استخلاف الإمام من يصلي بالناس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854752 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389638 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-02-2021, 08:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي استخلاف الإمام من يصلي بالناس

استخلاف الإمام من يصلي بالناس


الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح




اسْتِخْلافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ

مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَغَيْرِهِمَا مَنْ يُصلِّي بِالنَّاسِ


عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللّهِ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ لَهَا: أَلا تُحَدِّثِيني عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: بَلَىٰ، ثَقُلَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((أَصَلَّى النَّاسُ؟))، قُلْنَا: لا، وهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: ((ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ))، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: ((أَصَلَّى النَّاسُ؟))، قُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ: ((ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ))، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: ((أَصَلَّى النَّاسُ؟))، قُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ((ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ))، فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: ((أَصَلَّى النَّاسُ؟))، فَقُلْنَا: لا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ لِصَلاةِ الْعِشاءِ الآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أبي بَكْرٍ، أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ، صَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: ((أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ))، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ قَاعِدٌ.

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ.

وفي رواية: قالت عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: ((مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ))، قَالَتْ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَتْ لَهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ))، وفيه: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي بِصَلاةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلاةِ أَبي بَكْرٍ، وفي رواية: وأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمُ التَّكْبِيرَ.

وفي رواية للبخاري: "قالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيبَ منكِ خيرًا".

وفي رواية للبخاري أيضًا: قالت عائشةُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما دخلَ بيتي واشتدَّ به وجعُهُ قال صلى الله عليه وسلم: ((هَرِيقوا عليَّ من سبع قِرَب لم تُحلَلْ أوكيتُهنَّ، لعلي أعهدُ إلى الناس)) فأجلسناهُ في مَخضَبٍ لحفصةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ طفقْنا نصبُّ عليهِ من تلك القِرَب حتى طفقَ يُشيرُ إلينا بيدِهِ أن قد فَعلتنَّ، قالت: ثم خرجَ إلى الناس فصلَّى لهم وخطَبهم.

وفي رواية في الصحيحين: قالت عَائِشَةُ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم في ذٰلِكَ، وَمَا حَمَلَني عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ في قَلْبي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَإِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذٰلِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ.


تخريج الحديث:
حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه مسلم (418)، وأخرجه البخاري في مواضع عدة منها "كتاب الأذان" "باب إنما جعل الإمام ليؤتم به" (687)، وأخرجه النسائي "كتاب الإمامة" "باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدًا" (833)، وأخرجه ابن ماجه "كتاب الجنائز" "باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1618).

شرح ألفاظ الحديث:
"عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ": هو عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود الهذلي، تابعي، عم أبيه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، قال الواقدي: كان عبيدالله عالِمًا، وكان ثقة كثير الحديث والعلم، وقال العجلي: كان أعمى، وكان أحد فقهاء المدينة تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلم عمر بن عبدالعزيز؛ [تهذيب التهذيب (7 /23)].

" أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم": ألا: للعرض أو التحضيض، ومعناها: طلب الشيء، وطلب من عائشة رضي الله عنها أن تحدثه عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه.

"ثَقُلَ النبي صلى الله عليه وسلم ": بفتح الثاء وضم القاف، ثقل في مرضه؛ أي: بلغ في الضعف مبلغًا، وركدت أعضاؤه حتى لا تكاد تحمله رجلاه.

"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ": بكسر الميم وفتح الضاد بينهما خاء ساكنة، والمشهور أنه الإناء الذي يُغسل فيه الثياب أو نحوه من أي جنس كان؛ [شرح النووي لمسلم (4 /357)، والمفهم (2 /49)، وفتح المنعم (2 /560)].

"ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ"؛ أي: ثم أخذ ليقوم وينهض بجهد.

"وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ"؛ أي: مجتمعون ومنتظرون لخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ"؛ أي: فأتى أبا بكر رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو بلال رضي الله عنه.

"وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا"؛ أي: رقيق القلب، وفسرتها الرواية الأخرى عند مسلم: "لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن"، وفي رواية: "إن أبا بكر رجل أسيف" على وزن فعيل من الأسف، وهو شدة الحزن عند العرب، والمراد: أنه رقيق القلب سريع البكاء؛ ولذا قالت: ((متى يقوم مقامك لا يسمع الناس)) لانخفاض صوته بسبب تأثُّره، لكونه رجلًا أسيفًا، ومنه قول يعقوب عليه السلام: ﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 84]؛ أي: واحزناه لفقده، أما الأسف بكسر السين فهو الغضبان المتلهف، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ﴾ [الأعراف: 150].

"فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ": الأيام التي مرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع عن الذهاب فيها للمسجد.

"فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلاةِ الظُّهْرِ": والآخر هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنه، وقولها: (لصلاة الظهر) تصريح بأن الصلاة التي خرج فيها غير الصلاة التي أغمي عليه فيها، وهي العشاء الآخر.

قال العيني: وجاء في رواية (بين الفضل بن عباس) وفي أخرى: (بين رجلين أحدهما أسامة) وطريق الجمع أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة تارة هذا وتارة هذا؛ [عمدة القاري (3 /91)].

"إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"؛ أي: مثل صواحب يوسف، ففي الكلام تشبيه بليغ، وصواحب يوسف جمع صاحبة، وخطاب الجمع إما أن يكون لعائشة وحفصة رضي الله عنهما باعتبار أقل الجمع اثنان، أو لهما وللحاضرات باعتبار موافقتهن بصمتهن، أو لعائشة رضي الله عنها وحدها من قبيل خطاب الجماعة وإرادة الواحد، أما وجه الشبه:
قال ابن حجر: "ووجه المشابهة بينهما أن زُليخا (امرأة العزيز) استدعت النسوة، وأظهرت لهن الإكرام والضيافة، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حُسْن يوسف عليه السلام، ويعذرنها على محبَّته، وأن عائشة رضي الله عنها أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يُسمِع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو ألَّا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد بذلك"؛ [الفتح (2 /153)].

"فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيبَ منكِ خيرًا": قال ابن حجر: "وإنما قالت حفصة رضي الله عنها ذلك؛ لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف، وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة رضي الله عنها هي التي أمرتها بذلك، ولعلَّها تذكرت ما وقع لها معها أيضًا في قصة المغافير"؛ [الفتح (2 /153)].

وقصة المغافير هي قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه وتأخُّره عند زينب رضي الله عنها؛ لأنه يأكل عندها عسلًا، فاتفق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة، وحفصة، وسودة رضي الله عنهن تقودهم عائشة رضي الله عنها ليقلن للنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على إحداهن: أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، فقال: ((لا، وإنما عسل عند زينب ولن أعود له))، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1]، وأنزل في عائشة وحفصة رضي الله عنهما ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]، والحديث متفق عليه وسيأتي.

"هَرِيقوا عليَّ من سبع قِرَب لم تُحلَلْ أوكيتُهنَّ": هريقوا؛ أي: أريقوا من الإراقة، أي: صبوا علي من سبع قرب؛ والقرب: جمع قربة، وهي ما يستقى به الماء، الأوكية: جمع وكاء؛ وهو الخيط الذي يُشدُّ به رأس القربة؛ [انظر: عمدة القاري؛ لبدر الدين العيني (3 /91)، والنهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير (مادة "وكا"، ص 987)].

قال العيني في الحكمة من طلب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف من القرب: "لأن الأيدي لم تخالطه ولم تُدنِّسْه بعد، والقرب إنما توكى، وتُحل على ذكر الله تعالى، فاشترط أن يكون صب الماء عليه من الأوكية التي لم تحلل ليكون قد جمع بركة الذكر في شدها وحلها معًا"؛ [عمدة القاري (3 /91)].

"ثمَّ طفقْنا نصبُّ عليهِ من تلك القِرَب"؛ أي: شرعنا نصُبُّ الماء عليه.

من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة وبأهل الصلاة، ووجه ذلك أنه قال: "أصلى الناس؟"، وهو في أشد ما يكون من التعب والثقل وكرَّرها مرارًا، وحاول الإمامة بالمصلين على شدة ما يجد من الإغماء وتَكراره.

الفائدة الثانية: الحديث فيه دليل على أنه إذا تأخَّر الإمام عن أول وقته المعتاد، ويُرجَى مجيئه عن قرب فإنه يُنتظر ولا يتقدم عليه؛ [انظر: شرح النووي لمسلم (4 /357)].

الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على أن الأنبياء يصيبهم ما يصيب عامة البشر من المرض والإغماء ونحوه، قال النووي: والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون، فإنه لا يجوز عليهم؛ لأنه نقص، والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم، وتسلية الناس بهم، ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدهم، لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البينات والله أعلم"؛ [المرجع السابق].

الفائدة الرابعة: استحب بعض العلماء سنية الاغتسال من الإغماء إذا أفاق المغمى عليه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، والأظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك تعبدًا وإنما لحصول النشاط بالغسل، وحصول النشاط به أمر ظاهر؛ [انظر: تعليق شيخنا العثيمين على مسلم (2 /112)].

الفائدة الخامسة: الحديث دليل على فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه على جميع الصحابة وأحقيته بالخلافة، فمن كان أولى بالإمامة الصغرى بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فهو أولى بلا شك بالإمامة الكبرى، فهو أقرؤهم وأعلمهم وأولاهم بالخلافة.

قال ابن بطال: "فلم يكن الصديق رضي الله عنه على جلالته وثاقب فهمه، وتقدمه في كل خير، يتأخر عن مساواة القراء، بل فضلهم بعلمه، وتقدمهم في أمره، ألا ترى قول أبي سعيد: "وكان أبو بكر أعلمنا"... ولهذا قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، والصلاة لا يقوم بها إلا الدعاة، ومن إليه السياسة وعقد الخلافة"؛ [شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (2 /299)].

الفائدة السادسة: الحديث دليل على فضيلة عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يعرض على غيره حيث قال: "يا عمر، صلِّ بالناس"، وفيه دلالة على جواز توكيل الوكيل لغيره فيما وكل عليه لا سيما إذا عرض للوكيل العذر، فإن أبا بكر كان رجلًا رقيقًا فخاف ألا يقوم بواجب الإمامة لتأثيره ورقة قلبه.

قال شيخنا العثيمين: "أخذ العلماء رحمهم الله من هذا دليلًا على أنه يجوز للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه في ثلاثة أحوال: الأولى: إذا كان يعجز عنه، الثانية: إذا كان مثله لا يتولاه، الثالثة: إذا أذن له الموكل"؛ [التعليق على مسلم (2 /113)].

وفي قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: "أنت أحق بذلك" فيه الاعتراف بفضل أهل الفضل ومنزلتهم، وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب والفتنة.

الفائدة السابعة: الحديث دليل على جواز التأخر عن صلاة الجماعة لتمريض المريض ونحوه، لانشغال العباس وعلي رضي الله عنهما بتمريض الرسول صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الثامنة: الحديث دليل على جواز إمامة العاجز عن القيام بالقادرين عليه، وتقدم بسط المسألة بأقوالها في الحديث السابق، وأن حال المأمومين لا يخلو من حالين: إما أن يكون عجز الإمام عن القيام من أول الصلاة، فالمأمومون يصلون خلفه قعودًا (للأحاديث السابقة)، وإما أن يكون عجزه طارئًا أثناء الصلاة فالمأمومون يصلون خلفه قيامًا لحديث الباب، وبهذا التفصيل تجتمع الأدلة، خلافًا لمن قال بنسخ حديث الباب للأحاديث السابقة لإمكان الجمع بينها، وبهذا التفصيل قال الإمام أحمد وبعض الشافعية؛ [انظر المغني (2 /60)، وفتح الباري (2 /167)].

الفائدة التاسعة: الحديث دليل على جواز وقوف المأموم على يمين الإمام كما كان وقوف أبي بكر بجانب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لحاجة كأن يشاهده المأمومون إذا كان مبلغًا أو لمصلحة أو لضيق مكان ونحو ذلك؛ [شرح النووي لمسلم (4 /359)].

الفائدة العاشرة: الحديث دليل على مشروعية استعمال المبلغ إذا دعت الحاجة إليه كما كان أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ومنه يؤخذ مشروعية مكبرات الصوت للحاجة بل هي أبلغ؛ لأنها تبلغ عن الإمام مباشرة.

الفائدة الحادية عشرة: الحديث فيه حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه والاستماع لرأيهن ومراجعتهن له، وصبره على ما يبدو منهن، وحفظ حقوقهن، ومن ذلك الاستئذان لمن لها الحق، ففي رواية مسلم الأخرى قالت عائشة رضي الله عنها: "أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة رضي الله عنها فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذِنَّ له"؛ أي: في بيت عائشة رضي الله عنها.

قال النووي: "وفي مراجعة عائشة رضي الله عنها جواز مراجعة ولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة، والإشارة بما يظهر أنه مصلحة، وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة"؛ [شرح النووي لمسلم (4 /361)].

الفائدة الثانية عشرة: في دخول عبيدالله رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها، وقوله لها:"ألا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، بيان ما كانوا عليه من عنايتهم بطلب العلم، وأخذه من مصادره.
♦ ♦ ♦



وعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِيْ تُوُفِّي فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الإِثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا. قَالَ: فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجٌ لِلصَّلاَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ. قَالَ ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْخَى السِّتْرَ. قَالَ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ ذٰلِكَ.


تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم (419)، وأخرجه البخاري بنحوه في "كتاب الأذان" "باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة""681"، وأخرجه النسائي في "كتاب الجنائز" "باب الموت يوم الإثنين" (1830)، وأخرجه ابن ماجه "كتاب الجنائز" "باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1624).

شرح ألفاظ الحديث:
"كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ": قال النووي في وجه الشبه:" عبارة عن الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه، واستنارته، وفي المصحف ثلاث لغات: ضم الميم وكسرها وفتحها"؛ [شرح النووي لمسلم (4 /363)].

" ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا ": سبب تبسمه فرحًا بما رآه من اجتماعهم في مغيبه على إمامهم وإقامة شريعة الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك تأنيسًا لنفوسهم وتسكينًا لها؛ [انظر شرح النووي لمسلم (4 /363)، والمفهم للقرطبي (2 /54)].

" فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم": "بُهتنا" بالبناء للمجهول؛ أي: أخذنا بغتة وحيرة؛ فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البخاري: "فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم".

" وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ ": أي رجع إلى الخلف.

من فوائد الحديث:
الفائدة الأولي: في الحديث دلالة على استمرار خلافة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم في إمامة الصلاة إلى آخر صلاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية مسلم الأخرى: "لم يخرج إلينا نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا"، وإمامة أبي بكر هذه المدة شاهد لأحقيته لذلك بإقرار الصحابة خلافًا لأهل الضلالة من الرافضة الذين يرون أحقية علي رضي الله عنه.

الفائدة الثانية: الحديث فيه حسن رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، وفرحه باستقامة الناس وإقامتهم للشريعة، رغم ما فيه من مرض الموت إلا أن همه لأمر الدين وظهوره وبقاء الشريعة واستقامة حال الناس هو الذي ظهر على وجهه في يوم موته مبتسمًا كأن وجهه ورقة مصحف من البهاء والحُسن.


مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة)



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 108.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 106.85 كيلو بايت... تم توفير 1.95 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]