كيف أتخلص من ترسبات الماضي؟

[ابوالوليد المسلم]

كيف أتخلص من ترسبات الماضي؟
أ. عزيزة الدويرج




السؤال



♦ ملخص السؤال:

فتاة في الثلاثين من عمرها، لديها مشكلاتٌ نفسيةٌ وترسُّبات من الماضي، أدَّتْ إلى أن تكون حياتُها مُضطربة، وتريد بعض النصائح التي تجعلها تتخطى أزمتها النفسية.



♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في الثلاثين من عمري، لديَّ مشكلاتٌ وترسُّبات من الماضي لم تُحلَّ إلى الآن، وحياتي متأثِّرة بها تأثرًا شديدًا.




لم أحصلْ على تربيةٍ جيدةٍ في بيئتي، نتيجة الفقر الذي كنا نعيش فيه، ونتيجة الخلافات التي كانتْ بين أمي وأبي، فكنا نتخبَّط بينهما!




أما أخي الذي كان مِن المفترضِ أن يَحْمِيَنا فقد كان يضربني ضربًا شديدًا، حتى بعدما كبرتُ.




كبرتُ وعملت مُضيفة طيران، وكان كلُّ مَن يعلم أني أعمل مضيفة يَنعتني بألفاظ قبيحة؛ بالرغم مِن معرفتهم بتمسُّكي بديني وحجابي، ولولا الحاجةُ ما سافرتُ بدون مَحرم!




كانتْ لي زميلات وصداقاتٌ جيدة، حتى تعرَّضتْ طائرة مِن الشركة التي كنتُ أعمل فيها لحادث مؤلم فقدت فيه بعض معارفي، فتأثرتُ جدًّا، ولم أستطع الحركة لمدة طويلة مِن هول الصدمة.




أكرمني اللهُ، وشُفيتُ ثم تزوَّجتُ، لكني لا أستطيع إلى الآن أن أركبَ الطائرة، ولا أستطيع المرور بقُرب المطار!




اضطررتُ للاستقالة مِن العمل، بسبب ما كان يُحيط بي مِن مشكلات نفسية وعملية!




ليس لديَّ أصدقاء، ولا أستطيع أن أنسى الماضي والجروح التي مرَّتْ بي، وأبكي كثيرًا كلما سنحتْ لي الفرصة.




أريد توجيهاتكم لتخطِّي ما أمُرُّ به من أزمات في حياتي




وجزاكم الله خيرًا


الجواب




مرحبًا بك أختي الكريمة في شبكة الألوكة، ونتمنَّى أن نكون عند حسن ظنك بنا، وأن نكونَ خير مُعين لك بعد الله في تجاوُز مشكلتك.




خَلَقنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة لعبادته، مؤمنين بقضائه وقدَره، صابرين على كلِّ ما كتَب الله علينا، قسَّم الأرزاقَ على البشر؛ منهم الغني، ومنهم الفقير، ومنهم متوسِّط الحال، وقدَّر سبحانه أن تكون عائلتك من أصحاب الدَّخْل المحدود، ولم تقفي مكتوفة الأيدي، ولكن سعيتِ لطلب الرزق ومساعدة والديك على مَشَقَّة الحياة.




جُهدُك تُشكرين عليه، وكلامُ الناس ضَعيه جانبًا، ولا تلتفتي إليه، بل استمرِّي في طريقك إلى النجاح.




بالنسبة لتربية أهلك التي تلقَّيتِها: اعتبريها اجتهادًا من أحد الوالدين أو كليهما، فباعتقادهما أنَّ هذه التربية هي الصحيحة، ولكن لم يَصِحَّ ذلك.




فتجاوزي الماضي، ولا تلقي اللَّوْمَ على والديك، فقد تكون ظروفُ الحياة التي مَرَّتْ بهما أجْبَرَتْهما على التعامُل معك بهذه الطريقة، وإن كنت ألْمَس فيك الكثير من الأخلاق الرائعة والصفات الجميلة التي تتحلى بها المرأة الصالحة.




خوفُك أختي الكريمة من الطائرة ردةُ فِعل طبيعية نتيجة الصدمة القوية التي مرَّتْ بك، ولكن لا تَقْلَقي، فمع الوقت ستصبح في طَيِّ النسيان.




اعتبري أنَّ ما مَرَرْتِ به من العمل كمضيفة هي تجربة وانتهتْ، استفيدي من إيجابياتها، وتناسي سلبياتها، عيشي حاضرك بقوة، ومستقبلك بأملٍ، وعدِّلي من نظرتك لمن حولك ونفسك، وتذكَّري أنَّ الحياة دار مَمرّ، وليستْ دار مَقَرّ، فكلُّ ما يمر بنا نؤجر عليه من الله سبحانه وتعالى إذا احتسبنا ذلك عنده.




عدِّدي النِّعَم التي تُحاصرك، والتي تتمتعين بها، وستجدينها لا تمثِّل شيئًا مقابل تعبك والصعاب التي تُواجهينها.




احْمدي الله، وأكْثِري من الشكر له سبحانه، وابكي متى ما سنحتْ لك الفرصة واحتجتِ لذلك، ولكن ابكي بين يدي الله في سُجودك، وعلى مُصلاَّك، وستجدين الراحة.




أكَرِّر: لا تجعلي الحزن يُسيطر عليك، والشيطانَ يتمكَّن منك، أشعر بما تشعرين به مِن فَقْد زملائك بهذه الفاجعة، وأدرك إحساسك بحجم المصيبة التي واجهتْك، ولكن احمدي الله الذي نجَّاك، وكتب لك عُمرًا جديدًا، فاجعليه عامرًا بالطاعة والعبادات.




حاولي أن تتناسي ما حدَث مِن أخيك في طفولتك، واعتبريه تصرُّفًا عابرًا من شخص جاهلٍ، عدلي من نظرتك للحياة، انظري إليها بإيجابية وتفاؤُل، اقرئي في سِيَر الناجحين، وستجدين أنهم واجهوا الكثير من الصُّعوبات والمشاكل، ولكن تجاوزوها بإصرارهم وصبرهم.




حاولي أن تحضري دورات عن التخطيط للحياة، وعن تقدير الذات، وعن العلاقات في بيئة العمل لتعزِّزي الجانب النفسي والقيادي لديك.




حافظي على علاقتك بزوجك وزملائك في العمل، وحاولي أن تتجاوزي هذه الأزمة بسلام ورضًا بالقضاء والقدَر، حتى لا تخسريهم وتندمي على ذلك، فأنت قادرةٌ ولديك مقومات النجاح.




وختامًا تمنياتي لك بمستقبل مُشرقٍ، وحياة سعيدةٍ عامرةٍ بذِكْر الله سبحانه وتعالى