اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858781 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393170 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215588 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 20-03-2024, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان




اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
الخنساء تماضر بنت عمرو.. الصحابية الشاعرة (11)


الجزيرة نت


تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلمية، صحابية جليلة وشاعرة مخضرمة، اشتهرت بالوفاء وقوة الشخصية وصلابة الموقف، وعرفت بتشبيه لها بالبقرة الوحشية في حسن عينيها وارتفاع أرنبتيها، وولدت وعاشت في الجاهلية، وأدركت الإسلام واعتنقته فخلدها شعرها ومواقفها.
المولد والنشأة

لا يوجد للخنساء تاريخ ميلاد مضبوط يركن إليه، غير أن الثابت أنها ولدت بنجد في الجاهلية، وعاشت فيها أكثر عمرها، في كنف بيت سُلمي عُرف بالوفرة والمنعة.
وكانت الخنساء وحيدة لأب عزيز وأخوين كريمين، وأحيطت بعناية كاملة ورعاية فائقة، فتربت على ما تتربى عليه فضليات فتيات العرب من الأخلاق، مثل عزة النفس ورعاية البيت وخدمة رجالهن، وزادت بالشعر فكانت من نوادر شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام.
ولم تخرج الخنساء من كنف أهلها إلا إلى المحيط القريب، فرفضت الزواج من دريد بن الصمة الجشمي حتى تنال أحد أبناء عمومتها، وهو ما أدركته لاحقا حين تزوجها رواحة بن عبد العزيز السلمي، ومن بعده مرداس بن أبي عامر السلمي.
إسلامها
جاءت الخنساء ضمن وفد قومها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة من الهجرة، فأسلمت وحسن إسلامها وثبتت صحبتها.
ولم تزل تدافع عن الإسلام وتحض أبناءها على الجهاد حتى استشهد 4 منهم في معركة القادسية.

بلاغتها وشعرها


عرفت الخنساء ببلاغتها وصدق عاطفتها ووضوح معانيها وجزالة عبارتها في النثر والشعر، فمن نثرها الخالد وصيتها لأبنائها الأربعة حين تأهبوا للغزو.
فقالت لهم "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية".
ثم تلت قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 200)، وقالت "فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة".
وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "ألم يطل بكاؤك على أخويك؟" فردت عليه "بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت شفقة عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية".
كانت الخنساء من أقوى النساء شعرا وأشاد بشعرها عدد من أبرز الشعراء ومنهم النابغة الذبياني (شترستوك) ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
أما عن الشعر فيروى أن موهبة الخنساء الشعرية برزت في حداثة سنها، إلا أنها كانت تقتصر في قرضه على بيت أو بيتين أو ثلاثة في هزل أو فخر.
إلى أن قتل أخواها معاوية وصخر في معركتين متقاربتين، فجاشت عاطفتها وجادت قريحتها بالرثاء والتفجع والبكاء عليهما شعرا محكما، فبدأت حينئذ شهرتها.
وكان غرض الرثاء طاغيا على ديوانها فتقول في رثاء صخر:


أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد وساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدوا بأيديهمُ إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهمُ من المجد ثم مضى مصعدا
يكلفه القوم ما عالهم وإن يكن أصغرهم مولدا
نرى المجد يهوي إلى بيته يرى أفضل الكسب أن يحمدا
وتقول في الفخر به وتعداد خصاله:
وإن صخرا لحامينا وسيدنا وإن صخرا إذا نشتو لنحار
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وتقول في رثاء أخيها الآخر معاوية:
ألا لا أرى في الناس مثل معاويه إذا طرقت إحدى الليالي بداهيه
ألا لا أرى كالفارس الجون فارسا إذا ما عرته جرأة وغلانيه
وكان لزاز الحرب عند نشوبها إذا شمرت عن ساقها وهي ذاكيه
بلينا وما تبلى تعار وما ترى على حدث الأيام إلا كما هيه
أما استشهاد أبنائها الأربعة فجاء بعد أن تمكن الإيمان من قلبها، وتقدمت سنها وتجربتها فلم تزد فيه على الكلمة المذكورة في نثرها.
أقوال الشعراء والأدباء عنها

يقول النابغة الذبياني "الخنساء أشعر الإنس والجن".
ويقول جرير "أنا أشعر الشعراء لولا الخنساء".
ويقول بشار بن برد "شعر المرأة يبين ضعفها إلا الخنساء، لأنها أقوى من الرجال".
ويقول ابن قتيبة "مما لا شك فيه أن من تبع الخنساء من شعراء الرثاء وشواعره اغترفوا جميعا من بحرها الفياض بفيض العاطفة البشرية".
ويقول المبرد "كانت الخنساء وليلى بائنتين في أشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول".
وقد عدها ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء من أصحاب المراثي بعد متمم بن نويرة.
وفاتها
بعد عمر مديد عاشت أوله في الجاهلية وآخره في الإسلام، وذاقت فيه حلو الحياة ومرها وتقلبت بين عسرها ويسرها، توفيت الخنساء ببادية نجد سنة 24 للهجرة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 22-03-2024, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سيدنا معاوية بن أبي سفيان رغم أنف المشوهين والحاقدين
(12)


د. خالد النجار


قديمًا وحديثًا وطوال التاريخ والشيعة يشوهون سيرة سيدنا معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقد استطاعوا جذب الليبراليين والعلمانيين وكل ناعق، هذا الملك العظيم الذي قاد الأمة الإسلامية عشرين عامًا، وحكم ثلث الأرض، ودانت له القلوب المؤمنة، بخلاف النفوس الحاقدة التي تتميز غيظًا منه لحسن سيرته وسياسته.
♦ الصحابي الجليل الذي شملته بركة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ))؛ [البخاري].
♦ كاتب الوحي رضي الله عنه، ومؤسس دولة بني أمية، ودومًا مؤسس أي دولة يكون شخصية متميزة حادة الذكاء، فلقد حكم معاوية رضي الله عنه الشام ٤٠ سنة، وكان محبوبًا جدًّا، وكان رجلًا داهيةً سياسيًّا.
♦ قال الذهبي: كان رجلًا طويلًا، أبيض، جميلًا، مهيبًا، أجلح [أصلع بجانبَي رأسه].
♦ ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم في عام (7هـ) وأخفى إسلامه حتى فتح مكة (8هـ) خوفًا من أبيه، ولم يظهره إلا في فتح مكة؛ ولذلك ظن كثير من المؤرخين أنه من مسلمِي الفتح.


♦ روي عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية، ولكن كتمت إسلامي من أبي، ثم علم بذلك فقال لي: هذا أخوك يزيد، وهو خير منك على دين قومه، فقلت له: لم آل نفسي جهدًا.
قال معاوية: ولقد دخل عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة في عمرة القضاء، وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته فرحَّب بي، وكتبت بين يديه.
♦ قال الواقدي: وشهد معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينًا، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب، وزنها بلال، وشهد اليمامة.
♦ لم يُعرف عنه قبل الإسلام أذًى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بيد، ولا بلسان.
♦ وهو من مشاهير الصحابة وفضلائهم رضي الله عنهم جميعًا، دعا له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
♦ أخرج البخاري في التاريخ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمعاوية رضي الله عنه: ((اللهُمَّ علِّمْه الكتاب والحساب وقِهِ العذاب)).
♦ وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهده بالرحمة، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أوَّلُ هَذَا الْأمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً))؛السلسلة الصحيحة 3270.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكانت إمارة معاوية ملكًا ورحمةً.


♦ وقد ثبت في صحيح مسلم: من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك بن الوليد، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إلى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: ((نَعَمْ)) [لكن الرواة مجمعون على وهم راوي الحديث عكرمة بن عمار، وأن المقصود عزة بنت أبي سفيان، وأن الرسول قال: ((إن ذلك لا يحل لي))؛ لأن عنده أختها أم حبيبة بنت أبي سفيان التي زوجها النجاشي من رسول الله سنة ست بالحبشة] قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: ((نَعَمْ)).
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ: نَعَمْ.
♦ روى مسلم عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً [صفعني على رقبتي] وَقَالَ: ((اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ))، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: ((اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ)) قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: ((لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ)).
وروى مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
♦ ومن الأحاديث الدالة على فضله ما رواه البخاري رحمه الله، عن أُمِّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا)) [فعلوا فعلًا وجبت لهم به الجنة]، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: ((أَنْتِ فِيهِمْ)) [وكان ذلك جيش معاوية وبقيادته لفتح قبرص في خلافة عثمان رضي الله عنهما]، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ [القسطنطينية] مَغْفُورٌ لَهُمْ)) فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((لَا)).


وفي رواية للبخاري عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ [ظهر هذا البحر ووسطه] مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْل الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ)) [يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم]، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: ((أَنْتِ مِن الْأَوَّلِينَ))، فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ.
♦ ومعاوية خال المؤمنين، أخو أمِّ المؤمنين أمِّ حَبيبة رَمْلة بنت أبي سفيان رضي الله عنها؛ ولذلك قال الإمام أحمد: أقول: معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين.
وعن عبدالملك بن عبدالحميد الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلَّا صِهْرِي وَنَسَبِي؟))، قال: بلى! قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهرٌ ونسبٌ.
♦ وروى الطبراني عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قالت: لما كان يوم أم حبيبة من النبي دق الباب داقٌّ، فقال النبي: ((انظروا من هذا؟))، قالوا: معاوية، فقال: ((ائذنوا له)) ودخل وعلى أذنه قلم له يخط به، فقال: ((ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟))، قال: أعددته لله ولرسوله، قال: ((جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله عز وجل، وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله عز وجل، كيف بك لو قد قمصك الله قميصًا)) يعني: الخلافة، فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه، فقالت: يا رسول الله، وإن الله مقمص أخي قميصًا؟ قال: ((نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات))، فقالت: يا رسول الله، فادع له فقال: ((اللهم أهْدِهِ بالهدى، وجنبه الردى، واغفر له في الآخرة والأولى))؛ قال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن هشام إلا عبدالله بن يحيى تفرَّد به السري.


♦ ولاه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض عمله، فكان يكتب له، ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان حتى مات يزيد.
♦ كان معاوية محاربًا في موقعة اليرموك وفتح الشام، ثم ولاه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فتح قيسارية، وكتب إليه: أما بعد: فقد وليتك قيسارية فسِرْ إليها، واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير.
فسار إليها فحاصرها، وزاحفه أهلها مرات عديدة، وكان آخرها وقعة أن قاتلوا قتالًا عظيمًا، وصمَّم عليهم معاوية، واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه، فما انفصل الحالُ حتى قتل منهم نحوًا من ثمانين ألفًا، وكمَّل المائةَ الألفِ من الذين انهزموا عن المعركة، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه... وكان عمر معاوية وقتها 33سنة، وكانت سنة 15هـ.
♦ قال ابن كثير: انعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين، فلم يزل مستقلًّا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.


لكن لا بد أن نتفطَّن للكثير من الروايات التي فيها محاذير كثيرة ووقفات في طياتها عديدة حتى ولو كانت في مجملها تحمل ثناءً لمعاوية رضي الله عنه، فمن أشهرها:
♦ بعد طاعون عَمَواس وموت كثير من القادة وعظماء الصحابة ولى عمر معاوية الشام، يقول أهل التاريخ: لما ولى عمر يزيد بن أبي سفيان ما ولَّاه من الشام، خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيت صار ابنك تابعًا لابني؟ [كان يزيد ولد أبي سفيان من غير هند] فقالت: إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني، فلما مات يزيد بن أبي سفيان سنة بضع عشرة، وجاء البريد إلى عمر بموته، رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد، ثم عزَّى أبا سفيان في ابنه يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين، من ولَّيْت مكانه؟ قال: أخاه معاوية، قال: وصلت رحمًا يا أمير المؤمنين.
ووصَّتْه أمُّه هند بقولها: والله يا بني، إنه قَلَّ أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحبَبْت وكرهت.
وقال له أبوه: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخَّرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادةً وسادةً، وصرنا أتباعًا، وقد ولَّوك جسيمًا من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد، فنافس، فإن بلغته أورثته عقبك.
فلم يزل معاوية نائبًا على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان، وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص، وسكنها المسلمون قريبًا من ستين سنة في أيامه ومن بعده، ولم تزل الفتوحات والجهاد قائمة على ساق في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها.... لكن هذه الرواية فيها شكوك كثيرة؛ لما فيها من طعن في أبي سفيان رضي الله عنه؛ حيث يظهره بمظهر الحريص على الزعامة، وأن حزنه لتأخُّره في الإسلام كان من أجل الدنيا، وأنه يحث ابنه على المنافسة في هذه الزعامة، وتحريضه على توريث الحكم.


♦ لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقَّاه معاوية في موكب عظيم كثيف، فاجتاز بعمر وهو وعبدالرحمن بن عوف راكبان على حمار، ولم يشعر بهما، فقيل له: إنك جاوزت أمير المؤمنين، فرجع، فلما رأى عمر ترجَّل، فلما دنا من عمر قال له عمر: أنت صاحب الموكب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: هذا حالك مع ما بلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: هو ما بلغك من ذلك.
قال: ولم تفعل هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافيًا إلى بلاد الحجاز، قال: يا أمير المؤمنين، إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن نُظهِر من عِزِّ السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ويرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت.
فقال له عمر: يا معاوية، ما سألتك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس [جمع راجبة: وهي ما بين عقد الأصابع من داخل؛ أي: أضيق ما يكون]، لئن كان ما قلت حقًّا إنه لرأي أريب، وإن كان باطلًا إنه لخدعة أديب.
قال: فمرني يا أمير المؤمنين بما شئت، قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه؟! فقال عمر: لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه.
ولكن، هل كان معاوية رضي الله عنه مشغولًا عن رعيَّته بالطعام والشراب؟! وهل يعقل ألا يثق عمر في كلام معاوية رضي الله عنهما، فيقول له: «لئن كان ما قلت حقًّا، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلًا إنه لخديعة أديب»؟!
معاوية في عيون أئمة الأمة

• قال الإمام الذهبي: معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين، ملك الإسلام، أبو عبدالرحمن، القرشي، الأموي، المكي.
• قال عنه عبدالله بن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: ما رأيتُ رجلًا كان أخْلَقَ للمُلْك من معاوية.
• عيَّنه عمر أميرًا على الشام وكذلك كان أميرًا في عهد عثمان رضي الله عنهم. قال الإمام الذهبي رحمه الله: حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ -وَهُوَ ثَغْرٌ- فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ.
• قال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا، ولا أكثر سؤددًا، ولا أبعد أناةً، ولا ألين مخرجًا، ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية.
• عن عبدالله بن الزبير أنه قال: لله در ابن هند (يعني معاوية) إنا كنا لنفرقه [نخافه] وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتِّعنا به ما دام في هذا الجبل حجر وأشار إلى أبي قبيس.


• سئل المعافى بن عمران: أيهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فغضب وقال للسائل: أتجعل رجلًا من الصحابة مثل رجل من التابعين؟ معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وَحْي الله.
• وسُئل عبدالله بن المبارك رحمه الله أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل من عمر بألف مرة، صلَّى معاوية خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟
• ذُكر عمر بن عبد العزيز وعدله عند الأعمش، فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟! قالوا: يا أبا محمد، يعني في حلمه؟ قال: لا واللهِ، بل في عدله.
• وقال الضحاك بن قيس: إن معاوية كان عود العرب، وجدَّ العرب، قطع الله عز وجل به الفتنة، وملَّكه على العباد، وفتح به البلاد.
• روى الإمام أحمد عن أَبي عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكُمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَعْلَاهُ طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ)؛ إسناده حسن.
• روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن علي بن أبي حملة عن أبيه قال: رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه ثوب مرقوع.
• وأخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الحميري الزاهد -وهو من شيوخ الأوزاعي- قال: رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفًا، وعليه قميص مرقوع الجيب يسير في أسواق دمشق.


• قال سعد بن أبى وقاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب؛ يعني معاوية.
• وعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: ما رأيت رجلًا أخلق بالملك من معاوية.
• وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال: ما رأيت أحدًا أسود (من السيادة) من معاوية.
• وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال لأهل الشام: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إمامكم هذا (يعني: معاوية).
• أخرج الطبراني عن سعيد المقبري، قال: قال عمر بن الخطاب: تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية!
• قال عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لما ولَّاه الشام: لا تذكروا معاوية إلا بخير؛ فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (اللهم اهد به).
• روى البخاري في الصحيح أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لم يكن من ملوك الإسلام ملكٌ خيرًا من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرًا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى من بعده.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: واتفق العلماء أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك، كان ملكه ملكًا ورحمة.
• يقول الأستاذ منير الغضبان في كتابه الرائع «معاوية بن أبي سفيان»: أنا أعتذر لمعاوية، لأني على ثقة أنه كان يقصد الحق، ولا يضيره بعد ذلك أن يكون أصاب الحق أم أخطأه.
أما أنه كان يعرف نفسه أنه على باطل ويقاتل عليه فهذا كلام مرفوض؛ لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهد للطائفتين أنهما يقصدان الحق، وعلي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- والمسلمون معه أصابوه، ومعاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- والمسلمون معه أخطؤوه. وذلك كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ).
والحديث في رواية الإمام أحمد له تتمَّة قيمة ونصُّه: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَقْتُلُهَا أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ).
والمارقة التي خرجت قد قاتلها علي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وهم الخوارج.
والحديث الصحيح الذي ورد في مقتل عمار بن ياسر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (يا عمار، تقتلك الفئة الباغية) يؤكد أن الفئة الباغية هي فئة معاوية، ولكنه لا يعني أبدًا أن معاوية والمسلمين معه يعرفون ذلك ويُصِرُّون على البغي.


وأعود لأقول ما قاله أهل السنة والجماعة في هذا الصدد في «كتاب العواصم من القواصم»: أهل السنة المحمدية يدينون لله على أن عليًّا ومعاوية ومن معهما من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا جميعًا من أهل الحق، وكانوا مخلصين في ذلك، والذي اختلفوا فيه إنما اختلفوا عن اجتهاد، كما يختلف المجتهدون في كل ما يختلفون فيه، وهم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتَي الإصابة والخطأ، وثواب المصيب أضعاف ثواب المخطئ، وليس بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بشر معصوم عن أن يخطئ، وقد يخطئ بعضهم في أمور ويصيب في أخرى، وكذلك الآخرون، ومن مرق عن الحق في إثارة الفتنة الأولى على عثمان لا يعد من إحدى الطائفتين اللتين على الحق، وإن قاتل معها والتحق بها؛ لأن الذين تلوَّثت أيديهم ونياتهم وقلوبهم بالبغي الظالم على أمير المؤمنين عثمان -كائنًا من كانوا- استحقوا إقامة الحد الشرعي عليهم سواء استطاع وليُّ الأمر أن يقيم عليهم هذا الحد أو لم يستطع، وفي حالة عدم استطاعته فإن مواصلتهم تسعير القتال بين صالحي المسلمين كلما أحسُّوا منهم بالعزم على الإصلاح والتآخي -كما فعلوا في وقعة الجمل وبعدها- يعد إصرارًا منهم على الاستمرار في الإجرام ما داموا على ذلك.
فإن قلنا: إن الطائفتين كانتا من أهل الحق فإنما نريد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذين كانوا من الطائفتين ومن سار معهم على سنته -صلى الله عليه وآله وسلم- من التابعين، ونرى أن عليًّا المبشر بالجنة أعلى مقامًا عند الله من معاوية خال المؤمنين وصاحب رسول الله رب العالمين، وكلاهما من أهل الخير وإذا اندسَّ فيهم طوائف من أهل الشر فإن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يَرَهُ.
• وفي حديث فيه ضعف رواه الإمام أحمد عن سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّئُوا»، قَالَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ نَظَرَ إِلَيَّ، فَقَالَ: «يَا مُعَاوِيَةُ، إِنْ وُلِّيتَ أَمْرًا فَاتَّقِ اللَّهَ، وَاعْدِلْ»، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ أَنِّي مُبْتَلًى بِعَمَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وُلِّيتُ، مَنْ كعليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما؟!
• محاولة ترجيح كِفَّة صحابي على صحابي محاولة سيئة، (أسوء ما فيها أنها تضع أفضل أجيال الأمة بين أشداق السفلة، وتجرئ الجيل الحالي مع ضعفه العقدي؛ على الخوض في أعراض من رضي الله عنهم)؛ وهذا سوء مخيف؛ وعواقبه تصل إلى الجرأة على كل رموز ومُقدَّسات الأُمَّة!


• مَن كأبي الحسن والحسين (علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، في بذله وعطائه وتضحيته وجهاده في سبيل ربه، الخليفة الراشد، والفقيه العابد، والإمام الزاهد؟ أسلم أولًا، وصاحب ثانيًا، وهاجر ثالثًا، واستمر على العهد رابعًا وخامسًا وسادسًا، يكفي لفضله ذكر اسمه، لتأتي فضائله للأذهان تباعًا تباعًا!
• ومَن كمعاوية الصحابي الجليل، والخليفة الموفق، والقائد المسدد، والرجل الذي اشتهر حلمه وعفوه، وطار في الآفاق خبر حنكته وفطنته؟
وصفه الإمام النووي بقوله: (وأما معاوية فهو من العدول الفضلاء، والصحابة النجباء)، وكان الرجل يقول لمعاوية: (واللهِ لتستقيمنَّ بنا يا معاويةُ، أو لنُقومنَّك)! وهو الخليفة الأعظم؛ فيقول: (بماذا؟)، فيقول: (بالخشب)! فيقول: (إذًا نستقيم)! وأخبار خلافته زاخرة بالعلم، واتساع رقعة الإسلام، والانتصار لكيان الأمة المسلمة!
• علي ومعاوية -رضي الله عنهما- صحابيان جليلان، عقيدتنا -أهل السنة والجماعة- فيهما؛ هي حبُّهما والترضِّي عنهما، والشهادة لهما بالعدالة، وعدم الغلوِّ فيهما، أو ادِّعاء ما ليس لهما؛ فهما مع فضلهما ليس بنبيِّين، ولا بمعصومَين، ويجوز منهما الخطأ والصواب، لكن الخطأ منهما مغمور في بحار حسناتهما، ولا يجوز لنا الخوض فيما حصل بينهما، وندع ذلك لربِّ العالمين، نتمثل في حقهما وحق الصحابة أجمع: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134].
• هذه عقيدتنا؛ فمن فارقها فارقناه، ومن خاض في عرض عليٍّ ومعاوية اتهمناه، ومن لمز وهمز في أحدهما كرهناه وأبغضناه؛ ذلك أنهما أحبَّا رسولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحبهما، ومات -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو راضٍ عنهما، ونحن تبعٌ لنبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا خير فينا إن لم نكن له تبعًا، ولرضاه نسعى رغبًا وطمعًا.
اللهم ارض عن علي ومعاوية وسائر صحابة نبيِّك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجمعنا بهم في جنات النعيم، وأسلم قلوبنا وألسنتنا لهم، ولا تجعلنا مع القوم الجاهلين، وجنبنا طرق الهالكين، واجعل سبيلنا سبيل عبادك المؤمنين العادلين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 22-03-2024, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
نور الدين زنكي وحراسة بلاد الإسلام (13)


أ.د. راغب السرجاني

  • ملخص المقال

    من أبرز شخصيات الدولة الزنكية نور الدين محمود؛ إذ تحفل سيرته بجهاد طويل ضد الصليبيين، وضد الدولة العُبيدية في سبيل نصرة الإسلام، ورفع رايته.



  • من أبرز شخصيات الدولة الزنكية نور الدين محمود؛ إذ تحفل سيرته بجهاد طويل ضد الصليبيين، وضد الدولة العبيدية في سبيل نصرة الإسلام، ورفع رايته.
    وُلِدَ نور الدين محمود في يوم الأحد 17 شوال سنة 511هـ= 1118م بحلب، وقد نشأ في كفالة والده صاحب حلب والموصل وغيرهما، تعلم القرآن والفروسية والرمي، وكان شهمًا شجاعًا ذا همة عالية.

  • اعتنى نور الدين بمصالح الرعية، فأسقط ما كان يؤخذ من المكوس، وأعطى عرب البادية إقطاعيات لئلا يتعرضوا للحجاج، وقام بتحصين بلاد الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها العادلية والنورية ودار الحديث، ويعتبر نور الدين أول من بنى مدرسة للحديث، وقام نور الدين ببناء الجامع النوري بالموصل، وبنى الخانات في الطرق، وكان متواضعًا مهيبًا وقورًا، يكرم العلماء، وكان فقيهًا على المذهب الحنفي، فكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام يحضر الفقهاء عنده، ويأمر بإزالة الحُجَّاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عمّا يُشكل عليه.
    يقول ابن كثير: كان متبعًا للآثار النبوية، محافظًا على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة محبًّا لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يُسمَع منه كلمةُ فُحشٍ قطّ في غضب ولا رضى، صموتًا وقورًا.

  • اتصف نور الدين محمود بعدد من الصفات مكنته من تحقيق ذلك النجاح الباهر في بناء وإدارة دولة واسعة منها: شعوره بالمسئولية الملقاة على عاتقه، واعتماده الحلول العقلية، وقوة شخصيته، كما تمتع بخصائص عسكرية فذة جعلته من أعظم قادة زمانه، ومكنته من تحويل جيشه الصغير إلى أعظم قوة عسكرية في الشرق الأدنى، كما كان رياضيًّا من الطراز الأول مولعًا بضرب الكرة "البولو" خدمة للأغراض الدينية، ومارس أيضًا رياضة الصيد، وكان تقيًّا ورعًا شغوفًا بالعلم، معظمًا للعلماء، وكان يختار رجال دولته بعناية فائقة، منح المؤسسة القضائية استقلالًا تامًّا، وأنشأ دار العدل التي كانت بمنزلة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين في الدولة، تحرى العدل وأنصف المظلوم من الظالم دون النظر إلى الفوارق الاجتماعية، كما كان حريصًا على تأمين الخدمات الاجتماعية لرعيته.
    كان نور الدين محمود وهو في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منذ أن تسلم الحكم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجب الجهاد لتحرير الأرض من الصليبيين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس، وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن الانتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير حافل بالتضحيات في خطوات متتابعة تقرب كل منها يوم الحسم.

  • فالخطوة الأولى التي كان قد بدأها والده عماد الدين زنكي حين حرَّر إمارة الرها التي تشكِّل تداخلًا مع الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأراضي الداخلية وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية، لذلك وضع أسس سياسة متكاملة تتضمن توحيد بلاد الشام أولًا، ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي كانت تعاني من الاضطرابات وفوضى الحكم ثانيًا، وطرد الصليبيين من المنطقة ثالثًا، وكان التوحيد في نظره يتضمن توحيد الصف والهدف في آن واحد، فأما توحيد الصف فهو جمع بلاد الشام ومصر في إطار سلطة سياسية واحدة، وأما توحيد الهدف فهو جمع المسلمين تحت راية مذهب واحد هو مذهب أهل السنة، وكان كلَّما توغل في خضم الجهاد، وتقدم به الزمان يزداد اقتناعًا بصواب هذه السياسة، وكان سبيله إلى ذلك مزيجًا من العمل السياسي والمعارك العسكرية التي تخدم توحيد الصف والهدف.
    ولكن لم تكن الأمور مستقرة أبدًا على الجبهة الداخلية، فقد كانت مراكز القوى المتنافسة في العالم الإسلامي كثيرة، وكانت هذه المنافسة تأخذ أحيانًا شكلًا حادًّا وعنيفًا، غير أن خطر الصليبيين دفع القوى الإسلامية في أحيانٍ كثيرة إلى دفن خلافتها وتجاوز منافساتها، وكانت بعض القوى الإسلامية تقوم بدور الوساطة أحيانًا، لجمع الكلمة وتوحيد الجهد ضد أعداء الدين، ومثال ذلك ما حدث سنة 560هـ= 1164م عندما وقع خلاف حاد بين نور الدين محمود بن زنكي وبين صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان أدى إلى الحرب والتضاغن، فلما بلغ خبر ذلك إلى مصر، كتب وزير صاحب مصر- الصالح بن رزيك - إلى قلج أرسلان ينهاه عن ذلك، ويأمره بموافقة نور الدين واتّباعه، وكان لذلك دوره في إخماد ثائرة الفتنة التي كان للروم دورهم فيها بتحريض قلج أرسلان لصرف نور الدين عن جهاد الصليبيين.

  • وفي سنة 562هـ= 1166م، أعلن (صاحب مَنْبج) واسمه غازي بن حسان المنبجي عصيانه، وتمرد على نور الدين الذي كان قد عينه على حكم منبج، فما كان من نور الدين إلاّ أن وجه إليه قوة عملت على حصاره، ثم إخراجه من منبج التي أسند نور الدين حكمها إلى أخيه قطب الدين الذي عين (ينال بن حسان) لإدارة الحكم فيها، وكان عادلًا خيرًا محسنًا إلى الرعية، جميل السيرة فبقي فيها إلى أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 572هـ= 1177م.
    وكانت معظم ديار بكر وحصن كيفا تحت حكم فخر الدين أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق، وتصادف أن مرض سنة 562هـ= 1166م، وشعر باقتراب منيته، فكتب إلى نور الدين محمود رسالة جاء فيها: "إن بيننا صحبةً في جهاد الكفار، أريد أن ترعى بها ولدي". وما لبث فخر الدين أرسلان أن توفي، وخلفه من بعده ابنه محمد، فقام نور الدين بحمايته والدفاع عنه، وكان قطب الدين مودود صاحب الموصل وشقيق نور الدين قد طمع بضم أملاك فخر الدين أرسلان إلى أملاكه، ووجه جيشًا لهذه الغاية، فأسرع نور الدين وكتب رسالة إلى أخيه قطب الدين جاء فيها: "إن قصدت أو تعرضت لبلاده منعتُك قهرًا" فامتنع قطب الدين عن تنفيذ ما كان يريده.

  • وجاءت سنة 565هـ= 1169م حاملة معها مزيدًا من المتاعب لنور الدين، فقد وقعت زلازل عظيمة متتابعة هائلة، لم ير الناس مثلها، وعمت أكثر البلاد من الشام والجزيرة والموصل والعراق وغيرها من البلاد، وكان أشدها بالشام، حيث خربت كثيرًا من دمشق وبعلبك وحمص وحماة وشيزر وبعرين وحلب وغيرها، وتهدمت أسوارها وقلاعها، وسقطت الدور على أهلها، وهلك منهم ما يخرج عن الحد، فلما علم نور الدين الخبر، سار إلى بعلبك ليعمر ما انهدم من سورها وقلعتها، فلما وصلها أتاه خبر باقي البلاد، وخراب أسوارها وقلاعها، وخلوها من أهلها، فجعل ببعلبك من يعمرها ويحفظها، وسار إلى حمص، ففعل مثل ذلك، ثم حماه، ثم إلى بعرين، وكان شديد الحذر على سائر البلاد من الصليبيين، ثم أتى مدينة حلب، فرأى فيها من آثار الزلزلة ما ليس بغيرها من البلاد، فإنها كانت قد أتت عليها، وبلغ الرعب ممن نجا كل مبلغ، فكانوا لا يقدرون على اللجوء إلى مساكنهم خوفًا من عودة الزلزلة، فأقام بظاهرها، وباشر عمارتها بنفسه، فلم يزل كذلك حتى أحكم أسوار البلاد وجوامعها.

  • ولم يكد نور الدين يفرغ من إصلاح ما دمرته الزلازل حتى جاءه ما يشغله عن نفسه، فقد توفي أخوه قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل - وهو بالموصل - وأوصى بالملك من بعده لابنه الأكبر عماد الدين زنكي الثاني، ثم عدل عن وصيته قبل وفاته فأوصى أن يئُول ملكه إلى ابنه الأصغر سيف الدين غازي الثاني، وكان السبب في ذلك تدخل القيّم بأمور دولته والمقدم فيها - فخر الدين عبد المسيح - والذي كان يكره عماد الدين؛ لأنه كان طوع عمه نور الدين بكثرة مقامه عنده، ولأنه زوج ابنته، وكان نور الدين بدوره يكره عبد المسيح ويبغضه، فاتفق فخر الدين وخاتون ابنة حسام الدين - وهي والدة سيف الدين الثاني - على صرف المُلك عن عماد الدين إلى سيف الدين، فلما توفي قطب الدين مودود، دخل ولده عماد الدين إلى عمه نور الدين مستنصرًا به ليعينه على أخذ الملك لنفسه.
    كان نور الدين يبغض فخر الدين عبد المسيح بسبب خشونة سياسته تجاه الرعية، وظلمه، وتجبره، فلمَّا علم بتحكمه في أمر ابن أخيه، قال: "أنا أولى بتدبير أمور أولاد أخي" وأقام العزاء لأخيه، فلما انقضت أيام العزاء، اختار نخبة من خيرة فرسانه، وسار بهم بسرعة إلى الخابور، فملكه جميعه، وملك نصيبين وأقام بها، فجمع الجند فأتاه بها نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود (صاحب حصن كيفا)، وكثر جمعه، وكان قد ترك معظم جيشه بالشام، لحفظ ثغوره، فلما اجتمعت العساكر، سار إلى سنجار فحصرها، ونصب المنجنيقات واستولى عليها، فأسند حكمها إلى عماد الدين ابن أخيه قطب الدين.

  • وكان قد جاءته كتب الأمراء الذين بالموصل سرًّا، يبذلون له الطاعة، ويحثونه على الوصول إليهم، فسار إلى الموصل، فأتى مدينة (بلد) وعبر دجلة عند مخاضة إلى الجانب الشرقي، وسار فنزل شرقي الموصل على حصن نيِنوَى، ودجلة بينه وبين الموصل، وكان سيف الدين غازي الثاني قد سيَّر (عز الدين مسعود بن قطب الدين) إلى أتابك شمس الدين صاحب همذان وبلد الجبل وأذربيجان وأصفهان والري وتلك الأعمال، يستنجده على عمه نور الدين، فأرسل الأتابك شمس الدين رسولًا إلى نور الدين ينهاه عن التعرض إلى الموصل؛ فلم يلتفت إليه، وقال للرسول: "قل لصاحبك: أنا أصلح لأولاد أخي منك، فلا تدخل نفسك بيننا، وعند الفراغ من إصلاح بلادهم يكون الحديث معك على باب همذان، فإنك قد ملكت هذه المملكة العظيمة، وأهملت الثغور، حتى غلب الكرج عليها، وقد بُلِيتُ أنا ولي مثل ربع بلادك بالفرنج، وهم أشجع العالم، فأخذت معظم بلادهم، وأسرت ملوكهم، ولا يحل لي السكوت عنك، فإنه يجب علينا القيام بحفظ ما أهملت، وإزالة الظلم عن المسلمين".
    وأقام نور الدين على حصار الموصل، فعزم من بها من الأمراء على مجاهرة فخر الدين عبد المسيح بالعصيان وتسليم البلد إلى نور الدين، فعلم فخر الدين بذلك وأرسل إلى نور الدين يفاوضه في تسليم البلد إليه. وتسلم نور الدين الموصل، ودخل القلعة من باب السر؛ لأنه لما بلغه عصيان عبد المسيح عليه، حلف أن لا يدخلها إلا من أحصن موضع فيها، ولما ملكها أطلق ما بها من المكوس وغيرها من أبواب المظالم، وكذلك فعل بنصيبين وسنجار والخابور، شأنه في ذلك شأن ما كان يفعله في البلاد التابعة لحكمه، ووصله وهو على الموصل يحاصرها خلعة من الخليفة المستضيء بأمر الله، فلبسها، ولما ملك الموصل، خلعها على ابن أخيه سيف الدين وأمره وهو بالموصل بعمارة الجامع النوري، وركب هو بنفسه إلى موضعه فرآه، وصعد منارة مسجد أبي حاضر فأشرف منها على موضع الجامع، فأمر أن يُضاف إلى الأرض التي شاهدها ما كان يجاورها من الدور والحوانيت، وأن لا يؤخذ منها شيء بغير اختيار أصحابه، وولّى الشيخ محمد الملا عمارته، وكان من الصالحين الأخيار، فاشترى الأملاك من أصحابها بأوفر الأثمان، وعمّره، وعاد نور الدين إلى الشام بعد أن أقام أربعة أشهر بالموصل، واصطحب معه فخر الدين عبد المسيح، وغيَّر اسمه فسماه (عبد الله)، وأقطعه إقطاعًا كبيرًا.

  • وجد نور الدين أن رقعة بلاده قد اتسعت كثيرًا، ولما كان في جهد وجهاد مع الصليبيين، فقد أخذ في التفكير بوسيلة تضمن له تأمين الاتصال بسرعة مع أنحاء البلاد وأطرافها، فلما كانت سنة 567هـ= 1171م اتخذ بالشام الحمام الهوادي (الزاجل) وهي تطير من البلاد البعيدة إلى أوكارها وجعلها في جميع بلاده.
    كان نور الدين قد استخدم مليح بن ليون الأرمني لحكم الدروب المجاورة لحلب، وأقطعه إقطاعًا كبيرًا، وقيل لنور الدين: لماذا تستخدم مليح، وتمنحه الإقطاع في بلاد الشام؟ فأجابهم بقوله: "أستعين به على قتال أهل ملته، وأريح طائفة من عسكري تكون بإزائه لتمنعه من الغارة على البلاد المجاورة له". وأخلص مليح لنور الدين، ولازمه، وشاركه في حروبه مع الصليبيين، وكان نور الدين بالمقابل يدعمه لقتال من يجاوره من الأرمن والروم، وكانت مدن أذنة ومصيصة وطرسوس بيد ملك الروم صاحب القسطنطينية، فأخذها مليح منهم لأنها تجاور بلاده، فسير إليه ملك الروم جيشًا كثيفًا سنة 568هـ= 1172م، وجعل عليهم بعض أعيان البطارقة من أقاربه.

  • فلقيهم مليح ومعه طائفة من عسكر نور الدين، فقاتلهم، وصدقهم القتال، وصابرهم، فانهزمت الروم، وكثر فيهم القتل والأسر وقويت شوكة مليح، وانقطع أمل الروم من تلك البلاد، وأرسل مليح إلى نور الدين كثيرًا من غنائمهم، ومن الأسرى ثلاثين رجلاً من مشهوريهم وأعيانهم، فسير نور الدين بعض ذلك إلى الخليفة المستضيء بأمر الله.
    تلك هي بعض ملامح الجهد الذي بذله نور الدين وجهاده لبناء جبهة داخلية قوية متماسكة، قاعدته العدل والمساواة، وأساسها الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله، وهدفها حشد قوى المسلمين جميعها لقتال أعداء الدين. ومن الملامح البارزة في حياة نور الدين محمود علاقته بصلاح الدين الأيوبي؛ إذ تولى نور الدين تربية صلاح الدين منذ صغره؛ فكان له بمنزلة الوالد والمعلِّم، وكان يدربه على فنون القتال، ويغرس فيه حب الجهاد في سبيل الله ، ثم عينه بعد ذلك قائدًا للشرطة، ثم أرسله بصحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر؛ استجابة للوزير شاور ضد ضرغام الذي استعان بالصليبيين، وبعد انتصار أسد الدين ووفاته، تولى صلاح الدين الوزارة في مصر للدولة العُبيدية، رغم كونه سُنيًّا، وعمل صلاح الدين على تنفيذ أحلام نور الدين، وأحلامه الشخصية، وأحلام المسلمين جميعًا بالقضاء على الدولة العبيدية، وعادت مصر دولة سنية مرةً أخرى، وأضاء وجهها المشرق من جديد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 23-03-2024, 11:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
عبادة بن الصامت (14)


قصة الإسلام


  1. نسب عبادة بن الصامت وموقف والده وأمه من الإسلام :
    هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم من بني سالم بن عوف من الخزرج. ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمانٍ وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول الله بخمسة عشر عامًا. أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام، وتُوفِّي على دين قومه، أما أُمُّه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج، فقد أسلمت وبايعت رسول الله.
    قصة إسلام عبادة بن الصامت :

    كان عبادة بن الصامت t من أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت t ارتبط برسول الله ارتباطًا وثيقًا، وتعلق به تعلقًا شديدًا، فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغزُ رسول الله غزوةً، ولم يسر إلى مكان إلا وكان معه، وقد رُوِي له عن رسول الله مائة وواحد وثمانون حديثًا.
    أثر الرسول في تربية عبادة بن الصامت :

    عبادة بن الصامت t من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم ، الرعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الإسلام رغبًا لا رهبًا، وباع نفسه وماله. وقد استعمله رسول الله على الصدقات، وقال له: "اتقِ الله، ألا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثُؤَاج"[1]. فقال عبادة t: فوالذي بعثك بالحق، لا أعمل عمل اثنين. وبايع النبي على ألاَّ يخاف في الله لومة لائم.
    أهم ملامح شخصية عبادة بن الصامت :
    بطولة عبادة بن الصامت :
    أما بطولته العسكرية فقد تجلت في مواطن كثيرة؛ فعندما طلب عمرو بن العاص t مددًا من الخليفة لإتمام فتح مصر، أرسل إليه أربعة آلاف رجل، على رأس كل منهم قائد حكيم، وصفهم الخليفة قائلاً: "إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجلٌ بألف رجل". وكان عبادة بن الصامت t واحدًا من هؤلاء الأربعة الأبطال.
    بعض مواقف عبادة بن الصامت مع الرسول r :

    بيعة العقبة الأولى :

    كان عبادة بن الصامت t ممن بايعوا رسول الله في بيعة العقبة الأولى، أو كما عُرفت ببيعة النساء؛ قال عبادة بن الصامت t:
    "كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم ذلك فأمركم إلى الله ، إن شاء عذَّب وإن شاء غفر".
    بيعة العقبة الثانية :
    وتمت بيعة العقبة الثانية التي فيها النصر والحماية، وقال نبي الله : "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". فقالوا: يا رسول الله، نبايعك. فقال: "تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والنفقة في العسر واليسر، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة". فبايعوه على ذلك، وقال رسول الله للأنصار: "أخرجوا منكم اثني عشر نقيبًا؛ تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس". فكان عبادة بن الصامت t أحد نقباء الخزرج.
    بعض مواقف عبادة بن الصامت مع الصحابة :

    موقف عبادة بن الصامت مع معاوية :

    عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث. قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث. فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى". فردَّ الناس ما أخذوا.
    فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا فقال: "ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه". فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنُحدثَنَّ بما سمعنا من رسول الله وإن كره معاوية.
    موقف عبادة بن الصامت مع عمر :
    وفي خلافة أمير المؤمنين عمر t، لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصبٍ ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين. فهذا هو العمل الوحيد الذي آثره عبادة بن الصامت t، مبتعدًا بنفسه عن الأعمال الأخرى المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء، والمحفوفة أيضًا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه. وهكذا سافر إلى الشام ثالث ثلاثة: هو، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء؛ حيث ملئوا البلاد علمًا وفقهًا ونورًا.
    أثر عبادة بن الصامت في الآخرين :


    في خلافة عمر بن الخطاب t كتب يزيد بن أبي سفيان t إليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلِّمهم القرآن ويفقههم. فأرسل إليه عمر t: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء؛ فأقام عبادة بحمص، فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح عندما سار لفتح "طرطوس" ففتحها. وكان أول من وَلِي قضاء فلسطين من قِبل عمر بن الخطاب t.
    وكان t ممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ r؛ فعن محمد بن كعب القرظي، قال: "جمع القرآن في زمان النبي خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ".

    بعض ما روى عبادة بن الصامت عن الرسول r :

    عن أنس بن مالك t قال: أخبرني عبادة بن الصامت t أن رسول الله خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس".
    ويروي الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت t، أن رسول الله قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
    وعن جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة بن الصامت t، عن النبي قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم قال: "اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته".
    وفاة عبادة بن الصامت :

    لمّا حضرت عبادة t الوفاة قال: "أخرجوا فراشي إلى الصحن"[2]، ثم قال: "اجمعوا لي مَوَاليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليَّ". فجُمِعوا له، فقال: "إنّ يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه قد فرط منّي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو -والذي نفس عبادة بيده- القِصاص يوم القيامة، وأُحَرِّج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتصَّ مني قبل أن تخرج نفسي". فقالوا: بل كنت مؤدبًا. قال: "اللهم اشهد".
    ثم قال: "أمّا لا، فاحفظوا وصيّتي: أُحَرِّج على إنسانٍ منكم يبكي عليَّ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كلّ إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر (لعُبَادة) ولنفسه؛ فإن الله تبارك وتعالى قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45]. ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبِعُني نار، ولا تضعوا تحتي أرجوانًا[3]".
    وكانت وفاته t سنة 34 من هجرة رسول الله بمدينة الرملة في فلسطين، وهو يناهز الاثنين وسبعين عامًا.
    [1] الثؤاج: صوت النعاج.
    [2] الصحن: أي الدار.
    [3] الأرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 24-03-2024, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
أبو عبيدة بن الجراح (15)


صابرين السعو

محتويات
١ اسم أبي عبيدة ونسبه
  • ٢ إسلام أبي عبيدة بن الجرّاح
  • ٣ صفات وأخلاق أبي عبيدة
  • ٤ فضائل أبي عبيدة
  • ٥ جهاد أبي عبيدة وأعماله أيام الخلافة
  • ٦ وفاة أبي عبيدة
  • ٧ المراجع


اسم أبي عبيدة ونسبه
أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرَّاح بن هلال بن أهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النَّضر، أمُّه أميمة بنت غنم بن عبد العُزَّى،[١][٢] ويلتقي مع أمِّه في النَّسَب عند الحارث بن فهر، وكنيته أبو عبيدة، وقد اشتهر فيها أكثر من اسمه، ونُسِبَ إلى جدِّه لا إلى أبيه، فكان النَّاس ينادونه أبو عبيدة بن الجرَّاح، وأثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَدَحه فلقَّبه أمين الأمَّة، وعُرِف في الجاهليَّة بالحِكمة والفِطنة والرأي السَّديد والذَّكاء، واشترك مع أبي بكر -رضي الله عنه- بذلك، فكان النَّاس يقولون: "داهِيَتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجرَّاح"، ويُقصد بذلك الذّكاء والفطنة والرأي السديد، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الناسُ مَعادِنُ خِيارُهم في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا)،[٣][٤]
إسلام أبي عبيدة بن الجرّاح

لمَّا بعث الله -تعالى- سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام آمن معه سيِّدنا أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه-، ثمَّ انطلق مع رسول الله يتخيَّر النَّاس ويدعوهم سرَّاً، فاستبشر بأبي عبيدة، فحدَّثه عن الإسلام، فلقي منه قبولاً واستجابةً، فتوجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،[٤] مع أبي سلمة بن عبد الأسد، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضوان الله عليهم-،[٥] فكرَّر عليه شرح الإسلام، فأسلم مع نفرٍ آخرين جميعاً في ذات الَّلحظة، وكان ذلك في بدايات الدَّعوة قبل أن يدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم بن أبي الأرقم.[٤]
وقد كان عُمْر أبي عبيدة آنذاك خمسةً وعشرون عاماً، ممَّا يدلُّ على أنَّه دخل الإسلام باختياره، فهذا السِّنُّ الذي يكون الإنسان فيه قد اكتملت قدراته العقليّة والجسديّة، فلا يزيحه عن رأيه ومبدئه أيُّ إغراءٍ، فقد وجد أبو عبيدة في الإسلام الحقَّ الذي يبحث عنه، والعدالة بأبهى صورها، ممَّا ساعده على البقاء والثَّبات على دينه، فقدم التَّضحيات متَّبعاً قول الله -تعالى-: (قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ دينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ)،[٦][٤] ولم يُعرف ترتيب أبي عبيدة بين الذين أسلموا في بداية الدَّعوة، لكن ذكر ابن هشام في سيرته أنَّه أسلم بعد أوَّل ثمانيةٍ ممَّن دخلوا في الإسلام، حيث دخل الإسلام مع مجموعة رجالٍ،[٧] على يد أبي بكر الصِّدِّيق -رضي الله عنه-.[٥]
صفات وأخلاق أبي عبيدة

إنّ للصحابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- العديد من الصفات الكريمة والخِصال الطيّبة، نذكر منها ما يأتي:
  • الزُّهد في الدُّنيا؛ فقد كان يدخل عليه عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، ولا يجد في بيته سوى البِساط، ووعاء الطَّعام، وقربة الماء، وبعض كسراتٍ من الخبز، فلمَّا يرى عمر -رضي الله عنه- ذلك يبكي، وفي يومٍ من الأيام أرسل له عمر -رضي الله عنه- مبلغاً من المال، وقال عمر للرَّسول أن ينظر لِما سيفعله به، فقسَّمها أبو عبيدة -رضي الله عنه-، فلمَّا أخبر الرَّسول عمر -رضي الله عنه- بذلك قال عمر: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا".[٨]
  • اللّين وحسن الخلق: فقد أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ذات يومٍ إلى الشَّام في غزوة ذات السلاسل، فخاف عمرو -رضي الله عنه-، ممَّا دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبعث سريَّةً فيها أبو بكر وعمر، وجعل أبو عبيدة أميراً عليهم -رضي الله عنهم جميعاً-، فلمَّا وصلوا إلى الشَّام قال عمرو -رضي الله عنه-: "أنا أميركم"، فقال المهاجرون: "أنتَ أمير أصحابك، وأميرنا أبي عبيدة"، فقال عمرو: "إنَّما أنتم مدَدٌ أمدِدت بكم"، فلمَّا رأى أبو عبيدة -رضي الله عنه- ذلك أعطى الإمارة لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-.[٩]
  • حبُّ الصَّحابة له ووصفهم إياه: فقد نُقل عن عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- قوله إنّه لو تُوفّي وكان أبو عبيدة على قيد الحياة لأعطاه الخِلافة؛ لأنه سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول إنّ أبا عبيدة أمين هذه الأمّة،[١٠] بالإضافة لقول أبو بكر -رضي الله عنه- واصفاً إيَّاه: "عليكم بالهيِّن الليِّن، الذي إذا ظُلِم لم يَظلِم، وإذا أُسيء إليه غَفَر، وإذا قُطع وصَلَ، رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين؛ عامر بن الجرَّاح".[١١]
  • الورع: لمَّا وصل الطَّاعون إلى الشَّام وكان أبو عبيدة؛ فيها أراد عمر -رضي الله عنه- أن يُخرجه منها، فبعث إليه أن يأتي له في حاجةٍ، ففهم أبو عبيدة غاية عمر -رضي الله عنهما-، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا سمِعتُم بِهِ بأرضٍ، فلا تقدُموا علَيهِ، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتُمْ بِها فلا تخرُجوا فِرارًا منهُ)،[١٢] فكتب له إنَّه قد عرف مُراده، وأنَّ هذا المرض جند من جنود المسلمين، ولا يريد أن ينجو بنفسه دون أصحابه، فلمَّا قرأ ذلك عمر -رضي الله عنه- بكى، فقالوا له إنَّ أبا عبيدة قد مات بالطَّاعون.[١٣]
  • حسن الخلق والحِلم: فقد كان عمر -رضي الله عنه- ذات يوم جالس مع مجموعةٍ من الرِّجال، فقال لهم: تمنَّوا، فتمنَّى كلُّ واحدٍ منهم أمنيةً، وتمنَّى عمر -رضي الله عنه- بيتاً ممتلئاً بالرّجال أمثال أبي عبيدة بن الجرَّاح، وكان أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- قد أمَّرَه على بيت مال المسلمين؛ وذلك لأمانته ولكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمَّاه بأمين الأمَّة.[١٤]
ولمَّا كان أبو عبيدة -رضي الله عنه- بالشَّام أثناء محاصرة العدوِّ لها؛ كتب إليه عمر -رضي الله عنه-: ما نزل بعبدٍ مؤمن شدَّة إلَّا جعل الله بعدها فرجاً، ولا يغلب عسرٌ يُسرَيْن، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا)،[١٥] فردَّ أبو عبيدة: إن الله -تعالى- يقول: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)،[١٦] ففهم عمر -رضي الله عنه- ما يريده أبو عبيدة، فصعد على المنبر وقرأ على النَّاس كتاب أبي عبيدة -رضي الله عنه-، وقال لهم أن يخرجوا إلى الجهاد.[١٤]

فضائل أبي عبيدة
إنّ لأبي عبيدة فضائل كثيرة، منها ما يأتي:
  • من أحبِّ النَّاس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فعن عبد الله بن شقيق -رضي الله عنه- قال: (قلتُ لعائشةَ: أيُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ أحبَّ إليهِ؟ قالَت: أبو بَكْرٍ، قلتُ: ثمَّ مَن؟ قالت: ثمَّ عمرُ، قُلتُ: ثمَّ من؟ قالَت: ثمَّ أبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ، قلتُ: ثمَّ من؟ فسَكَتَت)،[١٧] وبنفس الترتيب أجابت عائشة -رضي الله عنها- على أنّه لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستخلفاً أحداً، لاستخلف أبا بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ أبا عبيدة.[١٨]
  • أحد العشرة المبشرين بالجنَّة: فقد روى عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ، وعمرُ في الجنَّةِ، وعُثمانُ في الجنَّةِ، وعليٌّ في الجنَّةِ، وطَلحةُ في الجنَّةِ والزُّبَيْرُ في الجنَّةِ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ في الجنَّةِ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ في الجنَّةِ، وسَعيدُ بنُ زيدٍ في الجنَّةِ، وأبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ).[١٩][٢٠]
  • أمين الأمَّة: حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أمِينًا، وإنَّ أمِينَنا أيَّتُها الأُمَّةُ أبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ)،[٢١] والأمين هو الثِّقة، وسبب إطلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه هذا اللّقب جاء في حديثٍ يرويه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، حيث قال: (جاءَ العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرانَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُرِيدانِ أنْ يُلاعِناهُ، قالَ: فقالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لا تَفْعَلْ؛ فَواللَّهِ لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاعَنَّا، لا نُفْلِحُ نَحْنُ ولا عَقِبُنا مِن بَعْدِنا، قالا: إنَّا نُعْطِيكَ ما سَأَلْتَنا، وابْعَثْ معنا رَجُلًا أمِينًا، ولا تَبْعَثْ معنا إلَّا أمِينًا، فقالَ: لَأَبْعَثَنَّ معكُمْ رَجُلًا أمِينًا حَقَّ أمِينٍ، فاسْتَشْرَفَ له أصْحابُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، فَلَمَّا قامَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أمِينُ هذِه الأُمَّةِ).[٢٢][٢٣]
  • أحد الرَّجلين اللذين اختارهما أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ليبايعهما النَّاس يوم السقيفة: فقد قال للنَّاس أن يختاروا أيهما شاؤوا عمر أو أبو عبيدة، وقد عيَّنه عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- والياً لمَّا عزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه-.[٢٤]
  • مشاركته في العديد من الغزوات: ومن ذلك غزوة بدر التي قُتل فيها والده، وقد أبلى بلاءً حسناً في أحد،[٢٥] ونزع حلق المغفر اللّتين كانتا قد انغرزتا في وجنتيّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسنانه، فوقعت مع كلِّ حلقة ثنيَّة من ثناياه -أي من أسنانه-، حيث خاف أن يخرجها بيده فيؤذي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقيل فيه: "ما رأي هتم -أي أسنان- أحسن من هتم أبي عبيدة بن الجراح".[٢٦]
جهاد أبي عبيدة وأعماله أيام الخلافة
شارك أبو عبيدة -رضي الله عنه- في غزوتيّ بدرٍ وأُحُدٍ والحديبية،[٢٤] وقد تعرَّض له والده كثيراً في غزوة بدر ليبارزه ويقتله، وفي كلِّ مرَّةٍ كان -رضي الله عنه- يحيد عنه، حتى أكثر والده من ذلك فقام بقتله، فأنزل الله -تعالى-: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)،[٢٧] وأرسله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على سريَّة جيشِ ذات الخبط، كما أرسله والياً إلى أهل نجران، وكان أحد الأمراء في بلاد الشَّام بعد أن عزل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فوضع أبا عبيدة -رضي الله عنه- مكانه، وكان نَقش خاتم أبي عبيدة: "الخُمُس لله".[٢٨]
وقال ابن حجر -رحمه الله-: "كان فتح أكثر بلاد الشَّام على يده"، كما جعله أبو بكر -رضي الله عنه- في خلافته على بيت مال المسلمين، وجعله عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أمير الأمراء في الشَّام، وكان أمير الجيش يوم فتح دمشق، وبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلف عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ليمدَّه بالجيش، ولمَّا جاء أهل اليمن يطلبون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل معهم مَن يعلمهم القرآن والسُّنَّة أخذ بيد أبي عبيدة أمين الأمّة واختاره لهم.[٢٩]
وفاة أبي عبيدة
ظهر مرض الطَّاعون في بلاد الشَّام في السَّنة الثَّامنة عشر من الهجرة،[٢٤] والذي سُمِّي بعام الرَّمادة؛ فقد أصاب النَّاس قحطاً شديداً، فقام عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يدعو الله -تعالى- بالاستقساء حتى أنزل الله -تعالى- المطر، ثمَّ من كثرة الجثث التي ماتت بسبب الجوع ظهر مرض الطَّاعون،[٣٠] وكان أبو عبيدة آنذاك في الشّام، وبدأ المرض في بلدةٍ تقع ما بين الرَّملة والقدس اسمُها عمواس، فمات آلاف النَّاس، وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- أمير النَّاس ولا يمكنه أن يخرج من مكانه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها)،[٣١] وفي المقابل من ذلك فقد كان -رضي الله عنه- زاهداً في الدُّنيا معرضاً عنها، لكنَّ عمر بن الخطَّاب كان حريصاً على أبي عبيدة راغباً أن يتسلَّم الولاية من بعده، فأرسل إليه يريد قدومه، لكنَّ أبو عبيدة رفض أن يترك قومه على هذا الحال كما ذُكِر سابقاً في فضائله وورعه.[٣٢]
فلمَّا رأى عمر -رضي الله عنه- ذلك علم أنَّ أجله قد اقترب، ونصحه بأن يخرج بقومه من البلد الرَّطبة أرضها إلى الجافة، فاستدعى أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأمره أن يبحث عن أرضٍ جافَّة لينتقل النَّاس إليها، لكنَّ المرض بعد ذلك وصل إليه فأصابه، ولمَّا أحسَّ باقتراب أجله كتب وصيَّةً لعمر بن الخطَّاب -


رضي الله عنه- أنَّه ردَّ كلّ أمانةٍ إلى صاحبها، وأدَّاها إلَّا امرأةً كانت قد نكحت قبل انقضاء عدَّتها، وأنَّ الزَّوج كان قد أرسل له مئة دينار، فأمر القوم أن يردُّوها له، ثمَّ أوصى بدفنه غرب نهر الأردن ناحية الأرض المقدَّسة، ثمَّ خاف أن يعتاد النَّاس ذلك ويصبح من عادتهم، فقال أن يدفنوه حيث يموت، كما أوصى بإقامة أركان الإسلام، والزُّهد في الدُّنيا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكّرهم بالموت، ثمَّ توجَّه إلى بيت المقدس ليصلِّي فيه فأدركه الموت في الطَّريق وتوفّي -رضي الله عنه- قبل أن يصل بيت المقدس.[٣٢]
ووقف معاذ بن جبل بعد وفاة أبي عبيدة -رضي الله عنه- يخطب بالنَّاس ويذكِّرهم أن الموت حقٌّ، ويأمرهم بأداء الأمانة، وأن لا يهجر المسلم أخاه المسلم، والتعجيل في التَّوبة إلى الله -تعالى-، ثمَّ قال: "إنّكم أيها المسلمون فجعتم برجل ما أزعم أنني رأيت عبداً أبرّ صدراً، ولا أبعد من الغائلة، ولا أشدّ حباً للعامة، ولا أنصح للأمة منه، فترحموا عليه، رحمة الله، واحضروا الصلاة"، ثمَّ أرسل معاذ -رضي الله عنه- كتاباً إلى عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يخبره فيه بموت أبو عبيدة، فحزن عمر -رضي الله عنه- حزناً شديداً، وعيَّن عيَّاض -رضي الله عنه- بالشَّام، وقال: "لا أغيِّر أميراً أمَّرَهُ أبو عبيدة"،[٣٣] وقد بلغ أبو عبيدة من العمر حين وفاته ثمانيةً وخمسين عاماً.[٣٤]
المراجع
  1. ↑ ابن سعد (1968)، الطبقات الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت: دار صادر، صفحة 409، جزء 3. بتصرّف.
  2. ↑ أبو نعيم الأصبهاني (1998)، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 148، جزء 1. بتصرّف.
  3. ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 273، إسناده صحيح.
  4. ^ أ ب ت ث أحمد الشرباصي، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، صفحة 13-19. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سعيد حوّى (1995)، الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 1730، جزء 4. بتصرّف.
  6. ↑ سورة الأنعام، آية: 161.
  7. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 47. بتصرّف.
  8. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 242-244. بتصرّف.
  9. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 244. بتصرّف.
  10. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 244-245. بتصرّف.
  11. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 249. بتصرّف.
  12. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 3103، صحيح.
  13. ↑ محمد عبد الغفار، فضائل الصحابة، صفحة 5، جزء 8. بتصرّف.
  14. ^ أ ب محمد عبد الغفار، فضائل الصحابة، صفحة 4، جزء 8. بتصرّف.
  15. ↑ سورة آل عمران، آية: 200.
  16. ↑ سورة الحديد، آية: 20.
  17. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن شقيق، الصفحة أو الرقم: 3758، صحيح.
  18. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 250. بتصرّف.
  19. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 3747، صحيح.
  20. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 250-251. بتصرّف.
  21. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2419، صحيح.
  22. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 4380، صحيح.
  23. ↑ محمد شُرّاب (1997)، أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وفاتح الديار الشامية (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 252-253. بتصرّف.
  24. ^ أ ب ت صلاح الدين الصفدي (2000)، الوافي بالوفيات، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 329، جزء 16. بتصرّف.
  25. ↑ محمد عبد الغفار، فضائل الصحابة، صفحة 4، جزء 8. بتصرّف.
  26. ↑ أبو نعيم الأصبهاني (1998)، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 149، جزء 1. بتصرّف.
  27. ↑ سورة المجادلة، آية: 22.
  28. ↑ أبو نعيم الأصبهاني (1998)، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، الرياض: دار الوطن، صفحة 148-150، جزء 1.بتصرّف.
  29. ↑ سعيد حوّى (1995)، الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 1730-1733، جزء 4. بتصرّف.
  30. ↑ محمد عبد الوهاب (1418)، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 302. بتصرّف.
  31. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 5728، صحيح.
  32. ^ أ ب أحمد الشرباصي، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، صفحة 107-114. بتصرّف.
  33. ↑ أحمد الشرباصي، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، صفحة 115-116. بتصرّف.
  34. ↑ أبو سليمان الربعي (1410)، تاريخ مولد العلماء ووفياتهم (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 103، جزء 1. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 25-03-2024, 10:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
ترجمة شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري[1]
رضي الله تعالى عنه
الموسوعات الثقافية المدرسية

(16)


صحابي جليل، كان من سادات الصحابة وفضلائهم، عالمًا عاملاً.
قال عبادة بن الصامت: كان شداد ممن أوتي العلم والحلم.
وهو ابنُ أخي حسان بن ثابت، الأنصاري، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.
شهد أبوه بدرًا، واستُشهد بأحد.
وروى الطبراني عن شداد بن أوس: أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: "ما لك يا شداد؟" قال: ضاقت بي الدنيا، فقال: "ليس عليك؛ إن الشام سيفتح، وبيت المقدس سيفتح، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة فيهم". فنزلَ بيت المقدس من الشام. وروى عنه أهل الشام. وقدم دمشق والجابية، وسكن بيت المقدس، وكان شهد اليرموك.


وتوفي بفلسطين، ودُفن ببيت المقدس، سنة ثمان وخمسين، وكان عمره خمسًا وتسعين سنة.
وروى الذهبي عن ابن سعد عن خالد بن معدان، قال: لن يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس.
وروى ابن عساكر والذهبي عن عبد الرحمن بن غنم، قال: لما دخلنا الجابية - وهي قرية من أعمال دمشق - أنا وأبو الدرداء لقينا عبادة بن الصامت.. فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس، وعوف بن مالك، فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس! لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشهوة الخفية والشرك، فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفرًا، أولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب؟! فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها، فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها؛ فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟!.

قال: أرأيتم لو رأيتم أحدًا يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم! قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك".
فقال عوف: أولاً يَعْمَدُ الله إلى ما أبتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله فيقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟ قال شداد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله، قال: "أنا خير قسيم، فمن أشرك بي شيئًا، فإن جسده وعمله، قليله وكثيره، لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غنيّ".

وروى الذهبي: قال سلام بن مسكين: حدثنا قتادة أن شداد بن أوس خطب فقال: أيها الناس؛ إن الدنيا أجل حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة، وإن الشر كله بحذافيره في النار [2].
وروى ابن عساكر: كان أبو الدرداء يقول: إن لكل أمة فقيهًا، وإن فقيه هذه الأمة شداد بن الأوس.
وقال سعيد بن عبد العزيز: فُضِلَ شداد بن أوس الأنصاري بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب.
وعن شداد بن أوس أنه قال: الموت أفظع هولاً في الدنيا والآخرة على المؤمن. والموت أشد من نشر المناشير وقرض بالمقاريض وغليٍ في القدور، ولو أن الميت نُشِرَ فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا لذوا بنوم [3].

وقال ابن الأثير: "كان شداد بن أوس كثير العبادة والورع والخوف من الله تعالى" [4].
المراجع

[1] الطبقات الكبرى: لابن سعد (ج7/ 401)، أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير (ج2/ 387)، الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر (ج4/ 52) رقم: (3842)، الرياض المستطابة: لليمني (124، 126)، مختصر تاريخ ابن عساكر (ج10/ 276، 280)، سير أعلام النبلاء: للذهبي (ج2/ 460، 467).
[2] سير أعلام النبلاء: للذهبي (ج2/ 466).
[3] مختصر تاريخ ابن عساكر (ج10/ 279، 280).
[4] أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير (ج2/ 387).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 26-03-2024, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:

عبد الملك بن مروان (17)
خامس خلفاء الدولة الاموية - مكتبة خلاصة كتاب

خلاصة كتاب مؤسس موقع خلاصة كتاب المقالات: 388







عبد الملك بن مروان هو خليفة أموي حكم لمدة 20 عامًا. تميزت فترة حكمه بالتطور والازدهار في مجالات مختلفة مثل الاقتصاد والعلوم والفنون. كان ملتزمًا بتطبيق العدل وتعزيز مبادئ الإسلام. ترك إرثًا هامًا في توحيد الدولة الأموية وتطوير البنية التحتية للدولة.
في الفقرات القادمة، سيتم استكشاف تفاصيل حياة عبد الملك بن مروان بشكل أكثر تفصيلًا. سنتحدث عن مولده ونشأته في المدينة المنورة، وعن تعليمه وقدراته القيادية منذ صغره. سنستعرض أيضًا فترة حكمه كخليفة للدولة الأموية، وما تميزت به من تحديات وانتصارات. سنناقش إسهاماته في تطوير البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد والثقافة والعلوم في عهده. وسنلقي الضوء على قدرته على تطبيق العدل ومبادئ الإسلام في حكمه، بالإضافة إلى إرثه الذي تركه خلفه في توحيد الدولة وتطورها.



جدول المحتويات



عبد الملك بن مروان: شخصية تاريخية مشهورة وأبو الخلفاء
  • عبد الملك بن مروان: الحافظ القرآني وأبو الوليد وأبو الملوك
  • التحديات والمسؤولية: عبد الملك بن مروان في حقبة الخلافة
  • عبد الملك بن مروان: رحلة التوحيد وتحقيق الاستقرار
  • عبد الملك بن مروان: رحلة التوحيد وتحقيق الاستقرار في العراق
  • تحقيق الوحدة: عبد الملك بن مروان يستعيد العراق ويهيمن على المنطقة
  • إنجازات عبد الملك بن مروان في توحيد الدولة الإسلامية وتحقيق التقدم
  • مراحل حكم عبد الملك بن مروان ووفاته الحزينة
عبد الملك بن مروان: شخصية تاريخية مشهورة وأبو الخلفاء
عبد الملك بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية القرشي هو شخصية تاريخية وُلد في المدينة المنورة عام 24 هجريًا. كان عبد الملك عالِمًا فقيهًا من فقهاء المدينة. يُصف بأنه كان طويل القامة وأبيض البشرة، وكانت لديه حاجبان متصلان، وليس بدينًا ولا نحيفًا. كان يتميز بنقش خاتمه الذي يحمل عبارة “آمنت بالله مخلصًا”. والدته هي عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية، وهي زوجة مروان بن الحكم ووالدة الخليفة مروان بن الحكم.
عبد الملك بن مروان: الحافظ القرآني وأبو الوليد وأبو الملوك

اشتهر عبد الملك بن مروان بحفظه للقرآن الكريم، وعندما بلغ سن الرشد، درس العلوم الإسلامية. كما كان شاعرًا وأديبًا، ولقب بأبي الوليد وأيضًا بأبي الملوك، وذلك بعد أن تولى أربعة من أبنائه الخلافة بعد وفاته.
كان لعبد الملك أبناءً من زوجته ولادة بنت العباس، وهم الوليد وسليمان ومروان الأكبر (الذي توفي وهو صغير) وعائشة. ومن زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، كان له يزيد ومروان ومعاوية (الذي توفي وهو صغير) وأم كلثوم.أما من زوجته عائشة بنت هشام بن إسماعيل المخزومي، فكان له ولد واحد وهو هشام، وكانت تُعرف بأم هشام.
ومن زوجته عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله، كان له ولد واحد وهو بكار وعُرف باسم أبي بكر. ومن زوجته أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان، كان له ولد واحد وهو الحكم، وتوفي وهو صغير. أما من زوجته عائشة أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص، فكانت له ابنة واحدة وهي فاطمة. وكان له أيضًا أبناء من الجوارى، وهم الحجاج وعبد الله ومسلمة والمنذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير.
التحديات والمسؤولية: عبد الملك بن مروان في حقبة الخلافة

في البداية، نجد أنه عندما شعر مروان بن الحكم، بتثبيت دولته، كان حريصًا على تأمين العهود من الرؤساء لولاية العهد لابنيه. وبعد وفاة والدهم، تم تنصيب عبد الملك وعبد العزيز دون أي مشاكل. وانتقلت الخلافة بسلاسة من الأب إلى أولاده، وكان عبد الملك بن مروان هو الحاكم الجديد.
حدث ذلك في بداية شهر رمضان من السنة 65 هجرياً. ومع ذلك، شعر عبد الملك بن مروان أن هذه الخلافة تحمل عبئًا ثقيلًا، خاصةً مع وجود خليفة آخر ينافسه وهو “عبد الله بن الزبير” الذي كان يسيطر على الجانب الشرقي من الدولة. ومع ذلك، كان لدى عبد الملك بن مروان السيطرة على المناطق الشامية ومصر، وكانت دولته مستقرة نسبيًا.
لكن كان هناك توترات موجودة مثل الشيعة في العراق والخوارج في الأهواز. ولذلك، كان عليه تثبيت قدميه في الحكم لمواجهة التحديات من جميع الجهات، وضمان بقائه في السلطة. كما كان عليه مواجهة الجيوش المتربصة على الحدود. يعني أنه كان يواجه خطرًا من الداخل والخارج، وهذا هو الوضع الذي واجهه عبد الملك.
وكان يشعر بالمسؤولية العظيمة التي يتحملها. ومع ذلك، كان عبد الملك ذو خبرة كبيرة في السياسة، خاصةً منذ كان رئيس الديوان في أيام معاوية بن أبي سفيان. حضر مجالس الخلفاء واكتسب الكثير من الخبرات، بالإضافة إلى ثقافته العربية الواسعة وبراعته في الخطابة والشعر والأدب. وكان لديه إيمان قوي، نظرًا لأنه عاش في المدينة لمدة تقارب أربعين سنة قبل أن ينتقل مع عائلته إلى الشام. وفي ذلك الوقت، كان عبد الملك وزيرًا لوالده وواجه العديد من التحديات بشجاعة وقوة.

عبد الملك بن مروان: رحلة التوحيد وتحقيق الاستقرار


تعالوا نتعرف على مسار عبد الملك بن مروان ورحلته نحو تحقيق طموحاته وتحقيق الاستقرار. هل بدأت رحلته من العراق أم الحجاز؟ تبيّن أنه اتخذ قرارًا بفتح العراق، الذي كان يسيطر عليه المختار، وأرسل جيشًا بقيادة عبيد الله بن زياد.
لم يكن لديه الكثير من المؤيدين، ولكن الجيش وصل إلى الموصل واندلعت معركة هامة بالقرب من نهر الخازر. نجح جيش العراق في الانتصار، لكن بن زياد قتل في المعركة، مما أدى إلى هزيمة جيش الشام وغرق العديد منهم. كانت هذه الهزيمة صعبة بالنسبة لعبد الملك، لكنه أظهر قدرة على التحمل والصبر.
وبالرغم من أن فتح العراق تأخر لسنوات، إلا أنه كان يجب أن يتحقق لمصلحة توحيد وتوحيد المسلمين. كان عبد الملك بحاجة لمواجهة ابن الزبير، وفعليًا التقى جيش الشام بالقوات الحجازية في معركة الربذة.
انتهت المعركة بالهزيمة لجيش الشام، ووصل الخبر لعبد الملك الذي شعر بالإحباط، لكنه سرعان ما استعاد ثقته بنفسه. في العام التالي، أعد جيشًا واستهدف الحجاز بقيادة عبد الملك بن الحارث بن الحكم، ووصل الجيش إلى وادي القرى في شمال الحجاز.
مع ذلك، وقعت اشتباكات في وادي القرى بين جيش المختار من العراق وجيش ابن الزبير. على الرغم من أن جيش المختار كان قد تلقى أوامر بالاحتلال، إلا أنه هُزم في تلك اللحظة، وعاد جيش الشام من وادي القرى بدون نتيجة حاسمة. هنا وجد عبد الملك أنه من الأفضل أن يكتفي بالدفاع عن مملكته في الشام وأفريقيا، وقرر تعزيز قواعد الحكم الداخلية وتنظيم شؤونها.

قام بتجهيز جيش قوي قادر على مواجهة أي تحدي، في حين استمرت المنازعات بين الحجاز والعراق، حيث بقيت العراق تحت سيطرة أسرة الزبير. تشكلت دولتان، الدولة الأموية بقيادة عبد الملك والدولة الزبيرية التي تمثلها عبد الله بن الزبير في المدينة، وأخوه مصعب بن الزبير في العراق.
عبد الملك بن مروان: رحلة التوحيد وتحقيق الاستقرار في العراق

وفي ذلك الوقت، كان عبد الملك يشرف على تنظيم الجيوش ويستعد لصد أي هجوم خارجي مثل الروم، أو داخلي كما كان يهدد بعض الفصائل الداخلية. كانت هناك حاجة لتوحيد الدولة، حتى يتمكن من استغلال ثروات العراق في ظل الحاجة للدعم، وكذلك لتوسيع حدود الدولة. وضع مروان خطة لنيل تأييد أهل العراق وتحييدهم عن دعم مصعب بن الزبير الذي ارتكب العديد من الأخطاء.
بدأ عبد الملك بن مروان في تنفيذ الخطة، وأول ما قام به هو إزالة العقبة، وهو حصن قرقيسيا الذي كان تحت سيطرة بن الحارث، الذي كان مواليًا لابن الزبير. بمجرد إزالة هذه العقبة، انطلقت الغارات والمعارك والتدمير. اتخذ عبد الملك موقعًا في شمال الشام على الحدود بينه وبين العراق، بالقرب من قنسرين، وجعلها مركزًا لمعسكره وجيشه في كل سنة، بهدف إعلان قوته وتخويف الروم وأعدائه في العراق.
وأثناء توجهه إلى قرقيسيا واقترابه من حدود العراق، فاجأته مؤامرة من عمرو بن سعيد بن العاص، ابن عمه، ومن أفراد عائلته الذين كانوا يحملون ضده الحقد منذ فترة طويلة. كانت مؤامرة عمرو بن سعيد تستهدف الانقلاب على عبد الملك وأخذ الخلافة منه. ولكن عبد الملك اكتشف ذلك بسرعة وعاد بسرعة لحصار دمشق. وقعت اشتباكات وانتهت في النهاية باتفاق الصلح بين الجانبين. عفا عبد الملك عن أفراد عائلته


وأرسلهم إلى العراق. بعد ذلك، خرج عبد الملك بجيش كبير في السنة 71 هجرياً لحسم الوضع وإنهاء القضية في العراق التي كانت تحت سيطرة مصعب. ومع ذلك، كان عليه أن يزيل عقبة قرقيسيا.
بعد مناوشات وتهديدات ومراسلات، توصل الجانبان إلى اتفاق للصلح، وبذلك انتهت قضية قرقيسيا التي كانت تشكل شوكة في جنب الشام، وفُتح الطريق إلى العراق.
قرر عبد الملك أن يتوجه إلى العراق ويواجه مصعب. وعندما علم مصعب بقدوم عبد الملك، أرسل إبراهيم بن الأشتر، الذي كان يحكم الموصل، وجيشه. ومع ذلك، خذله أهل البصرة وبقوا في منازلهم.
أرسل عبد الملك رسالة إلى مصعب وقال له: “تعال، ولتكن المسألة شورى بين المسلمين”. لكن مصعب رفض وأصر على القتال. واستمر في القتال حتى قتل. بعد ذلك، دعا عبد الملك جنود العراق وبايعوه، ودخل الكوفة وبايعوه أيضًا.
تحقيق الوحدة: عبد الملك بن مروان يستعيد العراق ويهيمن على المنطقة

في رحلة تحقيق هدفه في توحيد الدولة، قام عبد الملك بن مروان بإرسال جيش بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لمحاربة عبد الله بن الزبير في مكة. تعرض جناح الحجاج للهزيمة بقتل أخيه وانهيار السيطرة على العراق. بدأ الحجاج في حصار مكة في العام 72 هجرياً، واحتل المدينة، واستخدم المنجنيق لمهاجمة خصومه.
يُقال إن الحجارة كانت تتساقط بين يدي ابن الزبير وهو يصلي. كان الحصار قاسيًا على سكان مكة، وبعد تعب الناس من هذا الحصار، عرض الحجاج الأمان لهم، فقبلوا وتخلوا عن ابن الزبير الذي رفض الاستسلام وقاتل ببسالة حتى قتل في يوم الثلاثاء من جمادى الأولى في العام 73 هجرياً. بايع أهل مكة عبد الملك، وبدأ عهد جديد.
بهذا، استولى عبد الملك بن مروان على العراق والحجاز، وكانت لديه الشام ومصر تحت راية خليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان. وكانت للدولة العظيمة هذه عاصمة واحدة، وهي دمشق.
في العام 74 هجرياً، حل العام الذي تم فيه تسوية الخلافات والنزاعات المتعلقة بالخلافة، وأُطلِق عليه عام الجماعة، لأنه كان عام الوحدة. وبعد تحقيق عبد الملك حلمه في تحقيق الوحدة، قام بالحج إلى الحجاز في موسم الحج في العام 75 هجرياً، وبقي في مكة والمدينة لفترة، وألقى خطبًا للناس، وقبلهم به خليفةً.
إنجازات عبد الملك بن مروان في توحيد الدولة الإسلامية وتحقيق التقدم

وَلَكِنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أسَفًا، فَقَدْ حَدَثَ تَمْرُدٌ لَا يُرَغَّبُ فِيهِ الاِسْتِقْرَارُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا الْوَحْدَةُ. إِنَّ تِلْكَ الْحَرَكَةَ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخَوَارِجِ، وَقَدْ جَرَتْ مَعَارِكُ مُتَلاَحِمَةٌ مَعَ الْخَوَارِجِ، لَكِنَّهَا كَانَتْ مَعَارِكُ تَصْفِيةٍ. وَكَانَ زَعِيمُ الْخَوَارِجِ هُوَ قَطْرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ، الَّذِي هَزَمَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللهِ. لَكِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ عَيَّنَ مَكَانَهُ بِالْمُلْهَبِ، الَّذِي كَانَ أَدْرَى بِأَهْلِ الْخَوَارِجِ.
ثُمَّ انْتَهَى الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَعْرَكَةِ يَوْمِ الْبُسْتَانِ سَنَةَ 77 هـ. وَظَهَرَتْ أَيْضًا اِنْقِلَابَاتٌ مِنْ أَهَلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، حَيْثُ اِسْتَخَفَّوْا بِالْأَوَامِرِ وَأَصْبَحَ الْمَوْقِفُ خَطِيرًا. وَعِنْدَمَا وَصَلَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، قَرَّرَ اِتِّبَاعَ سِيَاسَةِ الشِّدَّةِ وَالْحِزْمِ، وَأَمَرَ بِتَولِّي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ الّذِي كَانَ قَائِدًا فِي حَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهَذَا الرَّجُلُ مَشْهُورٌ بِشِدَّتِهِ وَعُنْفِهِ، وَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ.
وَبَالْفَعْلِ، تَمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّوْرَاتِ، وَاتَّحَدَتِ الدَّوْلَةُ فِي وَحْدَةٍ نِهَائِيَّةٍ، وَتَوَسَّعَتْ حُدُودُهَا مِنْ نَهْرِ بَلْخٍ وَجِبَالِ سِجِستَانَ وَمَشَارِفِ الْهِنْدِ شَرْقًا، إِلَى وَسَطِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ غَرْبًا، وَمِنْ بَحْرِ قَزْوِينٍ وَالْبَحْرِ الْأَسْوَدِ شَمَالًا، إِلَى حُدُودِ النُّوبَةِ وَالسُّودَانِ جَنُوبًا. فَأَصْبَحَتْ هَذِهِ الدَّوْلَةُ دَوْلَةً وَاحِدَةً وَكَتْلَةً وَاحِدَةً فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.
إِنَّ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرَ نَجَاحٍ لَمْ يَسْتَطِعْ الْخَلِيفَةُ تَحْقِيقَهُ، لَكِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَجَحَ وَحَقَّقَ تِلْكَ الْمُعْجِزَةَ. وَلَمْ يَنْقُذْ فَقَطْ دَوْلَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ شُرُورِ الِانْقِسَامِ، بَلْ أَيْضًا استَمَرَّ فِي الْفَتَوَحَاتِ الَّتِي ضَمَّتْ بِلَادًا كَثِيرَةً مُهِمَّةً فِي عَهْدِهِ، وَتَحْرِيرُهَا مِنْ اِحْتِلَالِ الرُّومِ، وَقَامَ بِإِصْلاِحَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ وَخَارِجِيَّةٍ، وَحَقَّقَ اِسْتِقْلَالًا اِقْتِصَادِيًّا وَسِيَاسِيًّا لِلدَّوْلَةِ، وَأَيْضًا أَصْدَرَ عُمَلَةً عَرَبِيَّةً قَوْمِيَّةً، وَجَعَلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ هِيَ اللُّغَةَ الرَّسْمِيَّةَ لِلدَّوْلَةِ، وَأَضَافَ الطَّابِعَ النِّهَائِيَّ لِنِظَامِ الْبَرِيدِ، وَضَرَبَ الدِّنَانِيرَ وَكَتَبَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَسَى الْكَعْبَةَ، وَتَمَّتْ فِي عَهْدهِ إِصْلاحَاتٌ زِرَاعِيَّةٌ وَتِجَارِيَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَبَنَى عَبْدُ الْمَلِكِ مَسْجِدَ قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، وَقَامَ بِنَهْضَةٍ أَدَبِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ عَظِيمَةٍ.

مراحل حكم عبد الملك بن مروان ووفاته الحزينة


في العام 85 هجريًا، سعى عبد الملك بن مروان لعزل أخيه عبد العزيز من الخلافة، بهدف تعيين ابنه الوليد بن عبد الملك بدلاً منه. ومع ذلك، تدخلت الأقدار ورحل عبد العزيز، مما أدى إلى تنصيب الوليد كخليفة بعده. وفي العام 86 هجريًا، تمتعت الأمور بالاستقرار، وازدهرت الدولة تحت راية واحدة تحت قيادة عبد الملك. استمر حكمه لمدة واحد وعشرين عامًا، حتى أصيب بمرضه الأخير عند بلوغه أثنان وستين عامًا. وكان يتوقع وفاته في شهر رمضان، وقال فيه: “فيه ولدت وفيه فطمت وفيه جمعت القرآن وفيه بايعت الناس”. ومع ذلك، توفي في منتصف شوال من العام 86 هجريًا، بعد أن وجّه وصيته لأبنائه بتقوى الله. ودُفن في دمشق، خارج باب الجابية.
المصدر : عبد الملك بن مروان والدولة الاموية تاليف الدكتور محمد ضياء الدين الريس
التاريخ – مكتبة خلاصة كتاب (khkitab.com)
منقول


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 27-03-2024, 11:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
سليمان القانوني وقمة عهود الدولة العثمانية (18)

إعداد: أحمد تمام


الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني
ثمانية وأربعون عامًا قضاها السلطان سليمان القانوني على قمة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، بلغت في أثنائها قمة درجات القوة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحو لم تشهده من قبل، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث، وامتدت هيبتها فشملت العالم كله، وصارت سيدة العالم يخطب ودها الدول والممالك، وارتقت فيها النظم والقوانين التي تسيّر الحياة في دقة ونظام، دون أن تخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
توليه الحكم

تولى السلطان سليمان القانوني بعد موت والده السلطان سليم الأول في (9 من شوال سنة 926 هـ= 22 من سبتمبر 1520م)، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها. والأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة، وسنحاول الإلمام بها، جاهدين في إبراز صورة الدولة على نحو لا يخل بملامحها العامة، وقسماتها المميزة.
في الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذي كان في السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التي لا تلين، فقضى على تمرد “جان بردي الغزالي” في الشام، و”أحمد باشا” في مصر، و”قلندر جلبي” في منطقتي قونيه ومرعش، وكان شيعيًا جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة.
ميادين الجهاد
تعدد ميادين الجهاد التي تحركت فيها الفتوحات الإسلامية وبسط النفوذ في عهد سليمان فشملت أوروبا وآسيا وأفريقيا، فاستولى على بلجراد سنة (927 هـ= 1521م)،وحاصر فيينا سنة (935 هـ= 1529م) لكنه لم يفلح في فتحها، وأعاد الكَرّة مرة أخرى، ولم يكن نصيبها أفضل من الأولى، وضم إلى دولته أجزاء من المجر بما فيها عاصمتها “بودا”، وجعلها ولاية عثمانية.
وفي آسيا قام السلطان سليمان بثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية، ابتدأت من سنة (941 هـ= 1534م) وهي الحملة الأولى التي نجحت في ضم العراق إلى كنف الدولة العثمانية.
وفي الحملة الثانية سنة (955هـ= 1548م) أضيف إلى أملاك الدولة “تبريز”، وقلعتا: وان وأريوان.
وأما الحملة الثالثة فقد كانت سنة (962هـ = 1555م) وأجبرت الشاه “طهماسب” على الصلح وأحقية العثمانيين في كل من أريوان وتبريز وشرق الأناضول.
وواجه العثمانيون نفوذ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي، فاستولى “أويس باشا” والي اليمن على قلعة تعز سنة (953هـ= 1546م)، ودخلت عُمان وقطر والبحر في طاعة الدولة العثمانية، وأدت هذه السياسية إلى الحد من نفوذ البرتغاليين في المياه الإسلامية.
وفي إفريقيا، دخلت ليبيا والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي والصومال، ضمن نفوذ الدولة العثمانية.


البحرية العثمانية
خير الدين بارباروسا
كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني، وأصبحت مسئولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة، وفي عهد سليمان ازدادت قوة البحرية على نحو لم تشهده من قبل بانضمام “خير الدين برباروسا”، وكان يقود أسطولاً قويًا يهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، وبعد انضمامه إلى الدولة منحه السلطان لقب “قبودان”.
وقد قام خير الدين -بفضل المساعدات التي كان يتلقاها من السلطان سليمان القانوني- بضرب السواحل الإسبانية، وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا، فقام في سنة (935 هـ= 1529م) بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية.
وقد وكل السلطان إلى خير الدين قيادة الحملات البحرية في غرب البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا أن تقضي على أسطوله، لكنها تخفق في كل مرة وتتكبد خسائر فادحة، ولعل أقسى هزائمها كانت معركة بروزة سنة (945 هـ= 1538م).
وقد انضم أسطول خير الدين إلى الأسطول الفرنسي في حربه مع الهابسيورج، وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة نيس (950 هـ= 1543م).
واتسع نطاق عمل الأسطول العثماني فشمل البحر الأحمر، حيث استولى العثمانيون على سواكن ومصوع، وأخرج البرتغاليين من مياه البحر الأحمر، واستولى العثمانيون على سواحل الحبشة؛ مما أدى إلى انتعاش حركة التجارة بين آسيا والغرب عن طريق البلاد الإسلامية.


النواحي الحضارية
جامع السليمانية
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق في سخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة، وبخاصة في مكة وبغداد ودمشق، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
منمنمة عثمانية
وظهر في عصره أشهر المهندسين المعماريين في التاريخ الإسلامي وهو سنان، الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطلع على كثير من الطرز المعمارية حتى استقام له أسلوب خاص، ويعد جامع السليمانية الذي بناه للسلطان سليمان في سنة (964هـ= 1557م) من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي.
وفي عهده وصل فن المنمنمات العثمانية إلى أوجه. وقد قدّم “عارفي” وثائق الحوادث السياسية والاجتماعية التي جرت في عصر سليمان القانوني في منمنمات زاهية، ولمع في هذا العصر عدد من الخطاطين العظام يأتي في مقدمتهم: حسن أفندي جلبي القره حصاري الذي كتب خطوط جامع السليمانية، وأستاذه أحمد بن قره حصاري، وله مصحف بخطه، يعد من روائع الخط العربي والفن الرفيع، وهو محفوظ بمتحف “طوبي قابي”.
وظهر في عهد السلطان سليمان عدد من العلماء، في مقدمتهم: أبو السعود أفندي صاحب التفسير المعروف باسم “إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم”.

خط أحمد قره حصارى
غير أن الذي اشتهر به واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تنظم الحياة في دولته الكبيرة.. هذه القوانين وضعها مع شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تتفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، وقد ظلت هذه القوانين التي عرفت باسم “قانون نامه سلطان سليمان” أي دستور السلطان سليمان تطبق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي.
ولم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة، ولهذا يعد العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوروبيون على سليمان في عصره مثل: الكبير، والعظيم قليلة الأهمية والأثر إذا ما قورنت بلقب “القانوني” الذي يمثّل العدالة.
ولم يكن عهد القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري.
وتوفي السلطان وهو يحاصر مدينة سيكتوار البحرية في (20 من صفر 974 هـ= 5 من سبتمبر 1566م).


* من مصادر الدراسة
  • يلماز أورزتونا ـ تاريخ الدولة العثمانية ـ منشورات مؤسسة فيصل للتمويل ـ إستانبول ـ 1988.
  • عبد العزيز محمد الشناوي ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ مكتبة الأنجلو ـ القاهرة ـ 1986م.
  • محمد فريد بك ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ـ تحقيق إحسان حقي ـ دار النفائس ـ بيروت ـ 1403 هـ: 1983م.
  • علي حسون ـ تاريخ الدولة العثمانية ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ـ 1415 هـ: 1994م.
  • محمد حرب ـ العثمانيون في التاريخ والحضارة ـ المركز المصري للدراسات العثمانية ـ القاهرة ـ 1414 هـ: 1994م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 28-03-2024, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان


اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
عماد الدين زنكي
(19)
تامر بدر


  1. هو عماد الدين زنكي بن آق سنقر بن عبد الله، رائد الجهاد الإسلامي ضدَّ الوجود الصليبي بالشام؛ وذلك بعد أن ظنَّ الجميع أنهم لن يخرجوا أبدًا من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يُقهرون, هو البطل العظيم عماد الدين زنكي، هو الملك المنصور عماد الدين قائد عسكري وحاكم مسلم، تركي الأصل، حكم أجزاءً من بلاد الشام وحارب الصليبيين، كان شديد الهيبة، عظيم السياسة، يحمي الضعفاء، ويخافه الأقوياء، عمر البلاد وكانت قبله خرابًا، وأشاع الأمن وقطع دابر اللصوص، وكان الناس في زمانه بأنعم عيش.
    عماد الدين زنكي .. البطل ابن البطل

  2. كان من النتائج الطيبة لاهتمام الوزير العظيم «نظام الملك» بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأَكْفَاء وأصحاب الديانة في المناصب المهمَّة والقيادية - أن سطع نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عالٍ من الكفاءة والمسئولية؛ وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام؛ من هؤلاء القائد «آق سنقر بن عبد الله التركي»، الملقَّب بقسيم الدولة، وكانت له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقي؛ حتى إنه قد جعله واليًا على حلب، وقد قُتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضدَّ الخارجين عليها، ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العاشرة من العمر؛ هو بطلنا الفذُّ ورائد الجهاد ضدَّ الصليبيين عماد الدين زنكي.
    تولَّى الأمير كربوقا (كربوغا) أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي، وتعهَّده بالعناية والرعاية، وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، وترقَّى في سلك الجندية حتى صار مُقَدِّمَ عساكرَ مدينة واسط، ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة (517هـ= 1123م) في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضدَّ أحد الثوار الشيعة واسمه «دبيس بن صدفة»؛ وهذا ما جعل السلطان السلجوقي محمودًا يُرَقِّيه ليُصبح قائد شِحْنَة بغداد سنة 521 هـ، ويُعطيه لقب الأتابك؛ أي: مربِّي الأمير؛ ذلك لأنه توسَّم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.
    من قيادة إلى ولاية

  3. بعد أن أصبح عماد الدين زنكي قائدًا، حدث تغيُّر كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة؛ حيث تُوُفِّيَ أمير الموصل عز الدين مسعود، وحاول بعض المنتفعين تولية ولده الصغير مكانه، ولكنَّ قاضي الموصل بهاء الدين الشهرزوري ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوي وكُفْء للموصل، التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي الكثيف في سواحل الشام منذُ ثلاثين سنة، والذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية (أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس) في الشام، هذا غير سيطرة الصليبيين على أغلب بلاد الشام.
    وبعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرَّر السلطان محمود أن يُسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكي، الذي لم يجد السلطانُ محمود أفضل منه لهذه المهمَّة، وكانت هذه الولاية سنة (521هـ= 1127م)، وكان هذا التاريخ إيذانًا بعهد جديد في الصراع ضد الصليبيين وفاتحة خير على الأُمَّة كلها.
    الأوضاع على الجبهة الشامية
    عندما تولَّى عماد الدين زنكي الموصل تسنَّى له أن يرى الأوضاع على الجهة الشامية عن قرب؛ حيث كانت الصورة قاتمةً؛ فالصليبيون قد احتلُّوا معظم سواحل الشام، وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرة السورية، أمَّا المدن والحصون التي تحت حُكم المسلمين فهي تُعانى من الفُرقة والاختلاف والتنافر، ورُبَّما التقاتُل فيما بينها، فكلُّ والٍ على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقلٌّ عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يَتَّقِي شرَّ الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم؛ خوفًا على ضياع ملكه وانهدام دنياه، مثل ما هو واقعٌ اليوم بين حُكَّام الدول الإسلامية, وهذا الخذلان من ولاة الأمصار يُسَهِّل على الصليبيين مهمَّتهم، وجعل وجودهم في الشام والبلاد الإسلامية يترسَّخ شيئًا فشيئًا.
    أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريبًا كانت في حالة فوضى واضطراب؛ فالخلاف على أشُدِّه بين أمراء البيت السلجوقي بعضهم بعضًا، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقي والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشُدِّه، ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرَّر عماد الدين زنكي أخذ زمام المبادرة، والقيام بعملٍ لم يسبقه فيه أحدٌ، فوضع نُصب عينيه هدفًا عظيمًا طالما حَلَم المسلمون بتحقيقه، ولكن يتعدَّى نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرَّر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي.

    عماد الدين زنكي وبناء القاعدة الصلبة

  4. من البديهيات الأساسية في قتال أيِّ عدوٍّ وطرد أيِّ محتلٍّ وتحرير أيِّ أرضٍ أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدةً صُلبةً مجتمعةً؛ إذ كيف يُجاهد المسلمون بصفٍّ ضعيفٍ ممزَّقٍ؛ لذا كان أول ما سعى عماد الدين إلى تحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين؛ وذلك بتوحيد الجبهة الداخلية لسورية، وربما كانت هذه المهمَّة هي أصعب مرحلة في مراحل الانتصار.
    بدأ عماد الدين زنكي بمدينة حلب المهمَّة في المنطقة الشمالية من بلاد الشام في غرَّة المحرم سنة 522هـ؛ أي بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل؛ وهذا ما يُوَضِّح أن هذا الرجل الفذَّ كان يملك خطَّة شاملة ورؤية واضحة مُعَدَّة سلفًا لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمُّه لمدينة حلب بالشيء السهل؛ فلقد ظلَّ محاصرًا لها عدَّة شهور قبل فتحها، وكان عليها بعض الطامعين المتغلِّبِينَ، ثم قام بعدها بضمِّ مدينة حماة في السنة التالية (523هـ= 1129م)، ثم ضمَّ مدينة سرجى ودارا، ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود؛ بل تورَّط فيها؛ وذلك لعدَّة سنوات، ثم عاد بعدها إلى هدفه الأسمى، فضمَّ عدَّة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور، وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة (528هـ= 1134م).
    استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي؛ عدا ما كان بيد الصليبيين وفتح دمشق قلب الشام وحاضرته، وقد حاول زنكي ضمَّ دمشق سنة (529هـ= 1135م) ولكنه فشل، وبقيت خارج سلطته، وبقي يُخَطِّط ويُفَكِّر في كيفية الوصول إلى دمشق.
    زنكي أسد الشام

  5. بعد أن تمَّ لعماد الدين زنكي معظم ما أراد من تكوين القاعدة الصلبة، بدأ في العمل الحقيقي والجهاد الأصيل ضدَّ أعداء الأُمَّة المحتلِّين لمقدساتها، وكان الصليبيون قبل مجيء عماد الدين زنكي يُخَطِّطُون للاستيلاء على أرض الشام وسورية كلها، ثم مصر بعدها، فلمَّا جاء أسد الشام الجديد صار غاية سعيهم الحفاظ على ما تحت أيديهم.
    ولما ازدادت قوَّة عماد الدين زنكي في حلب، وثقلت وطأته على الصليبيين في الشام، فكَّرُوا في الاستعانة بإمبراطور القسطنطينية عمانوئيل، ورغم الاختلاف المذهبي بينهم؛ فهم كاثوليك وهو أرثوذكسي، فإنهم في النهاية صليبيون فوافق عمانوئيل على نجدتهم.
    أصبحت بلاد الشام في موقف حرج بالغ الخطورة؛ فإمبراطور بيزنطة عمانوئيل جاءها بجيوش جرارة سنة (532هـ= 1138م) واخترق آسيا الصغرى، ولم يقدر أحد من سلاجقة الروم على إيقافه، ودخل إلى سورية بعد أن استولى على مدينة بزاعة؛ وهي قريبة من حلب، فغدر بأهلها بعد أن أعطاهم الأمان؛ فقتلهم وسبى نساءهم، وهنا وقعت المنطقة بين مطرقة إمبراطور بيزنطة وسندان الصليبيين الفرنجة بالشام، وهنا برز رجل المهامِّ الصعبة.
    فبعد نظر وتمعُّن في هذه النازلة العامَّة قرَّر عماد الدين زنكي العمل في اتجاهين:-
    الاتجاه الأول: مناوشة إمبراطور بيزنطة بشنِّ حرب عصابات على معسكره باستخدام المجاهدين المتطوعين في الشام ضدَّ الأعداء بالكرِّ والفرِّ، وإظهار القوَّة والشجاعة، وإرسال رسائل تهديدٍ ووعيدٍ لهذا الإمبراطور؛ وهذا على الرغم من الفارق الضخم بين القوَّتين، وذلك من أجل إرهاب البيزنطيين ومنعهم من التقدُّم.

    الاتجاه الثاني: إيقاع الخلاف بين البيزنطيين والفرنجة؛ فلقد كان عماد الدين زنكي من دواهي العصر ذكاءً وفطنةً وحدَّة بصيرة, فلقد استغلَّ الخلاف المذهبي بين الأرثوذكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة يُخَوِّفُوه من نكصان الفرنجة للعهود وأنهم يتربَّصُون به، فإن فارق مكانه الذي فيه «قلعة شيزر» بالقرب من حماة سيتخلَّفُون عن نصرته. ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة يُخَوِّفُهم من إمبراطور بيزنطة، ويقول لهم: «إنْ مَلَكَ بالشام حصنًا واحدًا ملك بلادكم جميعًا» (1).
    ونجحت خطَّة عماد الدين زنكي؛ ووقع الخلاف بين الطرفين، وانسحب الإمبراطور من الشام، وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها؛ حيث غنمها جيش الشام، وحرَّرُوا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين، وعظمت هيبته في صدور الصليبيين, وأثبت للجميع أنه رجل المهامِّ الصعبة، وقد حاول بعدها فتح دمشق؛ ولكنه فشل لحصانتها وقوَّة حاكمها معين الدين أنر، فلم يستطع عماد الدين تحقيق حُلْمه في أهمِّ مدن الشرق.
    فتح الرها

  6. عندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتلَّ الصليبيون الرها، وأقاموا بها أول إمارة صليبية في منطقة الجزيرة السورية وذلك سنة (492هـ= 1099م). كان أميرها صليبيًّا اسمه «جوسلين»؛ ففهم من تحرُّكات عماد الدين زنكي أنه يُخَطِّط لفتح الرها، فعمد إلى تقوية دفاعاتها، والمبالغة في تحصينها، وظلَّ مقيمًا في الرها لا يُفارقها أبدًا؛ رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر على فراقهم من أجل الدفاع عن الرها.
    كان عماد الدين زنكي يعرف قَدْر جوسلين ودهاءه وحُنْكَتَهُ؛ لذلك وضع خطَّة في غاية الذكاء؛ فهو كما يقولون: «لا يفلُّ الحديد إلَّا الحديد». فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية، التي تُسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر (جنوب تركيا الآن)، ولا تقبل الانضمام لصفِّ عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على جوسلين، الذي خفَّف من شدَّة التحصينات، وتراخى في دفاعاته، حتى إنَّه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بثَّ العيون التي تنقل له الأخبار ليلَ نهارَ, فلمَّا علم مغادرة جوسلين وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.
    كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرئهم في القتال، لا يُجاريه أحدٌ من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام، وقال: «لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها». وهي كناية عن شدَّة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل إلى باب المدينة، ولا يفعل ذلك إلَّا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلَّا أميرٌ واحدٌ وصبيٌّ صغيرٌ؛ فقيل الأمير للصبي: «ما أنت في هذا المقام؟». فقال له عماد الدين زنكي القائد المربِّي القدوة، الذي يعرف كيف يُحَمِّس الشباب والنشء، ويُحَفِّز طاقاتهم: «دعوه فوالله! إني أرى وجهًا لا يتخلَّفُ عنِّي» (2).
    وبالفعل أثمرت هذه الكلمات طاقة جبارة عند الصبي، فكان أوَّلَ طاعنٍ، وأوَّلَ بطلٍ في هذه المعركة، وفُتحت المدينة في 6 جُمَادَى الآخرة (سنة 539هـ=1144م), وكان لفتحها صدًى شديدًا في العالمين الإسلامي والصليبي؛ فلقد كان أعظم انتصار حقَّقه المسلمون على الصليبيين منذُ دخولهم الشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم, وسرت رُوحٌ جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة، وتغلَّبُوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين، والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.
    أمَّا الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب، وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة (542هـ= 1147م) لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.
    استشهاد عماد الدين زنكي

  7. بعد الانتصار في الرها ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام -والذي بنَوْهُ في خمسين سنة- في خطر حقيقي في ظلِّ وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال، وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن من سورية، قَرَّرُوا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة، والأيدي القذرة التي لا تعمل إلَّا في الظلام.
    فكَّر الصليبيون في كيفية التخلُّص من عماد الدين زنكي، وبعد تفكير وتقليب فيمَنْ سيقوم بهذه المهمَّة؛ قرَّرُوا إسناد مهمَّة الاغتيال إلى جماعة معروفة بذلك، وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر (541هـ= 1146م) وأثناء قيام عماد الدين زنكي بحصار قلعة جعبر المطلَّة على نهر الفرات، قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين -بعد أن قبضوا الثمن- بالتسلُّل إلى معسكر عماد الدين زنكي، واندسوا بين حُرَّاسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، تُوُفِّيَ عن 64 عامًا، ودُفن بصفين، وخَلَفَهُ ابنه سيف الدين غازي في الموصل، وخَلَفَهُ ابنه نور الدين محمود في حلب ثم في دمشق.
    وهكذا مات البطل وترجَّل الفارس وحطَّ الراكب بعد حياة طويلة كلّها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله, وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا, ووضع الأساس المتين لمَنْ جاء بعده, فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
    واسمع ما قاله عنه المؤرِّخُون، قال ابن الأثير في وصفه: «كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة، لا يقدر القوى على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتَنَقُّل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكَّانًا، وكان أشجع خلق الله (3).
    وقال عنه ابن كثير الدمشقي: «وقد كان زنكي من خيار الملوك، وأحسنهم سيرة وشكلاً، وكان شجاعًا مقدامًا حازمًا، خضعت له ملوك الأطراف، وكان من أشدِّ الناس غيرة على نساء الرعية، وأجود الملوك معاملة وأرفقهم بالعامة (4).

  8. ولعلَّ أكثر ما تميَّز به عماد الدين زنكي عن قادة زمانه هو فهمه لحقيقة المشكلات التي تُعاني منها الأُمَّة الإسلامية، وإحساسه بالمسئولية تجاه أُمَّته، وإيثاره لمصلحتها على مصلحته الخاصَّة، وعمله بمقتضى ما يجب عليه وقتها؛ لذلك فاق ملوك زمانه وعلا ذِكْرُه عنهم، ويكفيه فخرًا أنه قد خلف وراءه بطلاً عظيمًا مثله وزيادة؛ هو نور الدين محمود.
    وقد لقَّب الناس عماد الدين زنكي بالشهيد لحرصه على طلب الشهادة في كل لقاء مع الأعداء؛ حتى قَدَّرها المولى جل وعلا له في آخر السعي.
  9. المصادر
    1- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/91.
    2- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/131.
    3- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 9/142.
    4- ابن كثير: البداية والنهاية، 12/275.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 29-03-2024, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان




اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي:
بحث عن بلال بن رباح (20)

براءة أيمن شلتوني



محتويات

  • ١ نسب بلال بن رباح
  • ٢ صفات بلال بن رباح الخَلقية
  • ٣ مناقب بلال بن رباح
  • ٤ إسلام بلال بن رباح
  • ٥ تعذيب بلال بن رباح من كفار قريش
  • ٦ جهاد بلال بن رباح
  • ٧ اتخاذ بلال بن رباح مؤذّنا
  • ٨ أعمال بلال بن رباح في خلافة أبي بكر وعمر
  • ٩ وفاة بلال بن رباح
  • ١٠ المراجع

نسب بلال بن رباح
هو بلال بن رباح القُرشيّ التيميّ -رضي الله عنه-، مولى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأُمّهُ حمامة، ويُكنّى بأبي عبد الرحمن،[١][٢] وقيل: بأبي عبد الكريم، وقيل: بأبي عمرو، وقيل: بأبي عبد الله. من مواليد السراة في أهل الشام، من موالي بني تيم،[٣] قال عنه أبو عُمر: له أخٌ اسمهُ خالد، وأُخت تُسمّى غفيرة أو عقرة، وهي مولاة عُمر بن عبد الله -رضي الله عنه-.[٤]
صفات بلال بن رباح الخَلقية
يتصف بلال بن رباح -رضي الله عنه- من الناحيّة الخَلقيّة بأنّهُ آدمٌ شديدُ الأدمة؛ أي السّمرة، ونحيف، وطويل، وأجنى؛ أي يميل أعلى ظهره على صدره، وخفيف العارضين،[٥][٤] كما كان كثير الشعر، ولا يُغيِّرُ شيبه.[٦]
مناقب بلال بن رباح
توجد الكثير من الماقب التي تحلّت بها شخصية بلال بن رباح -رضي الله عنه وأرضاه-، وفيما يأتي ذكر بعضٍ منها:
  • كان بلال -رضي الله عنه- من السّابقين إلى الإسلام، المصدّقين به، وكان طاهر القلب، مُتقدِّم الهِجرة.[٧]
  • كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا إسلامهم، وبذل نفسهُ في سبيل الله -تعالى-؛ حيث آذاه قومه، وجعلوا الولدان يطوفون به في مكة، وهو يقولُ: "أحدٌ أحد".[٨]
  • كان من مناقبه رؤية النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- له في الجنة، لِقوله -صلى الله عليه وسلم- له: (يا بِلالُ بم سَبقْتَنِي إلى الجنَّةِ؟ إنني دخَلتُ البارحةَ الجنَّةَ فسمِعتُ خَشخشَتَك أمامي)،[٩] وكان عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عنه: "أَبو بكرٍ سيّدنا، وأعتق سيّدَنا"، وإطلاقُ السّيادة عليه من مناقبهِ العظيمة.[٤][١٠]
  • كان خازناً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على بيت المال.[١١]
  • كان حاملاً لِعنزة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ أي السُّترة التي يُصلّي إليها المُصلّي لتكون حاجزاً بينه وبين المارّة، فقد جاء عن ابن عُمر -رضي الله عنه- أنّ بلال كان يحمل العنزة لرسول الله في يوم العيد وهو يؤذن.[١٢]
  • كان مؤذّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ فهو أوّل من أذّن له في الإسلام.[١٣]
  • كان ممّن تعرّض للأذى في الدّين فصبر، وكان شديد التوكّل على الله -تعالى-.[١٤]
إسلام بلال بن رباح

كان بلال بن رباح -رضي الله عنه- أوّل من آمن من العبيد،[١٥] حيثُ كان يرعى غنماً لعبد الله بن جدعان، فرآه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وهو معتزلاً في الغار مع أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فناداهُ وطلب منه اللّبن، فأخبرهُ أنّه ليس معه إلا شاةً واحدة، فطلب منه أن يأتي بها، فحلبها النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وشرِب حتى ارتوى، ثُمّ سقى أبا بكر وبلالٍ -رضي الله عنهما- منها، فكانت الشاة أنشط مما كانت عليه، فدعاه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى الإسلام، فأسلم.[١٦][١٧]
وبقي يأتي إلى نفس المكان لمدّة ثلاثةِ أيام يتعلم الإسلام. فمرّ أبو جهل بعبد الله بن جدعان وأخبرهم أنّ غنمهم أصبحت تنمو منذ ثلاثة أيّام، وأنّ بلال يذهب لمرعى ابن أبي كبشة، فمنعوا بلال من الذهاب إلى المكان، ودخل ذات يومٍ الكعبة، فالتفت فلم يرَ أحداً من قريش، فبصق على الأصنام وقال: "خاب وخسر من عبدكنّ"، فعلمت قريش بذلك، فهرب بلال إلى دار سيّده عبد الله بن جدعان بعد أن طلبتهُ قُريش، فأخرجهُ عبد الله لهم، وأهداهُ لأبي جهل وأُمية بن خلف؛ ليفعلوا به ما يشاؤون.[١٦][١٧]
تعذيب بلال بن رباح من كفار قريش


بعد أن أعلن بلال -رضي الله عنه- إسلامه؛ بدأ المُشركون بتعذيبه، حيثُ كان مملوكاً لأُميّة بن خلف، فكان يجعل في عنقه حبلاً ويدفعه إلى الصبيان يلعبون به وهو يقولُ: "أحدٌ أحد"، ويُخرجهُ سيدهُ أُمية في وقت الظهيرة إلى الرمل شديد الحرارة، ويضعُ على صدره صخرةً عظيمةً، ويُهدّدهُ أن يُبقيه كذلك حتى يموت أو يرجعَ عن إسلامه ويعبد أصنامهم، وهو يقول له: أحدٌ أحد،[١٨][١٩] كما كان يُبالغُ في تعذيبه حتى يرجع عن إسلامه، ولكن بلالاً بقي صابراً ثابتاً على دينه،[٢٠] وبالمُقابل كان أبو جهلٍ يقوم بتعذيبه؛ فيجعلهُ باتّجاه الشمس، ويضع الرحا عليه حتى تُذيبهُ الشمس، ويأمرهُ بأن يكفُر بالله -تعالى-، ولكن بلا -رضي الله عنه- بقي ثابتاً على إسلامه.[٢١]
فكان بلال من المؤمنين الذين لاقوا العذاب الشديد من الكافرين بسبب إسلامه، وكانوا يُصرّون عليه بأن يكفُر بالله -تعالى-، ولكنّه كان يُقابلُ ذلك كُله بالرفض، وكان يقول: أحدٌ أحد، ويقول: "لو أعلمُ كلمةً تُغيظهم أكثر منها لقُلتها لهم"، وذكر ابنُ سعد أن من أنواع التعذيب التي لاقاها بسبب إسلامه أنهم كانوا يأخُذونه ويمدّونهُ في الزبل، ويقولون له ربُّك اللات والعُزّى، وهو يقولُ لهم: أحدٌ أحد، وأحياناً يُجيبهم: بلا إله إلا الله مُحمدٌ رسول الله،[٢٢] فقام أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بشرائه، ثُمّ أعتقه؛ ليُخلّصهُ من تعذيبهم.[٢٣]
جهاد بلال بن رباح

شهد بلال -رضي الله عنه- جميع الغزوات مع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-،[٢٠][٢٤] فشهد معركة بدر، والمشاهد كُلِها،[٣][١٣] وذهب إلى الشّام في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- للجهاد، وبقي بها مُجاهداً حتى مات.[١١]
اتخاذ بلال بن رباح مؤذّنا
تشرّف بلال -رضي الله عنه- بأن كان مؤذّناً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-،[٢٥][٢٦] فكان يؤذّن في حضره وسفره، وهو أول من أذّن في الإسلام، ولما فُتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة أمره النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يؤذّن على ظهر الكعبة؛[٢٧] وذلك لجمال صوته،[٢٨] وقيل: إنّه أذّن لأبي بكرٍ -رضي الله عنه- في خلافته.[١١]
وبعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- جاء إلى أبي بكر -رضي الله عنه- واستأذنه في الجهاد، فأجابه بأن يبقى معه حتى يتوفى، فبقي معه حتى توفّي أبو بكر، ثُمّ جاء إلى عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- واستأذنه في الجهاد، فقال له مثلما قال له أبو بكر، لكنّه مع ذلك خرج إلى الشّام مُجاهداً، وقيل: إنّه أذّن لِعُمر في الشّام مرةً واحدةً، ورأى بلال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في المنام، فرجع إلى قبره في المدينة، وبكى عنده، وجاءه الحسن والحُسين ليؤذّن لهما، فصعد إلى سطحٍ وأذّن، وبدأ الناس بالبكاء من صوته ولتذكّرهم لرسول الله.[٢٩]
أعمال بلال بن رباح في خلافة أبي بكر وعمر
بقي بلال في المدينة بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ووفاة أبي بكر، وفي خلافة عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أذن له في الجهاد، فخرج إلى الشام مُجاهداً،[٣٠] ففي خلافة أبي بكر بقي في المدينة، وقيل: إنّه أذن له في الذهاب إلى الجهاد في الشام،[٣١] وتوقّف عن الأذان بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-.[٢٠] وفاة بلال بن رباح

توفّي بلال -رضي الله عنه- في دمشق، وقيل: في حلب، في السنة العشرين من الهِجرة، وقيل: في السنة الثامنة عشر من الهجرة،[٣] وقيل إنّه توفّي بدمشق ودُفن في مقبرتها عند الباب الصغير، وكان عُمره ثلاثةٌ وستون سنة، وقيل: إنّه توفّي في السّنة الواحدة والعشرين من الهجرة، وكان يبلغُ من العُمر سبعين سنة،[٨] وقيل: إنّه توفي في دمشق في العام العشرين للهجرة، وكان قد تجاوز الستين من عُمره،[٢٠] وقيل: تُوفّي في داريّا، وحُمل ودُفن في الباب الصغير، وقيل: بباب كيسان؛ وهي قريةٌ من قُرى دمشق بالغوطة، ودُفن في مقبرة دمشق عند الباب الصغير، وعند وفاته قال: "غداً نلقى الأحبّة، مُحمداً وحزبه".[٣٢]


المراجع
↑ المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (1972)، جامع الأصول في أحاديث الرسول (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة دار البيان، صفحة 215، جزء 12. بتصرّف.
  1. ↑ علي بن إبراهيم بن سليمان، أبو الحسن، علاء الدين ابن العطار (2006)، العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 370، جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت محمد بن إسحاق بن مَنْدَه (2005)، معرفة الصحابة (الطبعة الأولى)، الإمارات: مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة، صفحة 267. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت محمد بن محمد الجزري، عز الدين ابن الأثير (1989م)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 245، جزء 1. بتصرّف.
  4. ↑ تقي الدين المقريزي (1999)، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 132، جزء 10. بتصرّف.
  5. ↑ سبط ابن الجوزي (2013)، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الرسالة العالمية، صفحة 330، جزء 5. بتصرّف.
  6. ↑ علي بن إبراهيم بن سليمان، أبو الحسن، علاء الدين ابن العطار (2006)، العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 370، جزء 1. بتصرّف.
  7. ^ أ ب يوسف بن عبد الله القرطبي (1992)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الجيل، صفحة 179، جزء 1. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 201، صحيح.
  9. ↑ بدر الدين العينى، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 244، جزء 16. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت علي بن إبراهيم بن سليمان، أبو الحسن، علاء الدين ابن العطار (2006)، العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 371، جزء 1. بتصرّف.
  11. ↑ عبد اللطيف بن علي السلطاني (1982)، في سبيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الأولى)، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 141. بتصرّف.
  12. ^ أ ب علي بن أبي الكرم بن عبد الكريم، عز الدين ابن الأثير (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 243، جزء 1. بتصرّف.
  13. ↑ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، مصر: السعادة، صفحة 147، جزء 1. بتصرّف.
  14. ↑ محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (1427 هـ)، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (الطبعة الثامنة)، دمشق: دار القلم، صفحة 284، جزء 1. بتصرّف.
  15. ^ أ ب محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور (1984)، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، صفحة 254-255، جزء 5. بتصرّف.
  16. ^ أ ب سبط ابن الجوزي (2013)، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (الطبعة الأولى)، دمشق: دار الرسالة العالمية، صفحة 330-331، جزء 5. بتصرّف.
  17. ↑ الشيخ الخضري (1425 هـ)، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفيحاء، صفحة 43-44. بتصرّف.
  18. ↑ المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (1972)، جامع الأصول في أحاديث الرسول (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة دار البيان، صفحة 215، جزء 12. بتصرّف.
  19. ^ أ ب ت ث موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 731، جزء 10. بتصرّف.
  20. ↑ محمد بن محمد الجزري، عز الدين ابن الأثير (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 243، جزء 1. بتصرّف.
  21. ↑ عبد اللطيف بن علي السلطاني (1982)، في سبيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الأولى)، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 133-135. بتصرّف.
  22. ↑ محمود محمد غريب (1981)، هَذَا نَبِيُّكَ يَا وَلَدِي (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الأنصار، صفحة 133. بتصرّف.
  23. ↑ محمد بن طه (2012)، الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، الفيوم: دار سبل السلام، صفحة 647. بتصرّف.
  24. ↑ موقع وزارة الأوقاف المصرية، تراجم موجزة للأعلام، صفحة 85، جزء 1. بتصرّف.
  25. ↑ يوسف بن عبد الله النمري (1992)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الجيل، صفحة 178، جزء 1. بتصرّف.
  26. ↑ عبد اللطيف بن علي السلطاني (1982)، في سبيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الأولى)، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 140. بتصرّف.
  27. ↑ موسى بن راشد العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون «دراسة محققة للسيرة النبوية» (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية للإعلان والطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 212، جزء 2. بتصرّف.
  28. ↑ محمد بن محمد الجزري، عز الدين ابن الأثير (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 243-245، جزء 1. بتصرّف.
  29. ↑ تقي الدين المقريزي (1999)، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 132-133، جزء 10. بتصرّف.
  30. ↑ ابن الأثير (1989)، أسد الغابة، بيروت: دار الفكر، صفحة 243-244، جزء 1. بتصرّف.
  31. ↑ عبد اللطيف بن علي السلطاني (1982)، في سبيل العقيدة الإسلامية (الطبعة الأولى)، الجزائر: دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة، صفحة 147. بتصرّف.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 238.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 232.36 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]