سلوة المغموم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-10-2020, 01:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي سلوة المغموم

سلوة المغموم (1)


عبدالله بن عبده نعمان العواضي



إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب70-71].


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، لقد تكاثفت غيوم البلايا على سماء واقعنا، وبسقت أشجار الشدة على أرض أيامنا، حتى عمّت الخطوب، وأينعت الكروب، وتعددت الغموم، وتنوعت الهموم، وضاقت الأحوال، فخنقت الآمال، وعظُمت المصائب والعسر، وقّلت الرغائب واليسر. فالحرب لا تزداد إلا اشتعالا، والأزمة الاقتصادية تتسع يمينًا وشمالا، وأكثر الموظفين يعيشون أشهراً بلا مرتبات، والكساد يعمُّ الأسواق والتجارات، والبطالة تمتد في جوانب الحياة، وهبوط الريال، وارتفاع الدولار يقتحم ما تبقى من أبنية العيش الكريم. وتحت ظلال هذه المآسي كَثُر المرضُ والمرضى، وقلّ الدواء أو ارتفع ثمنه، وهاجر ما تبقى من كبار الأطباء إلى خارج البلاد.


ومع هذا وذاك يعيش الناس في خوف وقلق، غيرَ سالمين من تسلط الظالمين، وشدة مكر أعداء المسلمين، وقبل هذا كله فإنه ليَكِلمُ أفئدةَ المؤمنين انتفاشُ الباطل وأهلِه المفسدين، وخفوت أو غياب الحق وأهلِه المصلحين، حتى اشتد ساق الباطل فغدا بين الخلق الباطلُ حقا، والحق باطلا، والصدق كذبا، والكذب صدقا، والمنكر معروفا، والمعروف منكرا، وفي مثل هذا الأجواء القاتمة، يقول المؤمن:
لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ * إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ[2]
أيها المسلمون، هذه عينة من واقعنا، ومشاهد حية مما يزخر به عيشنا، ونماذج من المظاهر الملموسة في أيامنا هذه.


فإن سأل سائل: لماذا وصلنا إلى هذه الحال، ولِمَ وردنا إلى هذا المآل؟ إذْ لابد لكل نتيجة من مقدمة، ولكل مسبَّبٍ من سبب، فإذا عُرف السبب بطل العجب، ومتى عُلم سبب الداء سهل على الطبيب تعيين الدواء، كما أن الإنسان إذا وصل إلى دراية بأسباب علته، وفهمَ عوامل محنته فإن ذلك يعد أولى درجات سلم الشفاء، والنجاةِ من شقاء الداء.


أيها الإخوة الفضلاء، إن الجواب على هذا نجده في كتاب ربنا الكريم الذي فيه صلاح جميع أمرنا لو تمسكنا به حق التمسك، فتأملوا معي وتدبروا وتفكروا في هذه الآيات الأربع الكريمات، يقول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال:53]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد:11]. وقال: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم:41]، وقال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى:30].


ففي الآية الأولى والثانية يبين الله تعالى أن تغيير النعمة إلى نقمة له سبب، فتغيّر التوفيق إلى خذلان، والإعطاء إلى حرمان، والأمن إلى خوف، والغنى والكفاية إلى فقر وحاجة؛ سببه: تغير النفوس، فالتغيير الخارجي المكروه سببه التغيير الداخلي المكروه.


فالنفوس حينما تغير حالها من طاعة إلى معصية، ومن قرب من الله إلى بُعد عنه، ومن شكر المنعم سبحانه إلى جحود نعمته، ومن التوكل عليه إلى التوكل على غيره، عند ذلك دهمَ ليلُ البلاء، فطردَ ضياءَ النعماء، وما ظلم اللهُ الكريمُ الرحيم عبادَه، ولكن الناس أنفسهم يظلمون. وفي الآيتين: الثالثة والرابعة يكشف الله لنا عن سبب حصول الفساد في الأرض في برها وبحرها، وعن علة نزول المصائب على الخلق فيقول لنا: إن سبب ذلك كسبُك أيها الإنسان، مهما حاولت تنزيه نفسك، عن كبار معاصي العاصين، وجرائرِ رؤوس المجرمين، فإن المعاصي- وإن صغرت- عندما يتواتر عليها ناس كثيرون تصبح خطراً كبيراً على المجتمع الذي يعيشون فيه. إذن: السبب هو: ما قدّمت أيدي الناس، مجتمعين أو متفرقين، خاصة كانت الذنوب أو عامة، فما أهلَكَ الشعوبَ أعظمُ من الذنوب.


ألا ترون بعين الحق واقعَ المسلمين -عباد الله- ألم يُعطل فيه كثير من شرع الله في سير الحياة؟، الحدود الشرعية غالبًا لا تُقام، الربا يعيش اليوم أبهى مراحل عزه، ويتربع على الاقتصاد على مرأى ومسمع المسلمين، قتلُ النفوس المعصومة فشا بين ذوي الأنفس الضعيفة، الزنا وقلة الحياء في ازدياد، وأخذ أموال الناس بالباطل، وموالاة أعداء المسلمين، ومعاداة أولياء الله الصالحين، وقطع الصلاة، ومنع الزكاة، وشرب المسكرات؛ كل هذه المعاصي وغيرها صارت ذنوبًا ظاهرة، واسمعوا ما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ذكراً السبب والنتيجة، وقارنوا الخبر النبوي بواقع البشر الواقعي، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)[3].


أحبتي الكرام، نعلم جميعًا أننا -نحن المسلمين- ما جئنا إلى هذه الدنيا لنعيش فيها خالدين، ونعمرها فنكونَ بها لاهين، وعن ذكْرِ الدار التي تنتظرنا غافلين أو ناسين. وإنما جئناها لنعبرها إلى دار أخرى، ونزرعها لنحصد في مكان سواها، ونغترب فيها ثم نعود من سفرنا إلى الوطن الخالد الذي هو دارنا الحقيقية، نعم، خُلقنا في الدنيا لنؤمن بالله، ونعمل الأعمال الصالحة التي نأخذ بها جواز دخول الجنة-برحمة الله تعالى- فأما من تركَ الإيمان والعمل الصالح، وركب مطايا الجحود والعمل السيء فما هو جواز سفره إلى الدار الآخرة؟


أقول: إذا كان الأمر هكذا، فكم هم الذين يعيشون منا-نحن المسلمين- من أجل الآخرة، ولم تغرهم الحياة الدنيا، وكم هم الذين تنافسوا على دار الغرور، وغفلوا عن العمل المنجي يوم النشور!


إن نسيان الآخرة، والانغماس في شهوات الدنيا الخاسرة، والاغترار بأموالها وعقارتها، وجاهها وسلطانها، ولهوها وملذاتها أدى ذلك كله إلى الغفلة عن الدين، وتركِ جعلِه أهمَّ المهمات، وغايات الغايات في العمل في هذه الحياة، فلا غرابة حينئذ-وأحوالنا هكذا- أن تُغِير علينا جحافلُ المصائب، ونحن غرقى في بحار الدنيا، أو سكرى في خمرة الغفلة.


أيها الأحباب الفضلاء، هل سأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال: كم هو عملي في اليوم والليلة لهذا الدين الذي خُلِقت من أجله، وتكفل الله لي بأني لو قمت به لصلحت حياتي في الدنيا والآخرة، وزال عنها الكربات الشداد؟، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فكم نصيب الدين من هذه الساعات؟ فإذا كان نصيب الدنيا هو الأكثر منها كانت المكدرات والأحزان هي الأكثر، وإن كان نصيب الدين هو الأكبر فيها كانت الأحوال الطيبة هي الغالبة على الحياة.


ونحن-بلا شك- نعرف أن نصيب الدنيا من أكثرنا هو الغالب، فإذاً لا نستغرب من نزول المصائب، وقلة الرغائب.


أيها المسلمون، إن هذا الواقع المظلم لا يدعو إلى اليأس، فمصباح التفاؤل، وتغييرِ الحال السيئة بيد من يصدق في سلوك درب النجاة، فما عليه إلا أن يشعل مصباح الضياء، ويسعى في سبيل الخروج من ظلمات واقعه الكئيب. فمن أراد السلو من أحزانه، والاطمئنان في كدر أوقاته وأحيانه، والانتقالَ إلى يسره بعد عسره، وإلى سعادته بعد شقوته، وإلى سعته بعد ضيقه؛ فليعلم أن الدنيا لا تصفو جميعُ أحوالها، ولا تجمل كل أوقاتها، بل هي على مهب تقلب الأطوار، وتبدل الأحوال، فإن أضحكت اليوم أبكت غدا، وإن أحزنت غداً أفرحت بعد غد. فلا يقنطنَّ مصاب ولا مبتلى، ولا حزين ولا مظلوم؛ فإن الأيام دول، وأزمنة الضر إلى مرتَحل، والدهر قُلَّب، والعيش يتبدل.
فيومٌ علينا ويومٌ لنا *** ويومٌ نُسَاءُ ويَوْمٌ نُسَرّ


ففي مكة قاسى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم صنوفَ البلاء، وعانوا صروف العناء، غير أنهم لما هاجروا إلى المدينة حسُنت أحوالهم، فعزوا بعد الذلة، وكثروا بعد القلة، واغتنوا بعد العيلة. ومن أوثقت الدنيا عليه أغلالَها، وضيّقت عليه خناقها، وأحاطت به البلايا إحاطةَ الأطواق بالأعناق، فلم يجد من ضيقه مخرجا، ولا من شدته فرجا؛ فليتنفس الصعداء، وليبتسم في وجه البلاء، وليتجه بقلبه إلى ما أعد الله تعالى للمؤمنين العاملين الصابرين في دار البقاء في جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين. فمن كان من المؤمنين ففكر في أيام محنته بمجيء الموت، ورحيل الدنيا، وقدوم الآخرة وما فيها لأهل الإيمان والعمل الصالح من الخيرات؛ فإنه ستستريح نفسه، وتتسع حياته، ويعظم أمله، ويخف ألمه. فما دام أن هناك جنة تنتظر المؤمنين الصابرين يذهب فيها حزن الدنيا وشقاؤها، ويخلد فيها المؤمن أبد الآباد؛ فلا حزن يبقى، ولا شرَّ دنيويًا يُخشى إذا كان الإنسان من أهل التقوى، فما عند الله خير وأبقى، ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت:64].


ومن موارد السلوان، وجلاء الأحزان: أن تعلم-أيها المظلوم، وأنت أيها الفقير، وأنت أيها المريض، وأنت أيها المغموم- أنك لست وحدك في سوق البلاء، ومسلك العناء، فهناك من هو مثلك أو أكثر منك، فسلِّ نفسك بالتأسي، وفي كل وادٍ بنو سعد، ومن لم يُبتلَ اليوم سيبتلى في غد أو بعد غد، فأين المفر؟.


فمن كان مظلومًا فإن الله سينصره، ولو بعد حين، في الدنيا، أو في الآخرة، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من مكة مظلومين، فما هي إلا سنيهات حتى نصرهم الله تعالى في يوم بدر وما بعدها.


ومن افتقر بذهاب راتبه، أو تسريحه من وظيفته، أو ذهاب تجارته، أو كساد سوقه، أو عدم وجوده وظيفة تصونه ومَن يعول عن ذل الحاجة إلى غيره؛ فليعلم أن الفقر لا يدوم كما أن الغنى لا يستمر؛ فقد خرج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من مكة مهاجراً إلى الله ورسوله، فوصل إلى المدينة بلا أهلٍ ولا مال، حتى وجد بعد ذلك وتأهّل، وصار من أغنياء العرب.


ومن كان مريضًا فإن المرض تعقبه العافية في الدنيا، أو الموتُ الذي يذهب معه كلُّ ألم، ويحصل بعده كل جميل، ما دام صاحبه من المؤمنين الصابرين، ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر:34].


ألا فليصبر كل مهموم، وكل مظلوم، وكل مريض، وكل فقير، وكل مبتلى، وكل ضيِّق، وكل محزون؛ فإن صبر المؤمنين يورث جنة رب العالمين، ويُنزل على قلوب المصابين غيثَ الاطمئنان واليقين، ويسوق إليها سحائبَ الأمل، وحسن ما عنده.
الصبر مثلُ اسمه في كل نائبةٍ
لكن عواقبه أحلى من العسل[4]
♦ ♦ ♦
بكى صاحبي لما رأى الموتَ فوقنا
مُطلاًّ كإطلال السحاب إذا اكفهرْ

فقلتُ له لا تبكِ عينُك إنما
يكون غداً حسنُ [الجزاء] لمن صبرْ[5]



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على خير من صبر وتعبّد، نبينا ورسولنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون، إن الفرج الجماعي يحتاج إلى عودة جماعية إلى الله تعالى، فما أذهبَ الكريهات، ورفعَ العقوبات، مثلُ ترك السيئات، ولزومِ الطاعات. فما نزلت مصيبة إلا بمعصية، ولا رُفعت إلا بتوبة.

ألا من كان بعيداً عن الله تعالى فليعدْ إلى الله، ومن كان مذنبًا فليتب من ذنبه، ومن كان ظالمًا فليتب من ظلمه، ومن كان تاركًا للصلاة فليصل قبل فجأة منيته، ومن كان مانعًا للزكاة فليدفع زكاة ماله قبل حلول عقوبته، ومن كان آكلاً للحرام فليترك الحرام، وليُقبل على ما أحلّ له قبل ندامته وحسرته.

ومن كان مسرفًا على نفسه بالمعاصي الأخرى فليرجع اليوم حتى تُرفع الكروب عنه وعن أمته. فلو غدا كل إنسان مصلحًا نفسَه وأسرته قيامًا بالواجبات، وهجراً للمحرمات لصلحَ المجتمع، ولو صلح المجتمع لانقشعت غيوم البلاء، وهطلت غيوث النعماء.

أحبابي الفضلاء، إن الدعاء الصادق ، الجامع لآداب الدعاء وشروطه باب عظيم من أبواب كشف الغمة، وزوال الأزمة، فلو رفعنا كلنا أيدي الضراعة والإخلاص لأوشك باب الفرج أن يفتح.

والبحث عن حلول المعضلات مما يأمر به العقل والشرع، فمن ضاق عليه باب رزق فليتوكل على الله تعالى وليبحث عن باب آخر، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً، وتروح بطانا) [6].

والاقتصاد من موانع النفاد، فعلى الإنسان في هذه الأيام أن يكون مقتصداً في عيشه، غيرَ مسرف في تلبية شهوات نفسه؛ فإن الكثير بالإسراف ينفد، والقليل بالاقتصاد يبقى.

عباد الله، إن من العوامل الحسنة التي تخف بها وطأة الأزمات: إحياءَ رابطة الأخوة الإسلامية التي تجعل المسلمين كالجسد الواحد، فيعطف في ظلها الغني على الفقير، والشبعان على الجائع، والقادر على العاجز، فمن كان ذا فضل فليعد بفضل منه على المحتاج من إخوانه المسلمين؛ فإن الزكاة والصدقة، والهبة والعطية في أيام الحاجات من أعظم القربات، فبين الموسع ونيل الأجر العظيم انتصارُ على النفس الشحيحة.

فما أجملَ المجتمع الذي يهجم عليه البلاء، فيدفعه أهلُ المجتمع بالتراحم والإخاء، ويقتسمون للعيش اللقمة، كما قصمت ظهورهم الأزمة، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة:2].
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 27/ 5/ 1438هـ، 24/ 2/ 2017م.

[2] البيت لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي، جواهر الأدب (2/1).

[3] رواه البيهقي والحاكم، وهو حسن.

[4] جواهر الأدب (2/ 60).

[5] عيون الأخبار(ص: 53).

[6] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان، وهو صحيح.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.42 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]