خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4416 - عددالزوار : 852440 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3947 - عددالزوار : 387750 )           »          هل لليهود تراث عريق في القدس وفلسطين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 1055 )           »          أوليــاء اللــه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          المشكلات النفسية عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          هل المديرون بحاجة للحب؟هل تحب وظيفتك ومكان عملك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          وأنت راكع وساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          لماذا تصاب المرأة بالقولون العصبي بــعد الــزواج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          لطائف تأخير إجابة الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-08-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان

خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان


الشيخ سعد الشهاوي





الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع، ويخفض ويرفع ويضر وينفع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما يمنع. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار، ويقبل الأعذار، وكل شيء عنده بمقدار، سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير:
ربي لك الحمد العظيم لذاتك
حمدًا وليس لواحد إلاَّكا

يا مدرك الأبصار والأبصار
لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكا

ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناكا

والكون مشحون بأسرار إذا
حاولْتَ تفسيرًا لها أعياكا

إن لم تكن عيني تراك فإنني
في كل شيء أستبين عُلاكا


من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المزابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا.من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,,هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، أرسله ربه رحمة للعالمين وإماماً للموحدين وقدوة للمتقين الصابرين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلفاً.اللهم اجزِه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته، وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته، وأوردنا حوضه في الآخرة. وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً:
صلى عليك الله يا علم الهدى
واستبشرت بقدومك الأيام

هتفت لك الأرواح من أشواقها
وازينت بحديثك الأقلام


العناصر:
موقف الإسلام من المخدرات بأنواعها
أسباب انتشار المخدرات بين الشباب
خطورة الإدمان على الفرد والمجتمع
سبل العلاج والوقاية من خطر الإدمان
موقف الإسلام من المخدرات بأنواعها

إن الله تبارك وتعالى قد أحل لعباده الطيبات من المآكل والمشارب، وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بوصف جميل فقال: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. فذكر الله تعالى عددًا من صفات نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قال الله عنه: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فأحلّ الله تعالى لنا الطيبات من المآكل والمشارب والملابس ومن المكاسب وغيرها، وحرم الله تعالى علينا الخبائث، وبيّن النبي - صلوات ربي وسلامه عليه - في أحاديث كثيرة التحريم العظيم في أن يتعاطى الإنسان شيئًا من المحرمات فقال عليه الصلاة والسلام: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به"، وقال - صلوات ربي وسلامه عليه - : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]. وَقَالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" ( أخرجه مسلم) "

كما نهى الإسلام عن كل ما يؤثر على العقل ويعطل دوره عن التفكير والإبداع، فعَنْ أم سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: " نَهَى رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلًّ مُسْكِرٍ ومُفْتِرٍ". أخرجه أحمد 6/ 309 قال: و"أبو داود" 3686، قال الحافظ العراقي: إسناده صحيح، وصححه السيوطي في الجامع الصغير.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.أخرجه أحمد 1/ 255(2307) و(ابن ماجة) 2337، (رواه احمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).

والمخدرات هذه السموم القاتلة، فقد ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية أنها تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتحيله بها لأفتك الأمراض، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات والإنسان سوف يسأل يوم القيامة عن عمره وشبابه وصحته، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ.أخرجه الترمذي (2416) الألباني:حسن، الصحيحة ( 946 )، التعليق الرغيب ( 1 / 76 ).ومن هنا فقد جاء تحذير الإسلام من جميع الخبائث والمحرمات، ومنها: إدمان الخمور والمخدرات والأمور المذهبة للعقل والمال والعرض.

واعلموا أيها المسلمون أنه مما حرم الله في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأجمع المسلمون على تحريمه الخمر، التي هي"أم الخبائث" والإدمان والمخدرات - بجميع أنواعها - سواء كانت نباتاً، أو حبوباً، أو مطعوماً، أو مشروباً، أو استنشاقاً، أو إبراً. أوالأفيون، المورفين، الكوديين، الهيروين، الكوكايين، الحشيش، البانجو،القات، المسهرات، المنشطات، المنومات، المهدئات، الحبوب المخدرة بجميع أنواعها: كالكبتاجون والترامادول والتامول وغيرها أو إدمان النت والفيس بوك وغير ذلك. حرمه الله وحرمه رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من الأضرار والتدمير، ولما فيها من الشر، ولما تُسبِّب لمتعاطيها من تحوله إلى إنسان شرير يُتوقَّع منه الإفساد والجريمة، ولا يُرْجى منه خيرٌ، وقد نادى عقلاء العالم بإنقاذ المجتمعات من وَيْلات المخدرات؛ لما شاهدوا من الكوارث.

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة: 90 - 92].

فالخمور والمخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في كافة المجتمعات بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت خطراً يهدد هذه المجتمعات وتنذر بالانهيار.

فالخمر والمخدرات وما كان في معناهما حرام قليله وكثيره،حتى وان لم يذهب العقل إلا بالكثير منه فقليله حرام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" سنن ابى داود.

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ " الترمذي وفي رواية:" الْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ".الترمذي

وعليه فكل ما كان مسكرا فهو حرام مهما تغيرت الاسماء ومهما تغير شكله ولونه ما بقيت فيه العلة وهى الإسكار وعن أَبى مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا "سنن ابى داود وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ ” صحيح الجامع.

لقد أطلقوا اليوم على الخمر أسماءً متعددة من باب التغطية، فكما جاء في الحديث يسمونها بغير اسمها، فسموها المشروبات الروحية، والبيرة، ومشروب الشعير، والمقويات، والمسهرات، وغير ذلك من الأسماء، وفي الحقيقة هي المدمرات!!!

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي.. ولا تشرب الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر" رواه ابن ماجه والبيهقي.

ولذلك لعنها الله تعالى ولعن كل من شارك فيها وَلَعَنَ كُلَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا؟ من قريب او من بعيد حتى لعن الله في الخمر عشرة فعن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وآكل ثمنها " [ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5091 ].

وحرم تجارتها وثمنها عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ حَرَّمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِجَارَةَ الْخَمْرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وعن ابْن عَبَّاسٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ثَمَنُ الخَمْرِ حَرَامٌ" رَوَاهُ أَحْمَد.

وعن ابْن عَبَّاسٍ رضى الله عنه قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الْخَمْرِ" رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد.


أيها الإخوة: هل رأيتم صورة المدمنين وهم ميتون أثناء أخذهم للجرعات ولم يتم اكتشافهم إلا بعد أن تعفنت أجسادهم وفاحت الروائح الكريهة منها؟ هل رأيتم تلك الصور التي نشرتها بعض وسائل الإعلام؟.شاب في الثلاثين من عمره زاد الجرعة فانفجر مخه وخرج من أنفه ووجد بعد ثلاثة أيام متعفنا في غرفته؛ أتدرون على أي حال كان؟ وُجد ساجدا! وجد ساجدا على قطعة من المخدرات وقد تحجر الدم في وجهه وصدره فأصبح وجهه أسود كأنه قطعة فحم، والروائح الكريهة العفنة تملأ أرجاء الغرفة, لا إله إلا الله! أي خاتمة سيئة؟ وأي نهاية مؤلمة؟ وأي فضيحة وعار في الدنيا والآخرة؟!.

صفات المتعاطي: يجب علينا جميعا أن نعرف ما هي صفات المتعاطي:
المسلم ينبغي أن يحذر ويعرف الأساليب التي يكتشف بها ولده إن كان يتعاطى المخدرات، فإذا رأيت ولدك كثير النوم، رأيت ولدك مضطربًا، ليس مجتمع الفكر والعقل بين يديه، يحب أن يجلس وحده دائمًا، له اتصالات مريبة، إن دخلتم عليه أقفل هاتفه، لا تقرؤوا رسائل جوالي، أنا سأخرج مع فلان وهو مع آخر، إذا كان عنده علاقات لا يريدك أن تعرف عنها أبدًا شيئًا، أو كان معه مال لا تدري من أين يحضره، عندها يجب على الأب أن يدقق في مثل ذلك، أو إذا كان الابن يسرق من أهله ويصرف المال، كل يوم تُفقد خمسمائة أو ألف أو ألفان، يُفقد ذهب أو أجهزة، ينبغي أن يكون الأب دقيقًا في مثل ذلك، وأن يكون حازمًا في التعامل مع مثل هذه المظاهر.

وإذا رأيت عينيه يغلب عليهما اللون الأحمر فشُكَّ فيه مباشرة فهذا إنسان غير عادي.

إذا رأيته يخلد إلى النوم كثيرا أو يواصل يومين أو ثلاثة وراء بعض، شك فيه مباشرة هذا إنسان غير عادي.

إذا رأيته يسرق منك أو من أمه أو من أخواته، أو يقول لك: بعت الهاتف، ويصرف المال بأسلوب غريب! ضع عندك علامة استفهام مباشرة!.إذا رأيته يغيب عن البيت فسألته: كنت مع من؟ ذهبت مع من؟ ويكذب كثيرا، ضع علامة استفهام مباشرة؟.

إذا رأيته يضحك أحيانا من غير سبب، هكذا يضحك، كأنه خفيف العقل، شك فيه مباشرة.

فمتعاطي الحشيش، الماربجوانا، وما شابه ذلك يظهر عليه صفات لا بد على الآباء وعلى كل ناصح سواء أكان أبا أو غير أب، أن يلاحظها، ادخل اليوم إلى الانترنت واقرأ: ما هي صفات متعاطي الهيروين؟ ما هي صفات متعاطي الحشيش؟ ما هي صفات متعاطي الحبوب المخدرة؟ ما هي صفاته؟ اقرأ حتى لا تصطدم يوما من الأيام بأن أحدا من أحبتك يتعاطها.

ولا يقولن قائل: أنا والله سليم من ذلك وولدي عاقل، أنا لا أتهم ابني ولا ابنك، لا أتهم، لكن؛ مِن مَأمَنِهِ يُؤتَي الحذِر! ما يمنع أن تكتسب معلومات؟ اقرأ، تعلم، اكتسب معلومات، ما هي صفات متعاطي الحشيش؟ ما هي صفات متعاطي الحبوب؟ وهو أكثر شيء منتشر؟
يا مَن سألتُم عن الإدمان قصَّتُه
تُدمي القلوبَ وفيها الخوف والرَّهَبُ

لا تسألوني! فحَدُّ السيفِ منصلتٌ
والخمر تُحدث ما لا يحدث العنب

لا تسألوني! فإن النار موقدةٌ
وإن عقلي ووجداني لها حطَب

أمي تخاطب في قلبي أمومتها
فما ترى غير جفن ماله سبب

يدور في القلب طاحون الشقاء فما
للنوم حينئذ في مقلتي أَرَب

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-08-2020, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان

طورا أثرثر حتى تشتكى شفتي
وتارة في مَجَلِّ القول أقتضب

أبي يراقبني والطرف منكسرٌ
أمي تراقبني والدمع ينسكب

ما عدتُّ كالأمس إشراقاً ولا أملا
وكيف يشرق مَن في قلبه لهب؟

أبي يسائلني عمَّا بُليتُ به
وقد تمكَّن من وجدانه الغضب

متى؟ وكيف جرى هذا؟ أما نفَعَتْ
فيك النصائح والتهذيب والأدب؟

نشرته ولدي في جو أسرتنا
حكاية في مداها يكثر الشغب

أيها الآباء والأبناء: هذه الصور تغني عن آلاف الكلمات وعشرات الخطب والمواعظ، إنها صور من الواقع لمن كان له قلب، إنها صور تحكي حالة إنسان يوم يصبح ألعوبة للشيطان، إنها صرخات في أذن كل عقل: إن الوقاية خير من العلاج، وإن الإيمان حصن من الشيطان.

أسباب انتشار المخدرات بين الشباب:
من أهم أسباب انتشار المخدرات الجهل فكان العربي في الجاهلية يعتقد أن الخمر تجعل المرء يعيش في عالم من الخيالات الحالمة التي ينسى بها فقره وألمه وأحزانه، وهو لعمري وهم كبير ولذة عاجلة وكان المشركون في الجاهلية يعاقرون الخمر ويشربونها شرب المُغْرَمِ بها حتى الموت، لأنها تنسيهم الواقع المرير وتجعلهم في غفلة دائمة.

وقال أبو محجن الثقفي:
إذا مت فادفنيّ إلى جنب كرمة * تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف * إذا متّ أن لا أذوقها

ولم يكن ذلك دأب العرب كلهم فقد كان منهم حكماء حلماء يرون أن الخمر تذهب العقل والشرف والمروءة.

سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي

وهذا قصيّ بن كلاب - يروي أنه لما احتُضر قال لأولاده: اجتنبوا الخمرة، فإنها لا تصلح الأبدان بل تفسد الأذهان. وقال عثمان بن مظعون: لا أشرب شيئا يُذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد. وقيل للعباس بن مرداس لم تركت الشراب؟ فقال: (أكره أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم).

لقد كان بعضُ أهل الجاهلية يَمْتنع عن المسكرات؛ لما ظهر له من خطرها وأثرها، هذا أحدُهم كان شرَّابًا للخمر، مولعًا بها، وذات يوم سكر، فغَمَز مؤخِّرةَ ابنته، وهو سكران، وشتم والديه، وأعطى الخمارَ مالاً كثيرًا، فلمَّا أفاقَ وأخبروه بما فَعَل؛ حرَّمها على نفسه، وقال:
رَأَيْتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا
خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا

فَلا وَاللهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا
وَلا أَشْفِي بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا

وَلا أُعْطِي بِهَا ثَمَنًا حَيَاتِي
وَلا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا

فَإِنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا
وَتَجْنِيهِمْ مِنَ الأَمْرِ العَظِيمَا


وممّن حرّمها في الجاهليّة أيضاً: قيس بن عاصم، وذلك أنّه سكر ذات ليلة فقام لابنته أو لأخته، فهربت منه، فلمّا أصبح سأل عنها فقيل له: أوما علمت ما صنعت البارحة، فأخبر القصّة، فحرّم الخمر على نفسه.

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أصدقاء السوء فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من ثمانين بالمائة من الشباب الذين يتعاطون المخدرات كان وراءهم رفقاء السوء وإذا جلَستُ مع عشرات التائبين، وقرأت قصص النادمين، وحسرات المدمنين، تجدهم - بلا استثناء - يجمعوا على أن السبب الأول في الوقوع في الهاوية هم جلساء السوء، لكنهم عرفوا بعد فوات الأوان. كم من الشباب الذين أدمنوا ولم يجدوا مالا لشراء المخدر فكان الثمن أن يحضر للبائع كل يوم مجموعة من زملائه في المدرسة كزبائن! وهذه هي خطوات الشيطان، من مجرد تسلية إلى متعاطٍ إلى مروِّج، والثمن فلذات الأكباد،فليحذر الإنسان من رفاق السوء من أن يصاحبهم.
لا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ

يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إِذَا مَا الْمَرْءُ مَاشَاهُ
وَلِلشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ


فالإنسان إذا خالط أمثال هؤلاء لم يقولوا: تعالوا نصلي، قم نصلي الوتر، قم نصلي صلاة الليل، تعال نتصدق، تعال نحضر درسًا، كلا، بل يحاولون أن يبحثوا عما يسلون به وقتهم، وربما أوقعوه في أنواع من هذه المخدرات لذلك فإني أوصيك أخي الشاب بتقوى الله، واختيار الصديق العاقل، ومجالسة الصالحين.

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أيضا: الظن أن الخمور والمخدرات تزيد الباءة والنشاط الجنسي، ويكفي أن أقول: إنه ثبت طبيا أن المتعاطي تنخفض لديه إفرازات الغدة النخاعية من الهرمونات المنمية للغدة التناسلية، مما يفقده الرغبة في الجنس، بل ربما أصيب بالعنة وفقدان الباءة، والعاقل يعلم الضعف والهزال والقلق الذي يتصف به المتعاطي والعياذ بالله!.

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات:إهمال الوالدين، وسوء التربية، ومن أراد الدليل على إهمال بعض الآباء فلينظر إلى بعض الشباب وهم في الشوارع والأرصفة إلى ساعات متأخرة من الليل فترى أطفالا دون العاشرة وقد سهروا حتى صلاة الفجر، ويقطعون الشوارع على أقدامهم طولا وعرضا بدون حسيب ولا رقيب! إن ذلك الأب الذي يغيب عن أبنائه طويلاً، ولا يتابعهم في ذهابهم وإيابهم، ولا يدري مع من يمشون ويصاحبون ويجيئون ويغدون، لا يلومَنَّ إلا نفسه يوم يقع أحد أبنائه - لا قدَّر الله - في مصيبة إدمان المخدرات وتعاطيها؛ لأنه سبب رئيس يوم أهمل أولاده وأهمل متابعتهم ومراقبتهم حتى حصل ما حصل.

وحين يتعلم المراهق التدخين، وهو بداية الطريق، فالأنامل التي اعتادت على سيجارة التدخين لا تصعب عليها سيجارة الحشيش! وهكذا تبدأ النهاية!.فأين آباء وأمهات هؤلاء؟ أين الحب والحنان؟!شباب وفتيات تربية أسواق وقنوات، وغناء ومجلات، إنه عقوق للأبناء والبنات، وكما تدين تدان، فتربية الأولاد مسؤولية وأمانة عظيمة.

إن أول واجب يقع على الأسرة، على كاهل الأب والأم والإخوة في مراقبة الأولاد، ومتابعتهم وتربيتهم منذ الصغر على كراهة هذه القاذورات، ومحاربة هذه المنكرات، وبيان شرور هذه السموم، وآثارها المدمرة منذ الصغر، وتحذيرهم، وبيان آثار أولئك الأشرار في ترويج هذه المخدرات وإيقاع الناس في شركها وفي آثارها.

ولهذا فلْيتق اللهَ الآباءُ في القيام بهذه المهمة العظيمة، وليستحضروا قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، ويستحضروا قول النبي صلى الله علي وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وليهتم الآباء بمراقبة أبنائهم ومتابعتهم، وليحرصوا على القيام بهذه الأمانة والمسؤولية، فسيسألهم ربهم ويحاسبهم يوم القدوم عليه على هذه الأمانة أمانة تربية الأولاد والأبناء، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. ليلهج الإباء وليتضرعوا بالدعاء إلى الله عز وجل بأن يحفظ أبناءهم وذريتهم من الوقوع في هذه الشرور والآفات، وليسدوا كل باب يمكن أن يتطرق إليه الفساد إلى أبنائهم وأخلاقهم وسلوكهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات: المشاكل الأسرية، والتي قد تنتهي بالطلاق، ثم يتزوج الأب وتتزوج الأم ويتركوا الأولاد لا يجدون من يرعاهم ومن يهتم بهم وينقسم البيت إلى فريقين! فيبقى الأبناء بتردٍّ وصراع نفسي، هل ينضمون لفريق الأم، أو لفريق الأب؟ مما يؤدي إلى تفكك الأسرة، ومن ثم الفرار إلى الخمور والمخدرات ملاذا ومهربا من ضغط المشاكل الأسرية.

فيا أيها الأبوان! احذرا الخلاف والنقاش أمام الأولاد؛ فإن له آثارا نفسية سلبية، إياكم والتفكك الأسري، فإن عدد كبير ممن وقع في الإدمان كان بسبب تفكك أسري عندهم من طلاق بين أبويهم،وغيره، فليحذر الإنسان من مثل ذلك، ويحذر من أن يقع فيه.

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أيضا:: الْهُرُوبُ مِنَ الْوَاقِعِ السَّيِّئِ، وَمِنْ مشاكل الحياة ومَصَائِبِ الدُّنْيَا وَهمومها، كفقد الأهل والأحباب، أو الفشل في العمل أو الزواج، أو الدراسة أو المرض أو الْفَقْرِ والحاجة للمال، وَتَرَاكُمِ الدُّيُونِ، وَضِيقِ الْعَيْشِ، وغيرها من مشاكل الدنيا فيصاب الإنسان بالإحباط واليأس، ولا يجد ملاذا سوى الخمور والمخدرات فَيَظُنُّ هَذَا الْمِسْكِينُ أَنَّ سَبِيلَ الْمُخَدِّرَاتِ يُخَفِّفُ عَنْهُ هَذِهِ الْمُعَانَاةَ الْجَاثِمَةَ عَلَى صَدْرِهِ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهَا نَفَقٌ مُظْلِمٌ، وَنِهَايَةٌ سَوْدَاءُ مَأْسَاوِيَّةٌ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ ولو تدبر آية واحدة في القرآن لكفته؛ وهي قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران:101].

ومن أهم أسباب انتشار المخدرات أيضا: وسائل الإعلام، والكلام عنها يطول، وباختصار: وسائل الإعلام تلعب دورا مهما في الترويج للمخدرات وللأسف!، وخاصة الغربية منها، وذلك بنشر المستوى الفكري والأخلاقي الهابط، وبإبعاد الشباب عن الدين، وبالإثارة الجنسية، وجعل من يسمون بالفنانين نجوما وكواكب يقتدى بهم، ليقلدهم الشباب، وبعضهم مصابون بداء شرب الخمور وإدمان المخدرات!. والأدهى من ذلك أن بعضهم قد وصل به الأمر إلى الترويج لها، وإدارة أماكن لاستخدامها، وكم كتبت الصحف عن الفضائح والعفن الفني، وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط: حكاية الفنانين مع الهيروين والكوكايين، وأنها أصبحت الشغل الشاغل للصحافة الفنية وغير الفنية في مصر، وفي غيرها من البلاد العربية.

وكم هي المشاهد للمهربين والمتعاطين والمدمنين والتي تستمرئها عيون أولادنا، والتي تجعل من هؤلاء طوال ساعات(الفيلم) أبطالا يحتالون ويسخرون برجال الأمن، حتى إذا لم يبق على نهاية(الفيلم) سوى خمس دقائق فربما قبض عليهم، وربما انتهى بانتصارهم! فأي أثر تتركه أمثال هذه المشاهد وما فيها من مغامرات على الشباب المراهق المغامر؟.

وأستطيع أن أقول باطمئنان أن كثيرا من وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز وسينما وفيديو تقوم بدور رهيب، لإشاعة الفاحشة، وللإغراء بالجريمة بكل صورها، وأشكالها ويكفى ذلك أن تراجع الإحصائيات الدقيقة لهذه الوسائل لتتعرف على صدق ذلك: فليس هذا الكلام للإثارة أبداً.‍فكم عدد الأفلام التي تعرض للعوالم والراقصات؟‍‍ ‍‍‍‍‍وكم عدد الأفلام التي تعرض لتصور الفاحشة والانحراف والشذوذ؟‍وكم عدد الأفلام التي تعرض لتعلم أبناءنا الجريمة والانحراف والفهلوة وشرب الخمر؟وكم عدد الصور التي تلصق يوميا بالأحجام الكبيرة بالألوان على الجدران للساقطين والساقطات للعزف على وتر الجنس وإثارة الشهوات الكامنة والغرائز الهاجعة؟ ‍وكم عدد المجلات الهابطة والأشرطة الساقطة التي تحطم الأخلاق وتدمر الفضيلة.؟!فماذا تنتظرون بعد ذلك يا سادة من شباب يقتله الفراغ الديني والذهني. وهو يسمع ويرى ما يحول العُباد الزهاد إلى فساق فجار. ومع عجزه أن يُحصَّل شيئا لا يجد أمامه سوى بحر من الأوهام والأحلام الخادعة والذي يتمثل في الاتجار بالمخدرات أو تعاطيها.

وأخيرا؛ فإن من أهم وأعظم أسباب انتشار المخدرات أيضا:ضعف الإيمان، وانعدام الخوف من الله، أو ما يسميه أهل التربية ضعف الوازع الديني، وقد قلتها مرارا: إن ضياع الإيمان سبب للإدمان

خطورة الإدمان على الفرد والمجتمع:
لا يخفى على أدنى عاقل ما تحدثه ظاهرة الإدمان من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع، وقد ذكر العلماء والباحثون قديماً وحديثاً أضراراً كثيرة لهذه المواد المدمنة، بل أفردها بعضهم بالتصنيف.ولهذا قال ابن حجر الهيتمي - بعد أن ذكر الحشيشة والمخدرات - : " وفي أكلها مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية " ثم ذكر بعض مضارها.

أولا خطورة الإدمان في الدنيا:
أضرار المخدرات ومفاسدها كثيرة؛ منها ما عرفه الناس، ومنها ما لم يُعرف بعد فشرب الخمور والمخدرات كبيرة من كبائر الذنوب.. فهي أم الخبائث.. ومفتاح كل شر.. تغتال العقل.. تستنزف المال.. تصدع الرأس.. كريهة المذاق.. رجس من عمل الشيطان؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس.. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، تدعو إلى الزنا، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، المخدرات تذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة.. وتلحق شاربها بالمجانين.. تهتك الأستار.. تظهر الأسرار.. تدل على العورات.. تهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم.. تخرج من القلب تعظيم المحارم.. ومدمنها كعابد صنم.

المخدرات: كم هيجت من حرب؟.. وأفقرت من غني؟.. وذلت من عزيز؟.. ووضعت من شريف؟.. وسلبت من نعمة؟.. وجلبت من نقمة؟.. وكم فرقت الخمور والمخدرات بين رجل وزوجته؟.. فذهبت بقلبه وراحت بلبّه. وكم أورثت من حسرة أو جرّت من عبرة؟.. وكم أغلقت الخمور والمخدرات في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر؟

المخدرات كم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟ المخدرات كم جرّت على شاربها من محنة، وأدخلته في فتنة؟ فهي جماع الإثم ومفتاح الشر، وسلاّبة النعم، وجلاَّبة النقم.

الأضرار الصحية للخمور والمخدرات:
وأَضْرَارُ الْخَمْرِ والمخدرات والمسكرات عَلَى الصِّحَّةِ الْبَدَنِيَّةِ؛ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُظْهَر، فَالْخَمْرُ يَفْتِكُ بِالْجِسْمِ فَتْكَ الْمُخَدِّرَاتِ بَلْ أَشَدُّ، حَيْثُ يَمْتَدُّ تَأْثِيرُهُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ، وَتَتَرَكَّزُ مُعْظَمُ التَّأْثِيرَاتِ فِي الْجِهَازِ الْعَصَبِّيِّ، فَيُفْقِدُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّوَازُنِ، وَتُؤَثِّرُ عَلَى مَرْكَزِ التَّنَفُّسِ فِي الْمُخِّ، وَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْمَوْتِ. وَالْخَمْرُ يُسَبِّبُ سَرَطَانَ الْمَرِّيء، وَيُؤَثِّرُ عَلَى الْمَعِدَةِ، فَيُسَبِّبُ احْتِقَانَ الْغِشَاءِ الْمُخَاطِيِّ، وَزِيَادَةَ إِفْرَازِ الأَحْمَاضِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الإِصَابَةِ بِتَقَرُّحَاتٍ مُزْمِنَةٍ مِمَّا قَدْ يُسَبِّبُ فِي النِّهَايَةِ سَرَطَانَ الْمَعِدَةِ، وَعُسْرَ الامْتِصَاصِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَمْعَاءِ، وَاضْطِرَابَاتٍ فِي حَرَكَتِهَا. وَالأَثَرُ الأَكْثَرُ خُطُورَةً عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُ الْمُسْكِرَ نَجِدُهُ فِي الْكَبِدِ حَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى تَسَمُّمِ الْكَبِدِ وَتَضَخُّمِهَا، والتهاب الكبد وتليفه؛ وتعطل وظائف الكلى، وتسبب الفشل الكلوي؛ وسرطان الرئة؛ وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ، حَيْثُ يَظْهَرُ تَأْثِيرُ الْكُحُولِ عَلَى عَضَلَةِ الْقَلْبِ، وَيُؤَدِّي إِلَى اعْتِلَالِهَا، وَيُؤَثِّرُ عَلَى قُدْرَةِ الْقَلْبِ عَلَى الانْقِبَاضِ، وَيُؤَثِّرُ عَلَى الْخَوَاصِ الْكَهْرَبَائِيِّةِ لِلْقَلْبِ، وَيُؤَدِّي تَنَاوُلُ الْكُحُولِ إِلَى اضْطِرَابَاتٍ فِي نُظُمِ الْقَلْبِ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا مُمِيتَاً، وَيَنْتُجُ عَنْهَا مَوْتٌ مُفَاجِئٌ عِنْدَ شَارِبِي الْخَمْرِ. فَهَذِهِ بَعْضُ آثَارِهِ عَلَى الصِّحْةِ، وَبَعْضُ الْمَخْذُولِينَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَجْلِبُ لَهُ السَّعَادَةَ وَالانْبِسَاطَ، وَمَا عَرَفَ أَنَّهُ يَقُودُهُ إَلَى الهَلاكِ والانْحِطَاط!.

وتسبب مرض السل؛ تفسد المعدة؛ تفقد الشهية للطعام؛ تسبب جحوظ العينين؛ تسبب في إسراع الهرم؛ تعوق دورة الدم، وقد توقفها أحياناً، فيموت السكران؛ وبالنسبة للنساء يكون أطفالهن معوقين في الغالب، ومنهم من يموت في بطن أمه بسبب السموم التي تنتقل إليه. كما أنها تضعف القدرة العقلية، حيث ينتهي تعاطيها إلى الجنون؛ كما تضعف المناعة لدى الجسم، مما يجعله عرضة للأمراض، وخصوصاً الفتاكة؛ كما تسبب تليف خلايا الدماغ؛ وتسبب هبوط القلب؛ كما تؤثر القات تأثيراً كبيراً، فيحطم الأضراس، ويهيج البواسير.

وقد دُعي أحد الأطباء لإلقاء محاضرة في مركز للمدمنين عن أضرار الخمر فأحضر معه حوضان زجاجيان: ‏الأول فيه ماء، والثاني فيه خمر ووضع دودة في ‏الماء فسبحت، ثم وضعها في الخمر ‏فتحللت وذابت حينها نظر إلى المدمنين سائلاً: هل وصلت الرسالة؟!فكان الجواب نعم!

الأضرار النفسية والعقلية: - تورث الخمور والمخدرات كثيرا من الأضرار النفسية والعقلية منها: القلق والاكتئاب؛ والتوتر العصبي والنفسي؛ والهلاوس السمعية والبصرية والحسية كسماع أصوات أو رؤية أشباح لا وجود لها؛ كما أنها تولد البلادة أو ضعف الإدراك والتركيز، واضطراب الذاكرة وكثرة النسيان، وقد يصاب المدمن في بعض الحالات بفقدان الذاكرة أو الجنون؛ وضعف الاستجابة للمؤثرات الخارجية؛ وسوء تقدير الزمان والمكان وتقدير المسافات والسرعة؛ والانطواء والعزلة، والشعور بالإحباط؛ وانفصام الشخصية.

وقد سجلت حوادث كثيرة بسبب تأثير المخدرات على العقل والإدراك، نذكر فيما يلي طرفاً منها:
دخلت فتاة جامعية إحدى المستشفيات في ولاية كاليفورنيا وهي تصرخ: إنني أخرج من جلدي الأفعى، ثم أصيبت بالجنون بعد أيام.

صعد طالب إلى برج إحدى الكنائس وألقى بنفسه في الهواء محاولاً الطيران في الجو فمات.

اقتحم أحد الطلبة منزل زميلة له وقتلها، ثم خرج يصيح: لقد قتلت الوحش، لقد مات التنين، وراح يطلق النار على شبح يتخيل وجوده، وعندما ألقي القبض عليه قفز إلى النهر ومات!!

شاب في أمريكا تناول المهلوسات، وكان بين مجموعة من أصدقائه فقال لهم: أن الحائط يتجه نحوي، وما كان منه إلا أن رمى نفسه من الطابق الرابع والعشرين فسقط قتيلاً!!

شاب ألقى نفسه تحت عجلات القطار؛ فلما أنقذه الناس من تحت عجلات القطار قال: لقد أصبحت شخصين نتحدث إلى بعضنا البعض، وقذفني نصفي الثاني تحت عجلات القطار!!

ألقت سيدة مدمنة بطفلتها الرضيعة على الأرض، بسبب ظنها أن الطفلة تحولت إلى قطة تمتص ثديها!!

وغير ذلك كثير من الحوادث التي كانت بسبب الخمر والمخدرات!! ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [ هود: 101]

الأضرار الاجتماعية:
هناك عدة أضرار اجتماعية للخمر والمخدرات منها:
هتك أعراض البيوت: فكم أوقعت المخدرات من أسر في بحار الفضيحة والعار، وكم هتكت للبيوت من أستار، يحتاج الأب لمخدر فيبيع بيته، وسيارته، وأثاثه، ثم يفتقر، فلا يجد شيئاً يبيعه غير عرض زوجته أو ابنته، هكذا هي الوقائع والأحداث اليوم والتي تجري على مسرح الحياة الحقيقية، فهي مصائب ومفتن ومحن، وبلاياً ورزاياً حطت على الأمة، بسبب المخدرات!!

فالخمور والمسكرات والمخدرات، تفسد العقل ولقد رأى أبو بكر الصديق رجلا يبول في فم رجلٍ آخر وهو يقول له: زدني، زدني! وروى القرطبي رحمه الله في تفسيره: أن أحد السكارى جعل يبول، ويأخذ بوله بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين!!

ولما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، وصدق رضي الله عنه، فكم هي الأعراض التي انتهكت وبيعت بسبب شربة خمر، أو جرعة هروين، أو حبة مخدر!!!

ومنها: تشريد الأبناء وتفكك الأسرة: فكم من أسر تدهورت أحوالها، وانقلبت رأساً على عقب، فتبدلت الفرحة إلى حزن، والألفة إلى نفرة، والمحبة إلى عداوة، مل ذلك بسبب تعاط المخدرات، واستعمال الحشيش والقات، وغيرها من أنواع السموم المحرمات، كم من أسرة عم الخراب جدرانها، ومزق التوتر أهلها، وتفرق أبناؤها، وتشتت بناتها، فهرب الأبناء من الأب المدمن، وهجرت الزوجة فراش المجرم، ترك الأبناء بيتهم نجاة من أبيهم، فوقعوا ضحية أصحاب السوء، وأهل الفساد، وتلقفتهم أيدي العابثين بالأعراض، وضاعت الأم بسبب عدم تحملها لأعباء الأسرة، وكثرة المشاكل والقلاقل، فكانت ضحية هي الأخرى.

ومن اضرار الإدمان كثرة الحوادث وارتكاب الموبقات: فقد أثبتت الإحصاءات أن:
1 - ثلث عدد الحوادث في الانتحار ومحاولاته تكون بين المدمنين.
2 - أن 13 - 72 % من حوادث الاغتصاب سببها المخدرات.
3 - أن 13 - 50 % من حوادث القتل سببها المخدرات.
4 - في استراليا أكثر من 50 %من الجرائم سببها المخدرات.
5 - ثلثي وفيات حوادث الطرق بسبب المخدرات. ونسبة كبيرة من الحوادث تقع بسبب تعاطي المخدرات والمسكرات، مما يؤثر على أمن وسلامة الناس في الطرقات، وفي دراسة أجريت بفرنسا تبين أن 90% من حوادث السيارات تنجم عن تعاطي الخمور.

و أخرج عبد الرزاق في مصنفه أن عثمان بن عفان خطب الناس فقال: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إن رجلاً ممن كان قبلكم، كان يتعبد ويعتزل النساء، فعلقته امرأة غاوية، فأرسلت إليه أني أريد أن أشهدك بشهادة، فانطلق مع جاريتها، فجعل كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة، وعندها باطية فيها خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو لتشرب من هذا الخمر كأساً، أو لتقتل هذا الغلام، وإلا صحت بك وفضحتك، فلما أن رأى أن ليس بد من بعض ما قالت، قال: اسقيني من هذا الخمر كأساً - ففي ظنه أن الخمر أهونها مصيبة، وأقلها ضرراً - فسقته، فقال: زيديني كأساً، فشرب فسكر، فقتل الغلام، ووقع على المرأة، فاجتنبوا الخمر، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه " [ المصنف 9 / 236 ]، فانظروا عاقبة شرب الخمر، أوقعت في قتل النفس المعصومة، وتسببت في الوقوع في الفاحشة والرذيلة، فيالها من عاقبة وخيمة، ونهاية مؤلمة لمن ألف الخمر وشربها، والمخدرات وتعاطيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفساً، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر، لم يمتنع من شيء أرادوه منه " [ أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2695 ].

وكم من شارب للخمر ومتعاط للمخدرات قد وقع فيما هو أعظم وأخطر من مجرد الشرب أو التعاطي، من قتل للأنفس البريئة بلا قصد، أو قتل متعمد، أو حادث مروري بسبب التعاطي، أو حتى قتل لنفسه، فالمخدرات تؤدي إلى الهلاك والدمار، والخزي والعار، وتوصل إلى دار البوار، شارب الخمر لا محالة سيفقد عقله، ومن فقد عقله بيده، وباختياره فهو مؤاخذ بأفعاله وأقواله.

وكم من الناس اليوم من إذا شرب الخمر، قام يتخبط في بيته كالمجنون والمعتوه، يضرب هذا، ويكسر ذاك، ويترنح تارة، ويهدد أخرى، ولو صوروه وهو على تلك الحال، ثم رأى نفسه بعد أن يفيق، فإني أجزم أنه لو رأى نفسه البهيمية على تلك الحال المزرية، حتماً ولا بد أنه سيتوب إلى الله، ويندم أشد الندم وأنى له ذلك.

عدم قبول توبة المصر على شرب الخمر والمخدرات: عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ قِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ قَالَ نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ " [ أخرجه الترمذي، وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب والترهيب 2 / 606 ].

قال الألباني رحمه الله: " وفي هذا الحديث نرى عدم قبول توبة شارب الخمر والمخدرات، لأن توبته ليست صادقة، بدليل نقضه لها كل تلك المرات، وتعمده في ارتكاب هذا الفعل المشين، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾ [آل عمران: 90]. فمن تعمد المعصية، واقتراف الذنب مع علمه بتحريمه، فهو على خطر عظيم، وهو تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، فليحذر من سولت نفسه الإقدام على مثل تلك الأفعال القبيحة، والأعمال الشنيعة، فعاقبة أمرها خسراً، ونهايتها وبالاً.

لكن لو تاب شارب الخمر منها بصدق، فالله يقبل التوبة، ويشرب من خمر الآخرة بإذن الله تعالى يوم القيامة، ويشهد لذلك ما رواه ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ " [ أخرجه مسلم ].

نفي النبي صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عن شارب الخمر ومتعاطي المخدرات:
لقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عمن يتعاطى الخمر والمسكرات والمخدرات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له ].

فالمؤمن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، يعلم علم يقين أن الخمر حرام فليحذر منها هي والمخدرات فهي أساس الشرور، ومفتاح كل بلاء، ومن شربها ضارباً بنواهي القرآن والسنة عرض الحائط، فهذا مكذب بالله واليوم الآخر وهو على خطر عظيم، ولقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر " [ أخرجه الطبراني وهو صحيح لغيره، الترغيب والترهيب 2 / 598 ].

الخَسْفٌ والَمَسْخٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: " إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ " [ أخرجه الترمذي وهو حديث حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 605 ]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَبِيتَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، بِاسْتِحْلَالِهِمُ الْمَحَارِمَ وَالْقَيْنَاتِ، وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ، وَأَكْلِهِمُ الرِّبَا، وَلُبْسِهِمُ الْحَرِيرَ " [ أخرجه أحمد وهو حديث حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604 ]، وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ " [ أخرجه ابن ماجة وابن حبان بهذا اللفظ، وهو حديث صحيح لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604 ].

ألا يخشى شارب الخمر، أن يمسي إنساناً ثم يصبح حيواناً، أليس الله بقادر على كل شيء؟ أليس الله بقادر على تعذيب من عصاه؟ بلى إنه على كل شيء قدير، ولكنه يمهل ولا يهمل.فيا من تشرب الخمر إنك تعصي من خلقك، إنك تضاد من أوجدك، أتقدر على مواجهة جبار السموات والأرض.ألا تتقي الله، ألا تخاف من الله، ألا تستحيي من الله، وهو معك يسمعك، ويراك حيث نهاك.

شارب الخمر ملعون فالْخَمْرُ لَعَنَهَا اللهُ، وَلَعَنَ كُلَّ مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا؟ حتى لعن الله في الخمر عشرة فعن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وآكل ثمنها " [ أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5091 ].

مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ"
لقد قرن الله تعالى شرب الخمر بالشرك بالله تعالى و بالأنصاب - وهي الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية ولعب الميسر، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90فلما نزلت هذه الآية الكريمة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام؟ بُعداً لك وسحقاً، فتركها الناس. [ تفسير المنار 7 / 42 ].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ " [ أخرجه أحمد واللفظ له، وابن ماجة وابن حبان، وقال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 600 ]، وقال صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر صباحاً كان كالمشرك بالله حتى يمسي، وكذلك إن شربها ليلاً حتى يصبح... " [ مصنف عبد الرزاق 9 / 239 ]، وما يدريك يا شارب الخمر، ويا متعاطي المخدرات إن شربتها ليلاً أتصبح، وإن شربتها صباحاً أتمسي، فاحذر من أن تلقى الله وفي مثانيك وجسدك منها شيء، فتلقى الله وهو عليك غضبان، فشارب الخمر المصر على شربها كمن أشرك بالله.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-08-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة عن حكمة الإسلام في تحريم المخدرات والإدمان



وقرن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، تعاطي الخمور والمخدرات بالشرك بالله تعالى، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حُرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حُرمت الخمر، وجُعلت عِدْلاً للشرك " [ أخرجه الطبراني وصححه الألباني. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 602 ]، وأخرج النسائي في سننه وصححه الألباني من حديث أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " مَا أُبَالِي شَرِبْتُ الْخَمْرَ، أَوْ عَبَدْتُ هَذِهِ السَّارِيَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " [ صحيح الترغيب والترهيب 2 / 600 ]، فهو رضي الله عنه يشبه شرب الخمر بعبادة العمود والجدار من دون الله عز وجل، ولقد فهم الصحابة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم نفهمه نحن، فهم أعرف الناس بالحلال والحرام، وهم أفهم الناس بمقصد الكتاب والسنة، وكذلك التابعين لهم بإحسان، وهكذا العلماء من هذه الأمة، ولهذا قرنوا شرب الخمور وتعاطي المسكرات والمخدرات بالشرك بالله تعالى، قال مسروق بن الأجدع: " شارب الخمر كعابد وثن، وشارب الخمر كعابد اللات والعزى " [ مصنف عبد الرزاق 9 / 237 ]،

سبب لسوء الخاتمة وحجب شهادة التوحيد عنه عند الموت. عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَضَرَ عِنْدَ تِلْمِيذٍ لَهُ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَجَعَلَ يُلَقِّنُهُ الشَّهَادَةَ وَلِسَانُهُ لَا يَنْطِقُ بِهَا فَكَرَّرَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أَقُولُهَا وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ الْفُضَيْلُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَبْكِي ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فِي مَنَامِهِ وَهُوَ يُسْحَبُ بِهِ فِي النَّارِ فَقَالَ لَهُ يَا مِسْكِينُ بِمَ نُزِعَتْ مِنْك الْمَعْرِفَةُ؟ فَقَالَ: يَا أُسْتَاذُ كَانَ بِي عِلَّةٌ فَأَتَيْت بَعْضَ الْأَطِبَّاءِ فَقَالَ لِي تَشْرَبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدَحًا مِنْ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَبْقَ بِك عِلَّتُكَ فَكُنْتُ أَشْرَبُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ؛ لِأَجْلِ التَّدَاوِي) فَهَذَا حَالُ مَنْ شَرِبَهَا لِلتَّدَاوِي فَكَيْفَ حَالُ مَنْ يَشْرَبُهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ. الذهبي: الكبائر 80.

خطورة الإدمان في الآخرة:
يعذب المدمن في قبره رَوَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَنَّ الْعَوَّامَ بْنَ حَوْشَبَ قَالَ: نَزَلْت مَرَّةً حَيًّا وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ الْحَيِّ مَقْبَرَةٌ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ انْشَقَّ مِنْهَا قَبْرٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ رَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَجَسَدُهُ جَسَدُ إنْسَانٍ فَنَهَقَ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ انْطَبَقَ عَلَيْهِ الْقَبْرُ، فَإِذَا عَجُوزٌ تَغْزِلُ شَعْرًا أَوْ صُوفًا فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: تَرِي تِلْكَ الْعَجُوزَ؟ قُلْت: مَا لَهَا؟ قَالَتْ تِلْكَ أُمُّ هَذَا، قُلْت وَمَا كَانَ قَضِيَّتُهُ؟ قَالَتْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَإِذَا رَاحَ تَقُولُ لَهُ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ إلَى مَتَى تَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ؟ فَيَقُولُ لَهَا: إنَّمَا أَنْتِ تَنْهَقِينَ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ؛ قَالَتْ فَمَاتَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَتْ فَهُوَ يَشُقُّ عَنْهُ الْقَبْرَ بَعْدَ الْعَصْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَنْهَقُ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ. الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي 2/ 658، الترغيب والترهيب للمنذري 3/ 226. صحيح الترغيب والترهيب للعلامة الألباني 2/ 665

وَقَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: مَاتَ لِي وَلَدٌ فَلَمَّا دَفَنْتَهُ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فِي الْمَنَامِ وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ فَقُلْتُ يَا وَلَدِي دَفَنْتُكَ صَغِيرًا فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِ لَمَّا دَفَنْتنِي دُفِنَ إلَى جَانِبِي رَجُلٌ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَزَفَرَتْ النَّارُ لِقُدُومِهِ إلَى قَبْرِهِ زَفْرَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهَا طِفْلٌ إلَّا شَابَ رَأْسُهُ مِنْ شِدَّةِ زَفْرَتِهَا. الذهبي: الكبائر 80.

وحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّ شَابًّا جَاءَ إلَيْهِ بَاكِيًا حَزِينًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي ارْتَكَبْت ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَنْبُك؟ قَالَ: ذَنْبِي عَظِيمٌ.قَالَ: وَمَا هُوَ فَتُبْ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كُنْتُ أَنْبُشُ الْقُبُورَ وَكُنْت أَرَى فِيهَا أُمُورًا عَجِيبَةً، قَالَ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: نَبَشْتُ لَيْلَةً قَبْرًا فَرَأَيْت صَاحِبَهُ قَدْ حُوِّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَخِفْتُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ وَإِذَا بِقَائِلٍ فِي الْقَبْرِ يَقُولُ أَلَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَيِّتِ لِمَاذَا حُوِّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ؟ فَقُلْتُ: لِمَاذَا حُوِّلَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَخِفًّا بِالصَّلَاةِ فَهَذَا جَزَاءُ مِثْلِهِ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا آخَرَ فَرَأَيْتُ صَاحِبَهُ قَدْ حُوِّلَ خِنْزِيرًا وَقَدْ شُدَّ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي عُنُقِهِ فَخِفْتُ مِنْهُ وَأَرَدْت الْخُرُوجَ وَإِذَا بِقَائِلٍ يَقُولُ أَلَا تَسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ وَلِمَاذَا يُعَذَّبُ؟ فَقُلْتُ: لِمَاذَا؟ فَقَالَ: كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا آخَرَ فَوَجَدْتُ صَاحِبَهُ قَدْ شُدَّ فِي الْأَرْضِ بِأَوْتَادٍ مِنْ نَارٍ وَأُخْرِجَ لِسَانُهُ مِنْ قَفَاهُ فَخِفْتُ وَرَجَعْتُ وَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ فَنُودِيتُ أَلَا تَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ لِمَاذَا اُبْتُلِيَ؟ فَقُلْت: لِمَاذَا؟ فَقَالَ: كَانَ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ بَيْنَ النَّاسِ فَهَذَا جَزَاءُ مِثْلِهِ.ثُمَّ نَبَشْت قَبْرًا آخَرَ فَوَجَدْتُ صَاحِبَهُ قَدْ اشْتَعَلَ بِالنَّارِ فَخِفْتُ وَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ فَقِيلَ لِي أَلَا تَسْأَلُ عَنْهُ وَعَنْ حَالِهِ؟ فَقُلْتُ: وَمَا حَالُهُ؟ قَالَ: كَانَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ فَهَذَا جَزَاءُ مِثْلِهِ، ثُمَّ نَبَشْتُ قَبْرًا فَرَأَيْتُهُ قَدْ وُسِّعَ عَلَى مَدِّ الْبَصَرِ وَفِيهِ نُورٌ سَاطِعٌ وَالْمَيِّتُ نَائِمٌ عَلَى سَرِيرِهِ وَقَدْ أَشْرَقَ نُورُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حَسَنَةٌ فَأَخَذَتْنِي مِنْهُ هَيْبَةٌ فَأَرَدْت الْخُرُوجَ فَقِيلَ لِي أَلَا تَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ لِمَاذَا أُكْرِمَ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ؟ فَقَالَ: لِمَاذَا؟ فَقِيلَ لِي: إنَّهُ كَانَ شَابًّا طَائِعًا نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِبَادَتِهِ.فَقَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ عِنْدَ ذَلِكَ إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِلْعَاصِينَ وَبِشَارَةً لِلطَّائِعِينَ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ أَطَاعَهُ فَرَضِيَ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي 1/ 28.

يحشر شارب الخمر يوم القيامة وشقه مائل ووجهه مسود:روى الآجرّي بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: "لا تسلّموا على شَرَبة الخمر، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم. إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة مائل شقّه، مُزرقة عيناه، يندلع لسانه على صدره، يسيل لعابه على بطنه، يتقذّره كل من رآه" أخرج البخاري في "صحيحه/ فتح" (11/ 40) الجملة الأولى من هذا الأثر تعليقًا، وقال ابن حجر: وهذا الأثر وصله البخاري في "الأدب المفرد": عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ (لا تسلموا على شرَاب الخمر) وبه إليه قال: (لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا). أ.ه - . قلت: وأخرجه عبد الرزاق في "المصنّف" (17074)، وروي نحوه عن عليّ وابن عباس موقوفًا وعن ابن عمر بسند ضعيف مرفوعًا.
تركت النبيذّ لأهل النّبيذ
وأصبحت أشرب ماء قراحًا

لأن النّبيذ يذلّ العزيز
ويكسو الوجوه النضارى القباحا


وقال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: " يجيء يوم القيامة شارب الخمر مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مائل شدقه، مدلَّياً لسانه، يسيل لعابه، يقذره كل من يراه " [ أخرجه عبدالرزاق 9 / 240 ].

العطش يوم القيامة: ففي "المسند" عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر أتى عطشانًا يوم القيامة) رواه أحمد (2/ 422) وأبو يعلى (1436) بلفظ: (ومن شرب الخمر أتى يوم القيامة عطشًا، وكل مسكر خمر) وقال الهيثمي في "المجمع" (5/ 73): رواه أحمد وأبو يعلى وفيه راو لم يسم أ.ه - .، وضعفّه الألباني في "ضعيف الجامع" (5642).

وعن عبد الله بن عمرو قال: "في التوراة: الخمر مرّ طعمها، أقسم الله بعزته:لمن شربها بعد ما حرّمتها لأعطشنّه يوم القيامة " وتمامه كما ورد في "تفسير ابن كثير" (3/ 178) من طريق ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن عمرو قال: "إن هذه الآية التي في القرآن: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90] قال: هي في التوراة: "إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل، ويبطل به اللعب، والمزامير، والزّفن، والكبارات، والزمارات - يعني به الدفّ - والطنابير والشعر، والخمر مُرّة لِمَن طعمها، أقسم الله بيمينه وعزّة حَيلِه: من شربها بعدما حرّمتها لأعطشنّه يوم القيامة، ومن تركها بعدما حرّمتها لأسقينه إياها من حظيرة القدس" وقال الحافظ ابن كثير بإثره: وهذا إسناد صحيح أ.ه - . وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 317) وزاد نسبته لأبي الشيخ والبيهقي، ومعنى الزّفن أي الرقص والكبارات جمع كبار وهو جمع كبر وهو الطبل، والحيلة: القوة، كما في "النهاية".

ويشرب مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قال رسول الله إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " [ أخرجه مسلم والنسائي ]، وعَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنًا لِلْخَمْرِ، سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ " قِيلَ: وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ؟ قَالَ: " نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ - الزانيات - يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ " [ أخرجه أحمد، وصحح إسناده حمزه الزين في تحقيق المسند 14 / 515، وقال الأرنؤوط: حديث حسن بشواهده، انظر المسند 32 / 340 ]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك الصلاة سُكراً مرة واحدة، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسُلبها، ومن ترك الصلاة أربع مرات سُكراً، كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال "، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: " عصارة أهل جهنم " [ أخرجه الحاكم وهو حديث حسن. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 608 ].

دخول النار عن عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ " [ أخرجه أحمد وغيره واللفظ له وهو حديث حسن لغيره. صحيح الترغيب والترهيب 2 / 600 ]وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلا عَاقٌّ وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ"[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شُعْيُبُ الأَرْنَاؤُوط: حَسَنُ لِغَيْرِهِ]

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يلقى الله شارب الخمر يوم القيامة حين يلقاه وهو سكران، فيقول: ويلك! ما شربت؟ فيقول: الخمر، قال: أولم أحرمها عليك؟ فيقول: بلى! فيؤمر به إلى النار " [ أخرجه عباد الرزاق في المصنف 9 / 237 ].

ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها يوم القيامة، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ].

قال الخطابي ثم البغوي: " قوله: " حرمها في الآخرة ": وعيد بأنه لا يدخل الجنة، لأن شراب أهل الجنة خمر، إلا أنهم: " لا يصدعون عنها ولا ينزفون "، ومن دخل الجنة لا يحرم شرابها " [ شرح السنة 11 / 355 ].

لكن يجاب على ذلك القول، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب، لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة " [ متفق عليه واللفظ للبيهقي ].لكن لو تاب شارب الخمر منها، فالله يقبل التوبة، ويشرب خمر الآخرة بإذن الله تعالى يوم القيامة، ويشهد لذلك ما رواه ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ " [ أخرجه مسلم ].

أما أهل الجنة لقد أعد الله تعالى في الآخرة لعباده المتقين اللذين طهروا أنفسهم من هذه الشهوات المحرمة لوجهه الكريم بديلاً طيباً، يقول تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [محمد:15]

قال ابن كثير - رحمه الله - في قوله تعالى ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ [محمد:15]: أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا؛ بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل، أي الأثر، قال تعالى ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان:5 - 6]، ويقول - جل وعلا - ﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا ﴾ [الإنسان:17].

كل ذلك وغيره مما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر، أعده الله - عز وجل - لمن اتقاه وأطاعه؛ فمن ابتلي بهذه الكبيرة فليبادر إلى الإقلاع قبل فوات الأوان؛ فإن الموت لا موعد له، وأَولى ما يدخر له من الراحة القبر، فإن من ورائنا رقدة في القبر صباحها يوم القيامة.

الفرق بين خمر الدنيا وخمر الآخرة:
قال الله تعالى: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 21]، وصف الله عز وجل شراب أهل الجنة بأنه طهور، ويُفهم من الآية أن خمر الدنيا ليست كذلك.

ومما يؤيد ذلك أن كل الأوصاف التي مدح الله بها خمر الآخرة منتفية عن خمر الدنيا، كقوله تعالى: ﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾ [الصافات: 47]، وكقوله تعالى: ﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾ [الواقعة: 19]، فالأوصاف التي ذُكرت هي لخمر الآخرة، بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول، ويُصَدَّعُ أهلها وشاربيها، أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾ [الواقعة: 19] يعني لا يسكرون، بخلاف خمر الدنيا، فمن شربها سكر وغاب عقله، وافتضح أمره، [ أضواء البيان 2 / 98 بتصرف يسير ].

كذلك خمر الدنيا مرة المذاق، علقم الطعم، أما خمر الآخرة فقد قال الله فيها وهو أحسن القائلين: ﴿ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ [محمد: 15]، فهي حلوة الطعم، لذيذة الشرب.

ومن أهم الفروق بين خمر الدنيا وخمر الآخرة، أن خمر الدنيا حرام بكتاب الله تعالى، وحرام بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرام بأقوال العلماء، وحرام بأقوال الأطباء مسلمين وغير مسلمين، وحرام بما تقتضيه الطبيعة البشرية من حرص على العقل والمال والنفس والدين، أما خمر الآخرة فهي حلال بكتاب الله تعالى، وقد سبقت الإشارة إلى الأدلة على ما ذكرت.

سبل العلاج والوقاية من خطر الإدمان:
أيها المسلمون: إن علاج هذه الظاهرة يكون بتكاتف فئات المجتمع وذلك بالطرق التالية:
أولاً: الوعظ والتخويف من عقاب الله: فينبغي تذكير شارب الخمر وتخويفه من غضب الله عليه؛ وهذا ما فعله عمر بن الخطاب مع شارب الخمر؛ فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده، عن يزيد بن الأصم، قال:‘'كان رجل من أهل الشام ذا بأس، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب ( أي الخمر )، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو‘'غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير'' غافر:3؛ ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقبِل بقلبه ويتوب عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر، جعل يقرأه ويردده، ويقول:‘'غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب''، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع - أي تاب فأحسن التوبة - فلما بلغ عمر خبره قال:‘'هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زلّ زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه''.(رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وأورده القرطبي في تفسيره؛ والسيوطي في الدر المنثور )

ثانيا: فرض عقوبة رادعة لمن يتناول الخمر والمسكرات: وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يُدمن المسكرات أو المخدِّرات، وليس التشفِّي أو الانتقام من صاحبها؛ فهو شخص مريض في حاجة إلى العلاج؛ لذلك عَمِل رسول الله على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ " ( البخاري)

ثالثا: تكثيف الرقابة الأمنية من جهة الدولة وذلك بضبط المتلبسين بهذه الجريمة ومحاسبتهم.

رابعا: كثرة التوعية والندوات؛ وذلك عن طريق الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والخطب والدروس والمحاضرات وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ تهدف إلى توضيح مخاطر الخمر والمخدرات على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي.

خامسا: التنشئة الأسرية: وذلك بتربية النشء على القيم والمبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" ( متفق عليه) وقال أيضاً: " إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ، أحفظَ أم ضيَّعَ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه "( السلسلة الصحيحة: الألباني)

سادسا: تخير الصحبة الصالحة: لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: " لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي ". ( صحيح الترغيب والترهيب - الألباني ).

وفي تخير الأصحاب الصالحين حماية من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى.

فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى وتأخذ بيدك إلى الطاعة، وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد القلب السقيم سقماً وتأخذ بيدك إلى المهالك.

عباد الله: إن حلَّ ظاهرة الإدمان والمخدرات وعلاجَها لا يقتصر على فئةٍ معينةٍ، وإنما يشمل جميعَ أفراد المجتمع: شباباً وأسرةً ودعاةً ومؤسساتٍ وحكومةً؛ فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سَقمه - إن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه - فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور، على الدعاة أن يقوموا بدورهم في المساجد.وعلى الآباء دور كبير في البيت.وعلى المعلمين دور عظيم في المدرسة وعلى الإعلاميين دور خطير في أجهزة الإعلام.ثم.. الضرب بشدة على أيدي المهربين أيا كان موقعهم وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان، وإلا كما قيل:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامَه ♦♦♦ إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟

فيجب على الجميع أن يتكاتف لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة وليس الأمر عسيراً أو مستحيلاً فلقد نجحت الصين في القضاء على هذا المرض في ألف مليون نسمة ولكن الأمر يحتاج إلى صدق من الجميع.

فعلينا أن نسعى جاهدين لعلاج المدمنين، والقضاء على المهربين، والتبليغ عن المروجين، حتى نقضي على تلك الفئة الضالة التي خرجت على دينها، ودمرت وطنها، وأهانت مجتمعها، وقتلت الأبرياء، وفتكت بالضعفاء.

وفي الختام أهمس كلمة في أذن المدمن فأقول: الله الله أيها المدمن، اتق الله، وراقبه في حركاتك وسكناتك، وإياك والغفلة أو التسويف، فما قتل النفوس إلا كلمة سوف، عجل بالتوبة، فالباب مفتوح، وإياك أن تغرغر الروح، فعند ذاك لا توبة تنفع، ولا شفيع يُسمع، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [ غافر 17 - 18 ].

وتذكر أن الله يراك، فكيف تختبئ من البشر وتنسى خالق البشر، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال تعالى:﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].

أيها الشاب المسكين يامن ابتليت بهذا البلاء فهيا عد إلى الله.الجأ إلى الله بصدق أن يخلصك من هذا الكابوس.َيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ، بَلْ يَا أَيُّهَا الْكِبَارُ التَّوْبَةَ التَّوْبَةَ قَبْلَ النَّدَمِ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى بَابِ رَبِّكَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ الْمَوْتُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ ذُنُوبُكَ فَرَبُّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

وبعد...
فهذا آخر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة.

نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبَّلها منَّا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع بها مؤلفها وقارئها، ومَن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثم خطأ فاستغفر لي.
وإن وجدت العيب فسد الخللا ♦♦♦ جلّ من لا عيب فيه وعلا

فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.........

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

المراجع:
القرآن الكريم
من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق » المرتكز الثالث: التدرج في التبليغ والتطبيق المكتبة الاسلامية
رسالة العظات الى أصحاب الخمور والمخدرات دكتور / بدر عبد الحميد هميسه
خطبة بعنوان تحفة الأريب بالتحذير من إدمان المعاصي و الذنوب للشيخ السيد مراد سلامة
خطبة بعنوان أثر الخمر والمخدرات على المجتمع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله السويدان
خطبة بعنوان خطورة الإدمان والمخدرات على الفرد والمجتمع للشيخ محمد حسن داود
خطبة بعنوان المخدرات رجس من عمل الشيطان الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان
خطبة بعنوان خطورة الخمر والمخدرات على الأفراد والمجتمعات يحيى بن موسى الزهراني
خطبة بعنوان المخدرات دمرت حياتي فضيلة الشيخ / محمد بن عبد الله الهبدان
خطبة بعنوان المخدرات أضرارها وخطرها الشيخ أحمد بن ناصر الطيار
خطبة بعنوان: ظاهرة الإدمان وعلاجها في الإسلام د / خالد بدير بدوي
خطبة بعنوان خطر المخدرات الشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي
خطبة بعنوان أثر المخدرات الشيخ / محمد بن عبدالرحمن العريفي
خطبة بعنوان المخدرات وأثرها على الفرد والمجتمع د على الحذيفي
خطبة بعنوان المخدرات وبال عظيم للشيخ أحمد طلال رمضان
خطبة بعنوان خطر المخدرات (1) الدكتور / إبراهيم الدويش
خطبة بعنوان خطر المخدرات (2) الدكتور / إبراهيم الدويش
خطبة بعنوان المخدرات سرطان العصر للشيخ محمد حسان
خطبة بعنوان التحذير من المخدرات الشيخ عبد الله يعقوب
خطبة بعنوان المخدرات الشيخ خالد بن سعد الخشلان

خطبة بعنوان أم الخبائث الشيخ محمد الشرافي
بلاء المخدرات والمسكرات للشيخ أحمد الفقيهي
المخدرات، الرائد / سامي بن خالد الحمود



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 150.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 147.20 كيلو بايت... تم توفير 2.82 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]