الوقف على الحيوان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 37 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1198 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16920 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »          الخواطر (الظن الكاذب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-01-2023, 01:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف على الحيوان

الوقف على الحيوان
أ. د. ناصر أحمد سنه

ليس عجبًا أن نرى أوقافًا على دور العلم وأهلها، وعلى المساجد وإعمارها، وعلى الكتب ونشرها، وعلى كفالة تزويج الأيتام والفقراء، وعلى إعارة الحلي، وعلى كفالة الأيتام والأرامل، وعلى الأواني والزبادي، وعلى دور وخانات الضيفان وأبناء السبيل والفقراء، وعلى إفطار الصائمين الفقراء وسحورهم، وعلى البيمارستانات/ المشافي ومؤنسي المرضى، وعلى سكنى الحجيج وإطعامهم وسقياهم وللحج عن الغير، وعلى تعبيد الطُّرُق ورصفها والبريد والمراصد الفلكية وأشغالها، وعلى الأسبلة، وعلى حراسة الأماكن المخوفة، وعلى فكاك الأسارى وعتق الرقاب، وعلى إصلاح ذات البَيْن بين الناس والأزواج، وعلى إخراج مَنْ حبسه القاضي من المقلين، وعلى تكفين الموتى ومن يقرأ القرآن عند قبورهم... إلخ؛ لكن العجب أن نجد وقفًا على الحيوان، فهذا من نوادر الأوقاف وفرائدها.

ولقد مضى المُواسون مِن المؤمنين- بدافع الرحمة التي قذَفها الله في قلوبهم، والرغبة في مَثوبة الله لهم، وألا يَنقطِع عمَلهم بعد موتهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلَّا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفَع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ (أخرجه مسلم في صحيحه)، وقد فـُسِّرت "الصدقة الجارية" بالوقف؛ ففي "الموسوعة الفقهية": "والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف"؛ لذا كان المسلمون يَقفون أموالَهم (كلَّها أو بعضَها) على كل غرض إنساني شريف، وتعدَّى وقْفُهم وبِرُّهم الإنسانَ إلى الحيوان.

وتأخُذنا الدهشةُ حين نستعرِض حُجَج الواقفين، ونرى نُبْل نُفوسِهم، ويقظة ضمائرهم، وعلوَّ إنسانيَّتِهم، وسلطان دينهم عليهم، وهم يتخيَّرون الأغراض الشريفة التي يَقفون لها أموالَهم، ويَرجون أن تُنفَق في سبيل تحقيقها.

والوَقْف لغةً بفتحٍ فسكون: مصدر وقَفَ الشيء وأوقفه، يُقال: وقف الشيء وأوقفه وقفًا؛ أي: حبسه، ومنه: وقف داره على الفقراء؛ لأنه يحبس الملك عليهم.

واصطلاحًا: "الوقف" من خصائص الإسلام، وهو "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة"، ويُقصَد به: "حبس العين عن تمليكها لأحد من العِباد، والتصدُّق بالمنفعة على الفقراء، أو على وجه من وجوه البر"، وهناك من اشترط أن تكون هذه المنفعة أو ريع الوقف ليس مقصورًا على أفراد بعينهم؛ كالواقف وذريته وأقربائه أو الفقراء فحسب؛ وإنما يمكن أن يشمل جهات خيرية تعود بالنفع على جموع المسلمين، فتنوَّعت الأغراض والجهات التي يُوقَف عليها؛ من مساجد، ومدارس، ومكتبات، وأربطة، ودور لرعاية الأيتام، وأبناء السبيل، وتسبيل الماء، وحفر الآبار، ومصحات، وكذلك رعاية وعلاج الحيوانات من خيول هرمة وقطط عمياء، وغيرها.

واختلف العلماء في حكم الوقف على الحيوان، ومذهب المالكية ووجه عند الشافعية: الجواز، وقال الحنابلة ووجه عند الشافعية بالمنع، والراجح أنه لا حرج في ذلك، فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: ((في كل كبد رطبة أجر))؛ (متفق عليه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حفر ماء لم يشرب منه كبد حرَّى [عطشى] من جِنٍّ ولا إنْسٍ ولا طائرٍ إلَّا آجره الله يوم القيامة))؛ (رواه ابن ماجه)، ولقد أسهب الفقه الإسلامي في بيان أحكام الوقف على الحيوان والطير، ويمكن الرجوع إليها للاستزادة.

صور الوقف على الحيوان:
يقاسم الإنسان عوالم أخرى من الكائنات الحية تُشاركه المصالح المعيشية، وهو مُؤثِّر فيها أو مُتأثِّر بها في تيسير سبل عيشه وحياته، ومن أبرز هذه الكائنات الحيوانات؛ لذا نجد شريعتنا الإسلامية الغرَّاء زاخرة بقيم ومبادئ ومظاهر الرفق والرحمة بالحيوان، ولقد انعكست تلك القيم والمبادئ فقهًا تشريعيًّا، وواقعًا تطبيقيًّا، وعناية مؤسسية، وممارسة حياتية في الحضارة العربية الإسلامية، وسجَّل الوقف الإسلامي سبقًا في إنشاء مراعي للحيوانات العاجزة والهرمة، ومنها أوقاف المرج الأخضر (أرض معرض دمشق الدولي الآن)، فكانت تترك هذه الحيوانات طليقة في ذلك المرج الأخضر لتأكل مزروعاته المُكرسة سنويًّا لهذا الرعي، وتشرب من مياه بئرها الجارية، وتستمر بالعيش في هدوء دون أن تكون عالةً على أصحابها حتي يأتي أجلها، وشتان بين أن يُقتَل حيوان هرم وبين أن يعيش آمنًا في مرج وقْفِيٍّ حتى تأتي منيَّتُه، وهناك وأوقافٌ خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة.

أما وقْف الكلاب الضالَّة فكان في جِهات يُنفَق من ريعها على إطعام الكلاب الضالَّة التي ليس لها صاحِب؛ استنقاذًا لها مِن عذاب الجُوع، حتى تَستريح بالموت أو الاقتناء، وفي دمشق كان هناك وَقْفٌ للقطط تأكل منه وتنام فيه، وكان يجتمع في دارها المخصصة لها مئات القطط السمان التي تطعم كل يوم وهي مقيمة لا تتحرَّك إلا للتريُّض والتنزُّه، وثمة وَقْفٌ خاص على طيور الحرمين الشريفين، وعدته الشافعية من فروض الكفاية، كما كُرست أوقاف لإطعام الطيور والعصافير في مدن عديدة منها: دمشق، والقدس، وفاس، كما أوقف الواقفون أموالهم على علف الدوابِّ الحارسة للثغور والحدود ونحوها.

والأوقاف- كما يوقفون إبلًا أو بقرًا أو غنمًا حتى يتصدَّق بنسلها كصدقات جارية- فيها فضل وأجر.

وثمة أوقاف على رعاية البيئة التي يعتمد عليها الحيوان والطير، فوجدت أوقاف لصيانة التُّرَع والأنهار والمراعي والمزارع، ويُعَدُّ نظام "المحميات الطبيعية" من أقدم النُّظُم التي اتبعها العرب والمسلمون؛ لصيانة الموارد البيئة (الحيوانية والنباتية) من التلف والبوار والعدوان عليها، وأطلق عليها اسم "الحمى"، وثمة محميات أوقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيل الجهاد وإبل الصدقة في سبيل الله، ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيله"؛ (رواه أحمد في مسنده)، و"النقيع" موضع قرب المدينة كان يستنقع/ يجتمع فيه الماء، وكذلك ما روي أن أول من حمى "ضرية" في الإسلام هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حماها لإبل الصدقة وخيول الفاتحين.

وكانت الشريعة الإسلامية أول مَن قرَّر مبدأ المحميات الطبيعية وأقامت ثلاثًا منها في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والطائف، وحددت حدودها، وقدَّرَتْ أبعادها، وسنَّتْ تشريعاتها لحماية الحياة الطبيعية فيها.

وهكذا سلَك الواقِفون كل مسالك الخير، فلم يدَعوا جانبًا مِن جوانب الحياة دون أن يمدوا يد الخير فيه، والمتتبِّع لتاريخ المؤسسة الوقفية الإسلامية وآثارها وأبعادها الاجتماعية والحضارية يقف وقفةَ إجلالٍ وإعجابٍ أمام فضلها في تشييد مختلف جوانب صرح الحضارة الإسلامية، ومنها الوقف على الحيوان، وسيشهد المنصفون بأحقيَّةِ حضارتنا العربية الإسلامية بأن تقف مرفوعة الرأس، شامخة البنيان، يُشار لريادتها بالبنان، فقد قدَّمَت للإنسانية منارات هادية، وإبداعات متميِّزة في مجالات الحياة المتنوِّعة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.52 كيلو بايت... تم توفير 1.78 كيلو بايت...بمعدل (3.48%)]