الدرر في بيان بعض أخلاق سيد البشر صلى الله عليه وسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190826 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92676 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56885 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26178 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 724 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 56 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2020, 06:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي الدرر في بيان بعض أخلاق سيد البشر صلى الله عليه وسلم

الدرر في بيان بعض أخلاق سيد البشر صلى الله عليه وسلم
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد





[الحمد لله الواحدِ القهار، العزيزِ الغفار، مقدرِ الأقدار، مصرفِ الأمورِ ومكورِ الليلِ على النهار، تبصرةً لأولى القلوب والأبصار، الذي أيقظَ مِن خَلْقِه مَن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، وفّقَ من اختار من عبيدِه فجعله من الأبرار، وبصّرَ من أحبَّه للحقائق فزهدوا في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّبِ لدار القرار، واجتنابِ ما يسخطُه والحذرِ من عذاب النار.

أحمَده حمداً على جميع نعمائه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارا بوحدانيته، واعترافاً بما يجب على الخلق كافة من الإذعان لربوبيته.

وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه، وحبيبُه المصطفى من خليقته، وأكرمُ الأولين والآخرين من بريَّتِه، أكرمُ الخلق وأزكاهم وأكملُهم وأعرفُهم بالله تعالى، وأخشاهم وأعلُمهم به، وأتقاهم وأشدُّهم اجتهادا وعبادة، وخشيةً وزهادةً، وأعظمُهم خُلُقًا -صلى الله عليه وسلم-، وأبلغُهم بالمؤمنين تلطُّفًا ورِفقًا، صلوات الله وسلامه عليه وعلى النبيين وآل كلٍّ وصحابتهم أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون]. [1]
قال الجليل العظيم سبحانه لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

هذه بعض الدرر في بيان بعض أخلاق سيد البشر صلى الله عليه وسلم، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، رحمه الله قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْتُ: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!) قَالَتْ: (أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟!) قُلْتُ: (بَلَى!) قَالَتْ: (فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ), وفي رواية: قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]). [2] صدق الله.

عن جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ". [3] لايسئل حتى لو سؤل ما عليه اللباس يعطيه مع أنه في حاجة إليه.

وهو عليه الصلاة والسلام؛ سِرُّه صلى الله عليه وسلم وعلانيته سواء، لا يأتي الناس بوجهين؛ إذا كان في غيبتهم يكون بصفة وأخلاق مغايرة عمّا إذا كان أمامهم كان بصفة وأخلاق!! لا والله أخلاقه هي هي، سره وعلانيته سواء، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، قَالَ: (دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى) -أم المؤمنين- (أُمِّ سَلَمَةَ)، فَقَالُوا: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! حَدِّثِينَا عَنْ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ), -عندما يكون في بيته وليس عنده أحد من الناس- قَالَتْ: (كَانَ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ سَوَاءً)، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَقُلْتُ: (أَفْشَيْتُ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قَالَتْ: (فَلَمَّا دَخَلَ أَخْبَرَتْهُ)، فَقَالَ: «أَحْسَنْتِ!». [4].

من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه لا ينساكم، لا ينسى أمته من الدعاء في صلاته، عَنْ عَائِشَةَ، -رضي الله تعالى عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: (لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ لِي)، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ"، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ -رضي الله تعالى عنها- حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟"، فَقَالَتْ: (وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ؟!) فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ". [5] صلى الله عليه وسلم.

وعن أَبي عَبْدِ اللَّهِ الجَدَلِيِّ -واسمه عبد الله أو عبد الرحمن- قال: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله تعالى عنها -، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟) فَقَالَتْ: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ). [6] قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

لم يكن فاحشاً؛ فالفحش ليس من شيمته، والتفحُّش ليس من أخلاقه، لا في الكلام ولا في الحركات، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، (لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً)، بعيدا لسانه عن السوء بأبي هو وأمي، (وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ)، فلا يرفع صوته في الأسواق، والعجب أن السلف كانوا إذا دخلوا الأسواق دخلوها بأخلاق المساجد، لكن الكثير اليوم يدخلون المساجد بأخلاق الأسواق، نسأل الله السلامة، (وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ)، لو أحد أساء إليه فإنه لا يجزي بسيئة مثلها فيعفو، قالت: (وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ) ويعفو عمن أساء إليه، فكيف بمن أحسن إليه؟!

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ)، -الحاشية غليظة فيها من الصوف ونحوه- (فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ)، -ما هذه الأخلاق، لكن ننظر إلى أخلاق النبوة- ثُمَّ قَالَ: (مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ)، -ألا يوجد أسلوب آخر إلا بهذه الشدة، وبالأمر، مر لي- (فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ). [7].

تصور هذا وتخيله يا عبد الله! وأنت تمشي في السوق، أو في الشارع، أو في الطريق وأتاك رجل مسن، عقله فيه خفه، واستخدم معك العنف، أعطني أعطني بالقوة، فماذا يكون ردة فعلك وأنت عندك ما ماتعطيه؟ وكيف يكون موقفك وأنت ليس عندك مال؟ هل تتخلق بأخلاق رسول الله؟ هذا هو الواجب أن تتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أخلاقه حسن المعاشرة مع الآخرين، مع الأصحاب، فعن أَنَسٍ، قَالَ: (مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -أراد أن يسر له في أذنه- (فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأَسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ). [8]
هذه أخلاقه، هذه آدابه، هذه صفاته، هذه شيمه صلى الله عليه وسلم.

حتى مع أعدائه الذين يقاتلونه كان يعاملهم بأخلاقه السامية، لا بأخلاقهم وآدابه الرفيعة، ألم يكن خلقه القرآن!! حُقَّ له أن يكون كذلك يا عباد الله، وحُقَّ لنا أن نتبعه ونهتدي بهديه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، -فقد كانوا حوالي سبعين أسيرا، قال:- «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». [9]

المطعم بن عدي كان رجلا كافرا، لكنه فعل خيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أدخله في جواره عندما دخل مكة، فيريد أن يردَّ له هذا الخير، لو كان حيًّا، وقال أطلق سراح هؤلاء الأسرى كلهم لفعل صلى الله عليه وسلم، هذه أخلاق.

منافق بل رأس المنافقين يتطاول على نبي الله صلى الله عليه وسلم، يستهزئ به ولا يريد ممشاه، فماذا يقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما كان ردُّ الرحمة المهداة؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ) -وهو رأس المنافقين- (وَهُوَ فِي ظِلِّ أَجَمَةٍ)، -يستظل من الشمس- فقَالَ: (قَدْ غَبَّرَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ)، -والرواية الأخرى بينت أنه صلى الله عليه وسلم كان يركب على حمار، فكانت الغبرة تنبعث، فجاء شيء إلى هذا الرجل المنافق، فقَالَ: (قَدْ غَبَّرَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ)، -يقصد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ابتعد عنا لا نريدك.-
فقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -بن أبي بن سلول وهو صحابي جليل رضي الله عنه، وانظر إلى مزبلة تخُرِج زهرة، أمر عجيب، قال - لرسول الله صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لَئِنْ شِئْتَ لَآتِيَنَّكَ بِرَأْسِهِ)، -اؤمرني الآن- فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -الرحمة المهداة- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاكَ، وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ". [10]

أين سفكة الدماء في هذا الزمان لأتفه الأسباب بل ربما بلا سبب، وهذا يعتدي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاعتداء عليه كفر، والعياذ بالله، ويستأذن ابنه أن يقطع رأسه ويقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يريد أن يتدخل أحد فيه، يريد أن يأتي به بنفسه، يريد أن يقطع رأس أبيه ويأتي به إلى النبي من شدة إيمان هذا الصحابي، لكنه يريد إذنا من النبي صلى الله عليه وسلم، فبماذا قابله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ "لَا، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاكَ، وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ". مع ما فعل، وأراد أن يصلي عليه عند موته لولا نهي الله عنه.

وإذا مُدِح فغالى -أي تمادى- المادح في مدحه؛ بيَّن له ووضح له الحقيقة؛ لأنه لا يجوز مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من بشريته عليه الصلاة والسلام، فلا نوصله إلى درجة الربوبية ولا إلى درجة الألوهية، فكما علّمه الله وأمره؛ ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الكهف: 110]، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ". [11]

خير البرية علمنا من النبي صلى الله عليه وسلم أنه إبراهيم عليه السلام، فهل قال هذا تواضعا منه، هذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم، التواضع.
وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله تعالى عنه-: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْأَنْصَارَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ رُءُوسَهُمْ). [12]

يعني أنه لا يتكبر وهو نبي الله، وهو رسول الله، وفي مكانته هو كأنه حاكم أو رئيس أو ملك أو مسئول عليه الصلاة والسلام، فجمع بين الحكم والنبوة، ومع ذلك يتنازل للأنصار، فيزورهم، يزور رعيته ويستقبل صبيانهم ويمسح رؤوسهم مع أنه صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله وخليله، لم يتكبر ولم يتعالَ على غيره من الأمة، عن عَبَّادِ بْنِ زَاهِرٍ أَبي رُوَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ -بن عفان- يَخْطُبُ، فَقَالَ -أي عثمان-: (إِنَّا وَاللَّهِ! قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا)، -أي يزور مرضانا- (وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ)، -من أَعلمُ الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ صحابتُه، فقال عثمان:- (وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُونِي بِهِ؛ عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطّ). [13]

بعض الناس ربما لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي فلان يقول: قال رسول الله، ورسول الله يفعل ويفعل، من أنت مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم أخذوا الأسوة والقدوة منه مباشرة عليه الصلاة والسلام، ومن بعدهم وتلاميذهم أخذوها منهم، وهكذا يأخذ لاحق عن سابق، ونحن أخذنا عن علمائنا، فتوبوا إلى الله واستغفروه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
هذه بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستطيع سردها في خطبة بل تحتاج إلى وقت طويل، لكن نأخذ من أخلاقه التواضع للضعفاء، ولو كلفه ذلك مشقة تلحقه صلى الله عليه وسلم، ولو فيها تعب أو أذى، يقتطع هذا الجزء من وقته لله سبحانه وتعالى، وتواضعا لله سبحانه وتعالى، وإدخال السرور على المسلمين خصوصا الضعفاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه-، قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ) -أي يستكبر- (أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ). [14]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله تعالى عنه-، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ) -أي صلاة الصبح- (جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا). [15]

الخدم تعوَّدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ضعفاء أهل المدينة، فيأتون إليه بعد صلاة الصبح بالأواني، وكل خادم معه آنية يريد البركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يضع يده، وكانوا يأتونه في أيام البرد وأيام الشتاء، ما يمنعه ذلك أن يضع يده في الماء مع برودة الماء على يده الشريفة صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، قال ابن هبيرة:- [في هذا الحديث دليل على قوة إيمان الصحابة وتبركهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفيه دليل على حسن خلقه وكرم سجيته في موافقتهم وحمل ما يكره -أي يتحمل عليه الصلاة والسلام- من برودة الماء ليبلغوا مرادهم.
وفيه جواز فعل مثل هذا العالم والصالح والمسلم تبركًا به]. [16]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله تعالى عنه-، (أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ)، -قلة العقل، فيها شيء من الجنون- فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ)، -يعني لا أريد أن أقولها لغيرك- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("يَا أُمَّ فُلَانٍ، خُذِي أَيَّ الطُّرُقِ شِئْتِ")، -لم يدخل معها بيت ويخلو بها، وإنما في الخلاء بحيث يراهم الناس ولا يسمعون كلامهم-، ("فَقُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ")، (فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهَا حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [17]

كيف هذه المرأة لو قابلت إنسان وهي تريد منه شيئا، يقول هذه مجنونة ابتعدي عني، وربما يطردها هذا الإنسان، ربما هذه يكون عندك حاجة تستطيع تقديمها إليها، فتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله تعالى عنه-: (إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ)، -العبدة والخادمة- (لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ). [18]

هذه أخلاقه، فما هذه القسوة التي جاءت إلى قلوب الأمة يا عباد الله؟ أين أخلاقها من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، بون شاسع وكبير جدا، وتكاد هذه الأخلاق الموجودة اليوم لا يعرفها إسلام ولا دين، فضلا أن يعرفها السلف الصالح أو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخلاق الناس المؤمنين مع بعض، أو المؤمنين مع غيرهم، نسأل الله السلامة.


ومن أخلاقه القرآنية وتواضعه مع أصحابه رضي الله عنهم، ما ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ (أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ بَيْنَ كُلِّ ثَلَاثَةٍ بَعِيرٌ)، -كل ثلاثة يركبون بعيرا يعتقبون عليه- (وَكَانَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ) -رضي الله عنهما- (فَإِذَا حَانَتْ عُقْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -العقبى له أن ينزل-، قَالَا: (ارْكَبْ وَنَحْنُ نَمْشِي)، -يتناولان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقهما- فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا". [19]

هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يعبس ولا يقطِّب جبينه في وجه أحد، بل يتبسَّم في وجه كلِّ أحد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [20]

وكان خلقه القرآن، فعلينا أن نتخلق بأخلاقه وأن نتأدب بآدابه وأن نهتدي بهديه وسنته، فحق له صلى الله عليه وسلم علينا أن نصلي ونسلم عليه ممتثلين أمر الله سبحانه وتعالى الذي قال في كتابه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، سحقا طبقا مجللا، هنيئا مريئا مربعا يارب العالمين.
[اللهم اجعلنا ممن استغاث بك فأغثته، ودعاك فأجبته، وتضرع إليك فرحمته، وتوكل عليك فكفيته، واستعصم بك فعصمته، ووثق بك فحميته، واستهداك فهديته، وانقطع إليك فآويته، واستنصر بك فنصرته، وتاب فقبلت توبته، وأناب إليك فرحمت عبرته، واجعلنا اللهم لنعمائك من الشاكرين، وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين، واغفر لنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى جميع النبيين والمرسلين، وسلام الله عليه وعليهم أجمعين]. [21]
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


[1] من بستان العارفين للنووي (ص: 5).

[2] (م) 139- (746)، (حم) (24601).

[3] (خ) (6034)، (م) 56- (2311)،

[4] (حم) (26637).

[5] (حب) (7111)، (الصحيحة) (2254).

[6] (ت) (2016)، (حب) (6443)، (المشكاة) (5820)، (مختصر الشمائل).

[7] (خ) (3149)، (م) 128- (1057).

[8] (د) (4794).

[9] (خ) (3139).

[10] (حب) (428) (الصحيحة) (3223).

[11] (م) 150- (2369).

[12] (حب) (459)، (الصحيحة) (1278 و 2112).

[13] (حم) (504).

[14] (س) (1414)، (حب) (6423، 6424)، (المشكاة) (5833)، (الروض) (371).

[15] (م) 74- (2324).

[16] (الإفصاح عن معاني الصحاح) لابن هبيرة (المتوفى: 560هـ) (5/ 394).

[17] (حب) 4527، مختصر الشمائل (285). وأصل القصة في (م) 76- (2326).

[18] (خ) (6072).

[19] (حب) (4733) (الصحيحة) (2257)، تخريج فقه السيرة (219).

[20] (ت) (3641).

[21] (المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات) لابن بشكوال (المتوفى: 578هـ) (ص: 9).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.36 كيلو بايت... تم توفير 1.92 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]