تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 32 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #311  
قديم 12-11-2020, 12:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ...)
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [آل عمران:91] أي: كفروا بالله ولقائه .. بالله ورسوله .. بالله وكتابه .. بالله وشرائعه، وماتوا على الكفر، فما أسلموا بعد ذلك ولا رجعوا، فهؤلاء يقول تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آل عمران:91] كل هذا يوم القيامة في عرصاتها .. في ساحة فصل القضاء. وهل هناك مال يومئذ؟ لا، وهذا من باب التقريب للأذهان، فتوبتهم لا تقبل، والفداء لا يقبل، ولو أراد أحدهم أن يفتدي وكان يملك ملء الأرض ذهباً وقدمه والله ما قبل منه، إذ العمل قد انتهى، والدار دار جزاء إما نعيم مقيم أو عذاب أليم.قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: من العرب والعجم .. من اليهود والنصارى .. من أي جنس وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ماتوا على الكفر، هؤلاء: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ لو قال: رب! هذه الأموال كلها وأنقذني بها من دخول النار؛ إذ يوم القيامة لا دينار ولا درهم، بل ولا نسب ولا حسب، قال تعالى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، وكل ما في الأمر: هل النفس زكية طاهرة أو خبيثة منتنة؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] وزكاتها يومئذ، وطهارتها مبنية على تزكيتها اليوم وتطهيرها بالإيمان وصالح الأعمال وبإبعاده عن الشرك والعصيان.ثم قال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:91] أي: موجع.ما هذا العذاب الأليم؟قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [الطور:13-14]، اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:16] أي: تدري؟ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ [الدخان:43-44] والأثيم هو المتوغل في الآثام من الشرك والكفر إلى الظلم والشر والفساد، فقد خبثت نفسه، وهذا هو طعامهم، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:45-46] فهذا الزقوم لما يأكلوه يغلي في بطنه كما تسمع الغليان في القدر، كغلي الحميم، لا، كالماء الحار لما يغلو خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى أين؟ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:47-48] فهذا عذاب جسماني قد يطاق ويتحمل، ووراءه عذاب نفسي لا يطاق وهو قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] أي: ذق إنك أنت العزيز في الدنيا الغالب المعتز بوجودك وبلادك وكرمك، فهذا عذاب الروح أشد من عذاب البدن، وإلى الآن الأحرار كلمة في أعراضهم تقتلهم أكثر من ضربة بالسيف.وهل تريدون ألواناً من هذا العذاب؟قال تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ موحد ومشرك فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19] ثياب من نار من يفصلها ويقطعها الزبانية يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21] أي: مرزبة على رأسه مقامع من حديد.ماذا تقولون؟ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ [يس:63-64]. والله تعالى نسأل أن يقينا عذاب النار، فلهذا لا يصلين أحدكم صلاة حتى يستعيذ بالله من أربع، وهي آخر ما يصلي على النبي يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال ). وما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات. وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91] فلا يوجد من ينصرهم بتأخير العذاب أو بتفتيره عن أوقات معينة، فقد انطوت الحياة كلها وما بقي إلا عالمان أعلى وأسفل .. عليون وسجين، ليس هناك حياة أخرى، وأهل النار في سجين، وإن كانوا من أهل التوحيد فإنهم يصهرون فيها ويلبثون فيها أحقاباً ويحترقون حتى يصبحوا كالحمم أي: كالفحم، ثم يخرجهم الله بتلك الحسنة وهي قولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله! ويقدمون أو يساقون إلى نهر يسمى: نهر الحيوان، مبالغة في الحياة، فيغسلون فيه فينبتون كما ينبت البقل، ثم يدخلون دار السلام. هذا إن كانوا موحدين لم يشركوا بالله شيئاً، لكن من ذنوبهم أنهم سفكوا الدماء .. أكلوا أموال الناس .. فجروا، كذا .. وماتوا بدون ما توبة، والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] فهذه حسنة التوحيد.يا من قلوبهم مع الله! أبشروا حتى لو عذبتم ما شاء الله في عالم الشقاء تعودون إن شاء الله إلى دار السلام.نسأل الله ألا ندخل النار وألا نعذب لا ساعة فيها ولا يوم، بل نريد أن ندخل مع السابقين: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:10-14] اللهم اجعلنا من هذا القليل.

تفسير قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ...)
قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ [آل عمران:92] يا معشر المؤمنين والمؤمنات حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92] وسيجزيكم عليه قل الجزاء أو كثر بحسب عمله. وهذه الآية معشر المؤمنين والمؤمنات نزلت فينا لا في اليهود ولا في النصارى؛ لأننا تواقون إلى البر، وسباقون، وكل يرغب أن يكون من الأبرار، والأبرار جمع بار وهو المطيع الصادق في طاعته لله ورسوله، قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا [الانفطار:13-15] متى؟ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ [الانفطار:15-16].يا من صاموا وصلوا! يا من قاموا الليل! يا من بذلوا أنفسهم! يا من يسارعون في الخيرات ويسابقون! يا عمر! يا فلان! تعالوا إلى هذا الإرشاد الإلهي وهو: اعلموا أنكم لن تنالوا البر وجزاءه وهي الجنة دار النعيم، ولن تنالوا وصف الأبرار على الحقيقة حتى تنفقوا في سبيل الله مما تحبون، أما الذي لا ينفق أو ينفق مما يكره لا مما يحب فلن يصل إلى هذا المستوى؛ لأن لفظ البر كلمة جامعة للخير كله، والمراد به هنا: الجنة، إذ هي جزاء الأبرار، فلن تنالوها حتى تنفقوا مما تحبون.والحمد لله! ما قال: حتى تنفقوا ما تحبون وإلا خرجنا الليلة من بيوتنا: حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].واشرأبت أعناق المؤمنين لهذا النداء القرآني، فهذا عمر قال: يا رب! أنا ما عندي إلا الجارية الفلانية هي أحب ما أحب من الجواري، فهي لك يا رب، فعتقها.أما ولده عبد الله فقال: أنا عندي نافع مولاي فهو لك يا رب، فأعتق نافعاً .ومِن الصحابة من كان عنده فرس هي أحب ما يكون إليه فقال: هذه فرسي لك يا رب! فهي الذي أحب.وجاء ذاكم الصحابي الجليل طلحة صاحب حديقة بيرحاء، وبئرها كان موجوداً، والآن زال، وقد رأينا بئرها وشربنا منه، فقال : ( يا رسول الله! لقد نزل عليك قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء ) أي: حائط بيرحاء، وعنده بساتين أخرى لكن هذه ذات أشجار وظلال ونخيل وماء عذب، وهذا الماء شربنا منه بعد ألف وأربعمائة سنة.قال الصحابي: ( ضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال له الرسول: بخ بخ، ربح البيع. اجعلها في أقاربك، فوزعها بين أقاربه ).ولو يقوم إمام المسلمين الآن ويقول: نريد أن نغزو فأنفقوا مما تحبون، فالذي يقدم سيارة ممتازة يكون حاله كحال هذا الصحابي، والذي يقدم سيارة مهللهة فلا ينفع.أقول: الحمد لله! ما قال: أنفقوا ما تحبون، فمن يطيق؟ بل قال: مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، فإذا كان عندك قطع من الذهب فأنفق منها قطعة، وإذا كان عندك قطع من الفضة فأنفق منها قطعة، وإذا كان عندك من البساتين الكثير وأحب إليك البستان الفلاني فأخرجه تصدق به، وهكذا. وفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زال المؤمنون يفعلون.قال تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قل أو كثر فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92] ومعنى هذا: لازمه أنه يجزيكم عليه، ويعطيكم ثوابه، والحسنة بعشر أمثالها، وريال الذي راتبه ألف ريال يعدل مائة ريال الذي راتبه عشرة آلاف ريال، فتختلف الحسنة بأصحابها، فإن كانوا أغنياء فدرهمهم ليس كدرهم الفقير الذي لا يملك، ومعنى هذا أن باب الله مفتوح، فيا من يريدون أن يدخلوا الجنة فإنها مفتحة الأبواب. قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [آل عمران:90] فلو كان كفروا ثم تابوا قبلوا كما تقدم في الآية السابقة، لكن ازدادوا كفراً وتوغلوا فيه فلن تقبل التوبة، فخبثوا، وما أصبحت أرواحهم قابلة للطهر والصفاء وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ [آل عمران:90] والضال هو البعيد الضلال الذي لا يرجع.ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [آل عمران:91] فما تابوا قبل أن يموتوا، فهؤلاء الجزاء : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ فداء مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا [آل عمران:91] لو افتدى به، مع أن هذا لا وجود له، فهو من باب الفرض والتقدير فقط. قال: أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:91] ينصرونهم، لا بتخفيف العذاب ولا بتأخيره ولا ولا.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

من هداية الآيتين
قال المؤلف: [من هداية الآيتين: أولاً: سنة الله فيمن توغل في الكفر أو الظلم أو الفسق وبلغ حداً بعيداً أنه لا يتوب ] فلهذا عجل بالتوبة ولا تؤخرها أبداً، ولا تقل: حتى أتزوج .. حتى تعود أمي .. حتى أبني المنزل .. حتى أتوظف، فانتبه لهذه الكلمات التي يمليها الشيطان، فإذا شعرت بأنك أذنبت فقل: أستغفر الله وأتوب إليه .. أستغفر الله وأتوب إليك، خشية أن يحال بينك وبين التوبة.ثم قال: [ ثانياً: اليأس من نجاة من مات كافراً يوم القيامة ] فإذا مات أبوك أو أخوك أو زوجتك أو أمك -والعياذ بالله- على الكفر، فلا نجاة أبداً، وليس هناك رجاء أبداً، أيئس. وإذا مات من مات على الكفر أيسوا المؤمنين من أن يدخلوا الجنة أبداً، وهذا كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا [آل عمران:91] فهذا تيئيس.ثم قال: [ ثالثاً: لا فدية تقبل يوم القيامة من أحد، ولا فداء لأحد فيه ] فلو قدمت أسرتك كلها أو تقدمت الأسرة تقول: يا رب! أدخلنا النار وأنج والدنا وأدخله الجنة؛ والله لا يقبل أبداً، بل لو تقف البشرية كلها وتقول: يا رب! أنقذ فلاناً فقط وأدخله الجنة.ومن أراد الصورة المثالية: فهذا رسول الله قائم على الحوض في عرصات القيامة، وإذا بجماعات ممن ينتسبون إلى الإسلام يقبلون على الحوض فيطردون، فتطردهم الملائكة فيقول: ( رب! إخواني، يقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً ).وأوضح من هذا إبراهيم وقد واعده ربه في القرآن بإنقاذ والده من النار، فلما يجد والده في النار يصرخ: يا رب! لقد واعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار فأي خزي أخزى من هذا يا رب! فيقال له: انظر تحت قدميك. وكان رافع رأسه يبكي، فينظر وإذا بين يديه والده آزر البابلي في صورة ذكر الضباع ملطخ بالدماء والقيوح، فما إن يراه إبراهيم عليه السلام حتى يقول: سحقاً سحقاً، فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في عالم الشقاء، فتطيب نفس إبراهيم.إذاً: من مات له ميت على الشرك والكفر فلييأس من نجاته، أما من مات على ذنب: آكل ربا .. زنا فعل كذا وعقيدته مؤمنة سليمة فهذا يرجى له، وأما من مات على الكفر، والكفر هو الجحود، فمن جحد كلمة واحدة من شرع الله فهو كافر، والتكذيب من كذب الله أو رسوله في قضية واحدة وآمن بكل القضايا فهو كافر. قول ربنا لنا نحن المؤمنين: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قلَّ أو كثر فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92]، ولازم ذلك أن يجزيكم، فلا تقل: آه لعل الله ما يدري أنني أنفقت يوم كذا كذا وكذا، فانتبه! فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92].
قراءة في تفسير قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ...) من كتاب أيسر التفاسير

من هداية الآية
قال المؤلف: [من هداية الآية: أولاً: البر وهو فعل الخير يهدي إلى الجنة]، وإياك أن تفهم البيرة فهي خمر عالمية، والمرضى بالجهل مساكين صاروا يورّدونها إلى المدينة بحجة أنها خالية من مادة الإسكار الكحول، وأصبحنا نسمع البيرة: أعطني بيرة في المقاهي. وهذه قبل ثلاثين سنة، والحمد صرخنا وبكينا في هذا الدرس وقلنا: يا جماعة! حتى لو كانت عسلاً ما دام اسمها البيرة فهي حرام.وهذا الشاطبي يقول في أصول الفقه: لو تتناول كأس اللبن أو الماء أو العسل على الهيئة التي يتناولها عليها الشرّيب الذي اعتاد يشرب الخمر؛ فتأخذ الكأس على الطريقة التي يأخذ انقلب فوالله إن لبنك إلى خمر، وإنك آثم.وكذلك الذي يمسك القلم ليكتب به على هيئة الحشاشين أصحاب الدخان، وانظر لما يركب السيارة كيف يعمل السيجارة، وأنت تتناول القلم رغبة في أن تكون مثله فانقلب قلمك إلى سيجارة، وهذا لا يصح.واسم البيرة يكفي، وأكثر من يشربها من أبنائنا الطائشين يشربها من أجل اسمها البيرة.ثانياً: الحجاج والزوار عندما يزورون دولة الإسلام التي يمنع فيها صنع الخمر وبيعه وتوريده، ويجلد صاحبه أمام المسجد، يقولون: البيرة موجودة في المدينة، كيف هذا؟! وهي والله موجودة، فسببتم حكومة القرآن وشتمتموها أمام العالم، وهذه وحدها كافية في تحريم هذه المادة، وهذا السائل حرام أن تقدمه، وقد سببتم دولة القرآن وعرضتموها للطعن والنقد والإهانة.ثالثاً: إنهم يوردون عشرين كرتونة كما يقولون بيرة، ويدسون كرتون الوسكي بينها، والله قد فعلوا، وهذه حيل الفساق والفجار والجاهلين الذين لا يعرفون الله إلا بالانتساب، والحمد لله قد استجابت الهيئة وطاردوهم ومنعوها من الدكاكين. قال: [ ثانياً: لن يبلغ العبد بر الله وما عنده من نعيم الآخرة حتى ينفق من أحب أمواله إليه ]، فإن ورثت باخرة كاملة من البيرة فارمها في البحر، والله ليعوضنك الله أكثر مما رميته، وأنت يا صاحب المقهى إن اشتريتها في غفلة أو جهل فارمها في بئر، واطلب الجزاء من الله، فوالله لن تخيب ولن يخيبك.أما أنت يا ضائع! يا من يتلذذ باسم الحرام في مدينة الرسول! فاعلم أنك على حفا هاوية، وإن لم ينقذك الله هلكت، والذي يشرب البيرة ويتلذذ بها والله لو وجد المسكر شربه، أقسم بالله لما نعرف من سنة الله في الخلق.قال: [ ثالثاً: لا يضيع المعروف عند الله تعالى قلَّ أو كثر، طالما أريد به وجه الله تعالى ]، فالذي يتصدق بمليار كالذي يتصدق بريال، والله لا يضيع أجر هذا ولا ذاك، والذي يتصدق بتمرة كالذي يتصدق بصاع من التمر؛ لأن الله لا يضيع أجر المحسنين.وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #312  
قديم 12-11-2020, 01:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (28)
الحلقة (169)

تفسير سورة آل عمران (34)

أحل الله عز وجل لعباده الطيبات من الرزق، ومن ذلك أنه أحل لبني إسرائيل كل الطيبات من المطاعم والمشارب إلا ما حرمه يعقوب على نفسه لنذر سبق وأن نذره، ثم لعصيان بني إسرائيل وطغيانهم وتمردهم على شرع الله عاقبهم الله تعالى بأن حرم عليهم طيبات كانت قد أحلت لهم.

تفسير قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عندهم ) ، اللهم حقق لنا هذا الرجاء؛ إنك ولينا، ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران إلى هذه الآيات، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:93-97].

سبب نزول قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل ...)
معاشر المستمعين والمستمعات!قول ربنا جل ذكره: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ... [آل عمران:93] الآية، ما سبب نزولها؟ما زال السياق مع أهل الكتاب! وها هم اليهود يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: أنت تدّعي أنك على ملة إبراهيم، وها أنت تبيح ما حرم الله على إبراهيم وبني إسرائيل؛ فتأكل لحوم الإبل وتشرب ألبانها، فأين تقيّدك بملة إبراهيم؟!فعلماء اليهود بالمدينة لما نزلت الآيات: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] قالوا: كيف تقول: أنا على ملة إبراهيم وتستبيح ما كان حراماً على إبراهيم؟فأجاب الرحمن ولي محمد صلى الله عليه وسلم قل لهم: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ [آل عمران:93]، فلا لحوم الإبل ولا الألبان ولا لحوم ذات الظفر ولا .. ولا.وقوله: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أي: لأولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وأولاده الأسباط هي قبائل بني إسرائيل. كَانَ حِلًّا ، ومن يرد على الله؟قوله: كُلُّ الطَّعَامِ على اختلاف أنواعه كان حلاً بمعنى: حلال، لبني إسرائيل اللهم إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ [آل عمران:93]، وبين يعقوب عليه السلام ونزول التوراة قرون ومئات السنين، فالتوراة أنزلت على موسى، فأين موسى من يعقوب؟والآن أسكتهم فقال: إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عليه السلام عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ [آل عمران:93].وماذا حرم إسرائيل على نفسه؟كان إسرائيل قد مرض بعرق النسا، عافانا الله وإياكم منه، وفيه آلام يعرفها من أصيبوا به، فنذر لله تعالى إن شفاه ألا يأكل ما يشتهي في هذه الحياة، وأن يترك أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام والشراب إليه لحوم الإبل وألبانها، فما إن شفاه الله تعالى حتى تركها فلا يأكل لحم الإبل ولا يشرب لبنها، هذا والله لحق.قال: إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ وإسرائيل هو يعقوب، ولقب بإسرائيل لأن إيل معناها: اسم الله القوي القدير، وجبريل .. ميكائيل .. إسرافيل .. إسماعيل، فإيل هو الله -بالعبرية- القوي القدير.

علاج نبوي لمرض عرق النسا
هنا علاج لمرض النسا مذكور في هامش الكتاب: [ روى ابن ماجه في سننه ]، وهو من أصحاب السنن، وسننه مقبولة إلا ما ضعفه أهل الحديث، [ عن أنس بن مالك ]، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. خادم نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد تبرعت به أمه وأبوه، فلما نزل الرسول بالمدينة وما عنده أولاد، جاءت به أمه وقالت: هذا ابني يخدمك يا رسول الله!وقد وقع مثل هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أم أنس ، فوالله إن رجلاً من الصالحين كان له ولدان فجاءني وقال: يا شيخ! إن فلاناً يخدمك وهو طفل صغير في البيت يقدم الطعام ويشتري كذا، فقلت: سبحان الله، ما زال الإيمان هكذا. وأثنيت عليه ودعوت له بخير، فاللهم اجزه خيراً.فـأنس بن مالك خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، يقول: ( ما قال لي يوماً في شيء فعلته: لم، ولا في شيء تركته: لم تركته ). وهيا نرتقي إلى هذا المستوى، فخدمه في البيت ما قال له في شيء فعله: لم فعلت هذا اليوم، ولا لشيء تركه: لم تركته، فهذا مظهر من مظاهر الأخلاق المحمدية، وصدق الله العظيم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فافعلوا هذا مع نسائكم فقط وجربوا! فهي امرأتك تسكن إليها وتسكن إليك، فإذا قدمت لك ماء لا تقل لها: لا تفعلي يا كذا -بالبذاء- أو لم ما فعلتي كذا؟ ولو قاله وهو يبتسم معها لأثلج صدرها وانشرح ولا بأس، لكن وهو غضبان فلا.وأكثر الناس على هذا إلا من سلم الله وعافاه.فهذه المؤمنة التي تحتك هي أختك وهي التي تربي أولادك، وتجوع إن جعت، وتشبع إن شبعت، وإن مرضت مرضت، فلماذا لا تتأدب معها وتحسن إليها، أليس هناك إلا الكلمة النابية والدفعة القوية!لا إله إلا الله، ماذا أصابنا؟إننا ما ربينا في حجور الصالحين، وهذا هو ذي علتنا.فهيا نتربى من جديد وبسم الله من الليلة بدأنا إن شاء الله.يا أرباب الزوجات! لا تسمع امرأتك بعد اليوم: لم فعلتي أو لم تركتي؟هذبها .. أدبها .. علمها الحلال .. علمها الحرام .. علمها ما يجب، فإذا علمت واقتنعت تمشي على ظلك وورائك.إذاً أنس دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة: ( اللهم بارك في عمره وماله ) فما مات أنس بن مالك إلا وله من الأحفاد أكثر من مائة وثلاثين أو قرابة المائة والثلاثين، وكان نخله في المدينة يلد مرتين، فيطلع يؤبر ويأخذ البلح والبسر، ويطلع مرة ثانية فلا يجد إلا والثمرة الأخرى موجودة.وهذه آيات النبوة المحمدية. وبلغني أنه يوجد في منطقة الفقرة نخل يلد مرتين، من بقايا بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.وإليكم ما يحدثنا أنس عن رسولنا به، يقول: سمعت بأذني [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( شفاء عرق النسا ) ]، أي: دواء عرق النسا، ويطلق الشفاء على الدواء؛ لأنه يحصل به تفاؤلاً، [ ( شفاء عرق النساء ألية شاة عربية ) ]، الألية: الذيلة أو الشحمة في عجز الشاة، وقوله: العربية أي: ليست سودانية أو أريترية أو تركية، بل من بلاد العرب شاة عربية، ثم قال: [ ( تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ) ] تذاب؛ لأنها شحم، وأيام كنا في غير هذه الظروف كان الشحم هذا أعز شيء عندنا، فلما نأتي إلى الجزار أنا وعمي كنا نختار أسمن لحم، والآن يدفعون الشحم ويرمونه، فالشحم يجمع ويذوب كالسمن دسم -يا سعادة من يملكه- قولوا: كلمة الشكر! الحمد لله، الحمد لله.قال: [ ( تذاب وتجزأ ثلاثة أجزاء ) ] إما بمغراف وإلا بكأس تقسم ثلاثة أقسام.قال: [ ( ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء ) ]، يقوم الصبح يتوضأ ويصلي وإذا جاء البيت قبل أن يفطر يشرب ذاك الكأس أو الفنجان أو الثلث وإن كان نصف لتر لا بد من هذا ثلاثة أيام وقد شفاه الرحمن.قال: [ ( على الريق كل يوم جزء )، فقال أنس : فوصفته لأكثر من مائة رجل مريض فشفوا بإذن الله. ].الجماعة الطماعون مثلي ومثل عدنان من الغد: لا لا لا..يشترون ويذوبون ويقسمونه قراطيس ثلاثة .. ثلاثة ويبيعون بمائة ريال، على شرط أن تكون الشاة عربية ليست سودانية أو إثيوبية، وأن تجزئها ثلاثة أجزاء بالميزان أو المغراف، وتجعل كل جزء في قارورة أو في آنية، وتختم عليه وتقول لمرضى النسا عافانا الله وإياكم منه: تريدون الدواء؟ تعالوا، وخذ هذه الكمية يوم الخميس والثانية يوم الجمعة والثالثة يوم السبت، لكن لا تعتقد بأن الأيام فيها بركة، يعني: ثلاثة أيام متتالية.

حل كل الطعام لبني إسرائيل إلا ما حرم يعقوب على نفسه بسبب النذر
إذاً قول الله تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ [آل عمران:93]، ما الذي حرم إسرائيل فقد حرم لحم الإبل ولبنها على نفسه لا على زوجته ولا ولده وهو رسول الله، فما شمل الناس بهذا، فقط لأنه مرض بعرق النسا وآلامه، فنذر لله هذا النذر: إن شفيتني يا رب فلن آكل ما أحبه ولا أشربه، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل ولبنها، وهذا حق.إذاً: قال اليهود للرسول: كيف تدعي أنك على ملة إبراهيم وأنت تأكل لحم الإبل وتشرب لبنها؟ فأبطل الله هذه الدعوة واجتثها من أصولها فقال تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ وكل من ألفاظا العموم فتستغرق كل شيء، كَانَ حِلًّا أي: حلالاً: لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أولاد يعقوب: إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ فالزمن ما بين موسى وبين يعقوب زمن طويل، فموسى تربى في مصر، لأن لما يوسف عليه السلام ملك مصر وعاش بها ومعه إخوانه ومضت أجيال ومات، ووجد مجموعة من بني إسرائيل منهم موسى وأصحابه، ونبئ الله موسى وأرسله وأنزل عليه التوراة، فالفرق بعيد في الزمان ولا يقدر.إذاً: قل لهم يا رسولنا: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93]، تفضلوا وهاتوا التوراة واقرءوا ونحن نسمع، فهل تجدون فيها أن الله حرم على بني إسرائيل كذا وكذا؟ فما استطاعوا فليس فيها.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #313  
قديم 12-11-2020, 01:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

سبب تحريم الطيبات على بني إسرائيل
إنما حرم الله على بني إسرائيل لما ظلموا .. لما جاروا وحرفوا واعتدوا وتمردوا على شرع الله، فعاقبهم الله عز وجل فحرم عليهم طيبات كانت قد أحلت لهم؛ عقوبة لهم. قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ... [النساء:160]، الآية من سورة النساء.وقال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام:146]، فهذا التحريم حق في التوراة عقوبة الله لبني إسرائيل عاقبهم الله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160] ، وبيّنها من سورة الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ أي: ظفر الرجل في الإبل وغيرها: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا ، فلا يحل لهم شحم إلا ما كان راسخاً في المصارين أو لاصقاً مع اللحم، أما الشحم الذي ينفصل فحرام إلى اليوم لا يأكلوه.ونحن المسلمون ماذا حرم علينا؟حرم الله علينا ثمانية، قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أيها المسلمون الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3].هل حرم الله تعالى علينا هذا عقوبة لنا أو رحمة بنا؟والله لرحمة بنا؛ لأن الميتة كلها جراثيم ومكروبات، ماتت معها فما سالت مع دم التذكية، فلا يصح أكلها؛ لما فيها من الأمراض والعلل.أما الدم؛ ففيه جراثيم، لما يذبح الشاة ويجعل الدم في إناء في قصعة، فهذا الدم فيه جراثيم، وهو قذر، ولا طعم له، والنظر إليه فقط لا يقوى عليه العبد الصالح فكيف يأكل الدم؛ لما فيه من المرض.ولحم الخنزير -أعوذ بالله- يورّث الدياثة، فالذي يأكل لحم الخنزير ويعتاده يصبح ديّوثاً، وعلى باب الجنة مكتوب: الديوث لا يدخل الجنة، والديوث هو الذي يرضى الخبث في أهله، فيرضى بأن تزني امرأته .. بنته .. أمه .. لا يبالي، فهذا الديوث، والذين يأكلون لحم الخنزير تتأصل فيهم هذه الخليقة أو الطبيعة، ويصبح يقدم امرأته ولا حرج، واذهب إلى المراقص وقل له: أعطني فتاتك ترقص معي. فيقول: تفضلي ارقصي مع فلان والناس يتفرجون، وهذه دياثة.قال العلماء: الخنزير ديوث ألف مرة لا يغار على أنثاه أبداً، أما الجمل والله لغيرته عجب، قد يأكل، والله حتى الكلاب والقطط تغار .. فكل الحيوانات تغار على أناثيها إلا هذا -العياذ بالله- الخنزير فلا يغار أبداً.وأنتم تسمعون سب العوام يقولون: اسكت يا ديوث!وفي أيام العنترية لو واحد يقول لك: يا ديوث فإنك تذبحه وتقتله، ولا ترضى بهذه السبة.إذاً: حرم الله لحم الخنزير: أولاً: فيه علل وأمراض. وثانياً: يورّث هذا الخلق الهابط عن خلق الحيوانات.قوله: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فكل ما ذبح لغير ربنا حرام أن نأكله، والإهلال بالحج هو رفع الصوت بقول: لبيك اللهم لبيك حجة. والهلال هلال محرم.والذي يقول: هذه الشاة لسيدي عبد القادر .. هذه الشاة لروح مولاي إدريس .. هذه الشاة لمولانا أو سيدنا فلان. فهذه الشاة لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يأكل لحمها؛ لأنها تقرب بها إلى غير الله، وكيف ترضى أن يتقرب المؤمن أو الإنسان إلى غير ربك وتسكت وتأكل فإذاً أنت راض بعبادة غير الله ويا ويلك.لكن يقولون: نحن ما ذبحنا لسيدي عبد القادر ولكن ذبحنا لله، والدليل أننا نقول: باسم الله، فالذابح لما يذبح يقول بالعادة .. بالعرف: باسم الله، ولا يقول: باسم مولاي فلان، فهذه الشاة لسيدي فلان، أذبحها له. والقضية هي هي، فليس هناك فرق أبداً، فما أهل به لغير الله لا يحل أكله، والسر في ذلك أنه يورّث فيك الكفر والشرك، وأي داء أو خطر أعظم منهما؟!والحمد لله انتصرت دعوة التوحيد وقد أرادها الله فقلَّ الآن من يفعل هذا.نعم قد يوجد من يغرس في بستانه فيقول: هذه النخلة نخلة سيدي عبد القادر ؛ حتى يبارك الله في كل النخل وينبت، أو هذه الزيتونة لسيدي فلان. أو يشتري في آخر الشتاء قطيعاً من الغنم وفي الربيع يقول: هذه الشاة لسيدي فلان؛ حتى تبارك الغنم. وهذا ما زال عند الغافلين، فلا يجعلون لله شيئاً، وصار أجدادنا العرب والمشركون أفضل منهم.فإن قال قائل: كيف تقول هذا يا شيخ؟أقول: اسمع الله يقول من سورة الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام:136]، هذا الكلام ليس كلام محمد بن عبد الوهاب ، إنما كلام الله، فالمشركون قبل نور الإسلام يقولون: هذه الشاة التي لا تلد هي لله، أما الشاة التي لا تلد فهي للعزى أو لمناة أو لصنم من الأصنام، وكذلك هو حال الذي يغرس فيقول: هذه النخلة لله، وهذه للعزى، فهناك بعض الإنصاف، أما حال بعض الناس الآن فلا يجعلون لله شيئاً، فقط للولي.إذاً: فعاتبهم الله وندد بهذا السلوك وأبطله فقال مخبراً عنهم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ أي: خلق مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ، قال: بزعمهم؛ لأن الله ما شرع هذا ولا أنزل به القرآن ولا بعث به الرسول، فهو من عندهم فقط وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ، بمعنى: إذا كان الذي جعلوه للشركاء كالنعجة ولدت .. البقرة ولدت .. النخل أطلعت، والذي جعلوها لله ما أنتجت، والكثير لا تنتج، فما يحولون لله شيئاً ليعطوه للحجاج وإلا لأهل البيت، وإذا كان الذي لله هو الذي أنتج، والذي للشركاء ما أنتج يحولونه، والله في غنى عنه. وهذا عجب! وهذا هو الإنسان إذا قادته الشياطين.قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ [الأنعام:136]؛ لأن الله ما طلب هذا ولا أمر به، وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ، أي: لا يحولوه لله، وإن كانت ناقة الله ما ولدت لا يحولونها .. زرع الله ما نبت لا يحولونه، وإن كان قد أنبت زرع الله أو نخله وما جعلوا للآلهة ما أنبت يحولونه؛ بدعوى أن الله غني وليس في حاجة، فقلنا لإخواننا وعلمناهم: على الأقل اجعل نخلة لله ونخلة لـعبد القادر مثل المشركين، واجعل شاة لله وشاة لـعبد القادر مثلاً، فلم الله لا تجعل له شيئاً؟وهذا هو نتاج الجهل فلا لوم عليهم ولا عتاب، فمن علمنا؟ من عرفنا؟ من هدانا؟ من دلنا؟إنها أمم تعيش على الجاهلية.وإلى الآن الأعاجم في بلادهم وهم نسبة في العالم الإسلامي نسبة عظيمة ما عرفوا الله، فهل ذهبنا إليهم وعلمناهم؟ هل جلسنا بين أيديهم؟ هل بكينا أمامهم؟ هل .. هل .. كيف يعرفون؟دلوني؟ لا يعرفون.وكيف نعلمهم ونحن أيضاً جهلنا وأبينا أن نتعلم ورفضنا التعلم واشتغلنا بالباطل واللهو؟على كل حال السعيد من سعد في الدار الآخرة، والشقي من شقي. قال تعالى: قل لهم يا رسولنا: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا اقرءوها إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فوقفوا.

تفسير قوله تعالى: (فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون)
قال تعالى: فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [آل عمران:94]، وقال: ما ليس بحق وادعى دعاوى باطلة: فَأُوْلَئِكَ البعداء هُمُ الظَّالِمُونَ [آل عمران:94]، وانتصر الإسلام وانهزم اليهود، فأولئك هم لا غيرهم الظالمون ، أي: الذين يضعون الأشياء في غير موقعها.

تفسير قوله تعالى: (قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم ...)
قال تعالى لرسوله ولأمته يعلمنا: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ، قولوا: صدق الله! ما أكذبهم؟ وبيّن عوارهم فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ يا معشر أهل الكتاب! حَنِيفًا ، أي: مائل عن أنواع الباطل والشرك والضلالات إلى الحق وحده، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:95]، فأنتم تنتسبون إلى إبراهيم وتعتزون بأن اليهود كالنصارى، وحاشا إبراهيم أنه كان يعبد الأصنام فما كان من المشركين بل كان إمام الموحدين.ولو تأخذ الآن جهال المسلمين أيضاً وتقول لهم: هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يقيم مولداً؟ هل كان ينذر لسيدي فلان وفلان؟ هل علم ابنته فاطمة هذا؟ هل كانت عائشة تقول هذا؟الجواب: لا.. لا. إذاً: لم تبتدعون وتقولون؟!

تفسير قوله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ...)
قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران:96]، هذا إعلان، وهو رد على اليهود الذين قالوا: إن أول بيت بني هو بيت المقدس، فكيف تترك قبلتك إلى بيت المقدس وتستقبل البيت مع أن بيت المقدس أول بيت بني لله في الأرض، وهذه كذبة. فلما تحولت القبلة إلى مكة بعدما استقبل النبي والمؤمنين بيت المقدس سبعة عشر شهراً، أي: سنة وخمسة أشهر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع -كما علمتم- إلى أن يحول الله قبلته إلى الكعبة، كما قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، فجن اليهود كيف هذا الأمر وقالوا: كان بيت المقدس أمس والكعبة غداً وبعد غدٍ في المشرق فلا يثبت على شيء.أما إخواننا الآن فيقولون أكثر من هذا، لأنهم ما عرفوا الطريق إلى الله فيقولون هذا الكلام فيما بيننا نحن المسلمين.إذاً: قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا [آل عمران:96]، فأسكتهم، مع أننا نعلم أن إبراهيم بنى البيت بإذن الله وهو الذي جدّد بنائه في الحقيقة، وقد كان كومة من تراب جرفته السيول، وقد بناه الله لآدم وحواء عند نزولهما؛ فقد أصابتهما وحشة، لأنهم نزلوا هذا العالم لا يرون أحداً، فبنى الله لهم هذا البيت فيأتيانه ويطوفان به ويسألان حاجتهما ويتبركان به فتزول تلك الوحشة، وإلى الآن المؤمن الصادق الرباني تزول وحشته إذا كان يطوف بالبيت.ولما جدّد البناء أمر أن يبني بيت المقدس فبناها بعد الكعبة بأربعين سنة، فمضت أربعون عاماً ثم رأى أن يبني بيت المقدس في فلسطين.فقول الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ أي: لله بني وُضِعَ لِلنَّاسِ وضع للناس ماذا يفعلون به؟ يزيلون الوحشة ببيت ربهم فيطوفون ويتبركون ويدعون ويحجون ويفدون إليه من الشرق والغرب فهو بيت ربهم؛ لتقبل دعواتهم وترفع درجاتهم وتعظم حسناتهم، ففيه عظائم الفوائد.قال: لَلَّذِي بِبَكَّةَ مكة وبكة سواء من البك، الذي هو الدفع، بكّه: دفعه، ومكّه كذلك، ومن أراد أن يدخل البيت بقوة يدفعونه: يبكّونه ويمكّونه، فسميت مكة وبكة لأجل هذا.قوله: مُبَارَكًا فالبركة لا تفارقه أبداً والله العظيم.قوله: وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فالمشرق كالمغرب، والشمال كالجنوب، والمؤمنون حتى على عهد نوح .. على عهد هود .. على عهد صالح كانوا يحجون والرسول يقول: ( كأني بصالح على ناقة كذا يلبي في فجاج مكة ). ولفظ العالمين يدخل فيه كل الأجناس البشرية فليس خاصاً بالعرب ولا ببني فلان.

تفسير قوله تعالى: (فيه آيات بينات مقام إبراهيم ...)
قال تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ [آل عمران:97]، الآيات جمع آية، أي: علامة تدل على كذا وكذا، فهي آيات واضحات بينات منها: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:97]، مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقف عليه ويبني الكعبة، فيقوم فوقه؛ لأنه كان هو وإسماعيل فقط، فإسماعيل يناول إبراهيم الحجارة والطين، وإبراهيم يسوي، فلما ارتفع الجدار احتاج إلى شيء ليصعد فوقه، فجيء بهذا الحجر يعلو عليه إبراهيم ويبني المنطقة هذه متر اثنين، ويحولون إلى الجهة الثانية وهكذا حتى اكتمل البناء، وتركه ما بين الحجر الأسود والركن الشامي، ثم جرفته السيول بمرور القرون، وهو الآن في مكانه الذي هو الآن فيه، فلما أرادوا أن يحولوه اجتمعت كلمة العلماء أن يبقى في مكانه كما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا كان عند جدار الكعبة.وكونه آية فإن إبراهيم لما كان واقفاً عليه قائماً ساخت قدماه فيه، فأثر القدمين كما هو، وهذه آية.قال: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، ليس كالآن يسرقون، وأيام لا حكم إسلامي ولا ولاية ربانية عندما كان العرب مشركون كافرون ألقى الله في قلوبهم ألا يسرق في الحرم سارق ولا يفجر فاجر ولا يؤذي آذي، وهذا تدريب الله عز وجل، ووالله أن الرجل ليمر بمن قتل أباه وهو في الكعبة وفي الحرم يلوي رأسه ولا ينظر إليه أبداً، فلهذا قال بعض أهل العلم: هذه الجملة لفظها خبر، ومعناها إنشاء، وهي على أصلها.نقول: وهذا أيام كان لا حكم إسلامي، فلما وجد الحكم الإسلامي كان يجب أن يؤمّن كل من يدخل الحرم، فتقطع يد السارق ويقتل القاتل، ويبقى الحرم آمناً تنام فيه وتضطجع في ليك ونهارك لا تخاف شيئاً، فيجب أن يكون هذا: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97].

قراءة في كتاب أيسر التفاسير
قال: [ وفي المسجد الحرام دلائل واضحات منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث بقي أثر قدميه عليه مع أنه صخرة من الصخور ومنها زمزم ]، زمزم أعظم آية، وقد حفر أو أخرج ماءه بقدم جبريل قال هكذا بعقبه ففار زمزم، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عيناً معيناً )، وتمضي القرون والآن ستة آلاف سنة وزمزم كما هو، ودلوني على عين في أمريكا .. في بريطانيا .. في مصر مضى عليه ستة آلاف سنة، لا وجود له.قال: [ والحِجر ]، أي: حِجر إسماعيل فقد كان يسكن هناك عند الكعبة، حيث بنى البيت مع أبيه، وتزوج وأنجب، والآن نطوف بالحجر، ولا نطوف داخل الحجر؛ لأنه ليس بالكعبة، فالحجر آية.قال: [ والصفا والمروة]، وهما آيتان تذكران بعهد هاجر وإسماعيل، وهي تطلب الماء لابنها الرضيع وهو يتلوى من شدة العطش، فتعلو على المروة وعلى الصفا وتنادي وتطالع فلا تجد شيئاً فتجري في الوادي وتعلو على المروة هكذا سبع مرات وإذا بالهاتف يهتف وهي تقول: أسمعت .. أسمعت .. هل من مغيث؟ تنظر وإذا على طفلها رجل قائم -هذا جبريل- فما إن دنت منه قليلاً حتى قال هكذا بعقبه ففارت زمزم وذهب جبريل إلى السماء.قال: [ ومنها الأمن التام ]، وهذه أعظم آية، [ لمن دخله فلا يخاف غير الله تعالى؛ إذ قال تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، ثم هذا الأمن له والعرب يعيشون في جاهلية جهلاء والفوضى لا حد لها، ولكن الله جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن كل من يدخله؛ ليحجه أو يعتمره، وقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] ].والحج إن شاء الله ندرسه دراسة وافية، ويوزع عليكم الكتاب، ودراسته ذات قيمة؛ لأن كل مسألة يذكر حكمها وحكمتها، ولا تجدونه في غير هذا الكتاب.وصل اللهم على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #314  
قديم 12-11-2020, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (29)
الحلقة (170)

تفسير سورة آل عمران (35)


البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس للتعبد فيه والطواف به، وقد كتب الله على المستطيع من عباده حج هذا البيت، والواجب الإتيان بهذه الفريضة مرة في العمر وما زاد فهو تطوع، ولا يجوز لمن ملك القدرة والاستطاعة على الحج ألا يحج؛ لأنه بذلك يكون قد فرط في ركن عظيم من أركان الإسلام.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سابق عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ لنحظى بتلكم البشرى التي جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عندهم )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء؛ إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الخمس، درسنا الأربع منها، وانتهينا إلى الآية الخامسة.تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:93-97].نستمع إلى شرح هذه الآيات من الكتاب تكرارً لما سمعناه أمس وعلمناه.

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيات: ما زال السياق في الحجاج مع أهل الكتاب ] اليهود والنصارى [ فقد قال يهود للنبي صلى الله عليه وسلم ] وذلك أيام كانوا معه في المدينة قالوا: [ كيف تدعي أنك على دين إبراهيم وتأكل ما هو محرم في دينه من لحوم الإبل وألبانها؟ ] كذا قال اليهود في المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف تدعي أنك على دين إبراهيم وملته وتأكل ما هو محرم في دين إبراهيم من لحوم الإبل وألبانها، [ فرد الله تعالى على هذا الزعم الباطل الكاذب ] أي: رد عليه [ بقوله: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا [آل عمران:93] أي: حلالاً لبني إسرائيل ]، وبنو إسرائيل من هم؟ قال: [ وهم ذرية يعقوب الملقب بإسرائيل ] أي: بعبد الله القوي القدير، قال: [ ولم يكن هناك شيء محرم عليهم في دين إبراهيم اللهم إلا ما حرم إسرائيل "يعقوب" على نفسه خاصة وهو لحوم الإبل وألبانها، وذلك لنذر نذره وهو أنه مرض مرضاً آلمه ]، وقد علمنا أنه عرق النسا، فلما آلمه هذا المرض في رجله، قال: [ فنذر لله تعالى: إن شفاه الله ترك أحب الطعام والشراب إليه ]، أي: نذر لله نذراً إن شفاني ربي أترك أحب الطعام إلي وأحب الشراب، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه لبنها لبن الإبل.قال: [ وكانت لحوم الإبل وألبانها من أحب الأطعمة والأشربة إليه فتركها لله تعالى، هذا معنى قوله تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ [آل عمران:93] ]؛ لأن التوراة أنزلها الله على موسى، وبين موسى ويعقوب قرون عدة.قال: [ إذ التوراة نزلت على موسى بعد إبراهيم ويعقوب بقرون عدة، فكيف تدعون يا يهود أن إبراهيم كان لا يأكل لحوم الإبل ولا يشرب ألبانها؟! فأتوا بالتوراة فاقرءوها؛ فسوف تجدون أن ما حرم الله تعالى على اليهود إنما كان لظلمهم واعتدائهم، فحرم عليهم أنواعاً من الأطعمة وذلك بعد إبراهيم ويعقوب بقرون طويلة ]. فهذه مظاهر الجهل في اليهود من جهة ومظاهر الكذب والخيانة من جهة أخرى.ثم قال: [ قال تعالى في سورة النساء: فَبِظُلْمٍ ] أي: فبسبب ظلم [مِنَ الَّذِينَ هَادُوا أي: اليهود حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160]. وقال في سورة الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا [الأنعام:146]. ولما طولبوا بالإتيان بالتوراة وقراءتها بهتوا ولم يفعلوا، فقامت الحجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وقوله تعالى: فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ [آل عمران:94]، بعد قيام الحجة بأن الله تعالى لم يحرم على إبراهيم وعلى بني إسرائيل شيئاً من الطعام والشراب إلا بعد نزول التوراة باستثناء ما حرم إسرائيل -أي: يعقوب- على نفسه من لحمان الإبل وألبانها كما علمتم، فأولئك هم الظالمون لكذبهم على الله تعالى وعلى الناس، ومن هنا أمر الله تعالى رسوله- محمداً صلى الله عليه وسلم- أن يقول: صدق الله فيما أخبر به رسوله ويخبر به وهو الحق من الله. إذاً: فاتبعوا يا معشر اليهود ملة إبراهيم الحنيف الذي لم يكن أبداً من المشركين ] وها أنتم مشركون -والعياذ بالله-.قال المؤلف: [ هذا ما تضمنته الآيات الثلاث.وأما قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ [آل عمران:96]، فإنه متضمن الرد على اليهود الذين قالوا: إن بيت المقدس هي أول قبلة شرع للناس استقبالها فلم يعدل محمد وأصحابه عنها إلى استقبال الكعبة؟ ] قالوا هذا لا سيما لما ترك بيت المقدس بعدما استقبلها سبعة عشر شهراً، قالوا: كيف هذا؟ وهي أول بيت وضع للناس، وكذبوا.قال: [ وهي متأخرة الوجود في نظرهم وكذبهم، فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة لا بيت المقدس ]، إي والله، بل الكعبة بنتها الملائكة لآدم، وحجها نوح وهود وصالح والأنبياء قبل إبراهيم.قال: [ وأنه جعله مباركاً ] أي: البيت العتيق مباركاً [ يدوم بدوام الدنيا، والبركة لا تفارقه، فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى ويظفر بها، كما جعله هدىً للعالمين. فالمؤمنون يأتون حجاجاً وعمّاراً فتحصل لهم بذلك أنواع من الهداية، والمصلون في مشارق الأرض ومغاربها يستقبلونه في صلاتهم، وفي ذلك من الهداية للحصول على الثواب وذكر الله والتقرب إليه أكبر هداية. وقوله تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ [آل عمران:97] يريد في المسجد الحرام دلائل واضحات منها: مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث بقي أثر قدميه عليه مع أنه صخرة من الصخور ] وإلى اليوم آيات، وبعض من يجامل ويراعي الملاحدة يقولون: كان طيناً وهل الصخر يكون طيناً حتى تنزل فيه القدم؟والله ما كان إلا صخراً من جبل أبي قبيس، ولكن لتدوم الآية إلى يوم القيامة فلما وقف عليها إبراهيم ارتسمت قدماه على الصخرة إلى اليوم.ثم لو ما جاء الرسول صاحب المعجزات والآيات وأقر هذا وصلى خلف المقام وتركه في مكانه فلك أن تقول: هذه اجتهادات وآراء، لكن أما قال الله عز وجل: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فهل معنى هذا أن المسجد ومكة كلها مقام إبراهيم؟ المراد من مقام إبراهيم الحجر الذي كان يقوم عليه وهو يزاول بناء البيت، وسن هذا الرسول وبينه، فمن طاف بالبيت سبعة أشواط لا ينتهي طوافه إلا إذا صلى خلف المقام كالمصلي يصلي الظهر أربع ركعات ولا تنتهي صلاته حتى يقول: السلام عليكم، وكذلك الطائف يبقى طوافه معه حتى يصلي ركعتين خلف المقام.قال: [ ومنها زمزم والحِجر والصفا والمروة وسائر المشاعر كلها آيات ] أي: علامات على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته وتدبيره وعلى قدم هذا البيت قدماً عجيباً من عهد آدم، فكيف يدعي اليهود أن بيت المقدس أولاً؟ والرسول أخبر أن ما بين بناء الكعبة الذي بناه إبراهيم وبيت المقدس أربعين سنة.نعم سليمان بن داود بنى المسجد الأقصى في عهد دولته وعظمته كما بنيناه نحن وجدّدناه في عهد الإسلام، لكن أصل البناء وقع من إبراهيم، فإنه لما هاجر من العراق نزل بالقدس، وولد له يعقوب.في القدس أين كان يصلي؟ وكيف نقول: هذا بناه سليمان؟! وهذا بعض المفسرين من المعاصرين قالوا هذا الكلام.أما كان إبراهيم يصلي؟! وأين كان يصلي؟ وماذ كان يستقبل؟إذاً: سليمان عليه السلام جدد البناء ورفعه، هل المسجد النبوي على عهد الرسول كما هو الآن؟ فرق كبير.قال: [ ومنها الأمن التام لمن دخله، فلا يخاف غير الله تعالى، قال تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97]، ثم هذا الأمن له والعرب كانوا يعيشون في جاهلية جهلاء وفوضى لا حد لها، ولكن الله جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن كل من يدخله ليحجه أو يعتمره ].الآن إذا لم يكن لنا رجال أمن وحرس ومؤمنون قد لا يأمن الحاج ولا الزائر؛ لأن الأمر أسنده الله إلينا وإلى الدولة المسلمة، وقبل أن لا يكون إسلام ولا دولة ولا حكم، كان الله هو الذي يتولى الأمن، فوالله إن أحدهم ليمر بقاتل أبيه في الحرم لا ينظر إليه بل يغمض عينيه ويمشي، ولو وجده خارج الحرم لقتله، فهذه آيات تدل على علم الله وقدرته ورحمته ووجوده وحكمته.

تفسير قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)
قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].الحج بفتح الحاء، والحِج بكسرها، وأحسن ما تقول: هما قراءتان: قراءة نافع الحج بالفتح، وقراءة حفص الحج بالكسر، والأصل فيهما لغتان: لغة أهل نجد ( الحِج )، وأهل الحجاز ( الحَج )؛ لأن الألسن تختلف بحسب المناطق، فهي بلد واحد ويختلف الناس في النطق.إذاً: اقرأ الحَج والحِج ولا تتحرج، فالكل جائز وواسع، والقرآن نزل على سبعة أحرف.وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ [آل عمران:97]، هذه الصيغة صيغة إلزام وإيجاب، وهي أعظم من صيغة: حجوا أو فرضنا عليكم الحج، فهذه لله حق على عباده المؤمنين، وهي أبلغ من كلمة: حجوا أو ليحجن أحدكم.فقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ أي: حق واجب.قوله: حِجُّ الْبَيْتِ ، وهذا الحج مرة واحدة في العمر واجبة، وما عدا ذلك فهو فضل كبير، ويكره للمؤمن أن يمضي عليه خمس سنوات ولا يحج، وقبل الخمس السنوات لا بأس، وهناك في الروضة كأنكم تشاهدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل يقول له: ( أفي كل عام يا رسول الله؟! فيسكت الرسول، أفي كل عام يا رسول الله؟! ) فلا يريد الرسول أن يجيبه، وفي الثالثة يقول له: ( لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم )، فلو كان الحج واجباً كل عام فلا تقدر أمة الإسلام عليه؛ لأن الرسول يعرف أن الإسلام ليس في المدينة أو في الحجاز، بل سيبلغ أقصى الشرق وأقصى الغرب فكيف سيأتي الناس يحجون؟! وحجاج المغرب فقط كانوا يقضونها سنة ذهاباً وإياباً فكيف بمن في أقصى الشرق وأقصى الغرب.فالحج فرض مرة واحدة في العمر، ولله حق واجب على الناس أن يحجوا بيت الله، فهو الذي أمر ببنائها.ولكن هل الله في حاجة إلى بيت؟الجواب: ولهذا كانت الآية الأخيرة قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وإنما هذا البيت بناه لآدم وحواء لما اشتاقت نفسهما إلى الله فقد كانا في الملكوت الأعلى مع الله يكلمهم ويسمعون كلامه، فنزلوا إلى هذا العالم الهابط فانقطعت تلك الصلة فأصابتهما تلك الوحشة التي نحن نشكوها الآن، والله يعلم.فبنى لهم هذا البيت ليزورانه ويطوفان به ويسألان الله حاجاتهما وهما بين يديه، وبقي في ذرية آدم إذ هو للعالمين أبيضهم وأسودهم وعربهم وعجمهم، أولهم وآخرهم إلى يوم القيامة.وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا الاستطاعة هنا بمعنى القدرة، تقول: أطاع الشيء واستطاعه قدر عليه، وتقول: لم يستطع أي: لم يطعه فعجز، وأحسن ما تحفظون: أن الاستطاعة تتوقف على الزاد والراحلة، ويتفرع عن الراحلة: أمن الطريق، فأنا عندي راحلة أركبها أو باخرة أو سيارة، ولكن في الطريق موانع كحروب فحينئذ لا أستطيع، والأمن لا بد منه، فإن كان يخاف على نفسه في الطريق لوجود لصوص ومجرمين أو قطاع طريق أو ما إلى ذلك، فحينئذٍ ينتظر حتى يزول هذا الخوف.والزاد لا بد من طعام يأكله ويشرب في طريقه، فقد يمشي شهرين .. ثلاثة وهو يحج، فكيف يأكل ويشرب، ولا بد وأن يترك لأسرته ما يعيشون عليه في غيبته شهر أو شهرين مثلاً.ولفظ الزاد والراحلة يشمل ويجمع كل ما يعوق عن الحج ويصرف عنه.والراحلة قد لا يحتاج إليها المرء لكن لا بد أن يستطيع المشي، فإذا كان شيخاً كبيراً أو مريضاً لا يقدر، أو ضعفت رجلاه فهو لا يستطيع وهذا معناه أنه ليس عنده راحلة يرحل عليها.فقوله: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أي: الزاد والراحلة وما يتطلبه ذلك من الأمن والقدرة، ومن هنا من كان عاجزاً لشلل في جسمه ومرض أقعده فهو معفو عنه، وتجوز النيابة عنه فيحج عنه وليه أو قريبه، ولا بد من أن يعطي نفقة لمن يحج عنه، أما إذا كان قادراً على المشي، وإنما أوعزه المال أو الأمن فينتظر العام والأعوام حتى يفتح له المجال.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #315  
قديم 12-11-2020, 01:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف: [ معنى الآيات: قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، لما ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به وبرسوله ألزمهم بحجه؛ ليحصل لهم الخير والبركة والهداية ]، نعم قد يشعر العبد بعدم الحاجة إلى الهداية والبركة، لكن الله لرحمته بأوليائه المؤمنين لما أودع بيته هذا الخير وهذا الكمال فرض على أوليائه؛ حتى يظفروا ويفوزوا بهذه الخيرات والبركات؛ لأنه وليهم، والولي لا يريد لوليه إلا خيره وكماله وسعادته، فليس الله في حاجة إلى هذا الحج وهو في غنى كامل، ولكن لما أودع هذا البيت وهذا الحج من الهداية والبركات والخيرات، ألزم أولياءه المؤمنين أن يحجوا، ما داموا قادرين على ذلك.قال: [ ففرضه بصيغة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ، وهي أبلغ صيغ الإيجاب ]، أي: أبلغ من حج أو حجوا أو لتحجن.قال: [ واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره ]، والاعتمار: العمرة ومعناها الزيارة، قال: [ بسبب مرض أو خوف أو قلة نفقة للركوب والإنفاق على النفس والأهل أيام السفر ].وعند شرح هذه الآية ذكر الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار عند اشتراط الأمن فقال: كان الأمن على عهد الجاهلية بتدبير الله، فألقى الله في قلوبهم احترام هذا البيت وهذا الحرم وتقديسه، كما ألقى في نفوسنا حب الطعام والشراب.كذلك على شركهم وجهلهم وجاهليتهم فإذا علق أحدهم في كتفه أو في عنقه قشرة من قشور الحرم كان يمشي من مكة إلى نجد إلى تبوك إلى اليمن فلا يخاف إلا الله.قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97] فتسوق إبلك أو غنمك للحرم هدية تهديها لله رب البيت ليطعمها أولياءه؛ وعلمها بعلامة تدل على أنها مهداة للحرم. فيخرج القبائل وأولادهم وهم جياع يريدون الناقة أو الشاة فيجدونها معلمة يقولون: امش.والخائف يأخذ من قشر شجر الحرم قطعة ويربطها في عنقه ويمشي، وكل من يراه يقول: هذا للحرم، واقرءوا هذه الآية من سورة المائدة آخر ما نزلت: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ومعنى (قياماً للناس): أن حياتهم متوقفة عليها قائمة عليها، ومعنى (والشهر الحرام): إذا أعلن عن دخول القعدة أو الحجة أو محرم أو صفر انتهت الحرب، والأمم المتحدة والله لا تستطيع ذلك، حتى سمي رجب برجب الأصم، فلا تسمع قعقعة السلاح أبداً، وهذا من تدبير ربنا.وقد قلت لكم: لما جاء الإسلام ودولته ورجاله أسند الله القضية إلى الحكام والمؤمنين، ولما كان لا حاكم ولا دين ولا معرفة أسند هذا وألقاه في قلوب العرب، ولما جاءت الدولة وجاء النظام والحكم ما وجد سراق ولصوص، وعهد السعودية فيه خير عظيم، والله لا نظير له إلا في العصور الذهبية.وقال الشيخ رشيد رضا : أين الأمن في هذه الديار على عهد الملك حسين ؟ وقال: ألف الشيخ أبو بكر خوقير رسالة بين فيها التوسل الجاهلي، فأخذه حاكم مكة وولده بالسلاسل والأغلال وأدخلهما السجن حتى مات ولده، وبقي الشيخ أبو بكر خوقير في السجن حتى أطلقه السلطان عبد العزيز لما دخل مكة.كتب رسالة ضد الخرافات والشركيات؛ لتعرفوا لماذا امتدت مدة الخرافة والشركيات في الأمة الإسلامية؛ لأن الحكام كانوا على تلك الضلالات، فمن رفع صوته بالتوحيد قال: اسجنوه.أنا أحياناً أفكر: هذه القرون التي شاعت فيها هذه الضلالات أين الحكام؟ يوجد علماء لم ما يستطيعون وهم يشاهدون: القبور تعبد، والأشجار والأحجار؛ أين حكام المسلمين؟لأنهم كانوا من هذا النوع.يدلك على هذا هذا الشيخ ألف رسالة فقط في بيان التوسل الحق، ما هو بالقبور والصياح، فما كان من حاكم مكة الشريف إلا أن سجنه وولده، ومات ولده في السجن معه من أجل رسالة.وبقي الشيخ حياً في السجن حتى دخل عبد العزيز وحكم مكة وأطلق سراحه، وهذه تفيد طلبة العلم. فاحمدوا الله عز وجل أن الناس الآن يدعون إلى الله وتوحيده في العالم الإسلامي بأسره، وليس هناك من يضغط عليه أو يسكت وهو يدعو إلى التوحيد، الحمد لله!كذلك الأمن الذي حصل في عهد هذه الدولة، وقد كان الحجاج من قبل أيام الخوف يبتلعون الجواهر في بطونهم، حتى إذا تغوط أرسلها فخرجت وغسلها ويعودها إلى بطنه أو كذا.ولا تفهم أننا تمدنا وتحضرنا، فوالله إنك لا تزال تجد من السرقة والتلصص والإجرام العجب العجاب، وقد حدثني شاب قال لي: يا شيخ! والله إن والدتي وأبي كانا يحجان كل عام لأجل السرقة، وقد بنيا من ذلك عمارة ذات كذا وكذا.إذاً: ماذا تقولون؟الحمد لله، اللهم أبق هذا الظل علينا؛ حتى لا نفتن في ديننا ودنيانا كما فتن آباؤنا وأجدادنا.أو تغضبون؟ لا تريدون السعودية؟ إذاً تأتيكم الدولة اليهودية؟نعم، من كفر نعمة الله سلبها، فهذه سنة الله ماضية، والله العظيم! ما كفر عبد نعمة الله إلا سلبها الله منه، فالمفروض أن يتعاون كل المؤمنين في الشرق والغرب على إبقاء هذه البقية الباقية، فيدعمونها بطهارة أنفسهم وزكاة أرواحهم والصدق.لكنهم لا! لا يريدون، في الداخل يفجرون لتسقط، وفي الخارج يكيدون ويمكرون لتسقط وهكذا؛ فلهذا نبكي وما نفع البكاء.وهذا رشيد رضا يقول: أين الأمن الذي كان في الجاهلية؟ فإن الشيخ أبا بكر خوقير ألف رسالة ينقض فيها التوسل الباطل ويبين التوسل الحقيقي فسجن هو وابنه، حتى مات ولده في السجن من أجل رسالة، فكيف إذاً لو دعا في الجماهير وقال: هذا شرك وباطل، وبقي في السجن حتى أخرجه السلطان عبد العزيز لما حكم.قال المؤلف: [ وقوله تعالى في آخر الآية: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]].أي: أن من كفر الحج ولم يحج وأنكره فلا تفهم أن الله في حاجة إليه! وبنينا البيت وما حجوا، فإنه غني عن العالمين. ولا يخطر ببالك أن الله في حاجة إلى حج الناس وأفرضه عليه وألزمهم به: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97] فتصبح للناس منة على الله لا، فإن الله غني عن العالمين كلهم، كان ولم يكونوا، وحياتهم كلها بيده، فهو موجدها، وهو معدمها، وأرزاقهم وكل ما لديهم هو من الله المنعم المتفضل به.فإن الله غني عن العالمين. قال: [ فإنه خبر منه تعالى بأن من كفر بالله ورسوله وحج بيته بعدما ذكر من الآيات والدلائل الواضحات؛ فإنه لا يضر إلا نفسه، أما الله تعالى فلا يضره شيء، وكيف وهو القاهر فوق عباده، والغني عنهم أجمعين؟! ].ومن هنا استنبط بعض الأصحاب كـعمر وعلي أن من قضى على الحج ولم يحج استخفافاً وعدم مبالاة فإن شاء فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً؛ أخذاً من نور الآية: وَمَنْ كَفَرَ أي: بالحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] وكلمة كفر دالة على الكفر، لكن لا يحمل إلا على شخص قدر واستطاع ولم يحج استهتاراً واستخفافاً، وعدم مبالاة، فهذا معناه أن مرض الكفر في قلبه. فإن الله غني عن العالمين.معاشر المؤمنين والمؤمنات! هل الحج واجب على الفور أو على التراخي؟الجواب: للعلماء قولان: لكن الذي يعول عليه ويؤخذ به أن العبد إذا توفر لديه القدرة المالية والبدنية فلا يحل له أن يؤخره، فلا نقول: على الفور بحيث لا بد، ولا نقول: على التراخي، فنقول: من قدر عليه أي: استطاع أن يحج فليعجل وليحج، ومن كانت هناك موانع فلينتظر حتى تزول بإذن الله تعالى.

هداية الآيات
قال [ من هداية الآيات: أولاً: ثبوت النسخ في الشرائع الإلهية، إذ حرم الله تعالى على اليهود بعض ما كان حلاً لهم ]، أي: دلالة على وجود نسخ في الشرائع: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا [البقرة:106] وإن وجد من اليهود من لا يقول بالنسخ فلا قيمة لهم.والنسخ في الشرائع الإلهية ثابت، فما كان حراماً أو حلالاً مثلاً على عهد إبراهيم أو يعقوب جاءت شريعة موسى فنسخه الله، وما كان حلالاً على عهد عيسى جاء الإسلام ونسخه؛ لأن النسخ للأحكام يتوقف على معرفة المشرع لحال المشرَّع لهم، ولظروفهم وما يترتب عليهم. ما هو لمجرد كذا، بل نظراً إلى مصالح الناس يحل الله أشياء اليوم ويحرمها غداً بكتاب وشريعة.أما الإسلام فلم يطرأ عليه نسخ قط بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شرعه الله للبشرية كلها؛ ولهذا لا يمكن أن يأتي زمان لا يتلاءم مع الصيام، أو لا يتلاءم مع الزكاة، أو لا يتلاءم مع تحريم الزنا أو الربا، مستحيل! [ ثانياً: إبطال دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرماً عليه لحوم الإبل وألبانها ]، رد الله هذا فقال لهم: هاتوا التوراة واقرءوا إن وجدتم.[ ثالثاً: تقرير النبوة المحمدية بتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.رابعاً: البيت الحرام كان قبل بيت المقدس، وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به ]، ولا يقبل أي صوت يدعي أن مكان كذا كان قبل كذا وكذا.والآن يوجد عند الروافض بيت في كربلاء، يعتبرون زيارته أعظم وأجل من زيارة الكعبة، فجعلوا الكعبة باطلة، ولا حرج؛ لأن من وضع لهم ذلك سلخهم سلخاً من الإسلام، وكومهم أكواماً تأكلها النار، وهذا مسخ، ولعل يد اليهود معهم.[ خامساً: مشروعية طلب البركة بزيارة البيت وحجه والطواف به والتعبد حوله ]، فيمشي الرجل يصلي فرضه طلباً للبركة، وآخر يزور بيت المقدس طلباً للبركة، ويعتمر أو يحج التماساً للبركة حيث وضعها الله عز وجل.ولا حرج بزيارة البيت وحجه والطواف به والتعبد فيه، بل يجوز أن تزور عبداً صالحاً وتجلس معه وتقول: نأخذ بركة تحصل لي! على الأقل من كلامه معك وتوجيهه لك، فضلاً على أنك لا تسمع باطلاً ولا تشاهد منكراً، فتقضي الساعة كلها حسنات.كذلك إذا جلست مع سيئ فإنك تكتسب الآثام، لأنه قد يقدم لك شراباً حراماً أو طعاماً مسروقاً، فطلب البركة والتماسها مشروع في دين محمد صلى الله عليه وسلم.[ سادساً: وجوب الحج على الفور لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك ]. أما إذا كان أطفاله صغاراً، أو الزاد ما كمل، أو يخشى على المزرعة أن تفسد إذا غاب عنها؛ فإذا ما كان هناك أي مانع أبداً فيجب أن تحج، ولا تؤخر الحج.ومن الموانع كذلك أن أحد أبنائك قد مرض، أما إذا كان ليس هناك مانع وهو في عافية كاملة، والنقود موجودة والطريق آمن فلا يؤخر الحج، فإنه لا يدري قد يموت قبل العام المقبل.[سابعاً: الإشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه، ولا مانع يمنعه منه غير عدم المبالاة ] وهنا نورد هذه الآثار كما في الهامش.قال: [ الإجماع على أن الحج مرة واحدة في العمر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا، ولو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم )].قال: [ ذكر القرطبي عن مجاهد قوله: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة؛ لأنه مهاجر الأنبياء في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا [آل عمران:96]].قال: [ وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض. قال: ( المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً )] وهذه رواية مسلم ما هي رواية أبي فلان! أو سنن فلان. قال: [ ( أربعون عاماً، ثم جعلت الأرض مسجداً، فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ ) ] فالأرض كلها مسجد.وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #316  
قديم 18-11-2020, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (30)
الحلقة (171)

تفسير سورة آل عمران (36)


لما أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام كفر به أهل الكتاب وأعرضوا عن دعوته رغم علمهم بصدقه وتحقق بشارات كتبهم فيه، ولكن حملهم الحسد على ذلك، وهم لم يكتفوا بذلك ولكنهم زادوا عليه بأن حاولوا صد من آمن بالله عن دينه، لذلك فقد حذر الله عباده المؤمنين أشد التحذير من اتباع أهل الكتاب، لما في اتباعهم من النكوص عن الدين القويم إلى ظلمات الكفر والضلال.

تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في هذه الليلة ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا بك يا ولينا! إنه لا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وانتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:98-101].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!تقدم لنا ما بينه تعالى من شأن أهل الكتاب اليهود والنصارى وبخاصة اليهود، إذ زعموا أن بيت المقدس قد بني قبل الكعبة، وزعموا أن إبراهيم عليه السلام لم يبن البيت، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: أنت تدعي أنك على ملة إبراهيم وفي نفس الوقت لا تستقبل قبلته التي كان يستقبلها! فرد الله تعالى عليهم أباطيلهم رداً حاسماً، وها هو تعالى يوبخهم ويبكتهم بهذه الآيات الكريمة. ‏

تنزه الله عن مخاطبة أهل الكتاب مباشرة
يقول الله لرسوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:98] فتنزه تعالى أن يخاطبهم، فما هم أهل لأن يقول الله: يا أهل الكتاب! وانظر لما أراد المؤمنين ناداهم باسمهم: يا أيها الذين آمنوا! فما أسند النداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المؤمنين أولياء الله، يحبهم ويحبونه، فناداهم: يا أيها الذين آمنوا!أما اليهود فلبعدهم عن الله وخبث نفوسهم، ولشرهم وطغيانهم وفسادهم ما ناداهم بل أسند إلى رسوله أن يناديهم.وهل تشعرون بهذا أم لا؟فالشخص إذا كان يعادي آخر فإنه لا يكلمه، بل يقول: كلمه أنت! واطلب منه كذا.قل يا رسولنا والمبلغ عنا صلى الله عليه وسلم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:98] وهنا يعلم تعالى أنهم يعلمون، وأنهم على علم بما جاء به رسول الله من الحق والهدى، وأن الإسلام هو دين الله وملة إبراهيم والأنبياء.

كفران أهل الكتاب بآيات الله
يا أهل العلم والمعرفة! لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:98] بعد علمكم ومعرفتكم، وعوامهم لا شأن لهم، لكن خواصهم وعلماؤهم يعرفون كما نعرف نحن، وقد حملهم على الكفر والاستمرار عليه والكيد للإسلام والمكر به وبأهله الحفاظ على مراكزهم ومناصبهم، وعلى أملهم البعيد في أن تعود مملكة إسرائيل ودولتهم وعزهم وفخارهم. فهذه الحقيقة. ووثقوا فيما سمعتم.وقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:98] أي: ولو لم يكونوا علماء فكيف يقال: تكفرون، وتجحدون بعد العلم والمعرفة؟وآيات الله منها أن هذا البيت العتيق بناه إبراهيم وإسماعيل، وأنه قبلة العالم بأسره، وأنه وجد قبل إبراهيم، وما إبراهيم عليه السلام إلا جدد بناءه مع إسماعيل، وأن بيت المقدس ما بني إلا بعد أربعين سنة، فبنى إبراهيم الكعبة بأمر الله تعالى، أو جدد بناءها، ثم أمره أن يبني بيتاً في أرض فلسطين، فبنى بيت المقدس، وإن جددها سليمان على نمط عال وراقٍ، لكن إبراهيم بناها لما كان يقيم هناك بعد هجرته من أرض بابل.إذاً: قوله: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ومنها النعوت والصفات التي في التوراة والإنجيل، وهي تقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم باسمه وبصفاته ونعوته، فجحدوها وأنكروها وأولوها وحرفوها؛ حتى يبعدوا العالم عن الإسلام، فلهذا بكتهم ووبخهم.

معنى قوله تعالى: (والله شهيد على ما تعملون)
ثم قال: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:98] فهم يعملون المكر .. الكيد .. الدس .. الخديعة .. التحريف .. التأويل، وفي هذه الجملة التهديد لهم بالانتقام منهم، وإنزال البلاء والشقاء بهم وعليهم.فقوله: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:98] أي: من المكر والخداع والغش والتضليل.

تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن ...)
قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ أي: قل يا رسولنا لهم، أما أنا فلا أناديهم ولا أكلمهم، فما هم أهل لأن يكلمهم الله عز وجل، فقد هبطوا إلى الحضيض بالشرك والكفر والنفاق والخداع والتضليل.فقوله: قُلْ أي: يا رسولنا! يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ [آل عمران:99] به، فلم تصرفون المؤمنين من العرب ومن أهل الكتاب؟ فإذا أسلم أنصاري أوسياً أو خزرجياً يأتون إلى بيته، ويأخذون في فتنته، وإذا أسلم أحدهم عادوه وأعلنوا الحرب عليه، فلم تصدون عن سبيل الله وتصرفون الناس عن طريق يسعد أهله السالكين له والقائمين عليه؟ فهذا توبيخ وتأنيب وتبكيت.ثم قال: تَبْغُونَهَا عِوَجًا [آل عمران:99]أي: تريدون سبيل الله معوجة، وسبيل الله مستقيمة لا تنتهي بالسالكين إلا إلى رضا الله ودار السلام، فلم تطلبونها معوجة منحرفة، يقولون: نحن نعرف أنه رسول، ولكن رسول العرب ما هو رسولنا نحن. فيصرفون إخوانهم عن الإسلام، وإلى الآن ما زال حالهم هكذا.قال: وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ [آل عمران:99] أي: على ما تعلمونه من صحة هذه الدعوة، وصحة نبوة صاحبها وأنها دين الله الحق الذي لا دين سواه.إذاً: خواصهم والله كانوا عالمين وعارفين، ومنعهم من الدخول في الإسلام مراكزهم ومناصبهم، وحتى يبقوا في نظرهم شرف بني إسرائيل، وحتى لا يذوبوا في الإسلام والمسلمين، أما عوامهم فإنهم يقودونهم كالبهائم، فرؤساؤهم يحرفون يؤولون، ويفعلون ما شاءوا من أجل أن تبقى هذه الزمرة اليهودية، لكن يقول تعالى بعد ذلك: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [آل عمران:99].إذاً أهل الكتاب يبغون سبيل الله معوجة منحرفة، لا تقود إلى دار السلام وإلى رضا الله، فيحرفون شريعة الله، ويريدونها معوجة لا مستقيمة، وأنتم شهداء على هذا الذي تعملونه وتعترفون وتقرون به، والله ليعرفون أن محمداً رسول الله، وألا دين إلا الإسلام.ولا تعجب! فقد وجد من المسلمين من غرته الحياة الدنيا، وهو يعرف الحق ويعدل عنه، إلا أن هذه الطائفة والعياذ بالله تعالى واجهت رسول الله والمؤمنين.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ...)

سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذي أوتوا الكتاب ...)
قال تعالى في نداء آخر لنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:100-101].هذه الآيات جاء في سبب نزولها أن شاس بن قيس اليهودي وأحد رجالات اليهود الماكرين، مر بمجموعة من الأوس والخزرج في مكان ما وقد كانوا نازلين فيه يتكلمون ويتحدثون، وكانوا مستبشرين فرحين مسرورين بالإسلام وبما هداهم الله إليه، فاغتاظ شاس اليهودي وتأسف وتحسر كيف أن الأوس والخزرج الذين كانوا يعيشون على عداء كامل وعداوة تامة بينهم، كيف يتحدون اليوم ويتعانقون ويتصافحون؟!وقد قامت حرب بعاث والتي دامت أربعين سنة بين القبيلتين الأوس والخزرج، وكان اليهود هم الذين أشعلوا نارها، وهم الذين فرقوا بين قبيلتين أصلهما واحد، وديارهما واحدة؛ وكل ذلك من أجل أن يجدوا مكاناً يسودون فيه، ولو ترك الأوس والخزرج متحابين متعاونين فلا مكان لليهود، بل سيعيشون أذلاء هابطين، لكنهم أوقدوا نار الفتنة بينهم، وأججوا شعلة الحرب فيهم أربعين سنة بما يسمى حرب بعاث، وكان الذي أوقد نار هذه الفتنة هم اليهود؛ ليبقى لهم وجود!أما الآن فإن أعداءنا من اليهود والنصارى يظنون نفس الأمر أننا لو اتحدنا وأصبحت كلمتنا واحدة فإنهم سيخسرون الشيء الكثير، لكن فرقة المسلمين أوجدت لهم مكاناً بينهم ينتفعون بها.وتبدأ القصة من أن المدينة قبل الإسلام كان يسكنها الأوس والخزرج، وأصلهما من اليمن، بسبب ما حصل لسد مأرب فهربوا ونزلوا هنا في المدينة، وبعضهم الآخر نزل في الشام، وكان اليهود قد نزحوا من الشام ونزلوا المدينة وخيبر وفدك وتيماء، وقد هربوا من ضغط النصارى؛ إذ كان النصارى يبغضون اليهود أشد من بغضنا نحن لليهود، والعلة أنهم يعتقدون أن اليهود قتلوا إلههم وصلبوه، والذي يعتقد أن إنساناً قتل ربه لا يرضى عنه، بل هو كافر، وفعلوا بهم العجب، فهرب اليهود من بلاد الروم إلى بلاد العرب، هذا من جهة.ومن جهة أخرى كان اليهود يتطلعون إلى نبوة آخر الزمان وخاتم الأنبياء؛ لما يجدون في التوراة والإنجيل من البشارات الإلهية عن نبي آخر الزمان، وأنه يخرج من جبال فاران، وأنه من ولد إسماعيل، وهذه النعوت موجودة عندهم. فنزحوا إلى هذه البلاد رجاء أن يستقبلوا النبوة الجديدة، وينضموا تحت رايتها، ويحققون أهداف بني إسرائيل.فلما ظهر لهم أن الأمور ليست في صالحهم شرقوا بريقهم، ووقفوا حرباً ضد الرسالة الجديدة، ومن مظاهر ذلك ما نحن بصدده.فقد مر شاس بن قيس اليهودي الحَبر العالم بمجموعة من الأوس والخزرج يتبادلون الحب والولاء والطهر والصفاء فاغتاظ وتألم، فجاء بيهودي وقال: اجلس بينهم وذكرهم بحرب بعاث، وأنشد بعض الأشعار التي كانوا ينشدونها لإثارة الحمية والحماس، فأنشد الأوسيون والخزرجيون تلك الأشعار التي فيها السب والشتم، وإذا بنار الفتنة تتأجج، وقالوا: لن ننتهي إلا بحرب! وتواعدوا بالحرة: غداً نلتقي هناك بسيوفنا.وبالفعل خرجوا من الغد بسلاحهم ورجالهم؛ لينتقم بعضهم من بعض، وأُعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحادثة؛ فخرج صلى الله عليه وسلم ماشياً على قدميه، هو وبعض رجاله من المهاجرين، فما إن شاهدهم حتى رفع صوته صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! ) فما زال يكررها حتى سالت دموع القوم، وبكوا وتعانقوا، وذهبت تلك الفتنة إلى غير رجعة إلى يوم القيامة.فهاتان الآيتان نزلتا في هذه القضية، والعبرة -كما تقولون وتفهمون- بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلنستمع نداء الله لهم ولنا معهم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #317  
قديم 18-11-2020, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

نداء الرحمن لأهل الإيمان
قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك! فقد نادانا، وإن نادى غيرنا فما نحن بمؤمنين. والحمد لله!وكل مؤمن ومؤمنة إذا سمع: يا أيها الذين آمنوا! فليعطها أذنه وسمعه، ولينتظر ما يقول ربه، وهذا عبد الله بن مسعود يقول: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا! فأعرها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه. فخذ نصيبك يا عبد الله!ونداءات الرحمن لأهل الإيمان سمعناها بآذاننا، وحفظناها في صدورنا، وها نحن نطبقها حرفياً في حياتنا، والحمد لله!وللأسف أن ملايين المسلمين ما سمعوا أن الله ناداهم، ولا فهموا أن الله يناديهم أبداً، وعلة هذا الجهل، وعلة الجهل الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقبلنا على الأغاني والملاهي والطبول والمزامير والفكاهات والأحاجي والقصص والخرافات والشركيات قروناً عديدة! فكيف نعلم؟!وأسألكم بالله: أيوحى إلينا وأنت لا تتعلم؟! وقد ختمت النبوة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا بد إذاً من طلب العلم، ولا بد من معرفة ما أنزل الله وما شرع الله وما أمر ونهى عنه الله، والجهل هو محنتنا.

التحذير من طاعة فريق من أهل الكتاب
قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هذه نصيحة إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] وهنا يدخل النصارى، فإن تطيعوا فريقاً مختصاً، وهم أهل المكر والخديعة والتضليل والفتنة، والعياذ بالله يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] فلما أطاعوهم وخرجوا إلى الحرة لولا أن الله أنقذهم بالرسول صلى الله عليه وسلم لعادت الجاهلية من جديد؟ والرسول بأعلى صوته يقول: ( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! ) أي: ما مت بعد!وهنا كررنا هذا القول مئات المرات والله شاهد، وقلنا: يا معشر المؤمنين! أيها المسئولون! يا آباء البنين اسمعوا! إنكم تضعون أبناءكم بأيدي المعلمين من أهل الكتاب! فيجلسون بين أيديهم السنوات فكيف يعودون إليكم ربانيين مؤمنين صالحين؟ أما تجب طاعة المعلم؟ بلى. تجب!وأنا إذا كان معلمي يهودياً أو نصرانياً، قساً أو حَبراً من الأحبار، فإني سأجلس بين يديه يعلمني أربع سنوات إلى خمس سنوات وينفث في نفسي روح الكفر؟!وللأسف أن الوزارات في العالم الإسلامي عرباً وعجماً يتولاها أولئك الخريجين، وخمسة وسبعين في المائة هم من خريجي جامعات أوروبا وروسيا والبلاد الشيوعية، فهؤلاء الوزراء في المال .. في الاقتصاد .. في الحرب .. في السلم .. في كذا .. معصومون؟ كيف يتحركون؟ يتحركون بغير ما علموه وعرفوه؟الجواب: والله إلا من عصم الله، لا يتحركون إلا بما فهموه وعلموه، ومن هنا حقروا الإسلام والمسلمين، وأعرضوا عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وقالوا في أهله: خرافيون ورجعيون وكذا وكذا.هذا هو السر، واسمع الحكيم العليم يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، ومن يقول: لا يا رب! لا يردوننا؟ أيقول هذا عاقل؟!والواقع شاهد، فلم تعطلت شريعة الإسلام وأبعد القرآن وهجرت السنة، وترك الحكم بكتاب الله وسنة رسوله؟ لم؟ وما سبب ذلك؟والله إنه للجهل المركب الذي تلقاه أبناؤنا ورجالنا من معلميهم، سواء الذين يعلمونهم الفيزياء أو الهندسة أو الديمقراطية أو قل ما شئت، فينفثون فيهم سمومهم، وإن أنفقوا عليهم الأموال فلا ينفقونها ليتعلمون حب الله ورسوله والمؤمنين، وكره الكفر والكافرين.وهذه الآية عجب فكأنها نزلت الآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا وما قال: إن تطيعوا أهل الكتاب إنما قال: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا أي: مختصاً، وهم الذين يثيرون الفتن ويحرضون على الباطل والشر من أجل هبوط هذه الأمة وعدم صعودها ورقيها، وقد أطعناهم والواقع شاهد، فلِمَ يستقل الإقليم ولا يطالب السلطان عبد العزيز بأن يبعث لهم قضاة ورجالاً يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ بل ما إن يستقل حتى يعلن عن دولته وقانونه بعيداً عن الإسلام والمسلمين!أعيد القول وسوف تسألون يوم القيامة: من أوجد دولة عبد العزيز ؟الضلال الذين يكرهون التوحيد يقولون: بريطانيا!والله ما أوجدها إلا الله، وتعلموا هذا إن كنتم تعقلون، فلما خفتت أنوار الإسلام، ووضع الغرب قدميه العفنتين على صدور المسلمين من إندونيسيا إلى موريتانيا، فالعرب والعجم الكل تحت أقدام الاستعمار، وصفق اليهود والنصارى والضلال والغافلون، فما بقي للإسلام شأن لا قرآن ولا سنة ولا دعوة، فأيس الناس كيف يعود القرآن يحكم من جديد؟ فجاء الله عز وجل بهذه الدولة، وأسباب مجيئها ليست بشيء، ولكن الله أراد، وحكم عبد العزيز بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعالم يشاهد وينظر، والجاهلون يصفقون للعالمين، والعالمون يكرهون التوحيد والإسلام والمسلمين! وشاهدوا بأم أعينهم الأمن الذي تحقق في هذه البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وشاهدوا الطهر والصفاء اللذين تحققا بحكم الله عز وجل، ولا ينكر هذا إلا مغرض أو جاهل مسحور يتكلم بما لا يعلم.فظهرت آيات الله، وأخذ الله عز وجل يحرر المسلمين بعد أن أذاقهم مر العذاب بالهون والدون لفسقهم وفجورهم وجهلهم وإعراضهم عن الله.وأول إقليم تحرر وقد عاصرناهم إقليماً بعد إقليم، وكان الواجب على أهل ذلك الإقليم ما إن تسلموا زمام الحكم وخرجت فرنسا أو إيطاليا أو بريطانيا كان الواجب أن يرسلوا وفداً إلى عبد العزيز أو من خلفه، ويقولون: هذا الإقليم استقل وتحرر، وهذه مفاتيحه فعين والياً عاماً، فهذا إقليم من أقاليم الدولة الإسلامية، وابعث قضاة يطبقون قال الله قال رسول الله، ويبقى البلد له خيراته وبركاته، ولكن تطبق فيه شريعة الله، فيؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتجبى فيه الزكوات، وتقام فيه الصلاة إجبارياً، وتغلق أبواب المخامر، وتدمر المصانع، والحمد لله ستتسع رقعة البلاد الإسلامية، فينتقل إلى الإقليم الثاني والثالث والرابع والخامس، فمن ثم تكون الخلافة الإسلامية قائمة، وأمة الإسلام أمة واحدة، وأمرهم واحد.لكن لم أعرض المسلمون عن هذا؟خوفاً من الله!والآن يبكون ويبكون، وماذا يجدي البكاء فقد مزقتنا خلافتنا بأيدينا، وأعرضنا عنها.ونعود إلى: يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] فأكثر الوزراء والمسئولون في الدول العربية والإسلامية بعد استقلالها وأيام استقلالها هل هم بدو من أصحاب الكتاتيب؟ من حفاظ القرآن؟!إن حفظة القرآن يقرءونه على الموتى، ولا وظيفة ولا مال، والله العظيم! أما الذين ساسوا وقادوا البلاد فهم خريجو جامعات بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا.إذاً: ماذا ترجون من هؤلاء والله يقول: يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] صدق الله العظيم.أما تبكون على المسلمين وأمورهم؟ أين الإسلام؟و( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم )! وها نحن نشاهد الفتن تنتقل من بلد إلى بلد والمسلمون يحترقون.
تفسير قوله تعالى: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله ...)

العجب من ظهور الكفر بين المسلمين مع وجود تلاوة القرآن ووجود الرسول
يقول تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] يا للعجب! بعدما قرر الله يقيناً أننا إذا أطعنا هذا الفريق من خبرائهم وعلمائهم وساستهم، لأننا جهلة وهم عالمون، وأخذنا نقلدهم ونمشي وراءهم؛ يردوننا كافرين! تعجب الرحمن لنتعجب نحن: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ والحال أنكم تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].وقضية شاس اليهودي تتناول هذا اللفظ، ولكنها انتهت، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونوره يلوح فعادوا إلى الله، لكن يبقى هذا الحكم: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ فمن أين يأتيكم الكفر أو يدخل عليكم أو يفسد قلوبكم والحال أنكم تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟وقد بينا مئات المرات في هذا المسجد المبارك، وما بلغنا أن مؤمناً نقل مثل هذا أو تكلم به، لا في بيته ولا مع جلسائه، وإن تكلم يقولون له: خيالات، هذا خيال فقط ولا حقيقة له!ومعنى الآية أنه لا يتأتى الكفر لنا ولا يدخل قلوبنا ما دام القرآن يقرئ علينا ويفسر لنا ويبين لنا، وسنة رسوله تشرح وتبين وتقودنا! فإن نحن اعتزلنا وبعدنا عن الكتاب والسنة فلا محال من الكفر، فالمناعة انتهت!

التحذير من ابتعاث أبناء المسلمين إلى بلاد الكفر دون قيود وشروط
قلت مئات المرات: المفروض أننا لو ابتعثنا عدداً من أبنائنا يدرسون في روسيا أو أمريكا أو بريطانيا، فيجب أن نؤجر لهم منزلاً خاصاً بهم، وأن نجعل فيه مصلى يصلون فيه، وأن نبعث معهم عالمَين ربانيين بالكتاب والسنة، فيدرسون في الكليات ثم يعودون إلى مقرهم النوراني فيتلقون الكتاب والحكمة ويتهجدون ويعبدون الله، ويعودون إلى كلياتهم وكلهم نور فيغمر ذلك المربي أو المعلم، وقد يدخل في رحمة الله والإسلام من كلمة يسمعها من مؤمن من هؤلاء المؤمنين!أما أن نبعثهم ونرمي بهم في أحضان العواهر!وقد نددنا بتلك الإعلانات والتي فيها: وانتهت العطلة الصيفية: فمن يبعث ولده إلى بريطانيا ليتعلم أربعين يوماً اللغة البريطانية، وينزلونهم في أسرة من العواهر الكفار!فكيف يعودون أسألكم بالله؟!وصرخنا وبكينا وقلنا: هذا موت .. هذا دمار، كيف تبعث ابنك أربعين يوماً في العطلة ليعيش مع العواهر؟! أستغفر الله! وهل الكافرات مصونات عفيفات؟!إنه شاب من شبيبة الإسلام ترميه بين أحضان الفتيات فكيف يسلم من الفجور؟ وهذا الواقع الذي نصرخ منه له أسبابه، ومن ذلك أن المسلمين لما استقلوا ما عرفوا الله، فكرهوه وكرهوا دينه وملته، وتغنوا بالاشتراكية والديمقراطية وأعرضوا عن الإسلام، وبعثوا أولادهم يتعلمون الكفر أحبوا أم كرهوا.وبهذه الأذن سمعت في فرنسا مسئولاً في سفارة من السفارات يقول: لما يقولون: إلى متى هذا الحجاب وهذا كذا؟ قال: نقول لهم: ما هي إلا أوقات فقط، ولا بد من التدريج. ففهمت أنهم يريدون مسخنا ولكن بالتدريج وليس بالقوة! فالحجاب ليس بممنوع، لكن شيئاً فشيئاً.وماذا عسانا أن نقول والله ينادينا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:100-101] ماذا تقولون في هذه الآية: جديدة أم قديمة؟ولما سمع إخواننا من الجن آيات كهذه قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]. ولكننا كالأموات.هل فسرت هذه الآية في العالم الإسلامي؟وهل بلغكم أنهم يبعثون مع طلابهم أئمة يربونهم؟والله لو فعلوا هذه النظرية وقد قلناها من عشرات السنين؛ لصار مركز الطلاب مركزاً للدعوة الإسلامية! فيؤذنون فيه والنصارى يسمعون ثم يأتون يسألون العالِم: ما هذا الإسلام؟كما قد قررنا وقلنا: ينبغي للمسلمين إذا دخلوا إلى مبنى الأمم المتحدة أن يدخلوا بعمائمهم وطرابيشهم، لا أن يدخلوا كاليهود والنصارى، وأين المسلم؟!فلما يدخلون مبنى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بالمشلح أو العمامة يقولون: من هذا؟ فيقال لهم: هذا مسلم! فيقولون: وما مسلم؟ فهو ما سمع بالإسلام. ثم يقال له: إن كنت تريد أن تسمع عن الإسلام فامش وراءه، فهو نازل في الفندق الفلاني فيعلمك!فبالزي فقط ندعو إلى الإسلام! لكن للأسف الشديد حتى الزي لا يوجد.كذلك المسلمة لو سافرت للضرورة معك! فلا تنزع عنها الحجاب من الطيارة، بل دعها تسافر محتجبة حتى يقولوا: ماذا هذا؟ فيقال لهم: هذا الإسلام، فيقول: ما هذا الإسلام؟ فيسألون أهله ويبدءون يتساءلون.لكن لا، أكثرنا يقول: لا نريد أن نعرف أننا مسلمون.فجحدنا الإسلام، وعلة هذا الجهل، ليس الجهل بالفيزياء أو بالتقنية، إنما الجهل بالله ومحابه ومكارهه، وما أعد لأوليائه وما هيأ لأعدائه.

طريق عودة المسلمين إلى دينهم وعزهم
إن قال قائل: لا تلمنا يا شيخ! هذا هو واقعنا، نحن ما ربينا في حجور الصالحين، وقد مضت علينا قرون ونحن نعيش في الخرافة والشرك والجهل، ثم انتكسنا انتكاسة أخرى، فتعلمنا من اليهود والنصارى وتحضرنا بحضارتهم وسلكنا سبيلهم، فكيف نعود؟فأقول لهم: يقول الله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] فهيا نعود!يقول: صعب يا شيخ! أن نعود.أقول: والله إنها لأسهل من أن تشرب كأس لبن، لأن ولاية الله من يقاومها؟ من يقهر الله أو يذل أولياءه؟فإن قال قائل: ما هو الطريق السهل الميسر؟أقول: الطريق السهل أن أهل القرية العربية والأعجمية وسكانها ألف .. ألفان .. ثلاثة آلاف نسمة يقولون: هيا نعود إلى الإسلام من جديد! فنعود بسم الله، ويبدأ إمامهم على المنبر يوم الجمعة يقول لهم: أبناءنا إخواننا! هي نأخذ على أنفسنا عهداً لله أننا لا نغيب عن بيت ربنا كل يوم من المغرب إلى العشاء، فإذا مالت الشمس إلى الغروب نغلق باب التجارة إن كنا تجاراً، ونرمي المسحاة من أيدينا إن كنا فلاحين، والمطرقة إن كنا حدادين، ونتوضأ ونأتي بنسائنا وأطفالنا إلى المسجد بيت الرب، فيجلس النساء وراء الستارة، ومكبر الصوت بينهن، والأطفال دونهن في صفوف عجيبة كالملائكة، والفحول أمامهم، ويصلون المغرب، ثم يجلس لهم عالم بالكتاب والسنة، فقط يعلمهم الكتاب والحكمة، ويأخذون في التلقي يوماً بعد يوم.وكذلك هو حال أهل الأحياء في المدن يوم الجمعة يقول لهم خطيبهم: معاشر المستمعين! من اليوم لا يتخلفن رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب والعشاء في مسجدنا هذا؛ لنتلقى الكتاب والحكمة، وفي صدق يقبلون على المسجد، ويتلقون ليلة آية وأخرى حديثاً، كما قد مثلنا هذا وجربناه في كتاب المسجد ففيه ثلاثمائة وستين آية وحديثاً، ونظل على ذلك سنة كاملة ونحن نمرن المسلمين على هذا، ولا حركة أبداً.فإن سأل سائل: ماذا ينتج كل هذا؟الجواب: والله إن النتيجة لهي أن يسود الحب والولاء والأخوة والصفاء، وينتهي الغش والخداع والكذب والنفاق والإسراف والتكالب على الدنيا، وتصبح القرية أو الحي كالملائكة، فلا جوع ولا فقر ولا خوف ولا بلاء، والله ليفيضن المال، حتى إن من راتبه عشرة آلاف يبحث كيف ينفقها.إذاً فلم لا نقبل على هذا ويصبح مذهبنا واحداً؛ فلا حنفي ولا حنبلي ولا مالكي ولا زيدي ولا أباضي، بل مسلمون، قال الله وقال رسوله، وفي قريتهم أو في حيهم، في بيوت الله طول العام، ساعة ونصف فقط أو ساعتين، والله لا منقذ لأمة الإسلام وقد هبطت إلا هذا، إلا أن تعود إلى الكتاب والسنة بهذه الطريقة.فإن قلتم: هذا أمر صعب، فلم تقولون: وليس هناك إلا الجهاد أو الديمقراطية أو يقتل بعضنا بعضاً؟يا أبنائي! هناك نيران مشتعلة في الجزائر لها أربع سنوات وستنتقل من بلد إلى بلد، ولا يطفئها إلا الله، ولا تطفأ إلا بالإيمان الصحيح والعودة الربانية.

الاعتصام بالله بوابة الهداية
قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] ألا وهو الطريق الموصل إلى الجنة دار السلام.لكن كيف يعتصم بالله؟ الجواب: يستمسك بحبل الله النازل من السماء.وما هو حبل الله؟ حبل الله هو القرآن الكريم، كتاب الله عز وجل.والله تعالى أسأل أن يهدينا والمؤمنين إلى أن نعود إلى ربنا، فتنشرح صدورنا وتطيب نفوسنا، ونجد لذة الأنس بذكر ربنا. فاللهم حقق لنا ذلك، إنك ولينا وولي المؤمنين.وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #318  
قديم 18-11-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (31)
الحلقة (172)

تفسير سورة آل عمران (41)

تقوى الله عز وجل طريق كل خير، والتقوى تحمل المؤمنين على طاعة أوامر الله عز وجل، ومما أمر الله به عباده المؤمنين أن يعتصموا بحبله المتين، وهو دين الله القويم، وحذرهم سبحانه وتعالى من التفرق والاختلاف، فالاختلاف سبب كل شر، والتفرق ضعف وهوان، وما أوتي المسلمون إلا من هذا الباب.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ راجين من ربنا عز وجل أن يهبنا ذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ). فحقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع هذه الآيات، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103].وهذا النداء مسبوق بآخر وهو موضوع درسنا البارحة، وتلاوة الآيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:100-101]. ‏ خلاصة هذا النداء هو أن الله نادانا بعنوان الإيمان؛ لأننا أحياء، نسمع ونفهم ونقدر على أن نعمل أو نترك، وتشريفاً لنا ما قال لرسوله: قل يا أيها الذين آمنوا! بل تولى نداءنا مباشرة بنفسه، بخلاف أهل الكتاب قال: قل يا أهل الكتاب! فتنزه الله أن يناديهم! فما هم أهل لذلك، لا سيما عندما يذكر فظائعهم وخسرانهم وأباطيلهم.

خطورة طاعة أهل الكتاب
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] والله العظيم المخبر هو الله، الذي يقلب القلوب، والذي غرز الغرائز، وطبع الطبائع، وسن السنن، ووضع النواميس والقوانين، أيخبر ويخطئ؟! لا والله ما كان.فما من مسلم يطيع جماعة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين لا هم لها إلا تكفيرنا وإبعادنا عن نور الله ورحمته، فما يطيعها أحد إلا وقع في شَرَك الكفر والعياذ بالله.وقد سمعتم وقلت لكم: هناك خطأ وقعت فيه أمة الإسلام وهي لا تدري، فقد بعثت بأبنائها وشبيبتها -ومع الأسف وبناتها أيضاً في بعض البلاد- ووضعتهم بين أيدي الماكرين من علماء أهل الكتاب من يهود ونصارى، فيدرسون السنين العديدة الأربع والست والسبع والثمان سنين.أسألكم بالله: ألا يفرغون فيهم باطلهم؟! ويملئون قلوبهم بشرِّهم وكفرهم؟وتجلت الحقيقة وقلنا: إن أكثر من تولى حكم المسلمين من إندونيسيا إلى موريتانيا هم خريجو تلك الجامعات، فتجدونهم في وزارة المال .. في وزارة العدل .. في وزارة التعليم .. في وزارة كذا وكذا، وهم قد حشوا وملئوا ببغض الإسلام وكرهه!ثم يقودون أمتهم بحسب ما في قلوبهم، والله إن منهم من يجامل المسلمين مجاملة، وهو لا يثق فيهم ولا يعد نفسه منهم، بل فوقهم، بل يصفونهم بأنهم رجعيين .. متخلفين .. جهال! لأنهم ليسوا كمشايخهم في أوروبا وأمريكا! وأحلف لكم بالله: والله إن إبعاد المسلمين عن دينهم بعد أن استقلوا عمن استعمرهم لمحنة جاءتهم من مسئولين درسوا عند الكافرين، وأشبعوا بمفاهيمهم وعلوم معارفهم، فعز عليهم أن يصلوا أو يدعوا إلى الصلاة! وإذا ما رأيتم فسوف تسمعون بهذا في قبوركم قبل النشر والحشر، وتنكشف الحقائق.فإن قال قائل: يا شيخ! ماذا تريد منا؟الجواب: كان المفروض بنا عندما نبعث بعثة من أبنائنا إلى روسيا .. إلى الصين .. إلى أمريكا .. إلى اليابان .. إلى أوروبا؛ ليتعلموا الصناعة والتقنية وما نحن في حاجة إليه؛ أن نبعث معهم علماء شرعيين، ونلزمهم بطاعتهم إلزاماً، ونعد لهم سكناً خاصاً على حسابنا نحن المسئولين بالدولة. فيتحول ذلك المركز إلى إشعاعات نورانية! ويعودون من كلياتهم وتمارينهم ليركعوا ويسجدوا بين يدي ربهم، ويدرسوا الكتاب والسنة، فتغمر تلك البلاد أنوارهم، ويدخل الناس في الإسلام معهم، لكن مع الأسف يبعثونهم ويضعونهم بين يدي أعداء الله ورسوله، فكيف يسلمون؟! نعم قد يسلم واحد، لكن العبرة بالأكثرية لا بالأقلية.فهل إذا وضعوا لهم مركزاً خاصاً يتعلمون فيه الهدى ويعبدون الله يأمنون؟إي والله! أما قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] فيتعلمون في الصباح من أساتذة الكفر المضطرين إلى التعلم عنهم هذه الماديات، ويعودون في الليل ليبيتوا ركعاً سجداً، يتلى عليهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.وهذا ما دل عليه كلام ربنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] كالخبراء .. المعلمون .. المستشارون .. الفنيون .. السياسيون، وما قال: إن تطيعوا الذين أوتوا الكتاب، لا! سبحان الله العظيم! إنما قال: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا خاصاً هيئ للفتنة ونشرها يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100].

العجب من ظهور الكفر مع تلاوة القرآن وتعليم السنة
ثم قال في صورة تعجب: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ بعد إيمانكم وأنوار قلوبكم، كيف والحال أنكم تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟!دعنا من تلاميذنا في الخارج، ونعود إلى ديارنا في الداخل، وكيف زاغت قلوبنا، وضلت فهومنا، وتهنا في متاهات الشرك والباطل والفسق والفجور؟ ألكوننا تتلى علينا آيات الله وفينا رسوله؟ لا والله! إنما لأننا بعدنا كل البعد عن تلاوة كتاب الله وهداية رسوله صلى الله عليه وسلم.ومن يمنعنا أن نزل ونسقط؟ ومن يمنعنا أن نضل ونتيه ونفجر؟أين المناعة؟فالقرآن نقرؤه على الموتى فقط، فإذا مات ميت نقرأ عليه القرآن في المقبرة أو في بيته؛ من أجل أن نأكل الرز واللحم.وقالت علماء الزمان: من فسر القرآن الكريم وأصاب فقد أخطأ، أي: حرام أن تفسر كلام الله، فإنك تهلك، وإن أخطأ فقد كفر، فألجمونا بلجامهم وأسكتونا وقطعوا أنفاسنا.فقلنا لهم: وماذا نفعل بالقرآن؟!قالوا: اقرءوه على الموتى.معشر المستمعين والمستمعات!ثبت عندنا يقيناً في بلاد استعمرتها فرنسا، وفي إقليم من أقاليمها، وقد جاء حاكم عام يقود تلك المنطقة من فرنسا، فأخذ يتجول في المدينة، فوقف على كتاتيب الطلاب في المساجد يتعلمون القرآن؟ فعجب ذلكم الفرنسي وكاد يغمى عليه أن المدارس مفتوحة ووزارة المال تنفق ومع ذلك وجدت هذه الكتاتيب؟ فلا معنى لهذا، أغلقوها، فليست فرنسا في حاجة إلى هذه الكتاتيب على الأرض، إنما عليها أن تنشئ المدارس وتبعث بالمعلمين. وصدر الأمر بإغلاق الكتاتيب، فألهم الله تعالى مؤمناً وقال: يا مسيو! لا معنى لإغلاقك هذه الكتاتيب وسد أبوابها، فهذه الكتاتيب تعلم القرآن من أجل أن يقرءوه على الموتى، فقط على الموتى؟ فقال: على الموتى فقط، أما الأحياء فلا يفهمون ولا يقرءون. قال: إذاً: خلهم يقرءون، والله العظيم!فإذاً هبطنا فمن يرفعنا؟ وهل من رافعة؟الآن الرافعات ملأت ديارنا تحمل الإسمنت إلى الطابق العاشر، وقد كنا نتحدث عن الرافعة فلا يفهمنا إخواننا، إلا الذين ينزلون الموانئ والمراسي، ويشاهدون الرافعة تأخذ السيارة من السفينة وتضعها في الأرض، أو تأخذ الطن من الأرض وتضعه في السفينة.الآن الرافعة معروفة فهي ترفع من كان على الأرض إلى عنان السماء، وعندنا رافعة حرمها البشر بكيد الكائدين ومكر الماكرين من فريق من أهل الكتاب، وهذه الرافعة تتجلى لنا قوتها وسلطانها وقدرتها على الرفع، فقد رفعت العرب الذين كانوا كالبهائم في الأرض، فالأحباش مستعمرون اليمن، والنصارى مستعمرون الشمال، والمجوس محتلون الشرق، وليس هناك إلا هذه البقية في الحرمين فقد حماها الله، فرفعتهم هذه الرافعة خمسة وعشرين سنة وصاروا سادة العالم وأئمة البشرية.ما هذه الرافعة؟إنه القرآن الكريم. واقرءوا لذلك قول الله عز وجل من سورة الأعراف: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:175-176] لا إله إلا الله! هذا قرآن أم ماذا؟فقوله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ أي: يا رسولنا! نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا كالحية لما تنسلخ من ثوبها، وتتركه حنش أبيض. فقوله: آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا أي: حولوها إلى الرفوف، وإلى القبور يقرءونها فقط، وليس هناك من يقول بها أو يعمل بها أو يتعظ بها أو يهدي بها.إذاً: ففقدنا الحصانة والمناعة، والمناعة كانت في القرآن، فلما انسلخ منه وتركه على الرفوف جرى الشيطان وراءه، إذ لا حصانة ولا مناعة؛ فأدركه فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]، والغي لفظ يكاد يتقيأ منه الإنسان، وأهله هم الغاوون أي: الفاسدون الأخباث الهابطون.ثم يقول تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176]، ما قال: لرفعناه بأيدينا أو بملائكتنا، قال: لَرَفَعْنَاهُ بِهَا أي: بالآيات، إذ هي الرافعة للبشرية من سقوطها في أوضار الذنوب والآثام، وأوساخ الدنيا والجرائم والموبقات.فليست الرافعة معاشر الأبناء في الاشتراكية أو الديمقراطية.إنها والله لَفي القرآن، فعندما يؤمن الإنسان به ويقرأه، ويفهم مراد الله منه ويطبقه، فتلك هي الرافعة.ثم قال: وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، وقد كنا نسمعهم يقولون: الخبز للجميع، والدولة كلها قائمة على تحقيق الخبز! أهؤلاء بهائم وحيوانات، فقط وفروا لهم الخبز فقط! وهذا في النظام الاشتراكي.إذاً: وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176]، فما اتبع عقله أبداً فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176] في أي شيء؟ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ [الأعراف:176] بالعصا يَلْهَثْ أي: لسانه مدلى، وتتركه في الظل والماء بين يديه والله وهو يلهث.وكنا نقول: والله لن تنقطع لهثة العرب والمسلمين إلا إذا عادوا إلى الكتاب والسنة. ومضى الآن أربعون سنة .. خمسون سنة وهم معرضون عن الكتاب والسنة، فلم ينته لهثهم وحيرتهم أبداً، فقولوا: آمنا بالله.وهذا هو القرآن الذي يقرأ على الموتى.إذاً قوله: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فأيما فرد أو جماعة أو أسرة أو قرية يعيشون على تلاوة القرآن والسنة وتطبيقهما والعمل بهما لو اجتمع أهل الأرض من شياطين وبشر على أن يكفروهم والله ما كفروهم، ولا استطاعوا أن يبعدوهم عن الله ودينه؛ لأن المناعة أودعها الله في القرآن والسنة.

الاعتصام بالله طريق النجاة
وأخيراً: يقول تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ [آل عمران:101] أي: يستمسك بدينه وشريعته، وبما يحملها من كتابه وهدي رسوله، ويشد على ذلك علمه أنه قد هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101]، فلن ينتهي به إلا إلى سعادته وكماله، فهو ليس بمعوج، بل صراط يصل بسالكه إلى سعادة الدنيا والآخرة، وهذا إعلام الله وإخباره، ولا يتطرق إليه أبداً الضعف.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #319  
قديم 18-11-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ...)


أهمية تقوى الله

جاء النداء الثاني فهيا نتدارسه، فيقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لبيك اللهم لبيك، فماذا تريد منا يا ربنا؟ قال: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] وهذا الأمر لنا. أي: اجعلوا بينكم وبين غضبه وسخطه وعقابه وعذابه وقاية وكافية.ما هذه الوقاية؟هل هم رجال الفن أو مصانع الذرة والسلاح؟! هل هي الجيوش الجرارة والأنظمة العصرية؟!هذه ليست هي الوقاية، فوالله ما تقينا هذه أبداً، فالله فوقها، وهو الذي دبرها وأوجدها وسخر الأيدي التي صنعتها.إذاً: بِم يتقى الله؟يتقى الله عز وجل بطاعته في أمره ونهيه، وطاعة الرسول من طاعة الله، وطاعة إمام المسلمين من طاعة الله، وطاعة المربي من طاعة الله، وطاعة الوالدين من طاعة الله، وما هناك إلا طاعة الله وقد تفرعت عنها الطاعات الأخرى، فطاعة الله بها يتقى عذابه وغضبه.وطاعة الله تكون يا عبد الله ويا أمة الله بفعل أمرٍ أمر به وترك نهي نهى عنه، وإن كانت النفس تحب ذلك وترغب وتشتهي، فما هناك حيلة والله أبداً.فقط أن نعرف أوامر الله ونواهيه، ونصحح العزم في صدق على أن ننهض بالأمر ونختلي ونبتعد ونجتنب النهي، ولا يتقى الله بشيء سوى هذا.من هنا: أولاً يجب تحقيق الإيمان إذ لا يقدر على هذا إلا مؤمن.وهل نحن مؤمنون؟ وكلمة (إن شاء الله) لا تنفعنا.تريدون عرض شاشة قرآنية تشاهدون فيها أنفسكم، وإن وجدتمونا فيها فنحن مؤمنون، وإن ما وجدتمونا فما نحن بمؤمنين، وإن وجدتمونا في جهة وليس في أخرى فإيماننا ضعيف مذبذب.تريدون أن تشاهدوا أنفسكم أو لا؟وإليكم الشاشة الأولى من سورة الأنفال المدنية، والتي نزلت بعد وقعة بدر عندما اختلفوا في الغنيمة، وادعى من ادعى الإيمان وهو غير مؤمن صحيح الإيمان، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي: بحق وصدق الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].كيف حالنا يا معاشر الناظرين إلى الشاشة القرآنية؟إن قلت: يا عبد الله! اتق الله فلا تسب الدين، تجده يسخر ويضحك! أهذا مؤمن؟!إن قلت: يا أمة الله! استتري واحتجبي والزمي بيتك، تخرج لسانها وتسخر منك! أهذه مؤمنة؟إن قلت لبائع الدخان والحشيشة وأشرطة الباطل: يا عبد الله! اتق الله، لا تنشر هذا الباطل بين المؤمنين، يقول مع الأسف: الزبائن لا يشترون منا إذا ما عندنا هذا؟ وهل هذا توكل على الله والله يقول: وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].إن شاء الله رأيتمونا في الشاشة.والشاشة الثانية من سورة التوبة أخت سورة الأنفال ولا فاصل بينهما، يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71] وهذه الصيغة بمعنى: والمؤمنون والمؤمنات بحق؛ لأنها رد على المنافقين والمنافقات في السياق الأول بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وانظر إلى أخيك إلى جنبك هل أنت وإياه بعضكما أولياء بعض؟ فإذا استغاثك: أي صاحبي! تقف إلى جنبه أو تضحك وتتركه.وإذا رأيته والكلاب تمزق ثيابه ولحمه تمر بعيداً تقوله: دعه، أهذه هي الولاية؟!وإذا رأيته جائعاً والجوع يقطع أمعاءه، وأنت شبعان والتمر في جيبك، أهذه هي الولاية؟!وقد بينا وعلم العالمون حقيقة أن هذا الولاء معناه الحب والنصرة، وأيما تأويل آخر تسمعونه فهو باطل، والتأويل الحق أنه الحب والنصرة، فتحب أخاك المؤمن وإن كان أرمد أعمش أسود مريض وسخ، وتقف إلى جنبه وتنصره متى استنصرك وطلب نصرتك، وبدون هذا فلا ولاية.ثم قال: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وعندما تدخل بلاد المسلمين لا تجد من يقول: يا أبناءنا! هذا باطل، يا عم! هذا لا يجوز. يا سيد! أذن المؤذن أغلق الباب واذهب إلى المسجد، أبداً، لا يوجد من يأمر بالمعروف، ولا من ينهى عن منكر يشاهده في السوق أو في البلاد ولا .. ولا أبداً، فلا أمر ولا نهي.أهؤلاء مؤمنون؟! وكيف هي نسبة الإيمان؟وعلى الأقل يطبقون هذا الأمر في بيوتهم، فيا عبد الله! مر أباك أو أمك أن يطهرا بيتهما من هذه الأوساخ وهذه الأراذل من صور الخلاعة والدعارة وأصوات المجرمين، فإن الملائكة قد رحلت منه، فيجيبك أنه لا يستطيع، أهذا هو الإيمان؟!وللأسف أن أحدهم قد يجد ابنه معلقاً الصليب في عنقه فيسكت ويقول: دعه يلعب.وهذه الآية لا ندري هل نحن من أهلها أو لا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]؟إن شاء الله رأيتم المؤمنين في هذه الشاشة، ومن وجد نفسه غائباً فليعد، فإن باب الله مفتوح، حتى يتأكد من صحة وجوده في هذه الشاشة البيضاء القرآنية.والأمر بالمعروف والله من أيسر ما يكون، فصديقك أو زميلك الذي يحبك وتحبه أما تقول له: يا فلان! صلّ الصبح ولا تتركها.أتعجز عن هذه النصيحة؟! فكيف تحبه إذاً؟كذلك إذا أخذ يأكل وما قال: بسم الله، أما تقول له: سم الله يا أخي؟!وإذا أكل بشماله، قل له: اتق الله، حرام الأكل بالشمال فأنت مؤمن؟وهكذا في دائرة أسرتك وإخوانك تؤدي هذا الواجب، وتصبح آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.

تقوى الله تكون في حدود الاستطاعة
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]، هنا احتار المسلمون وقالوا: كيف نستطيع أن نتقي الله حق تقاته، وما الذي نتقي به الله، ولو نملك السماوات والأرض لا نستطيع، فالسماوات والأرض يقبضها بيده فكيف نتقيه؟والجواب أيها الأحباب: هو أننا نتقيه في حدود طاقتنا، فما طلب منا أكثر من ذلك، إذ قال من سورة التغابن: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، أي: اتقوا الله في حدود طاقتكم، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( تقوى الله حق تقاته أن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يطاع فلا يعصى )، فنفعل هذا في حدود طاقتنا، فنذكر الله ولا ننساه أبداً، فنذكره عند الأكل .. عند الشرب .. عند القيام .. عند القعود .. عند الملاقاة .. عند الصلاة، عند ذبح الشاة .. عند الركوب .. عند النوم .. عند اليقظة .. فنذكر الله طول الليل والنهار، ولا ننساه أبداً. وما يشق علينا ذكره.كذلك نشكره على آلائه وإنعامه علينا ولا نكفرها أبداً. فإذا قيل لك: كيف حالك؟ تقول: الحمد لله، نحن بخير، قد أنعم علينا بنعمة السمع .. بنعمة البصر .. بنعمة الأمن .. بنعمة الطهر، ونحن في خير .. في عافية.. وهكذا لا نكفر نعمة من نعمه أبداً، ونحمده على كل نعمة.ولا نعصيه إلا إذا أكرهنا أو نسينا أو جهلنا، وتلك هي طاقتنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] أولاً.

الموت على الإسلام
ثم قال تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وهل نملك هذا يا رب؟ إي نعم، أنت قادر على أن لا تكفر ولا تفسق ولا تفجر، فعندك قدرة فجاهد نفسك، حتى لا تموت إلا على الإسلام.نعم قد تضطر في بعض الظروف أو بعض الأماكن إلى أن تهاجر وتخرج من ذلك البلد، وترحل من تلك العمارة فتسكن في أخرى. وإذا خشيت أن يعبث بعقلك وقلبك ويفسد إيمانك وتموت على سوء خاتمة، فقد فرض الله الهجرة فرضاً، وأيما مؤمن وجد نفسه في مكان لا يستطيع أن يعبد الله فيه وجب عليه أن يهاجر، فينزل الجبال أو التلال أو الأودية، ولا يبقى في بلاد لا يستطيع أن يعبد الله فيه خشية أن يموت على غير الإسلام، أو يموت وما أسلم قلبه ولا جوارحه لله: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

الدعوة إلى الاعتصام بحبل الله والتحذير من التفرق
ثالثاً: ومن نصائح مولانا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103]، وحبل الله هنا هو القرآن الكريم .. السنة .. الإسلام .. الدين الإسلامي، فهذه كلها جاءتنا منه وتدلت علينا، فمن استعصم بها وشدد لا يخشى السقوط أبداً، ولا يهوي في عذاب النار. ثم قال: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وما تقولون في التفرقة حرام أو حلال؟وقد عرف العدو خطر الفرقة والتفرق فقال: والله لأفرقنهم حتى يصبحوا أهلاً لأن نسوقهم كالأغنام والأبقار، وفعلاً فرقونا، وبدءوا بالقريب ثم البعيد، وفي العصر الحاضر هناك نيف وأربعون دولة.آلله أمركم بهذا؟إذاً: لِم تعصون الله عز وجل، وتفرقون دولتكم وتمزقونها، فالدولة ذات ألف مليون التي ترهب الإنس والجن إذا كبروا كبر الكون معهم، لكنهم تمزقوا إلى نيف وأربعين دولة حتى أصبحوا أذلة مهانين مدانين لا يستطيعون أن يقولوا كلمة في الدنيا.فتفرقنا ليس بالقوة، وإنما ملئونا بالوطنيات والجنسيات.أتدري ما وطنك يا عبد الله؟ الأرض كلها لك يا عبد الله.وكلمة (وطن) أي وطن هذا؟! حتى قالوا: قال الرسول -يكذبون عليه-: ( حب الوطن من الإيمان! ) وهل حب الطين والتراب من الإيمان! أعوذ بالله.فالمسلمون دارهم واحدة، نعم يوجدون في أقاليم متعددة، ولكن أمرهم واحد، فإذا قال إمام المسلمين: الله أكبر رددوها، وإذا قال: الجهاد في سيبل الله، رفعوا أصواتهم: حي على الجهاد، لكننا تفرقنا حتى نذل ونهون كما هو الواقع.وفرقونا بالمذاهب؛ الزيدية .. الأباضية .. الرافضية .. الـ .. الـ .. آلله أمر بهذا؟ ألسنا أتباع النبي صلى الله عليه وسلم؟ أما نحن الذين أسلموا قلوبهم ووجوههم لله، فنور الله بأيديهم كتابه وهدي نبيه، ومن أراد أن يفرقنا أو يمزق شملنا فنلعنه ونبعده من ساحتنا، وتبقى أمتنا أمة واحدة.وفرقونا طرقاً فهذا: قادري .. رحماني .. عيساوي .. عيدروسي .. إدريسي! لا إله إلا الله.وفي القرية الواحدة تجد: غناء وقصائد وأناشيد وشاي وأكلات، وهؤلاء أصحاب سيدي أحمد . وفي طرف القرية الأخرى كذلك أناشيد وقصائد وترنمات وأكل وشرب، وهؤلاء قادريون، وهؤلاء كذا، فلا إله إلا الله، وهذا في القرية الواحدة.ومن أراد أن تتجلى له الحقيقة، فقد أخبرنا العالمون: أن مصر عاصمة العالم العربي بها سبعون طريقة.إذاً فمن مزقنا، من فرقنا؟ آلله أذن في هذا؟ أما قال: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] فعصينا وأصابنا ذنبنا ويكفي في ذلك فقرنا وذلنا وخلافنا وبلايانا ورزايانا والعياذ بالله؛ لأننا ما اعتصمنا بحبل الله، ولا تآخينا وتواددنا وتحاببنا، وأصبح منهجنا واحد، فهذا زيدي، وهذا أباضي، وهذا كذا، وهذا كذا، والأصل هذا مؤمن مسلم، وقال الله وقال رسوله.وقد مضت فترة تكون أنت جالس في درس، فيأتي آخر يجلس ويأتيه قريبه وصديقه، ويقول له: قم .. قم، لا تسمع، هذا وهابي يفسد عليك قلبك، فيأخذونه من حلقتنا، وأي مرض أعظم من هذا؟والمدرس يقول: قال الله وقال رسوله، وهو يقول: ما قال شيخنا فلان ولا فلان وفلان، قم لا تسمع.وكان عندنا طالب يمني جاء يشتغل حداداً، يصلح الدوافير، وحضر عندنا الدرس، قال: أوصاني أبي وأمي: يا فلان! لا تجلس في حلق الدروس في المسجد النبوي؛ لأنهم وهابيون يفسدون عليك دينك. ويحلف لي بالله يقول: وكنت أمر بالحلقة داخل المسجد ولا أراك إلا شيطاناً على الكرسي!! لكن أراد الله إنقاذ هذا المؤمن، فجاء به إخوانه من اليمنيين وقالوا: أنت ما لك؟ هذا ليس وهابياً، هذا شيخ جزائري، وكيف تقول: وهابي؟ أنت واهم فقط، واسأل الناس. فهدأت نفسه وسكن روعه، وأخذ يجلس ويجلس، والحمد لله حتى عرف الطريق ودرس وتخرج من الجامعة، وهو الآن داعية إلى الله. وهذا مثال فقط.إذاً فرقنا بأيدي وأصابع أعدائنا.وكلمة (وهابية) الأصل فيها اليهود والنصارى، حتى لا ترى أمة الإسلام هذه الدولة وقد أنشأها الله تحمل راية: لا إله إلا الله محمداً رسول الله، فصرفوا قلوب العرب والمسلمين عنها حتى لا يقتدوا بها أو يأتسوا.فلما استقللنا في الشرق والغرب قالوا: لا ترفع راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى لا ننتسب إلى القرآن والسنة، لأن كلمة: لا إله إلا الله معناها: لا يعبد إلا الله، فلا عبد القادر ولا عيدروس ، وكلمة محمد رسول الله معناها: لا يتابع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قال الله وقال رسوله.إذاً: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فتفرقنا يا ربنا بدون قدرة منا ولا طاقة فسامحنا، فهيا اجتمعوا قد سامحناكم، وبدأنا يا ربنا ولك الحمد.ويدل على هذا أنه قبل خمسين سنة أو خمسة وأربعين سنة، لو يؤلف حنبلي كتاباً في الفقه الحنبلي وهو حق، أو مالكي أو شافعي أو حنفي، فكل من يرى الكتاب يقول: هذا ليس في مذهبنا، فلا يقرأ أبداً، مع أن المذاهب الأربعة والله إنهم على الحق، وعلى نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما وقع خلاف في الفهم فقط للكتاب والسنة، وما مزق هذا الفهم أمة الإسلام أبداً، ومع هذا من يقرأ الكتاب يقول: هذا الكتاب شافعي، وأنا مالكي.والآن ومنذ أربعة أو خمسة وأربعين سنة أصبح المسلمون الواعون صغاراً وكباراً المهم عندهم قال الله وقال رسوله، سواء جاء من طريق أحمد أو أبي حنيفة أو من غيرهما.ويدل لهذا كتاب منهاج المسلم الذي ندرسه وهو الآن يقرأ في العالم الإسلامي، حتى عند النساء؛ لأنه أولاً في المقدمة قلت لهم: والله ما خرجنا عن المذاهب الأربعة قيد شعرة.ثانياً: كل مسائله قال الله وقال رسوله، والآن يقرأ بسهولة، فجمع الله قلوب المؤمنين عليه، وهناك انفراج؛ لأن السياسة هبطت، ولو كان الحكام كما كانوا والله ليؤدبونك ويسجنونك: كيف تقرأ هذا الكتاب على غير مذهبنا! ومرة في المغرب أصدر الحاكم قراراً أن من يقبض يديه في الصلاة يقبضون عليه.وقد ألف أبو بكر خرقير رسالة يبين فيها التوحيد من الشرك في التوسل فقط في الحق والباطل، فسجنه الملك وسجن معه ولده في مكة، ومات ولده في السجن، وبقي الشيخ في السجن حتى دخل عبد العزيز وحكم وأطلق سراحه، وكل ذلك من أجل رسالة في التوحيد!فالذي صرف العالم الإسلامي أن الحكام هبطوا، فقد كانوا يسمعون كلام علمائهم: هذا المذهب خامسي فلا نقبل، وانفرجت والحمد لله، والله نسأل أن تستمر وتدوم هذه.

فضل الله على المؤمنين بتأليفه بينهم
قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:103] الحمد لله، اذكروا نعمة الله عليكم، وذكر النعمة يتطلب شكرها، فقولوا: الحمد لله.ثم قال: إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً لبعضكم بعضاً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]، الحمد لله، الحمد لله.وهذه الحادثة قد تكلمنا عليها في قضية الأوس والخزرج، وهذه الآيات فيهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ونعود إليها في يوم ما.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #320  
قديم 18-11-2020, 02:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (32)
الحلقة (173)

تفسير سورة آل عمران (37)


لما أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وأنزل عليه القرآن، كان ذلك مؤذناً بسقوط الممالك القائمة على الوثنية والديانات المحرفة، فسقطت دولة فارس ودولة الروم وشتت الله شمل يهود، ومنذ ذلك الحين وهذا الثالوث الأسود لا يدخر وسعاً في حرب الإسلام، ومحاولة انتزاع سبب قوة المسلمين من صدورهم، ألا وهو كتاب الله العظيم القرآن الكريم.

تسمية القرآن بالروح
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات من سورة آل عمران، وتلاوة الآيات المباركات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:100-103].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهان السامعين وخاصة أن من بينهم زواراً وحجاجاً ما كانوا قد سمعوا ولا علموا ما درسناه في الأيام السابقة.أقول: القرآن الكريم سماه الله منزله بالروح في ثلاث آيات، فالله تعالى خالقنا ورازقنا وموجد العوالم كلها سمى القرآن الكريم الروح.وهل يوجد حيوان بدون روح؟ وهل توجد حياة في كائن بدون روح؟الجواب: والله ما كان، ولنستمع إلى الآية التي فيها تسمية القرآن بالروح؛ فقد جاء من سورة الشورى قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، أي: وكذلك أوحينا إليك يا رسولنا روحاً من أمرنا، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، فسماه روحاً ونوراً. وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، فالقرآن الكريم روح ونور.أسألكم بالله: هل توجد حياة بدون روح؟الجواب: لا.وأسألكم بالله: هل الماشي في الظلمات يهتدي إلى مراده بدون نور؟الجواب: لا، ولنحفظ إن القرآن روح ولا حياة بدونه، ونور ولا هداية بدونه.وهل هناك برهنة أو تدليل على ما تقول يا شيخ؟الجواب: نعم، فالعرب في هذه الديار كانوا وثنيين مشركين ممزقين مفرقين، وفارس من الشرق تستذلهم وتستعمرهم، والروم والرومان من الشمال يذلونهم ويستعمرونهم، والأحباش من الجنوب يستعمرونهم ويستذلونهم. فما إن نزل فيهم هذا القرآن، وطلعت شموسه ولاحت أنواره وفي خلال خمسة وعشرين سنة دان لهم أكثر المعمورة، وأصبحوا هداة وقادة، ولم تعرف الدنيا أمة أكمل ولا أطهر ولا أصفى ولا أعدل ولا أرحم ولا أقوى من تلك الأمة في ثلاثة قرون؛ بسبب ماذا؟ هل بالمال .. بالفلسفة .. بالتقنية .. بالعلوم الآلية؟ الجواب: والله ما كان ذلك، وإنما كان بالقرآن وبيانه على لسان المنزل عليه.

أمثلة على تأثير القرآن في أصحابه من الجيل الأول
قد يلطخ ويلوث الملاحدة والأعداء تاريخ الأمة البشرية وتاريخ الأمة الإسلامية، ولكن لن يستطيعوا أن يوجدوا أمة طابت وطهرت واستقامت وقادت البشرية إلى الكمال كما كانت أمة الإسلام في ثلاثة قرون: قرن الصحابة، وقرن أولادهم، وقرن أحفادهم بالقرآن فقط.أعطيكم أمثلة وبرهنة:فهذا عمر رضي الله عنه يستدعيه أحد ولاته في دولة الخلافة العمرية لتناول الطعام، فيقدم له سفرة ملونة، وإن كانت لا تبلغ طعامكم اليوم، فينظر عمر إلى ألوان الطعام فينتفض كالأسد ويقوم، فيقول له واليه: ما لك يا خليفة رسول الله لا تأكل؟ فقال رضي الله عنه -واسمعوا تربية القرآن-: إني خشيت وخفت أن أكون ممن قال الله تعالى فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20].فهل رأيتم مثل هذا الرجل؟ وهل سمعتم في دنياكم اليوم بمثل هذا الموقف؟!وهذا سلمان الفارسي الأعجمي من ديار فارس، وقد تنقل واستعبد مرات، حتى وصل إلى مدينة النور، فأسلم، وهو مجوسي وأبوه كان ناظر النار التي كانوا يعبدونها والقيم عليها، وقد قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( سلمان منا آل البيت )، فآل محمد صلى الله عليه وسلم هو كل مؤمن تقي، والفاسق الفاجر الكافر هو عدو وليس من أولياء محمد، وإن كان ابن أخيه أو ابن عمه.فـسلمان لما ولاه عمر على إحدى مدن العراق والياً عاماً، جاءت قافلة تجارية من الشام، وكانت القوافل تحمل بضائعها على الإبل والبغال والحمير في أوروبا وفي بلاد العرب. فدخلت القافلة، ومر سلمان الفارسي والعصا في يده يتجول في البلاد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فما إن شاهدته القافلة التجارية الشامية حتى قالوا: هذا حمال، احمل معنا بضائعنا إلى الفندق، فظنوه صعلوكاً، وأخذ حقيبة من وراء وحقيبة من أمام وأخرى على رأسه، ومشى وراءهم إلى الفندق، فاعترضهم من أهل البلاد رجل يقول: ويحكم! أتستخدمون أمير المسلمين؟! هذا والي المدينة، فجروا وراءه يبكون: سامحنا لوجه الله، نحن ما عرفناك فهات الحقائب! قال: لا، أبداً، سأصل بها إلى الفندق، ما أنا ومن أنا؟ ألست عبد الله أحمل لإخواني أمتعتهم ماداموا في حاجة إلي.وهل تحلم الدنيا بمثل هذا الموقف عندكم يا سكان الأرض قاطبة؟ونحن بمجرد ما يترقى أحدنا بنجمة في كتفه يرتفع ويتكبر، وبمجرد ما يعلو راتبه أو تربح تجارته ينتفخ وينتفش.لكن ما السبب؟ وما العلة؟ وما السر؟الجواب: أولئك حيوا على روح القرآن واستناروا بنوره، فكملوا واهتدوا، ونحن أين القرآن منا؟ وكل محاكم المسلمين باستثناء هذه البقعة تدخلها لا تجد قرآناً فيه ولا تفسيراً له فيه.
دور الثالوث الأسود في إفساد الأمة الإسلامية
عدو المسلمين مكون من ثلاث طوام: المجوس واليهود والنصارى.لكن لِم تكون هذا العدو منهم؟ إليكم البيان: ‏

الدور المجوسي
أما المجوس عبدة النار فما إن سقط عرش كسرى على يد عمر ، ثم أخذ تاج كسرى ووضعه على رأس سراقة بن جعشم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وسراقة هذا لما صدر حكم قريش بالإعدام على رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في ناديهم بمكة واتخذوا قراراً بإعدام محمد! والذي أملى هذا القرار هو عدو الله إبليس عليه لعنة الله، إذ دخل عليهم في دار الندوة وهم مجتمعون، فهذا يقول: نسجنه إلى الأبد، وهذا يقول: ننفيه من البلاد بالمرة. فجاء إبليس وقال: تأخذون برأيي، وجاء في صورة رجال نجد وهم معروفون بالحكمة والسياسة. فقالوا: نعم يا شيخ. قال: إن سجناه لا تستطيعون أن تضمنوه في السجن، سيأتي رجال ويطلقون سراحه، وخبتم، وأما نفيه فإنه سيكون عصابات في الخارج ويغزوكم، وما هذا برأي، والرأي أن توزعوا دمه على قبائل قريش، فتختارون أربعين شاباً، وكل شاب يمثل قبيلة أو فخذاً أو بطناً ويضربونه ضربة رجل واحد. فيموت ويتوزع دمه بين القبائل، فماذا يصنع بنو هاشم؟ هل يحاربون العرب كلهم، فيقبلون الدية ويسكتون. قالوا: هذا الرأي وقد أصبت. فصدر الحكم بإعدامه.ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور مع الصديق ثلاث ليالٍ هاربين، وقريش تطلبهم تقذف الحجارة، وأعماهم الله عز وجل وما رأتهم، وكأني بـأبي بكر يقول: يا رسول الله! لو رفع أحدهم قدمه لرآنا، وحزن أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما بالك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما )، وجاء هذا بعدما نزلت سورة التوبة بالمدينة بعد كذا سنة: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وخرجا والخريت الجغرافي أمامهما يدلهم على الطريق الذي ليس فيه مخاوف.وأعلنت قريش عن جائزة قيمتها مائة بعير لمن يأتيها برأس محمد، وكان سراقة من رجالات العرب وأبطالها فقال: أنا أفوز بهذه الجائزة، وتلون وغير طريقه ولباسه حتى لا يعرف ويتبع، وركب فرسه وسيفه على كاهله، فمضى يتلمس أخبار رسول الله وصاحبيه، فلما انتهى ووصل إليهم إذا بالفرس يعلق في الأرض بقدميه ويسقط -وهذه من معجزات النبوة المحمدية- ورفع الفرس رجليه وحافره ومشى، ثم وقع مرة أخرى، فعرف سراقة أن هذا نبي الله. فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ( كيف بك يا سراقة إذا توجت بتاج كسرى )، فالرسول هارب شارد مطارد ويقول لهذا الجاني الطالب له: ( فكيف بك إذا وضع على رأسك تاج كسرى ).وتم ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد قبض رسول الله وقبض الصديق وتولى عمر وغزا وفتح، وكان سراقة مع جيشه في ديار فارس، فلما قُتل كسرى أخذ عمر تاجه ووضعه على رأس سراقة ، وهذه وحدها تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.إذاً: ما إن سقط عرش كسرى حتى تكون حزب وطني يعمل في الظلام للانتقام من الإسلام الذي أسقط عرش كسرى.ودخلت البلاد في الأنوار الإلهية، وأصبحت فارس بقعة من النور، ولكن هذا الحزب الذي يعمل في الظلام لإعادة عرش كسرى يعمل، وأول طلقة أطلقها هذا الحزب في جسم الإسلام هو قتل عمر في محرابه. والذي قتل عمر بن الخطاب هو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي، وقد كان عبداً من عبيد الرجال، ولكن يوحى إليه بطريق خفي من الحزب النظامي، وهذه أول رصاصة في جسم الإسلام.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 263.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 257.21 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]