نحن والجمال - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858904 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393264 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215633 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-08-2023, 10:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي نحن والجمال

نحن والجمال
جواد عامر

الجمال مرآة لحكمة الخالق وبديع صنعه في الكون، ما أحسب إنسانًا عاقلًا يجحد مواضعه الكثيرة إلا إذا كان ذا بصرٍ ضيق وأفق مسدود، فالمتأمل يلفي معالمه بادية في كل فصل من فصول الحياة؛ فللخريف رونق فريد يمتحه من شحوب أوراقه ودمدمة رياحه التي تعزف ألحانها الذابلة على قيثارة الوجود. فيه تستطيب النفس رائحة التربة الندية ومنظر أسراب الطير وهي تلتقط الحب المنثور من ثنايا الأخاديد.

وللشتاء فتنته المتفردة برغم الزمهرير عندما يمد أنامله الساحرة ليكسو أفنان الشجر، ويلبس قمم الجبال وسفوحها بدثار أبيض يأسر العقول، فيسود السكون الحالم في كل مكان، ويرسل الطرف ليغرق هنا وهناك في البياض الساحر، الذي لا يلبث أن تخُطَّ على صفحته الطبيعةُ سطورَ الجمال، وله روعته الفاتنة حينما تجود غمائمه عازفة سمفونية الشتاء الخالدة، كلما لامست قطرات الماء الجماد والأحياء معًا في تناغم عجيب، يثير أحاسيس الفرح والانتشاء.

وللربيع سحْره الآسرُ للألباب عندما يأتي ضاحك الثَّغْر، مُتَهَلِّل الأسارير ليمنح الأرض حُسنًا مُتَلونًا توشِّي فيه ريشتُهُ الحقولَ بضروبِ الأزاهير الفائِحَة، ويأْذَنَ للأماليد بإخراج براعمها لتزحف فوقها حالمة، فتُكْسَى أوراقًا خضراءَ يانعةً وأزاهير متفتحة َالكِمامِ يُعانقُ بعضُها بعضًا راسمًا أجمل اللوحات في مرسم الطبيعة فتدِبُّ الحياة دبيبًا يَسْري بِروحِها النهرُ في دَعَةٍ وسكون حالمين ليَضُمَّ البحرَ المشتاقَ إليه منذ أمدٍ، وينعتقَ الفراشُ والنحل من قيد الشتاء منطلقًا في أُلْفة وحُبٍّ ليقَبِّلا أعْطافَ الوردِ ذي الثَّغْر المُفْتَرِّ المستَقْبِلِ لفُلولِها برحابة صدْر في مأوى الرحيق.

وللصيفِ مذاقة ٌلا توجدُ في غيره رغم القيْظِ اللافِحِ الذي يَفْتُرُ وهجُه عند شواطئ البحر وضفاف النهر وبين ثنايا الفجاج وتحت ظلال الغاب الفسيح، وله فتنَتُه المتفردة حين تداعب النسائم سُنبُلاتِه الصَّفراءِ الهائجة، فتتراقصُ ذاتَ اليمينِ وذات الشمالِ وقدْ تَخَللَتْها بضْع شقائق النعمان مما تركت يد الربيع بُعَيْد رحيله وهي تحاكي رقصاتها فارهَة القامة متباهية برشاقتها وسط السنابل، والشمس في عليائها ترقب هذا التناغم الجميل وضوؤها ينشر دفْئَه في كل مكان.

يتنفسُ الصبْح فتغرِّدُ الأطيار كلُّها وتشدو أعذب الألحان الشجيَّة، فلا تدْركُ آلاف النفوس المُثخَنةِ بجراحِ المَدَنِيَّةِ الغائِرَةِ شدْوها وتتفتَّقُ أكمامُ الزهر لتَحتضنَ أولى قُبُلات الشمس الناشرة أسْلاكها فلا يُقْبِلُ عليها أحد ليشْتمَّ أريجَها الفواح وتغْربُ الشمس مرصِّعَةً ثوبَ السماء ذهَبا، فلا يرقبها أحد ليدرك أسرار الجمال المودَعَة ِفيها، ويلوحُ البدر في سماه متربعًا عرشها يُمَنِّي النفسَ بنظرة تتأمل حسن اكتماله فتعيد إليه كبرياءه الضائع، فلا يرفع أحد بصره إليه ليشهد الحسن في أروع صوره،.. لأن أمثال هاته النفوس قد أبدلت مكرهة ًنسائمَ الصبح وعطر الورد بعوادم السيارات والمصانع ومياه المجاري الزاكمة للأنوف، وأبْدَلَتِ الدَّوْحَ الظليل والأيْكَ البليلَ بناياتٍ ودُورًا لا ترى في ظاهرها إلا الموتَ والجمود وفي باطنها تلهفًا وتسابقًا محمومًا للظفر بغنائم الحياة وأبدلت شدو البلابل بصخب المدَنِيَّةِ ولغَط الأصوات المختلطة فيها بين أبواق مركبات وضجة الباعة والمارة في كل موقع ليلا ونهارًا كأن المدنية الحديثة لا تلتقطُ أنفاسها، إنها نفوس منغمسة في عالم المادة، متحلبة أرياقها لا ترنو إلا لما فيه مجلبة المال، إنها نفوس مثخنة بجراح المدنية الزائفة التي أبعدتها عن اكتناه مواطن الجمال وإدراك أسراره الفاتنة، لذلك غلُظَت طباعُهم وجَفَتْ قلوبُهم حتى طغت شيمة الاحتراس من الآخر الغريب وساد المكر والخداع والنِّفاق وغيرها من القيم الدنيئة التي أنشأتها المدنية الحديثة بعد ابتعاد الإنسان المعاصر عن تذوق الجمال وقراءة سطوره من كتاب الطبيعة، وحرصه الدائم على مواصلة نفس النسق متلهفًا منساقًا وراء الأهواء لتحقيق مطامعه ورغباته اللامتناهية، فتكون بذلك الحضارة الجديدة وهي تتراءى في أبهى الصور وأحلى المشاهد أنيقة في حُلتها، جميلة في مظهرها تلتمع كالنجم لكنها تخفي وراءها شهبًا حارقة أتت على الأحاسيس الجميلة والقيم النبيلة، لتُفْقِد الإنسانَ المعاصرَ الذي انجرف في تيَّار المادة بشكل يومي ونأى بجانبه عن نزوعات الروح كي يعود إلى فطرته السليمة التي تنشد الحب والوئام والألفة مع كل شيء في الوجود.

ولعل حنينه بين الفينة و الأخرى إلى عالم الغاب حيث الجمال يسبح بخيالاته المُجَنَّحَةِ لدليلٌ قاطع ٌعلى هذا الموضوع الفطريِّ الذي شوهته المدنية الحديثة وجعلته مُربَدًّا بغبارها اللامتناهي..

إنها الحياة في أحدث صورها وهي تغتال أحاسيس الجمال، وتحجب عن العيون صوره الفاتنة بعد أن غشيتها ضبابات العالم المادي السريع، لذلك فإن النفس الإنسانية تحتاج اليوم إلى إعادة قراءة للجمال لتكيف ذهنيتها رويدًا رويدًا مع هذه الثقافة الغائبة التي يحتاج العقل العربي حقيقة إلى تصفحها وغسلها من أوحال علقت بها علوقًا لا تكاد تبرحها، إنها في حاجة إلى خلق حوار ذاتي قوامه النقد الْمُؤدِي إلى الاعتراف لتصحيح العلاقة مع الفطرة من منظور إسلامي يحث على تغييرما بالنفس قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

وهذا التغيير لا يبدأ إلا عبر مساءلة النفس ورميها بسهام النقد القويم لإعادتها للمسار الصحيح، فقد أصبح لزامًا أن نمارس جميعنا ثقافة تذوق الجمال سواء ذاك الذي تصنعه الأيادي والعقول المبدعة أو ذاك الذي أوحى لهؤلاء بإبداع الجمال لأنه معين صاف ملهم، لا نحتاج إلا لقراءته بإمعان لنسبر أغواره فنرى تفاصيله المخبوءة تتكشف معلنة عن نفسها، كل هذا وذاك من أجل صناعة حضارة تُقْرِئُنا الجمال وتعلمنا تذوق صوره مثلما علمتنا تقنياتها وأرتنا بديع ذكائها الذي أنتجه العقل الغربي بعد سحبه البساط من حضارتنا..

حقا إن العقل العربي محتاج إلى تصالح مع مناهله العذبة التي اغترف منها عبر تاريخه المشرق ليعيد قراءة خطاب الجمال في المنظور الديني، ليجد أن القرآن بشكل خاص قد ألمح في مواضع عدة إلى قيمة الجمال في ثقافة الإنسان، حيث تكلم كثيرًا عن بداعة الكون واختلاف الألوان وزينة السماء وزخرف الأرض، بل إن دعوته الى التأمل في صور الجمال البديع صريحة وواضحة، حتى في الأنعام نفسها إذ يقول: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [النحل: 6]، فإذا كان الجمال قائمًا في منظر القطعان راتِعة في مراعيها فكيف يكون منظر غروب الشمس أو شروقها وانسياب النهر رقراقًا يغازل الضفاف ويهمس بالوداعة للطبيعة الأم وغير ذلك كثير مما يختلب النُهى ويُشْخِصُ الأبْصارَ.. إنها دعوة قرآنية لفهم قيم الجمال وتذوقه استجابة للفطرة السليمة التي تنْزَع ُدومًا إلى كل ما هو جميل وحتى الشاعر العربي إيليا ابو ماضي حينما قال:
ليتَ الذي خلقَ الحياةَ جميلةً *** لم يسدلِ الأستارَ فوقَ جمالِها
يعلن عن قوة هاته الفطرة الإنسانية وشراستها في حب الجمال، مما يجعل حديثنا عن دور المدنية المعاصرة في اغتيال ذائقة الجمال وإبعاد الإنسان عن صورها الرائعة التي يحن الى رؤيتها بين الفينة و الأخرى في المناسبات العارضة دون أن يُشْفَى الغليلُ وتتشَبَّعَ النفسُ بها إذ سرعان ما تُطْفئُ مُتعتَها مدنيةٌ لاهِثة وراء المادة لتعودَ النفوسُ إلى طبْعِها الذي صقلته الحضارة الحديثة ناسية ما تعلمته من كتاب الطبيعة من ألفة وحبٍّ بين أجْزائِها فيكون الطَّبْعُ فعلا غالبًا على التَّطَبُّعِ..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 50.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.22 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (3.25%)]