مظاهر الاعتدال والتوازن في السلوك البشري والاقتصادي في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السر وقانون الجذب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فوائد البنوك.. ومخالفة رب العالمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أبرز صفات المعلم السلوكية في الفكر التربوي الإسلامي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ابحث عن مكان مغلق لحل الخلافات -حتى لا يكون الأبناء ضحية المشكلات الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3130 )           »          وسائل وحدة الصف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 794 )           »          منهج أهل السنة والجماعة في نبذ الخلاف والحرص على وحدة الصف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          اتباع الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          سعة الصدر على المخالف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-11-2020, 09:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,589
الدولة : Egypt
افتراضي مظاهر الاعتدال والتوازن في السلوك البشري والاقتصادي في الإسلام

مظاهر الاعتدال والتوازن في السلوك البشري والاقتصادي في الإسلام
كيندة حامد التركاوي




من أهم القواعد الإيمانية التي أشار إليها القرآن الكريم في آيات عديدة تحض على التوازن في الأمور المعيشة للبشر في سائر تصرفاتهم اليومية، وحياتهم المعيشية:
أ‌- الاعتدال في الطعام والشراب واللباس:
يتيح الغذاء لجسمنا استخراج الذكاء والمواد الضرورية له من محيطه. لذا يجب أن تتغذى خلايانا من عدة مواد. ومن الملائم إذاً تنويع الوجبات مضمنّين إياها تلك التي تحتوي على المواد الضرورية. وتُقدّر حاجيات جسمنا اليومية بمعدل ثلاثة آلاف سعرة حرارية نجدها في الغذاء الذي نتناوله. ولهذا فإن الخلايا بحاجة إلى غذاء لتنتج الطاقة، كما يستحسن الأكل بصمت أو برفقة حسنة[1].

وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أهمية اجتماع الأسرة على المائدة؛ لأن في ذلك البركة في الطعام، والتآلف الأسري الذي فُقد في هذا الزمان، فإيقاع الحياة العصرية السريع، يُحتم على معظم الأفراد تناول الوجبات السريعة في الشوارع والأماكن العامة، وهذا يسبب الجفاء والبعد بين أفراد الأسرة.

أَنَّ أَصحَابَ النبي صلى الله عليه وسلم قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ. قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ عليه السلام: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ"[2].


لما خلق الله جلا جلاله الإنسانَ من تراب الأرض، ومائها، وجعل طعامه وشرابه أرضياً، فأنبت له في الأرض صنوف من الثمار والخضار، وأجرى له الأنهار، وفجر له الينابيع العذبة؛ ليرتوي بمائها، وسخر كل ما على الأرض من خيرات، وكل ما في باطنها من ثروات لنفعه وخدمته.

وقد أمر المُنعم سبحانه وتعالى بالاستمتاع بالطيبات التي خلقها لعباده. وبين ذلك من خلال النصوص القرآنية التي تدعو إلى: التمتع بالطيبات من الطعام والشراب.

قال تعالى: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]. والتمتع باللباس؛ ولكن شرط عدم الإسراف أو التبذير. قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

اللباس من حاجات النفس وضرورتها لتدفع الحر والبرد كما أن الطعام من حاجات النفس لدفع الجوع وكما أن النفس غير قانعة بقدر الحاجة من الطعام بل تطلب الزيادات والشهوات فهكذا في اللباس تتفنن فيه ولها فيه أهوية متنوعة ومآرب مختلفة، والمحبوب الوسط من اللباس الذي لا يوجب شهرة بالجودة ولا بالرداءة[3].

ب‌- الاعتدال في المشي والحديث:
تبين مما سبق بأن خلق الإنسان وسط بين المخلوقات- الملائكة والجان- ولما كان خلقه وسط، كان سلوكه وتصرفاته محكوم عليها - بمشيئة الله سبحانه وتعالى - بالتوسط والاعتدال، فالحكمة الإلهية اقتضت التوازن في السلوك البشري لفوائد جمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. وكل هذا لمصلحة الإنسان الذي فضّله عن سائر المخلوقات، فأمره بالاعتدال في المشي لما فيه من وقار وهيبة للمسلم، وأمره بالاعتدال بالكلام لما فيه من جلال القدر للمتكلم، وحسن الإصغاء من المستمع، فالصوت العالي يؤذي الأذن، ويشتت الانتباه، ويوتر الأعصاب. ومن عظيم فضل الله تعالى أن جعل الأمر بالاعتدال بالمشي والكلام على لسان لقمان الحكيم لابنه؛ وفي هذا أمر إلهي تربوي هام. يجب أن ينتبه إليه كلّ الآباء والمربين. ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19].

واقصد في مشيك: أي: توسط فيه والقصد ما بين الإسراع والبطء يقال قصد فلان في مشيته: إذا مشى مستوياً لا يدب دبيب المتماوتين، ولا يثب وثوب الشياطين وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى أسرع فلا بد أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحد في السرعة.

واغضض مِن صَوْتِكَ: أي: انقص منه، واخفضه ولا تتكلف رفعه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع، وجملة إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير: تعليل للأمر بالغضّ من الصوت، أي أوحشها، وأقبحها. قال المبرد[4]: تأويله: إن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وإنه داخل في باب الصوت المنكر[5].

ت‌- الاعتدال في النوم والراحة:
النوم حالة تهويم الوعي، الإحساس والنشاط. بعد مرحلة التيقظ وعملٌ جسدي ودماغي، والإنسان بحاجة إلى مرحلة راحة، يستطيع خلالها العقل والجسد الاسترخاء تماماً وتخزين القوى الجديدة. يشكل الليل إحدى هذه المراحل المحددة... وقد بيّنت الدراسات على نقصان النوم، إن الإنسان لو أراد أن يبقى في أحسن حالاته، وجب عليه النوم، وتترجم قلة النوم عادة، بسرعة الانفعال، وسرعة الغضب. يؤدي نقصان النوم إلى تسمّم حقيقي للدماغ، يكدّس عمل الأعصاب الدائم البقايا السامة مستهلاك مخزونها. وعلى المدى الطويل، يصبح كل عمل غير ممكن ثم تظهر الآفات. فالنوم إذاً عمل فيزيولوجي، يجنّب بدقة الاضطرابات الخطيرة، والاستنفار الكامل للجهاز العصبي. وكي تُحافظ على دورها الحياتي تعمل أعضاؤنا تبعاً لدورة حيث الراحة والنشاط يتناوبان. فتراكم التعب والتوتّر المتخلّف الذي لا يستطيع النوم طرده يسبب حالة تعب، ونقصان الطاقة [6]. رسم القرآن الكريم خطة العمل والراحة وفق نظام بيولوجي دقيق، يتناسب مع قدرات الجسد الذي مهما ظهر قوياً إلا إنه ضعيف، وإن اختلفت قوة التحمل والجلدة من جسد لآخر، وفقاً لطبيعة البشر وقدرة تحملهم. وهذه الخطة الإلهية تبدو ظاهرة للعيان من خلال دورة الكون، ومن خلال تعاقب الليل والنهار. وهنا يأتي الأمر الإلهي بإتباع حالتي العمل والراحة، وحالتي النوم واليقظة، امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47]. إي: من رحمته بكم ولطفه أن جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم، حتى تستقروا فيه وتهدؤوا بالنوم وتسبت حركاتكم أي: تنقطع عند النوم، فلولا الليل لما سكن العباد ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر، ولو استمر أيضا الظلام لتعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم، ولكنه جعل النهار نشوراً ينتشرون فيه لتجارتهم، وأسفارهم وأعمالهم، فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح [7]. فالاعتدال بين حالتي النوم واليقظة، وبين حالتي الراحة والعمل، سلوك تربوي اقتصادي هام. يجب على الآباء تنشئة صغارهم عليه منذ نعومة أظفارهم.

ث‌- الاعتدال في البناء:
المسكن من الحاجات الضرورية للإنسان، والناس تنفق الأموال الكثيرة على بناء البيوت، وفرشها بالأثاث الضروري للاستخدام الشخصي، والراحة البدنية والنفسية، فمنزل المرء جنته في الدنيا، وملاذ راحته بعد عناء يوم طويل، وهو سترٌ من الحر والبرد، والمسكن الواسع من مقومات السعادة في الدنيا. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: مِنْ سَعادَةِ المَرء المَسكن الواسِعُ وَالجَارُ الصَالحُ وَالمَركِبُ الهَنيء[8].

ومن الإنفاق المشروع: إنفاق الإنسان في بناء أو مسكن له ولعياله، يتميز بالسعة والجمال وكثرة المرافق، والجمال يختلف باختلاف العرف، ولا بأس بشيء من الزخرفة والتجميل المعقول، دون دخول في دائرة السرف والترف والتوسعات التي هدفها المفاخرة. حتى إن بعض القصور تتكلف الملايين، ومنها ما وضعت في جدرانه الأحجار النفيسة، ومنها ما طُلي أو طُعِّمَ بالفضة والذهب، والذي يُنكر في البنيان هو: قصور الترف والتنعم الزائد التي تشغل الإنسان عن ربه وآخرته، وتطغيه على الفقراء والضعفاء من الناس، وهو ما أُنكِر في القرآن على لسان نبي الله هود عليه السلام على قومه عَاد حين قال لهم: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 128، 129]. فالإنكار ليس على مجرد البناء الرفيع، بل على العبث به، وليس على اتخاذ المصانع _ أي القصور والبروج المشيدة_ بل على العيش فيها عيش من يُخَلَّد، لا عيش من يموت [9]. ومن سعة الدار أن يكون فيها مجال لتطبيق التوجيه النبوي في التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشر سنوات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ" [10].


ومن سعة المنزل أن يكون فيه غرفة للضيوف، وهذا خُلق إسلامي عظيم، حض عليه الإسلام من حُسن وكرم الضيافة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ،..." [11].


ولكن من الإسراف أيضا أن يكون في بيت المسلم مالا حاجة له به من أثاث، أو فراش أو ما شابه ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لامْرَأَتِهِ، وَفِرَاشٌ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ"[12].


وهذا طبعاً لمن ليس عنده ولد. والاعتدال في البناء أيضاً يكون في تعويد أبنائنا على اقتناء ما هو مباح من الأثاث، حيث يبتعد الأهل عن شراء بعض المقتنيات غير الضرورية أو المحرمة كالتماثيل، وما عدا ذلك من زينة بسيطة جميلة فهو مباح؛ لما فيه من أثر النعم على العبد، ومن راحة للنفس.

ج‌- الاعتدال في الإنفاق:
عمد القرآن إلى أبلغ الأساليب وأروعها تصويراً في الدعوة إلى الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق، والتنفير من الإسراف والتبذير أو البخل والتقتير.فالقرآن يريد أن يجعل الاقتصاد في النفقة خُلقاً دينياً أصيلاً من أخلاق الشخصية المسلمة.

من قواعد الإنفاق في الإسلام الوسطية دون إسراف أو تقتير، لأن في الإسراف مفسدة للمال وللنفس وللمجتمع، وكذلك الوضع في التقتير ففيه حبس وتجميد للمال عن وظيفته التي خلقها الله له وكلاهما يسبب خللاً في النظام الاقتصادي، وأصل هذا الأساس من القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى في وصف عباده المؤمنين:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47]. لقد نهى الله عن التقتير، وغل اليد عن النفقة، كما نهى عن السرف والتبذير سواء. فإن العدل فيالاعتدال، والخير في التوسط، والفضيلة بين الإفراط والتفريط. وقاعدة الاقتصاد في الإنفاق تتجلى بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29] فتحض هذه الآيات على الوسطية في الإنفاق.

ويعتبر التوسط والاعتدال بين الحد الأدنى للإنفاق الذي دونه يكون التقتير، وبين الحد الأقصى الذي فوقه يكون الإسراف، وفى هذا الخصوص، يقول الفخر الرازي[13]: لكل خلف طرفين: إفراط وتفريط وهما مذمومان فالتقتير إفراط في الإمساك، والإسراف إفراط في الإنفاق، وهما مذمومان، والخلق الفاضل هو العدل والوسط.

ونخلص من الأدلة السابقة أن الإسلام يسع كل أنماط الاستهلاك حسب سعة كل مستهلك في إطار عدم التجاوز إلى التقتير أو الإسراف وفى هذا مرونة إشباع الرغبات المحدودة. ويتمثل البعد التربوي لهذا الأساس هو كبح هوى النفس الشحيحة المقترة وكذلك النفس الشرهة المسرفة، وهذا ما يجب أن نربي أولادنا عليه سواء على مستوى الإنفاق الفردي أو الإنفاق الأسري أو الإنفاق الحكومي [14].

ح‌- الاعتدال في الاستهلاك البشري:
إنه لون من التربية الاقتصادية للفرد وللأمّة المسلمة، فإن الإسراف في الاستهلاك يُذهب بكل المحاولات لزيادة الإنتاج. ويبدد أموالاً كثيرة في الكماليات وتوافه الحياة، فضلاً عن المحظورات والموبقات، فأما إذا أصبح الاعتدال في الإنفاق الاستهلاكي إلى مجال الإنفاق الإنتاجي، وهذا هو فقه الحياة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ فقهِ الرَجُل قَصدُه في معيشته"[15].

إن التربية الاقتصادية مطلوبة في كل عصر، ولكنها ألزم ما تكون في عصرنا، الذي أسرف الناس فيه في الاستهلاك، حتى جاروا على الطبيعة، وما فيها من خضرة، وجاروا على البيئة ومكوناتها، وجاروا على حق الأجيال القادمة، ولم يعالجوا هذا بالقصد والاعتدال في الإنفاق والاستهلاك، كما هو شأن أُولي الألباب [16]. الذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].


ومن روائع ما جاء في ترشيد الاستهلاك المحافظة على الموارد والنعم والخبز الذي يعتبر لقمةالعيش الأساسية للناس جميعاً؛ ولذلك وردت أحاديث كثيرة تحث على المحافظة على النعم، وتبين كيفية ترشيدها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعامَاً لَعَقَ أَصَابِعَهُ الثَلاثَ. وقَالَ: "إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى، وَليَأُكَلها وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وأُمِرنَا أَن نسلت القصعة. قال: فَإِنَّكم لا تَدْرُونَ في أَيِ طَعَامِكُم الْبَرَكَةَ"[17]. فهذا توجيه نبوي كريم إلى أدب من آداب الطعام، ربما يستنكف منه المترفون والمستكبرون، ومقتضاهألا يستحقر الإنسان نعمة من نعم الله تعالى عليه مهما تكن قليلة، ولو كانت هذه النعمة لقمة تسقطمن الإنسان هفواً، فينبغي له أن يزيل عنها ما علق بها من أذى إن كان، ويأكلها ولا يدعها تذهب هدراً بلا فائدة، فمثل هذا الإهدار للنعمة يُعبِّر عنه الشارع بأن مآله إلى الشيطان. ويتحتم الاعتدال في الإنفاق والاستهلاك ويتأكد إذا قلة الموارد، كما في أيام القحط والمجاعات والحروب، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام في إطار [الخطة خمس عشرية] التي وضعها للخروج من الأزمة، وذلك من خلال تقليل الاستهلاك في السنوات السبع الخصبة حتى يكون هناك مجال للادخار. ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ [يوسف: 47]. ثم تقليل الاستهلاك مرة أخرى في السنوات العجاف، بحكم الضرورة، وتوزيع المدخر ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 48، 49]. إن ترشيد الإنفاق والاستهلاك سُنَّةٌ إسلامية حميدة. مطالبٌ الجميع بتطبيقها آباءً وأبناء.

خ‌- الاعتدال في المحافظة على الموارد الطبيعية:
بيّن الله سبحانه وتعالى لعباده كيفية التعامل مع الطبيعة ومواردها، بطريقة تعتمد عل التوازن والاقتصاد في كيفية الاستفادة من خيرات الطبيعة وثرواتها. وبين كيفية المحافظة والرشد في استخدام الموارد الطبيعية بدون إسراف أو تبذير أو تبديد، ويقصد بالرشد في هذا المقام الاستغلال الأفضل الذي يتولد عنه أقصى نفع ممكن[18] مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

ويكمن دور التربية الاقتصادية في المحافظة على الموارد الطبيعة من خلال تدريب الأبناء على:
1- الإيمان بأن هذه الموارد ملك لله سبحانه وتعالى، وللأفراد حق ملكية الانتفاع، ويجب عليهم عند الانتفاع بها أن يلتزموا بشريعة المالك الحقيقي لها؛ أي الالتزام بضابط مشروعية المنفعة.

2- لا يجوز تعطيل هذه الموارد، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59]


3- تجنب تبديد الموارد بدون منفعة معتبرة شرعاً، لأن ذلك من أساليب الإفساد في الأرض، فمن وصايا صالح عليه السلام لقومه:﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74].


والإفساد في الأرض يكون مادياً، بتخريب عامرها، وتلويث طاهرها، وإتلاف طيباتها. ويكون معنوياً، بإشاعة الظلم، ونشر البطالة، والتعالي على الناس، وتضليل العقول.
1- الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية وصيانتها.

2- لا يجوز الإسراف في استخدام هذه الموارد، حتى لا يؤدي إلى تقليل المنافع منها.


3- تحقيق التوازن بين مصلحة الأجيال الحاضرة، والأجيال المقبلة من خلال التنويع بين المشروعات الإنتاجية قصيرة الأجل لتخدم الأجيال الحاضرة، والمشروعات الإنتاجية الأساسية لخدمة الأجيال المقبلة[19]، وهذا مستنبط من قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].



وقد يُفهم من ذلك أنّ سمة الخشونة سمة الحياة الإسلامية، ولو صحَّ هذا الفهم فأي عيب فيه؟
على أنه من المستغرب أن تقرن ليونة العيش باستعمال الحرير والذهب، لكن الإسلام يريد أن يجتث جذور الترف من معيشة الفرد ومعيشة الجماعة حتى يَسلم للأمم كيانها، ويبقى تماسكها؛ وجدير بالأمة المسلمة أن تجعل حياتها جندية لله، وتاريخاً جهادياً موصولاً لإعلاء الحق وحماية دعوته وظاهر أمرها وباطنه ترفعاً عن فتن الدنيا وملاهيها الصغيرة. أما التهالك على الشهوات، والتهاوي في المحرمات، فهو فرار من التكاليف، وتضييع لمعالم الشرف، وتلك خلالٌ إن تسربت إلى أمةٍ وأدتها[20].


[1] عازار، سمير، الموسوعة الصحية، 6، 80.

[2] أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الأطعمة (3736)، بابفي الاجتماع على الطعام (15)، حديث (3764)، 39.

[3] الغزالي، إحياء علوم الدين،4، 104.

[4] المبرد: النحوي البصري محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان الثمالي؛ ولد ليلة الاثنين ليلة الأضحى سنة 210هـ، ومات - رحمه الله - يوم الاثنين لليلتين بقيتا لذي الحجة سنة ( ت 286 هـ/ 840 م)؛ ودفن بباب الكوفة ببغداد. وهو صاحب كتاب المقتضب في النحو وما سبقه أحد إلى تأليفه، واليه يتحاكم أهل النحو فيما يختلفون فيه من النحو. يُنظر: جمهرة أنساب العرب، 1، 156.

[5] الشوكاني، فتح القدير، 4، 341.

[6] عازار، سمير، الموسوعة الصحية الشاملة، الجسد والنفس، 4، 16 وما بعدها.

[7] السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيقعبد الرحمن بن معلا اللويحق، د . م، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420هـ /2000 م، 548.

[8] البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله، ( ت 256هـ/ 850م )، الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط3، 1409هـ/ 1989، كتاب البنيان، باب المسكن الواسع، حديث (457)، 162.

[9] القرضاوي، يوسف، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، 214.

[10] أبوداود، سنن أبي داود، كتاب الصلاة (391/1160)، باب باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (26)، حديث (494)، 120.

[11] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأدب (78/52)، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه (85/85)، حديث (6136)، 9، 134.

[12] مسلم، الجامع الصحيح، كتاب اللباس والزينة(37)، باب كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش (8)، حديث(2084)،3،1651.

[13] الإمام الفخر الرازي: توفي بهراة في سنة ست وستمائة في ذي الحجة. المتكلم صاحب التيسير والتصانيف، واسمه محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي البكري، أبو المعالي المعروف بالفخر الرازي، ويقال له ابن خطيب الري، أحد الفقهاء الشافعية المشاهير بالتصانيف الكبار والصغار نحو من مائتي مصنف، منها التفسير الحافل والمطالب العالية، والمباحث الشرقية، والأربعين، وله أصول الفقه والمحصول وغيره، وصنف ترجمة الشافعي في مجلد مفيد، وقد كان معظماً عند ملوك خوارزم وغيرهم، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى، وملك من الذهب العين ثمانين ألف دينار، وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والملابس وكان يحضر في مجلس وعظه الملوك والوزراء والعلماء والأمراء والفقراء والعامة، وكان مع غزارة علمه في فن الكلام يقول: من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز. يُنظر: البداية والنهاية، 13، 67.

[14] شحاته، حسين حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق، 105.

[15] الهيثمي نور الدين علي بن أبي بكر ( ت 807هـ/ 994م )، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، دار الفكر، 1412 هـ/ 1992م، [1- 10]، كتاب البيوع (10)، باب الرفق في المعيشة (20)، حديث (6308 )،4، 130.

[16] القرضاوي، يوسف، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، 244.

[17] مسلم، الجامع الصحيح،كتاب الأشربة (36)، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة (18)، حديث (2034)، 3، 1607.

[18] شحاته، حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق، 68 وما بعدها.

[19] شحاته، حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق، 70، 100، بتصرف.

[20] الغزالي، محمد، خُلق المسلم، دمشق، دار القلم، ط21، 1428هـ/2007م، 240 صفحة، 151.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.66 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]