خرافات وأباطيل. إي نعم. من فعل هذا؟ علماؤهم، ساداتهم، أرباب السلطة والجاه عندهم. ونحن أهل الإسلام جرينا وراءهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع إلا أن الله عز وجل حفظ لنا كتابه، فما استطاع شرقي ولا غربي أن ينقص منه حرفاً واحداً أو يزيد كلمة، وذلك لتعهد الله تعالى به؛ إذ قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فما أسنده إلى الأشراف ولا إلى العلماء ليحفظونه، بل تولى عز وجل حفظه بنفسه، فلهذا حاول النصارى واليهود محاولات متعددة على إسقاط حرفي (قل) فعجزوا. مؤتمرات انعقدت في السودان وفي روسيا وفي العالم يبحثون: كيف يسقطون كلمة (قل) من القرآن فما استطاعوا؛ لأن كلمة (قل) ترغم أنوفهم أن هذا كلام الله. الرسول نفسه يقول لنفسه: قل؟ هل هناك متحدث يقول لنفسه: (قل)؟ مجنون هذا. إذاً: من الذي قال له: قل يا أيها الكافرون، قل هو الله أحد، قل يا أيها الناس؟ من؟ سلطة عليا، إذاً: هذا الله هو الذي يأمره. فقالوا: لو استطعنا أن نسقط كلمة (قل) لقلنا هذا كلام محمد فقط وليس بكلام الله ولا بتنزيله، فعملوا المستحيل فما استطاعوا، وكيف يستطيعون والله العزيز تولى حفظ كتابه بنفسه؟ لما أسند الله التوراة والإنجيل إلى أهلها ما استطاعوا أن يحفظوها، فالإنجيل حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، ولما انكشفت عورتهم اجتمعوا اجتماعات متعددة وصفوا تلك الأناجيل وغربلوها وجمعوها في خمس كتل: إنجيل لوقا، إنجيل برنابا، إنجيل مرقس، إنجيل يوحنا، خمسة أناجيل، والشيطان هو الذي يدعو إلى الكفر والضلال.

معنى قوله تعالى: (يدعون إلى كتاب الله)

قوله: يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ [آل عمران:23] من دعاهم يرحمكم الله؟ رسول الله يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ [آل عمران:23] والمقصود بكتاب الله هنا: التوراة والإنجيل والقرآن، فالكل كتاب الله، ولو جاءوا القرآن لا يجدون إلا التوحيد، والإنجيل كذلك وإن كانت الحادثة هنا في التوراة لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى [آل عمران:23] فكروا وبعد قالوا: لا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] لماذا ما قال: ثم تولوا فريق؛ لأن منهم من آمن وعرف الحق كـعبد الله بن سلام وأخيه وفلان وفلان، وهم معرضون عازمون أن لا يرجعوا إلى الله ولا إلى دينه ورسوله، و ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:24].

تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات... )

قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24]يعني: نفجر، نكفر، نفسق، نفعل ما شئنا، فنحن آمنون من النار، لن تمسنا إلا أربعين يوماً، وهي الأيام التي كفر فيها أسلافهم على عهد موسى وعبدوا العجل أربعين يوماً، قالوا: نؤاخذ بتلك الأيام فقط. وهذا مرض وجنون، كيف تؤاخذون بعمل أسلافكم؟ كيف هذا؟ وإذا كان أسلافنا كفار وأسلمنا ندخل النار لأن أسلافنا كفار؟ هذا هبوط، هذا أسوأ الفهوم، كون أسلافكم عبدوا العجل وضربهم الله وقتل منهم أربعين ألفاً وانتهت أنتم تؤاخذون بذلك؟ نحن لا يعتقد الرجل أنه يؤاخذ بذنب أبيه أو ولده أبداً، لكنهم جهال في ظلام يعيشون، قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ . وفي سورة البقرة قال تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا [البقرة:80] بهذا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] صفعتهم صفعة واحدة، جهلة ضلال، قل أفاتخذتم عهداً عند الله أنه لا يعذبكم إلا أربعين يوماً؟ هل عندكم عهد من الله بذلك؟ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] لا تستحون، تكذبون على الله؟ ثم بين لهم أن الأمر ليس كمزاعمكم وضلالاتكم بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة:81] أبيض أو أسود، يهودي أو نصراني أو مسلم ، كل من كسب سيئة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81] عجب هذا القرآن! قطع ألسنتهم. وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] وفي قراءة: (خطاياه).أما نحن فقد عرفنا لو كنت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزك نفسك بهذه العبادات حتى تطهر وتطيب والله لن تدخل الجنة، ولن يشفع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كنت ابن رسول الله ولو كنت أباً رسول الله خاتم الأنبياء والله ما شفع لك ولا دخلت الجنة إن مت على خبث النفس وتدسيتها. وهذا رجل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أبوه من أهل الفترة فسأله أين أبي؟ فقال: ( أبوك في النار ) متزمت ما فهم، فسأل: أين أبي؟ فقال له: في النار، مات مشركاً، فتململ الرجل فقال له صلى الله عليه وسلم: ( أبي وأبوك في النار )، مات على الكفر، فنفسه خبيثة مدساة مظلمة منتنة، من يدخله دار السلام؟ كيف يرقى ويخترق السبع الطباق؟ إبراهيم عليه السلام هل هناك من هو أكرم من إبراهيم؟ أرحم من إبراهيم في الدنيا؟ سمي بالأب الرحيم، وفي عرصات القيامة يسأل ربه: ( رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة يوم يبعثون وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي يا رب؟ فيقال له: إبراهيم! انظر تحت قدميك وكان رافع رأسه إلى الله، انظر، فإذا أبيه آزر عليه لعائن الله في صورة ذكر الضباع ملطخ بالدماء والقيوح بين يديه، فما إن يراه حتى يقول: سحقاً سحقاً سحقاً، فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في أتون النار ) . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] هذا حكم من الله، عرفتموه، فلم إخوانكم ما عرفوه في الشرق والغرب؟ لأنهم لا يجتمعون على كتاب الله وسنة رسول الله. صدر حكم الله على البشرية كلها، فيا ويلها من هذا الحكم، إنه صارم، حكم ذي الجلال والإكرام؛ وهو قوله تعالى بعد الإقسام العظيم والحلف الكبير: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: نفسه. من يراجع الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، سنن لا تتبدل، فهيا نزكي أنفسنا. بم نزكيها يا رب؟ بما شرعنا لكم من صلاة وصيام وذكر وعبادات وقربات. بم تتدسى النفس يا رب وتخبث؟ بما حرمنا عليكم من النظرة إلى اللقمة الحرام، فكل معصية تعود آثارها على النفس بالخبث والظلمة والنتن، فاعرفوا عبادة الله فاعبدوه بها تزكوا نفوسكم وتطيب، أما كوننا أتباع الزعيم الفلاني أو أولاد الأشراف أو أبناء السادة الفلانية فهذه ضلالات عجب. قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ [آل عمران:24] خدعهم فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24] من الأكاذيب والأباطيل التي حرفوا بها الكتاب وحشوا وهمشوا وشرحوا وبينوا، هي التي أوقعتهم في هذا وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24].

تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ... )

قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25]. فَكَيْفَ [آل عمران:25] الحال إِذَا جَمَعْنَاهُمْ [آل عمران:25] كلهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:25] ألا وهو يوم القيامة، كيف يكون حالهم؟ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [آل عمران:25] أي: ما عملت وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25] لأن القاضي الحاكم الله ذو العدل والرحمة والإحسان.

خرافات وبدع وضلالات التيجانية

الآن نقرأ هذه الأوراق -وهذا من تدبير الله- التي بعث بها هذا الرجل ونحن لا نعرفه، بعث إلي بهذه الأوراق من بلاد نيجيريا، فقال: ( من إبراهيم علي تشاد إلى الشيخ أبو بكر جابر الجزائري). ‏
بعض كتب التيجانية
قال: ( بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وسلم.وبعد: فهذه أسماء كتب أهل الطرق كتبتها نصيحة ليحذر منها المسلمون لما فيها من الضلالات، أعاذنا الله).أولاً: يذكر الكتاب والمؤلف مثلاً: (الفتح الرباني لـمحمد الطفطفاوي بالقاهرة، الياقوتة الفريدة لـمحمد النطيفي ، جيش الكفيل لـمحمد الصغير).أيضاً: يذكر: إيقاظ الهمم، الطبقات الكبرى، الفوز والنجاة، أورد أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها والبلاد التي كتبت فيها، والأعجب من هذا: ما يذكره عنهم من أقوالهم وبدعهم.
زعمهم أن الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً
قال: ( يقولون: الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً). أي: الصلاة في زاوية الشيخ سيدي فلان مقبولة قطعاً بلا جدال، بمعنى لا تذهبوا إلى لمساجد فيفسدون عليكم سلوككم، بل صلوا في الزاوية. انتبهتم أم لا؟ يقولون: الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً، ونحن نقول ولو في كانت في الكعبة فهي غير مقبولة قطعاً حتى تستوفي أركانها وشروطها.
زعمهم أن للتيجاني مقام أربعين نبياً في الجنة
ثانياً: ( قال أيضاً: يقولون: للتجاني مقام أربعين نبياً في الجنة). يقولون: للشيخ التجاني مقام أربعين نبي في الجنة، وليس مقام نبي واحد، وآباؤنا وأمهاتنا لما يسمعون هذا يبكون، فانظروا كيف يصنع الجهل؟!
زعمهم أن معرفة الولي أصعب من معرفة الله
ثالثاً: ( يقول: لا يلتفتون إلى ما يقوله الفقهاء، بل ينصرفون عن الكتاب والسنة فيقولون: معرفة الولي أصعب من معرفة الله). وهذا معناه: أن الولي أعظم من الله.

زعمهم أن أحمد البدوي يغمض عينيه كي لا يموت الكفار

رابعاً: قال: (يقولون: أحمد البدوي يغمض عينيه كي لا يموت الكفار). أي: حتى لا يموت الكفار يغمض عينيه، ولو فتحهما لمات كل الكفار. إذا خاطبه كافر أو وقف بين يديه يغمض عينيه ولو لم يفعل فإن الكافر يموت، فلهذا الشيخ يغمض عينيه.

زعمهم أن الولي يخرج من القبر ليقضي الحاجة لمن توسل به

خامساً: يقول: ( يقولون: يخرج الولي من القبر ليقضي الحاجة لمن توسل به). أي: إذا أتيت الولي المدفون تستشفع به وتتوسل يخرج من قبره ويقضي حاجتك ويعود. والعجيب أنه آمن بهذا بلايين المسلمين، ويبكون، والله رأيناهم خاشعين متعجبين يبكيون! وتجد بعضهم والله يأتي من المغرب ليزور عبد القادر في بغداد بالطائرة.كم يكلف ذلك؟ من المغرب الأقصى يأتي يزور قبر عبد القادر الجيلاني ؟ لم؟ لوجه الله؟ ما السبب؟ لتقضى حاجاته.
زعمهم أن الصلاة على النبي ليست مختصة بما علمناه من النبي صلى الله عليه وسلم
سادساً: قال: ( يقولون: الصلاة على النبي ليست مختصة بما علمناه من النبي صلى الله عليه وسلم). ونحن نقول: من لم يعتقد أنها من كلام الله لم يصح له الثواب.

زعمهم أن صلاة الفاتح تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن

سابعاً: قال: ( ويقولون: إن صلاة الفاتح تعدل بستة آلاف ختمة من القرآن). أي: صلاة الفاتح التجانية تعدل بست آلاف ختمة من القرآن. أسألكم بالله! الذي يفهم هذا هل سيقرأ القرآن؟عام كامل ولا يختمه، فيقول: أصلي مرة واحدة بستة آلاف ختمة. ووالله لقد فهم هذا آباؤكم وأجدادكم وأمهاتكم وكبرنا وهللنا وقلنا: إيه، هكذا، فهم لا يفهمون كما تفهمون الآن حيث انتشر النور والهداية، ولو قلت: هذا باطل يضربونك بالعصي.

زعمهم أن التيجاني هو خليفة النبي وبه يبقى الوجود

ثامناً: قال: ( ويقولون: التجاني هو خليفة النبي، وبه يبقى الوجود). الله أكبر! التجاني هو خليفة النبي وبه يبقى الوجود؟! من هو التجاني هذا؟ وأين هو؟ هذا في صحراء الجزائر، ارتقى إلى هذا المستوى، وأصبح صيته من إسطنبول إلى نيجيريا؛ لأن الشياطين تريد إطفاء نور الله وتريد إهلاك البشر وإقحامهم في جهنم، والتجاني هذا هو أحمد التجاني .
زعمهم أن من قرأ السيدي يكون ولياً متصرفاً في الغيب
تاسعاً: قال: ( ومن قرأ السيدي كذا يكون ولياً متصرفاً في الغيب). هذا كتاب أو ذكر أو دعاء يسمونه بالسيدي.
زعمهم أن كل كتاب يدعو إلى خدمة التيجاني فاق ملء الأرض ذهباً
عاشراً: قال: ( يقولون: كل كتاب يدعو إلى خدمة الشيخ فاق ملء الأرض ذهباً). كل كتاب يدعو إلى خدمة الشيخ سيدي أحمد التجاني فاق ملء الأرض ذهباً.
زعمهم أن هناك دعاء من قرأه يجد ثواب أربعة من الأنبياء
الحادي عشر: زاد عليها وقال: يقولون: ( وهناك دعاء من قرأه يجد ثواب أربعة من الأنبياء). أي: هذا الكتاب فيه دعاء الذي يقرأ هذا الدعاء يفوز بثواب أربعة من الأنبياء. وهذا كله كفر والعياذ بالله.

زعمهم أن حب التيجاني واجب على كل مسلم

الثاني عشر: قال: ( يقولون: حب التجاني واجب على كل مسلم، فعضوا على التجانية بالنواجذ). مما عرفناه: أن فرنسياً دخل مدينة فاس أو مكناس المغربية ودخل في طريقة أربعين سنة وهو ينشر في تلك الطريقة من هذا النوع والناس يهللون ويكبرون، وبعدها عاد إلى فرنسا ولبس الكرفات والبدلة والبرنطية وقال: أنا شيخ تلك الجماعة. إياك أن تفهم هذا فهو باطل. والبرهنة القاطعة: كيف حكمتنا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا لولا أننا هبطنا وتمزقنا ومتنا؟ وكيف يعلو الكفر على الإيمان والله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]؟

زعمهم أن النبي وأصحابه يحضرون عند قراءة جوهرة الكمال

الثالث عشر: قال: ( يقولون: يحضر النبي وأصحابه عند جوهرة الكمال، وعلى الذاكر أن يصور شيخه أو مقدمه). اسمع كيف الكفر، يحضر النبي وأصحابه الأربعة عند جوهرة الكمال. يا معشر المستمعين من الزوار! من منكم عنده جوهرة الكمال؟ يجحدونها، موجودة، يقرءونها في الليل وفي النهار، جوهرة الكمال عبارة عن قصائد وترنمات.يقول: جوهرة الكمال على الذاكر أن يصور شيخه أو مقدم الشيخ -الواسطة- خادم التجاني ، ثم يأخذ في الذكر ولا بد أن يتخيل أن الشيخ بين يديه، وإذا ما استطاع أن يتخيل الشيخ فالمقدم يسمونه وهو النائب عن الشيخ.

زعمهم أن خادم التيجاني يشفع لألف ألف عند الله

الرابع عشر: قال: ( ويقول: خادم التجاني يشفع لألف ألف عند الله). أي: الذي يخدم سيدي أحمد التجاني يشفعه الله في ألف ألف، الكل يدخلون الجنة ويخرجون من النار.

زعمهم أن قضاء الوظيفة واجب

الخامس عشر: قال: يقولون: ( قضاء الوظيفة إذا فاته واجب). إذا وظيفتك نسيتها وعجزت عنها وما انتبهت وفاتتك يجب أن تقضيها، فقضاء الوظيفة واجب عنهم، فمن أوجب هذا؟ وما هي الوظيفة؟ نعوذ بالله من الخسران!

زعمهم أن صلاة الفاتح كالحديث القدسي

السادس عشر: قال: ( يقولون: صلاة الفاتح كالحديث القدسي؛ لأن الرسول في اليقظة أعطاها للشيخ). فالحمد لله الذي عافانا! الحمد لله الذي طيبنا وطهرنا! الحمد لله الذي علمنا! الحمد لله الذي ردنا بعد غيبتنا إلى كتابه وهدي رسوله. اللهم احفظ لنا هذا النور ولا تمحه يا رب العالمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #264  
قديم 21-10-2020, 06:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير آل عمران- (4)
الحلقة (145)



تفسير سورة آل عمران (12)

الله عز وجل هو خالق الخلق ومصرف أمورهم، وأعلم بما ينفعهم وما يضرهم، ومن تمام حكمته أن جعل الملك فيمن شاء من عباده، وحرم آخرين منه، ويسر الأرزاق لمن شاء من عباده، وقدرها على من شاء منهم، وهذه من مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية؛ فمن عرف قدرة الله عز وجل وحكمته عبده، ومن جهلها آل به الأمر إلى الكفر بربه فخسر خسراناً مبيناً.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.أعيد إلى أذهاننا جميعاً هداية الآيات الثلاث التي تدارسناها بالأمس، وتلاوة الآيات تلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25]. ‏

هداية الآيات

قال المصنف غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: من الإعراض عن الدين والكفر به: رفض التحاكم إلى كتاب الله عز وجل ] مما يدل على أن فلاناً أو الجماعة الفلانية أو الأمة الفلانية معرضة عن دين الله عدم تحاكمها إلى كتاب الله عز وجل [ إذ قال تعالى وقوله الحق: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ]. وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] فوفد نجران رفضوا أن يرجعوا إلى كتاب الله والتوراة كالإنجيل تحملان صفات رسول الله ونعوته بصورة تكاد تنطق، ولما دعوا إلى ذلك رفضوا.[ثانياً: أفسد شيء للأديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها: الافتراء فيها -على الله- والابتداع عليها والقول فيها بغير علم]. الأديان الإلهية يفسدها الافتراء على الله والكذب وإضافة ذلك إلى كتاب الله والابتداع في دين الله. وعلى سبيل المثال: من أين لليهود أن النار لن تمسهم يوم القيامة إلا أربعين يوماً؟ والله لهو الافتراء والكذب على الله. من وضع لهم هذه؟ علماؤهم ليسهلوا عليهم طرق الفساد والشر ومواصلة الكذب والنفاق، وآية البقرة فضحتهم أيما فضيحة؛ إذ قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ [البقرة:80] هاتوا عهد الله الذي عهد إليكم أنه لن يمسكم العذاب إلا أربعين يوماً أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] وهذه أسوأ، بل تقولون على الله ما لا تعلمون. ثم قال تعالى: بَلَى [البقرة:81] أي: ليس الأمر كما زعمتم أو كما تعتقدون الباطل مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81]، وقد وقع المسلمون في هذه الورطة بالذات، فكتب العلماء وهمشوا وحشوا وكتبوا وأضافوا إلى دين الله ما ليس منه، فوقعت أمتنا في ما وقعت فيه الأمم السابقة إلا من رحم الله.[ ثالثاً: مضرة الاغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحدثين على الكتب الدينية من الحكايات والأباطيل بحجة الترغيب والترهيب، فيغتر بها الناس فيضلوا ويهلكوا ] وقد قرأنا أمس نبذة من كلام المشايخ رؤساء الطرق كيف يكذبون على هذه الأمة. [ رابعاً: فضيلة ذكر أهوال يوم القيامة وما يلاقي فيها أهل الظلم والشر والفساد ] لأن الله قال: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25]. هذه هداية الآيات الثلاث السابقة.

تفسير قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء...)

الآن مع الآيتين الكريمتين لهذه الليلة وهما قول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27].

معنى قوله تعالى: (اللهم)

أولاً: كلمة (اللهم) قل يا رسولنا (اللهم)، وأصلها: الله، ثم إذا نودي الله عز وجل بحرف النداء يقال: يا ألله، فلما كان الله عز وجل أقرب إلينا من أنفسنا فلا ينادى بـ (يا) لقربه، فتنادي بياء النداء البعيد: يا إبراهيم، يا عثمان، أما إذا كان بين يديك فتقول: إبراهيم، عثمان اسمع ما أقول. وعوضت عن ياء النداء مع اسم الجلالة الأعظم الميم المشددة في آخر اسم الجلالة: (اللهم)، هذه الميم المشددة عوض عن ياء النداء، وهذا مما اختص الله به عز وجل، (اللهم) كأنك تقول: يا ألله. ويروى عن السلف: أن هذا الاسم بهذه الميم اشتمل على كل أسماء الله الحسنى، فمن سأل الله بقوله: اللهم هب لي كذا فكأنما دعاه بأسمائه كلها؛ لأن اسم الجلالة الأعظم (الله) يدل على تلك الأسماء: العليم والحكيم واللطيف والخبير والرءوف والرحيم وغيرها.إذاً: فلنكثر من دعاء الله عز وجل ولنفتتحه بكلمة: (اللهم).

فضل قراءة هاتين الآيتين

وذكر أيضاً أبو نعيم في الحلية: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه -وهو الصاحب المعروف- تأخر يوماً عن صلاة الجمعة فلم يشهدها، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: لم ما شهدت صلاة الجمعة؟ فقال: إن لفلان اليهودي ديناً علي، وقد رصدني عند باب بيتي، فمنعني هذا الرصد والانتظار من الخروج، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بهذه الآيات كل يوم، فإن الله يقضي عليه دينه ولو كان ملء الأرض ذهباً. كيف يصنع؟ يقول: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . لازمها يا عبد الله إن كنت مديناً، لا تفتر تقولها يومياً، فإن الله سيقضي عنك دينك ولو كان ملء الأرض ذهباً.وكان في الحلقة أحد الصالحين أقسم بالله لقد كان عليه سبعون ألف ريال دين وقضيت في أيام، ونحن لا نمتحن ربنا -معاذ الله- ولكن بلغنا هذا فقلنا به. يا أصحاب الديون! يا من يشتكون ديوناً للغير هذا باب قضائها وسدادها قد انفتح لكم، لا تفتر صباح مساء. نحن نقولها والحمد لله دبر كل صلاة، فادع الله بهذا الدعاء وكلك يقين بأن الله سيقضي عنك دينك، تقرأ هاتين الآيتين ثم بعد ذلك تقول: رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما اقض عني ديني، ترزق من تشاء، اقض عني ديني. وكررها كل يوم، فإن الله عز وجل سيقضي عنك دينك. والحديث هكذا كما ذكره القرطبي . ونص الحديث كما أخرجه أبو نعيم في الحلية: ( أن معاذاً حبس يوماً من صلاة الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما حبسه، فقال: كان علي دين لـيوحنا اليهودي، فوقف عند بابي يرصدني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحب أن يقضى عنك دينك؟ قال: قلت: نعم. قال: اقرأ كل يوم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] إلى قوله: بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]... الآيتين. ثم قل: رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ) أي: يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ( تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني، فلو كان عليك ملء الأرض ديناً لأداه عنك ) . كيف ترون هذه الفائدة؟ يا أيها المدينون! هذا باب قضاء دينكم قد انفتح فلا تحرموه، ما يمنعك أن تتملق ربك مرة في الليلة ومرة في النهار: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . وكرر هذا الالتجاء الصادق وكلك يقين في أن الله سيؤدي عنك هذا الدين فإنك والله لن تحرم. أو نترك هذا ونذهب إلى البنوك وبيع السيارات؟! ستقولون: يا شيخ! ما علمنا هذا، ما عرفناه إلا اليوم وإلا ما وقعنا في ذلك.إذاً: افتح المصحف تجد هاتان الآيتان، وإذا كنت لا تعرف القراءة فاجلس إلى بنتك أو ابنك يقرأ وتعلم عنه الآيتين وتحفظهما، فإذا حفظت الآيتين بقي نص الحديث: ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) وكرر هذا اليوم بعد اليوم حتى تنفرج عنك الحال ويقضى دينك.وأهل العلم يرغبون في تلاوة هاتين الآيتين دبر كل صلاة، نقرأ آية الكرسي ونضيف إليها: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18] و: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] فهذا ذكر رباني، كلام الله نتملق به ونتزلف إليه سبحانه.

قرب الله تعالى من عباده

إذاً: عرفتم معنى (اللهم) وأن معناها: (يا ألله)! وعدلنا عن (يا ألله) إلى (اللهم)؛ لأن الله قريب منا ليس ببعيد مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] والقريب لا نناديه بياء النداء. فإذا كان أخوك بين يديك فإنك لا تقول: يا إبراهيم، بل تقول: إبراهيم صب الماء، إبراهيم قم لكذا، وأما إذا كان بعيداً فتحتاج إلى أن تقول: يا إبراهيم. ولما كان الله أقرب إلينا من حبل الوريد منا جاءنا بهذه الكلمة الطيبة منة منه وفضلاً، بلغتنا عن رسوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم).الله يعلم رسوله: (قل اللهم) إلا إذا قلنا: (قلِ اللهم) حسب القراءة حركنا اللام الساكنة قلنا: (قلِ اللهم)؛ لأن اسم الله إذا سبق بحرف جر يلين ويرقق ولا يفخم، كأن تقول: بسم الله، وتقول: وصلى الله. أليس كذلك؟ تقول: هذا من فضل الله، وتقول: هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.إذاً: اسم الجلالة إذا سبقه حرف جر يأتي بالترقيق، بسم الله، من فضل الله، وإن سبقه رفع أو نصب يفخم، قال الله جل جلاله. كذلك: قل اللهم، لكن إذا حذفنا قل ستقول: اللهم. أي: يا ألله.

مناسبة هذه الآية

قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] من الآمر بهذا؟ الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا. ما المناسبة؟ المناسبة: أن اليهود رفضوا الدخول في الإسلام على علم، لا يريدون الإسلام؛ طلباً للملك، وطلباً للسيادة، طلباً للعزة والدولة والسلطان. كيف يطمعون في هذا الطمع وهم شراذم ممزقة هنا وهناك؟ ما يئسوا، قالوا: إذا دخلنا في الإسلام وأصبحنا أتباعاً للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم انتهى أملنا في إيجاد مملكة بني إسرائيل نهائياً. والأمر واضح، إذا دخلوا في الإسلام هل سيكونون مملكة في الإسلام لبني إسرائيل؟ هذا ليس بمعقول أبداً، فآثروا الدنيا على الآخرة، انتبهتم، وغرر بهم علماؤهم وقالوا: إن كفرتم بمحمد ودينه رجوتم أن يعود إليكم ملككم ودينكم أما النار إن عذبتم بها فلن تزيد مدة العذاب على أيام معدودات، فاصبروا إذاً على الكفر. هل فهتم هذه الحقيقة؟ وما زال اليهود إلى الآن يعملون بكل الإمكانيات لتحقيقها، يضحون بأعراضهم، بدمائهم، بوجودهم من أجل أن يقيموا مملكة بني إسرائيل كالتي كانت لهم على عهد داود وسليمان، لكن لحمقهم وجهلهم وضلالهم أرادوا أن يكونوها من حيث لا تكون، لأن الذي يعطي الملك هو الله، لا أن تعلن الحرب على الله ليعطيك الملك، أنت أحمق. قل يا رسولنا: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء. والنصارى كذلك، والمجوس كاليهود حاربوا الإسلام من أجل الملك ولبقاء الدولة والسلطان، وإن شئتم حلفت لكم بالله، رفضوا الإسلام لبقاء دولتهم وسلطانهم، إذ الإسلام إذا دخلوا فيه عمتهم رحمة الله وأصبحوا عابدين لله مسلمين، ليس هناك عنتريات وتعال وعزة وسلطان. هكذا يعلم الله تعالى رسوله أن يقول: اللهم مالك الملك، ولفظ الملك يشمل كل مملوك، فلا تفهم منه فقط الدولة، فكل ما نملك يسمى ملكاً، تقول: هذه الدار ملكي، هذه السيارة ملك فلان.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #265  
قديم 21-10-2020, 06:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (مالك الملك)

قوله: مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] من هو مالك الملك كله؟ إنه الله، ناده باسم الجلالة وبهذه الصفة الخاصة به، يا مالك الملك، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] تعطي الملك ما يملك من كل الموجودات والمملوكات من تشاء، فإنك المالك الحق للدنيا والآخرة، فمن أراد أن يطلب ملكاً فليطلبه ممن يملكه، أما من صنم وحجر وعيسى ومريم والأباطيل فهذه خطأ لا يعقل. تطلب الملك ممن لا يملك؟! يجوز ذلك؟ هل يصح أن تأتي إلى فقير وتقول له: من فضلك أعطيني سيارة؟ من أين يعطيك سيارة؟ لو كان يملكها فمعقول أن تقول له: أعطيني سيارة، إما إذا كان فقيراً فأنت تضحك على نفسك.

معنى قوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء)

قوله: مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، لنعلم أن مشيئة الله ليست مشيئة أحمق ولا جاهل، ولا غافل، بل مشيئة الله تابعة لحكمه سبحانه.إياك أن تفهم أن الله يشاء أن يعطيك شيئاً وأنت لست بأهل له، لا يفعل هذا؛ لأنه عليم حكيم، يضع كل شيء في موضعه، فلا تفهم أنك تحاربه ليل نهار وتقول له: أعطني ملكاً أسود به وأحكم به فيعطيك، هذا خطأ.إذاً: اطلب ما تطلب يا عبد الله من الله، إذا هو الملك الحق، واعلم أنه يعطيك إذا كنت أهلاً لهذا العطاء، فإن لم تكن متأهلاً له لا يعطيك؛ لأنه الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، تيقن أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.إذاً: الجأ إلى الله عز وجل واعمل برضاه، وبالسنن التي وضعها وسنها وقننها للوصول إلى الملك، فإن الله لا يحرمك، أما أن تطلب ذلك من غيره، أو تطلبه من سنن ما وضعها وقوانين ما سنها وتريد أن تصل إلى مطلوبك فلا والله، إلا إذا كنت ما آمنت بالله ولا بسلطانه وملكه. فيا بني إسرائيل! إذا أردتم الملك والسيادة والعز فادخلوا في رحمة الله تصبحون سادة البشر وأئمة.

معنى قوله تعالى: (وتنزع الملك ممن تشاء)

قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، كم من مالك نزع الملك منه؟ كم من مالك نزع ما يملك؟ والتاريخ شاهد والوقع أكثر شهادة، فهيا بنا إذاً نفزع إليه سبحانه، ما بقي عيسى ولا مريم ولا عزير ولا سيدي عبد القادر ولا مولاي إدريس ، فمن أراد أن يملك دابة وامرأة فالمالك الحق هو الله، فليقرع باب الله عز وجل، وليسأله في ضراعة، وليستقم على منهج الله حتى يتحقق له مراده ورضاه، أما أن تطلب ما ليس عندك من غير الله فهيهات هيهات أن تحصل عليه! أو أن تطلب من الله وأنت كافر معرض عن سنن الطلب وطرق الوصول إلى الخير فهيهات هيهات أن تحصل عليه! تأملوا هذه! اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] أي: من عبادك وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ [آل عمران:26] وتأخذه مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] لأنه ما أهل لذلك. وهل فعل الله هذا؟ نعم فعله مع بني إسرائيل. أين تلك الإمبراطورية العظمى؟ أين مملكة سليمان من أقصى الشرق إلى الغرب فقد حكم الإنس والجن؟ زالت، لما تبرجت نساؤهم، وكشفن عن وجوههن، ولبسن الكعب العالي.السفور من نشره في العالم؟ رجال الكنيسة؟ لا والله العظيم. فمن؟ إنهم اليهود، بنو عمنا؛ لأنهم يريدون أن نسقط من علياء السماء، وأن ننزل إلى الأرض بنفس الطريق الذي هبطوا به هم. كيف سقطت دولة بني إسرائيل؟ أخبرنا أبو القاسم، بدأت بالكعب العالي والسفور، وهم اليوم يصنعون الكعب العالي لنسائنا ونسائنا يتبخترن به. أما تعرفون الكعب العالي هذا؟ سبحان الله! هو الحذاء يجعلون له كعب رقيق طويل، لما تلبسه المرأة تصبح تتمايل، في الشارع في السوق تتمايل، تجذب قلوب أصحاب الشهوات ليقعوا في الفجور.أيضاً:كشف الوجوه لنساء البشر ما كان معروفاً أبداً حتى سن هذا القانون اليهود؛ لإيقاع الأمة في الفجور والفسق ثم الهبوط، حتى يتمكنوا من أن يعودوا كما كانوا سادة مالكين حاكمين.والعالم الإسلامي، كيف هبط؟ ما سبب هبوطه؟ هو إعراضه عما عن الله عز وجل، وطلب ما ليس لهم بحق، فهبطنا وحكمنا الشرق والغرب.

معنى قوله تعالى: (وتعز من تشاء وتذل من تشاء)

قوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، ما بقي ولي يدعى ولا عيسى ولا مريم ولا البتول ولا الحيل ولا السحر ولا ولا.. يا من يريد العزة اطلبها من الله، يا من يخاف الذل افزع إلى الله، يا طالب الملك اقرع باب الله، فلا إله إلا الله. ماذا فعل الله باليهود والنصارى؟ أذلهم وأزال ملكهم. وأما العرب الذين كانوا يطالبون بالملك علمهم من أين يأتى الملك وكيف يطلب، إلى الآن من أراد أن يعز فليطلب العز من الله.ما هو سبيل العز؟ هل هو المال والقوة والسلطان؟ والله ليذل. أين روسيا؟ أذلها الله وأنتم أحياء تشاهدون، وقد مضت فترة إذا خطب خطيب في موسكو تهتز أوروبا من الفزع والخوف، فأين هي؟ قالوا: لا إله والحياة مادة، فما مضى عليها ثمانون سنة. أين عزها؟ مجموعة من الشيشان أذلتهم وأخزتهم وحطمتهم. أبعد هذا نطلب العزة من غير الله؟!ستقولون: يا شيخ! علمنا كيف نطلب العز من الله؟ هل بالدعاء فقط؟ أو بالأخذ بالأسباب والسنن؟ الجواب: بالدعاء، وبالأخذ بالأسباب، أول شيء أن تعرف أن العز يملكه الله، وأنه لا يطلب إلا من الله، ثم تقبل على الله طالباً سائلاً ضارعاً، آخذاً بالأسباب التي وضعها لأن تعز وتسود، والأمر عندنا سهل، فقط رجعة صادقة إلى الله، وخلال أربع وعشرين ساعة لا أعز من المسلمين في الأرض.

معنى قوله تعالى: (بيدك الخير)

قوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ [آل عمران:26] لا بيد سواك يا رب! بيدك الخير تعطيه من تشاء وتمنعه ممن تشاء، مفاتيح الكون بيدك، وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو. افزعوا إلى الله، ما بقي والله بيننا من يقول: يا سيدي عبد القادر أبداً، ولا يا رسول الله ولا يا فاطمة بعد الليلة، ولا يا حسين ولا إدريس ! عرفنا يا رب أنه لا ملك إلا أنت، أنت الملك الحق، بيدك الملك تهبه من تشاء، وتمنعه ممن تشاء، تعز من تشاء وتذل من تشاء، ولو عرف المؤمنون والمؤمنات هذا والله ما قالوا يا رجال البلاد، أو يا مولى بغداد، يا راعي الحمراء، يا عيدروس ، يا حسين ، لكنهم ما عرفوا!ثم الذين يريدون أن يطلبوا ملكاً كيف يطلبونه؟ مثلاً: بلد من بلاد المسلمين أراد شبانها أن يطلبوا الحكم، أن يصبحوا الحاكمين، ما الطريق؟ الطريق أن يفزعوا إلى الله ويطرحوا بين يديه يبكون الليل والنهار، يزكون أنفسهم ويطهرونها، حتى تصبح كأرواح الملائكة؛ فحينئذٍ إذا رفعوا أكفهم إلى الله أن يزول من شاءوا أن يزول والله لأزاله الله، أما فقط بالعنترية والكلام الفارغ والمتفجرات فهذا هراء تابع لهراء.ستقولون: لا تلمهم يا شيخ! ما عرفوا. إي والله ما عرفوا. من عرفهم؟ ما تربوا في حجور الصالحين، لا أعواماً قليلة ولا كثيرة. بِيَدِكَ [آل عمران:26]، لا بيد غيرك، الخير والشر أيضاً، ولكن لا حاجة إلى ذكر الشر؛ لأننا نريد أن نسأل الخير، لا نريد أن تسقط دولتنا أو نمرض أو نصاب بالفقر.

معنى قوله تعالى: (إنك على كل شيء قدير)

قوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، ذكر السيوطي في تفسيره عند نهاية سورة المائدة، وهي مختومة بقوله تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، قال: على كل شيء قدير إلا على إيجاد إله مثله. فهل يقال مثل هذا الكلام؟! قال: على كل شيء قدير باستثناء أنه لا يوجد إله مثله. أقول تنبيهاً: هذا الكلام لا يقال؛ لأن الله يخاطبنا بما تعارفنا عليه وما تعايشنا فيه من أمور دنيانا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، أن يملك، وأن يعز، يحيي، يميت، يعطي، يمنع، يدخل الجنة، يدخل النار، على كل شيء قدير، فلم نستثني إلا ذاتاً كذاته، أي داع إلى هذا، فقوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] هذه الجملة تعليلية.كيف تقول: رب إنك على كل شيء قدير ارزقني أولاداً صالحين وأنت تأبى أن تتزوج؟ عرض عليك والدك الزواج فقلت لا أتزوج وتقول: رب ارزقني أولاداً صالحين، هل يجوز هذا الدعاء؟ أو تقول: يا رب إنك على كل شيء قدير فاجعلني نبي آخر هذه الأمة، هل يجوز الكلام هذا وأنت تعرف عن النبوة ختمها؟ أو تقول: رب أعلم أنك على كل شيء قدير فأخرج مني عنصراً من الذهب نعيش عليه؟ ما جرت سنة الله بهذا، فلابد وأن تطلب الله الذي على كل شيء قدير ما جرت به سنته في خلقه، فلا تناقض سنن الله. اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، مثلاً: أراد ملك أن يدوم ملكه، ويسأل الله عز وجل بدون ما يأخذ بأسباب البقاء يستجاب له؟ لا. إذاً: يدوم الملك بالعدل، وإقامة الشرع، وعبادة الرحمن عز وجل. أي طاعة الله في كل ما أمر به ونهى عنه ومن ذلك إعداد العدة للجهاد والقتال والتسلح وصناعة ذلك.

تفسير قوله تعالى: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل...)

قال تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]. ‏

معنى إيلاج الله لليل في النهار والنهار في الليل

قوله: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [آل عمران:27]، أين الليل يا إخواننا الآن؟ في بطن النهار أدخله الله فيه وبعد ساعات يذهب نهارنا فيدخله الله في بطن الليل.إذاً: إيلاج الليل في النهار هو إدخال الليل في النهار والنهار في الليل ولا تقل الشمس ولا.. كله هراء يصرفك عن تعظم الله والخوف والرهبة منه والحب فيه، والشمس من أدارها في فلكها حتى تكون الليل والنهار؟ انظر أمامك وأنت في رابعة النهار أين الليل؟ أمك وأبوك طرداه؟ أهل البلاد زجروه؟ انظر هذا! الآن يدخل الظلام الحالك ويعم البلاد بكاملها فأين النهار؟ من ذهب به؟ لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يذهبوا به دقيقة ما استطاعوا، فهذه عظمة الله، حكمة الله، جلال الله، قدرة الله، فقل: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله..الشيطان يعبث بالقلوب ويبعدها عما أراد الله لها من الهداية والخير، يفكرون كيف الليل والنهار، أما سمعت الله يقول: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [آل عمران:27]. هل هناك من قال: نحن بني فلان نولجه؟ لا. وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:27]، فأهل الإقليم ليلهم ليل، ونهارهم نهار، في كل أنحاء العالم، من يفعل هذا سوى الله؟ كيف فعله؟ بحسب قوانينه وسننه وتدبيره في ملكوته وخلقه، فلا ولي من الأولياء ولا نبي من الأنبياء، ولا عبد صالح ولا عيسى ولا مريم يستطيع هذا. وهذه صفعات لوفد نجران الذين يقولون: عيسى هو الله، فقال الله لهم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:26-27]. هل هناك من يشارك الله في هذا؟الجواب: لا. إذاً:لم يشاركونه في دعائهم والذبح والنذر لهم، والتزلف والتقرب إليهم وهم لا يملكون شيئاً؟وأخرى: والله لو يجتمع أهل الأرض على أن يغيروا نظام الليل والنهار والله ما استطاعوا أبداً، ثم لو أخبرهم الله وأراد إهلاكهم وغيروا لخرب العالم وهلكوا أجمعين.

معنى قوله تعالى: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي)

قوله: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران:27]، ما وجه ذلك؟ البيضة ميتة ميتة، والدجاجة حية لها صياحها.إذاً: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران:27]، البيضة ميتة، وتكفش فوقها أمها كذا ليلة وإذا بها تفقسها وإذا بحي خرج منها، وهذا مشاهد في هذه الحيوانات، وإن قال علماء الكون وعلماء الحياة: قالوا: النواة حية، فالبيضة فيها عنصر حي، كالمني، مني الفحول أيضاً فيه مادة الحياة. نقول: هذا لا يتلفت إليه؛ لأنه لا يفقه ولا يفهم ولا تدعى إليه البشرية لتفهمه، حتى ترهب الله وتحبه، فالقرآن يخاطب الصغير والكبير، والبصير والأعمى والأول والآخر، أشياء مشاهدة، فلا نبحث عن خيالات، نحن نشاهد أن البيضة ميتة، تخرج من الحي، وأن الكتكوت أو الفرخ يخرج من البيضة الميتة فهذه آية من آيات الله، لو اجتمع أهل أوروبا بل أهل الأرض على أن يخرجوا من ميت حي لا يستطيعون والله ولا ذبابة، لو تجتمع البشرية على خلق ذبابة ما تستطيع. إذاً: من يستحق التأليه والعبادة والرجوع إليه سوى الله؟وهناك أيضاً معنى مراد في الآية: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95]، عكرمة بن أبي جهل قائد، بطل الرباني، خرج من صلب أبي جهل ، وأبو جهل مات أسوء موتة، والكافرون أموات: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، فالكافر ميت، وهذه حقيقة.نقول: الإيمان الحق بالله ولقائه وكتابه ورسوله هذا الإيمان بمثابة الروح، بمنزلة الروح للإنسان إذا آمن الآدمي حيي، وأصبح حياً، وإذا لم يؤمن فهو ميت، وأصبح حكمه حكم الميت. والدليل والبرهنة: نحن أهل راية لا إله إلا الله، إن وجد بيننا يهودي أو نصراني أو مجوسي ذمياً تحت رايتنا نؤمن حياته ونحفظه من كل ما يسئ إليه، هذا والله لا نأمره بأن يصوم معنا، والله لا نأمره أن يشهد الصلاة معنا، والله لا نسمح له أن يدخل الجيش ليجاهد معنا. لم؟ لأنه ميت، فهل الميت يفعل شيئاً؟ أهل الذمة في بلاد المسلمين هل نقول لهم: صوموا، رمضان غداً فصوموا معنا؟ والله ما يجوز أن نقول ذلك، ميت فكيف تكلف ميتاً؟ انفخ فيه الروح فإذا حيي فكلفه فإن يقدر على أن ينهض ويفعل، أما وهو ميت فلا.من عرف الله عز وجل وعبده بما شرع فهذا حيي حياة كاملة، يقدر أن يقول الخير ويسكت عن الشر، يقدر على أن ينهض بالواجب ويتخلى عن المكروه؛ لوجود حياة فيه، أما من لا إيمان له فلا يكلف حتى يؤمن؛ لأنه كالميت. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] كم من إنسان صالح مؤمن رباني يخرج من صلبه ابن فاسد، كافر ميت؟! يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31]، هذا فعل من؟ فعل الله. هل هناك من يشارك الله في هذا؟ الجواب: لا. إذاً: لا إله إلا الله، هذا مسك الختام، لا إله إلا الله والله العظيم، لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله. من رفع لنا معبوداً ننظر إليه: هل خلق شيئاً؟ الجواب: لا. إذاً: من لا يخلق لا يعبد. هل رزق شيئاً؟ لو تتفق البشرية على إيجاد غذاء ما أوجده الله وتعرض عن اللحم، والخضار فهل تستطيع ذلك؟ والله ما تستطيع.إذاً: الخالق الرازق المدبر للحياة بالإحياء والإماتة والإعطاء والمنع والإعجاز والإذلال هو الله جل جلاله، فلا يعبد إلا هو، فلهذا أكبت الله وفد نجران وألقمهم حجراً وانهاروا وانهزموا؛ لأنهم جاءوا يجادلون رسولنا في أن عيسى ابن الله، وأنه إله مع الله، فبكتهم الله في ثلاث وثمانين آية وأسكتتهم وذهبوا مرتعدين خائفين.

معنى قوله تعالى: (وترزق من تشاء بغير حساب)

قوله: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27] يا رب! أنت مالك الملك، أنت ذو الجلال والإكرام ترزق من تشاء من عبادك.. من مخلوقاتك، من تشاء رزقه ترزقه وتوفر رزقه وتعطيه بدون حساب وليس بالعد، قنطار لحم أو صاع شعير، بل ترزق من تشاء رزقاً بغير حساب، فليس هناك من يحسب عليك أو يحاسبك: لماذا أنفقت كذا أو أعطيت كذا؟ وَتَرْزُقُ [آل عمران:27] أيضاً مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]، فتعطيه العطاء الوافي الذي ما يحتاج إلى عد ولا حساب.هذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية، فمن عرف الله عبده، ومن لم يعرفه صرف عن عبادته وهرب منها؛ ليخسر خسراناً أبدياً في الحياتين الأولى العاجلة والآخرة الآجلة.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء...) وما بعدها
من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات] فهيا إلى ما في الآيتين من هداية [ من هداية الآيات:أولاً: فضل الدعاء بهاتين الآيتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول: ( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء اقض عني الدين). فإنه يقضى بإذن الله تعالى ويعطى إن سأل حاجة له من حوائج الدنيا والآخرة ] إن شاء الله هذه حفظناها والذين لم يحفظونها يحفظونها من الآن ويضيفون إليها: ( رحمان الدنيا الآخرة) أي: يا رحمان الدنيا.. ولا نناديه بياء البعيد ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء، اقض عني الدين). تقولها يومياً في الليل والنهار حتى يقضى دينك. وإياك أن تمل، تقول: آه! دعوت وما استجيب لي، إياك! فقد حذرنا رسول الله من هذا، فإياك أن تسأل الله وتقول: آه! سألت فما أعطاني، فتلك والله الحالقة، انتبهوا! اثبت وكلك يقين على أن يقضي الله عنك دينك ويسدده.ثم اسأل بها غير الدين، توسل إلى الله عز وجل بها لما تختمها: اللهم اكشف ما بي من هم وكرب، اللهم اشف مريضي، وتكون قد توسلت إلى الله بأسمائه وصفاته.قال: [ثانياً: استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وإنجازه ما وعده في أمته ]. تدرون أن الرسول يوم الخندق أيام كان يحمل التراب على كتفه الطاهر وهم يحفرون الخندق كبر: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر فسألوه، قال: ( لاح لي ملك أمتي في بلاد فارس شرقاً وغرباً )، فضحك المنافقون واستهزءوا وقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يتغوط خارج بيته وهو يقول: ( ملك أمتي سيبلغ كذا وكذا ). وضحك لها اليهود، وتعاونوا مع المنافقين، وإذا بهذه تتحقق كما أراد الله، والله لقد ملكت هذه الأمة مملكة فارس والروم، وتحقق ما ذكر الله عز وجل وأراه رسوله صلى الله عليه وسلم، سيبلغ ملك أمتي كذا وكذا، انتهى إلى ما وراء نهر السند وإلى ما وراء الأندلس، تحقق هذا: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، فنزع ملك فارس والروم ووضعه في أيدي المسلمين أصحاب رسول الله، وأحفادهم وأولادهم.قال: [ ثالثاً: بطلان ألوهية عيسى عليه السلام، وثبوت عبوديته لله ورسالته وكرامته ]، أما الألوهية فله لا إله إلا الله، وأما كونه عبد الله ورسوله ووليه فنعم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #266  
قديم 27-10-2020, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (5)
الحلقة (146)




تفسير سورة آل عمران (13)

الله عز وجل ولي المؤمنين، والمؤمنون أولياء بعض، ومن تمام هذه الولاية ألا يصرفوا شيئاً منها للكافرين، لا بمحبة ولا بنصرة؛ لأن الله عز وجل يحب المؤمنين وبذلك تكون موالاتهم واجبة، ويبغض الكافرين فتكون معاداتهم واجبة، ومن فعل غير ذلك فقد خرج من ولاية الله وصار عدواً له، وعرض نفسه لسخطه وأليم عقابه حين يصير إليه الخلائق يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم، ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين. وها نحن مع هذه الآيات الثلاث وما زلنا مع سورة آل عمران، تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:28-30].

النهي عن موالاة الكافرين

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]؟إنه الله ربنا، منزل كتابه علينا، باعث رسوله فينا، الذي خلقنا ورزقنا، الذي أوجدنا بعد العدم، فأحيانا ثم يميتنا ثم يحيينا، الله الذي رفع السماء بغير عمد، وبسط الأرض على الماء فجمد، آياته الدالة على وجوده لا تعد ولا تحصى، فكل ذرة في الكون موجودة الله هو الذي أوجدها.اسمع هذا الخبر العظيم! لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، هذا نهي واضح صريح من الله لعباده المؤمنين -جعلنا الله تعالى منهم- أن نتخذ الكافرين أولياء لنا نحبهم وننصرهم، ونعرض عن المؤمنين أو نخذلهم ولا ننصرهم.(لا): ناهية، لا يحل أبداً لمؤمن ولا مؤمنة أن يتخذ كافراً أو كافرة، منافقاً أو منافقة، يهودياً أو نصرانياً، أن يتخذه ولياً له، ويترك المؤمنين لا يحبهم ولا ينصرهم. وهذا واضح بين. أيعقل يا عاقلين! أن نتخذ الكافرين أولياء نحبهم ونقف إلى جنبهم وننصرهم ونترك المؤمنين فلا نحبهم ولا ننصرهم؟ أيعقل هذا؟ كيف يتم هذا؟ لما كان الضعف البشري متأصلاً فالله عز وجل علمنا هذا، انتبهوا! لا يحل لمؤمن ولا مؤمن ولا مؤمنة أن يتخذ كافراً أو كافرة ولياً له. أي: يحبه بقلبه وينصره ويترك المؤمنين فلا يتخذ منهم ولياً ولا نصيراً.

معنى الموالاة

وتأملوا! (( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ))[آل عمران:28]، لا يحل، لا يجوز، ممنوع، حرام.يبقى: هل تذكرون أننا فسرنا البراءة والولاء؟ بلى تذكرون، وقد فسرنا ذلك: بالحب والنصرة، بالحب: والحب موطنه القلب، ومظاهره: الابتسامة، واللين والعطف والرحمة والعون والمودة.إذاً: والنصرة تكون بالسكين والرمح، بالكلمة والمال، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يوالي كافراً أو كافرة، حتى ولو كان الكافرة هو أبوه، ولو كانت الكافرة هي أمه، ولو كان الكافر شقيقه أو ابن أبيه أو أمه. لا يحل لك يا عبد الله المؤمن أن تحب بقلبك من كرهه الله وأبغضه الله وسخط عليه وإلا تناقضت مع سيدك ومولاك.. مع ربك وإلهك، فهو يكره أبا جهل وأنت تحبه؟! أليس هذا هو التناقض؟ أعلنت الانفصال عنه وما اعترفت به سيداً لك ولا مولى. الولاء والبراء: يجب أن نوالي المؤمنين وأن نتبرأ من الكافرين، ليس لهذه الآية وحدها، بل لآيات كثيرة متفرقة في هذا الكتاب الإلهي، منها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ))[النساء:144]. ومنها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ))[المائدة:51] غيرها آيات كثيرة.إذاً: يجب أن نعلم: أن حب الله وحب ما يحب الله واجب، وأن كره ما يكره الله واجب، فإذا عرفت أن زيداً أو عمراً يبغضه الله ويكرهه؛ لأنه سب الله وكفر بالله، ولأنه حارب أولياءه، فيقيناً أن الله يكرهه، فإياك أن تحب هذا الكافر المبغض لله وإن كان أقرب قريب كالأبوين فلا أقرب منهما. وقوله من سورة المجادلة: (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ))[المجادلة:22]، فما ترك بياناً بعد هذا. فهل أنتم مستعدون؟ قولوا: نحن عافانا الله ما عندنا يهود ولا نصارى بيننا، ولا مجوس ولا صابئة ولا مشركون.أقول: ومع هذا احذروا أن تحبوا من يكره الله، اعزم في صدق أنك لا تحب إلا من يحبه مولاك، وأنك لا تكره إلا من يكرهه مولاك، وعلى هذا تنتظم حياتك الربانية الصحيحة.

معنى قوله تعالى: (فليس من الله في شيء)

لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، الحب والنصرة، أحبوا المؤمنين وانصروهم على أعدائهم الكافرين، واكرهوا الكافرين ولا تنصروهم على إخوانكم المؤمنين.ثم جاء الاستثناء، فقال تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، لكن قبلها قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [آل عمران:28] منكم أيها المؤمنون فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28]، وولايتهم قطعت صلتها، كان ولياً لله بالإيمان به وتقواه، فلما والى أعداءه انقطعت ولاية الله عنه، وأصبح عدواً لله وليس ولياً له، فليس من الله في شيء، ما بقيت له صلة بالله؛ لأنه أحب ما يكره الله، ونصر من يخذل الله، ووقف موقفاً مضاداً لله. إذاً: ماذا بقي له مع الله؟ لا شيء.وأنتم تعلمون أن ولاية الله لنا تتم بشيئين: الإيمان الصحيح، والتقوى العامة، فمن والى أعداء الله ضد أولياء الله فقد انقطعت صلته بالله، ولم يبق له شيء فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28].اسمعوا الآية! يقول تعالى وهو يخاطبنا في صورة الغيب، لأن المؤمنين لا يحضرون كلهم في يوم واحد لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [آل عمران:28]، أي: يواليهم دون المؤمنين فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28]، ما بقيت له صلة بالله، وولايته التي كانت تربطه بالله انقطعت أسبابها وأصبح عدواً لله.

معنى قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)

قوله: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، وقرئ: (إلا أن تتقوا منهم تقي)، التقى: بمعنى التقية، بمعنى: التقوى، إلا أن تتقوا أذاهم أو شرهم أو بلاهم بصورة من الصور الجائزة المسموح بها، هذه الصور الجائزة ليس معناها أنك تترك الصلاة، أو تشرب معهم الحشيش أو الخمر، وتقول: أنا اتقيت بلاءهم بهذا، وأن تساكنهم أو تعاشرهم، ما قال بهذا ذو علم أو بصيرة، بل تتقي منهم بالكلمة اللينة والعطف والعمل المادي، لا بأس أن تقدم إليه ماءً أو طعاماً، لا بأس أن تساعده على إصلاح دابته أو سيارته حتى ما تحمله على ضربك أو قتلك أو منعك من فعل الخير أو عمل صالح.

الفرق بين المداهنة والمدارة

تعرفون أن هناك فرقاً بين المداهنة والمدارة، يوجد فرق كبير بين المداهنة والمداراة، والعامة تقول: دارهم ما دمت في دارهم، ففرق ما بين المداهنة،والمداراة، فالمداهنة حرام، والله يقول: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، فلا مداهنة بينك وبين الظلمة والكفرة، والفجار والمشركين.أما المداراة فتدخل تحت: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، هيا نعود بهذه الكلمة الليلة إن شاء الله، وهي أننا عرفنا كيف نداري وكيف لا نداهن؛ لأن المداهنة موت. والمدارة جائزة دل على هذا قول ربنا: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، نتقي أذاهم، شرهم، بلاءهم بالمدارة، بالمصانعة والمجاملة المعروفة عند الناس.قال الحكماء: المداهنة: أن تتنازل عن شيء من دينك. انتبه! تتنازل عن شيء من دينك لتحصل به على شيء من دنياك، تتنازل عن شيء من دينك يسقط عنك ويخرج منك؛ من أجل أن تحفظ شيئاً من دنياك، هذه هي المداهنة وهي محرمة.وأما المداراة: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك.مثاله: جلست مع كافر وأنت مضطر إلى أن تجالسه؛ لأنك في بلاده وبين رجاله، وأنت بعيد الدار وغريب، وما تستطيع أن تفعل شيئاً. إذاً: اعمل بقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]. كيف تصنع؟ إذا قال لك: يا فلان! أغلق الباب تقوم فتغلق الباب! يا فلان! أصلح لي السيارة؛ تقوم وتصلحها! يا فلان! أعد لي نعلي؛ فتعد له نعله وتحضره له. فأنت بهذا تداريه، فتتنازل عن شيء من دنياك. يا فلان! أقرضني ألفاً، أعطيني كذا فتعطيه من أجل أن تحفظ دينك، تعطيه من دنياك ما استطعت، وتداريه به من أجل أن تحفظ عليك دينك. هذه هي المدارة. أما أن تشرب معه الخمر المحرم في مجلسه، أو يسب الله والرسول فتضحك وتقول مثل ما يقول، فهذه ليست والله بمداراة، بل هي مداهنة. إذاً: المدارة جائزة، أذن الله فيها، وهي: أن تتنازل عن شيء من بدنك.. من مالك؛ لتدفع به عن دينك وتحفظ به دينك. والمداهنة: أن تتنازل عن شيء من دينك من أجل أن تحفظ شيئاً من بدنك ومالك.إذاً: المداهنة والمدارة غالباً ما تكون في ديار الكفر، أما بين المسلمين فليس هناك كافر تداريه أو تداهنه. نعم! قد يوجد بعض الفساق، بعض الفجرة أغنياء وأنت في حاجة إليهم فيحملك الضعف على أن تداريهم، لكن لا تداهنهم للحفاظ والحصول على ما تريد من المال فتشرب معهم الخمر، وتلعب معهم الكيرم والورق، ويسبون العلماء والحكام فتسب معهم حتى ما يفصلوك عنهم وحتى لا يحرموك، فهذه مداهنة فقد تنازلت عن شيء من دينك لتحفظ شيئاً من دنياك، وظيفتك أو مالك أو كذا.. ولا يحل هذا أبداً.أما أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظك دينك فنعم، هذا الفاسق الطاغية أصلح له نعله.. أصلح له سيارته، قدم له نعله ليلبسه، لا حرج، فهذا شيء من دنياك وليس من دينك تتنازل به، حتى تحفظ به شيئاً من دينك؛ وهذه هي المداراة. أما أن نتنازل عن شيء من ديننا لنحفظ شيئاً من دنيانا فهذه هي المداهنة الحرام: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، فلا مداهنة عندنا أيها المؤمنون، بل المداراة وهي المجاملة المصانعة، تتنازل عن أكلك وتعطيه يأكله حتى تقوم تصلي ولا حرج، أما أن تتنازل عن الصلاة لتأكل معه فلا نأكل أبداً ولكن نصلي.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #267  
قديم 27-10-2020, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

جواز التعامل مع الكفار دون مودتهم ونصرتهم

نعود إلى الآية الكريمة نستنير بنورها، قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]. نعود إلى الوضع العام، هل يجوز لنا أن نتعامل مع بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو مع اليهود أو مع الأمريكان؟ أو مع الروس؟ لا. لا يجوز. لم؟ لأن الروس بلاشفة حمر، ملاحدة، يقولون: (لا إله). لا خير فيهم ألبتة، بخلاف أهل الكتاب والمشركين فهم يقرون بالله وبربوبيته.وهنا أذكر أن فضيلة للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمة الله عليه لم يعترف بروسيا ولم يتبادل معها بسفارة في مملكته حتى تمزقت واحترقت. فلم ما فعل المسلمون هذا؟ جهال ما عرفوا. لم تعرف روسيا هذا البلد بسفارتها وقنصليتها حتى سقطت الآن واحترقت.أما أهل الكتاب كاليهود والنصارى فلا نتخذهم أولياء نحبهم وننصرهم دون المؤمنين لن يكون هذا، لكن نتبادل المنافع معهم، فهذا أمر مأذون فيه ومسموح به ولا جدال فيه ولا خصومة. إذاً: نتعامل معهم بالتجارة، بيعاً وشراء، نتعامل معهم بصناعة، كل هذا واسع وليس بمغلق أبداً، مع المحافظة على بغضهم لله، وعدم حبهم، ثم عدم نصرتهم على مؤمن أو مؤمنة. عندنا معاهدة بيننا وبين الإيطاليين نوفي لهم بمعاهدتنا، لكن لو حاربوا المؤمنين ننقض المعاهدة ونقاتل مع المؤمنين عدوهم الذي بيننا وبينه معاهدة. وانظروا إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم -وقد درسنا هذا في السيرة النبوية- كانت بينه وبين اليهود معاهدة، جليلة -سبق وأن قرأنا بنودها- في هذه المدينة، بنو النظير، بنو قريظة، بنو قينقاع، عاهدهم وصالحهم، لكن ما إن نقضت قبيلة العهد حتى ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أول من نقض العهد هم بنو قينقاع.كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة سلم وعدم حرب، وتعاون بالمال على أداء الديات وما إلى ذلك، فلا ظلم، ولا اعتداء، ولا ولا.. فلما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في بدر في السنة الثانية من هجرته طاشت سهامهم، وامتلأت قلوبهم من الغيظ والحقد، وقالوا: يا محمد! لا تفهم أننا مثل العرب الجهال، تحاربنا وتنتصر علينا. هددوا، سكت صلى الله عليه وسلم. وإذا بمؤمنة جلبت شيئاً إلى السوق فباعت ومرت بصائغ يهودي تريد أن تشتري مصاغ ذهب أو فضة وإذا باليهود يسخرون بها، ويأتي يهودي من ورائها فيرفع خمارها حتى بدأت عورتها فصاحت: يا للمسلمين! فجاء مسلم فقتل اليهودي، وكشف اليهود عن عدائهم وعن تمزيق المعاهدة، وما هي إلا ساعات وقد طوقتهم رجال الله، واستسلموا، ورماهم النبي صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة كلها، لأنهم نقضوا العهد، فلو بقوا على عهدهم إلى اليوم لا يضرهم شيء، ولكنهم نقضوا العهد.أيضاً: بنو النظير، بموجب المعاهدة الرسمية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منهم مالاً حسب الاتفاقية أنهم يشتركون في الديات، وهم أيضاً لو أصيبوا بديات فالرسول يساهم فيها، وقد قتل مؤمن جهلاً وخطأ، فطلب أهله الدية، فخرج يطالبهم بشيء منها، فأجلسوه في ظل دار من دورهم على البنايات القديمة، وأخذوا يتآمرون عليه، كيف يقتلونه ويستريحون منه، وبالفعل جاءوا برحى مطحن، وصعدوا بها إلى السطح دورهم، وأرادوا أن يلقوها على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأعلم الله من طريق الوحي نبيه بذلك، فأخذ رداءه ومشى هو ورجاله ومن ثم نقضت بنو النظير عهدها ونقضوا عهدهم وأصبحوا حرباً، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن طوقهم، وبالتالي أذعنوا للجلاء عن المدينة، واقرءوا سورة الحشر ففيها هذا البيان: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2]، فما إن خرجت خيل الله حتى استسلموا.إذاً: خرجوا وحملوا أموالهم وأولادهم ونساءهم حتى أخشاب المنزل كانوا يأخذونها، الأبواب أخذوها. المهم اذهبوا أيها المخذولون والتحقوا بالشمال من خيبر إلى الشام.أيضاً: بنو قريظة اتفاقيتهم ثابتة حتى جاءت الأحزاب، وفهموا أن الأحزاب سوف ينتصرون على الرسول والمؤمنين، وجاء من راودهم وطمعهم فما هي إلا ليلتان أو ثلاث ونقضوا العهد، وانتهت الحرب مع الأحزاب وأجلاهم الله وأبعدهم بتلك الآية العجيبة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا [الأحزاب:9]، اقتلعت الخيام وأكفأت القدور، وما كان من المشركين إلا الهرب، فلما هربوا وعاد الرسول مع رجاله، ما زالوا يغتسلون من التراب والغبار والآلام خمسة وعشرين يوم وهم في البرد والجوع والآلام، وإذا بجبريل على فرس يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أو ضعت السلاح يا محمد؟ نحن ما وضعنا السلاح فهيا إلى بني قريظة، وأذن مؤذن رسول الله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ) فلما طوقهم الرسول بجيشه وحاصرهم احترقت قلوبهم من الغيظ، واستسلموا ورضوا بحكم سعد بن معاذ ، قالوا: رضينا بحكمه، ولو رضوا بحكم الله عز وجل ما كانوا يقتلون، قالوا: لا رضينا حكم سعد فينا؛ للصلة التي كانت بينهم في الجاهلية، فحكم سعد رضي الله عنه بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت بهم بحكم من في السبع )، فوق سبع سماوات. هنا وأظن في طرف المسجد حفر لهم حفرة كبيرة وكان يضرب الرأس ويلقى في الحفرة سبعمائة رجل، والنساء رحمة الله بهن والأولاد أصبحوا مسلمين.إذاً: المعاهدة، نحن أحق بالوفاء بها من اليهود والنصارى، والكافرين والمشركين؛ لأننا أحياء ربانيون، وهم أموات شياطين مخذولون، لن نكون مثلهم في الخيانة.أقول: المعاهدة إذا احتاج إليها إمام المسلمين بل حتى قائد معركة، إذا احتاج إلى مهادنة.. إلى مصالحة.. إلى مدة محدودة.. معاهدة، فقد أذن الله تعالى فيها وأذن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلكم الشرط العظيم، لا حب ولا نصرة أبداً، لا نحب يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً ولو كان هاشمياً قرشياً أبداً؛ لأن قلوبنا لله فيها حب الله، فلا يجتمع مع حب الله حب أعدائه، فلا حب ولا نصرة على المؤمنين. بيننا وبين بريطانيا معاهدة سلم وعدم حرب وبيننا تجارات و.. و.. فلو أعلنت بريطانيا الحرب ضد شعب مسلم تنقطع تلك الصلة، ونقاتلها مع إخوننا المؤمنين.وهكذا يا أبناء الإسلام! اعلموا أنه لا يحل للمؤمنين أن يحبوا الكافرين ولا أن ينصروهم، هذا حرام، أما أن تتعامل مع يهودي أو نصراني فلا شيء في ذلك أبداً. تذكرون الولد اليهودي الذي يخدم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فمرض فزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه الإسلام ( قل: أشهد أن لا إله إلا الله تنجو من النار. فخاف من والده، فقال له والده: أطع أبا القاسم )، لو كان حب الكافر يجوز لأحببت أنا هذا اليهودي، لبصيرته، أطع أبا القاسم، عرف أنه إذا شهد شهادة الحق دخل الجنة، ومع هذا هو مصر على الكفر فقال له: أطع أبا القاسم، فتشهد الغلام وفاضت روحه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ).إذاً: عرفتم المداهنة والمدارة، وعلمتم أن الجائزة هي المدارة، وأن الممنوعة هي المداهنة.الجائزة هي المداراة، والمدارة حقيقتها: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك. تخدم الكافر، تقدم له الطعام الشراب، تحمله على ظهرك لتصل به إلى المستشفى، من أجل أن تبقي دينك. أما المداهنة: أن تتنازل عن دينك ليحبك الكافر أو يكرمك أو لا يضر بك أو لا يهينك، وهي محرمة.هكذا نعيد تلاوة الآية الكريمة، ونواصل دراستها، قال تعالى وقوله الحق: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28] خاصة معينة مدارة للإبقاء على جسمك سليماً ودينك معافى.

معنى قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)

ثم قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28]، يا عباد الله! الموقف خطير ليس بهين، فالله بعد هذا البيان يحذرنا أن نعصيه ونتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28] إن سلمتم اليوم من بلاء أو شقاء فمرجعكم إلى الله وينزل بكم العذاب، فلا تعتزوا اليوم بقوتكم فإلى الله لا إلى غيره مصيركم ومرجعكم. الأمر عظيم! يحذركم الله نفسه أن تعصوه وتخرجوا عن طاعته وتوالوا الكافرين وتتركوا المؤمنين، فموالاتنا يجب أن تكون للمؤمنين، أولياء الله، نحبهم ونقاتل معهم وننصرهم، لا أن نحب الكافرين ونقاتل معهم ضد المؤمنين والمسلمين.

حكم إعانة الكافر المعاهد في قتاله مع عدو آخر كافر

تنبيه: لو كان بيننا وبين دولة اتفاق أن نقاتل من يقاتلها، وتقاتل من يقاتلنا، وأعلنت الحرب بينها وبين دولة أخرى، ننظر إذا كانت الدولة مؤمنة انتهت العقدة وانحل الرباط ولا نقاتل معها إخواننا، بل نقاتل معهم إياها، لكن لو قاتلت دولة كافرة اعتدت عليها بلجيكا اعتدت على هولندا، ونحن بيننا وبين بلجيكا عهد، فلا مانع أن ننفذ الاتفاقية ونعاونهم على عدوهم؛ لأنه كافر وليس بمسلم، لكن إذا كان بينهم وبين المؤمنين عرباً أو عجماً فلا موافقة ولا متابعة.

تفسير قوله تعالى: (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله...)

قال تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29] .يزيد تعالى فيقول اسمعوا! قُلْ [آل عمران:29] لهم يا رسولنا قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب الكافرين والمشركين أو تظهروه يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]. أمر عجب! يا عبد الله! طهر قلبك من حب الكفار وإن كانوا من أقاربك، ولا تتظاهر بأنك تكرههم وأنت تحبهم فالله مطلع على قلبك. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب وبغض أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29] وتظهروه، يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، لا يعجز الله شيء. ما رأينا ممنوعاً تتابعت الآيات فيه كهذا؛ لأن حبك الكافر والله يحملك على أن تكفر، أقسم بالله إذا أحببتهم وداهنتهم لابد أن تصبح مثلهم يقيناً، فلهذا الحد الفاصل هو: لا حب ولا ولاء لهم أبداً.

تفسير قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً...)

يقول تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].انتقلوا عن هذه الدار الضيقة إلى الدار الواسعة، لا تفهموا أنكم مضطرون وأنكم وأنكم.. فتداهنون الكفار، وتنسون لقاء الله عز وجل، وتبطنون الحب وتظهرون البغض لهم، فالله مطلع على ما في القلوب ما ظهر وما بطن. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران:30] بين يديها، وقد عرفنا أن المرء إذا قتل ظلماً وعدواناً يرى نفسه أمامه وفي يده مسدسه أو رصاصة ليقتل به لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، الآن شاشات الفيديو والتلفاز نهت هذه المشكلة العويصة لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، فاعل الخير يرى نفسه هكذا يفعله، وفاعل الشر يرى نفسه وهو يباشر الشر ويفعله، فكيف ينكر والله يقول: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24]. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ [آل عمران:30] بيضاء أو سوداء، في الأولين أو الآخرين، مؤمنة أو كافرة مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]،أي: مسافات لا تعد، كل نفس عملت سوء تود عندما تشاهد ذلك السوء أن لو كان بينها وبينه آماد لا حد لها.يقول تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، ما زال السياق متصلاً، يحذركم الله من نفسه، احذوا الله، خافوا عقابه وعذابه، وقد يكون في الدنيا وقد كان، وقد يكون في الآخرة وسيكون. وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، نعم هذا المختم الذي ختمت به الآيات، لو ما قال هذه، لكانت القلوب تطير من الخوف والفزع، لكن قوله: رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، رءوف بالعباد رحيم، ومن آثار رحمته ورأفته بهم: هذه التعاليم، فلو تركنا نوالي الكافرين ونودهم ونتعايش معهم فنصبح مثلهم، ويصبح مصيرنا مصيرهم، إلى جهنم، لكن رحمة الله ورأفته أنه يخاطبنا، يبين، يفسر، يؤكد، كل هذا من مظاهر رحمته، ولو أراد شقاءنا وعذابنا لا ينزل هذه الآيات ولا يبين فيها حكمه.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

الآن نعود إلى الآيات، قال تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] انقطعت صلته بالله عز وجل ويا ويله يومئذٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، وهي المداراة، وهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يدخل عليه المنافق، فيحاول أن يبتسم في وجهه فلما قالت له عائشة لم؟ قال: ( إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تبغضهم ). إنا لنكشر في وجوه أناس وقلوبنا تبغضهم؛ لأنهم منافقون، يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، لكن لابد من هذا، ما أعلنوا عن كفرهم، يبتسم في وجوههم وهو لا يحبهم، وهذا شأن المؤمنين مع الفساق والفجار والظلمة والمعتدين، قد تضطر إلى أن تبتسم وتلين له القول له، ولكن قلبك ليس فيه حبهم ولا ولاؤهم، إذا لا تحب إلا ما يحب الله. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29]، هذا عام في الخير والشر، إياك أن تفهم أنه بإمكانك أن تخفي حبك أو بغضك، انتبه! فإن قلبك يقلبه الله، وهنا فلنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء )، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في السجود: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى دينك )، فلا يحفى على الله شيء، تستطيع أن تخفي عن الناس ما تخفيه لكن بالنسبة إلى الله فمن المستحيل هذا، فهو خالق قلبك، بل عرف ما تريد أن تخفيه قبل أن يوجدك قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]، وإذا علمه يجازي به وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، إذا يوجد بعض المرضى يوالون بعض العائلات والأسر الكافرة ويضحكون معهم ويشربون، ويتركون الصلاة، مداهنة لهم، ويظنون أن المسلمين لا يعرفون عنهم، ولا يدرون، ولكن الله يدري والله مطلع؛ إذ يعلم ما في السماوات وما في الأرض.انتبهوا! قد توجد أسر بيننا من أهل الذمة فيأتيهم المؤمن ويضاحكهم ويسب معهم وكذا.. ويقول: من يعلمني؟ فالله عليم، فوق ذلك يقول يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران:30]، تدرون ما السوء هذا؟ كل ذنب هو سوء، كل ما يسيء إلى نفسك فيصبها بالظلمة أو بالعفن والنتن فتكون كأرواح الشياطين، فهو ذلكم السوء يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ [آل عمران:30] تحب لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]، لا يراه ولا تراه.معاشر المؤمنين! الآن قد عرفنا المداراة والمداهنة فإياك يا عبد الله وإياك يا أمة الله أن تداهني، لكن لا بأس أن نداري؛ لأن المدارة أن نتنازل عن شيء من بدننا من مالنا؛ لنحفظ ديننا، أما أن نتنازل عن شيء من ديننا، أصلي بدون وضوء، أشرب الخمر مع اللاهين، أسب العلماء والصالحين مع السابين من أجل الإبقاء على وظيفتي أو على كرامتي بينهم؛ لا لا.. فالمداهنة هي الموت، والآية كما سمعتم وَدُّوا [القلم:9] منهم؟ المشركون لَوْ تُدْهِنُ [القلم:9] يا رسولنا، أي: تداهن فيداهنوك، فلا تداهنهم، ما كان أبو القاسم يداهن مشركاً أو كافراً، وما يتنازل عن شيء من دين الله من أجل إرضاء فلان أو فلان. إذاً: الحمد لله، عرفنا شيئاً كبيراً.
أحكام زكاة الفطر

وجوب زكاة الفطر

عندنا سؤال: ما حكم صدقة الفطر؟الجواب: الوجوب، للحديث الصحيح في الموطأ، يقول ابن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ). هل عرفنا فائدة في القرآن تتعلق بزكاة الفطر وصلاة العيد؟ الجواب: نعم، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فهذا اللفظ القرآني يشمل والله زكاة الفطر وصلاة العيد، والتكبير من المنزل إلى المصلى، فلا تفوتنا هذه، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].

مقدار زكاة الفطر

هل عرفتم مقدار زكاة الفطر؟الجواب: صاع. ما هو الصاع هذا؟ الجواب: ما يعادل كيلوين وربع، وأصل الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل، ما هو القزم القصير مثلي.إذاً: الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل أو على الأقل المتوسط، أربع حفنات مملوءة، زنها في الميزان تجدها كيلوين وربع، وقد يختلف الوزن، لأن هناك أشياء خفيفة وأشياء ثقيلة فالتمر ثقيل والشعير خفيف. من أي طعام تخرج زكاة الفطر؟أبو القاسم بين أنها من التمر.. الشعير.. الأقط -وهي الزبدة اليابسة، أو اللبن الجاف وهو من المطعومات- ولم يذكر القمح لأنه ليس عندنا قمح فقال: ( من تمر، أو شعير، أو أقط ) أو أرز القمح في بلاد الشام، لكن لو وجد القمح فهو أولى، لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والرز من باب أولى، الآن موجود وسهل وهين، أغلب القوت الرز. والفقهاء يقولون : تخرج من غالب قوت أهل البلد، تخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد، والرز عندنا هو الغالب.إذاً: عرفتم من أي شيء تخرج الزكاة، من التمر، القمح، الشعير، الأرز، الأقط.

حكم إخراج زكاة الفطر من النقد

وهنا سؤال: الدراهم والدنانير دراهم الفضة، ودنانير الذهب، هل تخرج منها ؟ الجواب: يوم أن أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ونشره بين رجاله يوجد عندهم دينار درهم يوجد قطعاً، والله موجود، لكن -أولاً- ما كان يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم مطاعم أبداً، ولا مخابز، فإن أنت أعطيته ربع درهم أو ربع دينار ماذا يصنع بها؟ سيظل جوعان لا مطعم ولا خبز ولا ولا.. كيف يصنع؟ إذاً: أعطه التمرات يتغدى ويتعشى بها، أعطه الخبز والدقيق، الشعير يطحنه، فمن ثم عدل أبو القاسم ورجاله عن الدينار والدرهم إلى التمر والشعير.فمن هنا أفتى العلماء وهو ما نقرره: إذا كان المسلم في بلد لا يقبل فيها رز ولا تمر ولا بر ولا شعير ولا أقط، يتعين عليه أن يخرجها بالدينار والدرهم، ولا يقول: مع الأسف، ما وجب علينا شيء؛ لأن الذي فرض الرسول صلى الله عليه وسلم ما عندنا، سقطت عنا زكاة الفطر. الجواب: ما سقطت، بل وجبت، أخرج قيمتها ديناراً أو درهمين. أما في البلد التي يوجد فيها الطعام فلا نستبدل بها الدينار والدرهم عملاً بتوجيه رسول الله وهدايته. ومن جهة أخرى: زكاة الفطر مطهرة للنفس، وورد أن الصيام معلق قبوله بها، فمن هنا فهي عبادة لا تزكي النفس إلا إذا كانت كما بينها الشارع ووضعها، فهذا هو الذي ينبغي أن نقوله ونعمل به.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #268  
قديم 27-10-2020, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (6)
الحلقة (147)




تفسير سورة آل عمران (14)
محبة الله عز وجل ليست أمراً يدعيه كل أحد دون أن يقدم عليه الأدلة والبراهين، وقد بين الله عز وجل أن من أدلة محبته سبحانه وتعالى اتباع ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم من الهدى والرشاد، فمن فعل ذلك فهو محب لله سبحانه وتعالى، بل ومستحق لمحبة الله، ومن تولى وأبى فإن الله لا يحب القوم الكافرين.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن ضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين ونحن ما زلنا مع آيات سورة آل عمران، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32].وقبل الشروع في دراسة هاتين الآيتين المباركتين أعيد إلى أذهانكم ما جاء في الآيات قبل هاتين، وإليكم تلاوة الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس ، ونتذاكر ما سبق أن علمناه منها، قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أي: السوء أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:28-30].

هداية الآيات
إليكم هداية هذه الآيات الثلاث:قال المؤلف غفر الله لنا وله:[ من هداية الآيات: أولاً: حرمة موالاة الكافرين مطلقاً] حرمة موالاة الكافرين سواء كانوا من أهل الكتاب أو المشركين، فموالاتهم محرمة تحريماً مطلقاً بلا قيد. هل تعرفون معنى الموالاة المحرمة؟الموالاة المحرمة: هي حب الكافر ونصرته، فمن أحب الكفار بقلبه كما يحب نفسه وربه وأولياء الله المؤمنين ثم نصرهم على المؤمنين، فهذه موالاة محرمة، بل هي كفر.وهذه هي عقيدة الولاء والبراء التي يتغنى بها كثير من الناس ولا يعرفون معناها، والولاء: الحب والنصرة، فلا يحل لمؤمن أن يحب كافراً ولو كان أباه، ولو كان ابنه، ولو كان أحد أفراد عشيرته، فإن أحبه رحل حب الله من قلبه، وقد قال تعالى في سورة المجادلة: ((لا تَجِدُ)) يا عبد الله لو كنت طالباً (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ))[المجادلة:22]. وهذا كلام الله، فلو بحثت بما أوتيت من قدرة على العلم ما وجدت ولن تجد عبداً آمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان يواد من يحاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.إذاً: من هداية الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس كما قال المؤلف غفر الله لنا وله:[ أولاً: حرمة موالاة الكافرين مطلقاً] وموالاتهم ليس معناه: أن يجوع أحدهم فتطعمه، أو يعطش فتسقيه، أو يمرض فتداويه، أو يتعب فتحمله، لا، فهذه ليست هي الموالاة، ليس من الموالاة أن تتعاون معه في سفر من الأسفار أو تبني معه جداراً، أو تغرس معه بستاناً.. ليست هذه الموالاة، بل الموالاة: أن تحبه وتنصره على الله والمؤمنين. هذا هو الولاء والبراء.قال: [ ثانياً: موالاة الكافرين على المؤمنين ردة وكفر وبراءة من الله تعالى] الذي يقف إلى جنب اليهود ويقاتل معهم المسلمين كافر، والذي يقف إلى جنب بريطانيا أو روسيا وهم يقاتلون المؤمنين ويقاتل معهم المؤمنين كافر مرتد ليس بمؤمن.وهنا -للعلم- إن كانت بيننا وبين أمة كافرة معاهدة -كما عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة ضد قريش- إن كانت بيننا وبين دولة كافرة معاهدة سلم وعدم اعتداء وحرب، وكان من بنود المعاهدة: أننا نقف إلى جنبهم إن اعتدى عليهم معتد ويقفون إلى جنبنا إن اعتدى علينا معتد، هنا إذا كان الذي اعتدى عليهم كافر قاتلنا معهم هذا الكافر وفاء بالعهد الذي بيننا وبينهم، وإن قاتلهم مؤمن أو قاتلوا مؤمنين فلا يسمح لنا ربنا بهذا، بل نقف، ومن أراد أن يقف على هذه فليقرأ خاتمة سورة الأنفال، وكذلك ما جاء في سورة التوبة، وفي سورة النساء يقول الله: (( إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ))[النساء:90].وهذا إذا اضطررنا إلى أن نصالح كافراً كتابياً أو مشركاً، وقد صالح الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً صلحاً لمدة عشر سنوات، وتنازل فيه عن أشياء يغمى علينا لو نذكرها، ليحفظ لهذه الأمة دينها ولتنتشر دعوة ربها بين الناس، وهي معاهدة صلح الحديبية وسماها الله فتحاً، تنازل فيها عن بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن ممثل قريش وسفيرها سهيل بن عمرو رضي الله عنه لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للكاتب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : لا، ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، فضج الصحابة ، فقال: اسكتوا أنا رسول الله، وكتب باسمك اللهم.رفض بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكافر وتنازل الرسول؛ لأن التنازل لا يضر شيئاً فالله هو الرحمن الرحيم يقولونها أو لا يقولونها؛ وذلك ليتم صلح ترفع به تلك الشدة وذاك الحصار على المؤمنين، فيتجولون في الجزيرة، ويتاجرون، ويبقى الباب مفتوحاً لمن أراد أن يعرف الإسلام فيدخل المدينة ويتعرف لذلك. ولما قال له: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله. قال سهيل : لو عرفناك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله. وتنازل رسول الله، وكتب: محمد بن عبد الله.وهذه الأمور يرجع فيها إلى كتاب الله وسنة رسول الله لا للأفكار والأوهام والتخمينات، فموالاة الكافرين على المؤمنين ردة. كيف تقف إلى جنب الكفار تضرب المؤمنين وتطعن وتقتل وتقول أنك مؤمن؟! من يقبل منك هذا الإيمان؟! قال: [ ثالثاً: جواز التقية في حال ضعف المؤمنين وقوة الكافرين].والتقية والتقية: كلمات تتقي بها ظلم هذا الكافر.. كلمات تقولها تلين بها جانبه وترقق بها عواطفه. قل لهم: يا سيادة فلان ولا حرج، وبالإنجليزي (مستر)، لا بأس، أما أن تناديه: يا كلب فسيصفعك وستصرخ ولن ينجدك أحد، فكل من حولك يهود ونصارى. لم هذا؟ لتتقه، أصلح له نعله.. سيارته وقفت فتدفعها معه.. أو تفتح له حتى باب السيارة، هذه تعاليم رب العالمين، (( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ))[آل عمران:28] تقون بها أنفسكم بلاء الكفار وعذابهم ونقمهم؛ لأنهم لا قلوب لهم، أموات غير أحياء لا يرحمونكم، فإذا كنت بينهم ضعيفاً فاتقهم بشيء، لكن ليس بأن تسب الله أو رسوله، أو تسخر من كتاب الله، أو تترك الصلاة، أو تشرب الحشيش والخمر، أو.. أو..، وإنما تتقيهم بما هو جائز أن تتقي به، تغضبهم وتسخطهم في قلبك، ولكن لا تسبهم ولا تسب دينهم، لا.. لا، وهكذا حتى لا يؤذوك ويذروك وأنت عاجز. من شرع هذه التقية؟ ربي رحمني وعرف ضعفي، فإذا كنت بين كفار علمني أنه لا بأس أن نتقيهم بالكلمة والحركة المحمودة، أما في حالة التعذيب فذلك شيء آخر، فلو قالوا لك: اكفر بالله نرفع عنك السيف، أو المنشار الذي ننشر به فيجوز أن تقول كلمة الكفر باللسان وقلبك لا يتغير، وقلبك مطمئن بالإيمان.وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بـعمار بن ياسر وهم يعذبونه ويقولون له: اذكر آلهتنا بالخير، واذكر محمداً بسوء نطلقك ونرفع العذاب عنك، فيأبى أن يقول: فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أعطهم يا عمار . ونزل في ذلك قرآن يتلى إلى اليوم إذ قال تعالى: (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ))[النحل:106] الآية.قال: [ رابعاً: وجوب الحذر من عذاب الله تعالى وذلك بطاعته].كيف تحذر عذاب الله؟ بأي شيء؟ بالسور أم بتحت الأرض؟ الجواب: بالطاعة، فمن أطاع الله فيما أمره ونهاه نجا من عذاب الله ومقته وغضبه. أما قال تعالى: (( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ))[آل عمران:28] كيف نحذر إذاً؟ نطيعه، قال: صم، صمنا، قال: أفطر، أفطرنا، هذه هي الطاعة.[ خامساً: خطورة الموقف يوم القيامة، ووجوب الاستعداد له بالإيمان والتقوى؛ إذا قال تعالى: (( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ))[آل عمران:30]].إن شاء الله علمنا الآن ووالله لهو خير من خمسين ألف ريال، من عرف هذه الحقائق الشرعية العلمية لأن يعود بها واعياً بصيراً عازماً على العمل والدعوة خير له من خمسين ألف ريال فليس هناك فرق كبير بين قرص العيش وحفنة التمر، وبين المشوي والمطلي والمصلي.. فالمقصود هو امتلاء البطن ليقوم البدن بواجبه، وهو عبادة الله بذكره وشكره.

الفرق بين المداراة والمداهنة وذكر حكمهما
نضيف إلى هذا العلم: الفرق بين المداراة والمداهنة، والمداراة جائزة والمداهنة ممنوعة، ويكفي في منع المداهنة قول الله تعالى من سورة القلم: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] إذاً: فلا تدهنوا أنتم حتى يداهنوكم هم.والفرق بين المداراة والمداهنة:أن المداراة: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك، وهنيئاً لك.تتنازل وتعطي شيئاً من دنياك من أجل أن تحفظ به دينك، تعطيهم دارهم ما دمت الدارهم موجودة ولا حرج.. تتنازل عن شيء من دنياك فتعطيهم البترول كاملاً من أجل أن تحفظ دين الله عندك، والله جائزة وهي مداراة وليست مداهنة.والمداراة هي المصانعة والمجاملة بلغة العصر، وحقيقتها: أن تتنازل عن شيء من دنياك ذهباً كان أو فضة، طعاماً أو شراباً، مركباً أو كذا من أجل أن تحفظ دينك، فهذه جائزة ؛ لأننا خلقنا للدين فكيف نضيعه؟ والمداهنة الحرام: أن تتنازل عن شيء من دينك لتحفظ شيئاً من دنياك، وقد مثلنا لذلك بالرجل يريد وظيفة، وصاحب العمل سكّير -مثلاً- فيأتيه وبراد الخمر بين يديه ليعمل عنده فتداهنه أو تشرب معه فلا تقول: حرام ولا ولا.. خشية أن يغضب عليك ولا يوظفك! فتشرب معه وأنت تضحك مطمئن النفس، وإذا دقت الساعة حي على الصلاة.. حي على الصلاة المؤذن يؤذن وتقوم تصلي فيغضب عليك فلا تصلي، وتقول: أقضيها..هنا تنازلنا عن شيء من ديننا من أجل دنيانا، وهذه هي المداهنة الحرام.والمداهنة ممقوتة فكيف تتنازل عن دينك من أجل أوساخ دنياك؟! أما المداراة فجائزة فلك أن تتنازل عن دنياك بكاملها من أجل دينك، لا بأس، بل فزت لأن الدين هو عماد حياتك وسلم رقيك إلى الجنة دار السلام.معاشر المستمعين والمستمعات! لما سمعت أنا هذه من عالم رحمة الله عليه، لا تستطيعون أن تقدروا ما شعرت بأنني غنمته، والله لن تستطيعوا. إذاً: عرفنا الفرق بين المداهنة والمداراة فنداري للحفاظ على ديننا، ولا نداهن من أجل أن نحفظ دنيانا، لا والله لو خرجت كلها ما نكفر من أجلها.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #269  
قديم 27-10-2020, 09:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ...)
قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].وهذا خطاب لوفد نجران من النصارى، وفي بداية السورة علمنا -نحن الذين نحضر هذا النور زادنا الله منه- أن هذه السورة نزل آخرها قبل أولها، سورة آل عمران آخرها نزل قبل أن ينزل أولها، ولا حرج، تنزل السورة ويبقى منها آيات وبعد سنتين أو ثلاث سنين تنزل الآيات وتوضع فيها، وتوافق اللوح المحفوظ بلا تقديم ولا تأخير بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22] كما هو الآن هو هناك.هذه الآيات في هذه السورة وهي نيف وثمانون آية من الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2] إلى آخر آية تتعلق بوفد نجران، هذه الآيات نزلت في وفد نجران، نجران منطقة معروف في المملكة تقع إلى جنوب مكة، كان فيها نصارى مسيحيون متصلبون وعلماء يستمدون قواهم من الروم، على صورة المسيحية.وقد جاء وفدهم المكون من ستين راكباً على الخيول أبهة؛ لأن من ينظرون إلى العرب وهم جهلة كفار تحت أقدامهم وهؤلاء أقوياء، نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وما يوجد فندق ولا مطعم فوزعهم على أهله وإخوانه ليستضيفوهم وسمح لهم أن يصلوا في المسجد أيضاً.وهنا نستطرد: كان في السوربون جامعة في باريس عالم من الرهبان يسمى طرطار، وكنا يومها في الدعوة في باريس، فكتب كلمة في جريدة لوموند العالمية الفرنسية يشتكي بالمملكة ويتألم ويقول: لم يمنعون إخواننا من إقامة شعائر دينهم في المملكة ونحن نسمح بالمساجد في كل مكان في ديارنا؟يعني: العمال الموجودين في المملكة من الفرنسيين ما تسمح لهم الحكومة بإيجاد كنائس ونحن سمحنا بالمساجد، وفرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد والحمد لله.فرددت عليه بالعربية وترجمت وقلت له: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83].فقلت له: اسمع! المملكة تعتبر بيضة الإسلام وقبته، تعتبر مسجداً، أما خارج المملكة فتوجد كنائس في الشام.. في العراق.. في مصر.. في الجزائر.. في بلاد العالم، وأهل ذمة لهم كنائسهم، لكن المملكة تعتبر مسجداً.أيعقل يا مستر طرطار أن تبنى كنيسة في مسجد؟! أو يبنى مسجد داخل كنيسة؟من يقول بجواز هذا؟! فأفحمته، وعرف أن هذا غير معقول، فالمملكة عبارة عن مسجد؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) ممنوع ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) خارجها توجد أديان. فكتب مرة ثانية -وهو الشاهد- وقال: وفد نجران سمح لهم رسولكم أن يصلوا في المسجد. احتج بهذه.فقلنا له: أذن لهم لأنه يستألفهم وينظر ماذا يبدو منهم، علهم يسلمون. هذا من جهة.ومن جهة أخرى: الشريعة نزلت في ظرف ثلاث وعشرين سنة ويوجد حكم اليوم وينسخ غداً، فنسخ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بقوله قبل وفاته: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) فنسخ ذلك الحكم. وقلت له: لا تغضب. فكتب في المرة الثالثة يقول: إخوان لنا في جدة قاموا بقداس في بيت أحدهم فطوقتهم الهيئة وحاصرتهم، وسفروهم، فقلت له: لا. هذا ليس بغريب، فإخواننا المسلمون الموحدون أهل لا إله إلا الله إذا ضبطوا في بدعة طوقتهم الهيئة وسفرتهم، وليسوا الفرنسيين فقط. المهم انقطع مستر طرطار، وسليناكم قليلاً والمناسبة هي ذكرنا وفد نجران فهيا مع وفد نجران.اسألهم: لم أنتم تعبدون عيسى وأمه؟ سيقولون: لا. نحن بجلناهم، عظمناهم، ألهناهم من أجل أن يحبنا الله لا لذاتهم، نحن نعرف أن مريم مخلوقة، وعيسى كذا.. ولكن من أجل أن نظفر ونحصل على حب الله عز وجل العليم الحكيم قدسنا عيسى وأمه.فكان الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: تعال اسمع: قل يا رسولنا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] أنتم تقولون أنكم ما قدستم مريم ولا عيسى إلا من أجل أن يحبكم الله ومن أجل الظفر بحب الله فإليكم الطريق الواضح أطيعوا رسولنا يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم أيضاً.

الحكمة من الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]. الآمر: هو الله. والمأمور بأن يقول ذلك: هو رسوله صلى الله عليه وسلم. والقول: إن كنتم -كما تزعمون- ما عبدتم عيسى وأمه إلا من أجل حب الله فإليكم الطريق الموصل إلى حب الله وهو: أن تطيعوا الله ورسوله، وأن تتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فيحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. وقد تقول: أراد الله أن يرفع من شأن نبيه ففرض على من يحبه أن يطيعه ويتابعه، فنقول: لا لا يا بني، فاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشي وراءه باعتقاد ما يعتقد وقول ما يقول وفعل ما يفعل، هذا الاتباع من شأنه أن يطهر الروح البشرية ويزكي النفس الإنسانية، فإذا زكت الروح طابت النفس وأحبها الله.ليست القضية أنه أراد أن يذل الناس لرسوله حتى يتابعوه، والله ما هي هذه، بل أراد أنكم إن اتبعتم رسولنا فعبدتم الله بما شرعنا زكت نفوسكم وطابت أرواحكم، والله طيب يحب الطيبين.هذا هو سرها، لم تفرض عليهم متابعة الرسول إلا ليحبهم الله من أجل أن تطهر أرواحهم وتزكو نفوسهم، فإذا طابت وطهرت وزكت أحبها الله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.فإن كنت تريد أن يحبك الله فوالله لا طريق لك إلا أن تزكي نفسك فيحبك. هل تزكيها بالماء والصابون؟ بماذا تزكيها؟ بالبدع والخرافات، بالرقص والشطح؟ تزكي النفس بماذا؟ بالمواد التي وضعها الحكيم العليم، إن استعملتها بالكمية المعروفة والعدد المحدود والزمان والمكان المخصص أنتجت لك طيبة نفسك وطهارتها، ويستحيل أن تطيب نفسك بغير ما جاء به رسول الله من هذه العقائد الصحيحة والعبادات المشروعة، فتأملوا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فعبدتم المسيح وأمه لأجل ذلك فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]فأنا رسول الله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].ما السر في كونهم إن تابعوه أحبهم الله؟ من يبين لنا؟ الذي ما عرف هذه لا يحل له أن يخرج من المسجد الليلة حتى يعرفها فليست صعبة.الجواب: لأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لازم حتى يحبك الله، والله إن لم تتبعه ما أحبك الله أبداً، وإن أردت أن يحبك الله فاتبع رسوله بأن تسير وراءه لا أمامه ولا عن يمينه ولا شماله، بل وراءه تقول ما يقول، وتفعل ما يفعل، وتترك ما يترك، وتنام كما ينام، وتصلي كما يصلي.. فهذا هو الاتباع وإن شاء الله تكونون قد فهمتم هذه والحمد لله.

ليس الشأن أن تُحِب بل الشأن كل الشأن أن تُحَب
عندنا لطيفة أخرى وهي: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب.. ليس الشأن كل الشأن أن تُحِب أنت، بل الشأن أن تُحَب، فإذا أنت تحب الله بكل قلبك وهو لا يحبك ما استفدت شيئاً، بل في جهنم مع أعدائه، فليس الشأن أن تُحِب أنت وإنما الشأن أن تُحَب.ومن أمثلة العرب: أنت تتغنى بحب ليلى وليلى لا تلتفت إليك، فلا يجديك حبك هذا، بل يحرقك، تتغنى وليلى تكرهك فما استفدت، فليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب.وهنا الغافلون والجاهلون يتغنون بحب الله ويرقصون ويأتون بالبدع والخرافات، ويقولون: نحب الله! وهذا باطل، فليس هذا هو الذي يحبكم الله من أجله، فأنتم تحبونه وهو لا يحبكم فماذا استفدتم؟! إن أردتم أن يحبكم الله فزكوا أنفسكم وطهروها بما شرع من العقائد والعبادات من أقوال وأعمال ثم يحبكم الله وحينها تظفروا بحب الله.فمن هنا معاشر المستمعين والمستمعات يا عشاق حب الله اعلموا أن حب الله لن ينفعكم ولن تظفروا به وتحصلوا عليه إلا إذا زكيتم أنفسكم، فهذا الوفد حاء مكوناً من ستين راكباً وهو ملعون مبغوض لله، وهو يقوم بالعبادات الليل والنهار لكنها عبادات ما شرعها الله.. عبادات لا تزكي النفس ولا تطهرها فلا تنفعهم. فقال الله لهم: اتبعوا رسولنا يحصل لكم حب ربكم يا طلاب حب الله؛ لأن المتابعة من شأنها تزكية النفس وتطهيرها، فإذا زكت نفسك أفلحت وفزت وانتقلت إلى الملكوت الأعلى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9].وهناك جماعات يحبون رسول الله بالقصائد والمدائح والأناشيد والحفلات والبقلاوة والشاي، وهم يعصونه في كل طريق، والشاعر الحكيم يقول:تعصي الإله وأنت تزعم حبههذا لعمري في القياس بديعلو كان حبك صادقاً لأطعتهإن المحب لمن يحب مطيعمن أدبكم؟ تقف أمام رسول الله تبكي وأنت حالق للحيتك، ولو كان الرسول أمامك لقال: أخرجوه عني.تأتي من الهند والسند والشرق تدعي حب الرسول وعلبة السيجارة في جيبك فتجيء تسلم على الرسول، أهذا حب رسول الله؟ماذا حل بنا؟ الجواب: حل بنا أمر عظيم، وعلته والله الجهل، فلا نلوم إخواننا ولا آباءنا وأمهاتنا، فالجهل ما عرفنا الله، ما عرفنا الطريق إليه، ما علمونا، ما عكفنا على طلب الهدى، يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه، فهيهات هيهات أن تجد ربانياً عبداً صالحاً وهو يعص الله ويعيش على معصيته، فهيا بنا نعد إلى طلب العلم. وهنا قد يقول قائل: يا شيخ المدارس عندنا والكليات، والجامعات، فماذا تريد منا؟الجواب: نريد أن ندلل أننا أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله، فإذا دقت الساعة السادسة مساء حملنا أطفالنا ونساءنا وذهبنا إلى بيوت ربنا نصلي المغرب ونشرع في تلقي العلم والحكمة إلى صلاة العشاء، وذلك كل ليلة طول العام، فلا يبقى في القرية ولا في المدينة أحد فمع غروب الشمس الكل في بيوت ربهم يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم. هذا هو العلم، وهذا هو الطريق، والجهل هو الفتنة.

حقيقة الولاية لله
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) أي: أعلنت الحرب عليه. من هو هذا؟ الذي يعادي أولياء الله. والمشكلة هنا: من هم أولياء الله؟ هل هم: سيدي عبد القادر، البدوي، عيدروس، مولاي إدريس، إبراهيم كذا؟ هل هؤلاء هم الأولياء فقط؟اسمعوا نبكي، لو نمشي معك الآن وندخل القاهرة المعزية ونزلنا من المطار ودخلنا القاهرة وأستثني أن هذه السنين التي قضيناها في المسجد النبوي فقد انتشرت الدعوة وفهم الناس، ولكن لو تجد واحد وتقول له: يا سيد أنا جئت من بعيد أريد أن أزور ولياً من أولياء الله في هذه البلاد، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القاهرة أولياء يمشون في السوق. أيضاً: لو تدخل دمشق وتقول لأول من تلقاه في الشارع: أنا غريب وأحب أن أزور ولياً من أولياء الله، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر، فلا يفهم أن ولياً حياً. وقل هذا في مراكش وباكستان واسطنبول والعالم كله لمدة أكثر من خمسمائة سنة لا يفهم أن ولياً حي أبداً.وهنا قد يقول قائل: يا شيخ ما تقول هذا غير صحيح؟فأقول: نسألكم: هل في دياركم مؤمنون يزنون بنسائكم؟ كيف مؤمن ويزني بامرأة مؤمن؟ هل فيكم من يسرق، ويخون، ويغش ويخدع أم لا؟! هل فيكم من يكذب أم لا؟ إذاً: لو كنا علمنا أن الله قال: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ما نستطيع أن نفجر بامرأة ولي الله، ولا أن نسلبه ماله ولا أن ننتهك عرضه، ولا أن نهينه ولو بنظرة شزراً وهو ولي الله. ولكن العدو -أولاً- مسح هذا من أذهاننا فلا ولي إلا من مات ودفن وبنيت القبة على قبره، ذاك الولي، أما الأحياء فأعداء الله، اسرق، اضرب، كل، العن ليس فيها شيء، فلا تخاف من الله، لأنهم ليسوا أولياء!!أما الله فيقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فكيف تؤذي ولياً من أولياء الله ولو بكلمة نابية يا عبد الله؟! عرف هذا الخصوم من المجوس واليهود والنصارى فصرفوا من قلوبنا وأذهاننا أن المؤمنين أولياء الله، أبداً، وحصروا الولاية لمن مات وإن كان كافراً، وإن كان حماراً، فكم وكم من حمار عبد، وقصة (سيدي أبو حمارة) معروفة عندنا، مات حمار في الطريق فدفنوه وبنوا عليه مزاراً ليزورونه ويأخذ الزيارات، حتى يصبح المسلمون يأكل بعضهم بعضاً لا تقدير، لا حب، لا احترام.. لا ولا؛ لأنهم كلهم ما هم أولياء الله. إذاً: أين أولياء الله؟ سيدي فلان، المبني عليه قبة ويعبد مع الله وتذبح له الذبائح ويحلب عنه ويزار، وينقل إليه مرضى وهو ميت.. وهذا وقع فينا ورب الكعبة، بل في كل ديار العالم الإسلامي.من فعل بنا هذا؟إنه الثالوث الأسود: اليهود، المجوس، النصارى.. وهم متعاونون إلى الآن، ونحن في غفلة وتيهان.

وسائل التقرب إلى الله وكسب محبته

ثم يقول تعالى: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) فتح الباب: يا من يريدون أن يحبهم الله! باسم الله، تقربوا.. تقربوا واتصلوا بأداء الفرائض ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) وضح الطريق والحمد لله. ( وما يزال عبدي يتقرب إلي ) أي: يتملقني ويتزلف إلي بالنوافل بعد الفرائض ( حتى أحبه ). فإذا أحبه الله فقد جاء في الحديث أنه سبحانه يقول لجبريل: ( يا جبريل! إني أحب فلان ابن فلان فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلان ابن فلان فأحبوه، فيحبونه، ويلقي له القبول في الأرض، فلا يراه عبد مؤمن إلا أحبه، وإن كان أعمش أرمش.. قل ما شئت.وإذا أبغض الله عبداً قال: يا جبريل! إني أبغض فلان ابن فلان فأبغضه، فيبغضه، ثم ينادي في السماء: يا أهل السماء! إن الله يبغض فلان ابن فلان فأبغضوه فيبغضونه، ويلقي له البغضاء في الأرض، فلا يراه عبد رباني مؤمن إلا أبغضه ) .فإذا عرفنا أن نعرف هل نحن محبوبون أم لا فلنسمع هذا البيان: يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن استنصرني لأنصرنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روحه، يكره الموت وأكره مساءته ).إذا كنت لا تستطيع أن تسمع كلمة فيها سخط الله فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن تجلس مجلساً تسمع فيه كلاماً باطلاً فتقوم فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن تسمع صوت عاهرة تغني أبداً، يمزق قلبك وما تستطيع فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن ترتاح لسماع غيبة أو نميمة أو كذب أو خرافة أبداً ولا تطيقه؛ فذلك لأن سمعك ملكه الله، فلا يستخدمه ضده. وإذا أصبحت لا تقوى على أن تنظر إلى شيء منع الله النظر إليه.. امرأة أجنبية، أمرداً، صورة، تمثالاً.. فاعلم أنك قبلت. ويدك وأنت البطل الذي تبطش بالفارس وتضرب به الأرض إذا أصبحت لا تستطيع أن تمدها لتلطم مؤمناً في خده أو لتتناول شعرة من جلده وكأن يدك ما تقوى على شيء، فلأن الله ملكها فلا يستخدمها في غير رضاه. رجلك.. كنت أيام عداوة الله تمشي أربعين كيلو لتغني وتزمر معاهم، بل تمشي ألف كيلو إلى مكة، ولما هبطت ما تستطيع تمشي ولا شبراً واحداً إلى المسجد إذا قبلت كنت تمشي أربعين كيلو إلى المعصية، والآن تمشي ألف كيلو إلى الطاعة، تصبح رجلك والله ما تستطيع أن تمشي خطوة واحدة في سخط الله، ما تقدر، لو تدعى إلى معصية عشر خطوات لا تستطيع، كأنك مشلول؛ لأن الله ملك هذه الحواس، فقال: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) إذا شعرت بهذا فتعال أصافحك فأنت محبوب. ويبقى بعد ذلك العطايا الإلهية ما سألته إلا أعطاك، ولا استعذته إلا أعاذك، ولا طلبت نصرته إلا نصرك، فكيف وهو وليك وأنت وليه؟ أنتم أولياء الله حرام أن نسبكم.. أن نشتمكم.. أن نأكل أموالكم.. أن نفجر بأعراضكم.. أن نهينكم.. أن نذلكم؛ لأنكم أولياء الله. والله تعالى أسأل أن يزيدنا نوراً وعلماً وبصيرة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #270  
قديم 27-10-2020, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (7)
الحلقة (148)




تفسير سورة آل عمران (15)

عداوة إبليس لآدم عليه السلام وذريته لا تنتهي إلا بانتهاء الدنيا، ودخول آدم والمؤمنين الجنة، ودخول إبليس ومن تبعه من الخلق النار، وقد ذكر الله قصة هذه العداوة في كتابه العزيز، محذراً عباده من اتباع خطوات الشيطان، ومذكراً إياهم بمكره بآدم وحواء ليخرجهما من الجنة، حسداً منه لهما ولذريتهما من المؤمنين من بعدهما.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد تم لنا هذا الموعود، فقف يا عبد الله وانظر إلى هؤلاء المؤمنين في هذه الحلقة فإنك تشاهد السكينة، ولو كان هذا الاجتماع في غير هذا المكان لكنت تسمع اللغط، والقول، والكلام، والضحك، والالتفات، والقيام والقعود، فما لنا ساكنين؟ لأن السكينة نزلت، والرحمة غشيتنا في هذه الساعة، في هذه اللحظة، فلا شر ولا أذى ولا ظلم ولا، فأية رحمة أظهر من هذه؟!وأما الملائكة فيحفوننا، والله إنهم ليحفون بالحلقة ويطوفون بها ويستمعون الذكر وإن كنا لا نراهم لضعف أبصارنا، فلا قدرة لنا على رؤيتهم وإلا فهم يحفون بهذه الحلقة، وأما ذكر الله لنا في الملكوت الأعلى فهو ثابت بإذن الله وإن كنا لا نرى ولا نسمع، والحمد لله.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:34-37] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

الفرق بين المداهنة والمداراة
هنا أضع بعض الأسئلة:الأول: ما الفرق بين المداهنة والمداراة؟ وما الممنوع منهما وما الجائز؟الجواب: المداهنة حرام؛ لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، والمداهنة: أن نتنازل عن شيء من ديننا لنحفظ به شيئاً من دنيانا والعياذ بالله. أما المداراة والمصانعة والمجاملة فهي: أن نتنازل عن شيء من دنيانا لنحفظ به شيئاً من ديننا، وهذا محمود.

سبب تآمر المجوس واليهود والنصارى على أمة الإسلام
السؤال الثاني وهو ذو أهمية: لماذا تآمر علينا الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، وقلبوا الأوضاع علينا فجعلوا أحياءنا أعداء لله وأمواتنا أولياء لله، وحصروا الولاية فيمن مات فقط فضربت على قبره القباب ووضعت التوابيت والأخشاب، وسيق إليه قطعان البقر والغنم، وحلف به وعظم وبجل كالله، وأما الأحياء فلا يوجد ولي فينا! حتى قال أحد المحشين على متن خليل بن إسحاق المالكي : من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة!وجواب ذلك: أن هذا أمر عظيم، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ومعنى هذا: أيما قرية، أيما جماعة، أيما مؤمنون أو مؤمنات بلغهم هذا وعرفوه فقد انتهى الأذى من بينهم، فلا سب، ولا شتم، ولا تعيير، ولا تقبيح، ولا ضرب، ولا سلب.ومن يقدر على أن يؤذي ولي الله؟ لا نقدر؛ لأننا إذا آذينا ولي الله أعلن الله الحرب علينا، وانهزمنا وانكسرنا، بل وخسرنا؛ لأن الله يقول في هذا الحديث القدسي: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فلكي يأكل المؤمنون بعضهم بعضاً ويسخرون من بعضهم ويستهزئون ويأكلون أموالهم ويفجرون بنسائهم، فامرأة مؤمن يفجر بها مؤمن، وبنت مؤمن يفجر بها مؤمن؛ إذاً: نقول: لا ولي لله إلا من مات وبني على قبره ضريح، ووضعت التوابيت والأزر الحريرية عليه وعكف حوله النساء، وسيق إليه المرضى! ذاكم الولي، أما أنتم الأحياء فلا ولي فيكم، هذه هو قصد هؤلاء.

صفات أولياء الله تعالى
معشر المستمعين والمستمعات! من هم أولياء الله؟ الجواب: كل مؤمن تقي هو لله ولي، أبيض أو أسود، عربياً كان أو أعجمياً، غنياً أو فقيراً، شريفاً أو وضيعاً، كل مؤمن ومؤمنة اتقى الله عز وجل -أي: خافه- فلم يترك ما أوجب عليه ولم يرتكب ما حرم عليه؛ فهو ولي الله، ومن آذاه فقد أعلن الله تعالى الحرب عليه، وهل يفلح من أعلن الله الحرب عليه؟لا والله لا يفلح، فمن هنا كان مجتمعنا الإسلامي مجتمع الطهر والصفاء والعدل والمحبة والولاء، فلما عرف الأعداء هذا احتالوا علينا في عصور الظلمة والجهل، وهم الذين جهّلونا ومنعونا من أن نقول: قال الله، تعيش بين علماء لا يقول أحدهم: قال الله ولا قال رسول الله، بل قال الشيخ الفلاني، وقال سيدي فلان! فحرمونا حتى من ذكر الله.والقرآن هو الروح، تلك الروح التي -والله- لا حياة بدونها! القرآن حولوه إلى المقابر والمآتم وليالي البكاء، يقرأ على الموتى فقط، ولا يجتمع اثنان في ظل شجرة أو جدار ويقول أحدهما للثاني: أسمعني شيئاً من كلام الله.. اقرأ علي من كلام ربي شيئاً. لن يكون هذا أبداً! وزادوا المحنة الأخيرة التي ذكرنا، وهي: من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة! إذاً: هل أقول: أنا عدو الله! أعوذ بالله.الآن ما بقي من السامعين والسامعات من يؤذي أحداً منا بنظرة ولا بكلمة نابية، ولا بسلب مال وإن قل، ولا ولا بهتك عرض وإن صغر، لأننا أولياء الله، والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).عند باب المنزل جاءني شاب يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنا حارس هذا المنزل، فإذا جاء الرجل بسيارة قلت له: ضع السيارة هكذا، فأول كلمة يقولها لي: ما هو بحق أبيك، من أنت! ويسبونني، فهل هؤلاء مؤمنون؟ أهذا هو الولاء يتركون المؤمن يبكي؟معاشر المستمعين! أعود فأقول: من هو ولي الله؟ هل سيدي عبد القادر ؟ لقد عايشناه وعاصرناه، عرفنا عنه، مولاي إدريس عرفنا عنه، سيدي العيدروس، البدوي، سيدي أحمد التجاني.. عرفنا أنهم أولياء؟ فكيف عرفنا؟ لقد عرفنا ما لا ينبغي أن يعرف، وجهلنا ما يجب أن يعلم ويعرف.أولياء الله هم المؤمنون والمؤمنات الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويحلون ما أحل الله، ويحرمون ما حرم الله، كل مؤمن تقي هو لله ولي، فمن هنا لا غيبة، لا نميمة، لا كذب، لا خيانة في مجتمعنا الإيماني مجتمع أولياء الله، على هذا نحيا وعليه إن شاء الله نموت.

سبيل تحقيق ولاية الله تعالى
كيف نحصل على ولاية الله؟ نحصل على ذلك بإيمان وتقوى؛ إذ قال تعالى في تقرير هذه الحقيقة التي جهلها ملايين من المسلمين، قال تعالى من سورة يونس: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب الذين لا خوف عليهم ولا حزن؟ فيجيب تعالى بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] أولئك أولياء الله لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، لا يموت أحدهم حتى يبشر بالجنة، برؤيا صالحة يراها أو ترى له.

الاتباع سبيل الفوز بمحبة الله تعالى
نعود إلى نتائج وعبر وهداية الآيتين اللتين شرحناهما بالأمس، وهما قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32].تذكرون أن وفد نجران النصراني لما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة النبوية وجاء يجادل، وادعوا أنهم ما ألهوا عيسى وأمه إلا من أجل أن يحصلوا على حب الله! يقولون: عظمنا مريم أم عيسى، وعظمنا عيسى إلى حد التقديس والتجليل والإكبار والعبادة، من أجل أن نحصل على حب ربنا عز وجل!قالوا: ما عبدناهما لذاتهما، ولكن من أجل أن يحبنا الله ربنا وربهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية يقول فيها لرسوله: يا رسولنا! قل لهم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، ومعنى هذا: إن كنت تحب الله والله لا يحبك فماذا استفدت إلا الحزن والكرب والألم، أنت تحب الله وهو لا يحبك، فماذا استفدت يا محب سوى الكرب والهم والحزن؟ إذ ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تُحب.يا عقلاء! أليس الشأن أن تُحَب لا أن تَحِب، فما دمتم تريدون أن يحبكم الله فحبه لا يأتيكم من طريق عبادة غيره وتأليه مخلوقاته، وأنا أرشدكم إلى الطريق الذي يصل بكم إلى أن يحبكم الله، فتسعدوا بحبه وتكملوا، ألا وإنه اتباع رسوله النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، اتبعوه يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، هذه من اليقينيات، وهل يتم حب للعبد من الله بدون أن يمشي وراء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟ والله ما ظفر به ولا حصل عليه أبداً.معشر المستمعين والمستمعات! من أراد أن يظفر بحب الله تعالى له فليمش وراء رسوله، يرفع رجله كما يرفعها رسول الله ويضعها كما يضعها رسول الله، ويتناول اللقمة كما يتناولها رسول الله، ويركب ويهبط على نهج رسول الله، وينام ويستيقظ على نهج رسول الله، ويقضي ويحكم بما حكم وقضى به رسول الله، هذا الذي يظفر بحب الله، ومن طلب حباً لله من غير هذا المسلك فوالله ما ظفر به ولا حاز عليه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقد شرحنا هذا الموضوع.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 316.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 310.70 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]