عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 18-05-2020, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(22)





محمود العشري




الوسيلة العاشرة: المحافَظة علَى الصلوات الخمس:

أخييا بن الإسلام: أصلِحْ صلاة الفريضة أولاً بالحِرْص على صلاة الجماعة في المسجد؛ فإنَّها واجبة على الرِّجال إلا مِن عذْر، ولا أحبُّ أن أذكرَ هنا الخلاف في المسألة ووجوه ترجيح الوجوب، ولكن إنْ شئت فراجِع في ذلك رسالة صلاة الجماعة للشيخ عبدالله السبت، ووجوب الصلاة في الجماعة للشيخ ابن باز، أما النساء فبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ.



واحرص يا بن الإسلام، على تكبيرة الإحرام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن صلَّى أربعين يومًا في جماعة لا تفوته تكبيرةُ الإحرام، كُتبت له براءتان: براءة مِن النار، وبراءة مِن النفاق))، فلِمَ لا يكون رمضان فرصةً عظيمة لمعاهدة النفس ألا تفوت تكبيرة الإحرام أبدًا خلال هذا الشهر، فإذا نجحت فاستمر على ذلك عشرة أيام بعد رمضان لتُحَصِّلَ الأجر.



إذًا، حاول تحقيق هذا الحديث، وكلما فاتتك تكبيرة الإحرام، فابدأ الأربعين مرة أخرى من جديد.



احرص على التطهُّر في البيت كما في صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تطهَّر في بيته ثم مشَى إلى بيت مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفَع درجة)).



احرصْ على الوصولِ للمسجد مبكرًا؛ فإنَّه مهم لصلاحِ القلْب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، خرجتْ خطاياه مِن جسده حتى تخرُجَ مِن تحت أظفاره))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند مسلم أيضًا: ((مَن توضأ فأحسن، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ اجعلْني من التوَّابين ومِن المتطهِّرين، فُتِحت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخُل مِن أيها شاء)).



ثم إنَّ التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة، له فوائدُ عظيمة كثيرة، من أهمها:

1- ترديد الأذان والدُّعاء بعده، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، وجبتْ له شفاعتي يومَ القيامة)).



2- المحافَظة على صلاةِ الجماعة، وقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة)).



3- المحافَظة على تكبيرة الإحرام.



4- إدراك الصفِّ الأوَّل؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل، ثم لم يجدوا إلا أن يستهِموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يَعلمون ما في التهجيرِ لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا))، والتهجير: هو الحضورُ مبكرًا إلى صلاة الظهر وإلى كل الصلوات، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((خيرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها، وشرُّها آخِرها)).



وسبحان الله! أراك يا بن الإسلام تتساهل، ورغم صلاتك في الجماعة الأولى إلاَّ إنَّك تكون من شرِّ صفوف الرِّجال! فلماذا لا تُسارع أخي إلى الصفِّ الأوَّل؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأول))، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغفِر للصفِّ المقدَّم ثلاثًا، وللصفِّ الثاني مرَّة - كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني - ثم يسكُت ويلتفت ويُصلِّي.



لذلك أخي يا بن الإسلام، فإنَّ قضية الاحتساب تحتاج إلى بحْث، فابحث عن فضائل الأعمال، وهناك كتابٌ في فضائل الأعمال للمقدسي، ارجعْ إليه تجِد خيرًا كثيرًا - بإذن الله تعالى.



5- مِن فوائد التبكير كذلك: إدراك ميمنة الصفّ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف))؛ أخرجه ابنُ حبان، وحسنه شعيبٌ الأرناؤوط.



6- إدْراك التأمين وراءَ الإمام في الصلاة الجهريَّة؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إذا قال الإمام: (ولا الضالين)، فقولوا: آمين؛ فإنَّ مَن وافق قوله قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).



يا للخيبة إنْ لم يغفر الله لنا! واللهِ خيبة ما بعدَها خيبة؛ لأنَّها مسألة سهلة جدًّا، بمجرَّد قولك: "آمين" منضبطة خلف الإمام - مع الإمام - يُغفَر لك، فماذا يمنعك؟! ولماذا تتأخَّر في إتيانك وتضيِّع منك المغفرة؟!



إنَّ الوعود بمغفرة الذنوب المتقدِّمة أخي كثيرة جدًّا، فبعد هذا كله إذا لم يُغفر لك، فكيف ومتى؟!



7- التبكير إلى المسجد يمكِّنك مِن الإتيان بالنوافل المشروعة بيْن الأذان والإقامة.



8- التبكير إلى المسجد دليلٌ على أنَّ القلب معلَّق بالمساجد، ومِن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: ((رجلٌ قلْبه معلَّق بالمساجد))، كما في الصحيحين، فإذا اقترب موعدُ الصلاة فاهْرَع إلى المسجد.



9- التبكير إلى المسجِد وانتظار الصلاة سببٌ لحضور القلْب، وإقبال المرء على صلاته، وهذا الأمرُ هو لبُّ الصلاة، فكلما طال مكثُك في المسجد وذِكرك لله، زالتْ مشاغلُك ومتعلقاتك الدنيويَّة، وأقبلتَ على ما أنت فيه مِن قراءة وذِكر، فمهما كان عندَك مِن الهموم والمشاكِل في العمل، ومع الزوجة والأولاد والأقارِب، فصلِّ ركعتين: (واسجد واقترب) فستُرفَع عنك الهموم الأرضيَّة، وتُحلِّق في سماء الطاعة، أما إذا جئتَ متأخرًا إلى الصلاة، فاتَكَ كلُّ هذا الفضل والخير، أقبِلْ على الصلاة مبكرًا، واقعدْ بين الأذان والإقامة؛ ليمحوَ الله همومَك بالذِّكر والصلاة وإقبالك بكليِّتك على الله.



إن الذي يأتي متأخرًا سيظلُّ قلبه مشغولاً بما هو فيه مِن هموم الدنيا أثناءَ الصلاة؛ ولذلك تلاحظ أنَّ أوَّل الناس دخولاً المسجد هم آخِر الناس خروجًا منه غالبًا، والعكس صحيح، وما ذلك إلا لما ذكرتُه لك، فاحرِص.



10- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن قراءة القرآن بيْن الأذان والإقامة، فيحصُل على أجر عظيم.



11- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن الدعاء بين الأذان والإقامة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه أحمد وصحَّحه الألباني: ((الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ))، وكذلك يتمكَّن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء بعدَ الصبح وقبل المغرب.



12- إنَّ مَن يأتي مبكرًا إلى الصلاة يأتي غالبًا بسكينةٍ ووقار، فيكون متمثلاً لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيحوز حبَّه؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعَوْن، ولكن ائتوها وأنتم تمشُون وعليكم السكينة، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) وفي الرواية الأخرى: ((إذا أتيتُم الصلاة ائتوها بسكينةٍ ووقار))، ومَن يأتي إلى الصلاة مبكرًا يأتي ماشيًا، ومَن يأتي متأخرًا يأتي مسرعًا.



وانتبه إلى أنَّك إذا خرجتَ إلى الصلاة لا تُريد إلا الصلاة حصَّلت أجرًا عظيمًا؛ ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم فأحْسَن الوضوء، ثم خرَج إلى المسجدِ لا ينزعه إلا الصلاة، لم تزلْ رِجله اليُسرى تمْحو سيِّئة، وتَكتب الأخرى حسنةً، حتى يدخُل المسجد)).



اطرُدِ الشواغل وفرِّغ قلبك، واستشعر حلاوة الإيمان، واجعلِ الصلاة قرةَ عين لك.



أذكار الصلاة مهمَّة، تدبَّرْها، وابحثْ عن معانيها، وافهمْ ما تقول، واستحضر في قلبك معنَى ما تدعو به.



تدبَّر ما تتلو مِن القرآن في الصلاة؛ فإنَّه أدْعى لحُضور القلْب، واجعلْ قراءتك مِن المحفوظ الجديد، ولا تُصَلِّ بالعادة بسورٍ محدَّدة تُكرِّرها في كل صلاة.



احرص يا بن الإسلام غايةَ الحرص على مسألة الخشوع في الصلاة عمومًا، وأنصحُك لمساعدتك في تحصيلِ ذلك برسالة "33 سببًا للخشوع في الصلاة" للشيخ المنجد، وكذلك رسالة "الخشوع في الصلاة وحضور القلْب فيها وعلاج الوسوسة" للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.



واحرص على كثرة الذَّهاب إلى المسجد؛ فإنَّ لذلك أجرًا عظيمًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له نُزُلاً في الجنة كلَّما غدَا أو راح))، وقال: ((مَن توضَّأ ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ذنبه))، والحديث صحيح، ورواه ابن خزيمة، وعن أبي هريرة عندَ مسلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن تطهَّر في بيْته، ثم مشَى إلى بيتٍ مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً مِن فرائض الله، كانت خُطواته: إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترْفَع درجة))، وفي صحيح سنن الترمذي عن بريدة الأسلمي عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلم بالنور التام يومَ القيامة))، وفي صحيح سُنن أبي داود عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن خرَج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجْرُه كأجر الحاجِّ المحرِم)).



ومع الحِرْص على الصلوات عمومًا، احرصْ على صلاة الفجر على وجه الخصوص؛ وإنَّما نصصتُ عليها؛ لأنَّ أثقل الصلوات على المنافقين الفجر والعتمة - العشاء - كما في حديث أبي هريرة المتَّفق عليه، لكن العشاء - العتمة - في زماننا صارتْ في وسط أعمالِ الناس، فأصبح الفجرُ حقًّا هو أشدَّ الصلوات على المنافقين في زماننا؛ قال تعالى: ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين ï´¾ [هود: 114]، فمَن أراد أن يذكر الله فليحافظْ على الصلوات الخمْس، وإذا حضَر قلبه فيها فهو مِن الذاكرين لله تعالى، وقال تعالى: ï´؟ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ï´¾ [الإسراء: 78]، وقرآن الفجر؛ أي: صلاة الفجر، تشْهَدُها الملائكة، كما في الصحيحين: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، وقد رَوَى البخاري أنَّ: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجَنَّة)).



آداب الصلاة:

الصلاة، هي المَعين الذي لا ينضَب، والزاد الذي لا يَنفَد، إنها مِفتاح الكَنز الذي يُغني ويفيض، مَن حافظ عليها فهو السعيد الرابح، ومَن أضاعها فهو الشقي الخاسر، هي الشعار الفاصِل بين المسلِم والكافر؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترْكَ الصلاة)).



إنَّ الصلاة في الإسلام بمنزلة الرأس مِن الجسد، فكما أنَّه لا حياةَ لمن لا رأس له، فكذلك لا دِينَ لمن لا صلاةَ له، فهي أجلُّ وأعظم مباني الدين بعدَ توحيد رب العالمين.



إنَّها الراحة النفسيَّة للأبدان والأرواح؛ فهي تخفِّف ما في النفوس مِن ضيق، وتزيل ما بها مِن الآلام، وهي قرَّة عيون الموحِّدين، وزادهم الذي يصبِّرهم حتى ينظروا في الجنة إلى وجه ربِّ العالمين.



ولذلك كان للصلاة آداب يَنبغي مراعاتها، وهي كثيرة، ومنها:

1- تعظيمُ قدْر الصلاة؛ كان عمر - رضي الله عنه - يكتُب إلى عمَّاله: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمَن حفظها وحافظ عليها حفظ دِينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حَظَّ في الإسلام لمن ترَك الصلاة، وإنما حظُّهم من الإسلام على قدْر حظِّهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدْر رغبتهم في الصلاة.

2- حُسن الاستعداد لها بالتهيئة النفسيَّة واستشعار الخشوع قبلَ الدخول فيها.

3- الاستحضار الذِّهني لمعانيها وآدابها قبلَ الشروع فيها؛ فذلك عونٌ على الخشوع وحضور القلْب فيها.

4- تحسين الوضوء وإسْباغه، واستشعار معانيه مِن الطهارة الظاهِرة والباطنة استعدادًا لها.

5- إتمام رُكوعها وسجودها، وإعطاء كل رُكن حظَّه مِن الخشوع والاطمئنان.

6- إدراك معاني الذِّكر فيها وكثرته، وكثرة الدُّعاء، واستشعار القُرْب حال السجود.

7- المحافظة على صلاةِ الجماعة في المسجد.

8- تحسين الهيئة قبلَ الدخول في الصلاة؛ لأنَّ المصلِّي مقبِل على مالك الملك وملك الملوك، فأوْلَى أن يتزين له.

9- الإقبال على الصلاة بالسكينة والخشوع.

10- تجنُّب الالتفات والشرود؛ فهو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ مِن صلاة العبد، كما في صحيح البخاري.

11- عدم مجاوزة بصر المصلِّي موضعَ سجوده، وعدم تغميض عينيه، وعدم رفْع بصره إلى السماء؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوامٍ يرْفعون أبصارَهم إلى السماء في صلاتهم؟!))، فاشتدَّ قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارُهم)).

12- التفكُّر والتدبُّر لمعاني الآيات، وتجنُّب الغفْلة والسهو.

13- الاطمئنان في أدائِها، وتجنُّب العَجَلة في أرْكانها.

14- مدافعة التثاؤب ما استطاع، حتى ولو بأخْذ شفتِه السُّفلى بسِنِّه، فإن لم يقدرْ غطَّاه بكمِّه أو بيده اليمنى.

15- تطويل الرَّكعة الأولى عن الثانية.

16- يُندَب للرَّجُل إذا أصابَه في صلاتِه حادِث هام أن يُسبِّح، وللمرأة أن تصفِّق؛ كإنذار أعْمَى، أو تنبيه غافِل، أو لتنبيه الإمام بسهوٍ ما.

17- الإسراع في أداء الصلاة في أوَّل وقتِها وعدم تأخيرها.

18- الجلوس في المصلَّى عقِبَ كلِّ صلاة للاستغفار والذِّكْر والدعاء.

19- انتظار الصلاة بعدَ الصلاة، وهذا مستحب؛ كانتظار صلاة العِشاء بعد صلاة المغرب، أو انتظار طلوعِ الشمس بعدَ صلاة الصبح لأداء صلاةِ الضحى، واغتنام هذه الأوقات في الذِّكْر وتلاوة القرآن.

20- المحافظة على أداء السُّنَن التابعة للفرائض، فلا يَنبغي للمسلِم أن يتهاون بها، ولا يرخص لنفسه في ترْكها، ويستحبُّ أن يصليَها في البيت؛ ليجعلَ لبيته نصيبًا مِن صلاته.

21- السعي في تحصيلِ ثمرات الصلاة؛ مِن خشية الله تعالى، ومراقبته في جميع الأحوال والأوقات، والانتهاء عن الفُحشِ في الأقوال والأفعال.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 18-05-2020, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان





إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(23)





محمود العشري



الوسيلة الحادية عشرة: المحافظة على صلاة الفجر خصوصًا:

فما أسهل أن ينطق اللسان بكلمة الإسلام، ولكن ما أصعب أن يترسخ الإيمان في قلْب الإنسان: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14]، كثيرًا ما يتنافَى كلام اللِّسان مع إيمان القلْب، كما أنَّ كثيرًا ما يَتنافى كلامُ اللسان مع أفعال الجوارح، والمؤمن الصادِق هو مَن وافق قوله عمله، وهو مَن أظهر بلسانه ما يُخفي في قلْبه، أما المنافقون فظاهرُهم قد يكون حسنًا وطاهرًا، ولكن قلوبهم قاسية كالحجارة، أو هي أشدُّ قسوة.



والله تعالى مطَّلِع على القلوب، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويعلم المنافِق من المؤمِن، والكاذب مِن الصادق، لكنَّه شاء - سبحانه - أن يفرِض على عباده اختباراتٍ معيَّنةً تكشف سرائرَ القلوب وخبايا النفس، وتوضِّح أولئك الذين قالوا ما لا يفعلون، أو اعتقدوا ما لا يُظهرون، وغرض إظهارهم أن يقيم الله تعالى الحُجَّةَ عليهم؛ فلا يشعر أحدُهم يوم القيامة بظلمٍ ولا هضم، فإنَّه قد وضَع له اختبارًا واضحًا فرسَب فيه، كما أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أراد بهذه الاختبارات أيضًا أن ينقِّي صف المؤمنين مِن المنافقين؛ رحمةً من الله - عزَّ وجلَّ - بالصفِّ المؤمن؛ لأنَّ اختلاط المنافقين بالمؤمنين يُضعِف الصفوف، ويسبِّب الاضطراب، ويجلب الهزائمَ والنكسات.



قال - تعالى - في حقِّ المنافقين: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47]، فرحمة الله تعالى بالصفِّ المؤمن اقتضتْ أن يَفرض هذه الاختباراتِ للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين، وبين الصادقين والكاذبين، هذه الاختبارات سُنَّة إلهية ماضية، وضَعَها الله تعالى لكلِّ البشَر بلا استثناء، منذُ خلق الله آدم - عليه السلام - وإلى يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 1 - 3]، ولهذه الاختبارات خصائصُ معيَّنة:

فأولاً: يجب أن يكونَ الاختبار صعبًا؛ لأنَّه لو كان سهلاً لنجَح فيه الجميع: المؤمن والمنافق، ولم تحدُث التفرِقة المطلوبة.

وثانيًا: يجِب ألاَّ يكون هذا الاختبار مستحيلاً؛ لأنَّه لو كان مستحيلاً لفشِل فيه الطرفان: المؤمِن والمنافق؛ ولذلك فالاختبار لا بدَّ أن يكون متوازنًا، صعبًا بالدرجة التي لا يقوَى فيها المنافقون على النجاح فيه، وغير مستحيل لكي يُعطي الفرصة للمؤمنين أن ينجَحوا.



واختبارات الله - عزَّ وجلَّ - للخلْق كثيرة ومتعدِّدة ومستمرَّة منذُ أول لحظات تكليف الإنسان، وإلى يوم مماته، فالجهاد في سبيلِ الله اختبار، نعمْ هو اختبار صعْب، ولكنَّه ليس بمستحيل، ينْجَح فيه المؤمِن، ويتخلَّف عنه المنافق، والإنفاق في سبيل الله اختبار، اختبار صعْب ولكنَّه ليس مستحيلاً، يقدِر عليه المؤمن، ولا يقدِر عليه المنافق، وحسن معاملة الناس اختبار، وكظْم الغيظ اختبار، والرِّضا بحُكم الله - عزَّ وجلَّ - اختبار، وبِر الوالدين اختبار، وهكذا، الحياة كلها - بهذا المفهوم - اختبار؛ يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2].



وتتفاوت درَجاتُ الصعوبة بيْن الاختبارات المختلفة، ولكنها في النهاية اختبارات، ومطلوب مِن المؤمن أن ينجحَ فيها كلها؛ ليثبتَ صِدق إيمانه، ويتوافَق لسانه مع قلْبه.



ومِن هذه الاختبارات الخطيرة اختبار صلاة الصُّبح، اختبار حقيقي، واختبار صعْب، لكنَّه ليس مستحيلاً، الدرجة النهائية في هذا الاختبار بالنسبة للرجال تكونُ بالمواظبةِ على صلاة الفجْر في جماعة في المسجد، أمَّا بالنسبة للنساء فتكون بالصلاة على أوَّل وقتِها في البيت، والفشل في هذا الاختبار الهام يكون بخروج الصلاة عن موعدِها الذي شَرَعه الله تعالى، وبيْن النجاح بتفوق والرسوب في الاختبار درجاتٌ كثيرة؛ هناك مَن يصلِّي معظم الصلوات في المسجد ويفوته بعضها، وهناك مَن يصلي بعض الصلواتِ في المسجد ويفوته معظمها، وهناك مَن يُصلِّي في بيته قبلَ خروج الوقت، وهناك مَن تفوته الصلاة في بيته ولا يصلِّي إلا بعدَ خروج الوقت، درجات كثيرة متفاوتة؛ ولكن يبقى النجاح المطلوب هو صلاة المؤمن في المسجِد في أوَّل الوقت.



هذا الاختبار هام للدرجة التي جعلتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستخدمه دائمًا للتفرِقة بيْن المؤمِن والمنافق؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاةُ العِشاء وصلاة الفجْر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيُصلي بالناس، ثم أنطلِق معي برِجال معهم حزم مِن حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنار))! ولكم أن تتخيَّلوا عِظمَ المشكلة، وضخامة الجريمة التي تدْفَع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع رحمته وشفقتِه على أمَّته - لأن يَهُمَّ بتحريق بيوت هؤلاء، ولكني - والله - أرَى أنه مِن رحمته وشفقته قال هذه الكلمات؛ لأنَّه يُريد أن يستنقذَ أمَّته مِن نار الآخِرة بتخويفهم بنار الدنيا، وشتَّان بين نار الآخِرة ونار الدنيا.



وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا شكَّ في إيمان رجُل بحَث عنه في صلاة الفجْر، فإنْ لم يجده تأكَّد عنده الشكُّ الذي في قلبه، رَوى ذلك أحمد والنَّسائي والدارمي عن أُبيِّ بن كعْب - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاة الصُّبح، ثم قال: ((أشَهِد فلان الصلاة؟))، قالوا: لا.. قال: ((ففلان))، فقالوا: لا.. فقال: ((إنَّ هاتين الصلاتين - الصبح والعِشاء - من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يَعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)).



والمنافقون لا يُدرِكون الخير الذي في صلاة الصُّبح في جماعة المسجد، ولو أدْرك هؤلاء هذا الخيرَ لجاؤوا إلى المسجد تحت أيِّ ظرْف، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأتوهما ولو حبوًا))، وأريدك أن تتخيَّل رجلاً كسيحًا لا يقوَى على السير، وليس هناك مَن يُعنيه على الحرَكة، ومع ذلك فهو يصرُّ أن يأتي المسجد يزْحَف على الأرض؛ ليدركَ الخير الذي في صلاة الفجْر في جماعة، فإذا أدركنا هذه الصلاةَ ثم نظرْنا إلى الأصحَّاء الذين يتخلَّفون عن صلاة الفجْر في المسجد، أدركْنا عِظم المصيبة.



وليس معنى هذا بالطَّبْع أن أتَّهِم أولئك الذين لا يُحافظون على صلاة الفجْر في المسجد في زمانِنا هذا بالنِّفاق، فأنا لستُ ممن يقيمون الأحكامَ على غيرهم، والله أعلمُ بظروفِ كلِّ مسلم، ولكني أذكُر ذلك الكلام؛ ليختبر كلٌّ منا نفْسَه، وليختبر أحبابه وأصحابه، وأولاده وإخوانه، إنْ كان المرء يهدر هذه الصلاة بصورةٍ منتظمة، فهذه علامةٌ واضحة من علامات النفاق، ومَن كانت به هذه العلامة فليراجعْ نفْسَه بسرعة، فإنَّه - ولا شكَّ - يُخشَى عليه مِن خاتمة السُّوء، نسأل الله العافيةَ والسلامة وحُسن الخاتمة لنا ولسائرِ المسلمين.



وقت صلاة الصبح:

كنت أتحدَّث عن موضوع صلاة الصُّبح في مجموعة مِن الأصدقاء، فدار بيني وبين أحدهم هذا الحوار:



قال: الحمد لله، أنا لا أنزل من بيتي إلاَّ إذا صليت صلاةَ الصبح، فسألتُه ببراءة: وأنت متى تستيقظ؟! قال: الساعة 7.30 تقريبًا! وأوَّل شيء أفعله أن أتوضأ وأُصلِّي الصبح!



قلت: سبحان الله! لقد فاتَ وقتُ الصبح! قال: كيف؟ أليس وقت كلِّ صلاة مِن أوَّل وقتها إلى وقتِ الصلاة الثانية؟! فيكون بذلك الصبح مِن أول ظهور الفجْر إلى صلاةِ الظهر؟! قلت: هذا الكلام صحيح بالنسبة لكلِّ الصلوات ما عدا صلاة الصبح، فإنَّ وقتَها مِن ظهور الفجْر إلى شروق الشَّمْس فقط، هذا الوقت المحدود الضيِّق الصعْب؛ ولذلك فهي اختبار، ولو كان الوقت مفتوحًا إلى صلاة الظهر، فأين الاختبارُ في ذلك؟!



إنَّ صلاة الصبح هي أقصرُ الصلوات المفروضة، فهي ركعتان فقط، ولكنَّها جعلت مقياسًا للإيمان، واختبارًا للصِّدق؛ لصعوبة وقتها، وعلى قدْر تعجُّبي من صاحبي الذي لا يعلم أمرًا مِن بديهيات هذا الدِّين، على قدْر حُزني من أنَّ الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعيَّة وصلتْ إلى هذه الدرجة مِن الانحدار، حتى لا يعلم بعضُ المسلمين أو كثير مِن المسلمين أوقاتَ الصلاة المفروضة!



فأنا لا أتحدَّث عن وقتِ صلاة الضحى، أو وقت صلاة قِيام الليل، إنَّما أتحدث عن وقت صلاة الصبح! ذكَّرني ذلك بأمْرٍ من المضحِكات المبكِيات، وهو أحد معسكرات الشباب التابِع لأحد الأحزاب السياسيَّة؛ حيث كان برنامج المعسكر معلقًا على الجُدران في أكثر مِن مكان، وأول كلمة في هذا البرنامج هي: "الاستيقاظ وصلاة الصبح في الثامِنة صباحًا"! قلت: واللهِ هذه جريمة مع سبْق الإصرار والترصُّد! فالنيَّة مبيَّتة، والعزْم منعقد على تضييع فرْض مِن فروض الله - تعالى - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.



مواقيت الصلاة - أيُّها المؤمنون - أمورٌ توقيفية، بمعنى أنَّه ليس فيها اجتهادٌ من البشَر، لقدْ حُددت بدقَّة في أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم تترك مجالاً لسوءِ فَهم، روى مسلمٌ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وقتُ صلاة الصُّبح مِن طلوع الفجْر ما لم تطلعِ الشمس))، فليس هناك شكٌّ في وقتِ صلاة الصبح، وقد أكَّد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذا المعْنَى في حديثِ الترمذي عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - حين قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الصبح قبلَ أن تطلُع الشمس، فقدْ أدرك الصبح))؛ أي: إنَّه مَن أدرك ركعةً كاملة قبل أن تشرقَ الشمس فقد أدرك صلاةَ الصبح في موعدها، أمَّا مَن لم يدرك - ولو ركعة واحدة - فقد أصبحتْ صلاة الصبح في حقِّه قضاءً، وهذا - ولا شكَّ - أمرٌ خطير.



لكن الأصعب مِن ذلك أنَّ اختبار التفرقة بيْن النفاق والإيمان، وبيْن الصِّدق والكذِب، ليس بمجرَّد الصلاة قبلَ شروق الشمس، ولكن النجاح الحقيقي والمطلوب في هذا الامتحان يكون بصلاة الجماعة في المسجِد، وليس في البيت، وهذا بالطبع في حقِّ الرِّجال، أمَّا في حال النِّساء، فإنَّه - وإنْ كانت صلاتهنَّ في المسجِد مسموحًا بها - إلا أنَّ صلاتها في بيتها أفضلُ وأكثر ثوابًا؛ وذلك لحديث أبي داود الصحيح عن ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تمنعوا نِساءَكم المساجد، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ))، وكذلك لحديث أمِّ حُميد الساعديَّة - رضي الله عنها - في مسنَد أحمد بسَند حسَن، وكذلك في الطبراني أنَّها جاءتْ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أحبُّ الصلاة معك، قال: ((قد علمت، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لكِ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتُكِ في داركِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومِكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في مسجد الجماعة))، وتعظيم أجْر صلاة المرأة في بيتها رحمة مِن الله - عزَّ وجلَّ - بها ورَحْمة بالمجتمع، فهذا أدْعَى لتجنُّب الفِتنة، وأحفظُ للمرأة وأسترُ لها، كما أنَّ فيه حفاظًا على الأطفال بالبيت، وعلى كبار السِّنِّ وغير ذلك مِن المصالِح، وسبحان الله الذي أنْزَل هذا الشَّرْع المحكَم!



والذي يهمُّني الآن في هذا المقام أنَّ اختبار النِّفاق مِن الإيمان بالنسبة للمرأة يكون بالصلاة في أوَّل وقتِها، فتكون المرأةُ المؤمنة التي نجحَتْ في الاختبار هي التي صَلَّتِ الصبح في الوقت الذي يُصلِّي فيه الرِّجال في المسجد، وتكون المرأة التي لم يتمكَّن الإيمان مِن قلْبها هي المرأة التي تُدرِك الصبحَ بالكاد قبل أن تشرق الشمس، أو قد يتفاقَم معها الأمر فيضيع منها الفرضُ كليَّةً، فتصليه بعدَ شروق الشمس!



يا إخواني ويا أخواتي أبناء الإسلام،أنا لا أُريد أن أصَعِّبَ عليكم حياتكم، أو أُحَمِّلَكُم ما لا طاقةَ لكم به، ولكنِّي - واللهِ - أتحدَّث عن حقائق في شرْع الله - عزَّ وجلَّ - وأتحدَّث عن نصوص محكَمة لا لبس فيها ولا غُموض، وأتحدَّث عن اجتماع العلماء الذي لا اختلافَ فيه، فالذي يصلِّي الصبح بعدَ الشروق - متعمِّدًا - يترُك فرض الله متعمدًا! وهذا أمر بالغُ الخطورة؛ روَى الإمام أحمدُ عن أمِّ أيمن - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تترُك الصلاة متعمدًا؛ فإنَّه مِن ترَك الصَّلاة متعمدًا فقد برِئتْ منه ذمَّة الله ورسوله))، وهكذا؛ فالذي يضَع المنبِّه على الساعَة السابعة أو السابِعة والنِّصف - أي: بعد الشُّروق - يترُك الصلاة متعمدًا، وعليه أن يتحمَّل التبعات القاسية لذلك!



وعلى الناحية الأخرى: ما هي أحبُّ الأعمال إلى الله؟! سأل عبدُالله بن مسعود - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا السؤال، فأجاب كما جاء في البخاري ومسلم قائلاً: ((أحبُّ العملِ إلى الله - تعالى - الصلاةُ على وقتِها))، قال عبدالله: ثم أيّ؟ قال: ((برّ الوالدين))، قال: ثم أيّ؟ قال: ((الجِهاد في سبيلِ الله)).



فانظر - رحمك الله - كيف قدم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إقامة الصلاةِ في أوَّل وقتها على برِّ الوالدين على عِظمه، وكيف قدَّمها على الجهاد في سبيلِ الله الذي هو ذِروة سنام الإسلام!



وسبحان الله! لا أدْري كيف سقَط الصبح مِن حسابات المسلمين؟! فمعظم المسلمين الذين يحافظون على صلواتهم تجِدهم حريصين على صلاة الظهر قبل أذان العصر، وعلى صلاةِ العصر قبل أذان المغرب... وهكذا، أمَّا الصبح، فيكاد يكون الفريضةَ الغائبة، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.



مستحيل أن يكون ذلك مستحيلاً!

يقول أحدهم: قد علمتُ ميعاد صلاة الصبح، ولكن للأسف "يستحيل" عليَّ الاستيقاظ في هذا الموعد! أنت لا تعلم "ظروفي"، أنا طاقتي لا تسمح، أنا ظروف عملي لا تُمكِّنني، أنا ظروف البيت والمعيشة لا تُساعدني، واللهُ - كما تعلم - غفورٌ رحيم، سيُراعي ظروفي هذه، ويغفر لي!



نقول: أمَّا قضية أنَّ الله غفور رحيم، فهذا كلام حق أُريد به باطِل، وهذا من أوسع مداخِل الشيطان، فإنْ كان الله - عزَّ وجلَّ - يغفر لكل الناس، الصادِق والكاذِب، والمطيع والعاصي، والمحب لشرعِه والكارِه له، إنْ كان الأمر كذلك ففيمَ العمل؟! ولماذا الاجتهاد؟! ولماذا يرهق المطيع لله نفْسَه، ويستيقظ في جوف الليل، وفي شدَّة البرد، وينزل إلى المسجد؟!



إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - الغفور الرحيم يغفر لمن سعَى للمغفرة مِن عباده، فلا يكفي قول اللِّسان، ولكن لا بدَّ مِن عمل، اقرأ وتدبَّر في قوله - تعالى -: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: 82]، ليس كل الناس يغفر لهم، لا بدَّ مِن توبة صادِقة، وإيمان عميق، وعمل صالح، وهداية إلى طريقِ الله - عزَّ وجلَّ - والله الغفور الرحيم كثيرًا ما يقرِن هذه الصفات بصفاته الأخرى التي تحمل معاني العقاب والجزاء والانتقام ممَّن خالفه وخالَف شرعه؛ ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49 - 50]، فهذه إلى جوار تلك، وبذلك تستقيم حياة الناس.



وأما أنَّه "يستحيل" في حقِّ إنسان أن يستيقظَ لصلاة الصبح في موعدها، فهذا الكلام يحتاج إلى وقفة، ووقفة هامَّة جدًّا، أنا لا أشكُّ لحظةً - يا بن الإسلام - في أنَّه "يستحيل" أن يكونَ استيقاظك للصبح "مستحيلاً"! ولماذا هذا اليقين؟! تفكَّر معي - هداني الله وإياك إلى طاعته -:

أولاً: يقول الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، وهذه قاعدةٌ أصيلة مِن قواعد الشرع، هذا القانون وهذا الشرع ليس قانونًا وضعيًّا مِن وضْع البشر، فيحتمل فيه أن يكون مناسبًا أو غير مناسب، ولكن هذا القانون مِن وضع ربِّ العالمين - سبحانه وتعالى - الذي خلَق الإنسان ويعلم وسعَه وطاقته علمًا مطلقًا؛ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير [الملك: 14]، فكلُّ أحكام الشرع هي في مقدورِ البشر، لا أشكُّ في ذلك، فلتسأل نفْسَك يا أخي، ولتسألي نفسك يا أختي: هل صلاةُ الصبح في هذا الوقت تكليفٌ مفروض أم أنها ليستْ تكليفًا ولا فرضًا؟ وهل هي مفروضةٌ على كلِّ المؤمنين أم أنَّ هناك طوائفَ مستثناة؟! والإجابة واضحة؛ وهي: أنَّ صلاة الصبح فرضٌ على كل المسلمين، وحيث إنَّ المسلم يؤمِن بعدل الله وبحِكمته وبعِلمه، فإنهَّ لا يستقيم لمسلِم مؤمِن بالله - عزَّ وجلَّ - أن يفترضَ أنَّ قيامه لصلاة الصُّبح في موعدِها أمرٌ مستحيل، هذه واحِدة.



ثانيًا: بعض المشاهَدات الأمريكيَّة:

المنظر الأول: في زيارة لأمريكا وعندَ عودتك مِن صلاة الفجر بمسجد المدينة، ويكون ذلك في السادسة صباحًا تقريبًا، تجِد الشوارع الرئيسية والطرق السريعة مزدحمةً بالسيارات تمامًا! وقد تتعجَّب في أوَّل الأمر، ولكن بعد ذلك تتعوَّد على هذا المنظر، إنهم يستيقظون للذَّهاب إلى أعمالهم، وكثير منهم يعمل في أماكنَ بعيدة جدًّا عن بيته فيضطر إلى الاستيقاظِ في الخامسة صباحًا - وقت صلاة الفجْر - لكي يذهب إلى عمَله في موعدِه، كل هؤلاء البشَر من نصارَى ويهود وملاحِدة - وهم كثُر - يستيقظون لدُنياهم في موعِد صلاة الفجْر، لقد سمحتْ طاقتهم البشريَّة بهذا الاستيقاظ، فلماذا لا تسمح طاقةُ المؤمنين بمِثل هذا الاستيقاظ المبكِّر؟!



المنظر الثاني: حضَر أحدُ الأطبَّاء مؤتمرًا طبيًّا كبيرًا في أحدِ المُدن الأمريكيَّة، وفوجئ بأنَّ جلسات المؤتمر تبدأ في السادسة صباحًا! نعمْ - والله - يا إخواني! الجلسة الأولى كانتْ في السادسة صباحًا، ولما كانت صلاة الفجر في هذه الأيام متأخرة نسبيًّا، فقدِ انتهى من الصلاة في الساعة السادسة والرُّبع تقريبًا، فذَهَب إلى المؤتمر في ذلك التوقيت، وكان على يقين وهو في طريقه إلى هناك أنه سيجِد القاعة الكبيرة التي تشهد الجلسة الأولى خاويةً على عروشها، فمن ذا الذي سيأتي في هذا الوقت المبكِّر جدًّا جِدًّا لحضور جلسة علميَّة، ووصل إلى القاعَة، وفوجِئ بما لم يكُن يتخيَّله! فقدْ كانت القاعة مليئةً عن آخرها - وهي تسَع حوالي ثلاثة آلاف شخص - وبالكاد وجَد مكانًا في آخر القاعة، وجلَس يستمع وهو في دهشة، كيف استطاع هؤلاء القوم أن يُكيِّفوا حياتهم بالصورة التي تمكِّنهم من حضور جلسة علمية - اختيارية وليستْ إجبارية - في السادسة صباحًا؟! ولماذا لا يستطيع كثيرٌ من المسلمين تكييف حياتِهم لحضور صلاة - إجباريَّة، وليستِ اختيارية - في نفْس هذا الموعد؟! ويوم يستطيع المسلِمون أن يجيبوا عن هذه الأسئلة يوم أن يكتب لهم التمكين في الأرْض - إن شاء الله!!



المنظر الثالث: منظَر أكثر دراميَّة وأشد تأثيرًا:

كثيرًا ما تجد رجالاً أمريكيِّين ونساءً أمريكيات في الشوارع وأنتَ في طريقك إلى صلاة الفجْر! وأقول: وأنت ذاهِب وليس وأنت عائد!.. بمعنى أنهم كانوا يستيقظون قبلَ ميعاد الفجر لغرَض هام جدًّا في حياتهم! ما هذا الغرض الهام الذي من أجله استيقظ الأمريكي أو الأمريكية قبل الخامسة صباحًا، ولبس ملابسه، وخرَج في الجو البارد جدًّا جِدًّا إلى شوارع المدينة؟ إنهم يفَسِّحون كلابهم في الهواء النَّقِي!!



يستيقظ الأمريكي أو الأمريكية في الساعة الرابعة والنِّصف فجرًا؛ لأنَّ قلْبه - أو قلبها - يتفطَّر على الكلب الذي يبقَى محبوسًا في البيت طيلةَ اليوم! فيستيقظ في هذا الوقت المبكِّر جدًّا؛ ليستطيع الكلب أن يشمَّ الهواء النَّظيف في الشارِع! وأرجو منك أخي - يا بن الإسلام - أن تحلَّ معي هذه المسألة المعقَّدة: الأمريكي - نصرانيًّا كان أو يهوديًّا أو ملحدًا - يستيقظ فجرًا مِن أجْل الكلب! وبعض المسلمين، أو كثير مِن المسلمين، أو إنْ شئت فقل: معظَم المسلمين لا يستيقظون مِن أجْل الله - عزَّ وجلَّ! فبالله عليك كيف يكون حلُّ هذه المسألة؟! كيف يمكن أن يكونَ حب الكلب دافعًا لصاحبِه للاستيقاظ؟! وكيف لا يُمكن أن يكونَ حب الله - عزَّ وجلَّ - دافعًا للعبْد للاستيقاظ؟!



الإمكانيات البشريَّة البدنيَّة تسمح بالقيام، لكن الإمكانيات القلبيَّة عندَ أولئك الذين لا يستيقظون تُعاني من فقْر شديد! نسأل الله السلامة والعافية.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 18-05-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان



ثالثًا: لنترك المشاهدات الأمريكية، ودعونا نتجوَّل في بعض المشاهدات في داخلك وداخلي وداخل كلِّ مسلم:

المنظَر الأول: أنت مسافِر إلى الإسكندريَّة أو إلى أسوان، أو إلى لندن أو إلى باريس، عندك موعِد في القِطار أو في الطائِرة الساعة السادِسة صباحًا، هل إمكانياتك البشريَّة تسمح لك بأن تصِلَ إلى القطار أو الطائرة في الموعِد، أو أنَّ إمكانياتك البشريَّة لا تسمح؟! هل الوصول إلى المحطَّة أو إلى المطار في هذا الموعِد المبكِّر يدخل في حدود الوُسع أمْ أنَّ الوسع لا يسمح بذلك؟!



المنظر الثاني: أنت تعمل في مكانٍ بعيد عن منزلك، والعمل يبدأ في السابعة صباحًا، هل تستطيع أن تستيقظَ مبكرًا في موعد الفجْر أو قبله للذَّهاب إلى عملك؟ أم أنَّك ستعتذر كلَّ يوم لرئيسك في العمل أنَّ ظروفك لا تسمح بالحضور مبكرًا، أو أنَّ إمكانياتك البشريَّة ضعيفة؟! لماذا لا نَستطيع الاعتذارَ لرؤسائنا مِن البشر، ونستطيع كلَّ يوم أن نعتذِرَ لله - عزَّ وجلَّ - الذي خَلَقَنا وخلَق رؤساءَنا؟!



المنظر الثالث: منظَر افتراضي تخيُّلي: تخيل لو أنَّ رجلاً من أغنياء القوم وعَدَك بأنه سيعطيك ألفًا مِن الجنيهات كلَّ يوم في الساعة الخامِسة صباحًا إذا أتيتَ له في هذا الموعد، أكُنتَ تذهب؟ أم كنت تُعلِّل بأنك نمت متأخرًا، أو أنك مرتبط بموعِد بعد ذلك فلا تستطيع القُدوم؟! تخيَّل أنك ذهبتَ إليه بالفعل وأخذت الألف الجنيه يوميًّا، وظللت على هذه الحالة سنةً كاملة، فإنَّك تكون قد حصلت على: 365 ألف جنيه، أليس كذلك؟! ثم تخيَّل بعد ذلك أنَّه قد جاءك الموت بعدَ نهاية هذه السَّنة - وهو أمرٌ وارد طبعًا حتى قبلَ انقضاء السَّنة - تخيَّل نفسك وأنت ذاهبٌ إلى قبرك محمولاً، تخيَّل نفسك في هذا المقام، وأجِب عن هذا التساؤل بصِدق: أتودُّ أنَّك تدخل قبْرَك ومعك 365 ألف جنيه، وليستْ معك صلاة فجر واحدة؟ أم أنَّ الأفضل أن تدخُل قبرك ومعك 365 صلاة فجر، وليس معك جنيهٌ واحد؟ أجِب بصِدق يا بن الإسلام! أيهما يبقَى وينفع؟ كيف تفسِّر قيام الناس لجمْع المال وعدم قيامِهم لجمْع الحسنات؟ أهو شكٌّ في الموت؟ أم شكٌّ في البعث؟ أم شكٌّ في الله - عزَّ وجلَّ؟! وإن لم يكن هناك شكٌّ في كلِّ ذلك فكيف تفسِّر استهتارَ كثير من المسلمين بالموت مع عِلمهم بقدومه بغتةً، وكيف تفسر استهتارَهم بالله - عزَّ وجلَّ - مع عِلمهم بمراقبته لهم وقُدرته عليهم؟!



تساؤلاتحائِرة في ذِهني، أجبني عنها، يا مَن لا تستيقظ لصلاةِ الفجْر.



المنظر الرابع: منظَر دِرامي، لو أنَّ زوجتَك أو والدتك أيقظتْك في الرابعة صباحًا وهي تصرُخ: "لقد شبَّت النيران في منزل جِيراننا"!! أجبْني بصِدق: هل كنتَ تقفز مسرعًا مِن فراشك، وترتدي ملابسَك - أو حتى لا تَرتديها - وتجري أنت والعائلة إلى خارج البيت؟! أم كنت ستقول للزوجة أو الوالدة: اترُكيني أنام، أنا مرهَق، لقد نِمْت متأخرًا، وعندي أعمالٌ كثيرة بالصباح، وإنْ شاء الله ستطفئ النار وحدَها؟! أجِب بصدق؛ أيهما أشد تخويفًا: نار في بيت الجيران أم نار الجَحيم يوم القيامة؟! أيهما أشدُّ إيلامًا: نار الدنيا أم نار الآخِرة؟ لماذا هذا التراخِي الشديدُ مع نار الآخِرة مع عِلْمنا أنَّها حق، وأنَّها لا تُطفأ؟! ولماذا هذه الرهبة من نار الدُّنيا على تفاهتها إذا قُورنت بنار الآخرة؟! روَى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((نارُكم هذه التي يُوقِد ابن آدم جزءٌ مِن سبعين جزءًا من حرِّ جهنم))، قالوا: واللهِ إنْ كانت لكافية يا رسولَ الله، قال: ((فإنَّها فُضِّلتْ عليها بتسعة وستِّين جزءًا كلها مثل حرِّها))، وروى مسلِم والترمذي عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُؤتَى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملَك يجرُّونها))، وروى الترمذيُّ وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أُوقد على النار ألْف سنة حتى احمرَّتْ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّتْ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلِمة))، وفي رواية ابن ماجه: ((فهِي كالليل المظلِم)).



فلتعلم - يا بن الإسلام - أنَّ الذي يحرص على صلاة الصُّبح سيَكتب الله - عزَّ وجلَّ - له ضمانًا مِن دخول نار الآخرة؛ اقرأ بقلبك هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عمارة بن رُؤيبةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني: الفجر والعصر)).



وبعد هذا الاستعراض لإمكانيات البشَر ولوسعِ البشَر ولطاقة البشَر، أعتقِد أنه مِن المستحيل أن نجِدَ من يقول: إنَّه من المستحيل عليّ أنْ أستيقظَ لصلاة الفجْر، إنَّما الأمر يعود إلى الإرادة، هل تُريد أم لا تريد؟!



واحذر - يا بن الإسلام -أنْ تمرَّ عليك الأيام والشهور والسِّنون ثم تكتشف أنَّ أيامًا غالية قد مَرَّت، فحتى إن كتَب الله لك عمرًا حتى تتوبَ وترجِع إليه، فكيف ستُعيد تلك الأيام التي مرَّت؟! احذر مِن يوم ترغب فيه الذَّهاب إلى المسجد فلا تستطيع؛ إما لضعْف أو مرَض أو موت، وتذكَّر دائمًا حديث رسولنا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذي رواه الحاكم بسندٍ صحيح عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - حيث قال: ((اغتنمْ خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرمِك، وصحَّتَك قبل سقَمك، وغِناك قبل فقْرك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك))، وفَّقني الله وإيَّاكم إلى ما يحبه ويرضاه.



صلاة الصبح صلاة فريدة:

عندما تقرأ في كتابِ الله - عزَّ وجلَّ - وعندما تقرأ في أحاديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تستطيع بوضوحٍ وبسهولة أن تُدرِك أنَّ صلاة الصبح صلاةٌ فريدة، هذه الصلاة العظيمة لها مِن المكانة في الإسلام والقِيمة في الشَّرْع ما يلفِتُ الأنظار حقًّا، فهناك فيضٌ هائل مِن الأحاديث يشجِّع على هذه الصلاة، ويُعلي مِن شأن المحافظين عليها، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو المربِّي الواعي الفاهِم لطبائع البشَر، والمدرك لنوازِع النفْس - يعلم أنَّ وقت صلاة الصبح وقتٌ صعب، وأنَّ المسلم إذا ترَك نفسه لنفسه، فسوف تأمُرُه نفسه هذه بالراحة وترْك الصلاة المكتوبة؛ ï´؟إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيï´¾ [يوسف: 53]؛ لذلك فإنَّ الرسولَ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد خصَّ هذه الصلاةَ العظيمة بخصائصَ فريدة، وصفات معيَّنة لا تتكرَّر في غيرها مِن الصلوات، ومجموع هذه الصِّفات يدْفَع المؤمِنَ الصادِق دفعًا إلى التمسُّك بهذه الصلاةِ في جماعة بكلِّ طاقته، ويحمِّسه أشد التحميس أن يُضحِّي بالغالي والثمين؛ لكي لا يَضيع منه فرضٌ واحد مهما كانتِ الظروف أو العراقيل، وقد عددت لك يا بن الإسلام مِن هذه الخصائص عشرًا، أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يَنفعني وإيَّاك بها.



1- أجْر بلا حدود:

الذي يُصلِّي الصبح في جماعة يأخُذ كلَّ المزايا التي يأخذها الذي يصلِّي أي صلاة أخرى في جماعة، ويأخُذ فوقها أمورًا خاصَّة بصلاة الصُّبح فقط، فهو كمصلٍّ للجماعة بصِفة عامة تُحسب له الصلاة بخمس وعشرين أو سبْع وعشرين صلاة، وتُكتب له الحَسَنات، وتُمحَى عنه السيِّئات، وتُرفَع له الدرجات، وتُصلِّي عليه الملائكة، وغير ذلك مِن أمور صلاة الجماعة بصِفة عامَّة، غير أنَّ صلاة الصبح بها مزايا خاصَّة جدًّا غير بقيَّة الصلوات، منها:



الخير الأول:

روى مسلمٌ عن عثمانَ بن عفَّان - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى العِشاء في جماعة فكأنَّما قام نِصف الليل، ومَن صلَّى الصبح في جماعة - أي: مع العشاء كما نصَّ على ذلك حديث أبي داود والترمذي - فكأنَّما صلَّى الليل كله))، هل تستطيع أن تُصلي الليل بكامله؟! لقدْ أعطاك الله - عزَّ وجلَّ - بفضْله وكرمه هذا الأجْرَ إذا صليتَ الفجْر والعشاء في جماعة، ومعلومٌ أنَّ أجر قيام الليل عظيمٌ وجليل، ولكن أعظم منه أن تُصلي الفجر في جماعة، فإذا علمتَ هذا الفضْل في صلاة الفجْر في جماعة، فمِن فضلك ساعدني في إجابة هذا السؤال الذي سألتُه مِن قبل لجموع المصلين المحتشدين لصلاةِ التهجُّد في ليلة السابِع والعِشرين مِن رمضان، وقد نصَبوا أرجلهم لله - عزَّ وجلَّ - الساعاتِ الطوال، وبذَلوا مجهودًا مضاعفًا؛ بغيةَ إدراك قيام هذه الليلة المبارَكة، سألتهم فقلت: ترَى هل قيام ليلة القدْر بكاملها أفضل أم صلاة الفجر في جماعة في شهر شوَّال أو صفر أو رجب أو أي شهْر غير رمضان؟! أيهما أثقلُ في ميزان الله - عزَّ وجلَّ؟! أيهما لو فاتك تحْزَن أكثر؟! وأيهما لو فاتَك تُلام من الله أكثر؟! ألسْنَا يا إخواني نُصلِّي لله؟! ألسنا ننصِب أقدامنا وقوفًا بالساعات الطوال في ليلةِ القدْر؛ بغيةَ أن يَرضى الله علينا؟! فإذا علمنا أنَّ رضا الله - عزَّ وجلَّ - علينا لا يكون إلا بقضاء فرائضه في موعدها، وبالطريقة التي أمَرَنا بها، وفي المكان الذي أراده، فلماذا نقدم شيئًا أخَّره الله - عزَّ وجلَّ؟! ولماذا نؤخِّر شيئًا قدَّمه الله - عزَّ وجلَّ ؟! ليس هذا تَقليلاً من شأن ليلة القدْر أبدًا، حاشا لله! فهي أعظمُ ليلة في السَّنة، وهي خيرٌ مِن ألف شهْر، ولكنَّها تبقى في النهاية نافِلة، ولا تُقدَّم على الفرض أبدًا.



هل يَستقيم لك في يومِ ليلة القدْر أن تترُك صلاة المغرب أو العشاء وتقوم بعدَ ذلك الليل بكامله؟! يقينًا هذا لا يستقيم.

هل تستطيع أن تُصلي عشرين ركعةً نافلة لصلاة الظهر، ثم لا تُصلي الظهر نفسه؟ هل ينفعك أن تصومَ الاثنين والخميس طوالَ السَّنة ثم تفطر متعمدًا دون عُذْر في رمضان؟!



إذا كانتِ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هي: لا، فلماذا يَقبل المسلمون أن يضيعوا صلاة الفجْر؟! أليست فرضًا كالظهر والعصر، وكصيام رمضان، وكالزكاة المفروضة؟! الله - عزَّ وجلَّ - علَّمنا أنَّ الفروض بصفة عامَّة مقدَّمة على النوافل بصِفة عامة؛ قال - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: وما تقرَّب إليَّ عبْدي بشيءٍ أحبَّ إلي ممَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه..))، إذًا - كما هو معلومٌ من الدِّين بالضرورة - قيام ليلة القدْر بكاملها نافِلة، وصلاة الصُّبح في أيِّ يوم من أيام السَّنة فرض، إذا علمتَ كل ذلك، فخبِّرني بالله عليك: لماذا يتكالَب الناس على الصلاة في ليلة القدْر في المساجد حتى يملؤوها عن آخرها، بل ويملؤوا الشوارع المحيطة بالمساجِد، ثم تُفاجأ بعد انتهاء رمضان أنَّ هذه الجموع الهائلة تتخلَّف عن صلاة الفجْر في المسجد؟! لماذا يا عبادَ الله؟! هذا غيابٌ حقيقي للفَهم الصحيح لهذا الدِّين.



الناس - للأسف - تنبهر بالجديدِ غير المألوف، وتزْهَد في الأمر الذي تعوَّدتْ عليه، فصلاة القيام في ليلةِ القدْر تأتي مرةً في العام، لكن صلاة الفجْر تأتي كلَّ يوم، فيفقد الناسُ الإحساس بقيمة صلاةِ الفجر، ويَصبُّون كل اهتمامهم على قيام ليلة القدْر، وأنا أقول لك يا أخي - يا بن الإسلام -: ليلة القدر لا يلتقطُها العبد بالمصادَفة! ليلة القدر هديةٌ لمن حافَظ على الفروض، ليلة القدر منحةٌ لأولئك الذين اجتهدوا طوالَ السَّنة.



العبادة يا إخواني ليستْ مقامرة! هل مِن المعقول أنَّ الذي يعبد الله - عزَّ وجلَّ - عشرة أيام في السَّنة أو يومًا في السَّنة كالذي يعبده طولَ السَّنة؟! هل من المعقول أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يعتق رقابَ أولئك الذين لم يقوموا الليل له إلا عشرةَ أيَّام تمامًا كالذي يستيقظ كلَّ يوم في وقتِ الفجر ليقضيَ الفرض الذي كتبه الله عليه؟!



يا عباد الله، إنَّ الله يحاسب على الذرَّة وعلى القِطمير؛ ï´؟وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَï´¾ [غافر: 58]، دِيننا يا إخواني دينٌ منظَّم وواضح، الذي يجب أن يكونَ هو أنْ يتكالب ويتسابق ويتنافس الناسُ على صلاة الفُروض في جماعة أكثرَ مِن صلاة النوافل ولو كانتْ ليلةَ القدر، وهذا ليس كلامي، إنَّما هو كلامُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لو يَعلمُ الناس ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه، لاسْتَهموا))، إجراء قُرعة من كثرة الحشود الحريصة على الصفِّ الأول! ((ولو يعلمون ما في التهجير - التبكير - لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العَتمة - العشاء - والصُّبح، لأتوهما ولو حَبوًا)).



وقدْ يقول قائل: إنَّ الدعاء مستجابٌ في ليلة القدر؛ ولذلك يحرِص الناس عليها، وأقول له: صدقت، فالدعاء ليلة القدْر مستجاب، وهي كما ذكرت أعظمُ ليلة في السَّنة، وأسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يبلِّغنا إياها، ولكن هل هذا هو الوقْت الوحيد للإجابة في العام؟! إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أعطى لك نفْس الفرصةَ في كل لحظة مِن لحظات عمرِك! إنَّه - سبحانه وتعالى - هو القائل: ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْï´¾ [غافر: 60]، وقال سبحانه: ï´؟وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونï´¾ [البقرة: 186]، ما عليك إلا أن تدْعو، وسيستجيب الله لك، في أيِّ وقتٍ وفي أي ظرْف وطول العُمر، فإن قلتَ: ولكنْ هناك أوقات شريفة تكون فيها الإجابة أقرب، قلتُ لك: صدقتَ، ولكنك تمتلك هذا الوقتَ الشريف كل ليلة في السَّنة، ولكنَّك تغفل عنه كثيرًا! في كل ليلة في السَّنة هناك لحظات لا ترد فيها الدعوات، وهذه اللحظات يعرِفها أولئك الذين يستيقظون قبلَ صلاة الفجر ولو بقليل، لحظات شريفة جدًّا، بل هي مِن أشرف لحظاتِ الدهر! انظروا ماذا يقول رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يَنزِل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا حين يبقَى ثُلُث الليل الآخِر يقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يسألني فأعطيَه؟ مَن يستغفرني فأغفرَ له؟)).



ماذا تُريد يا أخي، وماذا تُريدين يا أختي أكثرَ مِن ذلك؟ الله ينزل إلى السماء الدنيا يطلُب منكم أن تدعوه ليستجيبَ لكم! يا ألله! كم أنت رحيمٌ يا ربَّنا! وكم أنت كريم! وكم أنت عظيم! وكم أنت قريب! هذا يحدُث كلَّ ليلة! يا سبحان الله! ثم إنَّك لو نزلتَ إلى صلاة الفجر بعدَ ذلك كنت إلى الله أقْرَب، وكان الله - عزَّ وجلَّ - لدعائك أسْمع! واقرؤوا معي حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربه وهو ساجِد، فأكْثِروا الدعاء)).



فوقفة مع النفْس أيُّها المؤمنون: إذا كان الأجْر أعلى في الفَجْر، والغرَض أهم في الفجر، والدعاء أقرَب إلى الفجر، فلماذا ينام الناسُ عن هذه الصلاة؟ ولماذا الزُّهد في هذا الخير؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة، وبسُرعة!



الخير الثاني في صلاة الفجر:

صلاة الفجر مصدرٌ مِن مصادر النور يومَ القيامة! تَختفي في يوم القِيامة مصادر النور العادية، فتُكوَّر الشمس، وتنكدر النجوم، كما قال ربُّنا - سبحانه وتعالى -: ï´؟إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْï´¾ [التكوير: 1 - 2]، ويُبعث الخلق في ظُلمة شديدة، ظلمات بعضها فوقَ بعض إذا أخرج يدَه لم يَكَدْ يراها، ويحتاج الناس للنور لكي يدركوا طريقهم، ويسيروا بين الجموع الهائلة، ويكون أشد الاحتياج إلى النور عندَ الجواز على الصِّراط، فالصراط صفته راعِبة، ولا يجوزه إلا مَن شاء الله - عزَّ وجلَّ - روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يصِف حالَ البشَر في اجتياز الصراط: ((فيمرُّ أوَّلُكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي: أي شيء كمرِّ البرق؟ قال: ((ألم ترَوا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفةِ عين؟ ثم كمرِّ الريح، ثم كمرِّ الطير وشدّ الرِّجال، تجري بهم أعمالُهم، ونبيكم قائِم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم، حتى تعجزَ أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السيرَ إلا زحفًا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلَّقة مأمورة بأخْذ مَن أُمرت به، فمخدوشٌ ناجٍ، ومكردَس في النار))، ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "والذي نفْس أبي هريرة بيده، إنَّ قعر جهنم لسَبْعُون خريفًا".



وفي ذلك اليوم العصيب المظلِم يعطي الله - عزَّ وجلَّ - النورَ للمسلمين جميعًا؛ أي: إنه في البداية يعطيه لكلِّ مَن أعلن كلمة الإسلام في دُنياه، ولكن من هؤلاء سيكون المنافقون الذين قالوا بألسنتِهم شيئًا وخالفتْ قلوبهم ما تقول ألسنتهم، حتى إذا اقترَب الجميع من الصِّراط أبقى الله - عزَّ وجلَّ - النورَ للمؤمنين الصادقين، وسلَب النور من المنافقين، فيَقَع المنافقون في رُعب شديد، فيلجؤون إلى المؤمنين يطلبون منهم أن يُعطوهم شيئًا مِن النور الذي معهم، فيُشير عليهم المؤمنون أن يعودوا إلى المكان الذي أعطاهم الله - عزَّ وجلَّ - فيه النورَ يومَ القيامة، فيعود المنافقون فلا يَجِدون شيئًا، فيحبطون إحباطًا شديدًا، ونادوا ولات حين مناص! جاء تفصيل ذلك في صحيح مسلم في أكثرَ من حديث، ويصوِّر ذلك الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه الحكيم في سورة الحديد حيث قال: ï´؟يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرï´¾ [الحديد: 12 - 15].



أعود إلى المؤمنين يومَ القيامة، مِن أين أُتي المؤمنون بهذا النور العظيم في ذلك اليوم المظلِم؟! لقد جاؤوا به مِن أعمال كثيرة عمِلوها في الدنيا وعَدَهم الله - عزَّ وجلَّ - بالنور جزاءً لها، ومِن هذه الأعمال: صلاةُ الفجر في جماعة! اقرأ حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح عن بُريدةَ الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجِد بالنور التامِّ يومَ القيامة))، والمشاؤون هم كثيرو المشي؛ أي: الذين اعتادوا على هذه الفضيلة العظيمة، و: "في الظلم"؛ أي: في صلاة العشاء وصلاة الصُّبح، و: "إلى المساجد" دليل قاطِع على أنَّ هذا النور يُعطَى لمن اعتاد صلاة الفجْر والعشاء في جماعة المسجِد، فإنه لم يَذكر أنَّ الصلاة مجرَّد صلاة جماعة فقط، وإنما يجِب أن تكون في بيت الله - عزَّ وجلَّ - وهذا يردُّ على بعض المسلمين الذين يصلُّون جماعةً في بيوتهم مع زوجاتهم وأطفالهم، ويعتقدون أنَّ في ذلك فضلاً؛ لأنهم يدرِّبون أهلهم على الصلاة، ويرفعون مِن درجاتهم بجعلهم ينالون ثوابَ الجماعة، ولكن الله - عزَّ وجلَّ - الذي شرَع الشرع وسنَّ القوانين - هو الذي حفَّز الرجال المسلمين على صلاة المسجد، وأعْطَى النساء نفْس الأجر بصلاتهنَّ في بيوتهنّ، أما تدريب الأولاد على صلاة الجماعة فيكون باصطحابِهم إلى المسجد، أو بالصلاة معهم في البيت في صلوات النوافل وليس الفروض، والله - عزَّ وجلَّ - سوف يُعطي أولئك الذين يحافظون على صلاةِ الصُّبح في جماعة بالمسجد نورًا تامًّا يوم القيامة؛ بمعنى أنَّه لا ينزع منهم في أيَّ مكان، ولا يُسلب منهم عندَ الصراط، ويَبقى معهم إلى أن يدخلوا به الجنة - إن شاء الله.



ولا يَخفى على المؤمنين أنَّ أنوارهم تتفاوت يوم القيامة، فليس كل المؤمنين يأخذ نورًا مثلَ الآخر؛ إنما يأخذون النور بحسب أعمالهم، وهنا يبرز دور صلاة الفجْر؛ حيث يُعطِي الله بها نورًا تامًّا للمؤمن يوم القيامة، ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحريص على أمَّته، والمحب لأتباعه يُعلِّمهم ذكرًا خاصًّا يقولونه وهم في طريقهم إلى صلاة الفجْر، والظلام يُغطِّي الأرض - يُعلِّمهم ذكرًا يسألون الله فيه النورَ الذي يُضيء لهم حياتهم، وينوِّر لهم قبورَهم، ويبقَى معهم يوم القيامة؛ روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خرَج إلى صلاة الفجْر وهو يقول: ((اللهمَّ اجعل في قلْبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعلْ في سَمْعي نورًا، واجعلْ في بصري نورًا، واجعلْ مِن خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعلْ مِن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهمَّ أعطني نورًا))، هذا اللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري زاد: ((وعن يَميني نورًا، وعن يساري نورًا)).



وهذا النُّور يا إخواني لا يضيء لك القبر والآخِرة فقط؛ إنَّما يضيء لك الدنيا كذلك، فالإنسان قد تختلط عليه الأمورُ في الدنيا فلا يستطيع أن يميِّز بين الحق والباطِل، وبين الصواب والخطأ، وبالذات في زمان الفِتن، يصوِّر ذلك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثِه الشَّريف الذي رواه الإمامُ مسلِم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال فيه: ((بادِروا بالأعمال فتنًا كقِطع الليل المظلِم...)) في هذه الفِتن المظلمة يرَى المؤمِن طريقه فلا يضلُّ ولا يشقَى، ويهديه الله - عزَّ وجلَّ - إلى الحِكمة، وإلى ما يصلح الدنيا والآخرة؛ ï´؟أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَï´¾ [الأنعام: 122]، أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن ينوِّر لنا دُنيانا وقبورَنا وآخرتنا، إنَّه وليُّ ذلك والقادِر عليه.



الخير الثالث في صلاة الفجر:

وعدٌ صريح بالجنَّة؛ روى البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجنة))، والبردان هما الصُّبح والعصْر، فهذا وعدٌ من الرحمن - سبحانه وتعالى - أوحى به إلى رسولِه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُدخِل الجنةَ أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصر، وهذا منتهى أحلام المؤمنين، وهذا هو النجاح الحقيقي والفوز العظيم؛ قال تعالى: ï´؟فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِï´¾ [آل عمران: 185].



الخير الرابع في صلاة الفجر:

وهو أعْلى من الخير السابق! ويعجب الإنسان: هل هناك ما هو أعْلى مِن دخول الجنة؟! ويخبرنا بالإجابة رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نعم هناك ما هو أعْلى! هناك رؤيةُ الله - عزَّ وجلَّ - في الجنَّة! الجائزة الكبرى، والهدية العُظْمى، والمنحة التي تتضاءَل إلى جوارها كلُّ المنح، مَن الذي ينال هذه الفرصةَ المهيبة؟! إنهم أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصْر.



اقرأ حديثَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه البخاري ومسلم عن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - يقول: كنَّا جلوسًا عند النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ نظَر إلى القمَر ليلة البدر، قال: ((إنكم ستَرَوْن ربَّكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته))؛ يعني: ترونه بوضوحٍ تام كما ترون القمَر الآن بوضوح تام، ثم قال: ((فإنِ استطعتم ألاَّ تُغلبوا على صلاة قبل طلوعِ الشمس وصلاة قبل غروب الشمس، فافْعلوا))، يا سبحان الله! كل هذا الخير في صلاة الفجر! فإذا علمتَ أنَّ أناسًا مِن المسلمين سمعوا بذلك الخير ثم ناموا عن صلاة الفجر، فماذا تقول في حقِّهم؟! أليستْ هذه هي الحماقةَ بعينها؟! أليستْ هذه هي الغفلةَ بعينها؟! وحقًّا كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: ï´؟وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍï´¾ [النور: 40].



2- ضياع الفجر ليس فقط ضياعَ الأجْر:

فالله - عزَّ وجلَّ - يحذِّر عبادَه كثيرًا من أنْ يغتروا بكونه - عزَّ وجلَّ - غفورًا رحيمًا؛ قال - سبحانه وتعالى -: ï´؟وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُï´¾ [آل عمران: 28]، وقال: ï´؟وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىï´¾ [طه: 124]، وقال: ï´؟إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌï´¾ [الأنعام: 165]، وحصْر ذلك يصعُب جدًّا، والله - عزَّ وجلَّ - لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، يقول - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه مسلمٌ عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الله تعالى قال: ((يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)).



وإضاعةِ الصلاة بصِفة عامَّة جريمة عُظمى، وبلية كُبرى، وهي أوَّل ما يُحاسَب عليه العبد يومَ القيامة، فإن صلَحتْ صلَح العمل كله، وإن فسدتْ فسد العمل كله؛ روى الترمذي وأبو داود والنَّسائي، وابن ماجه والدارمي وأحمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أوَّلَ ما يحاسب الناس به يومَ القيامة مِن أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا - عزَّ وجلَّ - لملائكته وهو أعلمُ: انظروا في صلاةِ عبدي أتمَّها أم نقَصَها، فإنْ كانت تامة كُتبت له تامَّة، وإن كان انتقص منها شيئًا، قال: انظروا هل لعبدي مِن تطوُّع، فإنْ كان له تطوُّع، قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَه من تطوعه، ثم تُؤخذ الأعمال على ذاكم))، فكيف يتوقَّع المؤمن خيرًا وقدْ جاء يوم القيامة وكتابه يَخْلو من صلاة الصُّبح في موعدها؟!



وضياع صلاة الصبح يُعاقَب عليها المسلم بكلِّ أنواع العقاب التي ذكَرها الله - عزَّ وجلَّ - وذكَرها الرسولُ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن أضاع الصلوات في أوقاتها، وفوق ذلك فهناك عقابٌ خاص لمن ضيَّع صلاة الصبح، فقد ذكَر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقابًا شنيعًا لمن نام عن الصلاةِ المكتوبة، ومعلومٌ أنَّ السبب الرئيسي في منْع المسلمين من صلاة الفجر هو النوم؛ فإنَّ المرء عادة ينام عنِ الصلاة فتضيع بكاملها، ولا يصليها إلا بعدَ فوات وقتها؛ روى البخاري عن سَمُرة بن جُندب - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رُؤيا - ورؤيا الأنبياء حقٌّ - وفي هذه الرؤيا يصوِّر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - طرفًا مِن عذاب المذنبين مِن المسلمين، وقد يكون هذا العذاب في القبْر، وقد يكون في النار، وقد يكون في الاثنين معًا؛ يقول رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّه أتاني الليلةَ آتيان - جبريل وميكائيل - وإنَّهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلقْ، وإني انطلقتُ معهما، وإنَّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخَر قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يَهوي بالصخرة لرأسه فيثلَغ رأسه - أي يشْدَخ - فيتدهده الحجر - يتدحرج - فيأخذه فلا يرجِع إليه حتى يصحَّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مِثل ما فعَل المرة الأولى))؛ يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟! قالا: انطلق، انطلق))، ومرَّ على مشاهَد أخرى كثيرة ليس المجال أنْ أذكرها الآن، ثم بدأا يفسِّران له ما رآه، ففسَّرَا له موقف هذا الرجل بأن قالا له: ((أماَّ الرجل الأوَّل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنَّه الرجل يأخُذ القرآن فيرفضه، وينام عنِ الصلاة المكتوبة)).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 18-05-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان


ولعلَّ الجميع يعلم أنَّ النوم هو المانِع الرئيسي مِن صلاة الفجر، والرجل يضربه في رأسه؛ لأنَّها محل العقل، وأشرف ما في الإنسان، والسبب في النوم.



أيها المؤمنون والمؤمنات، الأمر جدٌّ وليس فيه هزل، ومَن اعتاد المخالفة يوشك أن يقَع في الفِتنة، ومَن وقع في الفتنة وقَع في العذاب الأليم؛ ï´؟فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌï´¾ [النور: 63].



3- نافلة أعظمُ مِن الدنيا وما فيها:

سُنَّة صلاة الفجر - الصبح - هي أكثرُ صلاة نافلة مِن نوافل الصلوات خصَّها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتعظيم الأجْر بصورة لافتة حقًّا للنظر، فعلى سبيل المثال قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الإمام مسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها -: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))، وفي رواية أحمد: ((ركعتَا الفجر خيرٌ من الدنيا جميعًا)).



ووقفة يا إخواني وأخواتي مع هذا الحديث العجيب، ما الذي يمنعنا مِن صلاة الصبح؟! أليس جزءًا ضئيلاً جدًّا جِدًّا جدًّا مِن الدنيا؟! إما سهر بالليل في أمْر من أمور الدنيا، وإما رغبة في أخْذ قسط من النوم؛ لكي تستطيع أن تقوم في السابعة أو الثامنة أو بعدَ ذلك لأمْر آخر مِن أمور الدنيا؛ أليس كذلك؟!



عُد - أخي وأختي في الله - واقرأ الحديثَ العجيب، الدنيا - كلّ الدنيا - بكل ما فيها مِن أموال وكنوز، ومناصِب وأعمال، ومغريات وملهيات، لا تصل إلى قِيمة ركعتي الفجر! ولاحظ أنَّ كل هذا الفضل لركعتي النافلة، فما بالك بركعتي الفرْض؟! وسبحان الله! ليستْ هذه القيمة العالية لطول القيام في هاتين الركعتين أو لكثرة القراءة، فإنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان عادةً ما يخفِّف القراءة فيهما جدًّا؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في الركعة الأولى بسورة: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الركعة الثانية بسورة: (قل هو الله أحد)، ويَرْوي النَّسائي عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنَّها كانت تقول: إن كنت لأرَى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي ركعتي الفجر فيخفِّفهما حتى أقول: أَقَرَأَ فيهما بأمِّ الكتاب - الفاتحة؟! إذًا ليستِ القراءة الطويلة هي السببَ في زيادة الفضل حتى يصل إلى أن يَزيد على الدنيا بكاملها، إنَّما هو التوقيت الذي تُقام فيه هذه الصلاة الكريمة، فالذي ترَك الدنيا جميعًا واستيقظ قبلَ ميعاد إقامة صلاة الصبح؛ حتى يصلي ركعتي الفجْر هو الذي نجَح في الاختبار، وكما ترَك الدنيا جميعًا من أجل هذه الصلاة، فإنَّ الله - تعالى - يُعطيه أجرًا أكبر من الدنيا جميعًا بهذه الصلاة؛ روى البخاري عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "لم يكُنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على شيء مِن النوافل أشدَّ مِنه تعاهدًا على ركعتي الفَجْر".



وذكَرَ الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" أنَّه لم يُحفظ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه صلى سُنَّة الصلاة قبلها ولا بعدَها في السفر إلا ما كان من سُنة الفجر؛ لذلك روى الإمام أبو داود والإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَدَعوا ركعتي الفجْر وإن طردتْكم الخيل))! فحتى عندَ لِقاء العدوِّ، ومطاردة الخيل، واحتدام اللِّقاء، لا تدَعُوا ركعتي النافلة، فما بالكم بالفرْض؟!



ولهذه القيمة العالية كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقْضِي هذه النافلة إذا فات موعدُها، فيصليها بعدَ صلاة الصبح أو بعد شروق الشمس، وذلك سواء فاتت وحدَها أو فاتت مع صلاة الصبح، وهذا لا يحدُث مع بقية النوافل، اللهمَّ إلا قيام الليل.



إذًا هذا التفخيم الهائِل لركعتي النافلة يُعطي بالتبعية قيمةً أعظم ومكانةً أسمى لركعتي الفرْض، وهذا أمرٌ فريد جدًّا، ويستحق التدبر، فيا باحثًا عن قيراط بسيط في الدنيا، كيف تَنام عمَّا هو خيرٌ من الدنيا جميعًا؟!



4- فقه خاص وذِكر خاص:

لقد جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لهذه الصلاة أشياءَ خاصة جدًّا لا تتكرَّر مع غيرها مِن الصلوات؛ بحيث يُعطيها تميزًا واضحًا بيْن الصلوات، وكل الصلوات هامَّة، وكل الصلوات عظيمة، ولكن عندما تلاحِظ اختلافًا في هذه الصلاة بالذات عن غيرِها، فإنَّ في هذا إشارةً إلى تفرد هذه الصلاة بفضْل أعظم، وهذه أمثلة مِن هذا التفرد:



أولاً: هي أوَّل الصلوات افتراضًا على المسلمين هي وصلاة العصر، وكانت كهيئتها الآن؛ أي: كانت ركعتين، وكذلك كانتْ صلاة العصر ركعتين، ثم زِيدت صلاة العصر إلى أربع بعدَ الإسراء والمعراج، وبقيت صلاة الصبح كما فرضت أوَّل مرَّة، ومعنى هذا أنَّ المسلمين يصلُّون هذه الصلاة بهيئتها هذه، وفي موعدِها هذا مِن أوائل أيَّام البعثة، وهذا أمرٌ لافت للنظر، وكأنَّها صلاة لا يَستغني عنها مسلم أو مؤمِن في الأرْض، فكانت من أوائل الشرائع التي نزلت على الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ثانيًا: أذان الصبح مختلِف عن بقية الصلوات، فكما روى أبو داود عن أبي محذورة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّمه أن يقول في أذان الصبح بعدَ حي على الفلاح: "الصلاة خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم".



وقِفوا أيُّها المؤمنون والمؤمنات، أمامَ هذه العبارة العميقة: "الصلاة خيرٌ من النوم"، ما الذي يمنعك غالبًا مِن إدراك صلاة الفجْر؟ أليس النوم ولذَّتُه، وراحته وحلاوته؟! ها قدْ سمعتَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخبرك - وهو الصادِق المصدوق - أنَّ صلاة الفجر خيرٌ من النوم مهما كان النوم في اعتباراتك هامًّا ومفيدًا!



الصلاة خيرٌ من النوم، إنْ كنت تُصَدِّق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُدرك أنَّ كلامه هو الحق الذي لا باطل فيه، فليس هناك معنى لعدمِ الاتباع، وإنْ كنت ترى أنَّ النوم أفيد مِن الاستيقاظ وأفضل لظروفك وأنسب لحياتك، فهذا شيء خطير يحتاج إلى وقْفة، القضية يا إخواني ويا أخواتي قضيةُ إيمان!



ثالثًا: جعَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة تُقال بعد صلاة الصبح مختلفة عن كلِّ صلاة، فبالإضافة إلى ختام الصلاة المعتاد الذي أوصى به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دُبرَ كل صلاة، مثل التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، والاستغفار، والأدعية المختلفة الواردة، فوق كل ذلك أضاف - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذكارًا خاصَّة بصلاة الصبح ليستْ في غيرها من الصلوات، فعلى سبيلِ المثال ما رواه الترمذيُّ - وقال حسن صحيح - عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال في دُبر صلاة الفجْر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلَّم: لا إله إلا الله وَحْدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير - عشرَ مرات، كُتبت له عشرُ حسنات، ومُحيت عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكان يومَه هذا كلَّه في حرز مِن كل مكروه، وحرس مِن الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يُدرِكه في ذلك اليوم إلا الشِّرْك بالله))، كذلك روى أبو داود والنَّسائي عن مسلم بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال لي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صليتَ الصبح فقل قبل أن تتكلَّم: اللهم أَجِرني من النار - سبع مرات - فإنك إن متَّ مِن يومك كَتَب الله لك جوارًا من النار))، فهذه فضائلُ لا تُقدَّر بثَمَن، ولا تُحَصَّل إلا بذِكرها في هذا التوقيت.



رابعًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي كان عادةً يأمر المسلمين بالتخفيف في الصلاة - يطيل في قراءة الصبح - فكما روى مسلم عن أبي برزة الأسْلمي - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ في صلاة الصبح مِن المائة إلى الستِّين آية، وكان ينصرِف حين يعرف بعضنا وجه بعض؛ بمعنى: أنَّ شروق الشمس قد اقتربَ حتى إنهم يستطيعون أن يميِّزوا وجوه بعضهم البعض.



وواضح اهتمام رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالقِراءة الطويلة في هذه الصلاة بالذات، والتي تؤدَّى في وقت يكون فيه القلب عادة خاليًا مِن هموم الدنيا ومشاكلها، كما أنَّ المسلم يفتتح يومَه بهذه الصلاة، فما أجمل أن يفتتح يومَه بكمٍّ لا بأس به مِن الآيات الحكيمات! وقد عبَّر الله - عزَّ وجلَّ - عن صلاة الفجر بكلمة: ï´؟وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]؛ وذلك لأنَّ قراءة القرآن في هذه الصلاة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار كما ثبت في الحديث.



خامسًا: كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في يوم الجُمُعة في صلاة الصبح قراءة خاصَّة، فكان من سُنته - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما جاء في البخاري وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الركعة الأولى بسورة السَّجْدة، وفي الركعة الثانية بسورة الإنسان، وهذا تميُّز لا يحدُث في أي صلاة مفروضة أخرى، اللهم إلا صلاة الجُمُعة، وهي صلاة متميزة أيضًا.



سادسًا: صلاة الصبح لا تُقصر ولا تُجمع، والظهر والعصر يقصران ويجمعان، والمغرب يُجمع مع العشاء، ولكن لا يقصر، والعشاء تُجمع وتقصر، أما الصبح فمتفرد جدًّا؛ لا يقصر ولا يجمع، لا في سفر، ولا في حضَر، ولا في حجّ، ولا في جهاد، ولا في خوف، ولا في غيره، وهذا - ولا شك - تميز يلفت الأنظار.



أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا من المحافظين على صلاة الفجر، المشتاقين إليها.



5- وقت مشهود:

عظَّم الله - عزَّ وجلَّ - من وقت الصبح في كتابه الكريم، فلم يُقسِم - سبحانه وتعالى - في كتابه بوقت صلاة إلا بوقتِ الصبح والعصر؛ قال تعالى: ï´؟وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍï´¾ [الفجر: 1 - 2]، كما أنَّ هذا الوقت وقتٌ مشهود، والذي يشهده خلق عظيم مِن خلْق الرحمن - سبحانه وتعالى - وهم الملائكة! كل ملائكة السماء النازِلة إلى الأرْض تشهد هذه الصلاة! روى البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تفضُل صلاةُ الجميع - الجماعة - صلاةَ أحدكم وحدَه بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمعُ ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجْر))، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: فاقرؤوا إن شِئتم: ï´؟إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاï´¾ [الإسراء: 78]، فتخيل - يا عبد الله - كيف رفَع الله - عزَّ وجلَّ - مِن قدْر هذه الصلاة حتى جعلها موعدًا لالتقاء ملائكة الليل وملائكة النهار! ثم إنَّ هناك زيادةً في البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يذكر فيها أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أضاف شيئًا هامًّا بالنسبة لملائكة الليل، وهم الذين يصعدون إلى السماء بعد شُهود صلاة الفجر مباشرةً؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثم يعرج الذين باتوا فيكم - ملائكة الليل - فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركْناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، فانظر وتدبر إلى الفارق الهائل بين أن يقول ملائكة الرحمن لله - عزَّ وجلَّ -: وجدنا فلانًا يصلي صلاةَ الفجر في جماعة، وبيْن أن يقولوا: وجدنا فلانًا نائمًا غافلاً ليس واضعًا الفجر في أولوياته، ولا مواقيت الصلاة في حساباته؛ فارِق هائل! فانظر في أي الفريقين تحبُّ أن تكون، واخترْ لنفسك.



6- أنت في حفظ الله:

وعدَك رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنك إذا صليت الصبح فإنك ستكون في حِفظ الله - عزَّ وجلَّ - سائِر اليوم! أيُّ مِنَّة، وأي فضْل؟! رَوى الإمام مسلم عن جُندب بن سفيان - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى صلاة الصُّبح فهو في ذِمَّة الله))؛ أي في حماية الله، وفي عهْد الله، وفي ضمان الله - عزَّ وجلَّ - وهناك زيادة للحديث في مسلِم أيضًا وفي الترمذي وابن ماجه يقول فيها الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - واللفظ لابن ماجه: ((فلا تخفروا الله في عهْدِه))؛ يعني هذا أمرٌ للناس ألاَّ تؤذي هذا الذي صلى الصبح، ثم يقول: ((فمن قتَله - أي: قتل هذا الذي صلَّى الصبح - طلَبَه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه))، حماية ربانية عظيمة لمن صلَّى الصبح، أنت في حماية الله، ومَن آذاك طلبه الله - عزَّ وجلَّ - حتى أدخله النار، تشعر بثِقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصليًا للصبح، تشعر بثبات أمامَ المحن، وأمام المصائب، وأمام الطغاة، وأمام الجبابرة، أنت في حمايةِ مالك الملك وخالِق الأكوان!



ماذا تريد أكثرَ من ذلك؟! كل هذا بركعتين! ولكن هاتان الركعتان أثبتتَا صدق القلب وقوة الإيمان، ومِن ثَم فإن الله - عزَّ وجلَّ - يدافع عنك؛ ï´؟إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍï´¾ [الحج: 38].



7- مؤتمر عِلْمي إيماني:

كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ بأن يجعل صلاةَ الصبح فرصةً لتعليم أصحابه كلَّ الخير، فكان كثيرًا ما يجعل وراءَها درسًا، أو توضيحًا لمفهوم ما، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيرًا لرؤيا، أو غير ذلك مِن أمور التربية، لقد كانت صلاة الصبح - بحقٍّ - مؤتمرًا علميًّا إيمانيًّا راقيًا جدًّا.



وهذه وسيلة من أهم وسائل التربية؛ لأنَّ القلوب تكون نقيَّةً في هذه اللحظات، والعقول متفتِّحة، والملائكة شاهِدة، والبيت بيت الله، والكلام كلام الله، والحضور مِن المؤمنين الصادقين، فرصة رائعة لزَرْع كل ما هو نبيلٌ؛ من عقيدة أو خُلُق أو فِقه أو غيره، وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينوع المواد في هذا اللقاء؛ حتى لا يُصابَ المسلمون بالملل، فمرَّةً يسأل أصحابه عن أحوالهم؛ حتى يعلِّمهم في النهاية شيئًا ينفعهم، ومِن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سأل أصحابه يومًا بعد صلاة الصبح فقال: ((مَن أصبح منكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا، قال: ((فمَن تبِع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعم منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عاد اليوم مريضًا؟)) قال أبو بكر: أنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخَل الجنة))، ولك أن تتفكَّر: متى استيقظ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - حتى يفعلَ كل ذلك!



ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لبلال - رضي الله عنه - عندَ صلاة الفجر: ((يا بلال، حَدِّثْني بأرْجَى عمل عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعتُ دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة - تحريك نعليك)) قال: ما عملت عملاً أرْجى عندي أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليتُ بذلك الطهور ما كُتِب لي أن أصلِّي".



وأحيانًا كان يقصُّ على أصحابه قصَّةً لطيفة مشوقة تجذب الأسماع، وتوقِظ مَن يداعبه النوم، ومِن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلى صلاةَ الصبح ثم أقْبَل على الناس فقال: ((بينا رجل يسوقُ بقرةً إذ ركِبَها فضربَها فقالت: إنَّا لم نُخلَقْ لهذا، إنَّما خُلقنا للحَرْث))، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلَّم! فقال: ((فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر، - وما هما ثَمَّ - وبينما رجلٌ في غنمِه إذ عدا الذِّئب، فذَهَب منها بشاة، فطلَبه حتى كأنَّه استنقذها منه، فقال له الذِّئب هذا: استنقذتها مني، فمَن لها يومَ السَّبُع، يوم لا راعي لها غيْري؟!))، فقال الناس: سبحان الله! ذئبٌ يتكلَّم! قال: ((فإنِّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثَمَّ)).



وأحيانًا كان يُلقي خُطبةً كاملة، أو موعِظة بليغة يعلِّمهم فيها طرفًا من جوامع كلمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن ذلك ما رواه الترمذيُّ وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي عن العِرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: صلَّى لنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصبحَ ذات يوم، ثم أقْبل علينا فوعَظَنا موعظةً بليغة، ذرفتْ منها العيون، ووجلتْ منها القلوب، فقال قائل: يا رسولُ الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهَد إلينا؟ فقال: ((أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا، فإنَّه مَن يعش منكم بعْدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي، وسُنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، فتمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدَثة بِدعة، وكل بِدعة ضلالة)).



والشاهد في كلِّ هذا - وفي غيره - أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يلاطِف أصحابه بعدَ صلاة الصُّبح ويُعلِّمهم ويُفقِّههم ويشرح لهم، وكل هذه عواملُ تشجِّع مَن كان في قلْبه تردُّد ألاَّ يفوِّت صلاة الصبح.



8- دورة تدريبيَّة رُوحيَّة يوميَّة:

كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحفِّز الناس على البَقاء في المسجد بعدَ صلاة الصبح إلى شروق الشمس، فيصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تَدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمِن يومَه، وقد رأينا كيف أنَّ الرسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُطيل الصلاةَ في الصُّبح نسبيًّا عن بقية الصلوات، فيُصلِّي بالمائة إلى الستِّين آية، ثُمَّ يتحدَّث إلى أصحابه في درْس قصير، أو يلاطِفهم بأسئلة، ثم فوق ذلك هو يُحفِّزهم على الجلوس لذِكر الله - عزَّ وجلَّ - إلى شروق الشمس؛ روى الترمذي - وقال: حسن - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى الغداة في جماعة ثم قعَد يذكُر الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلَّى ركعتَين، كانت له كأجْر حَجَّة وعُمرة تامَّة تَامَّة تامَّة))، والحديث وإنْ كان البعضُ قد ضعَّفه إلا أنَّ الترمذي حسَّنه، وله شواهدُ جيِّدة في الطبراني، وشواهِد أخرى كثيرة كما قال المنذريُّ في الترغيب، وكذلك روى مسلم في صحيحه عن جابرِ بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا صلَّى تربَّع في مجلسه حتى تطلعَ الشمس حسنًا"؛ أي: تطلع طلوعًا حسنًا، ثم هناك أذكارُ الصباح الكثيرة التي كان يقولها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحفز أصحابه عليها بعدَ الصبح وقبل طلوع الشمس، وكلها مِن الأذكار العظيمة القيِّمة، المليئة بمعاني الشُّكر والحمْد والاستغفار والتسبيح واللجوء إلى الله والاعتماد عليه، وهذه بدايةٌ رائِعة لليوم، فعَلَى سبيل المثال ما رواه أبو داود عن عبدالله بن غَنَّام البَيَاضيِّ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال حين يصبح: اللهمَّ ما أصبح بي مِن نِعمة، فمنك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدَّى شُكرَ يومه، ومَن قال مثل ذلك حين يُمسي، فقد أدَّى شكر ليلته))، وكذلك روَى البخاري والترمذي وأبو داود - واللفظ لأبي داود - عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: دخَل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذاتَ يوم المسجد، فإذا هو برجلٍ مِن الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أُمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقتِ الصلاة؟)) قال: همومٌ لزِمتْني، وديون يا رسولَ الله، قال: ((أفلا أُعلِّمك كلامًا إذا أنتَ قُلتَه أذهب الله - عزَّ وجلَّ - همَّك، وقضَى عنك دَيْنك؟))، قال: قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهمَّ إني أعوذ بكَ مِن الهمِّ والحزن، وأعوذ بك مِن العجْز والكسَل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك مِن غَلَبة الدَّين وقهْر الرجال))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله - عزَّ وجلَّ - همِّي، وقضَى عني دَيني"، وروى البخاري وغيره عن شدَّاد بن أوس عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((سيِّد الاستغفار: اللهمَّ أنتَ ربي لا إله إلا أنت، خلقْتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدك ما استطعتُ، أبوء لك بنِعمتك عليّ، وأبوء لك بذَنبي فاغفرْ لي، فإنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، أعوذ بكَ مِن شرِّ ما صنعت، إذا قال حين يُمسي فمات دخَل الجنة، أو كان مِن أهل الجنة، وإذا قال حين يُصبح فمات مِن يومه مثله))، وأذكار الصباح كثيرة جدًّا وجميلة جدًّا، وتخيَّل نفسك تقوم بهذا البرنامج التدريبي كلَّ يوم، كيف سيكون حالك مع الله - عزَّ وجلَّ؟! وكيف سيكون حالك مع الناس في كلِّ معاملاتك؟! هذه - ولا شكَّ - بداية رائعة لليوم.



9- كفَّارة لنِصف العمر:

هذه خاصية رائِعة لصلاة الفجْر، فقد أشار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن كلَّ صلاة تكفِّر الذنوب التي ارتُكبت في الوقت الذي بيْن هذه الصلاة والصلاة التي قبلها، فعلى سبيل المثال ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصلوات الخمْس، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهنَّ، إذا اجتُنبت الكبائِر))، وكذلك ما رواه الإمام مسلم عن عثمانَ بن عفَّانَ - رضي الله عنه - من أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما مِن امرئ مسلِم تحضرُه صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعها إلا كانتْ كفَّارة لما قبلها مِن الذنوب، ما لم يؤت كَبيرة، وذلك الدَّهرَ كلَّه))، يا ألله! هذه رحمةٌ عظيمة من ربِّ العالمين.



لكن لاحِظ أنَّ الفترة بين صلاة العشاء وبيْن صلاة الصبح هي أطولُ الفترات التي تقَع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نِصف اليوم، فتصبح بذلك صلاة الصبح مكفِّرة لنصف اليوم، وبقيَّة الصلوات مكفِّرة لنصف اليوم الآخر، أو قل: تُصبح صلاة الصبح مكفِّرة لنصف العُمر لمن حافَظ عليها، وبقية الصلوات مكفِّرة لنصف العمر الآخَر، وذلك إذا اجتُنبت الكبائر، فضلٌ هائل، وقيمة لا تُقدَّر! فالله المستعان.



10- في كل خطوة بركة:

لفت رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنظار أصحابه وأنظارَنا إلى أنَّ البركة في البُكور، فالساعات الأولى في الصَّباح - بعدَ صلاة الصبح - هي أبرَكُ ساعات في اليوم كله، ولن يستغلها إلا الذي استيقظ في هذا الوقت المبكِّر، وصلى الصبح، وبدأ في استثمار يومِه من أوله؛ روى الترمذيُّ وأبو داود وأحمد وابن ماجه عن صخرٍ الغامدي قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورها))، وهذه المباركة في كلِّ شيء، وفي كل الأعمال، في التجارة والزراعة، والقراءة،، والسفر، والجهاد في سبيلِ الله.



وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما يقول صخر الغامدي - رضي الله عنه - راوي الحديث السابق - إذا بعَث سريةً أو جيشًا بعثَهم أول النهار، واستفاد صخرٌ - رضي الله عنه - مِن هذه النصيحة، وكان رجلاً تاجرًا، وكان إذا بعَث تجارةً بعثهم أوَّل النهار، فأثْرَى وكثُر ماله، حتى إنَّه في رواية أحمد جاء: أنَّ صخرًا كثر ماله حتى كان لا يَدري أين يضعُه! وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما روى الترمذي عن النُّعمانِ بن مقرِّن - رضي الله عنه - إذا طلَع الفجر أمْسَك حتى تطلع الشمس، فإذا طلعتْ قاتَل، وكان يقول: عندَ ذلك تهيج رياح النَّصْر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم.



وعلى سبيلِ المثال ما جاء في سُنن النسائي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ خيبر صلاةَ الصبح بغَلَس - يعني: في أوَّل وقت الفجر - وهو قريب منهم، فأغار عليهم، وقال: ((الله أكبر! خربت خيبر - مرَّتين - إنَّا إذا نزلْنا بساحة قوم، فساءَ صباحُ المنذرَين))، إذًا كل هذه البَرَكة والفضل والنَّصْر في أوَّل لحظات النهار.



لكن ماذا يحدُث إن لم يستيقظِ الإنسان في هذه اللحظات المبارَكة؟ ماذا يحدُث إن ظلَّ غافلاً نائمًا، ساهيًا عن أعظمِ لحظات اليوم، لاهيًا عن نصائح حبيبنا وحبيب الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ماذا يحدُث لو بدأ الإنسان يومَه بعد فوات هذا الخير؟ استمع إلى كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((يعقِد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذَكَر الله انحلَّتْ عُقدة، وإذا توضَّأ انحلَّتْ عنه عقدتان، فإذا صلَّى انحلتْ العقدة الثالثة، فأصبح نشيطًا طيِّبَ النفْس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلانَ)).



ولاحِظ أنَّ هذا الحديثَ قيل في فضْل قيام الليل وليس في صلاة الصبح، وهذا يعني أنَّ الذي لا يستيقظ قبلَ الفجر ليصلي لله ولو ركعتين قبلَ طلوع الفجر يصبح خبيثَ النفس كسلان، فما بالك بالذي ينامُ عن الصلاة المفروضة؟!‍‍ فهل نُعاني - يا إخواني وأخواتي - من الكسَل في حياتنا؟! أم هل حياتنا تمتلِئ بالنشاط والحيوية؟! لقد كنَّا نشاهد في السابق الناسَ تخرج إلى أعمالها في الصباح الباكِر، يستوي في ذلك الفلاَّحون والتجَّار والعمَّال، ثم انتشر التلفاز والفيديو والقنوات الفضائية والمقاهي والأندية، فماذا كانتِ النتيجة؟! ماذا كانت نتيجة السهر الطويل، والاستيقاظ المتأخِّر، وضياع الساعات الأولى مِن الصباح؟ لقد ذهبتِ البركة، وقلَّ الإنتاج، واشتدَّتِ الأزمة الاقتصادية، وليست هناك وسيلة لعودة البَرَكة إلا بالعودة إلى شرْعِنا بصورة كاملة، والاهتمام بأدقِّ التفاصيل، ومن ذلك استثمارُ اليوم بكامله، من قبل صلاة الفجر وإلى لحظاتِ النوم، وأسأل الله - تعالى - التوفيقَ لأمَّة الإسلام.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 20-05-2020, 01:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(24)






محمود العشري






الوسيلة الثانية عشرة: اغتنام يوم الجمعة:

يوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس؛ ففي صحيح سنن أبي داود قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مِن أفضل أيَّامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدَم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه قُبض)).



يوم الجمعة سيِّد الأيام، عيد المسلمين الأسبوعي، ومَن وجبت عليه الجمعة ثم تركها لغير عذر، فهو آثِم إثمًا كبيرًا؛ ففي صحيح سنن الترمذي قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ترَك ثلاث جمعات تهاونًا بها، طبَع الله على قلبه))، وصلاة الجمعة صلاةٌ مستقلَّة، ليستْ ظهرًا مقصورًا، فُرضت في شهر ربيع الأول في السَّنَة الأولى للهجرة، وسُمِّي اليوم بيوم الجمعة؛ لأنَّه جمع فيه آدم مِن الماء والطين.



ومن آداب هذا اليوم العظيم:

1 - إخلاص النيَّة لله تعالى، ففي صحيح سنن أبي داود قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يحضُر الجُمُعةَ ثلاثةُ نفَر: رجلٌ حضرَها يلغو، وهو حظُّه منها، ورجل حضرَها يدعو، فهو رجلٌ دعا الله - عزَّ وجلَّ - إنْ شاء أعطاه وإنْ شاء منَعَه، ورجل حضرَها بإنصات وسُكوت ولم يتخطَّ رقبةَ مسلِم، ولم يؤذِ أحدًا، فهي كفَّارة إلى الجُمُعة التي تليها وزيادَةَ ثلاثة أيام؛ وذلك بأنَّ الله - تعالى - يقول: ï´؟ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ï´¾ [الأنعام: 160]))، وهذا فضلٌ عظيم من ربٍّ كريم، فاحرصْ يا بن الإسلام على استجماع نيَّاتك طلبًا لرضا ربك.



2 - الاستعداد للجُمُعة مِن ليلة الجُمُعة، فتفرّغ قلبك مِن الشواغل الدنيويَّة، وتشغل نفسك بالتوبة والاستغفار والذِّكر والتسبيح، وتعزم على التبكير إلى المسجدِ؛ لتكونَ مِن السابقين المجدين في الخيرات.



3 - الإكثار مِن الصلاة والسلام على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.



4 - الاغتسال مِن بعد صلاة الفجْر، والسواك والتطيُّب، ويمتدُّ الغسل حتى أذان الجُمُعة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سنن أبي داود: ((مَن اغتسل يومَ الجُمُعة واستاك ومسَّ مِن طِيب إنْ كان عنده، ولبِس مِن أحسن ثِيابه، ثم خرَج حتى يأتي المسجد، فلم يتخطَّ رقاب الناس، ثم ركَع ما شاء أن يرْكع، ثم أنصَتَ إذا خرَج الإمام، فلم يتكلَّم حتى يفرغ مِن صلاته، كانت كفَّارةً لما بينها وبيْن الجُمُعة التي قبْلها)).



5 - قص الظفر والأخْذ مِن الشَّعر؛ فقد ثبَت أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقصُّ شاربه، ويقصُّ أظافرَه قبل الجُمُعة كلَّ جُمُعة.



6 - يندب قراءة سورتي السَّجْدة والإنسان في صلاة الصُّبح؛ فقد روى مسلم وأحمد عن ابنِ عباس أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقرأ يوم الجُمُعة في صلاة الصبح: (الم تنزيل)، و (هل أتى على الإنسان)، وفي صلاة الجُمُعة بسورة الجُمُعة والمنافقون، ولكنني أرَى في كثير من المساجد مَن يقرأ جزءًا مِن السورتين، لا سيَّما الجزء الذي فيه السجْدة في الركعة الأولى؛ ظنًّا أنَّ الهدف في السجْدة، وليس ذلك - والله أعلم - هو المعنى المقصود؛ إنَّما المعنى المقصود تدبُّر ما في السورتَيْن من أمور الآخِرة، فاحذر أخي يا بن الإسلام مِن الخروج على سُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل صلِّ بالسورتين، واستحضرْ نيَّة الاتباع، والله يوفِّقك.



7 - الطِّيب والسواك قبلَ الخروج إلى الجُمُعة.



8 - التبكير إلى الصلاة، ساعيًا إليها بالسكينة والوقار.



9 - اغتنام ثواب التبكير والصفِّ الأوَّل؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((مَن اغتسل يومَ الجُمُعة غسلَ الجنابة ثم راح في الساعة الأولى، فكأنَّما قرَّب بَدَنة، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قرَّب بقرةً، ومَن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومَن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة، ومَن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرتِ الملائكة يستمعون الذِّكر))، بل إنَّ مَن جامع زوجته يوم الجمعة، ثم اغتسل وبكَّر إلى المسجد، وأدرك الجمعة في أوَّل وقتها، وأدرك أوَّل الخطبة، فله أجر لا أظنه يخطر على بالك، فاستعدَّ للعمل أخي يا بن الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((من غَسَّل يوم الجُمُعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يرْكَب، ودَنا من الإمام، فاستمَعَ ولم يلغ، كان له بكلِّ خطوة عمَلُ سَنة؛ أجْر صيامها وقيامها)) قوله: "من بكَّر"؛ أي: حضر مبكرًا، و"ابتكر"؛ أي: حضر باكورة الجمعة، و"غسّل" قيل: غسل رأسه واغتسل في نفْسه، وهذا تأكيدٌ للمعنى أنه غُسل مع تنظف، وقيل"غسّل" أهله؛ أي: جامع أهله؛ ليكون أسكنَ لنفسه إذا خرج، و"اغتسل" ثم خرَج، والأوَّل أصح، "ومشى ولم يركب": وهذا هو الأفضل في كلِّ الصلوات أن يذهب إليها ماشيًا، والجُمُعة على وجه الخصوص.



10 - تجنّب تخطِّي الرقاب، فيجلس حيث ينتهي الصف، ولا يمرُّ مِن بين أيديهم، إلا أن يرى فرجةً فيأوي إليها، ولا يفرِّق بيْن اثنين ليجلسَ بينهما.



11 - الدنو مِن الإمام ما أمكن والإنصات للخُطبة؛ فقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سنن أبي داود: ((احضروا الذكر، وادنوا مِن الإمام؛ فإنَّ الرجل لا يزال يتباعد حتى يُؤَخَّر في الجنة وإنْ دخلها))، وقال في صحيح سنن الترمذي: ((إذا قال الرجلُ لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت، فقدْ لغَا)).



12 - إذا دخَل المسجد يصلِّي ركعتين تحية المسجد، فإنْ صعِد الإمام المنبر خفَّف فيهما، وإن لم يكن الإمام قد صعِد المنبر أطال فيهما؛ لحديث سُلَيْك الغطفاني في صحيح مسلم.



13 - ألاَّ يقيم غيره ليجلس مكانه؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يقيمنَّ أحدكم أخاه يومَ الجُمُعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افْسحوا)).



14 - التحوُّل مِن مكان إلى آخَر إذا غلَب عليه النعاس؛ لأنَّ الحرَكة تُذهِب النعاس، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((إذا نعِس أحدُكم في مجلسه يومَ الجُمُعة، فليتحوَّل منه إلى غيرِه)).



15 - تجنّب الاحتباء في المسجد يومَ الجُمُعة؛ ففي صحيح سنن أبي داود عن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهَى عن الحُبْوَة يومَ الجُمُعة والإمام يخطُب.



16 - ترقّب الساعة المباركة التي لا تُردُّ فيها دعوة، والإكثار مِن ذِكْر الله تعالى، وصلاة النوافِل، وهذه الساعة هي آخِر ساعة في يومِ الجُمُعة؛ أي: قبل غروب الشمس بساعة؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((في يوم الجُمُعة ساعة لا يُوافقها مسلمٌ وهو قائم يُصلِّي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه)).



17 - قراءة سورة الكهْف يوم الجُمُعة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الحسَن الذي رواه النسائي والبيهقي: ((مَن قرأ سورة الكهْف في يوم الجُمُعة، أضاء له مِن النور ما بيْن الجُمُعتَين))، وقد روى البيهقي وصحَّحه الألباني: ((مَن قرأ سورة الكهف في يومِ الجُمُعة، أضاء له مِن النور فيما بينه وبيْن البيت العتيق)).



18 - عدم إفراد يوم الجُمُعة بصيام؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح البخاري: ((لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجُمُعة إلا يومًا قبلَه ويومًا بعده)).



19 - احتساب الأجْر العظيم بالخطوات إلى يومِ الجُمُعة؛ لما في صحيح سنن أبي داود: ((من غَسَّل يوم الجُمُعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركَبْ، ودَنا مِن الإمام، فاستمع ولم يلْغُ، كان له بكلِّ خطوة عمل سَنَة؛ أجْر صيامها وقيامها))، وقد سبَق هذا الحديث في الأدَب التاسع.



* واحرص - أخي يا بن الإسلام - على الإكثار مِن الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمومًا، وفي يوم الجُمُعة على وجه الخُصوص؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود وصحَّحه الألباني: ((إنَّ مِن أفضل أيامكم يومَ الجُمُعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النفخة، وفيه الصَّعْقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ))، قالوا: يا رسولَ الله، وقد تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرمِت - بليت -؟! فقال: ((إنَّ الله حرَّم على الأرْض أجساد الأنبياء))، وعندَ مسلم: ((مَن صلَّى عليَّ صلاة، صلَّى الله عليه بها عشرًا)).



* واحرص على وصْل الصفوف وسدّ فرجِها؛ ففي الحديث في السلسلة الصحيحة: ((إنَّ الله وملائكتَهُ يُصَلُّونَ على الذين يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، ومَن سدَّ فُرجةً بَنَى الله له بيتًا في الجنة، ورفعَه بها دَرَجة)).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 20-05-2020, 01:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

الوسيلة الثالثة عشرة: المحافظة على النوافل:

قال الله تعالى في الحديث القُدسي الذي رواه البخاري: ((مَن عادَى لي وليًّا، فقد آذنته - أعلمته - بالحرْب - أنِّي محارب له - وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفْس المؤمِن، يكْرَه الموت، وأنا أكره مَسَاءَتَه))، هذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي يَنبغي التعرُّض لها عند بيان منهج أهل السنة والجماعة في التزكية، وقد سُقته هنا في المحافظة على النوافل لاستثمار رمضان، ولكن لا أرَى عذرًا لي في المرور مرَّ الكرام على هذا الحديث، فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذا الحديث يبيِّن أنَّ الله يدافع عن أوليائه، وهم الذين ذكَرهم الله في قوله تعالى: ï´؟ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ï´¾ [يونس: 62 - 63]، فأولياء الله هم المؤمنون المتَّقون.



ثم بيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يَرويه عن ربه تعالى طريقَ الوصول إلى مقامِ الولاية، ببيان أنَّ أفضل ما تقرَّب به العبدُ إلى ربه هو ما افترَضه عليه، وما افترَضه الله - تعالى - يشمل فعلَ الواجبات وترْك المحرَّمات؛ فقد فرَض الله علينا ترْكَ الرياء، وترْك الحَسَد، وترك إرادة العلوِّ في الأرض والفساد، وترْك الزنا والرِّبا والفواحش، وغيرها مِن المحرمات الظاهرة والباطنة، كما فرَض علينا رجاءَه والخوف منه، والتوكل عليه وحده، وغير ذلك مِن الفرائض.



ثم بعد إتمام الفرائِض يرتقي العبد في مقامات الولاية بالمداومة على التقرُّب بالنوافل، وهي تشمل فعلَ المستحبَّات وترك المكروهات، أمَّا فيما بين العبد وبين الناس، فيجب أن تكون المعاملة معهم بما شرَع الله.



فهذا هو طريقُ التزكية كما بيَّنه الحديث؛ قال تعالى: ((فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به))، وفي الرواية الأخرى: ((فبي يسمع، وبي يُبصِر، وبي يَبطش، وبي يَمشي))، وقد صحَّحها الألباني في تحقيق كتاب الاحتجاج بالقدر، وليس المعنى أنَّ الله يحل فيه - تعالى الله عن ذلك - فهذا بإجماع المسلمين عقيدةٌ كفرية، ولا يدلُّ عليها الحديث بوجْه، بل هذا من المتشابه الذي يجب ردُّه إلى المحكَم، وهذا المحكَم موجود في الحديث نفسه؛ لأنَّ الله تعالى قال: ((مَن عادَى لي وليًّا)) وقال: ((ولئن سألني))، فهناك سائلٌ ومسؤول، وهناك مُعْطٍ ومُعْطًى، وهناك مستعيذ ومستعاذ به، فقد بيَّن الحديث أنَّ ذات الربّ غير ذات العبد، وإنَّما معنى: ((كنتُ سمعَه الذي يسمع به))، أنَّه يسمع بالله؛ أي: مستعينًا بالله، وذلك مثل معنى: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فمعنى هذه الكلمة: أنَّ العبد يستعين بالله تعالى في كلِّ أحواله، وأن يجعلَ الله تعالى هذه الجوارحَ في طاعته ومرضاته، فبالله يسمع؛ أي: يستعين بالله في سمعه، وبه يُبصر؛ أي: يستعين به في إبصاره، وأن يجعل الله تعالى هذا السمعَ وهذا الإبصار له - عزَّ وجلَّ - وفي مرْضاته.



فتحقيق: (إياك نعبد وإياك نستعين) أن يكون - سبحانه - "سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به..."، فهو يعمل لله وبالله؛ أي: يعمل مخلصًا لله، ويعمل مستعينًا به - سبحانه.



ولن يصل إلى تحقيقِ أن يكون السمع لله، والبصر لله، والمشي لله، والبطش لله، إلا بالله؛ أي: بتوفيقه سبحانه، وقد يوفِّقه الله ويُقدِره على ما لا يقدِر عليه غيره في هذه الأمور بأنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القُدرة والتأثير، وسوف يُدرك من ذلك قدْرًا قد لا يصل إليه غيره، بمعنى أنه قد يرى ما لا يراه الناس، ويَسمع ما لا يسمعون، وقد يبطش ويمشي ويفعل ما لا يقدِرون على مثله.



كما أنَّ الله - تعالى - فتَح أسماع الصحابة - رضي الله عنهم - لكي يسمعوا تسبيحَ الطعام وهو يُؤكَل - كما روَى البخاري عن ابن مسعود - وفتَح أبصارهم حتى رأى مَن رأى منهم الملائكة التي نزلتْ تستمع الذِّكر - كما حدَث لابن حضير، وحديثه عندَ مسلم وغيره - ورأوا الملائكة وقد نزلتْ تقاتل معهم، وأسمع الله ساريةَ صوتَ أمير المؤمنين عمر يقول: "يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ" - كما روى ابنُ عساكر واللالكائي في السُّنة - ووفَّقهم في غزواتهم حتى كانت الفئة القليلة تغلب أضعافَها في الحروب أمامَ أعدائهم بطاعتهم لله، وطوَى لهم الأرض حتى قطع خالد بن الوليد وجيشه المسافةَ مِن العراق إلى الشام في ثلاثة أيام، في ذلك الزمَن الذي كانت تستغرق فيه شهرًا!



وهذا الأمر يدلُّ على أنهم حقَّقوا معاني العبودية الكاملة، واستعانوا بالله تعالى، فهذا معنى الحديث: لا يسمع إلا ما يُرضي الله، ولا ينظر إلا إلى ما يُرضي الله، ولا يَمشي إلا في طاعة الله، ولا يبطش ولا يلمس ولا يستعمل يدَه إلا في مرضاة الله، وهو في كلِّ ذلك يحقِّق الاستعانة بالله.



أمَّا الزيادة التي في هذا الحديث، وهي: "حتى يكون عبدًا ربَّانيًّا يقول للشيء: كن فيكون"، فلا توجد في أي كتاب مِن كتب السنة على شُهرتها بين العوام، فهي زيادة ضعيفة، بل هي أقربُ إلى الوضع، فالعبد لا يقول للشيء: كن فيكون، وإنَّما يدعو الله أن يكون هذا الشيء كذلك، فيسأل الله، ويتضرَّع إليه، وإنما الذي يقول للشيء كن فيكون، هو الله ربُّ العالمين وحْدَه لا شريك له.



ولكن أهل الانحراف يُريدون حمْلَ هذا على الحلول، فالعبد الربَّاني عندهم هو الذي يحلُّ الله فيه، أمَّا العبد الرباني في كتاب الله فهو العبدُ الذي عَلِمَ الحق وعمِل به وعلَّمه للناس؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ï´¾ [آل عمران: 79]، فهو يتعلَّم ويعمل ويُعَلِّم الناس، أما العبد الرباني عندَ القوم فهو الذي حلَّ فيه الرب، أو اتَّحد بذات الرب - جلَّ وعلا وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.



* استحضر هذا الحديث - بهذا الفَهم - عند صلاة النوافل؛ لتطلبَ بها حبَّ الله؛ حتى يعطيك ما تسأل، ويُعيذك مما تكْره.



* النوافِل حريم الفرائض، فمن فرَّط في السُّنن، أوْشَك أن يفرِّط في الفريضة، ومَن حافظ على السنن، كانتِ الفرائض في حماية، فأحِطْ فريضتك بسنن تحميها.



* النوافل تتمِّم الفرائض الناقصة؛ لما روى الطبراني، وصحَّحه الألباني عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صلَّى عليَّ صلاة لم يتمَّها، زيد عليها مِن سبحاته حتى تتم))، فأتمم النواقِص بنوافل كثيرة، يتمَّ الله - تعالى - لك.



* السنن الراتبة لا تفرِّط في شيء منها أبدًا، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى في يوم وليلة ثِنتي عشرة ركعةً، بُني له بيتٌ في الجنة: أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغرب، وركعتين بعدَ العشاء، وركعتين قبل صلاةِ الفجْر))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



* صلاة التطوُّع كثيرة، فأكْثِر ما استطعت؛ قال تعالى: ï´؟ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ï´¾ [العلق: 19]، فكلَّما سجدتَ لله أكثر، كان قربُك من الله أكثر، وصرتَ عن الدنايا أعلى؛ روى مسلم أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((عليكَ بكثرة السجود لله؛ فإنَّك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعَك الله بها درجةً، وحطَّ بها عنك خطيئة))، و: ((ما مِن عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا كتَب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها سيئةً، ورفَع له بها درجة، فاستكثِروا مِن السجود))، كما في صحيح الجامع الصغير وزياداته.



وهاك بعض المستحبَّات:

* ثماني ركعات ضحى: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلَّى الضُّحَى ركعتين لم يُكتب مِن الغافلين، ومن صلَّى أربعًا كُتِب من العابدين، ومَن صلَّى ستًّا كُفي ذلك اليوم، ومَن صلَّى ثمانيًا كتَبه الله من القانتين، ومَن صلَّى اثنتي عشرة ركعةً، بنَى الله له بيتًا في الجنة))؛ رواه الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبرانيُّ في الكبير، وفيه موسى بن يعقوب الزمعي؛ وثَّقَه ابن معين، وابن حبان، وضعَّفه ابنُ المديني وغيره، وبقية رِجاله ثقات، ومع هذا فأكثر المسلمين - وللأسف - يُهملون تلك الصلاة؛ لأنَّها تكون في الوقتِ الذي ينشغلون فيه بأعمالهم، فاحرص - أخي يا بن الإسلام - على صلاةِ الضحى؛ ففيها الخيرُ الكثير؛ فعندَ مسلم والنسائي عن أبي ذرٍّ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُصبِح على كلِّ سُلامَى مِن أحدكم صدَقة، فكل تسبيحة صدَقة، وكل تحميدة صدَقة، وكل تهليلة صدَقة، وكل تكبيرة صدَقة، وأمْر بالمعروف صدقة، ونهي عنِ المنكر صدَقة، ويُجزئ عن ذلك ركعتانِ تركعهما من الضُّحى)).



* أربع ركعات قبلَ الظُّهر وأربع بعدَها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حافَظ على أربع ركعات قبلَ الظهر وأربع بعدَها، حرَّمه الله على النار))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



وهذا الحديث أُهديه إلى الذين لا يصلُّون إلا الفرائض فقط، فيحرمون أنفسهم مِن الخير الذي ذكَره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتلك الرَّكَعات إذا حافظ عليها العبدُ كانت سببًا لأنْ يُحرِّم الله جسدَه على النار، وقد قال العزيز الغفَّار - سبحانه وتعالى -: ï´؟ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ï´¾ [آل عمران: 185].



* أربع رَكَعات قبل العصر؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رَحِم الله امرأً صلَّى قبلَ العصر أربعًا))؛ رواه الترمذي وأبو داود، وحسَّنه الترمذي.



* ركعتين قبل المغرب وركعتين قبلَ العشاء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بيْن كل أذانين صلاة - قالها ثلاثًا ثم قال في الثالثة -: لمن شاء))؛ كما روى مسلم.



* سجود التلاوة: ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قرأَ ابنُ آدَم السجدة فسجَد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي! أُمر ابن آدم بالسجود فسجَد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ، فَلِيَ النار)).



واعلم أنَّ مَن قرأ آية سجدة أو سمِعها يستحبُّ له أن يكبِّر ويسجد سجدة، وهذا يُسمَّى سجود التلاوة، ولا تشهُّد فيه ولا تسليم، وقد ذهَب جمهور العلماء إلى أنَّ سجود التلاوة سُنة للقارِئ والمستمع.



ومواضع السجود في القرآن خمسة عشرَ موضعًا، ومَن سجد سجودَ التلاوة دعَا بما شاء، وإنْ أتى بالذِّكر المأثور فيها، فهو حسَن، على أنه ينبغي أن يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، إذا سجَد سجود التلاوة في الصلاة.



* القيام: وما أدراك ما القيام؟! إنَّ لقيام الليل أسرارًا، إنه إعداد للرجال، يُثَبِّتُ القلوب على الحق ويَزيدها قوةً إلى قوتها، إنه سرُّ فلاح العبد؛ يبعد عن الخطايا والذنوب، ويَزيد الإيمان، يلحق العبدَ بالصالحين، ويبلغه مرتبةَ القانتين المحسنين، يعبد الله كأنَّه يراه، فإنْ لم يكن يراه فإن الله يراه.



حسبك أن تعلمَ أنَّ جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ الحاكم والبيهقي، وحسَّنه الألباني: ((.. واعلم أنَّ شرَف المؤمن قيامُه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس)).



بل دعَا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالرحمة لأهل قيام الليل، فقال - كما عند أحمد وأبي داود وصحَّحه الألباني -: ((رحِم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأتَه فصلَّتْ، فإنْ أبَتْ نضح في وجهها الماء، ورحِم الله امرأةً قامت مِن الليل فصلَّتْ وأيقظتْ زوجها، فإن أبَى نضَحَتْ في وجهه الماء)).



وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما روى أبو داود والحاكم وصحَّحه الألباني: ((مَن استيقظ مِن الليل وأيقظ امرأتَه فصليَا ركعتين جميعًا، كُتِبَا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجنة لغرفًا يُرى ظهورُها من بطونِها، وبطونُها من ظهورِها))، فقال أعرابي: لِمَن هي يا رسولَ الله؟ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ الترمذي وحسَّنه الألباني: ((هي لِمَن أطاب الكلام، وأطعَم الطعام، وأدام الصِّيام، وصلَّى لله والناس نيام))،وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقيامِ الليل؛ فإنَّه دأب الصالحين قبلَكم، وقربة إلى ربِّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عنِ الإثم))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني، وفي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضلُ الصلاة بعدَ الفريضة صلاةُ الليل)).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 20-05-2020, 01:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان




أيها الإخوة الكِرام، يا أبناء الإسلام، شهرُ رمضان شهرٌ كلُّه خيرٌ وبرَكة، وسبحان الله الكريم! أعطى فيه مِن فرص المغفرة للمؤمنين والمؤمِنات ما يفوق الأمنيات.



ولكن سبحان الملك العليم القدير، تجِد في شهر رمضان علامةً مميزة عجيبة دون غيره من الشهور، كأنَّها شامة في جبين هذا الشهر، ألا وهي قيام رَمضان، ففضلاً عن أنَّ قيام رمضان يستوجب مغفرةَ الذنوب المتقدمة، فلقيام رمضان لذَّةٌ وبهجة خاصَّة عجيبة، ليس كمثلها شيء.



سبحان الله! قد يقوم الإنسان كثيرًا وطويلاً على مدار السَّنة، ولكن قيام رمضان له مذاقٌ خاص يختلف عن جميعِ السَّنَة، والليل في رمضان له مذاقٌ خاص أيضًا يختلف عن جميع ليالي السَّنَة، وهذه مِن خصوصيات رمضان: أن تجِد القيام سهلاً على جميع الناس، حتى إنَّك لتجد بعض مَن كان لا يصلِّي الفرائض في غير رمضان يُصلِّي القيام في رمضان! ومن خصوصيات هذا الشهر الكريم أيضًا: نداوة الأصوات، فأحْلى قرآن تسمعه في حياتك، تسمَعه في ليالي رمضان.



وإليك - أخي الحبيب - بعض المنشِّطات لقيام رمضان، وأعْني فوائدَ قيام رمضان، تلكم الفوائد الجليلة التي بأيدي المحبِّين المشتاقين إلى الخِدمة بنشاط، فمِن بين فوائد قيام رمضان ما يلي:



* قيام رمضان مِن الإيمان، ومغفرة لسالِف الذنوب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))؛ قال الشيخ الألباني: "أمَّا إذا لم يكن على الإنسان ذنب، فيظْهر هذا الفضل في رفْع الدرجات، كما في حقِّ الأنبياء المعصومين من الذنوب".



* استحقاق قائِمة اسم الصِّدِّيقين والشهداء: جاء رجلٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديتُ الزكاة، وصمتُ رمضان وقُمته، فمِمَّن أنا؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مِن الصِّدِّيقين والشهداء))؛ رواه ابن حبَّان، وصححه الألباني.



* مَن قام مع إمامه كُتب له قنوت ليلة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الرجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينصرف، حُسب له قيام ليلة))؛ رواه أحمد وصحَّحه الألباني.



فاتَّق الله في عُمرك، وأقبل على صلاة التراويح، يُقبل الله عليك، واصبرْ على إمامك حتى ينصرف، ولا تستعجلْ فتخسر ليلتَك.



* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومَن قام بمائة آية كُتب مِن القانتين، ومَن قام بألف آية كُتب من المقنطرين))؛ رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني.



* القيام شرف: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((شرف المؤمن قيام الليل))؛ رواه الحاكم وصحَّحه الألباني.



فهيَّا إلى قافلة الشرفاء، وواظبْ على قيام الليل، تكُن شريفًا عند الله.



* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنَّه دأب الصالحين قبلكم))، فمن أراد أن ينضمَّ إلى قافلة الصِّدِّيقين والشهداء، ثم يَنضاف إلى قافلة الشرفاء، فليجعل قيام الليل دأبه؛ لأنَّه دأبهم وعلامتهم، وكأنك تستشعر مِن كلمة الدأب المداومة والصَّبر والاجتهاد في هذا العمل، فاجتهد فيه كجهدهم تكُن منهم.



* القيام شفاء وعافية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليكم بقِيام الليل... ومطردة للداء عن الجسد))؛ رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.



سبحان الله العظيم! الذي مَن عَرَفَه لم يبخل عليه بنفَس من أنفاس حياته؛ فإنَّه نِعم التعامل مع الكريم، إذا ضحيتَ لله بجزء من راحتك، عوَّضك عن ذلك راحةً أكثر، وصحَّة أفضل، بل إنه - سبحانه - يجعل قيامَك له، وأنت تُغالِب شهوة النوم فتطردها، فيجعل الجزاء مِن جنس العمل: أن يطرد مقابلَ ذلك الداء عن جسدك، فإلي الباحثين عن الصحَّة: عليكم بقيام الليل!



* عصمة من الذنوب؛ ففي الحديث ((ومنهاة عن الإثم))، نعمْ والله! كيف لقلبٍ ذاق حلاوة قيام الليل أن يُصبح فيعصي ربَّه؟! كيف لقلب استشعرَ في الليل وهو قائِم رُؤيةَ الله له ومباهاته به، ثم يُصبح فيعصي الله؟! كيف لقلب بات يُناجي ربه ويتلذَّذ بكلمات الله، ثم يُصبح تاركًا طاعة ربه؟! إنها المكافأة كما قال الحسن البصري: مَن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله.



* الله يباهي بالقائمين؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قام الرجلُ من الليل يصلِّي، فغلبته عيناه فنام في سجوده، فإنَّ الله يقول لملائكته: انظروا يا ملائكتي، هذا عبْدي رُوحه عندي، وجسده بين يديّ، اكتبوا له قيامَه، واجعلوا نومَه صدقةً مني عليه))؛ أخرجه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني.



سبحان الملك الكريم! الله يُباهي ملائكته بساجد نائم، فما بالك بالمتيقِّظ المقاوِم؟! والله هذا شرفٌ لا يُقاوَم.



* سبيل لمحبة الله؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم وصحَّحه الألباني: ((ثلاثة يحبُّهم الله ويستبشر بهم ويضحَك إليهم - وذكر منهم: رجل عنده امرأةٌ حَسَنة، وفراش حَسَن، ثم قام يصلِّي، فيقول الله للملائكة: انظروا يا ملائكتي: هذا عبْدي عنده فراش حَسَن، وزوجة حسَنة، فتركها ثم قام يتملَّقني، ويتلو آياتي، ولو شاء رَقَد)).



انظر أيها الحبيب المحب، كيف أنَّ كل ما تبذله لله له قدْرٌ عند الله، ويقع عندَ الله بموقع، والشاهد قوله - تعالى - للملائكة: ((ولو شاء رَقد))، فالله يحفظ لك أنك غالبتَ الرقود وآثرتَ القيام، فأحبك واستبشر بك، وضحِك لك.



* القيام نور الوجوه والقلوب؛ قيل للحسن: ما بال القائمين أحسنُ الناس وجوهًا؟! فقال: إنَّهم خلوا بالله في السَّحَر، فألبسهم مِن نوره.



* الكلام عن عدد ركعات قيام رمضان:

قال شيخ الإسلام: إنَّ نفْس قيام رمضان لم يوقّت فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عددًا معينًا، بل كان هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَزيد عن ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يُطيل الركعات، فلما جمعَهم عمر على أُبيِّ بن كعب كان يصلِّي بهم عشرين ركعةً، ثم يوتِر بثلاث، وكان يخفِّف القراءة بقدْر ما زاد مِن الركعات؛ لأنَّ ذلك أخف على المأمومين مِن تطويل الركعة الواحدة.



والأفضل يختلِف باختلاف أحوالِ المصلِّين؛ فإنْ كان فيهم احتمالٌ لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدَها كما كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصلِّي لنفسه، فهو الأفضل، وإنْ كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين أفضل، وهو الذي يعمل به أكثرُ المسلمين؛ فإنَّه وسط بين العشرين وبيْن الأربعين، ومَن ظَنَّ أنَّ رمضان فيه عددٌ مؤقت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يُزاد فيه ولا يُنقص، فقدْ أخطأ، وكذلك لم يُذكَر أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّد مقدار القراءة في كلِّ ركعة، بل يختلف ذلك بحسبِ نشاط القوم؛ فقد أمَر عمر بن الخطاب أُبيَّ بن كعب وتميمًا الداريَّ أن يقومَا بالناس في رمضان، فقال قائلهم: فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العِصي مِن طول القيام، وما كنَّا ننصرف إلا في بزوغ الفجر، وقال أبو داود: سُئل أحمد عنِ الرجل يقرأ القرآن مرَّتين في رمضان يؤمُّ الناس؟ قال: هذا عِندي على قدر نشاط القوم، وإنَّ فيهم العمَّال.



فيا أخي الحبيب: لا تشتغل بمناقشة عددِ ركعات القيام مع الآخرين، ولا تجادِلْ وتضيِّع رمضان، عليك بالعمل، فاجتهدْ في أن تقوم أكثرَ الليل، ولا تُضيِّع وقتك مع البطالين.



ويجوز للنساء حضورُ الجماعة في قيام رمضان إذا تأدبْنَ بآداب الخروج الشرعيَّة؛ مِن الحجاب، وعدم التطيُّب، وعدم رفْع أصواتهن، أو الاختلاط بالرِّجال في المواصلات والشوارع ونحو ذلك، وغضّ البصر، وعدم البقاء لوقتٍ متأخِّر خارجَ المنزل دون محْرَم، وإلا فصلاتهنَّ في بيوتهن أفضل.



ويمكن لرجل مِن أهل البيت أن يؤمَّهم للصلاة، ويمكن أيضًا أن تؤمَّ المرأةُ النساءَ في قيام رمضان، وإذا لم يكُن الإمام قارئًا، جاز له أن يُصلِّي بالناس ويقرأ من المصحَف.



* إذا قمتَ فأيقظ أهلك: فإنَّ عباد الرحمن لا يَكفيهم أن يبيتون سجدًا وقيامًا فحسبُ، بل ويرجون ذريةً تسير على نهجهم، وأن تكون لهم أزواج مِن نوعيتهم، فتقرّ بهم أعينهم، وتطمئنّ لهم قلوبهم؛ قال - سبحانه وتعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ï´¾ [الطور: 21]، وتأمَّل قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي رواه أبو داود وصحَّحه الألباني: ((مَن استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليَا ركعتين جميعًا، كُتبَا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات)).



* وقد يتساءَل باغي الخير فيقول: لِمَ كل هذا الاهتمام بالليل؟! والجواب: أنه لأسباب كثيرة، أهمُّها خمسة:

فالأول: أنَّ الإنسان عندما يقوم الليل يكون هذا أخلصَ لربِّه؛ لأنَّه يكون في وقت سر لا يطلع عليه أحد.



والثاني: أنَّه أشقُّ على النفْس؛ ولذلك يكون الأجْر أكثر؛ فالأجْر على قدْر المشقة.



والثالث: أنَّه مع خلوِّ البال مِن مشاغِل الحياة، وسكونِ الليل، والفراغ مِن الدنيا والكد فيها، يكون القلبُ أكثرَ مواطأةً وموافقة للسان في الذِّكْر.



والرابع: أنَّ الليل موطِن لتنزل الرَّحَمات، ولنزول ربِّ الأرض والسموات، فعظمت العبادة فيه.



وأمَّا الخامس: فلأن قيام الليل عبادةٌ جامعة لطهارة القلْب، وقد قال قتادة: كان يُقال: ما سهِر الليل منافق؛ يعني: في قيام الليل.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 20-05-2020, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(25)






محمود العشري




الوسيلة الرابعة عشرة: كثرة ذكر الله:

فقد قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، وقال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال رجلٌ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: دلَّني على عملٍ أتشبَّث به، قال: ((لا يزال لسانُك رطبًا بذِكر الله))؛ والحديث صحَّحه الألباني، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ أُنبِّئكم بخير أعمالكم، وأزْكاها عند مليككم، وأرفعها في دَرجاتكم، وخير لكم مِن إنفاق الذهب والفِضَّة، وخير لكم مِن أن تلقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!))، قالوا: بلي! قال: ((ذِكْر الله)).

الذِّكر نجاة، ذِكر الله بركة، ذِكْر الله هداية، ذِكر الله نِعمة ونعيم وقرَّة عين، وأُنس رُوح، وسعادة نفْس، وقوَّة قلْب... نعم؛ ذكر الله رَوحٌ وريحان وجنَّة نعيم.

الذكر هو قوتُ القلوب التي متى فارقَها صارت الأجساد لها قبورًا، وهو عمارة ديار المؤمنين، فإذا تعطَّلتْ عنه صارت بورًا، هو سلاحهم الذي يقاتلون به قطَّاع الطريق، ودواء أسقامِهم الذي متى فارقهم انتكستْ منهم القلوب، والعلاقة التي بينهم وبين علاَّم الغيوب، التي متى فقدوها استوحشتِ القلوب.

وهو جلاءُ القلوب وصقالُها، ودواؤها إذا غشِيَها اعتلالها، وكلَّما ازداد الذاكر في ذِكره استغراقًا، ازداد المذكور محبَّةً إلى لقائه واشتياقًا، به يزول الوَقْر عن الأسماع، والبَكم عن الألسُن، وتنقشع الظلمةُ عن الأبصار، وهو الذي زيَّن الله به ألسِنةَ الذاكرين، كما زيَّن بالنور أبصارَ الناظرين.

هو باب الله الأعْظَم المفتوح بينه وبيْن عبده، ما لم يغلقْه العبد بغفلته، وهو رُوح الأعمال الصالحة، فإذا خلاَ العمل عن الذِّكر كان كالجسدِ الذي لا رُوحَ فيه.

وهو غراس الجنَّة، وسبب تنزُّل الرحمات، ورِضا ربِّ الأرض والسموات، وعبادة جميع الكائنات، إنَّه الشفاء للقلوب.

يقول يحيى بن معاذ - رحمه الله -: "يا غفول .. يا جهول؛ لو سمعتَ صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تَكتُب اسمك عندَ ذِكرك لمولاك، لمُتَّ شوقًا إلى مولاك"، وقال ذو النون المصري: "والله ما طابتِ الدنيا إلا بذِكره، وما طابتِ الآخرة إلا بعفوِه، وما طابتِ الجنة إلا برؤيةِ وجهه الكريم - تبارك وتعالى".

أيام وليالي رمضان أزمنةٌ فاضلة، فاغتنِمْها بالإكثار مِن الذِّكر والدُّعاء، وخاصَّة في أوقات الإجابة، عوِّد لسانك: ربِّ اغفر لي؛ فإنَّ لله ساعات لا يردُّ فيها سائلاً.

الأذكار الموظَّفة في اليوم والليلة، افرضْها على نفسك فرضًا، وعاقب نفسك على التفريط في شيءٍ منها؛ وهي أذكارُ دخول البيت والخروج منه، وكذا المسجد، وكذا الخلاء، وأذكار الطعام والشراب واللِّباس، والنوم والجِماع، وأذكار الصباح والمساء، وغيرها.

احمل في جيبك المصحَف وكتاب حِصن المسلم، ولا تفرِّط فيهما أبدًا، احفظِ الأذكار، وراجعْها دائمًا على الكتاب، واسأل عن معناها، وافْهم ما تقول.

كثرة الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلا عددٍ محصور تُزيل الهم، كثرة الاستغفار تَزيد القوَّة، الباقيات الصالحات: ((سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله)) خير ثوابًا وخير أملاً.

التهليل قول: "لا إله إلا الله" حصنٌ حصين مِن الشيطان، والحوقلة قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كَنْز من كنوز العرش، "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" ثقيلتان في الميزان.

عمومًا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، فاذكرِ الله يذكرْك، ولا تنسَهُ فينساك.

وإني يُمكنني - بعون الله - أن أذكُر لك كثيرًا مِن الأذكار وفضائل الأعمال فيها، ولكن أُحيلك علي كتاب حِصن المسلم فعليك به، لا تجعلْه يفارق جيبك، وحاول أن تتعوَّد على ما فيه من الأذكار، والله المستعان، وأحيلك كذلك على كتاب فضائل الأعمال للمقدسي، وكل ذلك حتى لا أُطيل عليك فيما يسهُل عليك معرفته.

فحافظ أخي - يا بن الإسلام - على الأذكار، وذلك على العموم، ومع هذا العموم يَحْلو لي أن أنصَّ على بعض الأذكار المهمَّة، فمنها:
* حمْد الله بعدَ الأكْل والشرب: وهذه بُشرى للذين يبْحثون عن رِضا الله تعالى عنهم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((إن الله ليرضَى عن العبد يأكُل الأكلةَ فيحمده عليها، أو يشرَب الشربةَ فيحمده عليها))، فما أسهل الوصولَ إلى رِضا الله - أخي الحبيب - فلا تفرِّط، ولا تتكاسل؛ حتى لا يخذلَك الله.

* الدعاء في المرَض بأجْر شهيد: ﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، إنها دعوة نبي الله يونس - عليه السلام - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي: ((أيما مسلمٍ دعا بها في مرضِه أربعين مرَّةً فمات في مرضه ذلك، أُعطِي أجرَ شهيد، وإنْ برَأ برأ وقد غُفِر له جميع ذنوبه)).

فهل قال أحدنا هذا الدعاءَ الجليل في مرضه؛ ليفوزَ بهذا الأجْر العظيم؟!

* دعاء السوق: فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ والترمذي وحسَّنه الألباني: ((مَن دخَل السوق فقال: لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، له المُلك، وله الحمد، يُحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتَب الله له ألْفَ ألْف حسنة، ومَحَا عنه ألْفَ ألْف سيئة، ورفع له ألْفَ ألْف درجة، وبنَى له بيتًا في الجنة)).

يا ألله! اللهم إني أسألك أن تغفرَ لي ولإخواني تقصيرنا في حقِّ أنفسنا أمامَ فضلك العظيم، اللهم إنَّه ليس لنا حُجَّة أبدًا عليك، وكيف وقد يسرتَ لنا كلَّ سبل الجنة، وأعطيتنا مِن الفضل ما لم تُعطِ أحدًا من العالمين؟!

ولكننا يا ربَّنا نَطْمَع في مزيدِ فضل منك ورحمة، نَطْمَع يا ربنا في أن تأخُذ بأيدينا إليك، أخْذَ الكرام عليك، وأن تستعملنا في طاعتِك ونصرة دِينك يا رحمن.

اللهم إنَّا نعلم أنَّه لا تنفعك طاعاتنا، ولا تضرُّك معاصينا، وأننا إنْ عصيناك، فإن عبادك سوانا كثير، ولكننا يا ربَّنا ليس لنا إله غيرك، فإلى مَن تكِلنا؟! اللهم لا تكِلْنا إلى أنفسنا فنعجز، وإلى على الناس فنضيع.

إنَّه على الرغم مِن هذا الأجْر الجزيل، فإنَّك - أخي يا بن الإسلام - لا تكاد تجِد مسلمًا يذكُر الله - تعالى - في السوق بتلك الكلمات المبارَكة، إلاَّ مَن رحِم الله - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم!

* في الحديث المرفوع الذي رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده، غُرِستْ له نخلة في الجنة)) سبحان الله العظيم! أين النخيل التي غرسناها؟!

* روى الطبراني - وقال الألباني: صحيح لغيره - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال إذا أصبح: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، فأنا الزعيم - أي: الكفيل - لآخذنَّ بيده حتى أدخلَه الجنة)).

* في الصحيحين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قال: لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمْد، وهو على كلِّ شيء قدير، في يوم مائة مرة: كانتْ له عدلَ عشر رقاب، وكُتبت له مائة حَسَنة، ومُحيت عنه مائة سيِّئة، وكانتْ له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر مِن ذلك، ومَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائةَ مرة، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مِثل زَبَدِ البحر)).

* رَوى الترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني، عن ابن عمرٍو قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَصلتان لا يُحصيهما رجلٌ مسلم إلا دخَل الجنة، وهما يسير، ومَن يعمل بهنَّ قليل: يسبح الله في دُبر كلِّ صلاة عشرًا، ويكبِّر عشرًا، ويحمد عشرًا))، فرأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعقدها بيده ((فذلك خمسون ومائة باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أَوَى إلى فراشه سبَّح وحِمد وكبَّر مائة، فتلك مائةٌ باللسان، وألف في الميزان، فأيُّكم يعمل في اليوم ألْفَين وخمسمائة سيِّئة؟!)) قالوا: وكيف يُحصيهما؟ قال: ((يأتي أحدَكم الشيطانُ وهو في الصلاة فيقول: اذكُرْ كذا وكذا، حتى ينفكَّ العبدُ لا يعقل، ويأتيه وهو في مضجعِه فلا يزال يُنَوِّمُهُ حتى ينام)).

* إجابة المؤذِّن: في صحيح مسلم وغيره قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه))، وعند البخاري وغيره قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، حلَّتْ له شفاعتي يومَ القيامة))، وعند النَّسائي وأحمد وصحَّحه الألباني عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقام بلال يُنادي، فلما سكَتَ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قال مِثل هذا يقينًا، دخَل الجنة)).

* موافقة تأمين المأموم لتأمينِ الملائكة في صلاة الجماعة: ففي الصحيحين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فقولوا: آمين؛ فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي رواية: ((إذا قال أحدُكم: آمين، وقالتِ الملائكة في السماء: آمين، فوافقتْ إحداهما الأُخرى، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي صحيح مسلم وغيره: ((إذا صليتُم فأقيموا صفوفَكم، ثم ليؤمَّكم أحدُكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فقولوا: آمين؛ يُحببكم الله))، وعند ابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((ما حَسدتْكم اليهود على شيء، ما حَسَدتْكم على: "آمين"، فأكْثِروا مِن قول "آمين")).

* موافقة تسميع المأموم لتسميعِ الملائكة في الصلاة: ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قال الإمام: سمِع الله لمن حَمِده، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لك الحمْد؛ فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وفي رواية: ((فقولوا: ربَّنا ولك الحمد)) بزيادة الواو.

* إذا أخذتَ مضجعك مِن الليل فاقرأ: (قل يا أيُّها الكافرون) ثمَّ نمْ على خاتمتِهَا؛ فإِنَّها براءةٌ من الشركِ.

* بينما نحنُ نُصلي مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ قال رجلٌ من القومِ: الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله بَكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟))، فقال رجل ٌمن القوم: أنا يا رسول الله! قال: ((عجبتُ لها؛ فُتِحَتْ لها أبوابُ السماء))، قال ابن عمر: فما تركتُهُنَّ منذُ سمعتُ رسولَ الله يقولُ ذلك؛ صحيح مسلم.

* كنا نُصلي يومًا وراءَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا رفَع رأسه من الركعةِ قال: ((سمع الله لمن حمده))، قال رجلٌ: ربنا ولك الحمدُ، حمدًا كثيرا ًطيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف، قال: ((مَن المُتكلِّم؟))، قال: أنا، قال: ((رأيت ُبضعةً وثلاثين مَلَكًا يَبْتَدِرُونها، أيُّهُم يَكتُبها أوَّلُ))؛ صحيح البخاري.

* ((مَن صلَّى الفجر في جماعةٍ، ثم قعَد يذكر الله حتى تطلعَ الشمس، ثم صلى ركعتين، كانتْ له كأجرِ حجَّةٍ، وعمرةٍ، تامَّةٍ، تامةٍ، تامَّة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن صلَّى لله أربعين يومًا في جماعةٍ، يُدركُ التكبيرةَ الأولى، كتِب له براءتانِ: براءةٌ من النارِ، وبراءةٌ من النفاق))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((أفضلُ الصلوات عندَ الله صلاةُ الصبح يوم الجُمُعة في جماعة))؛ السلسلة الصحيحة.

* ((مَن قال: سبحان الله العظيم وبحمْده، غُرِستْ له نخلةٌ في الجنة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.


* ((مَن قال: سبحان الله وبحَمْدِه، سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوبُ إليك، فإنْ قالها في مجلسِ ذِكْرٍ، كانتْ كالطَّابَع يُطبعُ عليه، ومَن قالها في مجلسِ لغوٍ، كانتْ كفَّارةً له))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((إنَّ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفُضُ الخطايا كما تنفضُ الشجرةُ ورقَها))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((أيَعجِزُ أحدكم، أن يكسِبَ كلَّ يومٍ ألف حسنةٍ؟ يسبِّح الله مائة تسبيحةٍ، فيكتُبُ اللهُ له بها ألفَ حسنةٍ، أو يحُطُّ عنهُ بها ألف خطيئةٍ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 20-05-2020, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان



* ((إنَّ الله - تعالى - اصطفَى مِن الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمَن قال: سبحان الله، كُتِبتْ له عِشرون حسنةً، وحُطَّتْ عنه عِشرون سيئةً، ومَن قال: الله أكبرُ، مثلُ ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله، مثلُ ذلك، ومَن قال: الحمدُ لله ربِّ العالمين، من قِبلِ نفْسه كُتِبتْ له ثلاثون حسنةً، وحُطَّ عنه ثلاثون خطيئةً))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((ألا أدلُّك على غراسٍ، هو خيرٌ مِن هذا؟ تقولُ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يُغرسُ لك بكلِّ كلمةٍ منها شجرةٌ في الجنَّة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((من ضنَّ بالمالِ أن يُنفقَه، وبالليلِ أن يُكابدَه، فعليه بسبحان الله وبحمده))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((ألا أدلُّك على ما هو أكثرُ مِن ذكركَ اللهَ الليلَ مع النهارِ؟ تقولُ: الحمدُ لله عددَ ما خلقَ، الحمدُ لله ملءَ ما خلقَ، الحمدُ لله عددَ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ، الحمد لله عددَ ما أحْصَى كتابُه، والحمدُ لله على ما أحصى كتابُه، والحمدُ لله عددَ كلِّ شيءٍ، والحمدُ لله ملءَ كلِّ شيءٍ، وتُسَبِّحُ الله مثلهُنَّ، تعلَّمْهُنَّ وعَلِّمْهُنَّ عقِبكَ منْ بعدِكَ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن صلَّى عليَّ حين يُصْبحُ عشْرًا، وحين يُمْسي عشْرًا، أدركتْه شفاعتي يوم القيامة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن قال: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا، وجَبت له الجنة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن دعَا لأخيه بظهْر الغيب، قال الملَك الموكَّل به: آمين ولك بمِثله))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن يَتَكفَّلْ لي أن لا يَسأَلَ الناس شيئًا، أتَكفَّلْ له بالجنةِ))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن قتَل وزغةً في أوَّل ضربْةٍ كُتِب له مائةُ حَسنةٍ، ومن قَتلها في الضَّربة الثَّانية، فلهُ كذا وكذا حسَنة، وإن قَتلها في الضَّربة الثالثة فله كَذا وكَذا حسنةً))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* ((مَن أكَل طعامًا ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطَّعام ورزقَنيه مِن غير حولٍ منِّي ولا قوَّةٍ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنْبِه، ومن لَبِسَ ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقَنيه مِن غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنْبِه وما تأخَّر))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.

* واحرِصْ عمومًا على المداومة على التسبيح والأذكار قبلَ طلوع الشمس وقبل غروبها، والمكث في المسجد إلى الضُّحَى، ثم صلاة ركعتين، كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفْعَل، فتحصل على أجْر حَجَّة وعمرة تامَّة تامة تامَّة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصحَّحه الألباني، وقال الله - تعالى -: ï´؟ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ï´¾ [طه: 130]، والقدْر الواجب مِن هذا التسبيح صلاة الصبح وصلاة العصْر، وهذا مِن أسباب الرِّضا، كما قال - تعالى -: ï´؟ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ï´¾ [طه: 130]، وكمال هذا التسبيح بالتسبيح المعهود كما قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الذي عند مسلم وأبي داود والترمذي وأحمد: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرَّةٍ حين يُصبح وحين يُمسي، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ ممَّا جاء به، إلا رجلٌ قال مِثل ما قال أو زادَ عليه)).

والمحافظة على ذِكْر الله مطلقًا مِن أعظم الأعمال؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما مَرَّ على جبل يُسمَّى جُمْدان وهو في طريقه إلى مكة: ((سِيروا، هذا جمدان، سبق المُفَرِّدُونَ))، قالوا: وما المفرِّدون يا رسولَ الله؟ قال: ((الذاكِرون الله كثيرًا والذاكرات))؛ والحديث رواه مسلم والترمذي وأحمد.

والذِّكر بالكسر الحِفظ للشيء، وما زال مني على ذُكر وذِكر أي: تذكُّر، وبهذا تعلم أنَّ الذكر حقيقة في الحِفظ والتذكُّر والاستحضار، واستُخدِم في الشرع بمعنى جريان اللِّسان بالثناء على الله وطلَب المغفرة منه، حتى صار حقيقةً شرعيَّة، غير أنه غُلِّب من العامَّة على وظيفة اللسان، فأصبح لا يُطلق الذِّكر إلا ويتبادر معنى تحرُّك اللِّسان بالأذكار، وشطح غلاة الصوفية، فصاروا لا يَفهمون من الذِّكر إلا مجالس الرقْص والدفوف، وكل ذلك يَتنافى مع كثيرٍ من إطلاقات القرآن؛ يقول - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ï´¾ [آل عمران: 135]، فذِكر الله هنا بمعنى استحضار عظَمتِه، وحِفظ مقامه، وتذكُّر جلاله وهيبته، يؤيِّده أنَّه عطف عليه الاستغفار، وهو ذِكر، فلو كان: (ذَكَروا الله)؛ أي: جرَى اللسان بذِكره، لتكرَّر هكذا: ذكروا الله فذَكروه، ولا يُقال: (ذكروا الله فاستغفروا) من قَبيل عطْف الخاص على العام؛ لأنَّ هذا من باب التأكيد، والتأسيسُ أوْلى من التأكيد، فالمتَّجه عندي أنَّ ذِكر الله ألزمُ صفة للمتقين؛ فهم يستحضرون عظمتَه، ويتذكَّرون أياديَهُ عليهم، فيكون ذلك سببًا في معرفة جرم ذنوبهم، فيستغفرون.

وتأمل قوله - تعالى -: ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ï´¾ [النحل: 43]، تجد أنَّ الذكر هنا أيضًا بمعنى العلم، وإذا أجريتَ ما ذكرته لك عن معنى الذِّكر هنا، فهمتَ ضرورة أنَّ قوله: ï´؟ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ï´¾ [النحل: 43]؛ أي: أهل الخوف مِن الله والخاشعين له والمستحضرين لعظمَته، وليس هؤلاء إلا العلماء؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ï´¾ [فاطر: 28]، بل إنَّ قوله - تعالى -: ï´؟ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ï´¾ [الأنفال: 2] فيه إشارةٌ إلى ما قررتُه؛ فشأن أهل الإيمان - الذين وردتِ الآية في سِياق وصفهم - توجل قلوبهم بمجرَّد جريان خواطرِهم به - عزَّ وجلَّ - عندَ سماع اسمٍ مِن أسمائه، أو صِفة من صفاته، أو أي شيء يُشير إلى مقامه، ولو كان معنى الآية أنَّ المؤمنين توجل قلوبهم بترداد ذِكْره وجريان اللِّسان لهجًا بالثناء عليه، فليس في ذلك مزيَّة؛ فمُعظم الناس يوجلون عندَ ترداد الأذكار بحضورِ قلْب، ولكن القليل هم الذين تتفاعَل قلوبهم بمجرد ورود الخاطِر عن الله - تعالى.

إذا تقرَّر ذلك، نعلم عندئذٍ أنَّ ذكر الله يكون باستحضار عظَمته في القلب، وليس نوعًا مستقلاًّ بذاته؛ لأنَّ جريان اللسان بالذِّكر دون حراك القلب ليس مقصودًا من الله - عزَّ وجلَّ وتقدَّس - قال - تعالى -: ï´؟ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ï´¾ [الحج: 37]، وفي صحيح مسلِم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((التَّقْوى ها هنا))، وأشار إلى صدْره، وفي صحيح مسلم: ((إنَّ الله لا ينظُر إلى أجسامكم ولا إلى صُوركم، ولكن ينظر إلى قلوبِكم)).

وبهذا البيان نُدرِك أنَّ وظيفة اللسان في الذِّكر يجب أن تحصِّل حضور القلب بتعظيم الله واستحضار هيبته وجلاله، فما الوسائلُ التي تحقِّق هذه الثمرة؟

ومن آداب ذكر الله - تعالى -:
1 - إخلاص النيَّة لله، وابتغاء الثَّواب منه - تعالى.

2 - أن يَشتاقَ القلب للذِّكْر كما يشتاق الجسدُ للطعام والشراب، فيُقبِل العبد على الذِّكْر بشغَف وحبٍّ، وحَماس وحضور قلْب، فقد وصَف الله المنافقين، فقال: ï´؟ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ï´¾ [النساء: 142]، فمِن الأدب: الإقبال على الذِّكْر بشغف.

3 - الوضوء أو الطهَارة قبله؛ فقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَكره ذِكْر الله إلا على طهارة، كما في صحيح سُنن أبي داود، وقال عمر - رضي الله عنه -: "الوضوء الصالِح يطرد عنكَ الشيطان".

4 - الجلوس باتِّجاه القِبلة خاشعًا ساكنًا؛ فهكذا يكون التذلُّل عند مناجاتِك لله ربِّ العالمين، وخصوصًا إذا استحضرت قوله - تعالى -: ï´؟ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ï´¾ [البقرة: 152]، و: ((أنا معه حين يذكُرني)) - كما في صحيح البخاري.

5 - أن تُطهِّر باطنك بالاستغفار ومراقَبة الله - تعالى - والتوبة إليه مِن الذُّنوب والخطايا؛ لتهيئةِ القلْب واللِّسان للذِّكر.

6 - اختيار الأوقات المناسِبة للذِّكر، والتي تكون فيها خاليًا مِن الشواغل، ونفسك مستعدَّةً لتلقي النور، وقلبك مشتاقًا لمناجاة الله - تعالى - كأوقاتِ السَّحَر والأصيل، وعقِب الصلوات المكتوبة، وفي الليالي المبارَكة والأيام الفاضلة.

7 - استحضار عظمَة الله - تعالى - والتفكُّر في ألفاظ الذِّكر، وذِكره - تعالى - بأسمائه الحُسنى وصفاته العلا، فتصل بذلك إلى التضرُّع والتذلُّل والعبودية الحقَّة لله - تعالى - ساعتَها يشعُر القلب بالطُّمأنينة.

8 - استحباب البُكاء مع الذِّكْر؛ لما في حديث السَّبعة الذين يُظلُّهم الله بظلِّه، وهو في صحيح مسلم، فمَن استحضر قلبه في الذِّكر، واستشعر قُربَ الله - تعالى - منه، وفهم عن الله مرادَه من ذِكر العبد لربِّه، لا يملك إلا أن تفيض عيناه.

9 - إخفاؤه وعدم إطْلاع غيره عليه؛ حفاظًا على الإخلاص، وتجنبًا للرِّياء، وهو بذلك يَسري في أعماق النفْس، وينبض مع نبضات القلْب.

10 - مطالبة النَّفْس بثمرات الذِّكْر بعد الفراغ منه؛ بالمحافظة على الطاعات، ومجانبة اللهو واللغو والآثام، والاستقامة في الأقوال والأفعال والمعاملات، فثَمَرة الذِّكر الحقيقيَّة ألا تراودك نفسُك على محرَّم، بل تظل دائمًا إذا كنت ذاكرًا تَرى أنَّك بين يدي الله - تعالى - فتحبُّه على الحقيقة، وتستحي منه على الحقيقة، وتخشاه كأنَّك تراه، وبذلك تكون مِن الذاكرين المرحومين، جعلني الله وإيَّاك منهم.

وسائل تحصيل حلاوة الذكر:
أولاً: معرفة المقصود مِن الذِّكْر، وهو إجلال مقام الله، والخوف مِنه وخشيته ومهابته وقدْره حقَّ قدره، وبهذا المعنى يكون الذِّكر منسحبًا على كلِّ زمان ومكان يوجَد فيه الإنسان.

ثانيًا: أن يلحظَ الذاكِرُ نعمةَ الله على الخليقة لنوالهم شرَف ذكره، وكرامة ورود كلماته على الخواطِر، وجريانها في الجوارح، مع تلبُّسها بمعصيته وجُحود آلائِه ونِعمائه.

ثالثًا: لزوم جناب الاحتشام عندَ ذِكر الله باستحضار مراقبتِه واطلاعه، وقد وصَف الله المؤمنين بأنهم: ï´؟ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ï´¾ [الأنفال: 2]، ووجلُ القلْب خوفه مِن الله؛ قال أبو حيَّان: وقرأ ابن مسعود: فَرِقَت، وقرأ أُبيٌّ: فَزِعَت.

رابعًا: أن يستشعرَ ويستحضر معنى الحديث الذي رواه البخاريُّ معلّقًا بصيغة الجزم، والبيهقي، والحاكِم: ((أنا مع عبدي ما ذَكَرني وتحرَّكت بي شفتاه))، ومعلوم أنَّ هذه المعيَّة معيَّةٌ خاصَّة للذاكرين، ولا تَقتضي الحلوليةَ كما يزعم الزاعِمون، وإلا ما اشْتَرط للمعية شرطًا لحصولها، وهذا مُجمَع عليه بين السلف جمعًا بين هذه النصوص، وبيْن النصوص المفيدة للعلوِّ والاستواء على العرْش، فافهم هذا المقام، واطرحْ ما عداه تسلَمْ وتغنم، ولا يحولنَّ عَطَنُ الفلاسفة والمتكلِّمين والمعطِّلة والجهمية بينك وبيْن جمال هذا المعنى وجلاله، فما دُمت قد بنيتَ في ذهنك مقام الربوبيَّة على الإثبات والتنزيه، فَأَمِرَّ النصوص كما جاءتْ كما فعَل السلف تنتفعْ ببركة تلك النصوص.

واعلم أنَّ المدد مِن الله - تعالى - على قدْر تقواك وصبرك، وحضور القلب على قدر استجماع الفِكر في الذِّكر، والدليل قوله - تعالى -: ï´؟ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ï´¾ [آل عمران: 125].

خامسًا: عدم اليأس مِن تأخُّر الفتْح؛ فمَن أدْمن قرع الباب يوشِك أن يُؤذَن له، وملازمة الإلحاح والوقوف بالباب مع الإطراق بانكسار واختِجال علامة التوفيق والقَبول، تأمَّل قوله - تعالى -: ï´؟ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ï´¾ [التوبة: 118]، تجد أنَّ المخلَّف ممتحَن في حقيقة الأمر: ï´؟ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 141].

سادسًا: يقول ابن القيِّم في "الفوائد": "مِن الذاكرين مَن يبتدئ بذِكْر اللِّسان وإنْ كان على غفلة، ثم لا يزال فيه حتَّى يحضر قلبه فيتواطأا على الذِّكْر، ومنهم مَن لا يرَى ذلك ولا يَبتدئ على غفلة، بل يسكُن حتى يحضر قلبُه فيشرع في الذِّكر بقلبه، فإذا قوي استتبع لسانه فتواطأا جميعًا، فالأوَّل ينتقل الذِّكْر مِن لسانه إلى قلبه، والثاني ينتقل مِن قلبه إلى لسانه مِن غير أن يخلوَ قلبه منه، بل يسكُن أولاً حتى يُحِسَّ بظهور الناطِق فيه، فإذا أحسَّ بذلك نطَق قلبه، ثم انتقل النُّطق القلبي إلى الذِّكر اللِّساني، ثم يستغرِق في ذلك حتى يجدَ كل شيء منه ذاكرًا، وأفضل الذِّكر وأنفعه ما واطأ فيه القلبُ اللسانَ، وكان مِن الأذكار النبوية، وشهِد الذاكر معانيه ومقاصده"، ومِثل هذا لا يُحسِنه إلا ابن القيِّم - رحمه الله.

والمذهب عندي هو الوسيلةُ الثانية؛ أي: عدم الابتداء على غفْلة، بل يسكُن الذاكر حتى يحضرَ القلب، وسبيله أن يستحضرَ نفْسَه واقفًا بباب الرحمة، مطرقًا ينتظر الإذن بالدُّخول، ويجول بقلبِه الكسير حولَ معاني الرحمة والود والقَبول، فذلك قمينٌ - جدير - أن يحضرَ به القلب.

أمَّا لزوم كون الذِّكْر من الوارد في السُّنة، فهذا بدهي لا أُطيل في تقريره، فمَن سلَك غير طريق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّى له الوصول؟!

أمَّا شهود معاني الذِّكْر ومقاصده، فهذا مِن أعظم أبواب حُضور القلْب والانتفاع بالذِّكْر، وخاصَّة إذا كانت من المعاني الراقية الرفيعة التي صِيغت في حنايا سيِّد الذَّاكرين - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وسأضرب مثالاً في كيفيَّة التفكُّر والتدبُّر في الذِّكر؛ ليكونَ كالشاهد على غيره مِن الأذكار، فمِن أذكار الصباح والمساء التي يردِّدها المؤمن: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((أصبَحْنا وأصبح المُلك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله، وحْده لا شريكَ له، له الملك وله الحَمْد، وهو على كلِّ شيء قدير، رب أسألك خيرَ ما في هذا اليوم وخيرَ ما بعده، وأعوذ بك مِن شرِّ هذا اليوم وشرِّ ما بعده، رب أعوذ بكَ مِن الكسَل وسوء الكِبَر، رب أعوذ بكَ مِن عذاب في النار وعذاب في القَبر)).

فيستحضر ما ذكرته آنفًا، ثم يتدبَّر الكلمات مظهرًا الفقر والاحتياج والمسكَنة، ويجول بقلْبِه في ملك الله وملكوته، فيتحقَّق عنده حقائق النِّعم: ((أصبحْنا)) ويُبصر عظيمَ مِنة الله إذْ منَّ عليه بالحياة فأصبح معافًى، مع أنَّه كان آيسًا من إدراك الصباح، كما قال ابنُ عمر عند البخاري: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء"، وها هي رعاية الله تتداركه، فيرسل له رُوحه بعدَ توفِّيها؛ قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ï´¾ [الزمر: 42]، ومع غمرةِ الفرْحة بنِعمة الله يتدارك نفسه بذِكر المُنعم؛ حتى لا تضمحلَّ رؤية المنعِم في خضمِّ الفرحة بالنِّعمة، فينسب كلَّ النعم - بل كل هذا الملك - إلى المتصرِّف الحقيقي فيه: ((وأصبح الملك لله)).

ومع نِسبة النِّعمة لصاحبها والبَوْء لمسدِيها، لا ينبغي أن ينسَى العبد شُكر ربه والثناء عليه، فيحمده ((والحمد لله))، ثم يشهد شهادة التوحيد ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له))، وسر ذلك: الإقرار بالألوهيَّة بعد الإقرار بالربوبيَّة، فالربوبيَّة هي التصرُّف والتدبير والملك، وهي متضمَّنة في قوله: ((أصبحْنا وأصبَح الملك لله))، والألوهية هي إثباتُ استحقاق الله - عزَّ وجلَّ - الألوهية؛ أي: كونه إلهًا يُعبد ولا يُعبد أحدٌ معه، ثم يكرِّر بعض معاني الربوبية الأُخرى، ويحوم حول بعض أسمائِه - تعالى - وصِفاته؛ ليصقُلَ قلبه بتوحيد الأسماء والصِّفات، فهو - سبحانه -: ((له الملك))؛ أي: إنَّه المَلِك، ((وله الحمد))؛ أي: المحمود الحميد.

ثم يعترِف بشمول قُدْرة الله لكلِّ الأشياء، والشيء أعمُّ لفظة في اللُّغة؛ لشمولها الموجود والمعدوم، والكبير والصَّغير، والعظيم والحقير، ثم يبدأ بعد جولةِ الثناء على الله، هذه الجولة التي لا بدَّ أن يشعُر فيها بتحليقِ رُوحه بين تلك المعاني الراقية، يبدأ في ذلَّة ومَسكنة ممارسة العبوديَّة في أحْلى صُورها، وهي الدُّعاء، فيبدأ دُعاءَه المتناسِب مع الزمان، فيسأل ربَّه خيرَ هذا اليوم وخيرَ ما بعده، وكلمة: ((خير)) مفرَد مُضاف، فيُفيد العمومَ كما قال الأصوليُّون، فهو سؤالٌ لكلِّ خير ولأي خير أن يناله بفضل مِن الله ورحمة، ومُقتضى سؤال الخير ألا يُبتلى بالشرّ؛ لأنَّ الشرَّ ليس بخير، ولكنَّه يؤكِّد الاستعاذة من الشرِّ بترداد ألفاظها؛ إمعانًا في التذلل، وتأكيدًا في المسألة، وإلحاحًا في الرغبة.

ولمَّا كان الذاكِر يستقبل يومًا جديدًا أو ليلةً جديدة، فإنَّه يحتاج إلى كلِّ معونة على كلِّ عجز يُقعِده عن الانتفاع بيومه وليلِه، وعجْز الإنسان إمَّا يكون قدريًّا؛ أي: لا حيلة له في دفْعه، أو كسبيًّا، فهو يستعيذ من العجْز القدري، وهو: ((سوء الكِبَر))؛ وذلك بأن يُبارِك له ربُّه في جوارحه وقوَّته ونشاطه، ومن العجْز الكسبي وهو: ((الكسل))، وذلك بأن يُلهَم النشاط وكراهية الدَّعة والخمول.

ولما كان الذاكِر في جولة قلبيَّة مع تلك المعاني المناسِبة لزمان اليوم والليلة، فإنَّه يُفيق بعد تلك الجولة على حقيقة سَيْره إلى الله، وأنَّ غاية مُراده من الذِّكر والاستعاذة مِن الشرور أن ينجوَ بدخول الجنة والزحزحة عن النار، فيتدارك لسانه هذا الذِّكْر الذي دَنْدَن حوله الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعاذ بن جبل، فيُردِّد صدَى دندنتهما في الكون بترنيمة السالِكين الأبدية: ((رب أعوذ بكَ مِن عذاب في النار وعذاب في القبر))، وفي ذِكر القبر في ختام الدُّعاء والذِّكر سِرٌّ عجيب؛ فإنَّه بدأ ذكره بالتحليق في أرْجاء ملك الله الواسع: ((أصبحْنا وأصبح المُلك لله))، ثم إنَّه استشعر سَعة الكون وشموله بقُدرته - عزَّ وجلَّ - وتصرُّفه فيه، وهو خليقٌ أن يجعله مبهورًا بهذه السعة، فيأتي ذِكر القبر ليردَّه عن هذا التوسع والشعور بالرَّحابة، ويذكّر الضيق الذي ينتظره في القبْر، وكذا بأهواله وخطوبه.


فيا له مِن ذِكر يصعد بالإنسان إلى أعْلى عليِّين، ثم ينزل به إلى أسفل سافلين، فإذا هو بعدَ الذِّكر قد تجلَّتْ له الحقائق، ورأى الدنيا ومُلْكَ الله مِن زاوية السَّعة ومِن زاوية الضِّيق، فتتضاءَل نفسه أمامَ هذا الإعجاز، وتصغُر ذاته في عُمق هذه المعاني، وهذه هي أحْلَى فوائد الذِّكر؛ أن يجد الذاكِر في نفسه قدرةً على إدراك حقائق الأمور، فيرَى ضآلة ذاته، وعظمةَ ربِّه، ويبصر تصرُّف المليك في الكون والخليقة.

سابعًا: يُفضَّل الذكر في الخلوات عنه في الجلوات - على مشهَد مِن الناس - فقد روَى البخاريُّ في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((ورجل ذكَر الله خاليًا ففاضتْ عيناه))، والخلوة يجِب أن تكون بمنأًى عن أعين الناس وعن جَلَبتهم وضوضائهم؛ لذا يُفضَّل في الخلوة الهدوء التام والظلام، وعدم الإزعاج وقطع لحظات المناجاة، ولا يُشرع اتخاذ الخلوات في الجبال والفيافي بما يُشبه الرهبنةَ - كما حقَّقه شيخُ الإسلام ابن تيمية، بل الخلوة الشرعيَّة تكون في المسجد بالاعتكاف، أو في المنازل والبيوتات، ولا يُشرع الاعتزال واتِّخاذ الخلوة في شعب الجبال إلا زمان الفِتن التي تعصِف بالإيمان والمؤمنين، أمَّا زمن الجهاد والدعوة والإصلاح، فلا تُشرَع العزلة بحالٍ على قول جمهور الفقهاء والمحدِّثين وأهل السُّلوك.

وثَمَّة آداب أُخرى في حقِّ الذاكِر يُستحب له إتيانها، منها: لُبس أحسن الثياب، وتجديد الوُضوء، والتطيُّب، واستقبال القِبلة على الدوام، ودوام الإطراق، ولزوم الأدب في الجلوس، واستصحاب السواك واستعماله.

تنبيه: اعلم أيها النابِه أنَّ كل ما ذكرته لك عن الذِّكر وفِقهه وآدابه وأحكامه وأسراره - يجري في قِراءة القرآن الكريم وتدبُّره وتفهُّمه، فهو أعظم الذِّكر وأحلاه، فاستحضر ما قرَّرتُه، ونفذه عندَ تلاوة القرآن، مع ضرورة الإلمام بجُملة مِن فضائل تلاوة القرآن وتدبُّره في نصوص الكتاب والسُّنة؛ فإنَّه خير معوان لك على حبِّ القرآن والانتفاع منه وبه، وقد سبَق أن تكلمتُ في تحصيل لذَّة تلاوة القُرآن، ولخصتُ كلام الغزالي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 20-05-2020, 01:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(26)






محمود العشري



الوسيلة الخامِسة عشرة: بناء المساجِد: المسجد: هو تلك البُقعة الأرضيَّة التي تُنَضِّرُها السماء، وترفرف عليها الملائكة على تعاقُب الجديدين بأجنحة مِن نور، هو ذلك المكان المقدَّس الذي تشهد تربتُه كلَّ يوم خمسَ مرَّات هذه الجباه الساجدة الضارِعة لبارئها، وهذه الأصلاب الراكِعة المنحنية على التسبيح لخالقها - عزَّ وجلَّ - هو مهبِط الرحمة، يشتاق المصلُّون لبابه، ويشتاق الراكعون لرِحابه، ويشتاق المتضرِّعون لقبابه، إنَّها بيوت الله في الأرض: ï´؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾ [النور: 36 - 38].النورالطليق الشائِع في السموات والأرض، الفائِض في السموات والأرْض، يتجلَّى ويتبلور في بيوتِ الله، التي تتَّصل فيها القلوب بالله - تعالى - تتطلَّع إليه وتذكُره وتخشاه، وتتجرَّد له، وتؤثِره على كل مغريات الحياة، تلك البيوت التي أذِن الله أن تُرفع، فهي مرفوعةٌ قائمة، وهي مطهَّرة رفيعة، يتناسَق مشهدها المرفوع مع النور المتألِّق في السموات والأرض.مِن هذا المكان الطاهر ينطلق نداءُ السماء العلوي المقدَّس: "الله أكبر.. الله أكبر"، هذا النداء الذي تتجاوب أصداؤه بين الجوارح المؤمِنة، فتهتزُّ له حبات القلوب الخاشعة مع كلِّ صلاة، بل مع كلِّ خفقة من خفقات الأفئدة، هو بيت كل مؤمن، وراحة كل تقي، ومنطلَق كل قوي، هو خيرُ البِقاع وأطهرها، هو أفضل الأماكِن وأرفعها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن بنَى مسجدًا يَبتغي به وجهَ الله، بَنى الله له مثلَه في الجنة))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني: ((إنَّ ممَّا يلحق المؤمِنَ من عمله وحسناته بعدَ موته: علمًا علَّمه ونشره، أو ولدًا صالحًا ترَكه، أو مصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابنِ السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدَقة أخرجها مِن ماله في صحَّته وحياته تلحقه مِن بعد موته)).ولا يشترط أن تبنيَه بمفردك، ولكن تعاون مع غيرِك على بناء المساجد، وتعاون أيضًا مع غيرك على إعمارها؛ وذلك بتوفير إمام متقِن على عِلم ودِين؛ ليجعلَ في المسجد رُوحًا طيبة، وينشر السُّنة، ويعلِّم الناس.ويتعلَّق ببناء المساجد عدَّة أعمال صالِحة أخرى، فمن بينها:* المشي إلى المسجد لأداء الصلاة المفروضة وغيرها: ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن غدَا إلى المسجد أو رَاح، أعدَّ الله له نُزلاً من الجنة كلَّما غدَا أو راح))، والنُّزل هو الرزق من الطعام والشراب الذي يُهيَّأ للضيف إكرامًا له، وعند أبي داود وحسَّنه الألباني: ((مَن خرَج مِن بيته متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبة، فأجْره كأجر الحاج المحرِم، ومَن خرج إلى تسبيح الضُّحى لا ينصبه - لا يدفعه ولا يتعبه - إلا إيَّاه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثَرِ صلاةٍ لا لغوَ بينهما كتابٌ في عليِّين))، وعندَ ابن خزيمة وصحَّحه الألباني: ((مَن توضَّأ فأسبغ الوضوء ثم مشَى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).* المشي إلى المسجد في ظلام الليل للتعبُّد: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه، وصحَّحه الألباني: ((بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجِد بالنور التام يومَ القيامة))، وعندَ الطبراني في الأوسط، وقال الألباني: صحيحٌ لغيره: ((إنَّ الله لَيضيء للَّذين يتخلَّلون إلى المساجدِ في الظُّلم بنورٍ ساطِع يومَ القيامة))، وعندَ ابن أبي شيبة، وقال الألباني: صحيح لغيره: ((مَن مشَى في ظلمة الليل إلى المسجد، لقِي الله بنور يومَ القيامة))، وعند ابن حِبَّانَ وقال الألباني أيضًا: صحيح لغيره: ((مَن مشَى في ظُلمة الليل إلى المساجِد، آتاه الله نورًا يومَ القيامة)).ومعلومٌ أنَّ جهنم سوداء مظلِمة من شدَّة وطول ما أُوقد عليها، فيُضرب على ظهر جهنم يومَ القيامة الصِّراط، فيمرُّ عليه العباد، كما في قوله - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ï´¾ [مريم: 71]، ويكون لكلِّ مار مِن النور بقدْر إيمانه وعمَله، فمَن كان له نور نجا، ومَن لا نورَ له هلَك بالسقوط في جهنم - والعياذ بالله - فمِن أسباب النَّجاة: أن يكون للعبدِ نورٌ يوم القيامة؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ï´¾ [مريم: 71 - 72].وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [التحريم: 8].وقال تعالى: ï´؟ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ï´¾ [الحديد: 12 - 15].* فائدة: حديث أبي أُمامة مرفوعًا: ((مَن توضَّأ ثم أتى المسجِد فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلَس حتى يصلِّي الفجر، كُتبت له يومئذٍ صلاة في الأبرار، وكتب في وفْدِ الرحمن))؛ حديث ضعيف؛ رواه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: منكر.* تعلُّق قلب الرجل بالمسجد كبَيتِه: ففي السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجِد))، وهو في الصحيحين، وعند الطبراني والبيهقي - واللفْظ له - وحسَّنه الألباني: ((المسجد بيتُ كلِّ تقيّ، وقد ضِمن الله لمن كان المسجدُ بيتَه بالرَّوْح والراحة والجواز على الصِّراط إلى رِضوان الربِّ - عزَّ وجلَّ)).فهذا عملٌ يحبُّه الله - تعالى - مِن العبد، كما في الحديثِ الذي رواه ابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: ((ما توطَّن رجلٌ مسلم المساجدَ للصلاة والذِّكْر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهلُ الغائب بغائبِهم إذا قدِم عليهم)).* صلاةُ الرَّجُلِ تطوعًا حيثُ لا يراهُ الناسُ تعدِلُ صلاتَهُ على أعْينِ الناسِ خمسًا وعِشرينَ؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.ومِن آداب الحضور إلى المسجد:1 - الخروج إلى المسجِدِ على أحسن هيئةٍ وأطيبِ رِيح؛ فإنَّما هو متوجِّه إلى الله - تعالى - فيجب عليه أن يخرُجَ نظيفَ البَدن، طيِّب الرائحة، متجملاً في أحسن ثيابه، منفذًا قول الله تعالى: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ï´¾ [الأعراف: 31]، والمراد بالزِّينة: جميل الثِّياب؛ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "إنَّ أحقَّ مَن تُزُيِّنَ له هو الله".2 - المشي إلى المسجد في سكينة ووَقَار؛ والسكينة هي التأنِّي في الحرَكات واجتناب العبَث، والوقار هو غضُّ البصَر، وخفْض الصوت، وعدم الالتفات إلا لضرورة.3 - الذَّهاب إلى المسجد ماشيًا، والسُّنة المقاربة في الخُطوات؛ لتكثرَ خُطوات الماشي فيَزيد في الثواب.4 - عدَم التشبيك بيْن الأصابِع، لا حالَ الذَّهاب إلى المسجِد، ولا في حالة انتظار الصلاة، ولا في الصَّلاة نفْسها؛ فهو مكروه باتِّفاق أهل العِلم؛ لما في الحديث الصحيح في المسنَد عن كعْب بن عُجرة - رضي الله عنه - قال: دخَل عليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المسجدَ وقد شبكتُ بيْن أصابعي، فقال لي: ((يا كعبُ، إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبِّك بين أصابعك؛ فأنتَ في صلاة ما انتظرتَ الصلاة)).5 - تقديم الرِّجل اليُمنى عندَ الدخول؛ فعن أنس قال: مِن السُّنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برِجلك اليُمنى، وإذا خرجتَ أن تخرج برِجلك اليُسرى، وإذا دخلتَ المسجد وخلعتَ نعليك؛ فلتضعهما في المكان المخصَّص لهما، ولا تؤذِ بهما أحدًا.6 - الدُّعاء عند دخولِ المسجد؛ فقدْ كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخَل المسجد يقول: ((بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، اللهم اغفرْ لي ذُنوبي، وافتحْ لي أبواب رحمتك))، وإذا خرَج قال: ((بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله، اللهمَّ اغفرْ لي ذنوبي وافتح لي أبواب فَضْلك))؛ كما في صحيح سنن ابن ماجه.ولكن؛ لماذا طلبتَ الرحمة عندَ الدخول، والفَضْل عندَ الخروج؟! ذلك لأنَّ المصلِّي إذا دخل المسجد اشتغَل بما يقرِّبه من مولاه - تبارك وتعالى - وإلى رضوانه وجنَّاته، مِن نحو صلاة وتسبيح وتحميد، وغير ذلك مِن الذِّكر؛ فناسب ذلك ذِكر الرحمة، لكنَّه إذا خرَج من المسجد، فإنَّه في الأغلب يشتغل بطلب الرِّزق الحلال له ولِمَن يعول؛ فناسب ذِكْر الفضل.7 - إذا دخلتَ المسجد لا تجلسْ حتى تصلِّي ركعتين تحيَّة المسجد، وعلى المسلم أن يُصلي هاتين الركعتين حتى ولو كان الإمامُ يخطُب يومَ الجُمُعة، ولكن في هذه الحالة عليه أن يخفِّفهما.8 - إلقاء السلام؛ فالسلام تحيَّة الخلْق؛ ولذلك كان مِن هدْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الداخل إلى المسجد يبتدِئ برَكعتين تحيَّة المسجد، ثم يُسلِّم على القوم؛ فتكون تحيَّة المسجد قبلَ تحيَّة أهله؛ فإنَّ تلك التحية حقُّ الله - تعالى - والسلام على الخلْق حقٌّ لهم.9 - استعمال السِّواك؛ لأنَّ السواك يقوم بتنظيف الفمِ مِن الروائح الكريهة.10 - التبكير إلى المسجد، كان الأعمش - رحمه الله - مِن المحافظين على التبكير إلى الصلاة، حتى قال وكيع: اختلفتُ إليه قُرابةَ سنتين ما رأيتُه يقضي ركعةً، وكان سنُّه يقترب مِن السبعين! ومع ذلك لم تكن تفوته التكبيرة الأولى، وقال عديُّ بن حاتم - رضي الله عنه -: "ما دخَل وقت صلاة قط إلا وأنا مستعدٌّ لها، ويذكر عن سعيد بن المسيَّب - رضي الله عنه - أنَّه لم تفتْهُ تكبيرة الإحرام أربعين سَنَة!11 - المحافظة على الصلاة في الصفِّ الأول.12 - تسويةُ الصفوف؛ فمِن آداب الحضور إلى المساجِد تسويةُ الصفوف إذا أُقيمت الصلاة، وقدْ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ بتسوية الصفوف وتعديلها اهتمامًا شديدًا، ويقول كما في صحيح البخاري: ((لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم))، والمعنى - والله أعلم -: أنَّ عدم تسوية الصفوف يوقِع بينكم البغضاءَ والعداوة واختلافَ القلوب.13 - ألا يخرج من المسجد بعدَ الأذان إلا لعُذر؛ لأنَّ ذلك يعتبر إعراضًا عما يقتضيه الأذان.14 - ألا تمرَّ بين يدي المصلِّي؛ فـ: ((لو يعلم المارُّ بين يدي المصلِّي ماذا عليه، لكان أن يقِف أربعين خيرًا له من أن يمرَّ بين يديه))؛ كما روى البخاري.15 - صيانة المسجد عن الحِرَف والتكسُّب، وسائِرِ الأعمال الدنيويَّة، كالبيع والصناعة؛ لأنَّ المساجد إنما بُنيت للصلاة وذِكر الله - تبارك وتعالى - ففي صحيح سُنن الترمذي قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيتُم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أرْبحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتم مَن ينشد فيه ضالةً فقولوا: لا ردَّ الله عليك)).16 - صيانة المسجِد عن اللغو ورفْع الصوت، وعنِ الكلام والشِّعر القبيح؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ï´¾ [الحج: 32].17 - يُكرَه لمن جلس في المسجد إسنادُ ظهره إلى القِبلة؛ فمِن السنة أن يستقبل القِبلة، إلا إنْ كان عالمًا أو فقيهًا يدرِّس العلم للناس، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه رأى قومًا قد أسندوا ظهورَهم إلى القِبلة فقال لهم: لا تَحولوا بين الملائكة وبيْن صلاتها.الوسيلة السادسة عشرة: التسامُح والإعراض عنِ الجاهلين: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((فإذا كان يومُ صوم أحدِكم، فلا يرفث ولا يصخَب، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقلْ: إنِّي امرؤٌ صائم))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابه)).ولا يخدعنَّك الشيطان بأنَّ ذلك مِن الضعف؛ فليس القوي بالصُّرَعة، ولكنَّه الذي يملك نفْسه عندَ الغضب - كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم.الوسيلة السابعة عشرة: الشَّفَقة على البنات والضُّعفاء والمساكين، وإيثارهم على النَّفْس: فقد روَى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتْني مسكينة تحمِل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمرات، فأعطتْ كلَّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتْها ابنتاها، فشقَّتِ التمرة التي كانت تُريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((إنَّ الله قد أوْجَب لها بها الجَنَّة، أو أعتَقَها بها مِن النار)).وقد ترْجَم له الإمام النووي في الرِّياض تحت عنوان: "باب: ملاطفة اليتيم والبنات وسائرِ الضَّعَفَة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضُع معهم وخفْض الجَناح لهم".ويدخُل في ذلك أيضًا كفالة اليتيم ورِعايته والقيام بشؤونه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((أنا وكافِلُ اليتيم في الجنة هكذا - وأشارَ بإصبعيه السبابة والوُسْطى، وفرَّج بينهما)).اليتيم هو الصغير الفاقِد الأب؛ لأنَّ الأب هو الذي يعول الصغير، ويرْعَى شؤونه، ويقوم بتعليمه وتأديبه، وتعاليم الإسلام تحثُّ على معاملة اليتيم معاملةً حسنة؛ وذلك مراعاةً لنفسيته؛ لأنَّه لَمَّا فقَدَ أباه شعر بالحاجة الشديدة إلى مَن يقوم بحمايته، ويقوِّي عزيمته، ويشدُّ أزره، لَمَّا فقد أباه شعر بالوحشة والذلَّة والانكسار، فكان لا بدَّ من تعويضه؛ لئلاَّ ينحرف، فجاء الإسلام ليعالج هذا كله.أخي - يا بن الإسلام -: إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الجنة، فأحسِن معاملةَ اليتيم، إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، فأدْخِل السرور على قلْب يتيم، جفِّف دمعَه، امسحْ رأسه، اكْسُ بدنه، أضحِك من اليتامَى وُجوهًا، شق الحزن في خدودها أخاديد؛ ففي الحديث الصحيح في المسند أنَّ رجلاً شكَا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قسوةَ قلْبِه، فقال له: ((إنْ أردت تليينَ قلْبك، فأطعِم المسكين، وامسَحْ رأس اليتيم)).ومِن الأدَب مع الأيتام:1 - كفالة اليتيم بأن يُعطَى ما يَكفيه لحياته ومؤنته، وقد سبَق حديث ((أنا وكافِل اليتيم...)).2 - الإحسان إليه دائمًا، وتطييب خاطِره، وعدم إيذائِه.3 - المسْح على رأسه، والاحتِفاء به، والدُّعاء له.4 - إدْخال السُّرور على قلْبه بالهدايا، والثناء عليه، وغيرها.5 - حِفظ مال اليتيم؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ï´¾ [النساء: 10].6 - عدم التفاخُر بالأنساب خاصَّة في وجودِ وحضور اليتامَى؛ فالتفاخر بالأنساب إنَّما هو عادةٌ جاهليَّة، أبطلها الإسلام الحَنيف، وحرَّمها تحريمًا قاطعًا، فليس الفضلُ بالنَّسَب؛ وإنما الفضْل بالتقوى والصَّلاح، واليتيم حين يُفْتَخَرُ أمامَه بالأنساب يجِد في نفْسه ويحزن، لكنَّه لو علم أنَّ الإسلام هو أعظمُ نسَب لما حزن، فليس يتيمًا مَن استظلَّ بظلِّ الإسلام، ولجأ إلى توجيهاته فصارَ ابنَ الإسلام.الوسيلة الثامِنة عشرة: لزوم الاستغفار، خاصَّة في السَّحَر:قال تعالى: ï´؟ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ï´¾ [الأنفال: 33]، وقال تعالى: ï´؟ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾ [آل عمران: 17]، وقال تعالى: ï´؟ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ï´¾ [هود: 3]، وقال تعالى عن هود - عليه السلام -: ï´؟ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ï´¾ [هود: 52]، والآيات في الاستغفار والحثِّ عليه كثيرة كَثيرة، ورَوى أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه وأحمد عن ابنِ عُمرَ: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المجلس الواحِد مائةَ مرَّة: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنك أنتَ التوَّاب الرَّحيم))، ورَوى البيهقي وحسَّنه الألباني: ((مَن أحب أن تسرَّه صحيفتُه، فليكثرْ فيها من الاستغفار))، وعند النَّسائي وابن ماجه والبيهقي وصحَّحه الألباني: ((طُوبَى لمن وجد في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا))، وعند الترمذي: ((مَن قال: أستغفِر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأَتوب إليه، غُفِر الله له، وإنْ كان فرَّ مِن الزحف)).فالعبد لا يدْري ولا يَعلم ذنوبَه كلها، فعليه أن يُكثر مِن الاستغفار، وقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمدُ والحاكِم وحسَّنه الألباني: ((إنَّ الشيطان قال: وعِزَّتِك يا ربِّ، لا أبْرَح أُغوي عبادَك ما دامتْ أرواحُهم في أجسادِهم، فقال الرب: وعزَّتي وجلالي، لا أَزال أغفِر لهم ما استغفروني)).ومع ذلك نجِد كثيرًا مِن الناس مَن إذا قلت له: استغفِرِ الله، يقول لك: وهل عملتُ شيئًا حتى أستغفر؟! ولم يعلم هذا المسكين أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يستغفِر الله في اليوم سبعين مرَّةً - وهو الذي غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر - وفي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيُّها الناس تُوبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرة)).وهذا بالنسبة للاستغفار الخاص، أما الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا باب آخر مِن أعظم وسائلِ استثمار رمضان، بل مِن أعظم وسائل استثمار الحياة كلها؛ فقد قال تعالى: ï´؟ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الحشر: 10]، وقال تعالى: ï´؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ï´¾ [محمد: 19]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الطبرانيُّ وحَّسنه الألباني: ((مَن استغفَر للمؤمنين والمؤمنات، كُتِب له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنة حَسَنة)).فيا ليتنا نتعايش بقلوبنا مع هذا التوجيه النبوي الكريم! فنستغفر للمؤمنين والمؤمِنات، الأحياء منهم والأموات؛ لنفوزَ بهذا الأجْر العظيم، وليسخِّر الله مَن يَستغفِر لنا بعدَ موتنا.* قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((أذْنَب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفِرْ لي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أَذْنَب عبْدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يَغفِر الذنبَ ويأخُذ بالذنْب، ثم عاد فأذنْب، فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبي، فقال - تبارك وتَعالى -: عبدي أذْنبَ ذنبًا فعلِم أن َّله ربًّا يغفِر الذنب ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأَذْنب، فقال: أي ربِّ اغفر ْلي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذْنَب عبدي ذنبًا فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخُذ بالذنب، اعملْ ما شِئتَ فقدْ غفرتُ لك)).وهذا يُعدُّ مِن علامات الإيمان: أن يستشعرَ العبدُ الذنبَ ولا يصرُّ عليه، فما أن يرتكب ذنبًا إلا سارَع بالتوبة والاستغفار، ودعاء الله ومناجاته، والمبادَرة بطلب المغفرة، والنَّدم على ما جنَتْه يداه، ثم تغلبه نفسُه البشريَّة فيقع في ذنبٍ من جديد، فيسارع إلى التوبة والاستغفار وطلَب المغفرة، وهكذا.* التوبة إلى الله: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتَّى تطلُعَ الشمس من مَغرِبها))؛ رواه مسلم.فجدِّد دائمًا التوبة إلى الله مِن كلِّ ذنب؛ لتَلقَى الله نظيفًا طاهرًا مبرأً من كلِّ عيب.الوسيلة التاسعة عشرة: سؤال الله الشهادة بصدق: أخي الحبيب، يا بن الإسلام، بالله عليك: هل سألتَ الله بصِدق أن يرزُقَك الشهادة في سبيله؟! إن قلتَ: نعم، فكم مرةً في حياتك؟!إنَّ هذا الأمر لا يُكلِّفك شيئًا سوى أن تستحضرَ النيَّة الصادقة، وأن تُخلِص لله في هذا السؤال، وسوف يَرزُقك الله - تعالى - أجْرَ الشهداء، ومنازِل الشهداء، حتى وإن متَّ على فراشك.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن سَألَ الله الشهادةَ بصِدق، بلَّغه الله منازلَ الشهداء وإنْ ماتَ على فراشِه))، وفي صحيح مسلم: ((مَن طلَب الشهادةَ صادقًا، أُعطيها ولو لم تصبْه)).وأمَّا الذين رَضُوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها، ولم تتلهَّفْ قلوبهم للشهادة في سبيلِ الله، فقد أنْذَرهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسوءِ الخاتمة، فقال كما عندَ مسلِم وأحمد وأبي داود والنسائي: ((مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفْسَه بغزوٍ، مات على شُعبةٍ مِن نِفاق)).إنَّ حبَّ الشهادة في سبيلِ الله مِن قلبٍ صادِقٍ عمل قلبي، يُمكن إدراكه بمعرفة فضيلةِ الجِهاد في سبيلِ الله، ومطالعة سير المجاهِدين في سبيلِ الله عبْر تاريخ المسلمين الطويل.الوسيلة العشرون: البِراءة مِن الكبر والغُلول والدَّين: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن مات وهو بريء مِن الكِبر والغُلول والدَّين، دخَل الجَنَّة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.الوسيلة الحادية والعشرون: إنْظار المعسِر أو التجاوز عنه: فقد ذكَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((أنَّ رجلاً مات فدخَل الجنة، فقيل له: ما كنتَ تعمل؟ قال: كنتُ أُبايع الناس، فكنتُ أُنظِر المعسِر، وأتجاوز في السكَّة أو في النقْد، فغُفِر له))، والمعنى: أنه كان يتسامَح في الحقوق، ولا يشدِّد.وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تلقَّتِ الملائكة رُوحَ رجل ممَّن كان قبلكم، فقالوا: أعملتَ مِن الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أُداين الناس، فآمُر فِتياني أن يُنظِروا المعسِر، ويتجوَّزوا عن الموسِر، قال: قال الله: تجوَّزوا عنه)).وقدْ روَى مسلم والدارمي عن قتادة أنَّه طلَب غريمًا له فتوارَى عنه، ثم وجدَه، فقال: إني معسِر، قال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن سَرَّه أن يُنجيَه الله من كُرَب يوم القيامة فَلْيُنَفِّسْ عن معسِر أو يضَع عنه))، وروى الترمذيُّ وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أنْظر معسرًا أو وضَع له، أظلَّه الله يومَ القِيامة تحتَ ظلِّ عرْشه يومَ لا ظلَّ إلا ظله))، و((مَن نفَّس عن غريمهِ، أو محَا عنهُ، كان في ظلِّ العرْشِ يومَ القيامة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.وفي صحيح الترغيب، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أنظر معسِرًا، فله كلَّ يوم صدَقَة قبل أن يحلَّ الدَّين، فإذا حلَّ الدَّين فأنظرَه بعدَ ذلك، فله كلَّ يوم مِثليه صَدَقة)).وعمومًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرة))؛ رواه مسلم.الوسيلة الثانية والعشرون: الإصلاح بيْن الناس: قال تعالى: ï´؟ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 114]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الحجرات: 10]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وأبو داود والترمذيُّ ،وصحَّحه الألباني: ((ألاَ أُخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصَّلاة والصَّدَقة؟))، قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: ((إصلاح ذاتِ البَيْن؛ فإنَّ فسادَ ذات البيْن هي الحالِقة)).لقد غابتْ هذه السُّنة المباركة مِن بيْن أكثر الناس، فبدلاً مِن أن يسعَى الرجل لإصلاح ذاتِ البَيْن، إذا به يمشِي بين الناس بالنميمة؛ لإفسادِ ذات البَيْن - ولا حولَ ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.فإصلاح ذات البَيْن أمرٌ جليل؛ ولذلك أباح النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الكذِبَ في ثلاثة مواطِن، وكان مِن بينها: أن يكذب الرجلُ للإصلاح بيْن المسلمين المتخاصمين؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الكذَّاب بالذي يُصلِح بين الناس فيَنمي خيرًا ويقول خيرًا))، وفي الصحيحين: ((كل سُلامَى - عظام الأصابع في اليدِ والقدَم، وقيل: كل عظْم مجوَّف مِن صغار العظام - من الناس عليه صَدَقة، كل يوم تطلُع فيه الشمس يعدِل بيْن الاثنين - يُصلِح بينهما بالعدْل - صدَقة، ويُعين الرَّجلَ على دابته فيحمل عليها أو يرْفع عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صَدَقة، وكلُّ خُطوة يَخْطوها إلى الصلاة صَدَقة، ويُميط الأذَى عنِ الطريق صَدَقة)).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 333.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 327.53 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]