#1
|
||||
|
||||
نقد الأشخاص
نقد الأشخاص د. محمود عبدالجليل روزن الفاصل شَعَرَةٌ بين نقد الشخص ونقد الموقف أو الفكرة، قد لا يتنبه لها كثيرٌ ممن يُصدِّرون أنفسهم للنقد. ومن صُوُر نقد الشخص: • التعرُّض للخِلْقَةِ: فتجده بدل أن ينقد السلوك يعيبُ عليه خِلْقَتَه فيقول: ما أطولَ أذنيه! ما أضخمَ كرشه! ما أسودَ لونه، وإنَّ سواد لونه ما كان إلا لسواد قلبه، وإنَّه أعمى البصيرة كما هو أعمى البصر! والإنسانُ الذي ذهبَ في الإنسانية مذهبًا؛ يعلم أنَّ نقد الخلقة لا يليقُ بعاقلٍ، فالخلقة ليست من كسبِ المرء ولا من كدِّه ولا كدِّ أبيه، فعلامَ يعيبه؟ وليعلم العاقل أنَّ الـمظهر عمومًا، محض هبة من الله / فإن عابه فهو يعيب الخالق لا الخلقة، وهذا لا يقع فيه إلا مُلحدٌ، وأمَّا ما كان من لباسٍ وريشٍ يواري السوأةَ فلا ينتقدُ إلا إن كان فيه ما يُخالِف شرعًا، أو عُرفًا مستقرًّا فيما ليس فيه شرعٌ. • التعرُّض للآباء: فلا يسلمُ أبو الـمُنتَقَدِ ولا أمُّه، ولا عشيرته الأدنوْنَ. وقد يتجاوزُ ويشطُّ فيتسلَّق شجرة العائلة يفرزُ – بزعمه – فروعها وأوراقها حتى يصل إلى موضع الخلل من وجهة نظره، فيُرجعُ مشكلة فلانٍ إلى جدِّه الخامس عشر الذي كان يهوديًّا وأسلم، أو إلى جدَّته الحادية عشرة التي كانت قينةً لأحد الأمراء! • ومنه استدعاء التاريخ: فتجدُ الناقدَ يسرد للمنتقدِ تاريخ زلَّاته بما لا مزيد عليه في دقة التوثيق، وإن كان هذا التاريخُ لا يتعلَّق من قريب ولا بعيدٍ بالأمر المنتَقد، وذلك في الناس كثيرٌ، والله المستعان. • ردُّ النقد بالشتم والفُحش في القول، وقد نعى الله - عز وجل - على أقوامٍ كانوا مضرب المثل في الفصاحة والبلاغة انحدروا إلى حضيض الهُجر والفحش والبذاءة فقال: ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [المؤمنون: 66 - 70]. وتَهْجُرون أي: تقولون القبيح الفاحش من القول، والفُحْشُ والبذاءة تبدأ عند غياب التعقُّل، وفقد الحجَّةِ والدليل. والإمعان في رفض الحقِّ والتمرُّد على الانصياع له وبُغضه يكون عادةً مصحوبًا بالفُحش والبذاءة. ولـمَّا كان الحقُّ ضالَّةَ المؤمن؛ كان المؤمن أكثر الناس انقيادًا للحقِّ واستسلامًا له بل ومحبَّة له، وإن خالف ذلك هواه، ومن تمام إيمانه موالاته ومعاداته على هذا الحقِّ، فهو يُحبُّ لله وفي الله ويُبغض لله وفي الله، فإن أحبَّ شخصًا فلِقربه من الحق وانتسابه إليه، وإن أبغض شخصًا فلبغضه الحقَّ ونفوره منه لا لعداوةٍ شخصيَّة ولا لدنيا يتنازعانها، ومَن أحبَّ للحقِّ وأبغض للحقِّ كان أعفَّ الناس لسانًا وأنصعهم بيانًا، ولهذا نفى الرسول صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عن الطعَّانين اللعانين فقال: "ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللَّعَّان ولا الفاحش ولا البذيء"[1]. وبقدر ما يكون في المرء من هذه الصفات الذميمة بقدر بُعده عن كمال الإيمان. وقد يُؤتى المرءُ من قِبَل اعتقاده أنَّ دعوته إلى الحقِّ تُبرِّر أو تغفر له إفحاشه القول لمخالفيه، وهيهاتَ؛ فالداعيةُ أحقُّ الناس بالتعفُّف في القول والفعل، ولأنَّ المؤمن الصادق يحبُّ الخير للناس جميعًا فقد يأذن الله له في الشفاعة لغيره ممن ارتضاهم، فيشفعُ - على الأقلِّ - لذوي لُحمته وذريته وأحبَّائه الأدنَيْنَ، إلا أنَّ اللَّعَّان - وإن كان في الدنيا يدعو إلى الحقِّ، وإن دخل الجنة - فإنَّه ليس جديرًا بمقامِ الشفاعةِ، وهو الذي ما انفكَّ يلعنُ مُخالفه ظنًّا منه أنَّه يذُّبُ بذلك عن الحقِّ، ولو علِم لعلم أنَّه يصدُّ عن الحقِّ، بل؛ ويُحرَم من شرَف الشهادة على الناس الذي اختص الله به أمَّة محمِّد صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يكون اللَّعَّانون شفعاءَ ولا شهداء يومَ القيامة"[2]. [1] رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح5381). [2] رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |