|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#171
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 174) مثنى محمد هبيان ﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 209] السؤال الأول: ما الفرق من الناحية البيانية بين ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] و ﴿جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:209] في القرآن الكريم؟ الجواب: 1ـ كلمة (البيّنات) ليست مؤنثاً حقيقياً، لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. 2ـ هناك حكم نحويٌّ مفاده أنه يجوز أنْ يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً مع المؤنث غير الحقيقي . 3ـ والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات؛ لأنّ هذا جائز كما قلنا، لكن السؤال: لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث ﴿جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:213]؟ والجواب: آـ عندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى العلامات الدالة على المعجزات والنبوءات يؤنث الفعل . ب ـ وعندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى الأمر والنهي يذكر الفعل . شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات: ـ ﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:209] . ـ ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213]. ـ ﴿تِلكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖۘ مِّنهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَينَا عِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ٱلبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدنَٰهُ بِرُوحِ ٱلقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعدِهِم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱختَلَفُواْ فَمِنهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253] . ﴿ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلعِجلَ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَعَفَونَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَينَا مُوسَىٰ سُلطَٰنا مُّبِينا﴾ [النساء:153] . شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي: ـ ﴿كَيفَ يَهدِي ٱللَّهُ قَوما كَفَرُواْ بَعدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [آل عمران:86]. ـ ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱختَلَفُواْ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [آل عمران:105] . ـ ﴿قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعبُدَ ٱلَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرتُ أَنۡ أُسلِمَ لِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾ [غافر:66] . السؤال الثاني: ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ ؟ الجواب: 1ـ قوله: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ معناه: انحرفتم عن الطريق الذي أُمرتم به، ويدخل في ذلك الكبائر والصغائر، وفي ذلك زجر للمؤمن كي يتحرز عن الذنوب كبيرها وصغيرها . قال ابن عباس : السّلم الإسلام ، والزلل ترك الإسلام . 2ـ دلت الآية على أنّ المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلا بعد حصول البيان للمكلف لا حصول اليقين . 3ـ يحكى أنّ قارئاَ قرأ (غفور رحيم) في هذه الآية، فسمعه أعرابي فأنكره، وقال له: الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه . والله أعلم .
__________________
|
#172
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 175) مثنى محمد هبيان ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ وَٱلمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرَعُ ٱلأُمُورُ﴾ [البقرة: 210] السؤال الأول: الإنسان عادة ينتظر ما يعلم أو يظن وقوعه، والقوم لم يكونوا كذلك؛ لأنهم لم يصدقوا، فكيف يُفهم ذلك ؟ الجواب: لما كان واقعاً لا محالة، كانوا في الحقيقة كالمنتظرين له في المعنى، ولذلك جاء تهديداً لهم. ومعنى ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ﴾ أي: ينتظرون. السؤال الثاني: ما دلالة هذه الآية ؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية نوع من النداء لحث الذين تركوا الدخول في السلم والإسلام ، الذين يتبعون خطوات الشيطان ، للساعين في الفساد في الأرض ، فكأنه يقول لهم : ماذا تنتظرون !!!؟ قيام الساعة ، حين يأتي الله في ظلل من الغمام ، حين تطوى السماوات والأرض ، وتأتي الملائكة صفوفاً تحيط بالخلائق ، حين توضع الموازين ، حين تبيض وجوه وتسود وجوه !!! لماذا تترددون !! وماذا تننظرون !! 2 ـ ( الظُلل ) جمع ظُلّة بضم الظاء ، وهي كل ما أظلك . 3 ـ في قوله تعالى : ﴿فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ﴾ مجازٌ مرسلٌ علاقته السببية ، لأنّ الغمامَ مظنة الرحمة أو العذاب وسببهما . 4ـ قوله تعالى : ﴿أَن يَأتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ﴾ صفة مجيء الله سبحانه لا يعلمها إلا الله ، فليس كمثله شيء، وهذه الصفة مع الصفات الأخرى كالاستواء والنزول هي صفات ثابتة لله على وجه يليق بجلاله وكماله . 5ـ قوله تعالى : ﴿وَإِلَى ٱللَّهِ تُرجَعُ ٱلأُمُورُ﴾ لمّا حكى الله عن عنادهم وتوقفهم في قبول دين الله جاء مجرى التهديد . والله أعلم .
__________________
|
#173
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 176) مثنى محمد هبيان ﴿سَلۡ بَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَينَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۢ بَيِّنَةٖۗ وَمَن يُبَدِّلۡ نِعمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة: 211] السؤال الأول: ما الفرق بين فعل الأمر: اسأل وسل؟ الجواب: سل: إذا بدأنا بالفعل مباشرة فالعرب تخفف وتحذف كما في هذه الآية211 من سورة البقرة . وإذا تقدمها أي شيء يؤتى بالهمزة، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَينَا مُوسَىٰ تِسعَ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖۖ فَسَٔلۡ بَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ﴾ [الإسراء:101] . وهذه قاعدة عند أكثرية العرب أنه إذا سبقها شيء يبدأ بالهمزة ( اسأل ) وإذا بدأنا بها يحذفها؛ أي يبقى ( سل ) . السؤال الثاني: ما الفرق بين النعمة والنعيم ؟ الجواب: النعمة في القرآن هي لنعم الدنيا وتستعمل مفرداً وجمعاً، كما في الآيات: [البقرة 211 آل عمران 103ـ ابراهيم 6]. وأما النعيم فخاص بنعيم الآخرة، وقد وردت كلمة (النعيم) 16 مرة في القرآن . السؤال الثالث: قوله تعالى في آية البقرة: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:211] بينما أكدها بـ (اللام) في آية الرعد6 بقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [الرعد:6] فما سبب تخفيف أو زيادة التوكيد ؟ الجواب: أولاً ـ القاعدة اللغويـــة: يستعمل القرآن الكريم تخفيف التوكيد أو زيادته حسب مقتضى الحال فيقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [المائدة:2] مع التخفيف ، ويقول : ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] مع زيادة التوكيد بزيادة اللام . ثانياً ـ البيـــان: قال في آيات البقرة (211) والمائدة (2) والأنفال (13): ﴿إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [المائدة:2] مؤكداً بإنّ وحدها، بينما قال في سورة الرعد (6): ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ فأكد بإنّ واللام؛ وذلك أنه: في سورة الرعد ورد قبل الآية 6 من ذكر العقوبات، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبلِهِمُ ٱلمَثُلَٰتُۗ﴾ وذكر من عقوبات الكافرين في الآية 5 ﴿وَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلأَغلَٰلُ فِيٓ أَعنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الرعد: 5] فاقتضى ذلك زيادة توكيدها . وليس السياقُ كذلك في الآيات الأخرى ولا شيء فيه، فلمّا كان السياقُ في الرعد سياقَ العقوبات اقتضى زيادة توكيدها. والله أعلم .
__________________
|
#174
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 177) مثنى محمد هبيان ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا وَيَسخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ [البقرة: 212] السؤال الأول: ما دلالة التذكير في قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: زينت، مع أنّ الدنيا مؤنث؟ الجواب: 1ـ من حيث الحكم النحوي: يجوز وليس فيه إشكال؛ لأنّ الحياة مؤنث مجازي، والمؤنث المجازي هو الذي ليس له مذكر من جنسه، فمثلاً: (البقرة) مؤنث حقيقي؛ لأنّ الثور ذكر من جنسها، و(النعجة) لها كبش من جنسها، وكلمة (سماء) ليست مؤنثاً حقيقياً، وكذلك (الشمس) مؤنث مجازي و(القمر) مذكر مجازي، فإذا كان هنالك مذكر من جنس الكلمة فإنها مؤنث حقيقي، إذن كلمة ﴿ٱلحَيَوٰةُ﴾ مؤنث مجازي يجوز تذكيره وتأنيثه، هذا لغوياً . 2ـ ثم هنالك فاصل بين الفعل والفاعل ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:212] والفاصل حتى في المؤنث الحقيقي يمكن تذكيره . تقول مثلاً: (أقبلت فاطمة) بالتأنيث، وتقول: (أقبل اليومَ فاطمةُ) طالما فصلنا بين العامل والمعمول؛ لذلك يجوز تذكيره وتأنيثه. 3ـ إذن من حيثُ النحوُ ليس فيه إشكالٌ: آ- لكون الفاعل مجازيَّ التأنيثِ . ب - لوجود فاصلٍ بين العامل والمعمول، لكن لماذا اختار التذكير؟ ومما يجدر ذكره أنّ هنالك قراءة أخرى، وهي: (زَيَّنَ للذين كفروا الحياةَ الدنيا) بالبناءِ للمعلومِ والفاعلُ الشيطانُ ضميرٌ مستترٌ، والحياةَ: مفعول به، وهذه القراءة لا يمكن أنْ يقول فيها: زَيَّنت، لذا التذكير صار واجباً. إذن في الآية قراءتان: قراءة (زَيَّنَ) بالبناء للمعلوم، و يلزم فيها تذكير الفعل (زين)، وقراءة ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمجهول، ويحسن فيها تذكير الفعل. ولذلك قال تعالى: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: (زينت) لأنه فصل بين (زُين) والحياة الدنيا بفاصل وهو قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وإذا فصل بين الفعل والفاعل حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث. السؤال الثاني: لِمَ اختار الله تعالى في الآية صيغة الماضي للتزيين ﴿زُيِّنَ﴾ وصيغة المضارع للسخرية ﴿وَيَسخَرُونَ﴾ ؟ الجواب: أتى فعلُ التزيين ماضياً ليدلَّنا على أنّ التزيينَ أمرٌ مستقرٌ في الكافرين، فهم أبد الدهر يعشقون الدنيا ويكرهون الموت، وأتى بفعل السخرية مضارعاً ﴿وَيَسخَرُونَ﴾ ليبيّن لنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنّ الكافرين يسخرون من الإيمان وأهله بشكلٍ متجددٍ متكررٍ، وفي ترتيب الفِعلَينِ دلالةٌ منطقيةٌ لأنَّ السُّخريةَ مبعَثُها حُبُّ الدنيا والشهواتِ ، والتزيينُ سابقٌ للسخريةِ فعبَّرَ عنه بالماضي، والسخريةُ ناشئةٌ من تعلُّقِ القلب بالدنيا، فعبّر عنها بالمضارع. السؤال الثالث: ما الدلالة البيانية لمجيء الفعل ﴿زُيِّنَ﴾ مبنياً للمجهول ؟ الجواب: هناك خطٌّ عامٌّ واضح في القرآن الكريم، أنه في آيات التزيين فإنّ الله ينسب الخيرَ إلى نفسه، وأمّا تزيينُ القبيحِ فيبنيه للمجهولِ أو ينسِبُه إلى الشيطانِ؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [الأنفال:48] وقوله : ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [العنكبوت:38]. وقد تجد في القرآن: ﴿زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [النمل:4] لغرض إقامة العقيدة الصحيحة، ولكن لا تجد مطلقاً (زينا لهم سوء أعمالهم) بذكر السوء، والفرق ظاهر بين الأمرين . السؤال الرابع: ما دلالات استخدام التعابير ﴿ٱلدُّنيَا﴾ ، ﴿ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ ، ﴿ٱلأٓخِرَةُ﴾ في القرآن الكريم؟ الجواب: أولاً ـ معلومات عددية: 1ـ وردت كلمة (الدنيا) في القرآن الكريم 165 مرة. 2ـ ورد تعبير (الحياة الدنيا) 68 مرة. 3ـ وردت كلمة (الآخرة) في القرآن الكريم 115 مرة. 4ـ ورد التعبير (الدار الآخرة) 9 مرات. 5ـ تعبير (الدار الدنيا) لم يرد مطلقاً. 6ـ تعبير (الحياة الآخرة) لم يرد مطلقاً. 7ـ وردت التعابير (ثواب الآخرة) (عذاب الآخرة) (لقاء الآخرة) (حرث الآخرة) ولم يرد مثل هذه التعبيرات للدنيا. ثانياً ـ المعـــــاني: الدنــيا: عندما تكون مفردةً تدل على الحياة التي نحياها في هذه الأرض دون أية ظلال أو إيحاءات أخرى، وهي المسافة الزمنية الممتدة من خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة. والدنيا على صيغة فعلى، وهي مؤنث: أدنى، وهي مشتقة من الدنوِّ، أي: الأكثر قرباً إليك، نحو: [الجار الأدنى ـ السماء الدنيا ـ العُدوةِ الدنيا] أو مشتقة من الدناوة. الآخــــرة: هي عَلَمٌ على الحياة الثانية التي سيحياها الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا. الحياة الدنيــــــا: وهي تعني في القرآن الكريم استغراق الإنسان في هذه الحياة وانغماسه وانشغاله فيها وانصرافه عما بعدها، فكأنّ تعبير الحياة الدنيا صورة لانصراف الإنسان عن ربه وغفلته عن الآخرة. شواهد قرآنية: [ البقرة 212 ـ القصص 79 ـ إبراهيم 3 ـ الأنعام 29 ]. والحياة الدنيا حياة مؤقتة لا بدّ لها من زوال، أمّا الآخرة فهي حياة دائمة خالدة إمّا في نعيم الجنة وإمّا في شقاء النار. لذلك قال الله: (ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا) ولم يقل: (الحياة الآخرة)؛ لأنّ الحياة الدنيا فانية زائلة، والحياة في الآخرة خلود لا يزول، لذلك عبّر عنها بالدار الآخرة؛ لأنّ الدار تحمل معنى الاستقرار والثبات والبقاء، والإنسان لا يشعر بالاستقرار إلا في داره، قال تعالى: ﴿يَٰقَومِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلقَرَارِ﴾ [غافر:39] . وقال: ﴿تِلكَ ٱلدَّارُ ٱلأٓخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلأَرضِ وَلَا فَسَاداۚ وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83] . وقال: ﴿لِّلَّذِينَ أَحسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلأٓخِرَةِ خَيرٞۚ وَلَنِعمَ دَارُ ٱلمُتَّقِينَ﴾ [النحل:30] . السؤال الخامس: قوله تعالى في الآية: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ [البقرة:212] ولم يقل: والذين آمنوا فوقهم، فلماذا؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ ولم يقل: والذين آمنوا فوقهم؛ وذلك ليعزل الاسم عن الوصف، فكم من مدعٍ الإيمان، والله يريد أنْ نأخذ الإيمان بالالتزام بمنهج السماء وليس بالاسم فقط، ولذلك لا تحصل السعادة في الآخرة إلا للمؤمن التقي. وهذه الفوقية للمؤمنين هي بالمكان؛ لأنّ المؤمنين في عليِّين والكافرين في سجّين، وهي فوقية بالكرامة، وهي فوقية بالحجة. السؤال السادس: ما أهم الدروس في هذه الآية ؟ الجواب: 1ـ خَلَقَ اللهُ الإنسانَ سيدَ هذا الكون وسخّر له الحيوان والنبات والجماد ليخدمه . وكان مقتضى العقل أنْ يبحث هذا السيدُ عن جنس أعلى منه، ولن يجد حوله من هو أعلى من جنسه الذي ينتسب إليه، فكان من المفروض أنْ يقول الإنسان: أنا أريد جنساً يعلِّمُني عن نفسي، فأرسل الله سبحانه الرسل وقالوا: أيها الإنسان إنّ الذي أعلى منك هو الله وهو ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيءٞ﴾ [الشورى:11] وهو قد وضع لك منهجاً لسعادتك ومصلحتك، وكان على الإنسان أنْ يفرح بمجيء الرسل وخصوصاً أن الله تعالى لا يريد خدمة منه بل الإنسان يحتاج لعبادة الله . لذلك فالإنسان مخيَّرٌ بين خادمٍ له مسخَّرٍ من الجماد والحيوان والنبات، ومُعطٍ مُتفضِّلٍ عليه مختارٍ وهو أعلى منه ، إنه هو الله، وهو يقول للإنسان: خذ الأعلى لتسعدَ. 2ـ عندما يقول الحق: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ فهو يريد أنْ يلفتنا إلى أنّ مقاييس الكافرين مقاييس هابطة، ومن خيبة الإنسان أنْ يأخذ الأدنى ويفضله على الأعلى وهو دليل على حمقه، ومن العجيب أنكم فعلتم ذلك وأنتم في الأدنى وتسخرون من الذين التفتوا إلى الأعلى!!. 3ـ كلمة ﴿زُيِّنَ﴾ من الزينة، وهي مؤقتة لا تلبث أنْ تزول. 4ـ قول الحق: ﴿وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ ؛ لأنّ خزائنه لا تنفد ويرزق بغير حساب؛ لأنه لا يحكمه قانون وإنما يعطي بطلاقة القدرة، فيعطي المؤمن وحتى الكافر، والله تعالى لا يُسأل عن حكمه فالحكم لله وحده ﴿لَا يُسَٔلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُمۡ يُسَٔلُونَ﴾ [الأنبياء:23] . وعلى الإنسان أنْ يعمل في الأسباب، لكن لا يأخذ حساباً من الأسباب ويظن أنّ ذلك هو رزقه؛ لأنّ الرزق قد يأتي من طريق لم يدخل في حسابك ولا في حساباتك. 5ـ النعمة لا تكون إكراماً من الله إلا إذا وفقك الله في حسن التصرف في هذه النعمة، وكذلك لا تكون النعمة إهانة إلا إذا لم يوفقك الله في أداء حق النعمة بشكر المُنعِمِ وعدمِ الانشغال بها عمن رزقك إياها. 6ـ قوله: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: (زينت) لأنه فصل بين زُين والحياة الدنيا بفاصل، وهو قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وإذا فصل بين الفعل والفاعل حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث. 7 ـ جاء قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا وَيَسخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ﴾ بالصيغة الفعلية إشارة على الحدوث ، وأنه أمر طارئ لا يلبث أن يزول ، وجاء قوله تعالى : ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ بالصيغة الاسمية الدالة على الاستمرار والديمومة لا يطرأ عليها تبديل . السؤال السابع: ما معنى قوله تعالى في الآية : ﴿وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ ؟ الجواب: إنّ لهذا التعبير أكثر من دلالة وكلها صحيحة، ومن ذلك : 1. أنه لا يُسأل عما يفعل ولا يحاسبه أحد . 2. وانه يرزق من غير تقتير وبلا نهاية لما يعطيه ، فهو لا يخشى أن تنفد خزائنه كما يفعل المخلوقون فإنهم يحسبون حساباً لما عندهم . 3. وأنه لا يحاسب المرزوق فيرزقه على قدر طاعته أو معصيته وإنما يمد من يشاء من هؤلاء وهؤلاء على ما تقتضيه حكمته ، كما قال تعالى : ﴿كُلّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحظُورًا﴾ [الإسراء: 20] . 4. و يعني أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه ، ولا يفعل ذلك من غير حكمة . 5. هو يرزق من يشاء من غير حساب من العبد ، فقد يرزق العبد وهو لا يعلم ولا يحسب لذلك حساباً ، كما قال تعالى : ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجٗ * وَيَرزُقهُ مِنۡ حَيثُ لَا يَحتَسِبُۚ﴾ [الطلاق: 2-3] . والله أعلم .
__________________
|
#175
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 178) مثنى محمد هبيان ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213] السؤال الأول: ما معنى قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ وبما أنّ الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشّرين ومنذرين؟ الجواب: 1ـ قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ أي: متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية. 2ـ السؤال: إذا كانوا كذلك لم أرسلَ الرُّسلَ؟ نقرأ الآية: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾ [البقرة:213]. إذن كانوا أمة واحدة فاختلفوا، كما في آية أخرى ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ﴾ [يونس:19] ولمّا قال: ﴿لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾ إشارة إلى أنهم اختلفوا، وهذا اقتضى إرسال النبيين والمرسلين. السؤال الثاني: ما معنى كلمة (أمّة) في القرآن الكريم ؟ الجواب: كلمة (أُمَّة) جاءت في القرآن الكريم بأربعة معانٍ، هي: 1ـ الأمّة بمعنى المِلّة: أي: العقيدة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ وَلَولَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَختَلِفُونَ﴾ [يونس:19] ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] . 2ـ الأمّة بمعنى الجماعة: كما في قوله تعالى: ﴿وَمِن قَومِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:159] ﴿وَمِمَّنۡ خَلَقنَآ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:181]. 3ـ الأمّة بمعنى الزَّمَن: كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرنَا عَنهُمُ ٱلعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَومَ يَأتِيهِمۡ لَيسَ مَصرُوفًا عَنهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَستَهزِءُونَ﴾ [هود:8] ﴿وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأوِيلِهِۦ فَأَرسِلُونِ﴾ [يوسف:45] . 4ـ الأمة بمعنى الإمامِ: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتا لِّلَّهِ حَنِيفا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ﴾ [النحل:120] أي: القُدوةُ. وقوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213] في آية سورة البقرة ، الأمة هنا بمعنى العقيدةِ الواحدةِ والمِلّة الواحدةِ. السؤال الثالث: يقولون إنّ هذه الآية لخَّصت تاريخ البشريةِ من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، فكيف؟ الجواب: هذه الآية لخّصت تاريخ البشرية من عهد آدم إلى أنْ تقوم الساعة، ومعناها أنّ الناسَ كانوا على عقيدةٍ واحدةٍ من عهد آدم إلى زمن ما قبل نوح حيث بدّلوا عقيدتهم، فالدين واحد والعقيدة هي الإيمان بالله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسلَٰمُۗ وَمَا ٱختَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلعِلمُ بَغيَا بَينَهُمۡۗ وَمَن يَكفُرۡ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ [آل عمران:19] ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ ٱلإِسلَٰمِ دِينا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] . وكأنّ في الآية جملةً مقدّرةً : (كان الناس أمة واحدة فضلُّوا وتفرَّقوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) . السؤال الرابع: لم أفرد الله عز وجل( الكتابَ) في الآية وجمعَ (النبيين) ؟ الجواب: بعث الله تعالى الأنبياء فعبّر عنهم بصيغة الجمع ﴿ٱلنَّبِيِّنَ﴾ ولكنه قال: ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ﴾ ولم يقل: الكُتُب، مع أنهم جمعٌ متتابعٌ ولم يكن للكلِّ كتابٌ واحدٌ، فلِمَ أفرده تعالى؟ أفرده ليعلِّمَنا أنّ الحقَّ الذي نزل به الأنبياء واحدٌ، ولكنه نزل على فترات، وكلُّ واحد منهم متمِّمٌ لما قبله. السؤال الخامس: لماذا أنَّثَ (البينات) فقال: ﴿جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ ؟ الجواب: انظر الجواب في السؤال الأول من آية البقرة 209. السؤال السادس: ما أهم دلالات هذه الآية ؟ الجواب: 1 ـ هذه الآية تبيّن أنّ البشرَ بحاجة إلى تشريعٍ إلهي وبشكل مُلِّح ، لأنّ حبَ الدنيا عندهم حبٌ قديم، أدى بهم إلى الكفر والتفرق والبغي ، وبدأ ذلك من عهد نوح عليه السلام حيث عبَدَ الناسُ الأصنام ( ود ـ سواع ـ يغوث ـ يعوق ) بعد حوالي ألف سنة من زمن آدم عليه السلام ، لذلك بعث الله الأنبياء بالكتب لهداية البشرية . 2ـ ( الكتاب ) يُطلق على جميع الكتب السماوية ﴿لِيَحكُمَ﴾ هؤلاء الرسل بين الناس فيما اختلفوا فيه من الشرك والتوحيد بمقتضى ما جاء فيها . 3 ـ ( البغي ) هو أعمال الحسد بالقول والفعل ، والحرصُ على طلب الدنيا بغير حق ، وكذلك التعدي والتجاوز بأشكاله المختلفة . 4 ـ قوله تعالى : ﴿وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ﴾ هم اليهود والنصارى الذين اختلفوا فيما بينهم في شأن محمد عليه السلام من باب البغي والحسد والظلم من بعد أن رأوا العلامات الدّالة على صدقه ، وكان هذا من باب الحسد لانتقال الرسالة منهم إلى العرب . 5 ـ كان ممّا اختلفوا فيه أيضاً: شأن عيسى عليه السلام ـ شأن إبراهيم عليه السلام أيهودي أم نصراني ـ في شأن القبلة ـ في شأن يوم الجمعة ، فاختار اليهود السبت واختار النصارى الأحد ـ في شأن مدة الصيام ـ في شأن الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . 6 ـ قوله تعالى : ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ﴾ في إسناده إلى اسم الجلالة إعلام بأنّ الهدى من الله بعونه وتوفيقه . والله أعلم .
__________________
|
#176
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 179) مثنى محمد هبيان ﴿أَمۡ حَسِبتُمۡ أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُمۖ مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ [البقرة: 214] السؤال الأول: قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبتُمۡ أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُمۖ مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ [البقرة: 214] وفي رواية ورش جاء (يقولُ) بالضَّمِّ فما دلالة الضمِّ؟ الجواب: 1ـ ما الفرق اللغوي في المعنى بين الفعل المنصوب والفعل المرفوع بعد (حتى) ؟ والجواب: آـ القاعدة أنّ الحرفَ (حتى) قد يأتي بعده الفعل مرفوعاً وقد يأتي منصوباً، و(حتى) لا تَنصب إلا إذا كان الفعل بعدها مستقبل الوقوع، مثل: سأدرسُ حتى أنجحَ؛ لأنَّ النجاح يكون مستقبلاً، كما في قوله تعالى: ﴿قَالُواْ لَن نَّبرَحَ عَلَيهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرجِعَ إِلَينَا مُوسَىٰ﴾ [طه:91]. ب ـ إذن النصبُ يفيدُ الاستقبالَ، ولذلك هم قالوا: إذا قلت: جئتُ حتى أدخلَ المدينةَ، يعني أنت لم تدخلها بعد، وإنْ كان قد دخلها يقول: جئتُ حتى أدخلُ المدينةَ . لا تقولها بالرفعِ إلا وأنت في سِكَكِها، فلو سمعناها بالنَّصبِ (حتى أدخلَ) نفهَمُ أنه ما دخلها. مثال آخر: أنت تقول: ما الذي جاء بك؟ يقولُ: جئت حتى أزورَ فلاناً، أي: يعني أنه لم يزره بعدُ، أمّا إذا قال: جئتُ حتى أزورُ فلاناً، يعني: زاره. ج ـ لذلك نؤكِّدُ على القاعدة في المعنى: إذا كانت بالرفع تدل على فعل حدث، وإذا كانت بالنصب يعني أنّ الفعل لم يحدث بعدُ. 2ـ في الآية يتكلم القرآن عن جماعةٍ مضوا ﴿حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ﴾ بالنَّصبِ، إذن هذا بعد إصابة البأساء والضراء والزلزال ثم قال الرسول، فهو إذن استقبالٌ لما بعد الإصابةِ، أي: هذا مستقبَلٌ بالنسبة لإصابةِ البأساءِ والضراءِ، ونفهم من ذلك أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالها إلا بعد البأساءِ والضراءِ والزلزلة النفسيةِ، إذن هذه منصوبة؛ لأنَّ القول يكون بعد البأساء والضراء. 3ـ (حتى يقولُ) بالرفعِ هذا ماضٍ بالنسبة للإخبارِ عنهم؛ لأنّ الإخبارَ كُلَّه وقع، فأنت الآن تخبِرُ عن أمر ماضٍ وقعَ، فالبأساءُ حدثت والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلامَ وأنت تتكلَّمُ عن تاريخٍ، لذلك قوله تعالى: (حتى يقولُ) بالرفعِ، هذا إخبارٌ عما وقع عن حادثةٍ ماضيةٍ، فيقوله بالرفع. إذن هناك أمران: إذا كان الاستقبالُ لما بعد الإصابةِ يقول: (حتى يقولَ) بالنصب، وإذا كان إخباراً عن كلِّ الحوادثِ يقولها بالرفع (حتى يقولُ). 4ـ قد يقول قائل: ألا يتعارض هذا بعضه مع بعض؟ والقرآنُ ماذا يريد أنْ يقول؟ هل قالها الرسولُ قبل البأساء أو بعد؟ والجواب: أنّ في الآية جانِبَينِ: الأول أنه ذكر حالة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل القولِ فنصبَ، والثاني أنه ذكر حالَ الإخبار عنها بعد القول فرفع، ولا يوجد تعارض بين القراءتين وإنما ذكر حالتين: حالة قبل القول وحالة إخبار بعد القول. 5ـ نلخص ما سبق: في الآية قراءتان متواترتان هما: آـ حتى يقولَ ـ بالنصب. ب ـ حتى يقولُ ـ بالضم. والقاعدة النحوية كما ذكرنا أنه إذا كان الفعل مستقبلاً بعد (حتى) نصبتَ ، وإذا كان حالاً محكية رفعتَ فقولك: أسيرُ حتى أدخل البلدةَ، إذا لم يتم الدخول نصبتَ الفعلَ، وإذا حصل الدخول رفعت. (حتى يقولَ) بالنصب: أي: يقول الرسول مستقبلاً بعد الإصابة بالبأساء والضراء والزلزلة، أي بتقدير: وزلزلوا إلى أن يقولَ الرسول. (حتى يقولُ) بالرفع: إخبار عما وقع في الماضي، كأنه تاريخ عن الإصابة بالبأساء والضراء والزلزلة. فكأنّ القراءتين شملتا الحالتين، قبل القول وبعد القول . والأكثرية اختاروا النصب؛ لأنّ قراءة الرفع لا تصح إلا إذا جعلنا الكلام حكايةً عمن يخبر عنها حال وقوعها، أمّا قراءة النصب فلا تحتاج إلى هذا الفرض، لذا كانت قراءة النصب أولى. والله أعلم . السؤال الثاني: ما دلالة الفعل ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ في الآية؟ الجواب: انظر أخي المؤمن كيف عبّر الله عن شدة المصاب بقوله ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ وهذا الفعل يدلُّكَ على شدة اضطراب نظام معيشتهم؛ لأنّ الزلزلة تدل على تحرك الجسم في مكانه بشدة، والتضعيف في الفعل زلزلوا يدل على تكرر هذا الحدث. والفعل ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ معناه أنهم فتنوا من أكثر من جهة ، وليس من جهة واحدة، وهو أبلغ في التعبير. السؤال الثالث: ما الفرق بين المسِّ واللمس ؟ الجواب: اللمس: يكون باليد خاصةً ليُعرف اللين من الخشونة والحرارة من البرودة، والمسُّ: يكون باليد وبغيرها. قال تعالى: ﴿مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ﴾ [البقرة:214] وقال: ﴿وَإِن يَمسَسكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ﴾ [الأنعام:17] ولم يقل: يلمسك. السؤال الرابع: ما الفرق بين البأساء والضراء ؟ الجواب: البأساء: لغة هي الشدة عموماً والمشقة والبؤس والفقر والحرب، ولكنْ أكثر ما تستعمل في الأموال والأنفس. الضراء: لغة هي المرض في الأبدان وما يصيب الأموال. ونقل عن ابن تيمية رحمه الله تعالى : البأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب. السؤال الخامس: ما المعلومات النحوية عن الحرف (حتى) باختصار ؟ الجواب: مقدمة نحوية: الحرف (حتى) يدخل على الفعل المضارع فينتصب بعده أو يرتفع، فهو ينصب بعده إذا كان مستقبلاً، وأمّا إذا كان حالاً أو قولاً عن الماضي فيرفع. وتأتي (حتى) في معانٍ ثلاث مع النصب: آ ـ انتهاء الغاية بمعنى: (إلى أنْ) نحو قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ يَرجِعَ إِلَينَا مُوسَىٰ﴾ [طه:91]. ب ـ التعليل بمعنى: (كي) كقوله تعالى: ﴿لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ﴾ [المنافقون:7] وكقولك: أطعتُ الله حتى أدخلَ الجنة. ج ـ مرادفة لمعنى: (إلا أنْ) في الاستثناء. السؤال السادس: ما المعنى العام لهذه الآية ؟ الجواب: ذكر الله تعالى في الآية التي سبقتها أنّ الله يهدي من يشاء إلى الحق وطلب الجنة، فبيّن الله تعالى في هذه الآية للمؤمنين أنّ هذه الفضيلة من الهداية لا يستحقونها إلا بتحمل المحن كما تحملها المؤمنون مع الأنبياء السابقين. السؤال السابع: ما دلالة حرف الاستفهام (أم) في الآية ؟ الجواب: ( أمْ ) حرفُ استفهام نحو: أزيد أفضل أمْ خالد؟ آ ـ وقد تأتي بمعنى (بل) والهمزة ، كما في قوله تعالى ﴿أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلمُصَيطِرُونَ﴾ [الطور: 37] والمعنى: بل أعندهم خزائن ربك . ب ـ وقد يكون الاستفهام بها حقيقياً نحو: هذا المنطلق أحمد أم هو إبراهيم ؟ فقد بنيت كلامك على اليقين أنه أحمد، ثم أدركك الشك وسألت: بل أهو إبراهيم ؟ ج ـ وقد يكون الاستفهام بها غير حقيقي، فيراد به الإنكار والتوبيخ نحو قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُ ٱلبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلبَنُونَ﴾ [الطور: ٣٩] . د ـ وكذلك فإنّ (أم) المنقطعة تفيد الإضراب بل قد تتجرد له كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ يَستَوِي ٱلأَعمَىٰ وَٱلبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَستَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ﴾ [الرعد: ١٦]. السؤال الثامن: كيف يليق بالرسول القاطع بصحة وعد الله أن يقول على سبيل الاستبعاد ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ ؟ الجواب: إنّ كونه رسولاً لا يمنع من أنْ يتأذى من كيد الأعداء، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحِجر:97] وقوله: ﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤمِنِينَ﴾ [الشعراء:3] وقوله: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا ٱستَئَسَ ٱلرُّسُلُ﴾ [يوسف:110] . وعلى هذا إذا ضاق قلبه وقلت حيلته وهو يعلم أنّ نصر الله آتٍ- وإنْ كان لا يعرف وقته تحديداً- فماذا عليه لو سأل عن موعد ذلك النصر؟ ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ حتى إذا علم قرب الوقت زال همه وطاب قلبه كما قال في الجواب: ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ فتضمن الجواب ذكر القرب؛ لأنّ السؤال كان عن قرب النصر، ولو كان السؤال عن وجود النصر من عدمه لما كان الجواب مطابقاً لذلك السؤال. السؤال التاسع: قوله تعالى: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ إلى من يعود ؟ الجواب: قوله تعالى: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ هو قول الذين آمنوا، وقوله تعالى : ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنْ يكون جواباً من الله تعالى لهم تثبيتاً لقلوبهم. السؤال العاشر: إنْ قيل إنّ قولَه تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ يوجب في حقِّ كل من لحقته شدة أنْ يعلم أنه سيظفر بزوالها وذلك غير ثابت، فكيف ؟ الجواب: آـ لا يمنع أنْ يكون هذا من خواص الأنبياء عليهم السلام. ب ـ أو يكون ذلك عاماً؛ لأنّ الإنسان في البلاء إمّا أنْ يتخلص منه أو يموت، وإنْ مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعله قريباً؛ لأنّ الموت قريب. ج ـ هذه الآية: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ فيها استبطاءٌ ، وفيها بشرى بالنصر القريب. والله أعلم .
__________________
|
#177
|
||||
|
||||
![]() من روائع البيان في سور القرآن ( 180) مثنى محمد هبيان ﴿يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقتُم مِّنۡ خَيرٖ فَلِلوَٰلِدَينِ وَٱلأَقرَبِينَ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 215] السؤالالأول: ما دلالة الآيات التي بدأت بقوله تعالى: ﴿يَسَٔلُونَكَ﴾ ؟ الجواب: انظر الجواب في آية البقرة 189. السؤالالثاني: كرر القرآن لفظة (ماذا) في الإنفاق مرتين، فقال: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ﴾ في آيتي البقرة 215، 219 فما دلالة هذا التكرار ؟ الجواب: قال تعالى: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ﴾ فجاء بـ(ماذا)، وهذا يدل على المبالغة في الاستفهام؛ ولذلك ـ والله أعلم ـ كرّر السؤال مرتين، مرة في الآية 215، ومرة في الآية 219، فمرة أجاب عن السؤال ببيان أوجه الإنفاق المشروعة، ومرة أجاب عنه بنوع المال الذي ينفق، فكرر السؤال مرتين، وأجاب عنه مرتين، لأهمية السؤال؛ ولذا جاء بـ (ماذا) بدل (ما) لأنّ (ماذا) أبلغ وأقوى مِن (ما). السؤالالثالث: قوله تعالى في الآية: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ ما الفرق بين: عالم وعلّام وعليم؟ الجواب: 1ـ كلمة (عالم) في القرآن لم ترد إلا مع (عالم الغيب) مفرداً أو (عالم الغيب والشهادة) عِلماً أنها وردت في (14) موضعاً في القرآنِ ولم تَرِد بمعنىً آخر، و ( عالم ) اسم فاعل لا يدل على الكثير عادة، فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير. شواهد قرآنية: مقترنة بالغيب أو بالغيب والشهادة: ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا﴾ [الجن:26] . ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلحَكِيمُ ٱلخَبِيرُ﴾ [الأنعام:73] . 2ـ (علّام )خصّصها للغيوبِ، كقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ﴾ [التوبة:78] ولا تجد كلمة (علّام )في القرآن في غير ﴿ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ ﴾ ولم ترد إلا مع الغيوبِ ـ جمع الغيب ـ مجموعةً، والعلاّم كثرة والغيوبُ كثرة . ومثل ذلك (سمّاع وسميع) في القرآن: آ ـ سمّاع، استعملها في الذمِّ، كقوله تعالى: ـ ﴿ سَمَّٰعُونَ لِلكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأتُوكَۖ﴾ [المائدة:41] . ـ ﴿ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ﴾ [التوبة:47] . ب ـ و(سميع) استعملها تعالى لنفسه ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:224] واستعملها في الثناء على الإنسان ﴿ إِنَّا خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ مِن نُّطفَةٍ أَمشَاجٖ نَّبتَلِيهِ فَجَعَلنَٰهُ سَمِيعَا بَصِيرً﴾ [الإنسان:2] وسمّاع لم يستعملها إلا في الذم، إذن القرآن يخصص في الاستعمال. 3ـ لفظة ( عليم) مطلقة، ويستعملها في كل المعلومات: آـ على سبيل الإطلاق ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:29] يستعملها إما للإطلاق على الكثير. ب ـ أو يطلقها بدون تقييد ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:247] . ج ـ أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع. شواهد قرآنية: قوله تعالى: ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس:79] هذه مطلقة و(كل ) تدل على العموم . ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:29] هذا إطلاق أو على العموم. ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:115] ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:247] ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَلِيمُ ٱلحَكِيمُ٣٢﴾ [البقرة:32] . ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [البقرة:95] ﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلمُفسِدِينَ﴾ [آل عمران:63] ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:115] ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ [آل عمران:119] مع الجمع نحو (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) . ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:215] بفعل الجمع، فلم يقل مثلاً : (وما تفعل من خير). ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعمَلُونَ﴾ [يوسف:19] ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيمٞ﴾ [النور:28] للجمع أو فعل الجمع. 4ـ إذن كلمة ( عليم) لم تحدد بشيء معين، إمّا للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع، ولم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن، لذلك لا تجد: عليم بفلان، أو بفعل فلان. بينما (علاّم) محددة، و(عالِمٌ) محددة. وإذا أراد أحدهم أنْ يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، وهذه ظاهرة في القرآن . السؤالالرابع: ما دلالة هذه الآية ؟ الجواب: 1ـ هذه الآية نزلت في نفقة الرجل على أهله وأرحامه ، وهو سؤال عن المُنفَق والمُنفَق عليه ، ونزلت في الصدقة يُتصدق بها على المحتاجين . 2ـ عمرو بن الجموح كان رجلاً كبيراً كثير المال ، فسأل النبي عليه السلام بماذا نتصدق ؟ وعلى من نُنفق ؟ وقد تكرر هذا السؤال من قبل بعض الصحابة ، فأنزل الله سبحانه مبيناً الأَوْلى بالنفقة فالأَوْلى ، وأنّ النفقة تكون بما تيسر لهم من الخير من أصناف المال الحلال الطيب . 3 ـ راعى الترتيب في الإنفاق ، فقدّم الوالدين لعظم حقهما ، ثم ذكر الأقربين ، ثم اليتامى والمسكين وابن السبيل . 4 ـ قوله تعالى : ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ ختم بالعلم لأجل دخول الخلل على النيات في الإنفاق، لأنّ تباهي النفس بالإنفاق يفسد الصدقة حيث لا بدّ معها من الإخلاص . والله أعلم .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |