شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216131 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859673 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394004 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 25-02-2024, 11:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: قَضَاءُ الصّيام عَن المَيّت


عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، وعن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ فَقَال: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْها صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْها؟ قَال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْها؟ قَال: «حُجِّي عَنْها».
في الباب حديثان: أما الأول: فحديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، وقد رواه مسلم في الصيام (2/803) باب: قضاء الصّيام عن الميت، ورواه البخاري في الصوم (1952) باب: مَنْ مات وعليه صومٌ، وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن مات وكان عليه صَومٌ، سواءٌ كان صوم نَذْرٍ، أم كفَّارةٍ، أو أيَّامٍ مِن رَمَضانَ، وقد تمكَّنَ من القضاءِ، ولم يَقْضِ حتى مات؛ فإنَّ لِوَليِّه وهو كلُّ قَريبٍ له، مِنْ عَصَبَتُه مِن الرِّجالِ مِن الآباءِ والأبْناءِ، أنْ يَصومَ عنه، ويَسقُطُ عن الميِّتِ ذلك الفرضُ الَّذي عليه، ويكونُ قَضاؤُه عنه بمَنزلةِ قَضائِه هو عن نفْسِه.

مَنْ ماتَ وعليه صَوم
قال العلماء: مَنْ ماتَ وعليه صَوم، فهو على إحدى حالين:
  • الحال الأولى
- الأولى: إنْ مات قبْلَ أنْ يَتَمكَّنَ مِن القَضاءِ لعُذرٍ، كمَن استمَرَّ به المرَضُ حتَّى ماتَ، فلا شَيءَ عليه، ولا يَقضي أولياؤُه عنه شَيئًا؛ وهذا لِعُمومِ قولِ اللهِ -تعالَى-: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185)، فجعَلَ اللهُ -تعالَى- الواجِبَ عليه عدَّةً مِن أيَّامٍ أُخَرَ، فإذا ماتَ المريضُ في مرَضِه؛ فإنه لا يَجِبُ أنْ يَصومَ عنه وليه ولا غيره، ولا يَجِبُ أنْ يُطعَمَ عنه؛ لأنَّ الإطعامَ بدَلٌ عن الصِّيامِ، فإذا لم يَجِبِ الصِّيامُ لم يَجِبْ بَدلُه.
  • الحال الثانية
- الثانية: مَن تَرَك الصِّيامَ تَفريطًا وإهمالًا، ولم يَكُنْ له عُذرٌ ثمَّ مات، ففي هذه الحالة اختلف أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه يُصام عنه، وهو قول لأهل الحديث، مُستدلين على ذلك بحديث عائشة -رضي الله عنها- هذا، وأمر الولي بالصوم محمولٌ على النَّدْب، لقوله -تعالى-: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. والقول الثاني: أنه يُطعم عنه، عن كلّ يوم مدّ طعامٍ من غالبِ قوت البلد الذي هو فيه، فهذا لا يَلزَمُ أولياءَه القَضاءُ ولا يَصِحُّ منهم؛ لِفَواتِ وقْتِه.



أقوال العلماء
وهذه أقوال العلماء في هذا الشأن:
  • قول ابن قدامة -رحمه الله
- قال ابن قُدامة: وجملة ذلك أن مَنْ مَاتَ وعليه صِيامٌ من رمضان؛ لم يَخلُ من حالين: - أحدهما: أنْ يموتَ قبلَ إمْكان الصيام، إمّا لضِيقِ الوقت، أو لعُذْرٍ مِنْ مَرض، أو سفر، أو عَجز عن الصوم: فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم، وحُكي عن طاووس وقتادة أنّهما قالا: يجبُ الإطعام عنه، ثمّ ذكر عِلّة ذلك وأبطلها. ثم قال: الحال الثاني: أنْ يموتَ بعد إمكانِ القَضَاء، فالواجب أنْ يُطعَمَ عنه لكل يوم مسكين، وهذا قولُ أكْثرِ أهل العلم، رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس، ثم قال: وقال أبو ثور: يُصَام عنه، وهو قول الشافعي، ثمّ استدلّ له بحديث عائشة الذي ذكرناه أولاً. (المغني) (/241).
  • قول النووي -رحمه الله
وقال النووي: «فرعٌ في مذاهب العلماء فيمن ماتَ وعليه صومٌ فاته بمَرَض، أو سفر، أو غيرهما مِنَ الأعذار، ولمْ يتمكّن منْ قضائه حتى مات: ذكرنا أن مذهبنا لا شيء عليه، ولا يصام عنه، ولا يطعم عنه، بلا خِلاف عندنا. وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور، قال العبدري: وهو قول العلماء كافةً إلا طاووساً وقتادة، فقالا: يجبُ أنْ يُطعِمَ عنه لكل يوم مسكيناً، ثم ذكر علةَ ذلك وأبطلها، قال: واحتج البيهقي وغيرُه من أصحابنا لمذهبنا بحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما اسْتطعتم». رواه البخاري ومسلم. «شرح المهذب» (6/ 343). وقال في (الفروع): «وإنْ أخّر القضاء حتى مات: فإنْ كان لعُذر فلا شَيء عليه، نصّ عليه، وفاقاً للأئمّة الثلاثة؛ لعدم الدليل». (3/ 39)، وقال في (عون المعبود) (7/26): «واتفق أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض والسفر، ثمّ لم يُفرط في القضاء حتى مات، فإنّه لا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، غير قتادة فإنه قال: يطعم عنه. وحُكي ذلك أيضا عن طاووس». انتهى.

  • فتاوى اللجنة الدائمة
وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة» السؤال الآتي: كانت والدتي مريضة في شهر رمضان عام 97 هـ ولمْ تستطع صيام ثمانية أيام منه، وتوفيت بعد شهر رمضان بثلاثة أشهر، فهل أصُومُ عنها ثمانية الأيام، وهل يمكن تأجيلها إلى ما بعد رمضان 98هـ أو أتصدق عنها؟ فكان الجواب: «إذا كانت والدتك شفيت بعد شهر رمضان الذي أفطرت فيه ثمانية أيام، ومرّ بها قبل وفاتها وقتٌ تستطيع القضاء فيه، وماتت ولمْ تَقْض، استُحبّ لك أو لأحد أقاربها صيام ثمانية الأيام عنها؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ مَاتَ وعليه صِيام، صَامَ عنه وليّه». متفق عليه. ويجوز تأجيل صيامها، والأَوْلى المبادرة به مع القُدرة. أمّا إنْ كان المَرَضُ استمرّ معها، وماتت ولمْ تَقْدر على القَضَاء، فلا يُقضَى عنها لعدم تمكّنِها مِنَ القَضَاء، لعموم قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}». انتهى .(10/372).
فوائد الحديث
وفي الحديثِ فوائد منها:

1- الحِرصُ على الوفاءِ بحُقوقِ اللهِ -تعالَى.
2- وفيه: الحثُّ على صِلةِ الأرْحامِ، فإن كلمة «وليّه» تشمل كلّ قريب، ولو كان غيرَ وارثٍ.

الحديث الثاني
أما الحديث الثاني فيَرْوي بُرَيدةُ بنُ الحُصَيبِ الأسلميُّ - رضي الله عنه -: أنَّه كان ذاتَ مرَّةٍ جالِساً عندَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فجاءتْه امرأةٌ، فأخْبَرَتْه أنَّها تَصدَّقتُ على أُمِّها في حَياتِها بِجَارِيَةٍ، وهي الأَمةُ المملوكةُ، فمَلَّكَتْها إيَّاها بالصَّدَقَةِ، ثمَّ ماتتْ أُمُّها وتَرَكَتْ تلك الجارِيَةَ مِن جُملةِ المالِ الَّذي تَملِكُه، وكانت الوارثةُ لها بِنتَها؛ فهلْ يَحِقُّ للبنتِ أنْ تَأخُذَ الجاريةَ وتَعُودَ إلى ملْكِها بالمِيراثِ أمْ لا؟ فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَ أجرُكِ»، أي: ثَبَت أجرُكِ عندَ الله بالصِّلَةِ والصَّدَقَةِ على أُمِّكِ، ورَدَّ الميراث الجاريةَ وأَرْجَعَها إليكِ بمِيراثُكِ مِن أُمِّكِ، وهو سَبَبٌ لا دَخْلَ لكِ فيه؛ فلا يكونُ سَبباً لِنُقصانِ الأجْرِ في الصَّدَقةِ، وهذا ليْس مِن بابِ الرُّجوعِ في الصَّدَقةِ والهِبةِ؛ لأنَّه ليْس أمْراً اختِيارِيّاً. ثم قالتِ المرأةُ السَّائلةُ: إنَّه كان على أُمِّها صِيامُ شَهرٍ -وفي رِوايةٍ: «شَهرينِ»- فهلْ تَصومُ عنها؟ -ولم يُبَيَّنْ أنَّه صَوْمُ رَمَضَانَ، أو نَذْرٍ، أو كَفَّارَةٍ- فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومِي عنها»، أي، اقْضِي عنها الأيَّامَ الَّتي ترَكَتْها أُمُّكِ؛ لأنَّه دَيْنٌ في رَقَبَتِها، ودَيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى.

الصَّوم الَّذي على الميِّتِ كالدَّينِ
وقدْ شبَّهَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّومَ الَّذي على الميِّتِ بالدَّينِ، وهو واجبُ القَضاءِ؛ لأنَّه حقٌّ للآدميِّينَ، والصِّيامُ الواجبُ -سواءٌ كان من رَمضانَ، أو بنَذرٍ، أو كفَّارةٍ- حَقٌّ للهِ -تعالَى-، فكان قَضاءُ حقِّه -تعالَى- أَوثَقَ وأَوْلى مِن قَضاءِ حَقِّ الآدميِّينَ، واللهُ أحقُّ بالوفاءِ، كما ورَد في بَعضِ الرِّواياتِ عندَ البُخاريِّ. وكما في حديث عائشةَ -رضي الله عنها- السابق. وللوليِّ إذا لم يَقضِ عنه الصَّومَ أنْ يُطعِمَ عنه لكُلِّ يَومٍ مِسكينًا، ويَسقُطُ بهذا عن الميِّتِ ذلِكَ الفَرضُ الَّذي عليه، ويكونُ قَضاؤُهُ عنه بمَنزلةِ قَضائِهِ هو عن نفْسِهِ، وهذا لمَن قدَرَ على الوفاءِ أو القضاءِ ولم يَفعَلْ، وأمَّا إنْ ماتَ قبْلَ أنْ يتَمكَّنَ مِن القَضاءِ -كمَنِ استمَرَّ به المَرضُ حتَّى ماتَ- فلا شَيءَ عليه، ولا يَقضي أولياؤُه عنه شيئًا، ولا يَجِبُ الإطعامُ عنه، ثمَّ أخبَرَتْه المرأةُ أنَّ أُمَّها ماتتْ ولَمْ تَحُجَّ قَطُّ، وظاهرُه أنَّها كانت قادرةً على الحجِّ، فوجَبَ عليها؛ لأنَّ الحجَّ ساقطٌ عمَّن ليس عنده استطاعةٌ، ولكنَّها لم تَحُجَّ؛ فهلْ يَصِحُّ أنْ تَحُجَّ عَنْها؟ فقالَ لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُجِّي عَنْهَا». ولعلَّ إذن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها بالحَجِّ نِيابةً عن أمِّها، مَفْهومٌ منه أنَّ المرأةَ قدْ حجَّتْ عن نَفْسِها أوَّلًا، ثُمَّ أرادَت أنْ تَحُجَّ عن أُمِّها؛ لحَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: «أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رجُلًا يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ. قال: مَنْ شُبْرُمةُ؟ قال: أخٌ لي، أو قَريبٌ لي. قال: حجَجْتَ عن نفسِك؟ قال: لا. قال: حُجَّ عن نَفسِكَ، ثمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ». رواه أبو داودَ. وفي صَحيحِ ابنِ خُزَيمةَ: «هذه عنْكَ، ثُمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ». فإذا وجَب الحجُّ على شَخصٍ ومات قبْلَ أدائِه، ثمَّ أدَّى شَخصٌ آخَرُ هذا الحجَّ عنه؛ سقَطَ عنه، وهذا مِن كَرمِ اللهِ وفضْلِه أنَّه إذا حجَّ الوليُّ عن الميِّتِ، أنْ يَعفُوَ اللهُ عن الميِّتِ بذلك، ويُثيبَه عليه، أو لا يُطالبَه بتَفريطِه.
فوائد الحديث
1-أنَّ مَن تَصدَّق بشَيءٍ ثُمَّ وَرِثَه، فله أَخْذُه والتَّصرُّفُ فيه، مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ أجْرُه بذلك.
2- وفيه: مشروعية الصِّيامُ عَنِ الميِّتِ.
3- وفيه: النِّيابةُ في الحجِّ عن الميِّتِ.
4- وفيه: بِرُّ الوالدَينِ بقَضاءِ نَذْرِهما ودَينِهما.
5- وأن الصَّحابةُ -رِضوانُ اللهِ عليهم- كانوا يَسْتَفتونَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في كثيرٍ مِن عِباداتِهم ومُعاملاتِهم، فيُفْتيهِم، ويُظهِرُ لهم أوجُهَ الصَّوابِ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 28-02-2024, 12:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: في قوله -تعالى-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (البقرة:184)


عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184). كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ ويَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا؛ فَنَسَخَتْهَا. الحديث (رواه مسلم في الصيام 2/802) باب: بيان نسخ قوله -تعالى-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}، بقوله: {فمَن شهدَ منكم الشهرَ فليصمه}. ورواه البخاري في التفسير (4507) باب: {فمن شَهدَ منكم الشهر فليصمه}.
يَقولُ سَلمةُ بنُ الأكْوَعِ - رضي الله عنه -: لمَّا نَزلَت آيةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184)، ومعناها: أنّ مَن يُطيقونَ الصَّومَ، أي: الذين يَسْتطيعون الصّوم، ولَيسَ لَهُم عُذرٌ، وهُمُ الأصحَّاءُ، ومَن لَيسَ بِهِم مَرَضٌ أو عِلَّةٌ، وأرادوا الفِطر؛ فَفديَةُ ذَلكَ: إطعامُ مِسكينٍ عَن كُلِّ يَومٍ، فَكانَ مَن أرادَ أنْ يُفطِرَ؛ يَفتَدي بأنْ يُطعِمَ مِسكينًا عن كُلِّ يومٍ، وكانَ هذا الأمرُ في بَدءِ الإسلامِ؛ حيثُ جعلَ اللهُ -تعالى- الصّيام على التّخيير، مَنْ شَاءَ صَام، ومَنْ شَاء أفْطَرَ وفَدَى، وهو تيسيرٌ مِنَ الله -تعالى- على عِبَاده، وتَدَرّج في فَرْض الصّوم، حتَّى نَزلَتِ الآيَةُ الَّتي بعْدَها، وهيَ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185)، فنَسخَتِ- في قول جمهور أهل العلم- تَخييرَ القادرِ على الصّيام في الصِّيامِ أو عَدَمِه، وصارَ الصِّيامُ فرْضاً على الكلِّ، إلَّا مَنْ لم يَستطِعْ، ويدل على هذا المعنى ما رواه سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - هنا.

الصحيحُ المُقِيم الذي يُطيق الصّيام قال الحافظ ابن كثير:... وأمّا الصحيحُ المُقِيم الذي يُطيق الصّيام، فقد كان مُخيراً بين الصّيام وبين الإطعام، إنْ شاء صام، وإنْ شَاء أفْطر، وأطعمَ عن كلّ يوم مسكيناً، فإنْ أطْعمَ أكثرَ مِنْ مسكين عن كلِّ يومٍ، فهو خير، وإنْ صَامَ فهو أفضل من الإطعام، قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطاووس، ومقاتل بن حيان، وغيرهم من السلف؛ ولهذا قال -تعالى-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 184).انتهى. وقال السّعدي في تفسير هذه الآية: هذا في أولِ الأمر وفي ابتداء فَرْض الصيام، لمّا كانوا غير مُعتادين للصّيام، وكان ابتداءُ فَرْضه حَتماً فيه مَشقّة عليهم، درَّجَهم الربُّ الحَكيم بأسْهل ما يكون، وخُيّر المُطِيق للصّوم بين أنْ يَصُوم وهو الأفضل والأكمل، أو يُطْعم ويُجْزئه، ثمّ لمّا تَمَرّنوا على الصّيام، وكان ضَرورياً على المُطيقين فَرْضه عليهم حتماً.
وقيل إنْ قوله: وعلى الذين يُطِيقونه.. أي: يَتكلّفون الصّيام، ويَشقّ عليهم مشقةً لا تُحْتَمل، كالكبير والمريض والمَيئوس مِنْ بُرْئه، فديةٌ طَعامُ مِسْكين عن كلّ يومٍ يفطره. انتهى.

حال الصَّحابة -رَضي اللهُ عنهُم- في أوَّلِ أمرِ الصِّيامِ وفي هذا الحَديثِ: بَيانُ أنَّ الصَّحابةَ -رَضي اللهُ عنهُم- في أوَّلِ أمرِ الصِّيامِ لَم يَكونوا قدْ تَدرَّبوا على الصِّيامِ، فَلمَّا أُمِروا به رَحمةً مِنَ اللهِ -سُبحانَه- بِهم، كانَ الخيارُ لهم: إمَّا أنْ يَصوموا، وإمَّا أنْ يُفطِروا ويُطعِموا مَكانَ كُلِّ يَومٍ مِسكينًا.
أَحْوَالُ الصِّيَامِ وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ؛... قال: وأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ، فَجَعَلَ يصومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وصَامَ عَاشُورَاءَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْه الصِّيَامَ، وأَنْزَلَ اللَّهُ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (البقرة: 183). إِلَى قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، فَأَثْبَتَ اللهُ صيامَه عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، ورخَّصَ فِيهِ لِلمَرِيضِ والمُسَافِرِ، وثَبَتَ الإطعامُ لِلكَبِيرِ الذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ، فَهَذَانَ حَالَانِ.

كَانُوا يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ قَال: وكَانُوا يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ ويَأْتُونَ النِّسَاءَ ما لَمْ يَنَامُوا، فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: صِرْمَةُ، كَانَ يَعْمَلُ صَائِماً حَتَّى أَمْسَى، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، حَتَّى أَصْبَحَ فَأَصْبَحَ صَائِماً، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَدْ جَهِدَ جَهْداً شَدِيداً، فَقَالَ: ما لِي أَرَاكَ قَدْ جَهِدْت جَهْداً شَدِيدا؟ قَال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي عَمِلْتُ أَمْسِ، فجئتُ حِينَ جئتُ فألقيتُ نَفْسِي، فَنِمْتُ فَأَصْبَحْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ صَائِماً. قَال: وكانَ عُمَرُ قَدْ أَصَابَ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدَ ما نَامَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، إِلَى قولِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. وأَخرجَه أَبو دَاوُدَ، والحاكمُ.

صيام عاشوراء وأَخْرَجَ البُخاريُّ ومسلمٌ: مِنْ حَدِيثِ عائِشَةَ أَنَّها قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وممّن اختار أنّ الآية مَنْسوخة: الإمام الطّبري، وأبو حيان، وابن كثير وغيرهم، وذهبَ جَمعٌ مِنَ العُلماء إلى أنّ الآية مُحْكمةٌ وغيرُ مَنْسُوخة. قال الطّبري: «وقالَ آخرون- ممن قرأ ذلك {وَعلى الذين يُطيقونه}- لم يُنسخْ ذلك ولا شيء منه، وهو حُكم مُثبتٌ من لَدُنْ نزلت هذه الآية إلى قيام السّاعة، وقالوا: إنّما تأويل ذلك: وعلى الذين يطيقونه - في حالِ شَبابهم وَحَداثتهم، وفي حال صحّتهم وقوتهم- إذا مَرضُوا وكبروا، فَعَجَزوا مِنَ الكِبَر عن الصّوم، فديةٌ طَعام مِسكين، لا أنَّ القومَ كان رُخِّص لهُم في الإفْطار، وهُم على الصّوم قَادرُون إذا افْتدوا.

وروى السدي: {وَعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين} قال: أما الذين يطيقونه، فالرجلُ كان يطيقه وقد صام قَبل ذلك، ثم يعرض له الوَجع أو العطش أو المرض الطويل، أو المرأة المرضعُ لا تستطيع أن تصوم، فإن أولئك عليهم مكانَ كل يوم إطعام مسكين، فإن أطعم مسكينًا فهو خيرٌ له، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خيرٌ له. وروى عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إذا خَافت الحاملُ على نفسِها، والمُرضع على ولدها في رمضان، قال: يُفْطران ويُطْعمان مكانَ كل يومٍ مسكينًا، ولا يقضيان صومًا. انتهى؛ وقالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وعلى الذين يُطَوَّقُونه فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، هُوَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. والذي يَظْهر والله أعلم: أنّ الآيةَ مُحْكمة وليستْ مَنْسُوخة، وأنّ معنى {يُطِيقُونه}: لا يُطيقونه؛ بتقدير «لا» النّافية، وعليه فتَكونُ الآية مُحْكمة، ويكونُ وُجُوب الإطعام على العَاجز عن الصّوم، كالهَرِم والزّمِن.
قَواعدِ تَعْضدُ هذا التَّرْجيح ومِنَ القَواعدِ التي تَعْضدُ هذا التَّرْجيح، قاعدة: «القولُ الذي يَدلُّ عليه السّياق، أوْلى مِنَ غيره»، وسياق الآية في أوّله؛ يُخاطبُ المُكلّفينَ بالصّيام، فالله -تعالى- يقول في الآية قبلها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، أي: فُرِضَ، وجاءت الآية بعد ذلك في أحْكام المَريض والمُسَافر، وأنّه إذا تَعذّر عليهما الصّوم، فلهُما القَضاء في أيامٍ أخَر، فمن المُفترضِ أنْ تكونَ الآيةُ بعدها فيمنْ لا يَقْدرُون على الصّيام، كالهَرِم، أو المُرْضع، أو الحامل. فمِمَّا يَلْتَحِقُ بِهَذَا المَعنَى: الحَامِلُ والمُرْضِعُ، إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِما أَوْ وَلَدَيْهِما، ففِيهِما خِلَافٌ كثِيرٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ، فَمِنهُم مَنْ قالَ: يُفْطِرَانِ ويَفْدِيانِ ويَقْضِيانِ. وقِيلَ: يَفْدِيَانِ فَقَطْ، ولَا قَضَاءَ. وقِيلَ: يَجِبُ عليهما القَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ، وهو الصّحيح.

فوائد الحديث
1- ثُبوتُ النّسخ في القُرآن، وقد أجْمَعت الأُمّة على ذلك، ودلّ عليه قوله -تعالى-: {ما نَنْسخْ مِنْ آيةٍ أوْ نُنْسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنْها أو مِثْلها} (البقرة: 106).
2- بيانُ نَسْخ التّخيير بينَ الصّوم والفِدْية لمَن أطاقَ الصّوم.
3- التّدرّج في تَشْريع الصّوم، تسهيلًا على المُكلّفين، فكانَ أول ما شُرع: مَنْ أراد أنْ يَصومَ صَام، ومَنْ أرادَ أنْ يُطْعم أطْعمَ وأفْطَر، حتّى إذا ألِفُوه، وسَهُلَ عليهم، نَزَلَ قوله -تعالى-: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكم الشَّهْرَ فَليَصُمه}، فأوجبَ اللهُ عليهم صِيامه، ونَسَخ الفِدْية.
4-الدّلالة على أنّ تَرتيبَ الآياتِ في القرآنِ توقيفي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 28-02-2024, 12:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: الصَّومُ والفِطْر في الشُّهُور


  • إذا اجتمع جِهادٌ وصيام فهذا من أفضل الأعمال وهذا يدُلُّ على بُعدِ النَّارِ عنِ المُجاهِدِ الصَّائِمِ أوِ الصائِمِ المُحتَسِبِ للهِ عَزَّ وجَلَّ
  • أعْمالُ التطوُّعِ ليستْ مَنوطةً بأوقاتٍ مَعلومةٍ وإنَّما هي على قدْرِ الإرادةِ لها والنَّشاطِ فيها
  • المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ إلى رَحمةِ اللهِ والنَّجاةِ مِن النارِ وقد كان النبي [ هو القدوة في ذلك
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلَّا رَمَضَانَ، ولَا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ - صلى الله عليه وسلم -». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/809) باب: صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان، واسْتحباب ألا يُخلي شهراً عن صوم.
تُخبِرُ عائشةُ -رضي الله عنها- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَصومُ شَهراً كاملًا إلَّا شَهرَ رَمضانَ؛ وذلك لأنَّه شَهرُ الفَريضةِ، والتَّنبيهُ عليه مِن بابِ النَّفْيِ لغَيرِه، وهو أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَصومُ شَهْرًا كاملًا تَطوُّعًا، بلْ يَصومُ مِن كلِّ شَهرٍ مِن شُهورِ السَّنةِ أيامًا منه، ولمْ يَستكمِلْ صِيامَ شَهرٍ غَيرِ رمضانَ؛ لِئلَّا يُظَنَّ وُجوبُه، وكان أكثرُ الشُّهورِ الَّتي يَصومُ فيها شَعبانَ، فكان يَصومُ غالِبَه؛ لئلَّا يَلتبِسُ ذلك بالفَرْضِ، ولكيلا يَعُدَّه مَن لا يَعلَمُ منه.

ولا صَامَ شَهْراً كاملاً غيرَ رمضان
وفي رواية له أيضا: عنها قالت: «ما رَأيتُه صَامَ شَهْرا كاملاً منذْ قَدِم المَدينة، إلا أنْ يكونَ رَمضان». وفي رواية له أيضاً: أنها قالت: «لا أعْلمُ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأ القرآن كلَّه في لَيلةٍ، ولا صَامَ شَهْراً كاملاً غيرَ رمضان»، وفي رواية له أيضا: قالت: «ما رَأيتُه قامَ لَيلةً حتّى الصّباح، ولا صَامَ شَهْراً مُتَتابعاً إلا رَمَضَان»، وفي الصحيحين: عن ابن عباس قال: ما صَامَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً كاملاً غير رمضان. وكان ابن عباس يَكرهُ أنْ يَصومَ شَهْراً كامِلاً غير رمضان. وروى عبد الرزاق: عَنْ عَطَاءٍ قال: كانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ الشَّهْرِ كامِلًا، وَيَقُولُ: «لِيَصُمْهُ إِلَّا أَيَّاماً»، وكانَ يَنْهَى عَنْ إِفْرَادِ الْيَوْمِ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ، وعنْ صِيَامِ الْأَيَّامِ المَعْلُومَةِ، وكانَ يَقُولُ: «لَا يَصُمْ صِيَاماً مَعْلُوماً». قولها: «حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ - صلى الله عليه وسلم -»، وفي رواية له: «حتى مَضى لوجهه» كناية عن الموت، أي: إلى أنْ مات.
كيفَ تَصُومُ؟
وعن أبي قتادة قال: رَجُلٌ أَتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: كيفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلَمَّا رَأَى عُمَرُ - رضي الله عنه - غَضَبَهُ، قالَ: رَضِينَا باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلَامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ باللَّهِ مِن غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يُرَدِّدُ هذا الكَلَامَ حتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ بمَن يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قالَ: «لا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ قالَ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ»، قالَ: كيفَ مَن يَصُومُ يَومَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قالَ: «ويُطِيقُ ذلكَ أَحَدٌ؟!» قال: كيفَ مَن يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قالَ: «ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ -عليه السَّلَام-»، قالَ: كيفَ مَن يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَومَيْنِ؟ قالَ: «وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذلكَ»، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، فَهذا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، والسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ، وصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ». رواه مسلم (2/819). فإنْ قيل: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضلُ الصّيامِ صيامُ داود، كانَ يَصُوم يوماً، ويُفْطرُ يوما»، ولم يَصمْ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك، بل كان يَصُوم سَرْداً، ويُفْطر سَرْداً، ويصُوم أكثر شعبان، وكلّ اثنين وخميس، وأيّام البيض؟
صَيامُ داود عليه السّلام
قال العلماء: صَيامُ داود -عليه السّلام- الذي فضّله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على الصّيام، قد فَسّره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر، بأنّه: صَومُ شَطْر الدَّهْر، وهكذا صيامُ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا جُمِعَ، يَبْلغُ نِصْفَ الدّهر، أو يَزِيد عليه، فقد كان يَصوم -مع ما سبقَ ذِكره- يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وإنما كان يُفرّق صِيامَه ولا يَصُوم يوماً ويُفْطرُ يوماً، لأنه كان يَتحرّى صيام الأوْقات الفاضلة، ولا يضرّ تفريق الصّيام، والفِطر أكثر من يوم، إذا كان القصد منه التقوّي على ما هو أفضل من الصيام، مِنْ أداءِ الرّسالة وتبليغها، والجهاد في سبيلها، والقيام بحقوقها، والاشتغال بما هو أهمّ منه وأفضل، فكان صيام يوم وفطر يوم يضعفه عن ذلك، والله أعلم.
فوائد الحديث
1- أنَّ أعْمالَ التطوُّعِ ليستْ مَنوطةً بأوقاتٍ مَعلومةٍ، وإنَّما هي على قدْرِ الإرادةِ لها، والنَّشاطِ فيها. 2- وفيه: مَشروعيَّةُ صَومِ التَّطوُّعِ في كلّ شَهرٌ مِن شُهورِ العام. 3- أنّ المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ إلى رَحمةِ اللهِ، والنَّجاةِ مِن النارِ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القدوة في ذلك.
باب: فَضلُ الصّومِ في سَبيلِ الله
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ، سَبْعِينَ خَرِيفاً». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/808) باب: فضل الصّيام في سبيل الله لمَن يُطيقه، بلا ضَررٍ ولا تفويت حق، ورواه البخاري في كتاب الجهاد والسير (2840) باب: فضل الصوم في سبيل الله.
قوله: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
قوله: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ» اختلف العُلماء -رحمهم الله- في معنى «في سبيل الله»، فيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِخْلَاصِ النِّيَّةِ، ويَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ صَامَ حَالَ كَوْنِهِ غَازِياً، قال ابن الجوزي: إذا أُطْلق ذكر سبيل الله، فالمُراد به الجِهاد اهـ. لأ‌نّه يَجْمع بين مُجاهدة العَدو وبين الصّيام؛ فالصّيام من العبادات البدنية، والجِهاد من العِبادات الماليّة والبدنيّة، فيَجمع بين الأ‌مرين، فيحصُل بذلك على الثواب والأ‌جر الجزيل. وهو اختيار النووي -رحمه الله- إذْ يقول: «فيه فَضيلة الصّيام في سبيل الله، وهو محمولٌ على مَنْ لا يتضرّر به، ولا يفوّت به حقاً، ولا يختلّ به قتاله، ولا غيره منْ مهمات غزوه، ومعناه: المُباعدة عن النار، والمعافاة منها، والخَريف: السَنَة، والمراد: سبعين سنة». شرح مسلم (8 / 33).
العُرْف الأكثر اسْتِعماله في الجهاد
قال ابن دقيق العيد: «العُرْف الأكثر، اسْتِعماله في الجهاد، فإنْ حُمِل عليه، كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين، ويحتمل أنْ يُراد بسبيل الله طاعتُه كيفَ كانت، والأول أقرب، ولا يُعارض ذلك أنّ الفِطْر في الجهاد أولى، لأنّ الصّائم يَضْعُف عن اللقاء، لأن الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفاً، ولا سيما من اعتاد به، فصار ذلك من الأمور النّسبية، فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل؛ ليجمع بين الفضيلتين» اهـ. وقال ابن الأثير: «سَبِيلُ اللَّهِ عَامٌّ، يَقَعُ عَلَى كل عمل خَالِصٍ لِلَّهِ سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ والنَّوَافِلِ، وأَنْوَاعِ التَّطَوُّعَاتِ، وإِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ فِي الغَالِبِ وَاقِعٌ عَلَى الجِهَادِ، حَتَّى صَارَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَيه». «النهاية» (239/2).
المُراد في سبيل الله
ورجَّح القرطبي: أنَّ المُراد في سبيل الله، أي: في مَرْضاة الله، فيَصُوم قاصداً بذلك وجهَ الله، وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أنْ يكون ما هو أعمّ من ذلك، ثم وجدته في فوائد أبي طاهر الذهلي: من طريق عبد الله بن عبد العزيز الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ: «ما مِنْ مرابط يرابط في سبيل الله، فيصوم يوما في سبيل الله». الحديث. «فتح الباري» (6/48). ومِنْ أقْوَى الأدلة على أنّ المُراد منْ قوله: «في سبيل الله» أي: في الجهاد أو الغزو أو الرّباط، ما رواه ابن خزيمة في صحيحه: من حديث ابي سعيد الخدري مرفوعا: «مَا مِنْ عبدٍ يصومُ يومًا في سبيل الله؛ ابتغاءَ وجْه الله، إلَّا باعدَ الله بينه وبين النَّار سبعين خريفًا». قال الشَّيخ الألبانيُّ في تعليقه على ابن خزيمة: إسناده صحيح، رجاله رجال الصَّحيح. فقوله: «في سبيل الله؛ ابتغاءَ وجْه الله» يدلُّ دلالةً واضحة على أنَّ «سبيل الله» في الحديث ليس بمفهومه العام، وإنّما بمفهومه الخاص عند إطلاقه، ألا وهو القتال الشرعي، أو الرباط في سبيل الله.
التأسيس مُقدَمٌ على التوكيد
كما أنّ التأسيس في الكلام، مُقدَمٌ على التوكيد، فَسبيل الله في الحديث، ليست مرادفه: لابتغاء وجْه الله، أي: إخْلاص العمل لله، إنّما تَحْمل معنى آخر مغايراً، وهو الجهاد أو الغزو أو الرّباط سبيل الله. وممن ذهب من العلماء المعاصرين الى أن معنى «سبيل الله» في الحديث هو الجهاد، الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ زيد المدخلي -رحمهما الله-، والشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله. وقوله: «إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ، سَبْعِينَ خَرِيفا» معنى سبعين خريفًا، أي: سبعين سنة. فإن قيل: لماذا خصَّ الخَريف من بين فصول العام؟ فالجواب أنه خَصَّه؛ لأ‌نه أزكَى الفُصُول، وفيه تُجْنى الثمار، ذكره ابن حجر -رحمه الله-، والمُراد بالخَريف هنا العام، أي: باعَد الله وجْهه عن النار سَبعين عاماً.
فوائد الحديث
  • فضيلة الصّيام على وجْه العُموم، سواءٌ أكانَ صِيامَ فَرضٍ أو صِيامَ نافِلةٍ، والحَثُّ والتَّرغيبُ على صيامِ التَّطوُّعِ.
  • فضيلة الصيام في الجَهاد في سبيل الله.
  • فضيلة الجهاد في سَبيل الله، فإذا اجتمع جِهادٌ وصيام، فهذا من أفضل الأ‌عمال، وهذا يدُلُّ على بُعدِ النَّارِ عنِ المُجاهِدِ الصَّائِمِ، أوِ الصائِمِ المُحتَسِبِ للهِ -عَزَّ وجَلَّ-.
  • فيه أنّ الأ‌عمال الصالحة، سببٌ للبُعد عن النيران.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 28-02-2024, 01:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: فضل صيام المحرم وباب: صِيامُ يَوم عَاشُورَاء


  • أفضَلُ الصَّلاةِ بعْدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أبعَدُ عنِ الرِّياءِ ونظر الناس وأقرَبُ إلى الإخْلاصِ
  • أفضَل الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ وهو مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي نَهى اللهُ فيها عنِ القتالِ
  • أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِ عاشوراء حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ فخير الناس بين صيامه وإفطاره
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/821) باب: فضل صوم المحرم.
يَرْوي أبو هُريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بين الأوْقاتِ والحالاتِ الأفضلِ للتَّنفُّلِ والتَّطوُّعِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ، وربّما يكون قد سألَه سائلٌ: عن أفضَلِ الصَّومِ بعدَ الصَّومِ المَفروضِ في رَمضانَ، فأجابَ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أفضَلَ الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ، هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، وهو مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي نَهى اللهُ فيها عنِ القتالِ، وإضافةُ الشَّهرِ للهِ -تعالى- إضافةُ تَعظيمٍ، وهو أوَّلُ شَهرٍ في العامِ الهِجْريِّ، فهو سَببٌ لِيَفتتِحَه بفِعلِ الخَيرِ واستِقْبالِه بالعِبادةِ، وذلِكَ مِن أفضَلِ الأعْمالِ، كما يُستقبَلُ أوَّلُ النَّهارِ بالأذْكارِ، فيُرْجى بذلِكَ أنْ يكونَ مُكفِّراً لباقي العامِ، كما في فَضيلةِ الذِّكْرِ في أوَّلِ النَّهارِ.
أفضَلُ الصَّلواتِ بعْدَ أداءِ
الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ
وسُئِلَ ما أفضَلُ الصَّلواتِ بعْدَ أداءِ الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ، الَّتي لا بُدَّ مِن أدائِها؟ وهي أفضَلُ ما يتقرَّبُ بها العبدُ لله -عز وجل- قبلَ النظرِ في النَّوافلِ والزِّياداتِ والتَّطوُّعِ لِمَن أرادَ، فَقال النَّبيُّ -[ مُوضِّحًا ومُبيِّنًا-: «أفضَلُ الصَّلاةِ بعْدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ»، وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أبعَدُ عنِ الرِّياءِ ونظر الناس، وأقرَبُ إلى الإخْلاصِ، وهي أفضل التَّطوّعات بعد الفريضة؛ لأنّ الخشوع فيها أوفر، لاجتماع القلب، والخلو بالرَّب، قال -تعالى-: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (المزمل : 6)، ولأنّ الليل وقت السُّكون والرَّاحة فإذا صُرف إلى العِبادة، كانت على النَّفْس أشد وأشق، وللبَدن أتَعب وأنْصَب، فكانت أدخل في معنى التكليف، وأفضل عند الله -تعالى. ويَحتمِلُ أيضاً: أنَّه لَمَّا كانَ القِتالُ مُحرَّماً في المُحرَّمِ، وكانَ انتِهازُ وَقتِه للصَّومِ فُرصةً مِن أجْلِ أنَّ أَوقاتَ إباحةِ القِتالِ لا يَقتَضي أنْ يَكونَ المُؤمنُ فيها صائماً؛ لأنَّ الصَّومَ يُضعِفُ أَهلَه.

المحرم شهر اللهِ
-قال الحافظُ ابنُ رجب: «وقد سمّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المحرمَ شهرَ اللهِ، وإضافتهُ إلى اللهِ تدلُّ على شَرفهِ وفضلهِ ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يضيفُ إليه إلا خواصَّ مخلوقاتهِ، كما نسبَ مُحمداً وإبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ وغيرَهم من الأنبياءِ -صلواتُ اللهِ عليهم وسلامهُ- إلى عبوديتهِ، ونسبَ إليه بيتهُ وناقتهُ، ولما كان هذا الشهرُ مختصاً بإضافتهِ إلى اللهِ -تعالى-، وكان الصيامُ من بين الأعمالِ مُضافاً إلى الله -تعالى-، فإنهُ لهُ من بين الأعمالِ، ناسبَ أن يختصَّ هذا الشهرُ المضافُ إلى اللهِ بالعملِ المضافِ إليهِ، المختصِّ به، وهو الصيامُ» .اهـ. (لطائفِ المعارفِ) (ص 81 - 82).

إن صوم شهر مُحرم -وهو أول شهور السنة الهجرية- أفضل الصيام بعد صوم رمضان؛ لأنه أول السَّنة المستأنفة؛ فافتتاحها بالصوم -الذي هو ضياء- أفضل الأعمال، فينبغي للمسلم أن يحرص عليه ولا يَدعه إلا لعُذر. وقوله: «شَهر الله» هذا مما يدل على تعظيمه ومَزيته على غيره من الشَّهور. وأفضلُ شهرِ اللهِ المحرمِ يوم عاشوراء، كما سيأتي في الأحاديث. - قال الشيخُ ابنُ عثيمين: «واختلف العلماءُ -رحمهم اللهُ-: أيهما أفضلُ: صَومُ شهر المُحرّم، أمْ صوم شَعبان؟ فقال بعضُ العلماءِ: شَهرُ شعبانَ أفضلُ، لأنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصومهُ إلا قليلاً منهُ، ولم يُحْفظ عنهُ أنّه كان يصومُ شهرَ المحرمِ، لكنهُ حثّ على صيامهِ بقوله: «إنهُ أفضلُ الصيامِ بعد رمضان». قالوا: ولأن صومَ شعبانَ ينزلُ منزلةَ الراتبةِ قبل الفريضةِ، وصومَ المحرمِ ينزلُ منزلةَ النفلِ المطلقِ، ومنزلةُ الراتبةِ أفضلُ من منزلةِ المطلقِ، وعلى كل فهذان الشهران يسنُ صومهما، إلا أن شعبانَ لا يكملهُ». اهـ. «الشرحِ الممتعِ» (6/467).
باب: صِيامُ يَوم عَاشُورَاء
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/792) باب: صوم يوم عاشوراء. تُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّ قُرَيشاً كانت تصومُ يومَ عاشُوراءَ في الجاهلية، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصومُه قبل أنْ يُهاجِرَ إلى المَدينةِ، فلمَّا قدِمَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ صامَه على عادتِه، وأمَرَ النَّاسَ بِصيامِه.

أسباب صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عاشُوراءَ
وقد ورَدَتْ رِواياتٌ أخرى- ولا تُعارِضُ هذه الرِّوايةَ- في أسبابِ صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عاشُوراءَ، منها ما جاء في الصَّحيحَينِ: مِن حَديثِ ابْنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أنَّه يَومٌ نجَّى اللهُ فيه مُوسَى مِن فِرعَونَ، وكانت تَصومُه اليَهُودُ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهم، فَصَامَه».
حكم صيام عاشوراء
وقَولُ أمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ -رضي الله عنها- في الحَديثِ: «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ»، وفي رواية له: «وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ»، يَحتمِلُ أنَّ حُكْمَه كان الوُجوبَ والفرضيَّةَ، ثمَّ نُسِخَ الحُكمُ إلى الاستِحبابِ. وقيل: إنَّ هذا كان تَأكيداً على الصِّيامِ، وليس في حُكْمِ الوُجوبِ، لحَديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذا يومُ عاشُوراءَ، ولمْ يَكتُبِ اللهُ عليكم صِيامَه، وأنا صائمٌ، فمَنْ شَاء فلْيَصُمْ، ومَنْ شَاء فلْيُفطِرْ». مُتَّفَق عليه.

ومثله حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُنا بصيامِ يومِ عَاشُوراء ويحثنا عليه، ويَتَعاهدنا عنْده، فلما فُرِضَ رَمَضان، لمْ يَأمُرنا، ولمْ ينْهنا، ولم يَتَعاهَدنا عنده». رواه مسلم بالباب. وكان هذا هو الحال والشَّأن إلى أنْ فُرِضَ صَومُ رَمَضانَ على المُسلمينَ في السَّنَةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجرةِ، فكانتِ الفريضةُ صَومَ رمَضانَ فَقطْ، وأصْبَحَ صَومُ عاشوراءَ مُخيَّراً فيه: مَنْ شاءَ صامَه نفْلًا، ومَنْ شاءَ تَرَكَه. وقد ذهبَ بَعضُ العُلماء إلى أنّ صيامَ عاشوراء كان واجباً في أولِ الأمْر، فلمّا فُرِض شهر رمضان في العام الثاني للهجرة، صار صيامه سنَّةً ومُسْتحبًّا.
من فوائد الحديثين
من فوائد حديث صيام المحرم: 1-التَّرغيبُ في صِيام التّطوع.
2-التَّرغيبُ في صَلاة التّطوع، وقيام الليل.
3- أنّ صَلاةَ الليل أفضل مِنْ غيرها من التَّطوعات في النَّهار، لظاهر النَّص.
4- وَفيه: بَيانُ فَضيلةِ صومِ شَهرِ المُحرَّمِ، وأنّ أفضل الصّيام المستحب ما كان في المُحرّم، كصيام عاشوراء وغيره.
5- وَفيه: بَيانُ أنَّ التَّطوُّعَ والنَّوافلَ تَكونُ بعدَ أَداءِ الفَرائضِ.
6- الصَّلاةُ والصِّيامُ مِن أركانِ الإسْلامِ، وقدْ حدَّدَ اللهُ فَرائضَ الصَّلاةِ بخَمسِ صَلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، وحدَّدَ صِيامَ الفَرْضِ بصِيامِ شَهرِ رَمضانَ، ولكنْ مَن أرادَ التَّطوُّعَ بنافِلةٍ مِن جِنسِ هاتَينِ العِبادتَينِ، فقد حدَّدَ له النَّبيُّ -[- أوقاتًا فاضلةً يؤجَرُ عليها العبدُ بأفضَلِ الأجْرِ.
من فوائد حديث صيام يوم عاشوراء: 1- بَيانُ أهمِّيةِ يَومِ عاشوراءَ، وتَعظيمِ المُسلِمينَ له. 2- وفيه: بيانُ وُقوعِ النَّسخِ في الشَّريعةِ المحمَّديَّةِ. 3- مرَّ صِيامُ عاشوراءَ بمَراحلَ تَشريعيَّةٍ مُختلِفةٍ، كما في هذا الحديثِ وغيرِه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 28-02-2024, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: أيُّ يومٍ يَصُومُ في عَاشُورَاء؟


عَنْ الحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَال: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَال: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ المُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِماً، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/797) باب: أيّ يومٍ يُصام في عَاشُوراء؟
يُخبِرُ التَّابعيُّ الحكمُ بنُ الأعرَجِ، وهو الحكم بن عبد الله بن إسْحاق البَصري، ثقة، أنَّه جاء إلى عبدِ الله بنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وهو وَاضِعٌ رِداءَه تحْتَه ذراعه، مُتوسّد عليه، عندَ بئرِ زَمْزَمَ داخلَ المسجد الحرامِ بمكة، فسَأل ابنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عن صَومِ يومِ عَاشُورَاءَ، متَى يكونُ؟ فقال له ابنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: إذا رأَيْتَ هِلالَ شَهرِ المُحَرَّمِ، وثَبَتَتْ بِدايَتُه، فابْدَأْ بعَدِّ الأيامِ حتَّى تَصِلَ إلى اليومِ التَّاسِعِ فصُمْهُ. فقوله: «فاعْدُد وأصْبِحْ يومَ التاسع صَائما» قال الحافظ النّووي: هذا تصريحٌ منْ ابن عباس بأنّ مَذهبه أنّ عَاشوراء، هو اليومُ التاسع مِنَ المُحرّم. انتهى. ولعلّ ابن عباس- والله أعلم- أخَذ ذلك مِنْ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قابِلٍ، لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». رواه مسلم.
تعيين هذا اليوم
وقد اخْتلفَ العُلماء في تعيين هذا اليوم: فكان ابنُ عباس -رضي الله عنهما- يَرى أنّه يومُ التاسع، فكأنه رأى أنّ ثوابَ الصّيام أصْبح في يومِ التاسع بَدلاً مِنَ العاشر؛ لأنّه ليس في الحديث لأصُومَنَّ التاسعَ والعاشر، وإنّما النّصّ على التاسع فقط. أمّا جُمهور العُلَماء مِنَ السّلف والخَلف: فذهبُوا إلى أنّ عاشُوراء هو يومُ العاشر مِنَ المُحرّم، كما هو ظاهر الأحاديث، ومُقْتضى اللفظ لغة: «عاشوراء»، وفَهِم الجُمهور أنّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لأصُومَنّ التاسع» هو إضافةً إلى يوم العاشر، فيَكون المعنى: سأصُوم العاشر، ومعه التاسع، مُخَالفة لليهود والنّصارى، وليس المقصودُ به أنَّ العاشرَ يُهمَلُ ويُخَصُّ الصِّيامُ بالتَّاسعِ. قال الترمذي: «اختلف أهل العلم في يوم عاشوراء، فقال بعضهم: يوم التاسع، وقال بعضهم: يوم العاشر، وروي عن ابن عباس أنه قال: صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود. وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق». (3/ 128). - وقال ابن عبد البر: «اختلفَ العُلماء في يومِ عاشُوراء، فقالت طائفة هو اليوم العاشر من المُحرّم، وممّن روى ذلك عنه سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن البصري، وقال آخرون: هو اليومُ التاسع منْه، واحتجّوا بحديث الحكم بن الأعرج قال: أتيتُ ابن عباس في المسجد الحرام... فذكره. قال: وقد روى عن ابن عباس القولان جميعاً، وقال قومٌ من أهل العلم: مَنْ أحبّ صَوم عاشوراء، صام يومين التاسع والعاشر، وأظنّ ذلك احْتياطاً منْهم، والله أعلم». «التمهيد» (7/ 213). - وممّن ذهب إلى أنّ عاشوراء اليوم التاسع: ابن حزم، حيثُ قال: «ونَسْتحبُ صوم يوم عاشُوراء وهو التاسع مِنَ المُحرّم، وإنْ صامَ العَاشر بعده فحَسن». المحلى (7/ 17)، وساق رواية ابن عباس.
الأفضلُ والأكمَل
والأفضلُ والأكمَل للمُسْتطيع أنْ يصومَ التاسع والعاشر، وذلك لسَببين:
  • الأول: أنّ النّزاع قائمٌ بين العلماء في تَحديد اليوم الذي فيه الفَضل، والأولى للحَريص على الثواب أنْ يَصوم اليومين خُرُوجاً مِنَ الخِلاف.
  • الثاني: أنّ هَدْي النّبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نَدَبَ إليه أمّته، هو صيامُ التاسع مع العاشر، تمييزاً للمُسلم عن غيره، لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ باليَهُودِ فِي صِيامِ اليَومِ العاشِرِ وحدَه. والمحبّ يقتفي أثرَ مَنْ أحبّ، فيكون منْ علاماتِ مَحبّته: اتباع هديه وطريقته.
هل يُصامُ يوم الحادي عشر؟
  • ولكنْ هل يُصامُ يوم الحادي عشر أيضاً مع عاشوراء؟
اسْتَحبّ بعضُ العُلماء كابن القيم رحمه الله صيام اليوم الحادي عشر مِنَ المُحرّم أيضاً، قال: لأنّه قد وَرد عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - الأمرُ بصيامِه، وذلك فيما عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وخَالِفُوا فِيهِ اليَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْماً، أَوْ بَعْدَهُ يَوْماً». رواه أحمد (2155) وابن خزيمة (2095)، وقد حسّنه الشيخ أحمد شاكر، وضعّفه مُحققو المسند. وقال الألباني: «إسناده ضعيف، لسُوء حفظ ابن أبي ليلى، وخالفه عطاء وغيره فرواه عن ابن عباس موقوفاً، وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي» انتهى. وقد ذَكَر بعضُ العلماء سبباً آخر: لاستحباب صيام اليوم الحادي عشر، وهو الاحتياط لليوم العاشر، فقد يُخْطئ الناس في هلال مُحرّم، فلا يُدرى أيّ يومٍ بالضبط هو اليوم العاشر، فإذا صَام المسلم التاسع والعاشر والحادي عشر، فقد تحقّق مِنْ صيام عاشُوراء، وقد روى ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/313): عن طاووس رحمه الله: أنه كان يَصُوم قبله وبَعده يوماً، مَخافة أنْ يَفوته. وقال الإمام أحمد: «مَنْ أرادَ أنْ يَصُومَ عاشُوراء: صامَ التاسع والعاشر، إلا أنْ تُشْكل الشُّهور فيصُوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك». (المغني) (4/441).
مَنْ فاته صيام اليوم التاسع
وأمّا مَنْ فاته صيام اليوم التاسع، فيُسْتحبّ له صيام الحادي عشر، لمُخالفة اليَهود، فإنْ صامَ العاشر وحده، فلا حَرجَ عليه في ذلك، ولا يكون ذلك مَكروهاً، قال المِرْداوي: «لا يُكْره إفْرادُ العاشر بالصّيام على الصّحيح منَ المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين- ابن تيمية- أنّه لا يُكْره». انتهى باختصار. (الإنصاف) (3/346).
باب: فَضْل صيام يوم عاشوراء
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَاماً يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْراً، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَمَرَ بِصِيَامِهِ. عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَال: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -[- صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ، إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْراً إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي رَمَضَانَ. في الباب حديثان، الحديث الأول: رواه مسلم في الصيام (2/796) باب: صوم يوم عاشوراء، والحديث الثاني في الباب نفسه (2/797).
نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْهُمْ
‏قَوْله: «أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُود يَصُومُونَ عَاشُورَاء, وَقَالُوا: إِنَّ مُوسَى صَامَهُ وإِنَّهُ الْيَوْم الَّذِي نَجَوْا فِيهِ مِنْ فِرْعَوْن وَغَرِقَ فِرْعَوْن، فَصَامَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وقَال: نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْهُمْ»، ‏قَالَ الْمَازِرِيّ: خَبَر اليهُود غَيْر مَقْبُول، فَيَحْتَمِل أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا قَالُوه، أَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ النَّقْل بِذَلِكَ حَتَّى حَصَلَ لَهُ العِلْم بِهِ. قَال القَاضِي عِيَاض رَدًّا على المَازِرِيّ: قَدْ رَوَى مُسْلِم أَنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ تَصُومهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَة صَامَهُ، فَلَمْ يَحْدُث لَهُ بِقَوْلِ الْيَهُود حُكْمٌ يَحْتَاج إِلَى الْكَلَام عَلَيْه، وإِنَّمَا هِيَ صِفَة حَال، وجَوَاب سُؤَال، فَقَوْله: «صَامَهُ» لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ اِبْتَدَأَ صَوْمه حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِمْ، ولَوْ كَانَ هَذَا لَحَمَلْنَاهُ علَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ كَابْنِ سَلَام وَغَيْره.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ: يَحْتَمِل أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومهُ بِمَكَّة، ثُمَّ تَرَكَ صِيَامه حَتَّى عَلِمَ مَا عِنْد أَهْل الْكِتَاب فِيهِ فَصَامَهُ. قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى بِلَفْظِ الْحَدِيث. قال النووي‏: الْمُخْتَار قَوْل الْمَازِرِيّ، ومُخْتَصَر ذَلِكَ: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومهُ كَمَا تَصُومهُ قُرَيْش فِي مَكَّة، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَة فَوَجَدَ الْيَهُود يَصُومُونَهُ فَصَامَهُ أَيْضاً بِوَحْيٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوْ اِجْتِهَادٍ، لَا بِمُجَرَّدِ أَخْبَارِ آحَادِهِمْ. واَللَّهُ أَعْلَم. «شرح مسلم»، فكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُ أصحابَهُ بِصَومِ يومِ عاشوراءَ، قَبْلَ أنْ يُفرَضَ صِيامُ رَمَضانَ لفَضْلِ ذلك اليومِ، فلمَّا فُرِضَ صِيامُ رَمضانَ تَرَكَ أمْرَهم بِصيامِه، ولكنَّه صارَ تَطوُّعًا لمَن أراد.
مُخالفة اليهود
وفي هذا الحَديثِ: يَروي عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هاجَرَ إلى المَدِينةِ مِن مكَّةَ، وفي العامِ التَّالي وَجَدَ يَهُودَ المدينةِ يَصُومُون يَومَ عاشُورَاءَ، وهو يومُ العاشرِ مِن شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، فسَأَلَهم عن سَببِ ذلك، فذَكَروا أنَّ هذا يَومٌ صالِحٌ وَقَعَ فيه خَيرٌ وصَلاحٌ، حيثُ نَجَّى اللهُ فيه بَنِي إسْرائِيلَ مِن عَدُوِّهِم فِرْعونَ بإغراقِه وجُنودِه في البحْرِ، فَصامَه نَبيُّ اللهِ مُوسَى -عليه السَّلامُ-، فلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، أخبَرَ أنَّه أحَقُّ بمُوسَى مِنهم، حيثُ إنَّهما أخَوانِ في النُّبوَّةِ، ولأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أطوَعُ وأتْبَعُ للحقِّ منهم، فهو أحَقُّ أنْ يَشكُرَ اللهَ -تعالى- على نَجاةِ مُوسى -عليه السَّلامُ-، ولذلك صامَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وأَمَرَ المسلِمينَ بصِيَامِه، لأنَّنا -نَحنُ المسلِمينَ- أوْلَى بِحبِّ مُوسى -عليه السَّلامُ- ومُوافقَتِه مِنَ اليهودِ، حيثُ إنَّهم بَدَّلوا شَريعتَه وحَرَّفوها، ونحنُ أتْباعُ الإسلامِ الَّذي هو دِينُ كلِّ الأنبياءِ، وقدْ روَى ابنُ عبَّاسٍ أيضًا أنَّ السُّنَّةَ أنْ يَصومَ المُسلِمُ اليومَ التَّاسعَ معه، مُخالفةً لليهودِ، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ، وثبَت فيه أيضاً: مِن حَديثِ أبي قَتادةَ - رضي الله عنه -: أنَّ صِيامَه يُكفِّرُ ذُنوبَ السَّنَةَ التي قَبْلَه.
فوائد الحديث
1- يومُ عاشوراءَ مِن أيَّامِ اللهِ المُبارَكةِ، فيه نَجَّى اللهُ -عزَّوجلَّ- نَبيَّه مُوسى مِن فِرعونَ وجُندِه، وعظَّمَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هذا اليومَ، وحرَصَ على صِيامِه، وحَثَّ المسلِمينَ على ذلك، شُكرًا للهِ.
2- مَشروعيَّةُ شُكرِ اللهِ -تعالَى- بالصَّومِ، لمَن حَصَلَ له خَيرٌ مِن تَفريجِ كُرَبٍ، أو تَيسيرِ أمْرٍ.
3- يومُ عاشوراءَ هو يومُ العاشرِ مِنَ الْمُحرَّمِ، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحرِصُ على صِيَامِ يومِ عَاشُورَاءَ، ويُوصِي به، وكان صِيامُه فَرْضاً قَبْلَ رمضانَ، إلى أنْ نَزَلَ صَومُ رمضانَ على المُسلمينَ، فكانتِ الفريضةُ صَومَ رمضانَ فَقطْ، وأصبَحَ صَومُ عاشوراءَ مُخيَّرًا فيه، مَن شاءَ صامَه، ومَن شاءَ تَرَكَه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 01-03-2024, 09:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: مَنْ أَكَلَ يَومَ عَاشُورَاء فَلْيَكُفّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ


  • الصّحيح عند أهلِ الحَديث وأهلِ الأصُول: أنّ الصّحابي إذا قال فَعَلْنا كذا في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حُكْمُه الرّفع لأنّ الظّاهر اطّلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك
  • في الحديث حُجّة على مَشْروعيّة تَمرين الصِّبيانِ على الصِّيامِ ولو كانوا صِغاراً غيرَ مُكلّفين
عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ، إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِماً فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، ومَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ»، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ونَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/798) وبوّبَ عليه النّووي بمثلِ تبويب المُنْذري، ورواه البخاري في الصوم (1960) باب: صَوم الصِّبيان.
الرُّبيّع بنت مُعوّذ بن عَفراء، النّجّارية الأنْصَاريّة، وهمْ بطنٌ مِنَ الخَزرج، صحابية مِنْ ذَوات الشأن في الإسْلام. بايعتْ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرّضْوان، تحتَ الشّجرة، وصَحِبته في غَزَواته، قالت: كنّا نغزُو مع رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم - فنَسْقي القوم ونَخْدمهم، ونُداوي الجَرحى، ونَردّ القَتْلى والجَرْحى إلى المدينة. وجاء أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أتَاها يوم عُرسها فقعد عَلَى موضِع فراشها. وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يَغْشى بيتها، فيتوضّأ ويُصلي، ويأكل عندها. عاشت إلى أيام معاوية.
الأمر بصيام عاشوراء
تَحكي الصحابية الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعوِّذٍ -رَضيَ اللهُ عنها- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرسَلَ صَباحَ يومِ عاشوراءَ- وهو اليومِ العاشِرِ مِن المُحرَّمٍ كما سبق- رُسُلًا إلى قُرى الأنصارِ، الَّتي حَولَ المدينةِ؛ يُنادُون فيهم: مَنْ أصبَحَ مُفطِراً فلْيُمسِكْ عن الطَّعامِ، ويَبْقى صائماً، ومَنْ أصبَحَ صائماً، فلْيَستمِرَّ على صَومِه بَقيَّةِ يَومِه.
فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ
قولها: «فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، وزاد في رواية لمسلم: «ونَذهب بِهمْ إلى المَسْجد»، فأخبَرَت أنَّهم كانوا يَصُومُون يومَ عاشوراءَ بعْدَ ذلك، ويَجعَلون صِغارَهم يَصومونَه، ويَجعَلون لهم ما يَلعَبون به مِن العِهْنِ، وهو الصُّوفُ المَصْبُوغُ، يُجْعل على شَكل لُعبة، فإذا بَكَى أحدُهم على الطَّعامِ أعْطَوه تلك اللُّعْبِة؛ لِيَتلهَّى بها عن الطعام ويَنسى الجُوع، حتَّى يَأتيَ وَقْتُ الإفطارِ، تَشجيعاً وتَدريباً للأطفالِ على العِبادةِ.
باب صَوم الصّبيان
وقد بوّب عليه البُخاري: باب صَوم الصّبيان. أي: هل يُشْرع أمْ لا؟ قال الحافظ ابن حجر: والجُمْهور على أنّه لا يجبُ على مَنْ دُون البُلوغ، واسْتحبّ جماعةٌ مِنَ السّلف، منْهم: ابنُ سِيرين والزُّهري، وقال به الشافعي، أنّهم يُؤمَرُون به للتّمْرين عليه إذا أطَاقُوه، وحَدّه أصحابُه بالسّبع والعَشْر كالصّلاة، وحدّه إسْحاق باثنتي عَشْرة سنة، وأحمد في رواية: بعَشْر سنين، وقال الأوزاعي: إذا أطاقَ صَومَ ثلاثة أيام تِبَاعاً، لا يضعف فيهنّ، حُمل على الصّوم، والأولُ قولُ الجمهور.
المشهور عن المالكية
والمشهور عن المالكية: أنّه لا يُشْرع في حَقّ الصّبيان، ولقد تلطّف المُصنّف في التّعقّب عليهم، بإيرادِ أثر عُمر في صَدر التّرجمة؛ لأنّ أقْصَى ما يَعْتمدونه في معارضة الأحاديث: دَعْوى عَمل أهْلِ المدينة على خِلافها، ولا عَمَلَ يَسْتند إليه أقْوى منَ العَملِ في عَهد عُمر، مع شدّة تَحرّيه، ووفُور الصّحابة في زمانه، وقد قال للذي أفطر في رمضان مُوبّخاً له: «كيفَ تُفْطِر، وصِبْياننا صِيام؟». وفي رواية البغوي: «فلمّا رُفِعَ إليه؛ عَثَر، فقال عُمر: على وجْهك، ويْحَك؟ وصِبْياننا صِيام؟ ثمّ أَمَرَ به فضُرِبَ ثَمانين سَوطاً، ثمّ سَيّره إلى الشّام»، وأغربَ ابنُ الماجشون منَ المالكية فقال: إذا أطاقَ الصّبيانُ الصّيام ألْزمُوه، فإنْ أفْطَرُوا لغيرِ عُذْر، فعَليهم القَضاء. وأغربَ القُرطبي أيضاً فقال: لعلّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يَعلمْ بذلك، ويَبْعد أنْ يكونَ أمَرَ بذلك؛ لأنّه تَعذيبُ صغير بعبادة غير متكررة في السّنَة. فردّ عليه الحافظ بقوله: مع أنّ الصّحيح عند أهلِ الحَديث وأهلِ الأصُول: أنّ الصّحابي إذا قال: فَعَلْنا كذا في عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان حُكْمُه الرّفع؛ لأنّ الظّاهر اطّلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وتَقْريرهم عليه مع توفّر دَواعيهم على سُؤالهم إيّاه عن الأحْكام، مع أنّ هذا ممّا لا مَجالَ للاجْتهاد فيه فما فَعَلُوه إلا بتَوقيف، والله أعلم.
صِيامَ عاشوراء على الخِيارِ
وقد وَرَدَ في الصَّحيحَينِ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ صِيامَ عاشوراء على الخِيارِ بعْدَ أنْ فَرَضَ اللهُ رَمَضانَ؛ فعنِ ابنِ عمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان يَوماً يَصومُه أهلُ الجاهِليَّةِ، فمَن أحبَّ منْكم أنْ يَصومَه فَلْيَصُمْه، ومَن كَرِه فَلْيَدَعْه». فأبْقى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَومِه تَطوُّعاً. وقدْ جاء في فَضْلِ صِيامِ عاشوراء: أنَّه يُكفِّرُ ذُنوبَ سَنةٍ قَبْلَه، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ - رضي الله عنه . قولها: «فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ»، قال الحافظ: وهو مُشكل، ورواية البخاري توضّح أنه سَقَط منه شيء، وقد رواه مسلم من وجه آخر: عن خالد بن ذكوان فقال فيه: «فإذا سَألُونا الطّعام، أعْطَيناهم اللُّعبة، تُلْهيهم حتّى يُتمُّوا صَومَهم»، وهو يُوضّح صحّة رواية البخاري. قال الحافظ: واستدل بهذا الحديث: على أنّ عاشُوراء كان فَرضَاً قبل أنْ يُفْرض رمضان، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب الصيام.
فوائد الحديث
1- في الحديث حُجّة على مَشْروعيّة تَمرينُ الصِّبيانِ على الصِّيامِ، ولو كانوا صِغاراً غيرَ مُكلّفين.
2- وفيه: أنَّ الصَّحابيَّ إذا قال: فعَلْنا كذا في عهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يكون حُكمُه الرَّفعَ؛ لأنَّ سُكوتَه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، يدُلُّ على إقْرارِهم عليه؛ إذْ لو لم يكُنْ راضياً بذلك، لَأنكَرَ عليهم، ومنعهم.
3- واستدلّ به على جَواز ابتداء نيّة الصّوم مِنَ النّهار في النّفل، وأخرجه البخاري في باب: إذا نَوَى بالنّهَارِ صَوْماً.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 01-03-2024, 09:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: صِيَامُ شَعْبَان


  • المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ رَحمة اللهِ والنَّجاة مِن النارِ وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم القُدوةَ في ذلك
  • صوم النَّفل غير مُختصٍّ بزمانٍ معين بل كلُّ السّنَة صالحة له إلا رمضان والعيد والتشريق
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، ولَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ؛ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. الحديث أخرجه مسلم في كتاب الصيام (2/811) باب: صيام النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في غيرِ رمضان، واسْتحباب ألا يُخلي شَهراً عن صَوم.
تقول عائشة -رضي الله عنها-: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ». وفي رواية: «كان رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حتى نقول: لا يُفطر، ويُفْطر حتّى نقول: لا يصُوم، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان»، وفي رواية: «كان يصُوم حتى نقولَ: قد صَام، قد صَام، ويُفْطِر حتى نقُول: قد أفْطر، قد أفْطَر»، وفي رواية: «كان يصُومُ شَعْبان كلّه، كان يصُوم شَعبان إلا قليلاً».
يُسْتحبّ ألا يُخْلي شَهْراً منْ صِيام
قال النووي: في هذه الأحاديث: أنه يُسْتحبّ أنْ لا يُخْلي شَهْراً منْ صِيام، وفيها: أنّ صوم النفل غير مختصٍّ بزَمانٍ مُعيّن، بل كل السنة صالحة له، إلا رمضان، والعيد والتشريق. وقولها: «كان يصُومُ شَعْبان كلَّه، كانَ يَصُومه إلا قليلاً»، الثاني تفسير للأوّل، وبيان أنّ قولها: «كلّه» أي: غالبَه. وقيل: كان يصُومه كلّه في وَقْتٍ، ويصَومُ بعضَه في سنةٍ أخْرى. وقيل: كان يصُوم تارةً مِنْ أوله، وتارة مِنْ آخره، وتارة بينهما، وما يخلي منه شيئاً بلا صيام، لكن في سنين.
تَخْصيص شَعْبان بكثْرةِ الصّوم
وقيل: في تَخْصيص شَعْبان بكثْرةِ الصّوم لكونه تُرفع فيه أعْمالُ العباد، وقيل غير ذلك. فإنْ قيل: سيأتي قريباً في الحديث الآخر «أنّ أفضلَ الصّوم بعد رمضان صوم المُحَرّم» فكيف أكثر منْه في شعبان دون المحرّم؟ فالجواب: لعلّه لمْ يَعْلم فَضْلَ المُحرّم إلا في آخِر الحياة، قبل التّمكّن مِنْ صَومه، أو لعلّه كان يَعرض فيه أعذارٌ تَمْنع من إكثار الصّومِ فيه، كسَفرٍ ومرضٍ وغيرهما. قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجُوبه. انتهى. قال الترمذي: «وَرُوِيَ عنْ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَال في هذَا الحدِيثِ: هُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ، أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، ويُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ لَيلَهُ أَجْمَعَ، ولَعَلَّهُ تَعَشَّى واشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ، كَأَنَّ ابنَ المُبَارَكِ: قَدْ رَأَى كِلَا الحَدِيثَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّمَا مَعْنَى هذَا الحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ الشَّهْرِ». فقولها: «كانَ يصُومُ شَعبان كلّه، كان يصُومه إلا قليلا» الثاني تفسيرٌ للأول، وبيان أن قولها «كله» أي: أكثره وغالبه. ووجه ذلك: أن اللفظ الثاني: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا» جاء مُفَسِّراً للفظ الأول: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». وهو قول الجمهور، وعليه أكثر شُراح الحديث. واستدلوا على ذلك بأحاديث فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ يصوم شهراً كاملًا سوى رمضان.

  • ومن ذلك:
أ- عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ». رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156). وفي رواية لمسلم: «قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ». وقيل: كان يصومه كله في وقْتٍ، ويصُوم بعضَه في سنةٍ أخْرى.
وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما، وما يُخلّي منه شيئاً بلا صيام، لكن في سنين. وقيل: في تخصيص شعبان بكثرة الصّوم، لكونه تُرفع فيه أعمالُ العباد، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْن رجَبَ ورَمَضانَ، كما بيَّن ذلك في رِواية النَّسائيِّ وأحمَدَ. وقيل غير ذلك.

لم يستكمل - صلى الله عليه وسلم - غير رمضان
وقال العلماء: وإنّما لم يستكمل غير رمضان؛ لئلا يظن وجوبه، ولئلَّا يَلتبِسُ بالفَرائضِ. أمّا القول الثاني: فهو أنه في بعض الأحيان كان يصوم شعبان كلّه، وفي بعضها يصوم أغلبه. والمقصود: أن هذا كان باختلاف الأوقات: ففي بعض السنين صام النبي - صلى الله عليه وسلم - شعبان كاملًا، وفي بعضِها صام النّبي -[- أكثره. قال الحافظ بدر الدين العيني: قَالُوا: معنى: كُله: أَكْثَره، فَيكون مجَازاً. قلت: فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: أَن هَذَا الْمجَاز قَلِيل الِاسْتِعْمَال جدًّا، وَالثَّانِي: أَن لَفْظَة: كل، تَأْكِيد لإِرَادَة الشُّمُول، وتَفْسِيره بِالْبَعْضِ منَاف لَهُ، والثَّالِث: أَن فِيهِ كلمة الإضراب، وَهِي تنَافِي أَن يكون المُرَاد الْأَكْثَر، إِذْ لَا يبْقى فِيهِ حِينَئِذٍ فَائِدَة، والْأَحْسَن أَن يُقَال فِيهِ: إِنَّه بِاعْتِبَار عَاميْنِ فَأكْثر، فَكَانَ يَصُومهُ كُله فِي بعض السنين، وَكَانَ يَصُوم أَكْثَره فِي بعض السنين». «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (11/ 118). وهذا اختيار جماعة من شُراح الحديث أيضاً، منهم: الطيبي، وعليّ القاري، وهو قول بعض الحنابلة، ورجّحه بعض المعاصرين كالشيخ ابن باز رحمه الله.
واستدلوا على ذلك بأدلة: ا- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». رواه البخاري (1970). ب- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». رواه النسائي (2356). ج- عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْغَازِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ». رواه ابن ماجة (1649). د- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ». رواه أحمد (26517)، والنسائي (2353).

فوائد الحديث
1- أنّه يستحب ألا يُخْلي شَهْراً منْ صيام.
2- وفيه: أنّ صوم النَّفل غير مُختصٍّ بزمانٍ معين، بل كلُّ السّنَة صالحة له، إلا رمضان والعيد والتشريق.
3- وأنَّ أعمالَ التطوُّعِ ليستْ مَنوطةً بأوقاتٍ مَعلومةٍ، وإنَّما هي على قدْرِ الإرادةِ لها والنَّشاطِ فيها.
4- وفيه: بَيانُ فضْلِ شَهرِ شَعبانَ، والحثُّ على إكثارِ الصِّيامِ فيه. 5- وفيه: مَشروعيَّةُ ألَّا يَخلُوَ شَهرٌ مِن الشُّهورِ عن صَومِ التَّطوُّعِ. 6- وأنّ المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ إلى رَحمةِ اللهِ والنَّجاةِ مِن النارِ، وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - القُدوةَ في ذلك؛ فقد كان يُداوِمُ على العِباداتِ والطاعاتِ، ومِن ذلك صَومُ النَّفلِ فإنَّه غيرُ مُختَصٍّ بزَمانٍ مُعيَّنٍ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 01-03-2024, 09:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

باب: في صَومِ سَرَرِ شَعبان


عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي اللهُ عنهمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ أَوْ لِآخَرَ: أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/820) باب صوم سَرر شعبان، وفيه يَحكي الصَّحابيُّ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سأَلَه -أو سَأَلَ رجلًا آخَرَ غيرَه وعِمرانُ يَسمَعُ، الشَّكُّ مِن مُطرِّفِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ أحدِ رُواةِ الحديثِ-: يا أبا فُلانٍ، صُمْتَ سَرَرَ هذا الشَّهرِ؟ فأمَرَه - صلى الله عليه وسلم - بقَضائِها بعْدَ عِيدِ الفطرِ وانتهاءِ صَومِ رمَضانَ، لتَستمِرَّ مُحافظَتُه على ما واظَبَ عليه مِن العِبادةِ، لأنَّ أحبَّ العمَلِ إلى اللهِ -تعالى- ما داوَمَ عليه صاحبُه.
قال: «فإذا أفْطرتَ فصُمْ يومين»، وفي رواية: «فإذا أفطرتَ منْ رمَضان، فصم يومين مكانه» ضبطوا «سَرر» بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي ضمها، قال: وهو جمع «سرة» ويقال: أيضا سَرار وسرار بفتح السين وكسرها، وكله من الاستسرار، قال الأوزاعي وأبو عبيد وجمهور العلماء من أهل اللغة والحديث والغريب: المراد بالسّرر آخر الشهر، سُميت بذلك لاستسرار القمر فيها.

معنى السرر في اللغة
قال القاضي: قال أبو عبيد وأهل اللغة: السرر آخر الشهر، قال: وأنكر بعضهم هذا، وقال: المراد وسط الشهر، قال: وسرار كلّ شيءٍ وسطه، قال هذا القائل: لم يأت في صيام آخر الشهر ندب فلا يحمل الحديث عليه، بخلاف وسطه فإنها أيام البيض. قال الهروي: والذي يعرفه الناس أن سرره آخره، ويعضد من فسّره بوسطه، الرواية السابقة في الباب قبله: «سرة هذا الشهر»، وسرارة الوادي وسطه وخياره، وقال ابن السكيت: سرار الأرض: أكرمها ووسطها، وسرار كل شيء: وسطه وأفضله، فقد يكون سرار الشهر من هذا. قال القاضي: والأشهر أن المراد آخر الشهر، كما قاله أبو عبيد والأكثرون. قال: وعلى هذا يقال: هذا الحديث مخالفٌ للأحاديث الصحيحة في النّهي عن تقديم رمضان بصومِ يومٍ ويومين، ويُجاب عنه بما أجاب المازري وغيره، وهو أنّ هذا الرجل كان مُعتاد الصيام آخر الشهر، أو نَذَره فتركه بخوفه من الدخول في النّهي عن تقدّم رمضان، فبينَ له النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ الصّوم المُعْتاد لا يدخل في النّهي، وإنما ننهى عن غير المعتاد، والله أعلم.

اختيار البخاري
قلت: وهو اختيار البخاري؛ حيث ترجم على هذا الحديث: باب الصّوم مِنْ آخِر الشهر، قال الزين بن المُنيِّر: أطلق الشهر، وإنْ كان الذي يتحرّر من الحديث أنّ المراد به شهر مقيد، وهو شعبان إشارة منه إلى أن ذلك لا يختصّ بشعبان، بل يُؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كلّ شهر، ليكون عادة للمُكلّف فلا يعارضه النّهي عن تقدّم رمضان بيوم، أو يومين لقوله فيه: إلا رجل كان يصوم صوماً فليَصمه اهـ.

الجمعُ بين الحديثين
وقال القرطبي: «الجمعُ بين الحديثين مُمكن بحمل النّهي على مَنْ ليست له عادة بذلك، وحمل الأمر على مَن له عادة، حملاً للمُخاطب بذلك على مُلازمة عادة الخير، حتى لا يقطع، قال: وفيه إشارة إلى فضيلة الصّوم في شعبان، وأنّ صوم يومٍ منه يعدل صوم يومين في غيره، أخذاً من قوله في الحديث: «فصم يوما مكانه» يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان. اهـ.
فوائد الحديث
  • كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ مِن الصَّومِ في شَهْرِ شَعبانَ، وكان يَحُثُّ أصحابَه على الصِّيامِ فيه.
  • سَرر الشهر آخِرَ الشَّهرِ، وسُمِّي بذلك لاسْتِسرارِ القَمرِ فيها، أي: استتارِه، وهي لَيلةُ الثَّامنِ والعِشرينَ والتاسع والعِشرين، والثَّلاثينَ إذا كان الشَّهرُ كاملًا، وقيل: سَرَرُ الشَّهرِ هي وَسْطُ الشَّهرِ، فالسَّررُ جمْعُ سُرَّةٍ، وسُرَّةُ الشَّيءِ وَسْطُه، فالمرادُ الأيَّامُ البِيضُ: الثالثَ عشَرَ، والرابعَ عشَرَ، والخامسَ عشَرَ.
  • وفيه مَشروعيَّةُ قَضاءِ صَومِ التَّطوُّعِ.
  • وفيه: تَعاهُدُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِه بالنُّصحِ والحَثِّ على الطَّاعاتِ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 01-03-2024, 09:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: إتْباعُ رَمَضَانَ بِصِيامِ سِتّةِ أيّامٍ مِنْ شَوّال


  • حث النبي صلى الله عليه وسلم المُسلمينَ على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ وبيَّن أنَّ مَن صامها مُتوالياتٍ أو مُتفرِّقاتٍ كانَ لَه مِن الأَجرِ مِثلُ ما يُعادِلُ صِيامَ العامِ كلِّه
  • صيام هذه الست بعد رمضان دليلٌ على شكر الصّائم لربّه تعالى على توفيقه لصيام رمضان وزيادة في الخَير
  • صيامُ الأيام السّتة ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال بل يصومها المُسلم في أي يومٍ منْ أيام الشّهر وله كذلك أنْ يَصُومها متتابعة أو مُتفرّقة ولكن الأفضل أنْ يُبادِر إلى صيامها عَقِبَ عيد الفطر
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/822) باب: استحباب صوم ستة أيامٍ من شوال، اتباعاً لرمضان. صحابي الحديث أبي أيوب هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، من الأنصار من بني غنم بن مالك بن النجار من الخزرج، شهد بيعة العقبة والمشاهد كلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي خصَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنزول في بيته عندما قدم إلى يثرب مهاجراً، وأقام عنده حتى بنى حُجَره ومسجده وانتقل إليها، توفي سنة 52 هـ.
حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ
قوله: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - المُسلمينَ على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ بعْدَ رَمضانَ، وبيَّن أنَّ مَن صامَ شَهرَ رَمضانَ، ثُمَّ صامَ بعْدَه ستَّةَ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ مُتوالياتٍ أو مُتفرِّقاتٍ؛ لأنَّ الإتْباعَ يَصدُقُ على التَّوالي وعَلى التَّفرُّقِ، فمَن فَعَل ذلكَ، كانَ لَه مِن الأَجرِ مِثلُ ما يُعادِلُ صِيامَ العامِ كلِّه، وهذا مِن عَظيمِ فَضلِ اللهِ عَلى عِبادِه المُسلمينَ بمُضاعفةِ الأَجرِ لَهم. ويُؤخذ هذا من قولُه -تعالى-: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأنعام: 160)، فشَهرُ رَمضانَ بمَنزلةِ عَشرةِ أَشهُرٍ، وصِيامُ ستَّةِ أيَّامٍ بعْدَ الفِطرِ تَمامُ السَّنةِ، فالعبد يستكمل بصيامها أجر صيام الدهر كله، وفي رواية أبي الشيخ: «جَعَلَ اللهُ الحَسَنةَ بعَشْر أمْثَالها: الشّهرُ بِعَشْرة أشْهر، وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة».

فضل الله -تعالى- على عباده
ومن فضل الله -تعالى- على عباده: تَتابعُ مواسم الخَيْرات، ومُضاعفة الحَسَنات، فالمؤمن يتقلّب في ساعاتِ عُمُره بين أنواع العبادات والقُربات، فلا يمضي ساعة من عمره؛ إلا ولله فيها وظيفةٌ مِنْ وظائف الطّاعات، وما إنْ يَفْرغ مِنْ عبادةٍ إلا ويشرع في عبادةٍ أخرى، فبعد انتهاء رمضان تأتي فضيلة صيام ستة أيام منْ شوال، ومَنْ صام رمضان ثمّ أتبعه ستًّا منْ شوال، كان كصيام الدهر. وصيام هذه الست بعد رمضان دليلٌ على شكر الصّائم لربّه -تعالى- على توفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخَير، كما أنّ صيامَها دليلٌ على حُبّ الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريق الصّالحات والقربات.

صيام شوال وشعبان كصلاة السُّنَن الرّواتب
وذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله في شرح هذا الحديث ما حاصله-: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السُّنَن الرّواتب قبل الصلاة المَفْروضة وبعدها، فيكمّل بذلك ما حَصَل في الفَرْض منْ خَلَلٍ ونَقْص، فإنّ الفرائض تُكمّل بالنّوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامه للفَرْض نَقْصٌ وخَلل، فيَحتاجُ إلى ما يَجْبره من الأعمال.
علامة على قَبَول صوم رمضان
وقال أيضا: إنّ معاودة الصيام بعد صيام رمضان، علامة على قَبَول صوم رمضان، فإن الله -تعالى- إذا تقبّل عملَ عبد، وفّقه لعملٍ صَالحٍ بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحَسَنة الحَسَنة بعدها، فمَن عَمل حَسنة ثمّ أتبعها بحسنةٍ بعدها، كان ذلك علامة على قَبول الحَسنة الأولى، كما أنّ مَنْ عَمِل حَسَنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة ردّ الحسنة وعدم قبولها.

ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال
وصيامُ الأيام السّتة ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال، بل يصومها المُسلم في أي يومٍ منْ أيام الشّهر، في أوله، أو في أثنائه أو في آخره، وله كذلك أنْ يَصُومها متتابعة أو مُتفرّقة، ولكن الأفضل أنْ يُبادِر إلى صيامها عَقِبَ عيد الفطر، وأن تكونَ مُتتابعة -كما ذكر أهلُ العلم-، لأنّ ذلك أبلغ في تحقيق «الإتباع» الذي جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثمّ أتْبَعه ستاً..»، كما أنّه مِنَ المُسابقة إلى الخيرات، والمسارعة في الطاعات، الذي جاءت النصوص بالتّرغيب فيه، والثّناء على فاعله. وهو أيضاً مِنَ الحَزَم الذي هو مِنْ كمالِ العبد، فإن الفُرَص لا ينبغي أنْ تُفوّت، والمرء لا يدري ما يَعْرض له منْ شواغل وقواطع، تَحُول بينه وبين العمل، فإنْ أخّرها أو فرَّقها على الشهر، حصلت له الفضيلة أيضاً.

الكلام على صحة الحديث
الحديث رواه الإمام مسلم في «الصحيح»: عن سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فهو مِنْ طريق سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْس، وقد ضعّفه بعضُ أهلِ العلم، لضَعف حفظه. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: «وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ». «سنن الترمذي» (3 / 123). ومن هؤلاء الإمام أحمد، حيث قال -رحمه الله تعالى-: «سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري ضعيف الحديث، وعبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد جميعاً ثقتان». «العلل ومعرفة الرجال» (1 / 513). ورأى ابنُ حبان أنّ ضَعفه ووهمه ليس بالفَاحش، حيثُ قال -رحمه الله تعالى-: «وكان يخطىء لم يفحش خطأه، فلذلك سلكناه مسلك العدول». «الثقات» (6 / 379). ونحوه قول ابن عدي، حيث قال -رحمه الله تعالى-: «ولسعد بن سعيد أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه». «الكامل» (4 / 389).

وأما آخرون، فقبلوا حديثه، فقد وثّقه ابن سعد، فقال -رحمه الله تعالى-: «وكان ثقة قليل الحديث دون أخيه». «الطبقات الكبرى»، وقد اعتمده مسلم كما نرى في هذا الحديث، وقد ساق له البخاري حديثاً مُسْتشهداً به (1482). وقال الذهبي -رحمه الله تعالى-: «سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى، حسنُ الحديث تابعي، ضعّفه أحمد وابن معين». «المغني» (1 / 254)، ومثل هذا الراوي غايته أنه صَدوق لكن يهم، كما قاله الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب»، ومنْ كان هذا حالُه؛ لا يهدر حديثه كله، بل يُقبل من حديثه ما تبيّن منه أنّه لمْ يهم ولم يخطئ فيه. والإمام مسلم مِنْ أئمّة علم الحديث؛ فإخراجه لحديث سعد في «الصّحيح» دليلٌ على أنه ترجّح لديه صحة هذه الرواية. وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «سلّمنا ضعفه، لكنْ مسلم إنّما احتجّ بحديثه؛ لأنه ظَهرَ له أنه لمْ يُخْطىء فيه، بقَرائنَ ومتابعات، ولشواهد دلته على ذلك، وإنْ كان قد عرف خطؤه في غيره، فكون الرجُل يُخطىء في شيءٍ؛ لا يَمْنع الاحتجاج به، فيما ظهر أنّه لم يخطىء فيه. وهكذا حُكْم كثيرٍ من الأحاديث التي خرّجَاها، وفي إسنادها مَنْ تُكلّم فيه من جهة حفظه». «تهذيب السنن» (3 / 1216).

قرائن تدل على حفظ سعد له
وهذا الحديث قد احتفت به قرائن تدل على حفظ سعد له، وعدم وهمه فيه، فقد أخذه عنه عددٌ من الحفّاظ وقبلوه منه، ورووه عنه. قال ابن عدي -رحمه الله تعالى-: «حديث سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب: «من صام رمضان...» فهو مشهور، ومدار هذا الحديث عليه، قد حدّث به عنه: يحيى بن سعيد أخوه، وشعبة والثوري، وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس. «الكامل» (4 / 388). وقال الدارقطني -رحمه الله تعالى-: «يرويه جماعة من الثّقات الحفّاظ، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيّوب. منهم: ابن جريج، والثّوريّ، وعمرو بن الحارث، وابن المبارك، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم». «العلل» (6 / 107). كما قد قوّاه أهل العلم أيضاً، بمتابعات وشواهد، يُنْظر تفصيلها بمظانّها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 02-03-2024, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم


شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم

الشيخ: د. محمد الحمود النجدي

– باب: تَرْكُ صِيامِ عَشْرِ ذِي الحِجّة


  • شَهرُ ذي الحِجَّةِ منَ الأَشهُرِ الحُرمِ وفيهِ الأيَّامُ العَشرُ والعملُ الصَّالحُ فيها له فَضلٌ عظيمٌ
  • الصّيام مِنْ أفضل الأعمال وأبرّها وهو داخلٌ في العمل الصالح المُسْتحب في هذه الأيام المباركة
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَائِماً فِي العَشْرِ قَطُّ. الحديث رواه مسلم في الاعتكاف (2/833) باب: صوم عَشر ذي الحجة، وفيه تُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ -رضي الله عنها- أنَّها ما رأتْ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صائمًا في العَشْرِ الأوائلِ مِن ذي الحِجَّةِ، وَقالت في رِوايةٍ بعدها أخرَجَها مسلِمٌ: «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لَم يَصُمِ العَشرَ»، والمُرادُ بالعَشرِ هاهُنا: الأيَّامُ التِّسعةُ مِن أوَّل ذي الحِجَّةِ، وذلك لأنَّ يومَ العيدِ يحرُمُ صيامُه كما هو معلوم.
لكن قد ثبت أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يصومها، وثبت ما يدلّ على أنّه يُستحب صيام الأيام التسعة الأولى منْ ذي الحجّة، وعلى ذلك جماهير أهل العلم، وهذه بعض الأحاديث في ذلك: ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». رواه البخاري (969)، وأبو داود (2438) واللفظ له، والترمذي (757)، وابن ماجة (1727).

الصّيام مِنْ أفضل الأعمال وأبرّها
ولا شكّ أنّ الصّيام مِنْ أفضل الأعمال وأبرّها، وهو داخلٌ في العمل الصالح المُسْتحب في هذه الأيام المباركة، بنص هذا الحديث، وقال الشوكاني -رحمه الله-: «تَقَدَّمَت أَحَادِيثُ تَدُلُّ علَى فَضِيلَةِ العَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ، والصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا». «نيل الأوطار» (4/283). وما جاء في فَضْلِ صِيامِ يومِ عَرَفةَ لغَيرِ الحاجِّ، وهو ما رَواه مسلِمٌ مرفوعاً: «صيامُ يومِ عَرَفةَ، أحتَسِبُ على اللهِ، أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبلَه، والسَّنةَ الَّتي بعدَه»، واستحبابه متأكّد، وفضله عظيم. ما روى هُنَيْدَةَ بن خالد - رضي الله عنه - عن امرأته: عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عن الجميع، قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ». قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: «إسناده صحيح» في «صحيح سنن أبي داود».

توجيه أهل العلم لحديث عائشة -رضي الله عنها
أمّا توجيه أهل العلم: لحديث عائشة -رضي الله عنها- أنّها ما رأتْ النّبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم في العَشر من ذي الحجّة. فللعلماء في هذه المسألة أقوال، منها:
  • أولا: أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرتْ بما عَلمت، وأخبرَ غيرها بخلافِ خَبرها، ومَن عَلِم حُجة على من لم يعلم. والمثبت مقدم على النافي.
  • ثانيا: أنّ القولَ مُقدّم على الفعل، وحديث ابن عباس من القول، وحديث عائشة منَ الفعل، فيقدّم القولُ لاحتمال خُصُوصية الفعل، أو لحُصول عذر، ونحوه.
قال العلامة الألباني -رحمه الله-: «القول الصّادر من الرسُول -عليه السلام- المُوجّه إلى الأمّة هو شَريعة عامة، أمّا الفعل الذي يفعله هو، فيمكن أنْ يكونَ شريعة عامّة حينما لا يُوجد مُعارض له، ويمكن أنْ يكون أمراً خاصّاً به - صلى الله عليه وسلم ».
  • ثالثا: يحتمل أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - تَرَك صيام هذه الأيام لعارض، من سفرٍ أو مرض أو شغل ونحوه، فحدّثت عائشة -رضي الله عنها- بما رأته من ذلك.
قال النووي -رحمه الله-: «وأَمَّا حَدِ
يثُ عائِشَةَ قالتْ: «ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَائِماً فِي الْعَشْرِ قَطُّ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ»، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، فقالَ العُلَمَاءُ: وهُوَ مُتَأَوِّلٌ علَى أَنَّها لَمْ تَرَهُ، ولَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ في نَفْسِ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ، والْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنهن-، أَوْ لَعَلَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ في بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وكُلَّهُ في بَعْضِها، ويَتْرُكُهُ فِي بَعْضِها لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ». «المجموع» (6/441).
  • رابعا: أنْ يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يترك صيام هذه الأيام أحياناً؛ لأنّه كان يحبّ أنْ يفعل العمل ويتركه، خشية أنْ يفرض على الأمة، كتركه صلاة التراويح جماعة بأصحابه في رمضان، وربّما ترك الشيء وسهّل فيه شفقة على الأمة.
فقد روت عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ». رواه البخاري (1128)، ومسلم (718). قال الحافظ -رحمه الله-: «واسْتُدِلَّ بِهِ - أي بحديث ابن عباس - عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي العَمَلِ، ولَا يَرد عَلَى ذَلِكَ ما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وغَيْرُهُ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَائِماً الْعَشْرَ قَطُّ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ، وهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ». «فتح الباري» (2/460).
  • خامسا: أنّها نفت صيامه - صلى الله عليه وسلم - على وجه الوجوب: قال الأثرم: فأمّا حديث عائشة الأول، فإنّه ليس فيه بيان مذهب، وذلك أنّها لمّا حَكت أنّها لمْ تَره صائم العشر، فقد يكون ذلك على أنّها لم تَرَه هي، ورآه غيرها، وذلك أنّه إنّما كان يكون عندها في الأيام يوماً، وقد يكون ذلك على أنْ يكون لمْ يَصمْ العَشر على أنّه ليس بواجب، ومَنْ صَامه فله فضل، فليس في هذا بيان، «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص 180).
  • سادسا: تأويل حديث حفصة -رضي الله عنها- المُثْبت للصوم: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة»، بأنّ المراد به اليوم التاسع فقط.
ويُجاب عنه بأن الحديث عند النسائي بلفظ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ العَشْرَ»، سنن النسائي (2418).
هل صام النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ذي الحجة كاملة
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: هل ورد عن الرسُول - صلى الله عليه وسلم - صيام عشر ذي الحجة كاملة؟ فأجاب: «ورد عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما هو أبلغُ مِنْ أنْ يَصُومها، فقد حثّ على صِيامها بقوله -عليه الصّلاة والسلام-: «ما مِنْ أيامٍ العَملُ الصّالح فيهنّ أحبّ إلى الله، مِنْ هذه الأيام العشر»، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجُلٌ خرج بنفسه وماله فلمْ يَرجع منْ ذلك بشيء»، ومِنَ المعلوم أنّ الصّيام من أفضل الأعمال الصّالحة.
فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه
أمّا فعله - صلى الله عليه وسلم - هو بنفسه: فقد جاء فيه حديثان: حديث عائشة، وحديث حفصة، أمّا حديث عائشة فقالت: «ما رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - صام العشر قط»، وأمّا حديث حفصة فإنّها تقول: «إنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لمْ يكنْ يدع صيامها»، وإذا تعارض حديثان، أحدهما: يثبِت، والثاني: ينفي، فالمثبتُ مُقدّم على النافي، ولهذا قال الإمام أحمد: حديث حفصة مثبت، وحديث عائشة نافي، والمثبت مقدم على النافي.
قاعدة مهمة
وأنا أريد أن أعطيك قاعدة: إذا جاءت السّنُّة في اللَّفظ، فخُذْ بما دلَّ عليه اللّفظ، أمّا العمل فليس في الشّرط أنْ نَعلم أنّ الرسُول فعله، أو فعله الصّحابة، ولو أنّنا قلنا: لا نَعملُ بالدليل، إلا إذا علمنا أنّ الصّحابة عَمِلوا به، لفاتَ علينا كثيرٌ منَ العبادات، ولكنْ أمامنا لفظ، وهو حُجّة بالغة واصل إلينا، يجبُ علينا أنْ نَعْملَ بمدلوله، سواءً علمنا أنّ الناسَ عَمِلوا به فيما سبق، أمْ لم يعملوا به». «لقاء الباب المفتوح» (92 /12).
فوائد الحديث
1- الحَديثُ قد يُفهَمُ مِنه كَراهةُ صومِ العَشرِ، لكن قدْ جاءَ ما يدُلُّ على فَضلِ العَملِ الصَّالحِ- ويَدخُلُ فيهِ الصَّومُ- في هَذه العَشرِ. 2- عَدمُ صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَذه الأَيَّامَ، لاحْتمالِ أنْ يَكونَ ذلكَ لكونِه كان يَترُكُ العَملَ وهوَ يُحِبُّ أنْ يَعمَلَه، خَشيةَ أنْ يُفرَضَ عَلى أُمَّتِه، أو أنّه كان يَصُومها أحياناً. 3- شَهرُ ذي الحِجَّةِ منَ الأَشهُرِ الحُرمِ، وفيهِ الأيَّامُ العَشرُ في أوَّلِه، والعملُ الصَّالحُ فيها له فَضلٌ عظيمٌ، وفيها يومُ عَرفةَ في التَّاسعِ مِنها، وفيها يومُ عيدِ الأَضْحى يومُ العاشرِ، وقد وَردتْ رِواياتٌ في فَضلِها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 193.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 187.42 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]