الرقص على الجروح - ملتقى الشفاء الإسلامي

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858954 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393323 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215659 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-08-2023, 10:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي الرقص على الجروح

الرقص على الجروح
د. محمد زكي عيادة


وهل يمكن للإنسان أن يرقص على جرح إنسانٍ مثله! هل له أن يبني عروش ابتسامته على أنقاض الخواطر وانكسارات النفوس!
بالتأكيد لست أنا من يفعل ذلك، وكذلك تقولها أنت في نفسك، ويقولها هو، وهي، وهما، وهم، وهنَّ!
فإن كانت كلّ ضمائرنا تدّعي البراءة من دم هذا الرقص المشين إذن لماذا تفيض الجروح من حولنا، ولا تكاد تندمل؟!
ولماذا يفوح نتن الجاهلية من ربوع الشرق المبارك، ولا توشك أن تغيب عنه المآسي والشقاق؟

لقد مللنا البحث عن الجُناة في فناجين القهوة وطوالع النجوم وتمائم السِّحر، ولم يُفلح قولنا (إنها مؤامرة) في صنع ترياقٍ ناجعٍ، ولا حلٍّ نافعٍ! وكلما حاولنا ادّعاء الفهم والمقدرة على التحليل ازددنا جروحًا جديدةً تئنُّ تحت وطأة أقدام غريبةٍ (لسنا أصحابها بالطبع)! وفي رحلة البحث عن الحقيقة ووسط فنون التبرير والتسويف مرَّ بي شيخٌ، ينقل خطاه بحذرٍ خلف عكّازه، فخطر لي أن أدعوه. وبعد أن حكمت على لحيته في نفسي، تمنَّنتُ عليه بشيءٍ ممّا آتاني الله على علمٍ عندي، وسألته بنبرة المتشكّك عن ذاك العابث بآلام الناس؟

صمتَ برهةً يستجمع ريقه، وهو يتأمَّل مكتبتي المتوارية خلف الزجاج المقفل، ويطالع صناديق المجلّدات المغلَّقة، وحالما وقعت عيناه على أقدس الكتب مُغبرًّا؛ ضاجت قسمات وجهه تصارع العبرات!

نهض منكسرًا يقودني إلى الشُّرفة، ويُشير بيده المرتعشة قائلًا:
لمن ذاك الطفل المتبجّح، يستعرض ألعابه البهيّة أمام جاره المنهك بالفقر؟

ولمن ذاك الولد المتهوّر يُفزِعُ بسيّارته المارّةَ، ويُكدّر المرضى والطَّير؛ لينتشي بصخب التَّبذير ودخانٍ ترسمه العجلات؟

من علَّم ذاك الفتى أن يفتّش في زملائه عن عاهةٍ يُقلّدها؛ ليصنع منها فكاهةً تجذب الأنظار وتنال التصفيق؟

ومن ذاك الرجل المتباهي على أقرانه بكرسيٍّ، أو شارةٍ، أو بطاقة تعريفٍ، أو سبحةٍ، أو قلمٍ مشلولٍ، أو عود سواك!

من تلك المرأة ترفع كُمّ عباءتها؛ ليشرق الذهب في معصمها فتغيظ به أخرى، وتلك تلفُّ حقيبة يدها؛ لتُظهِر شارة (ماركتها)؛ فتُذكِّر الناس بأنّ الناس مقامات؟

ومن ذاك المسؤول تزدحم صفحاته بصور سياحته، ويستكثر على الناس الأنفاس والحدائق والأعياد؟

ومن ذاك العامل يحتفلُ بزيادة راتبه، ويوزّع الحلوى والنشوى طربًا، وبجانبه آخر مفجوع بالخصم؟

ومن ذاك المجتمع تتحلّق فيه التُّخمة حول الأنعام المكتّفة، يشويها أناسٌ بلا معدةٍ ولا شعورٍ ولا أحلام؟

ومن أولئك المجاهدون أضاعوا البوصلة يستحلُّون بيوتًا آمنةً، ويسفكون دماءً بريئة لشركاء لهم في الأرض والدِّين؟

من أحرق لذاك الشيخ بستانه وذاكرته؟ ومن شرّد ذاكَ الطفلَ وأختَه وأمَّه؟ ومن استغلّ حاجتهم؟ ومن أعرضَ عنهم؟

ومن تسبّب بتلك الخيام المشرّدة على أرصفة الصحاري، والحشود اللائذة بالأسوار الملغومة تتسوَّل أيَّ حياة؟

ومن ذاك الشعب يمجّد طاغيةً أباد شعوبًا؟ وذاك يبرّر مجازر وفق هواه!

ومن...

أطرق الشيخ، وقد فاضت عبراته... غادرني بصمتٍ منكوبٍ، يُقلّب كفّيه على ما رأى!

تلك المشاهد وسواها ممّا لا يسع المجال لخطّها، ويخشى اللسان من ذكرها بدت شاخصةً للشيخ في سائر بقاع أُمَّتنا كمسرح رقصٍ يمتهن كسر الخواطر.

وفي اليوم التالي، وبعد التحليل المعمّق للمَشاهد بخبرتنا، وإدراك حجم الجِناية بفراستنا؛ تعرّفنا إلى الجُناة عن طريق الإذاعة والقناة، فاجتمعنا (أهل الحي) على مضضٍ نستذكر حديث نبيّنا الأعظم صلّى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ"، وبتنا نقول لبعضنا: "أين تلك الضمائر الأعجمية الميتة من هذا الهدي النبويّ الإنسانيّ الرحيم؟"، فرفعنا أكفّنا ندعو عليهم، ونحتسب ألم جراحات الحاضر والمستقبل طمعًا بالأجر!

تفرّقنا بسرعةٍ بعد توزيع التُّهم وإصدار الأحكام منتشين ببراءة أنفسنا من دم الإنسانية، نتمتم بعبارات اللَّعن، وكلٌّ يمعن النظرَ حوله، يفتّش بنَهمٍ عن جرحٍ على مقاسه ليرقص عليه!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.57 كيلو بايت... تم توفير 1.70 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]