منهج تفسير أبي السعود - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2020, 05:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي منهج تفسير أبي السعود

منهج تفسير أبي السعود
الشيخ مسعد أحمد الشايب





منهجه وبعض ما تميز به تفسيره:
أولًا: الصياغة السهلة، والسبك الجيد: اعتمد العلامة أبو السعود في تفسيره على الأسلوب السلس الرفيع، الجيد السبك، الغاية في الفصاحة والبلاغة، القائم على العبارات الرصينة المتماسكة التي يأخذ بعضها بركاب بعض.

يقول البوريني: (والعجب أن المفتي المذكور ألَّف تفسيرًا عظيمًا مقبولًا عند الخاص والعام، وعباراته غاية في الفصاحة والبلاغة، وأما محافظته على العبارات الفصيحة، والمعاني البليغة المليحة، فذاك أمر قد وقع عليه الإجماع، ولم يقع فيه اختلاف ولا نزاع)[1]؛ اهـ.

ثانيًا: ذكره للمناسبات: اهتم العلامة أبو السعود بإبراز التناسب بين الآيات، أو ما يسمى بـ: (علم المناسبة)، وقد سبقه الفخر الرازي ت (606هـ) إلى ذلك في تفسيره (مفاتيح الغيب)، وهذا العلم قل اعتناء المفسرين به؛ لدقته، وبيان المناسبة بين الآية وسابقتها هو أول شئ يبدأ به العلامة أبو السعود تفسيره للآية، فيقول مثلًا في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]: (﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ [البقرة: 30] بيان لأمر آخر من جنس الأمور المتقدمة المؤكدة للإنكار والاستبعاد؛ فإن خَلْق آدم عليه السلام وما خصه به من الكرامات السنية المحكية من أجلِّ النعم الداعية لذريته إلى الشكر والإيمان، الناهية عن الكفر والعصيان، وتقرير لمضمون ما قبله من قوله تعالى: ﴿ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وتوضيح لكيفية التصرف والانتفاع بما فيها، وتلوين الخطاب بتوجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة للإيذان بأن فحوى الكلام ليس مما يهتدى إليه بأدلة العقل، كالأمور المشاهدة التي نبه عليها الكفرة بطريق الخطاب، بل إنما طريقه الوحي الخاص به عليه السلام)[2]؛ اهـ.

ثالثًا: التعرض لأسباب النزول: العلامة أبو السعود يتعرض كثيرًا في تفسيره لأسباب النزول، وكان أحيانًا يردها؛ كردِّه لسبب نزول قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأحقاف: 17]، فقال: (وما رُوي من أنها نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قبل إسلامه يرده ما سيأتي من قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [الأحقاف: 18] الآية، فإنه كان مِن أفاضل المسلمين وسرواتهم، وقد كذَّبت الصِّدِّيقة رضي الله عنها من قال ذلك)[3]؛ اهـ.

وكان أحيانًا يذكر أكثر من سبب في الآية الواحدة؛ كما فعل عند قوله تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128]، فقال: (رُوي أنها نزلت في عمرة بنت محمد بن مسلمة وزوجها سعد بن الربيع، تزوجها وهي شابة، فلما علاها الكبر تزوج شابة وآثرها عليها وجفاها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكت إليه ذلك، وقيل: نزلت في أبي السائب، كانت له امرأة قد كبرت وله منها أولاد، فأراد أن يطلقها ويتزوج غيرها، فقالت: لا تطلقني ودعني على أولادي فاقسم لي من كل شهرين إن شئت، وإن شئت فلا تقسم لي، فقال: إن كان يصلح ذلك فهو أحب إليَّ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فنزلت)[4]؛ اهـ.

رابعًا: الاستعانة بالقراءات في توضيح المعنى، ولكن بدون توسع: فيقول مثلًا عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]؛ أي: فتعرَّفوا وتفحَّصوا؛ رُوي أنه صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة أخا عثمان رضي الله عنه لأمه مصدقًا إلى بني المصطلق، وكان بينه وبينهم إحنة (عداء)، فلما سمعوا به استقبلوه، فحسِب أنهم مقاتلوه فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فهمَّ صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فنزلت، وقيل: بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين، فسلموا إليه الصدقات فرجع، وفي ترتيب الأمر بالتبين على فسق المخبر إشارة إلى قبول خبر الواحد العدل في بعض المواد، وقرئ ﴿ فَتَثَبَّتُوا ﴾ [الحجرات: 6]؛ أي: توقَّفوا إلى أن يتبين لكم الحال)[5]؛ اهـ.
ويقول الدكتور الذهبي: (كما نلحظ عليه أنه يعرض أحيانًا لذكر القراءات، ولكن بقدر ما يوضح به المعنى، ولا يتوسع كما يتوسع غيره)[6].

خامسًا: الإقلال من رواية الإسرائيليات: مما تميز به العلامة أبو السعود في تفسيره قلة الوقوع في الإسرائيليات، وعدم حشوه وإطالته للتفسير بها كما وقع من بعض المفسرين، وإن تعرض لها فيتعرض لها ممرضًا ومضعفًا حينما يوردها مسبوقة بصيغة (رُوي) أو (قيل)، ومع ذلك فإنه ربما وقع منه بعضها؛ كما في تفسير قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].

فيقول: (وأصل القصة أن داود عليه السلام رأى امرأة رجل يقال له: أوريا، فمال قلبه إليها، فسأله أن يطلقها فاستحى أن يرده، ففعل، فتزوجها، وهي أم سليمان عليه السلام، وكان ذلك جائزًا في شريعته معتادًا فيما بين أمته غير مخل بالمروءة؛ حيث كان يسأل بعضهم بعضًا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته، وقد كان الأنصار في صدر الإسلام يواسون المهاجرين بمثل ذلك من غير نكير، خلا أنه صلى الله عليه وسلم لعظم منزلته وارتفاع مرتبته وعلو شأنه نبه بالتمثيل على أنه لم يكن ينبغي له أن يتعاطى ما يتعاطاه آحاد أمته، ويسأل رجلًا ليس له إلا امرأة واحدة أن ينزل عنها فيتزوجها مع كثرة نسائه، بل كان يجب عليه أن يغالب هواه ويقهر نفسه ويصبر على ما امتحن به، وقيل: لم يكن أوريا تزوجها بل كان خطبها ثم خطبها داود عليه السلام فآثره عليه السلام أهلُها، فكان ذنبه عليه السلام أن خطب على خطبة أخيه المسلم)[7]؛ اهـ.

سادسًا: التركيز على النواحي البلاغية: وهذا من أعظم ما تميز به تفسير العلامة أبي السعود؛ فهو يُعنى عناية خاصة ببلاغة القُرْآن الكريم وأبوابها المختلفة، خصوصًا علم المعاني، فيقف مثلًا وقفات ذكية أمام باب الفصل والوصل، وعند الالتفات في القُرْآن الكريم وأغراضه البلاغية، ويبين أن التنقل من أسلوب إلى أسلوب أشد وقعًا في النفوس، وأكثر استمالة للقلب، ومما يلاحظ في تفسيره أيضًا التأكيد على التكرار وفوائده في فهم كلام الله عز وجل، وهدفه من ذلك رحمه الله إظهار أن إعجاز القُرْآن في وجوه بلاغته؛ يقول مثلًا عند تفسيره قوله تعالى: ﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الصافات: 65]: ﴿ طَلْعُهَا ﴾ [الصافات: 65]؛ أي: حملها الذي يخرج منها مستعار من طلع النخلة؛ لمشاركته له في الشكل والطلوع من الشجر، قالوا: أول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر، ﴿ كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الصافات: 65] في تناهي القبح والهول، وهو تشبيه بالمخيل، كتشبيه الفائق في الحسن بالملَك، وقيل: الشياطين الحيات الهائلة القبيحة المنظر لها أعراف، وقيل: إن شجرًا يقال له الأستن، خشنًا منتنًا مرًّا منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين)[8]؛ اهـ.

يقول الدكتور الذهبي: (قرأت في هذا التفسير فلاحظت عليه - غير ما تقدم - أنه كثير العناية بسبك العبارة وصوغها، مولع كل الولوع بالناحية البلاغية للقُرْآن، فهو يهتم بأن يكشف عن نواحي القُرْآن البلاغية، وسر إعجازه في نظمه وأسلوبه، وبخاصة في باب الفصل والوصل، والإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والاعتراض والتذييل، كما أنه يهتم بإبداء المعاني الدقيقة التي تحملها التراكيب القُرْآنية بين طياتها، مما لا يكاد يظهر إلا لمن أوتي حظًّا وافرًا من المعرفة بدقائق اللغة العربية، ويكاد يكون صاحبنا هو أول المفسرين المبرزين في هذه الناحية)[9]؛ اهـ.

سابعًا: الإقلال من ذكر المسائل والخلافات التي تخرج عن أصل التفسير: وهذا أيضًا من محاسن تفسير العلامة أبي السعود؛ أنه محَّضه (خلَّصه) للتفسير، ولم يتطرق كثيرًا إلى ما يخرجه عن أصل التفسير كالمسائل والخلافات الفقهية كما فعل القرطبي في تفسيره، وكالمسائل الفلسفية كما فعل الرازي في تفسيره، والمسائل النَّحْوية كما فعل السمين الحلبي في تفسيره، والقضايا التاريخية... إلخ، فيقول مثلًا في تفسيره لقول الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]: (واختلف العلماء في القدر الواجب، فأوجب الشافعي أقل ما ينطلق عليه الاسم أخذًا باليقين، وأبو حنيفة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مسح على ناصيته، وقدرها بربع الرأس، ومالك مسح الكل أخذًا بالاحتياط)[10]؛ اهـ.

يقول الدكتور الذهبي: (فالكتاب دقيق غاية الدقة، بعيد عن خلط التفسير بما لا يتصل به، غير مسرف فيما يضطر إليه من التكلم عن بعض النواحي العلمية، وهو مرجع مهم يعتمد عليه كثير ممن جاء بعده من المفسرين)[11]؛ اهـ.

ثامنًا: الترجيح بأثر النظم والسياق: وهذا أعظم ما تميز به تفسير العلامة أبي السعود على الإطلاق، وهذا هو موضوع تلك الأطروحة العلمية.
يقول البوريني: (ولقد تفرد بشيء في تفسيره جزاه الله خير الجزاء، وهو أنه يتقيد غالبًا باعتماد الوجه الذي يناسب سِياقَ النظم الكريم وسِباقَه، ويسلك غالبًا الإيضاح لمعاني كلام الله عز وجل)[12]؛ اهـ.

تاسعًا: الذب عن عقيدة أهل السنة والجماعة: فبالرغم من إعجاب العلامة أبي السعود بتفسير (الكشاف) فإنه لم يتأثر بما فيه من نزَعات اعتزالية، ووقف منها موقف المحذر منها الرافض لها.
يقول الدكتور الذهبي: (... تبين لنا أن أبا السعود يعتمد في تفسيره على تفسير الكشاف والبيضاوي وغيرهما ممن تقدمه، غير أنه لم يغتر بما جاء في الكشاف من الاعتزالات؛ ولهذا لم يذكرها إلا على جهة التحذير منها، مع جريانه على مذهب أهل السنة في تفسيره)[13]؛ اهـ.

قلت: لم يقف العلامة أبو السعود هذا الموقف من النزعات الاعتزالية فقط، بل وقف كذلك أمام كل رأي مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة، وانظر على سبيل المثال ردَّه لرأي الجهمية في (مسألة أفعال العباد) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 84، 85]، وسيأتي ذلك في ثنايا الدراسة التطبيقية[14].

عاشرًا: التعرض للنواحي الإعرابية: وهذا أيضًا من مميزات تفسير العلامة أبي السعود؛ تعرُّضه للنواحي الإعرابية في الآية، وتفسير الآية على جميع هذه الوجوه الإعرابية، ثم ترجيحه لواحد منها حسب وجهة نظره، وقد عقدت في تلك الأطروحة فصلًا كاملًا في ذلك، فيه سبعة نماذج تطبيقية[15]، فيقول مثلًا في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]: (و(ما) إما تميمية لا عمل لها، و(لكم) خبر مقدم، و(من ولي) مبتدأ مؤخر زِيدت فيه كلمة (من) للاستغراق، وإما حجازية، و(لكم) خبرها المنصوب عند من يجيز تقديمه، واسمها (من ولي)، و(من) مزيدة لما ذكر، و(من دون الله) في حيز النصب على الحالية من اسمها؛ لأنه في الأصل صفة له، فلما قدم انتصب حالًا، ومعناه سوى الله، والمعنى أن قضية العلم بما ذكر من الأمور الثلاثة هو الجزم والإيقان بأنه تعالى لا يفعل بهم في أمر من أمور دينهم أو دنياهم إلا ما هو خير لهم، والعمل بموجبه من الثقة به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه من غير إصغاء إلى أقاويل الكفرة وتشكيكاتهم التي من جملتها ما قالوا في أمر النَّسْخ)[16]؛ اهـ.

يقول الدكتور الذهبي: (كما نلحظ عليه أنه يعرض أحيانًا للناحية النحوية إذا كانت الآية تحتمل أوجهًا من الإعراب، وينزل الآية على اختلاف الأعاريب، ويرجح واحدًا منها ويدلل على رجحانه)[17]؛ اهـ.

حادي عشر: استخراجه للاستنباطات الفقهية، والعقدية، والإرشادية... إلخ: وهذا أيضًا من جملة ما تميز به تفسير العلامة أبي السعود[18]، فيقول مثلًا في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6] مستنبطًا أفضلية الترتيب بين أركان الوضوء على ما ذكرت الآية: (وفي الفصل بينه وبين أخواته إيماءٌ إلى أفضليةِ الترتيب)[19]؛ اهـ.

بعض المآخذ على تفسير العلامة أبي السعود:
أولًا: ذكر العلامة أبي السعود لحديث ضعيف في ثنايا تفسيره: فقد وقع العلامة أبو السعود فيما وقع فيه صاحب (الكشاف)، وصاحب (أنوار التنزيل) من أنه ذكر في آخر كل سورة حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها، وما لقارئها من الثواب والأجر عند الله، مع أن هذه الحديث موضوع باتفاق أهل العلم جميعًا، ويعرف بينهم بحديث أبي بن كعب الموضوع في فضائل السور، ناهيك عن وقوعه في بعض الإسرائيليات كما تقدم، وعدم تحقيقه لبعض أسباب النزول.

ثانيًا: رواية العلامة أبي السعود عن بعض مَن اشتهروا بالكذب: يقول الدكتور الذهبي: (كما نلاحظ عليه أنه يروي بعض القصص عن طريق الكلبي عن أبي صالح؛ فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى في الآية [15] وما بعدها من سورة سبأ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾ [سبأ: 15]... الآيات إلى آخر القصة، نجده يقول: وأصل قصتهم ما رواه الكلبي عن أبي صالح: أن عمرو بن عامر من أولاد سبأ، وبينهما اثنا عشر أبًا، وهو الذي يقال له: (مزيقيا بن ماء السماء)، أخبرته (طريفة) الكاهنة بخراب سد مأرب، وتغريق سيل العرم الجنتين... ويمضي في ذكر روايات أخرى عن رجال آخرين، مع العلم أن الكلبي متهم بالكذب، فقد قال السيوطي في خاتمة الدر المنثور ما نصه: (الكلبي اتهموه بالكذب، وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب)، ولكن نجد أبا السعود يخلص من تبعة هذه الروايات التي سردها بقوله أخيرًا: (والله تعالى أعلم)، وهذا يشعر بأنه يشك في صدقها وصحتها)[20]؛ اهـ.
قلت: كان الأولى للعلامة أبي السعود ألا يذكرها مطلقًا، وينزه تفسيره عنها، أو على الأقل يقوم بنقدها وردها.

رابعًا: مما يؤخذ على العلامة أبي السعود في تفسيره أنه ربما يتعرض لقراءة شاذة ولا يبين شذوذها، كما وقع عند قوله تعالى: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات: 51، 52]، فيقول: (وقرئ بتشديد الصاد من التصدُّق، والأول هو الأوفق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [الصافات: 53]؛ أي: لمبعوثون ومجزيُّون، من الدَّيْن بمعنى الجزاء، أو لمَسُوسون يقال: دانه؛ أي: ساسه)[21]؛ اهـ.

خامسًا: عدم تحقيقه لكثير من أسباب النزول، فقد كان تحقيقه رحمه الله لأسباب النزول نادرًا، وعذره في ذلك أنه كان يرويها بصيغة التمريض (قيل).


[1] "تراجم الأعيان" (1/ 241).

[2] "إرشاد العقل السليم" (1/ 79).

[3] "إرشاد العقل السليم" (8/ 84).

[4] "إرشاد العقل السليم" (2/ 239، 240).

[5] "إرشاد العقل السليم" (8/ 118).

[6] "التفسير والمفسرون" لمحمد حسين الذهبي ت (1398هـ)، نشر: مكتبة وهبة القاهرة (1/ 249).

[7] "إرشاد العقل السليم" (7/ 222). وهذه القصة لا تصح، ولا يصح نسبة ما فيها إلى نبي من أنبياء الله عز وجل، ولا دليل على ما ذكره العلامة أبو السعود من جواز ذلك في شريعتهم، قال ابن الجوزي: (وهذا لا يصح من طريق النقل، ولا يجوز من حيث المعنى؛ لأن الأنبياء منزَّهون عنه). "زاد المسير" (3/ 566)، وقال الحافظ ابن كثير: (قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثًا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة؛ فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل؛ فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا)؛ "تفسير ابن كثير" (7/ 60).

[8] "إرشاد العقل السليم" (7/ 194).

[9] "التفسير والمفسرون" (1/ 248).

[10] "إرشاد العقل السليم" (3/ 10، 11).

[11] "التفسير والمفسرون" (1/ 250).

[12] "تراجم الأعيان" (1/ 241).

[13] "التفسير والمفسرون" (1/ 248).

[14] انظر: التطبيق الثالث من الفصل الأول تحت عنوان: (أثر النظم في بيان الدخيل والإسرائيليات) من تلك الأطروحة.

[15] انظر: الفصل السادس تحت عنوان: (أثر النظم في ترجيح المحتملات الإعرابية) من تلك الأطروحة.

[16] "إرشاد العقل السليم" (1/ 144).

[17] "التفسير والمفسرون" (1/ 250).

[18] انظر: الفصل الرابع تحت عنوان: (أثر النظم في استنباط الأحكام الفقهية، والعقدية ...) من تلك الأطروحة.

[19] "إرشاد العقل السليم" (3/ 11).

[20] "التفسير والمفسرون" (1/ 249).

[21] "إرشاد العقل السليم" (7/ 192)، وسيأتي مزيد إيضاح لشذوذ هذه القراءة في الفصل الثامن من الدراسة التطبيقية، تحت عنوان: (أثر النظم في توجيه القراءات القرآنية) التطبيق الأول.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.33 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]