الشيخ - فريد الأنصاري - رحمه الله ...||[ ســـيرة ومـســيرة ]|| - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2011, 01:53 AM
الصورة الرمزية أمة_الله
أمة_الله أمة_الله غير متصل
هُـــدُوءُ رُوح ~
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: ღ تحت رحمة ربي ღ
الجنس :
المشاركات: 6,445
Lightbulb الشيخ - فريد الأنصاري - رحمه الله ...||[ ســـيرة ومـســيرة ]||

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أبو أيوب الأنصاري في رحلة العمر


كُتب بقلم : ذ.عبد الحميد الأنصاري (شقيق الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله)
المصدر : جريدة المحجة العدد 330-331


النسب و النشأة

(بحاير الأنصار) قصر قديم في واحة تافيلالت، لم يبق منه إلا أطلال، قدر الله عليه سيلا فرق أهله في أرجاء الواحة.
وكان من النازحين محمد بن المكي القاضي، الذي نزل في (الجرف) فقيها على طريقة الشرط، وُلِد له حسن الضرير الفقيه العالم أبو محمد أبي حسن أبي فريد الأنصاري.
كان أبو أيوب الأنصاري يُرجِع نسبه، بناء على بحث قام به بنفسه، إلى الصحابي الجليل [سعد بن عبادة ] رضي الله عنه.
وُلد فريد الأنصاري، رحمه الله، في التاسع عشر من ربيع الثاني، سنة ثمانين وثلاثمائة وألف هجرية، الموافقة لسنة ستين وتسعمائة وألف للميلاد، في قرية (أنِّيف)، إذ كان والده، خريج القرويين، معلما هناك.
وكان، رحمه الله، يُرجع الفضل في بذرة التدين فيه، إلى والدته عائشة مهاجر، رحمها الله، التي تربت في حجر جدتها لأمها الأمازيغية التي لم تكن تفتر عن الذكر.
نشأ في صغره، يجيد الأمازيغية ويتكلم بها، واحتفظ بقدرته على فهمها في كبره، وإن كان نسي الإفصاح بها!
انتقلت العائلة بعدُ إلى (الجرف)، ونشأ أبو أيوب بقية طفولته هناك، في جو عائلي وبيئي شبيه جدا بما كتب في (كشف المحجوب)، فالبيت الموصوف في الرواية، بمن فيه، يكاد يكون بيت جده.


* بـدايـات الرحلـة
أتم تعليمه الابتدائي سنة (1974 م)، وقد حكى الأستاذ أن والده، رحمهما الله، أسقطه في هذه المرحلة سنتين اثنتين تشديدا منه عليه في التأهيل العلمي!
وبانتقاله، رحمه الله، إلى المرحلة الإعدادية كان عليه أن يغادر البيت إلى بلدة (أرفود) القريبة، فأقام مدة في بيت عمته، ومدة في السكن الداخلي التابع للمؤسسة التعليمية.
كان شغوفا بالقراءة، فلم تكن أنامله تهمل أي كتاب تقع عليه من أن تتصفحه إلى أن تأتي على تمامه، فقرأ، وهو في المرحلة الإعدادية، كتاب (في الشعر الجاهلي)، وروايات المنفلوطي، وروايات جرجي زيدان…
وبانتقاله إلى المرحلة الثانوية سنة (1978 م)، التي درسها في بلدة (كلميمة)، كان له أول احتكاك عملي مع فكرة الدعوة الإسلامية؛ ففي سنته الأولى من هذه المرحلة الدراسية، وفي حجرة من السكن الداخلي للمؤسسة التعليمية، كان يجالس عفوا بعض التلاميذ، فشرع أحدهم يتحدث عن الحركة الإسلامية، مجتهدا في الدعوة لفكرتها، إلا أنه بدا لأبي أيوب، رحمه الله، أن جليسه أساء من حيث أراد أن يحسن، فرد عليه مصححا بناء على المعلومات التي استقاها من قراءاته، ثم بعد مدة ليست بالطويلة من ذلك النقاش، اتصل بأبي أيوب صاحبه الذي تكلم عن الحركة الإسلامية، وعرض عليه أن يطبقوا ما تناقشوا حوله، فاستحسن أبو أيوب الفكرة، واتصل ببعض أصدقائه ممن ينحدرون معه من نفس القرية، وعرض عليهم فكرة أن (يصنعوا) شيئا اسمه (الإخوان المسلمون)! فتحمسوا لذلك كثيرا، كما حكى رحمه الله.
كان من أهم زادهم آنذاك في جلساتهم أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك، كانوا يجتمعون عليها ليلا، والظاهر مما كان يحكي، رحمه الله، أن الأمر يتعلق بتصرف عفوي من يافعين، وليس بتنظيم له برنامج واضح.
ومن الوسائل التي كانوا يستعملونها في نشاطهم الدعوي، مجلة تُكتب في دفتر يتداولونه بينهم، وكان أبو أيوب، رحمه الله، صاحب فكرتها والمشرف عليها.
عندما ختم، رحمه الله، تعليمه الثانوي سنة (1981 م)، وفي العطلة الصيفية، باع دراجته العادية، وسافر، دون أن يخبر أحدا من أهله، إلى مخيم بالعرائش.. كان المفروض أن يمكث أسبوعا أو ما يقارب، لكنه آثر الاستزادة، فجعل يخيم مع كل فوج يجيء إلى أن أتم شهرا. وقد كان أول مخيم له في حياته، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.


* في رحـاب الجامعـة
التحق، رحمه الله، بالجامعة في (ظهر المهراز) بفاس، سنة (1981 م)، وهي السنة الثانية من تأسيس شعبة الدراسات الإسلامية، فاختارها مسلكا علميا له.
بدأ مرحلته الجامعية متشبعا بالفكر السلفي وبفكر تقي الدين الهلالي وصداه، رغم أن الطابع الغالب على محيطه العائلي كان ميالا إلى السلوك الصوفي على الطريقة التيجانية.
فقدر الله أن التقى، أول من التقى، بإخوة من جماعة الدعوة فعاشرهم سنتَه الأولى، وفي هذه السنة ألقى أول درس له في مسجد قريب من الجامعة. حكى، رحمه الله، أنه تحرج من ذلك كثيرا وطلب الإعفاء، لكنه لم يُعف، وكان الموضوع حول شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحدث، بين التكليف بالموضوع وإلقائه، أن سافر في عطلة وسط السنة الدراسية إلى قرية (أنيف) مسقط رأسه، وأعد هناك درسه في جبل صغير مطل على القرية، معتمدا على (عبقرية عمر رضي الله عنه) للعقاد.
وكان هذا الدرس أول تجربة دعوية له، رحمه الله، تركت آثارها على شخصيته، وقوت ثقته بنفسه.
ثم بعد ذلك التقى بشباب من (الشبيبة الإسلامية)، فصاحبهم بضعة أشهر، لكن نفَّره منهم، حسب ما روى رحمه الله عن نفسه، أنهم كانوا يعلنون عن أهداف ضخمة، وعملهم أقل بكثير من أهدافهم التي يدّعون، فغادرهم بسلام.
كان في سكنه الجامعي بفاس مخالطا لشباب جماعة الدعوة بفاس، وشباب الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير، فغلب عليه مسارهم ولزمهم، وبقي يحفظ رقم غرفته، التي كان الإخوة يتناوبون عليها.. كانوا يسمونها كما يروي، رحمه الله: (الزاوية).
ويُحكى عنه، أنه كان من حين لآخر، يأخذ فراشه، ويذهب إلى مقر رجال التبليغ، فيبيت معهم.
حكى عن نفسه، رحمه الله، أنه لم يترك ديوان شعر في مكتبة الكلية لم يقرأه، وحفظ من الشعر الكثير، ثم نسيه على عادة الشعراء في تعلم صناعة الشعر.
بدأ كتابة الشعر وهو في المرحلة الثانوية، وفحل وهو طالب في الجامعة، فأرسل في هذه الفترة قصيدة لإحدى المجلات المغربية، فلم تُنشر، وأجيب في ركن الردود: (نتمنى أن تكون هذه القصيدة لك!)، والظاهر من روايته، رحمه الله، أن المشرف على المجلة كان يعرفه!
لم يُرو عنه أنه تولى أي مسؤولية تنظيمية في مرحلته الجامعية قبل شهادة الإجازة، بل كان متفرغا لتثقيف نفسه، وكان يجتمع مع الإخوان على مذاكرة نصوص الوحي، ثم ينصرف إلى برنامجه الخاص.
وكان، رحمه الله، ينصح صراحة من يريد تكوين نفسه ألا يعتمد على ما تقدمه له هذه الجماعة أو تلك، بل يشمرَ عن ساعد الجد ويسلك دربا عصاميا، دون أن يتجافى عن موراد الخير أينما كانت.
هذا مع العلم بأنه يرى أن أهم وظيفة على الحركات الإسلامية الاضطلاع بها، هي وظيفة (إنتاج العلماء)، إذ هي الضمانة الوحيدة لاستمرار التدين وجودا، ورشداً ومنهجا.


* في غمار البحث العلمـي
بمجرد حصوله على شهادة الإجازة سنة (1985 م)، رحمه الله، حصل على امتياز منحة دراسية لإتمام الدراسة في فرنسا، لكنه نظر للأمر نظرا مقاصديا، فآثر السير في طلب العلم الشرعي، حيث الجودة فيه، هنا في المغرب، لا هناك في الغرب.
تيسر له الالتحاق بما كان يُسمى (تكوين المكونين)، وحينها بدأ مشوار البحث العلمي الجاد.
في السنة الثانية من (تكوين المكونين)، سنة (1986/1987)، قدر الله له أن يختار الإمام أبا إسحاق الشاطبي موضوعا ومنهلا، والأستاذ الدكتور الشاهد البوشخي مرشدا ومشرفا، والدراسة المصطلحية أداة ومنهجا، ثم واصل على هذا المنوال في بحث الدكتوراه حتى ناقشها سنة (1999 م).
يحكي، رحمه الله، عن منهجه في التعامل مع البحث، أنه كان يأخذ فيه بسنة التعامل مع العبادة، فلم يكن يغلو ولا يجفو. إذ كثير من الباحثين تجدهم ينكبون على بحوثهم انكبابا عظيما، فيُسهرون ليلهم، وينقطعون له انقطاعا، حتى إذا مرت مدة من الزمن، انقطعوا عما كانوا فيه، وبقوا على فترتهم تلك إلى أجل غير معلوم، فلما يستأنفون يستأنفون من البدء كما لو لم يكن لهم سابق عهد بموضوعهم وبحثهم.
كان يحذر الباحثين من هذا الأسلوب، أسلوب الموسمية في التعامل مع البحث، فليس الأهم أن يقرأ الطالب كثيرا، بقدر ما الأهم أن يقارب بين فترات قراءاته، حتى لا ينقطع له خيط النور العلمي، ويتشتت عليه موضوع بحثه، فهذا أول رهان على الباحث أن يكسبه في تعامله مع البحث؛ بإتقان طريقة المراوحة بين الاستراحة والبحث، فيتصيد أوقات نشاطه ويعمل فيها، فإن تعب استراح إلى حين تجدد الشرة.
كان، رحمه الله، قد يسهر ليلة كاملة على بحث مسألة، لكنه لم يكن يتخذ ذلك ديدنا مستمرا، بل كان معتدلا، يترك الكتابة والفهم يأتيان على سجيتهما، ولم يكن يتكلفهما تكلف المُنبَتّ.
وهذه الطريقة المستلهمة من السنة، هي الكفيلة بأن تجعل الباحث تنهال عليه الإشراقات دون أن يتكلفها، وفي جميع أحواله المعيشية، من أكل وشرب واستراحة… تروي عنه زوجه أنه قد ينهض من فراش النوم ليلا، فيدون بضعة أسطر، ثم يرجع للنوم بعدها! ويقول إن مثل هذه الخواطر كالنفحات، من لم يقيدها بقيد الكتابة في وقتها، فقد لن تتأتى له بعدُ أبدا!
من يقرأ أي مؤلف لفريد الأنصاري يستحلي أسلوبه ويستلذه، ويجد نفسه يقرأ كثيرا مستزيدا، ولا شك أن قراءاته الأدبية كان لها أثر بالغ في ذلك، إلا انه معروف أن الكاتب البليغ غالبا ما يكون له أصل يستقي منه خصائص أسلوبه، بسبب كثرة معاشرته له قراءة وتتلمذا، وأحسب أن لو حاولنا تقريبا وتسديدا، نسبة أسلوب أبي أيوب الأنصاري لأصل مال إليه، لكان أبا إسحاق الشاطبي، وليس هذا اعتمادا على كونه صحبه في بحوثه زمانا فقط، ولكن بالنظر إلى التشابه الخصائصي بين الأسلوبين، فأسلوب الإمام الشاطبي امتزجت فيه الفحولة مع السهولة امتزاجا طبعه ببصمة خاصة، وهو من النوع الذي قد تستطيع التعرف على صاحبه، على فرض أنه مغيب عنك، اعتمادا فقط على قراءة نصه، فتتعرف من الأثر على الصانع. وهذه الخصائص عينها واضحة أيضا في أسلوب فريد الأنصاري، وهي ما تسمه بتميزه وفرادته.
يؤكد هذا ما كان، رحمه الله، ينصح به طلبة الدراسات الشرعية من قراءة كتب المتقدمين من مفسرين وأصوليين وفقهاء، حتى يرتاضوا على أساليب البلاغة، كان يقول بأن فيها غنية عن كتب الأدب، وكثيرون صلب عود الكتابة لديهم بهذا المسلك، و(صحبة الفحول تفحِّل) كما يقول أ.د. الشاهد البوشيخي.
كان، رحمه الله، يرقن كتبه مباشرة على الحاسوب، وقد اتخذ حاسوبا منذ منتصف التسعينات، إذ كان يستعمل (الماكينطوش) في الأول، كان يقول عن مؤلفاته بأنها تخرج من المطبعة طبقا للصورة التي يراها عليها وهي ملفات (وورد) ينظر إليها بين يديه، وكان يثني على ما وفره الله له بهذه التقنية الحديثة، التي مكنته من التحكم في الإخراج النهائي لكتبه وهي في مرحلة التدوين.
ومن أواخر ما اشتغل به، رحمه الله، من البحوث، تحقيق كتاب (القوانين الفقهية) لابن جزي، فقبل أكثر من سنتين من وفاته، كان بلغ منتصف الكتاب تحقيقا، وكان يشتغل بمعدل صفحة في اليوم، وكانت نيته، رحمه الله، متجهة إلى تضمين عمله شرحا للكتاب أيضا، فكما قال، بدلا من أن يؤلف كتابا في الفقه المالكي، اختار أن يشتغل على تحقيق (القوانين الفقهية) ثم يشرحه؛ فيكون قد أتى بمجامع الخير.
وعند مرضه، رحمه الله، أوقف كل مشاريعه العلمية، وانقطع إلى تفسير كتاب الله، وكأنه، رحمه الله، كان يسابق الموت!
بدأ، رحمه الله، مسيرة الكتابة شاعرا، وانتهى مفسرا! ختم الله له عمله مشتغلا بتفسير سورة آل عمران، بعد أن أتم تفسير البقرة وبعض سور المفصل.


* مسيرة العروج نحو القـرآن
إن السلفية المنهجية في فقه الدين قد قادت أبا أيوب الأنصاري إلى الرسو في مرابع القرآن.
أستطيع القول بأنه، على مستوى التصور الفكري العام، لم يحدث انعطاف منهجي كبير في فكر الأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله.
إن أول انطلاقة دعوية كانت له، رحمه الله، بعدما صار من منظري الدعوة الإسلامية، كانت بالاشتغال على مفهوم (التوحيد والوساطة)، الذي يرتكز على فكرة واضحة وعميقة، هي التشديد على أن يكون القرآن أساس التربية لدى الحركة الإسلامية، فلا يُخلط بشيء ينافسه، ولا يُتوسط إليه بشيء يحجبه، وقد كان هذا منهج النبي ، إذ كان يأمر من كتب شيئا غير القرآن أن يمحوه.
فقبل صدور كتاب (التوحيد والوساطة في التربية الدعوية) بمدة، كان مضمونه، وبنفس عنوانه، مادة تربوية معتمدة لدى روافد (رابطة المستقبل الإسلامي)، وكانت على شكل شريط فيديو، مازلت أتذكره جيدا.
إن الطابع الغالب على خطابه في الكتاب هو التوجه إلى مخاطبة أبناء الحركة الإسلامية، إذ كان يرى فيهم، رحمه الله، إن هم ساروا على جادة التمسك بالكتاب، قوة كبيرة للدعوة الإسلامية، سواء بما هم عليه من هيكل تنظيمي، أو بما هم فيه من كمٍّ عددي شبابي، إذ كانوا آنذاك يشكلون غالب الشباب المتدين.
ثم إنه أوكلت له مسؤولية تنظيمية على المستوى الوطني، فكان طبيعيا أن يهتم بما هو مسؤول عنه؛ إلى أين يتجه!؟
كان رحمه الله يتحدث عن كتابه (التوحيد والوساطة في التربية الدعوية)، محاججا عن تهمة قصده منه مجرد مهاجمة هذه الجماعة أو تلك؛ مما هو محسوب على من يخالفه في المنهج، بأن أول ظاهرة ينتقدها في الكتاب، إنما تحسسها أول مرة لدى جماعته التي احتضنته، وبقي فيها زمنا إلى حدوث الوحدة المعروفة، وهي ظاهرة (الوساطة العلمية)، إذ معلوم لدى من قرأ الكتاب أنه قسم الوساطة المشوشِة على نور القرآن إلى وساطتين: وساطة علمية، ووساطة روحية.
ومن ثَم يمكن القول بأن أول نقد نهضت له همته، رحمه الله، كان (ذاتيا)، ينظر إلى المحيط القريب، قبل النظر إلى ما يليه في القرب.
لقد بدأ عمله أستاذا بكلية الآداب بالمحمدية، سنة (1987 م)، واستمر فيها سبع سنوات، وكان والده، رحمهما الله، يحثه على السعي للانتقال إلى مدينة مكناس، باعتبار قربها النسبي من إقليم الرشيدية، فقدر الله ذلك الأمر سنة (1994م).
فشهدت مكناسة، بطابعها الشعبي، مرحلة تحوله من داعية يجالس الخاصة من طلبة العلم الشرعي وشباب الحركة الإسلامية، إلى داعية يخالط العامة، ولا يحتكر نفسه لصالح أحد.
ولا يبعد أن يكون وجوده، رحمه الله، بمدينة مكناس، بما هو معروف عنها لدى عامة الناس من شرور تضخها، قد أسهم، إضافة إلى قناعاته في فقه الأولويات الدينية، في الانتباه إلى السيل الجارف من المنكرات، الذي يقلع أمامه طلائع الخير ويدوسها دوسا، فكان كتابه (الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب) استبصارا مبكرا بالوضع الذي نعيشه في هذه الفترة.
ثم جاء بعد ذلك كتاب (البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي)، الذي يعتبر من الناحية المنهجية التصورية تفريعا على مفهوم التوحيد والوساطة، فإذا كان الوحي القرآني لا ينبغي أن نخلطه بغيره مما قد يشوش عليه، ومما يعرض لنا عادة في سياق خدمة الوحي وشرحه، فكيف بما هو خارج عن مجال الوحي قرآنا وسنة، وداخل في مجال الاجتهاديات التي مازالت إشكالات لم تتجل التجلي الكافي لبناء عمل عليها، كيف بهذه الأخيرة إذا سيطرت على ذهن الداعية وصارت محرك مسيره!؟
ولقد كان للكتاب قصة..
بُعيد قيام الوحدة بين حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، انسحب بعض الإخوة، لاعتراضهم على بعض الترتيبات العملية التي يرون أنها حاسمة في تصويب خطوات الوحدة، كان، رحمه الله، يقرهم على صواب المعتمد الذي استندوا عليه، لكنه خالفهم في القرار الذي بنوه عليه، ولقد كان سببا قويا في رد كثيرين عن التراجع عن الوحدة.
إذ كان، رحمه الله، ميالا إلى التمهل في اتخاذ القرارات الحادة، ويُغَلِّب حسن الظن ما وجد إلى ذلك سبيلا، لكن الذي تبين له حسب روايته، رحمه الله، وبعد مدة من التبين كافية، أن المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، كان يسطر في الأوراق برنامجا، ويسير عمليا وفق برنامج آخر، تأخذ فيه السياسة زمام المبادرة.
ولقد خرج كتاب (البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي)، متزامنا مع الفترة التي كان مؤلفه، رحمه الله، يصرح فيها بأنه لم تعد له أي علاقة بأي جهة تنظيمية.
هنا أدرك الأستاذ، رحمه الله، من طريقه الدعوي منزلا! فكان عليه تبين علاماتها، ليسلم له ما هو آت منها! فإذا كانت السياسة لها نصيب من المشروع الدعوي محصور في مجال الاجتهاديات، فما حقيقة النصيب الأكبر من مشروع الدعوة، وما مداه مفهوما ومنهجا؟ فكان كتاب (بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق).
جاء بعدُ (سيماء المرأة في الإسلام)، الذي يمكن اعتباره لبنة تصحيحية في فقه التدين، وهو يذكِّر بكتاب (الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب).
ثم كتاب (ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله)، الذي يمكن اعتباره، بالنظر إلى مضمونه وتاريخ صدوره، بمثابة الشق التطبيقي ل(بلاغ الرسالة القرآنية).
أما كتاب (الأخطاء الستة للحركة الإسلامية) والذي أثار ضجة سياسية، فلا جديد فيه من الناحية التصورية، وكله متعلق بالتنزيل وفقه الواقع، لا ببناء التصورات، فغاية ما فيه تنزيل الجانب التصوري الذي أسسه كتابا (البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي) و(الفجور السياسي والحركة الإسلامية بالمغرب)، على واقع الحركة الإسلامية بالمغرب.
ومن غريب ما قاله، رحمه الله، عن عنوان الكتاب، وقبل مساجلته مع أ.الدكتور أحمد الريسوني، أنه خشي تسميته في الأول (الأخطاء السبعة)، لما للرقم سبعة من دلالات شرعية… فأراد أن يتفاءل.. وأنقص واحدا من سبعة!!!
تلا (الأخطاء الستة) في الطبع والنشر، وإن كان سابقا عنه في التأليف والرقن، كتابُ (الفطرية: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام)، الذي أبان فيه مؤلفه، رحمه الله، عن تصوره الذي خلص إليه من تجربته الدعوية، واختاره مسلكا راشدا لحركة الدين في المجتمع: تداول القرآن بين الناس قراءة وحفظا وتدبرا، يقودهم في ذلك علماء الأمة.
فأما تداول القرآن فتولى شرح منهاجه كتابُ (مجالس القرآن؛ من التلقي إلى التزكية)، وأما قيادة المشروع ففصَّل في إنتاجها كتابُ (مفهوم العالمية؛ من الكتاب إلى الربانية).
وسبْق كتاب (الفطرية)، بتمامه كتابةً ورقنا، ل(الأخطاء الستة)، فيه دلالة واضحة على منهج الأستاذ، رحمه الله، إذ يبدأ بالبناء أولا، ويصوغ البديل صياغة كاملة، قبل أن يعالج المسارات المرتبكة تبيانا وإيضاحا.
فإن كان قدم هذا على ذاك في الصدور، فأحسبه إنما أراد بذلك، رحمه الله، أن يبدأ بخطه الدعوي الخالص وقد نفض عنه كل المشوشات التي قد ترجعه إلى عهد مضى!
ثم تلا ذلك التطبيق العملي لهذا، بأن شرع الأستاذ، رحمه الله، في تدبر القرآن في جلسات خالية عن أي أغلال تنظيمية، فأتم سورة البقرة تفسيرا، وقد سُجلت تلك الجلسات كاملة تسجيلا صوتيا.
حكى لي أحد محبيه أن أبا أيوب الأنصاري لما أراد أن يشرع في تدوين تفسيره، هاب الأمر لجلالته… فكأن الله أراد أن يهيئه للحال التي يكون الفقيه بها خاضعا لله، لابسا لبوس الرقة التي تحتاجها الآي لفهمها، والاغتراف من أسرارها، فقدر الله عليه المرض..
زاره وهو في حاله هذه شيخه أ.الدكتور الشاهد البوشيخي، فسأله عما يكتب؟ فأخبره، رحمه الله، بأنه أنهى تفسير البقرة وشرع في آل عمران، فعلق فضيلة الدكتور متمنيا لو يقوم مؤلف بتأليف كتاب (العلماء المرضى)، على غرار (العلماء العزاب) لعبد الفتاح أبي غدة!
فبين كتاب (التوحيد والوساطة) والرتوع في حياض القرآن، مسيرة بين طرفين توسطتهما محطات ووقفات، فأما الطرف الأول فهو التأسيس التصوري المتمثل في (التوحيد والوساطة)، وأما الطرف الثاني فهو تنزيل عملي للطرف الأول بمباشرة الغوص في كتاب الله مكابدة وتفسيرا.
وهذه المسيرة التي وصلت الطرفين جديرة بالدراسة المفصلة.

* الدراسة المصطلحية براق الإسراء
إن أثر المنهج الدراسي المصطلحي واضح جدا في كتبه، رحمه الله، وقد قاده الله به إلى خاتمتين جميلتين: تفسير القرآن، والأرض التي قُبض بها!
كما أن منهج تبيين المصطلحات والمفاهيم وتبيّنها واضح جدا في مسيرته الدعوية، رحمه الله، فمثلا في المرحلة التي تولى فيها رئاسة المجلس العلمي بمكناس، جعل مناقشة مفاهيم (السلفية)، و(الصوفية)، وغيرها من المفاهيم التي كان في نيته الاشتغال عليها… جعل ذلك مقدمة ضرورية لبدء البيان الدعوي بين الناس بعدُ.
فالمصطلح أول ما يبدأ به كتبه ودعوته، فإما أن ينفض غبار الدَخَن عن مصطلح قرآني شرعي، ك(الحكم)، و(الإبصار)… أو يسكّ مصطلحا جديدا، ويُنتج لغة فريدة، ذات تأصيل شرعي متين، ك(التوحيد والوساطة)، و(الفطرية)…
أو يستجلي مصطلحات فقيه أو مفسر، كما صار به القدر إلى تأليف كتاب (مفاتح النور)، بتكليف من معهد الدراسات المصطلحية، فحقق الله بذلك للأستاذ، رحمه الله، ما تيمن به في تكنيه بأبي أيوب الأنصاري، فتوفاه الله بالأرض التي استشهد بها أبو أيوب الأنصاري ].
كانت نيته، رحمه الله، في التفسير، بادئ الأمر، أن يشتغل على نماذج تكون بمثابة الشق التطبيقي لكتاب (مجالس القرآن)، فآل الأمر إلى العزم على السفر عبر القرآن حرفا حرفا إلى تمام الختمة، لكن لله في تدبيره حِكَم.

* الرجـل الفريــد
كان، رحمه الله، ذا طابع شاعري في حياته، وفي جميع أحواله، مما يعرفه عنه كل من رافقه، وكان يتأمل تأملات حتى يحدث له شبه فناء غير متكلف عما حوله.. قد يحاضر في الكلية، فيجلس على سطح مكتبه حينا، وحينا يرفع قدميه متربعا فوقه كما لو كان جالسا على الأرض! يحدث ذلك بتلقائية تامة، ولو فعلها غيره لبدا عليه التكلف، وربما التعالي!
وكان مرة في مكان عام يناقش أمرا، فجلس القرفصاء بطريقة (صحراوية)! فأُحرجت وعرضت عليه إحضار كرسي، فرفض متعللا بارتياح نفسه لجِلسته تلك!
كان، رحمه الله، يتحاشى أن يحرج أحدا، صغيرا كان أم كبيرا، وكان ينتبه إلى انفعالات الناس غير الظاهرة، فيتفرسها ليرفع عن مخاطبه الحرج الذي لم يستطع البوح به، وذلك من بالغ الأدب منه، رحمه الله، وأحدب العطف.
كان شديد البعد عن سوء الظن، وكان حليما عمن يتحايل عليه، مع افتطانه إلى حباله الخفية.. يجيئه الرجل في أمر من أمور الدين أو الدنيا، فيتحايل بعض الاحتيال في وسيلته وكلامه، أو في غايته ومقصوده، ويخلط خيرا بشر، ثم يُلين الأستاذ له القول، ويقضي الحسن مما يريده منه الرجل، حتى لتمتلئن نفسك غيظا مما ترى، ثم تعلم بعد حين أن الأستاذ، رحمه الله، تفطن إلى أدق مما فطنتَ به من احتيال الرجل، لكنه تغافل عنه تغافلا حليما كريما.
في صغره، كان يساعد والدته في أشغال البيت مساعدة عجيبة… وكذلك كان يصنع مع أهله بعد زواجه.
ربما أتى عليه حين، تجده فيه، حاملا بيده ريشة يرسم بها مواجيده أصباغا على لوحة بين يديه.. لم تكن يده ماهرة جدا في فن الرسم، لكنها كانت تتحرك بوحي من روحه، لتخط لوحات يتطاير منها غبار الحركة والانفعال، وأخرى تتوقف عندها العين لتمتلئ من هدوئها وسكينتها.
وقد درس دراسة خاطفة الفن التشكيلي بقواعده، إذ كانت عنده كتب، أحسبه استعارها، تتحدث عن الظلال والأضواء، والمذاهب الفنية في ذلك.
غلاف رواية (كشف المحجوب) هو، رحمه الله، من صممه.
كان يتجنب ذوات الأرواح ويرجح حرمة رسمها، فإن فعل فيحتال على رأسها بحيلة فنية يغطيها بها.
وأحسب أن أجمل لوحة رأيتها له، فرس تركض في جو السماء، وقد اكتنف جوانبها سحاب غامق، والبرق ينقدح من سنابكها، وفي موضع الرأس نار أو نور يتدفق منه سيل منحدر باستقامة وميلان باتجاه الأرض!
عند ركوعه أو سجوده، كانت تصدر منه تسبيحات عميقة حتى لتسمع تنهده عن بعد منك وهو في المسجد، من غير قصد منه إلى ذلك، وكانت هذه علامة أعرف بها ما إذا كان موجودا في المسجد الذي أكون فيه حينها!
كان في بيته ديك! وكلما مات له ديك اتخذ ديكا جديدا.. كان يحب صوته!
لكني ما عرفت حقيقة السر في ذلك إلا بعد وفاته، رحمه الله.. فلقد بِت ليلة في آخر بيت استقر به، فقدر الله علي أرقا، حينها علمت الأنس الذي يجده في آذان الديك من يكون مستيقظا في آخر الليل، وكذلك كان حاله، رحمه الله، حسب ما يرويه عنه أهله.
من طريف ما حدث له، رحمه الله، أنه لما اتجه العزم لديه، إلى ترقي منبر الجمعة، كان مطلوبا منه أن يجتاز مباراة للحصول على الترخيص الرسمي، فاجتازها وأُسقط فيها!
ولما أراد أن يصعد المنبر أول مرة، سارع أحدهم، فصعد درج المنبر قبله، فحيل بين أبي أيوب وبين الخطبة في المسجد الذي عُيِّن فيه!
كانت خطب الجُمَع الأُوَل، التي ألقاها يغلب عليها الطابع الأكاديمي قليلا، لكنها صارت بعدُ قريبة من الناس جدا، فجعل الناس يتوافدون على دروسه، فكانت مجالسه في المسجد عامرة.
وفي أواخر دروسه قبل وفاته، رحمه الله، صار المسجد يمتلئ بالناس امتلاء لم أر له مثيلا في مكناس، في أي درس من دروس المساجد، ولقد كانت سبعة دروس، ختم بها، ثم مضى إلى ربه.


أسأل الله أن يرحم الشيخ ويسكنه فسيح جنانه ويرحم جميع موتى المسلمين
ولي عودة للوقوف على جوانب أخرى من سيرة الشيخ العطر
لنتعرف عليه رحمه الله مربيا قرآنيا .. باحثا مصطلحيا ..
فقهيا أصوليا .. أديبا ناقدا ..
أديبا إسلاميا .. وأستاذا مربيا
في أمان الله وحفظه

__________________

()

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأعراف: 156]


اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي



  #2  
قديم 10-05-2011, 03:33 PM
الصورة الرمزية أمة_الله
أمة_الله أمة_الله غير متصل
هُـــدُوءُ رُوح ~
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: ღ تحت رحمة ربي ღ
الجنس :
المشاركات: 6,445
افتراضي الشيخ - فريد الأنصاري - رحمه الله ...||[ ســـيرة ومـســيرة ]||

فريد الأنصاري : مربيـــا قرآنيــا (1)




منهج التدبر عند فريد الأنصاري رحمه الله تعالى



كُتب بقلم : د. حسني خاليد
المصدر : جريدة المحجة العدد 330-331

لا تحرير للأمة اليوم في معركة هذا العصر إلا بالقرآن، بهذه الكلمات القليلات البليغات لخص فريد الأنصاري رجل القرآن مشروعه الدعوي الذي عبر عنه في كثير من دروسه ومحاضراته وخطبه ومواعظه، وكل كلامه حتى كأن لاهم له إلا الاشتغال بالقرآن، وصاغه في مجموعة من كتبه التي عنونها بدراسات قرآنية ابتدأها بكتاب “بلاغ الرسالة القرآنية” و”ميثاق العهد”، ثم كتاب”الفطرية: بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام”، وعمق البحث فيها عبر سلسلة الدراسات العلمية ضمن مجلة “رسالة القرآن: من القرآن إلى العمران”. ووضع خلاصة منهجها العملي في الكتيب الذي يحمل اسم: “مجالس القرآن.. مدخل إلى منهج تدارس القرآن العظيم وتدبره من التلقي إلى التزكية” ويقدم الجانب الإجرائي والتقني لعملية مدارسة القرآن وتلقيه لبلوغ التزكية الربانية، مقدما خطوات عملية لتنفيذ “المشروع” والمنهج العلمي لإقامة “مجالس القرآن” وضوابط إنجاحها لبلوغ البعث الممهد لعملية التجديد الإسلامي.
يقوم المشروع في جوهره على تصور: التداول الاجتماعي للقرآن، ومنهج: التدبر للقرآن :
* أما التداول الاجتماعي للقرآن فيتم عبر مشروع “مجالس القرآن” التي هي (مدرسة شعبية لنشر ثقافة القرآن وبناء أخلاق القرآن، ودعوة لتداول القرآن في السلوك الفردي والاجتماعي من خلال الإقبال العام الشعبي على تعليم القرآن وتدارس القرآن وفتح “صالونات القرآن” داخل الأسرة وبين الأصحاب لتقديم كؤوس الذكر للأهل والأحباب والأقارب والجيران، ولا أحلى ولا ألذ من موائد القرآن ومجالس التدارس الميسر لسوره وآياته بين يدي الرحمن) مجالس القرآن ص : 14. وهي أيضا: (مشروع دعوي تربوي بسيط سهل التطبيق والتنفيذ، سلس الانتشار، غايته تجديد الدين وإعادة بناء مفاهيمه في النفس والمجتمع بعيدا عن جدل المتكلمين الجدد وبعيدا عن تعقيدات التنظيمات والهيئات، وبعيدا كذلك عن الانتماءات السياسية الضيقة والتصنيفات الحزبية المربكة) ص : 16. وهي أيضا: مسلك تربوي مبسط لسلوك طريق النور قصد التعرف إلى الله، مشروع ليس لنا فيه، يقول رحمه الله، من اجتهاد إلا الجمع والترتيب ومراعاة التنزيل في واقع جديد، نأخذه كما هو من القرآن والسنة النبوية، مشروع لا منة فيه لأحد إلا لله.. ولا انتماء فيه لقائد أو رائد ولا لتنظيم أو جماعة، بل هو انتساب تعبدي لله”. ويرى رحمه الله تعالى أن الدخول إلى فضاء مجالس القرآن، مجالس المدارسة، أو تنفيذها يتم عبر. طريقين:
- مجالس القرآن الأسرية: داخل الأسرة لبنائها على مفاهيم الإسلام وتكوين البناء على مختلف أعمارهم على مواجيد الإيمان وقيم الدين، ويقود الأبوان مجلس القرآن داخل البيت، وهو ما سيعوض استجداء النظريات التربوية وحل المشاكل الأسرية، لأن مجموع أفراد الأسرة سيستفيدون من بركة وخير القرآن وتربيته الفطرية للأفراد.
- صالونات القرآن: وتكون بفتح صالون البيت للأحباب والأصحاب من أجل تدارس القرآن وتدبره والإنصات إلى حقائقه وحكمه لتكوين الشخصية الإسلامية المتماسكة على المستويين النفسي والاجتماعي وتحقيق التعارف الإنساني وتمتين المحبة الإسلامية لتخريج مصابيح القرآن في الأمة بنور القرآن. ويؤكد على مسألة جوهرية تتعلق بمن له الأهلية لبناء مجلس المدارسة، وما يفرضه ذلك من السقوط في التبرؤ الذاتي من عدم الأهلية أو انتظار “المهدي”، فبين أن هذه المسؤولية ملقاة على عاتق: “العلماء الربانيين أولا ثم أهل الخبرة التربوية من الربانيين، ثم بعد ذلك أهل الصلاح ومحبي الإصلاح من المسلمين عموما، وذلك بناء على يقين حصلناه من المشاهدة والتجربة، وهو أن هذا المشروع يصنع أساتذته”. ص : 23 – 27. ويقين أن كلمات القرآن عندما تؤخذ بحقها تصنع رجالا ليسوا كأي رجال، إنها تصنع رجالا ليسو من طينة الأرض، ذلك أنها تصنع الوجدان الفردي والجماعي والسلطاني، على عين الله ووحيه، فيتخرج من ذلك كله قوم جديرون بأن يسموا أهل الله وخاصته.
* وأما منهج التدبر للقرآن، فيقوم بداية على ضرورة الميز بين التدبر والتفسير، فالتفسير بيان وشرح للمعنى بينما التدبر اتعاظ بالمعنى واعتبار وتذكر، ولئن كان التدارس وسيلة للتدبر فلأن التدارس عملية تعليمية ذهنية ينتجها العقل في علاقته بالنص القرآني مباشرة وفي ارتباطه بلغته وأساليبه على قدر ما تتيحه من معان وحكم ودلالات، أما التدبر فهو عملية قلبية ذوقية محضة، وهي وإن صاحبت التدارس واقعة في النفس لا في النص، إنها حركة وجدانية تجري خارج النص القرآني. إن التدبر هو نظر في الآية باعتبارها مبصارا يكشف عن أمراض النفس وعللها ويقوم في الوقت نفسه بتهذيبها وتشذيبها أي بتزكيتها وتربيتها، ومن ثم فإنه يكفي المتدبر للقرآن أن يعلم المعنى العام للآية أو السورة مما أثر عن جمهور السلف ليدخل في مسلك التدبر. ولأن الاهتداء في المنهج للتي هي أقوم هو سر النجاح في كل شيء، إذ بقدر التفقه في المنهج والرشد فيه، يكون مستوى النجاح كما وكيفا. ومن ههنا فإن نجاح المشروع يتوقف على مدى النجاح في اتباع منهجه الخاص، فالقرآن الكريم وظيفته الأساس هداية الناس إلى صراط الله المستقيم، ولعل هذا هو السر في تكرار الفاتحة في كل الصلوات المفروضة والمسنونة لتضمنها دعاء خاصا في بيان القصد من القرآن ووظيفته الأساس: ،{اهدنا الصراط المستقيم}. إنها وظيفة الهداية للتي هي أقوم وأرشد في التفكير والتعبير والتدبير، وهي المشار إليها في قوله تعالى: ،{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(الإسراء : 9). فبلوغ مرتبة الأقوم في الهداية يتوقف على اتباع المنهج الأقوم في تدارس القرآن. والمدارسة التدبريةالقرآنية لها منهجها الخاص الذي به تتم، وهو منهج يقو.م على ثلاث خطوات تختزلهما قاعدتان.
أما الخطوات فهي:
- الخطوة الأولى تلاوة القرآن بمنهج التلقي
- الخطوة الثانية التعلم والتعليم بمنهج التدارس
- الخطوة الثالثة التزكية بمنهج التدبر
وأما القاعدتان فهما:
القاعدة الأولـــى : قاعدة اقرأ وتدبر ثم أبصر،وهذه القاعدة هي السبيل لاستخلاص الهدى المنهاجي من القرآن الكريم، وعمادها منزلتان:
أ- منزلة التحقق بالقرءان : فهما وإدراكا وعلما، حتى يستقيم الفكر ويصح الفهم عن الله تعالى، عبر القراءة فالتدبر: فالقراءة بمعنى التلاوة لقوله صلى الله عليه و سلم:” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله”، والتدبر بمعنى التأمل والتفكر في المقروء لقوله تعالى : ،{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}(محمد : 24)، إنه تدبر يتجاوز العقل إلى القلب لينير إبصارها للبصائر القرآنية ولهداياته المنهاجية.
ب – منزلة التخلق بعد التحقق :
فمسلك التبصر بعد القراءة والتدبر مفض حتما إلى الإبصار . وهو: – إبصار العقول الواعية والقلوب الحية للطريق المستقيم والمنهاج القويم قال تعالى : ،{قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها}(الأنعام : 52).
- وإبصار للنور القرآني والهدى الرباني وتبصر بهما : ،{ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}(الشورى : 52).
- وإبصار للميزان الذي به يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والنور من الظلام : ،{هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}(الجاثية : 20).
- وإبصار لمنهج القراءة باسم الله الخالق: ،{اقرأ باسم ربك الذي خلق}(العلق : 1)، قراءة القرآن والأكوان وإبصار لمنهج تسخير السنن الكونية وعمارة الأرض بما ينفع الناس ويقيم القسط في الأرض، قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}(الحديد : 24).

القاعدة الثانيــــــــة:قاعدة “أخذ القرآن بمنهج التلقي ” انظر كتاب مجالس القرآن للدكتور فريد الأنصاري ص 36-37، والتلقي هنا تلق خاص، المراد به استقبال قلبي للوحي على أنه الذكر، ،{إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا}(المزمل : 17). فالمتدارسون للقرآن في مجالس المدارسة ينبغي أن يتلقوه وكأنه يتنزل عليهم في تلك اللحظات غضا طريا، إنه تلق بالقلب والعقل لكلام الحق سبحانه وتعالى وشعور جارف بأنه يخاطبهم، ثم يتدبرونه بتقليب النظر وإجالة الفكر فيه، سعيا للإبصار ثم التبصر وما الآيات إلا منارات هدى في ليل الحياة البهيم. (ولعلك تَتَقَالُّ هذا العمل إلى جانب ما ترى في الساحة الإسلامية من كثرة المناهج والبرامج والخطط، والهياكل والأشكال والألقاب، مع غفلة شبه تامة عن موارد القرآن! فتتساءل: أيمكن أن يكون كل هذا العجيج والضجيج على غير صواب في المنهج؟ ولكننا نقول لك كلمة واحدة: إن القرآن وبياناته النبوية في هذا الدين هي كل شيء! نعم هي كل شيء!)
  #3  
قديم 18-05-2011, 12:59 AM
الصورة الرمزية أمة_الله
أمة_الله أمة_الله غير متصل
هُـــدُوءُ رُوح ~
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: ღ تحت رحمة ربي ღ
الجنس :
المشاركات: 6,445
افتراضي رد: الشيخ - فريد الأنصاري - رحمه الله ...||[ ســـيرة ومـســيرة ]||

فريد الأنصاري : مربيـــا قرآنيــا (2)


قناديل العالم الرباني “فريد الأنصاري”



كُتب بقلم : بقلم : د. ابراهيم بن البو
المصدر : جريدة المحجة العدد 330-331


(...)

مكانة الأستاذ فريد من خلال شهادة أساتذته وآثاره :
وقد كان رحمه الله تعالى عالما ربانيا فريدا، شهد له بذلك علماء المغرب والمشرق، وفي مقدمتهم أستاذه ومربيه “فضيلة الدكتور الشاهد البوشيخي” والذي أشاد بشخصه وعلمه في العديد من المناسبات. فمما قاله فيه وهو يقدم لأطروحته الفريدة “المصطلح الأصولي عند الشاطبي”: (أما ابني البار فريد فهو كاسمه فريد. وقد قلت له هذا غير مجامل في أول عمل علمي قدمه، وأقوله له اليوم بتوكيد أكثر، لأن هذا العمل الثاني أعمق وأدق، وأكثر عطاء، وأبعد أثرا إن شاء الله تعالى…. ثم إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي، في حدود عشرتي له. ولذلك فإني أهنئه من سويداء القلب، وأدعو له بمزيد من التوفيق، وأحثه على السير في هذا المجال بنفس الجهد، وبنفس العناية، وبالحرص الشديد الذي كان له قبل انجاز هذه الرسالة)(1). وشهد له أيضا ما خلف من آثار علمية وكتب قيمة، يكاد يمثل كل واحد منها نبراسا يبدد ظلاما حالكا ومصباحا يزيل ضبابا كثيفا خيم على أفهام الناس، خصوصا في هذا الزمان الذي هو زمان الغيم والرؤية العسيرة ، ومن هذه المصابيح: الفطرية، بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق، جمالية الدين، قناديل الصلاة، مفهوم العالمية من الكتاب إلى الربانية، التوحيد والوساطة في التربية الدعوية، سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة، أبجديات البحث في العلوم الشرعية، البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي، الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب…. وشهد له -زيادة على ما ذكر- مساره التعليمي بالعديد من الكليات والجامعات المغربية، والتي كان فيها فارسا مغوارا وعالما محنكا وباحثا كشافا، تجود قريحته بدرر وكنوز علمية ولطائف ونكت بلاغية تشد ألباب الطلبة إليها شدا، مما دفع الكثير منهم إلى التسابق من أجل النهل من ينبوع علمه الدفاق، والعب من عين بلاغته وفصاحته ، والارتواء من فيوضات ونسمات رقائقه وتوجيهاته، والاستفادة من دقائق قواعد منهجه العلمي السديد. كما كان رحمه الله من أنصار الله تعالى، يصدق في حقه ما قاله الحواريون لعيسى عليه السلام: {قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}(آل عمران : 51)، آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا وذاق حلاوة إيمانه فخاف وأدلج ، وارتوت روحه بغيث القرآن فانسابت سيوله على فكره وسلوكاته. وعرف حق المعرفة أنه لا صلاح لأمر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله، فحمل هم بلاغ القرآن وبيان حكمه وأحكامه وكيفية التعامل معه. والجدير بالذكر أنه وإن كان جثمانه الطاهر قد ووري التراب وعرجت روحه الملائكية إلى بارئها، فإنه ما مات، فما خلفه من قناديل مضيئة ومصابيح منيرة ستخلد اسمه في سفر تاريخ العظماء وسير النبلاء ومذكرات الصديقين والأتقياء، بل وستبوئه إن شاء الله تعالى، المنزلة العليا في دار القرار وتسكنه فسيح الجنان مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.


قبسات من قناديل الأستاذ فريد وتوجيهاته :
ومن القناديل التي أشعلها والمصابيح التي أضاءها بفكره النير لينتفع بنورها كل من له قلب حي أو ألقى السمع وهو شهيد، ما يلي:

1- قناديل توجه السالكين إلى الله تعالى:
تبصر كل باحث عن معرفة الطريق إلى الله عز وجل بالآيات والعلامات الدالة عليه بلطف ورحمة وبرفق ولين، وترشده إلى ما به تتم المعرفة الحقة: “كتاب الله”، منادية إياه: “عليك أيها المسلم أن تبادر إلى الله قبل فوات الأوان: {ففروا إلى الله، إني لكم منه نذير مبين)(الذاريات: 50). وإنما الفرار إليه يكون بالتعلق بكتابه العظيم: القرآن الكريم، على سبيل السلوك إليه تعالى لإدراك قوارب النجاة إلى بر الأمان من رضى الرحمان. فاعلم إذن أن فتنة هذا العصر هي بداية خير جديد، وإعلان لبزوغ عصر القرآن وظهور بعثة التجديد، فإما أن تركب مع موكب الربانيين فتكون من الناجين، وإما أن تبقى مع المتخلفين فتكون من الهالكين، وإنما الربانيون هم المتعلقون بالقرآن، قال تعالى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}(آل عمران: 79). وفي قضية النجاة والهلاك، قال رسول الله : >أبشروا.. أبشروا.. أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا القرآن سبب -أي حبل- طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا<(رواه ابن حبان في صحيحه). يا أيها الحيران..إن الله تعالى خلقك، فتذكر هذا جيدا، خلقك ولم تكن شيئا مذكورا، وبمقتضى ذلك ترتب على ذمتك حق عظيم، هو حق الخالقية، فماذا أديت لله تعالى منه؟ ذلك هو السؤال الذي على الإنسان -كل إنسان- أن يرجع إليه، ليبدأ مسيرة التعرف إلى الله. أما أنت أيها المسلم، فباعتبار أنه تعالى جعلك مسلما، وتلك نعمة أخرى أعظم وأكرم، فما عليك إلا أن تبادر إلى حمل رسالة القرآن، في زمان تخلى الناس فيه عن القرآن، يا ويلهم”.
كما أنها تبين له أيضا أن المضي الفعلي في هذا السبيل المنجي من الشقاوة والضنك في الدنيا والهلاك في الآخرة، يقتضي تصحيح التصور قبل السلوك والعقد قلبيا على الإيمانيات قبل تطبيق الأحكام والتشريعات. ورأس العلم معرفة الله تعالى، “و ما أحسب هذا الشرود الرهيب عن باب الله في هذا الزمان، إلا دليلا قاطعا على الجهل العظيم الذي يكبل الناس أن يبحثوا عن ربهم الذي خلقهم، مما يصنفنا دون أدنى مراتب المعرفة بالله. تراخينا عن سلوك طريق المعرفة به في الرخاء، فبقينا هملا، أو لقى في مزبلة التاريخ، وبقيت وصية رسول الله فينا دون وفاء، فكان لها مفهومها المخالف في واقعنا: >تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة<. لو كان الناس يعرفون الله حقا لرأيت الحال غير الحال ولرأيتهم يسابقون في آداء حق الخالقية”. ولا يمكن أن تتم هذه المعرفة إلا بما دل عليه قول النبي : >تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله<(أخرجه البيهقي في شعب الإيمان) وبما قعد له فريد الفريد رحمه الله تعالى بقوله: “حق الخالقية هو مفتاح المعرفة بالله”. ولا يستقيم السير مع هذا كله إلا إذا عرف السالك حقيقة الحياة وأيقن بما لا يدع شكا ولا ريبا “أن العمر الدنيوي مجرد حلم، وأن مفهوم الحياة إنما يتجلى بصورة حقيقية في الآخرة، حتى لكأن ما دون الآخرة ليس بحياة، وتلك آيات القرآن العظيم ناطقة بهذا، قال عز وجل: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}(العنكبوت: 64)… تلك هي طبيعة الحياة الآخرة تفيض بالحيوية والحياة، وتمتد نعمها التي لا تنفذ على عرض الكون، فلا يعرف لها نهاية، خلودا مؤبدا، إلى ما شاء الله. ويبقى ما دون ذلك من حياة أشبه ما يكون بطعم الصياد الذي يغري الفريسة لتقع على المتعة الوهمية، فتكون من الهالكين، فهي متاع الغرور… فإذن لا طول للحياة الدنيا ولا بقاء لها مكانا وزمانا، بل هي مجرد خدعة للإنسان إن لم يستثمرها للحياة الحقيقية: الآخرة”. حتى إذا صحت عقيدته وتوثقت صلته القلبية بخالقه والمنعم عليه بما لا يعد ولا يحصى من النعم، فلا يتأكد صدق دعواه حتى يصدق عمله وقوله ما وقر في جنانه. وأول الأعمال التي ينبني عليها ما سواها: الصلاة، إن صلحت صلح سائر الأعمال وإن فسدت فسد سائر الأعمال، وهذا ما عبر عنه أبو أيوب الأنصاري بقوله البليغ المليح: “أما أنت فاعلم أن السير إلى الله من غير مسلك الصلاة ضرب من التيه! كل أعمالك في الجهاد والدعوة إلى الله، وما تستكثره من حركات وسياسات، راجعة إلى مدى سلامة هذا الأصل عندك، قصدا ووقتا وأداء. وإلا فعلى دينك السلام! {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}(النور: 39). إنك لن تذوق ما الإيمان وما الإسلام حتى ترحل إلى الصلاة: تكشف أسرارها الممتدة إلى بحر الغيب المطلق فترى عجبا..” ومن أنوار هذه القناديل أنها تدل السالك على ما به يكفل الاستمرار على صراط الله المستقيم بثبات ويقين، مؤكدة أن مدار ذلك على ثلاثة مفاتيح: “هي أصول لما سواها: اغتنام المجالسات والتزام الرباطات وتبليغ الرسالات… فأما المفتاح الأول: فهو الحرص على مجالس القرآن وهي خير أنواع مجالس الذكر… وأما المفتاح الثاني: فهو التزام الرباطات، وإنما القصد الرباطات: بيوت الله والتزام الجماعات قصد شهود الأوقات واكتشاف الصلوات… وأما المفتاح الثالث: فهو تبليغ الرسالة، والمراد به: الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…”

2- قناديل تبين كيفية التعامل مع القرآن الكريم:
تبصر المسلم الحق بهدايات وحقائق من جملتها :
أولا : بحقيقة القرآن، إنه كلام الله، “كلام رب الكون، وإذا تكلم سبحانه تكلم من عل -أي: من فوق- لأنه العلي العظيم سبحانه وتعالى، فوق كل شيء، محيط بكل شيء علما وقدرة، إنه رب الكون… ومن هنا جاء القرآن محيطا بالكون كله، متحدثا عن كثير من عجائبه… كلام من أحاط بمواقع النجوم خلقا وأمرا وعلما وقدرة وإبداعا، فجاء كتابه بثقل ذلك كله، أنزله على محمد من بعدما هيأه لذلك وصنعه على عينه سبحانه جل وعلا، فقال له: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}(الجن: 5)”. وتبرز أن القرآن روح، مصداقا لقوله تعالى: {وكذالك أوحينا إليك روحا من أمرنا}(الشورى: 52)، “وإنما كان القرآن روحا لأنه سبب حياة هذه الأمة، من حيث هي أمة، وسبب حياة القلوب، فلا يموت قلب خالطت نبضه آيات القرآن الكريم ولا حياة لقلب خلي منها”.





ثانيا : بقواعد منهج التعامل مع هذا الكتاب الرباني المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أهمها:
  • الحرص على تلاوة القرآن واغتنام أوقاته: يقول العالم الرباني “فريد الأنصاري” الذي تذوق حلاوة قراءة كلام رب العالمين وسبح في بحر جماله: “إن هذا القرآن سر لطيف، وكنز رباني عجيب، لو تتلوه يا صاح حق تلاوته لرأيت فيه عجبا ولأبصرت منه بصائر الكون جميعا، فهو جامع الكتب السماوية كلها وخلاصتها الكاملة، فهو الكتاب”. ولا شك أن القرآن لكل الأوقات والأزمان إلا أن الله تعالى أرشد عباده الذاكرين إلى أوقات مخصوصة باعتبارها ذات جمال خاص تحقق الذكر الحق، قال عز وجل: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}(الأعراف: 205)، وهذا ما نبه عليه الفقيد رحمه الله قائلا: “فلا غنى لك أخي السائر عن زاد المساء، فهو زاد الأنبياء والصديقين، قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}(النور: 36- 37)… ولكن لا تنسى حظ الليل من القرآن الكريم ! فاجعل جزءا من ورد القرآن صلاة بليل، وإن نشط سيرك فاجعله كله قياما! ذلك خير، فقد قال رسول الله لعبد الله بن عباس: >نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، قال سالم : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا<(متفق عليه)”
  • أخذ القرآن بمنهج التلقي: وذلك بأن يستقبل القلب الوحي على سبيل الذكر، وهو ما يقتضي:”أن يتعامل معه العبد ويتدبره آية آية باعتبار أنها نزلت عليه لتخاطبه هو في نفسه ووجدانه فتبعث قلبه حيا في عصره وزمانه! ومن هنا وصف الله تعالى العبد الذي يتلقى القرآن بهذا المعنى بأنه يلقي له السمع بشهود القلب، قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}(ق، 37)”. ولا يتحقق ذلك فعلا إلا بتدبر آيات القرآن، أي: “النظر إلى مآلاتها وعواقبها في النفس وفي المجتمع، وذلك بأن تقرأ الآية من كتاب الله فتنظر، إن كانت متعلقة بالنفس، إلى موقعها من نفسك وآثارها على قلبك وعملك، تنظر ما مرتبتك منها؟ وما موقعك من تطبيقها أو مخالفتها؟ وما آثار ذلك كله على نفسك وما تعانيه من قلق واضطراب في الحياة الخاصة والعامة؟ تحاول بذلك كله أن تقرأ سيرتك في ضوئها، باعتبارها مقياسا لوزن نفسك وتقويمها، وتعالج أدواءك بدوائها وتستشفي بوصفاتها. وأما إن كانت تتعلق بالمجتمع، فتنظر في سنن الله فيه كيف وقعت؟ وكيف تراها اليوم تقع؟ وكيف ترى سيرورة المجتمع وصيرورته في ضوئها؟ عند المخالفة وعند الموافقة.. ثم تنظر ما علاقة ذلك كله بالكون والحياة والمصير؟”
  • بلاغ القرآن والدعوة إليه: وفق القواعد العشر التي استنبطها الفقيد رحمه الله من قوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلا من غفور رحيم. ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم. وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}(فصلت: 30- 36)، وهي: إعلان توحيد الله ورفع راية لا إله إلا الله -الاستقامة على صراط الله -التبشير وعدم التنفير – الدعوة إلى الله لا إلى ذات الأشخاص والهيآت والمنظمات -العمل الصالح أساس الدعوة إلى الله، وعلى رأسه الصلاة -إعلان الانتماء لكل المسلمين و الحرص على عدم تفريق وحدتهم العامة -لا تستوي الحسنة ولا السيئة- دفع الشر بالخير -الصبر على الأخذ بالمنهج القرآني -الحذر من الشيطان.
3- قناديل تقوم مسيرة الحركات الإسلامية بالمغرب:





تبرز الأخطاء والانحرافات التي وقعت فيها فأبعدتها-قليلا أو كثيرا- عن هدفها الأصلي، وهو: إقامة الدين، ومما كشفت عنه من تلك الأخطاء:
  • ظاهرة التضخم السياسي على حساب العمل التربوي والدعوي: حيث أن ” بعض العاملين للإسلام، المخلصين لدعوته يغترون بالوجه السياسي المحارب للمشروع الإسلامي، فيجعلون ذلك أساس المعركة ورأس الأولويات الدعوية في أوطانهم، بينما غالبا ما يخفي ذلك الوجه خطة أخطر من ذلك وأدهى، هي تقويض صرح الشعور الديني لدى مختلف الشرائح الشعبية في البلاد الإسلامية، وذلك بضرب البنية الخلقية التحتية التي هي أساس قيام الأسرة المسلمة، حيث استمرار المحافظة على بيضة التدين في المجتمع وتلقينها للأجيال”
  • وقوع بعض فصائل الاتجاهات الإسلامية في ” الاستصنام المنهجي”: أي: “في ضرب من الانحراف عقرها عن السير في طريقها الأصيل، وأدى بأشكالها التنظيمية ذاتها إلى أن تصير حجبا لها هي نفسها عن النظر إلى “مقصد إقامة الدين” في النفس والمجتمع، ذلك المقصد الكلي الذي رفعته شعارا لها من يرم ولادتها” ولم يكن كاشفها -رحمه الله- يقصد بذلك سوى تصحيح مسار هذه الصحوة المباركة حتى تسير وفق الهدي النبوي الذي رفع لواء العمل الدعوي وجَدَّ في تغيير الواقع بالعمل التربوي، معتبرا إياه من أولى الأولويات، أولوية ينبغي أن تقدم على كل عمل سياسي أو نقابي أو اجتماعي…، لأنه هو المؤطر لها الضامن لسلامتها من الانحراف والزيغ والضلال، معتمدا في ذلك على القرآن فقط وجوامع كلمه وهديه الفعلي والتقريري.
4- قناديل تؤطر البحث في العلوم الشرعية:





أجملها صاحبها وجمعها في باقة مهداة إلى كل طالب علم في كتاب سماه: “أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، ومن أهم ثمراتها:
  • تقديم توجيهات تطبيقية عن منهجية البحث من البداية إلى النهاية، وذلك بتجلية مراحلها الثلاث التي تمر بها، وهي: المرحلة الابتدائية وتشمل أربع خطوات: المرجعية، والتقرير، والتقميش ، والإعداد، والمرحلة التركيبة وأهم عناصرها: الفرض والنص والاستنتاج ثم القالب العلمي، والمرحلة الثالثة: المرحلة التكميلية وتشمل ثلاثة عناصر أساسية: إعداد الفهارس، مراجعة البحث، الرقن والإخراج.
  • رسم آفاق للبحث في العلوم الشرعية لتشمل : التحقيق والتكشيف الموضوعي، والدراسات المصطلحية، والدراسات المنهجية، بالإضافة إلى الدراسات المتعلقة بالعلوم الشرعية ، كعلوم القرآن والتفسير، وعلم الحديث، وعلم الفقه وأصوله، والفكر الإسلامي، تجنبا للعشوائية والتكرار والفوضى.
  • التنبيه إلى ضرورة اعتماد المنهج الصحيح في البحوث المتعلقة بالعلوم الشرعية لبناء المشروع الحضاري الإسلامي، وهو ما يتطلب تأصيل مناهج البحث، “بالاستنباط منها نفسها، وبتجديد اختراع ما هي بحاجة إليه وهو ليس فيها، وباستصلاح ما يجوز من مناهج غيرها” لقد كان فريد الفريد فعلا مصباحا من مصابيح الهدى، استقى نوره الرباني من شمس القرآن ونور جوامع كلم النبي ، فانساب نوره رقراقا فأشعل قناديل أضاءت دروبا كثيرة، وأنارت مسالك عديدة، انتفع بها خلق كثير. فاللهم أنعم عليه بالنظر إلى وجهك الكريم وبصحبة خير الأنام ، آمين يا رب العالمين.
موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 113.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 110.27 كيلو بايت... تم توفير 2.77 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]