مختصر الكلام على بلوغ المرام - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 15 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 26-02-2020, 02:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(36)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


باب صِفَةِ الحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ

أي بيان المناسك والإتيان بها مرتبة وكيفية وقوعها



706- عَنْ جابر بنِ عبد الله - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ فَخَرَجْنا معهُ حتى إذا أَتيْنا ذا الْحُلَيفة فولدتْ أَسماءُ ابنةُ عُميس فقال: "اغتَسِلي واسْتَثْفري بثْوبٍ وأَحرمي" وصلى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثم رَكِبَ القَصْوَاءَ حتى إذا استَوَتْ به على الْبيداءِ أَهَلَّ بالتوحيد "لَبيَّك اللّهُمَّ لَبيْك، لبيَّك لا شريك لكَ لَبَيْك، إنَّ الحمْدَ والنعمةَ لكَ والملْكَ، لا شريك لك"حتى إذا أَتَيْنَا البيْتَ اسْتلمَ الرُّكن فرمل ثلاثاً ومشى أَربعاً، ثمَّ أتى مقامَ إبراهيم فَصَلَّى ورجَع إلى الرُّكن فاستلمه، ثمَّ خرجَ من البابِ إلى الصَّفا، فلمّا دَنا مِنَ الصَّفا قَرَأَ ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]"ابدأُوا بما بدأَ اللهُ بهِ"فرقي الصَّفا حتى رأَى البَيْت، فاستقبلَ القِبْلةَ، فَوَحّدَ الله وكبّرهُ وقال: "لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريك لهُ، لـهُ المُلْكُ ولـه الحمدُ وهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله أَنجزَ وَعْدهُ، ونصر عبْدَهُ، وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَهُ"ثم دعا بين ذلك ثلاث مرَّاتٍ، ثم نزل من الصَّفَا إلى المرْوَةِ حتى انصبّتْ قدماهُ في بطن الوادي سَعَى حتى إذا صَعِدَ مشى إلى المرْوَة فَفَعَلَ على المروةَ كما فعل على الصَّفا، وذكر الحديث وفيه: فلما كان يَوْمُ التّرْويةِ توِجَّهُوا إلى منىً وركب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بها الظُّهرَ والعصر والمغربَ والعِشاءَ والْفَجْرَ، ثمَّ مكث قليلاً حتى طَلَعَت الشّمسُ فأَجازَ حتى أَتى عَرَفةَ فوجد قُبَّةً قد ضُربَتْ لـهُ بنَمِرَة فنزل بها حتى إذا زالت الشّمسُ أَمرَ بالْقصواءِ فَرُحِلَتْ لـهُ فأَتى بَطْن الوادي فَخَطَبَ النّاس ثمَّ أَذَّنَ ثمَّ أَقامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَقامَ فَصلَّى الْعصْرَ ولمْ يُصَلِّ بينهما شيئاً، ثمَّ رَكِبَ حتى أَتى الموقِفَ فجعلَ بطنَ ناقتِهِ القصْواءِ إلى الصَّخَرَات، وجعَلَ حَبْل المُشاةِ بين يديْهِ واستقْبلَ القِبْلةَ، فلم يَزَلْ واقفاً حتى غَرَبَتِ الشّمْسُ وذهبتِ الصُّفرةُ قليلا حتى غابَ القُرْصُ، ودَفَعَ وقد شَنَقَ للقصْواءِ الزِّمامَ حتى إنَّ رأسَها ليُصيبُ مَوْرك رَحْلهِ ويقولُ بيدهِ اليُمنى: "يَا أَيُّها النّاسُ السّكينَةَ السكينةَ"وكلما أَتى حَبْلا أَرْخى لها قليلاً حتى تصْعَدَ حتى أَتى المزْدلِفة فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأَذان واحدٍ وإقامتين ولم يُسِّبحْ بينَهُما شيئاً، ثمَّ اضْطجَعَ حتى طَلَعَ الفَجْرُ، فَصَلَّى الْفجرَ حين تبين لـهُ الصُّبحُ بأَذانِ وإقامةٍ، ثمَّ ركبَ حتى أَتى المشْعَرَ الحرَامَ فاسْتقبل القبْلةَ فدعا وكبّر وهلّل، فَلَمْ يزل واقفاً حتى أَسفرَ جِداً، فدفَعَ قبَلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمسُ، حتى أَتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قليلاً، ثمَّ سلكَ الطّريق الوُسْطى التي تخْرُجُ على الجمرةِ الكبرىِ، حتى أَتى الجمْرةَ التي عند الشّجرةِ فرَمَاهَا بسَبْع حَصَيَاتٍ -يكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ منها كُلُّ حَصَاةٍ مثل حصى الخَذْفِ رمى منْ بطن الوادي ثمَّ انْصرفَ إلى المنْحر فنحر، ثمَّ ركبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَفاض إلى البيْتِ فَصَلى بمكّة الظُّهْرَ. رواهُ مُسلمٌ مُطوَّلاً.

هذا حديث عظيم كثير الفوائد مشتمل على جمل من القواعد، وهو واف في ترتيب المناسك وكيفيتها فينبغي حفظه والعمل به فالآتي بما اشتمل عليه هو الممتثل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم).

707- وعَنْ خُزَيْمةَ بن ثابتِ - رضي الله عنه -: "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا فرَغَ من تلبيتهِ في حجٍّ أَوْ عُمرة سأَلَ الله رضوانَهُ والجنّةَ واستعاذَ برحْمته منَ النّار" رواهُ الشافعيُّ بإسناد ضعيف.

الحديث دليل على استحباب الدعاء بعد الفراغ من التلبية.

708- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نحرْتُ هاهُنا ومنى كُلُّها مَنْحَرٌ فانحَرُوا في رحَالِكُم، ووقَفْتُ هَاهُنا وعرفةُ كلُّها موْقفٌ، وَوَقَفْتُ هَهُنا وجَمْعٌ كلُّها مَوْقِفٌ" رواهُ مُسلمٌ.

الحديث دليل على مشروعية النحر في جميع منى، والوقوف في جميع عرفة ومزدلفة.

709- وعَنْ عائشةَ - رضي الله عنها - "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا جَاءَ إلى مَكّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وخرجَ مِنْ أَسْفَلِها" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على استحباب الدخول من كداء وهي الثنية العليا التي ينزل منها إلى المعلاة والخروج من كدا وهي الثنية السفلى لمن كان ذلك على طريقه كأهل المدينة ومن على طريقهم.

710- وعنْ ابْنِ عُمر - رضي الله عنهما - "أَنّهُ كانَ لا يقْدُمُ مَكّة إلا باتَ بِذِى طُوَى حتى يُصبحَ ويَغْتَسلَ، ويذكُرُ ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" مُتفقٌ عليه.

الحديث دليل على استحباب الاغتسال لدخول مكة، واستحباب دخولها نهاراً.

711- وعن ابنِ عباس - رضي الله عنهما - "أنه كان يُقَبِّلُ الْحَجَر الأسود ويَسْجُدُ عليه" رواهُ الحاكم مرفوعاً والبيهقيُّ موقوفاً.

تقبيل الحجر الأسود متفق على مشروعيته، وأما السجود عليه فيدل على جوازه هذا الحديث.

712- وعنْهُ - رضي الله عنه - قال: "أَمرهُمُ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَن يرْمُلُوا ثلاثَةَ أَشْواطٍ ويمْشُوا أَرْبعاً ما بين الرُّكنينِ" متفقٌ عليه.

713- وَعَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أنَّهُ كانَ إِذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاثَاً ومَشى أَرْبعاً، وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا طَافَ في الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوَّل مَا يَقْدُمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ بِالبَيْتِ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فيه دليل على مشروعية الرمل في طواف القدوم وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطا، قال الحافظ: إنهم اقتصروا عند مرآة المشركين على الإسراع من جهة الركنين الشاميين لأن المشركين كانوا بإزاء تلك الناحية فإذا مروا بين الركنين اليمانيين مشوا على هيئتهم كما هو بين في حديث ابن عباس، ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة انتهى، ولفظ حديث ابن عباس عند البخاري: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة فقال المشركون: إنه يَقدِمُ عليكم وفدٌ قد وهنتهم حمى يثرب فأمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين" ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.

714- وعنْه - رضي الله عنه - قال: لم أَر رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يستلمُ من البيت غير الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ" رواهُ مسلمٌ.

اتفق العلماء على استحباب استلام الركنين اليمانيين، وأن الركنين الشاميين لا يستلمان.

715- وعن عُمَرَ - رضي الله عنه -: "أنّهُ قَبّلَ الحجرالأسود وقالَ: إني أَعْلمُ أَنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنْفعُ، ولولا أَنِّي رأَيتُ رسولَ اللهِ r يُقَبِّلُكَ ما قبّلْتُكَ" مُتّفقٌ عليه.

الحديث دليل على استحباب تقبيل الحجر الأسود، قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يفهموا أن تقبيل الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كان الجاهلية تعتقده في الأوثان.

716- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ - رضي الله عنه - قَالَ: "رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

المحجن: عصا محنية الرأس، والحديث دليل على أنه يجزئ عن استلامه بيده استلامه بآلة ويقبل الآلة كما يقبل يده، فإنْ لم يمكن استلامه استقبله وهلل وكبر، وإذا أشار بيده فلا يقبلها لأنه لا يقبل إلا الحجر، أو ما مس الحجر.

717- وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيّةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "طَافَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَبِعَاً بِبُرْدٍ أَخْضَرَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيِّ وصَحَّحُهُ الترمذيُّ.

الحديث دليل على استحباب الاضطباع، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر حتى يفرغ من طواف القدوم.

718- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


الإهلال: رفع الصوت بالتلبية، وأول وقته من حين الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة، وفي العمرة إلى الطواف، وفي الحديث أن من كبر مكان التلبية فلا ينكر عليه فالجميع سنة، والحديث ورد في غدوّهم إلى عرفات.

719- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّقَلِ، أَوْ قَالَ فِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْل".

720- وَعَنْ عَائِشَة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "اسْتَأَذَنَتْ سَوْدَةُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ، وَكَانَتْ ثَبِطَةً -تَعْنِي ثَقِيلَةً- فَأَذِنَ لَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما.

الجمهور على أنه يجب المبيت بمزدلفة ويلزم من تركه دم، والحديث دليل على جواز الدفع قبل الفجر للعذر.

721- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ لَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ، وَفِيْهِ انْقِطَاعٌ.

الحديث دليل على أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس.

722- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمَرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ". رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وإسناده على شرط مسلم.

الحديث دليل على جواز الرمي قبل الفجر لمن له عذر.

723- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ -يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ- فَوقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، فَقَدْ تَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ خزيمة.

يتبين معنى هذا الحديث بسياق أوله قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف، يعني جمعاً فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيء فأكلت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج" الحديث. وأخرج أحمد وأصحاب السنن: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه وهو واقف بعرفات ناس من أهل نجد فقالوا: كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه" وفي رواية لأبي داود: "من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" (قوله: وقضى تفثه) أي مناسكه.

724- وعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قالَ: "إنّ المشركين كانوا لا يُفيِضَونَ حتى تطْلُع الشّمسُ ويقولونَ: أَشْرقْ ثَبِيرُ، وإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خالَفَهمْ فَأَفَاضَ قبلَ أَن تَطْلعَ الشمسُ" رواهُ الْبُخَاريُّ.

الحديث دليل على مشروعية الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس.

725- وعن ابنِ عبّاسٍ وأُسامةَ بنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهم - قالا: "لمْ يزلِ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلبِّي حتى رمى جمرة العَقَبة" رواهُ الْبُخاريُّ.

الحديث دليل على الاستمرار في التلبية حتى يرمي الجمرة يوم النحر.

726- وعنْ عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -: "أَنّهُ جعل البيْتَ عَنْ يسارِهِ ومنِى عنْ يمينِهِ ورمى الجمرةَ بسبع حصياتٍ وقال: هذا مَقَامُ الذي أُنزلت عليه سورة البقرة". متفقٌ عليه.

الحديث دليل على استحباب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي. قال الحافظ: وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل.

727- وعن جابر - رضي الله عنه - قالَ: "رمى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجمرةَ يَوْمَ النّحْر ضُحًى وأَمّا بعد ذلك فإذا زالتِ الشمسُ" روَاهُ مُسلمٌ.

فيه بيان وقت رمي الجمرة يوم النحر، وفيه دليل على أن وقت رمي الجمار الثلاث بعد زوال الشمس، وهو قول الجمهور.

728- وعن ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "أَنّهُ كان يرمي الجمرةَ الدُّنْيا بسبع حصياتٍ يُكبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصَاةٍ، ثمَّ يتقدَّمُ ثمَّ يُسْهل فيقومُ فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلةَ ثم يدعو ويرفعُ يديه ويقومُ طويلاً، ثمَّ يرْمي الوسطى، ثم يأخُذُ ذات الشمال فيُسهلُ ويقوم مستقبلَ القِبْلة،ثم يدعو ويرفعُ يديه ويقومُ طويلاً، ثمَّ يرمي جمرة ذاتِ العقبةِ من بطن الوادي ولا يقفُ عنْدها، ثمَّ ينْصرفُ فيقولُ: هكذا رأَيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعلُهُ" رواه البخاريُّ.

الحديث دليل على مشروعية الرمي بسبع حصيات، واستحباب التكبير عند كل حصاة، والدعاء عند الجمرتين، ورفع يديه واستقبال القبلة. وعن سعد بن مالك - رضي الله عنه - قال: "رجعنا في الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات، وبعضنا يقول: رميت بست حصيات فلم يعب بعضهم على بعض" رواه أحمد والنسائي.

729- وعنْهُ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهمَّ ارْحم المْحلِّقين" قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله؟، قال في الثالثة: "والمُقصِّرين" مُتّفقٌ عَلَيه.

الحديث دليل على مشروعية الحلق والتقصير، وأن الحلق أفضل؛ وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير إجماعاً.

730- وعنْ عبدالله بن عمْرو بن العاص - رضي الله عنهما - أَن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقف في حجَّة الوداع فجعلوا يسْأَلونَهُ، فقال رجُلٌ: لمْ أَشْعرْ فحلقْتُ قبلَ أَنْ أَذْبح؟ قالَ: "اذبحْ ولا حَرَجَ" وَجَاءَ آخرُ فقالَ: لمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قبلَ أَن أَرْميَ؟ قال: "ارْم ولا حَرَجَ" فما سُئلَ يوْمئذٍ عنْ شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّر إلا قالَ: "افْعل ولا حَرَجَ" مُتّفقٌ عليه.

الوظائف على الحاج يوم النحر أربع: الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف، والحديث دليل على أنه يجوز تقديم بعض هذه الأشياء على بعض وتأخيرها، وأنه لا ضيق في ذلك ولا إثم، وأنه لا يجب على من فعل ذلك دم، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: هذا في الناسي والجاهل دون العامد لقول السائل: لم أشعر.

731- وعن المِسْوَر بن مَخْرَمَة - رضي الله عنه - "أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ قبْل أنْ يحْلقِ وأَمَرَ أَصحابَه بذلك" رواه البخاري.

الحديث دليل على مشروعية النحر قبل الحلق.

732- وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رمَيْتُم وحلقْتُم فَقَدْ حَلَّ لكُمْ الطّيب وكلُّ شيءٍ إلا النِّساءَ"رواهُ أحمد وأَبو داود وفي إسناده ضَعْفٌ.

هذا هو التحلل الأول، والتحلل الثاني بعد الطواف، قال ابن عمر: "لم يحل النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض إلى البيت ثم حل من كل شيء" متفق عليه، قال في سبل السلام: والظاهر أنه مجمع على حل الطيب وغيره إلا الوطء بعد الرمي. وإن لم يحلق قال في المقنع: ويحصل التحلل بالرمي وحده، وقال في المغني: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء).

733- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "ليس على النّساءِ حَلّقٌ وإنما يُقصِّرْن" رواهُ أبو داود بإسْنَادٍ حَسَنٍ.

الحديث دليل على أن المشروع في حق النساء التقصير لا الحلق.

734- وعن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - استأذَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يبيتَ بمكّة ليالي منى من أَجل سقايته فأذنَ لـهُ" مُتّفقٌ عليه.

الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق إلا لمن له عذر.

735- وعنْ عَاصِم بن عَدِيٍّ - رضي الله عنه - "أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْخص لرُعاة الإبل في الْبَيْتوتَةِ عَنْ منِى يَرْمونَ يَومَ النَّحر ثمَّ يَرْمونَ الغَدَ ليومَيْن، ثمَّ يرمونَ يوْم النّفْر" رواهُ الخمسة وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ حبَّانَ.

لفظ رواية الترمذي: "رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما" قال مالك: ظننت أنه قال في الأول منها: "ثم يرمونه يوم النفر" وفي رواية لأبي داود والنسائي: "رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً" قال الشوكاني: أي يجوز لهم أن يرموا الأول من أيام التشريق، ويذهبوا إلى إبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول، ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث، وفيه تفسير ثان وهو: أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون ذلك اليوم كما تقدم، وكلاهما جائز انتهى، قال الموفق: وإن أخر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه ويرتبه بنيته، وإن أخره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى في لياليها فعليه دم.

736- وعن أَبي بَكْرَة - رضي الله عنه - قال: "خَطَبَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوْم النَّحر" الحديث. متّفقٌ عليه.

الحديث دليل على مشروعية الخطبة يوم النحر.

737- وعن سَرَّاءَ بنْتِ نَبْهان - رضي الله عنها - قالت: خَطَبَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ الرُّؤوسِ فقال: "أَليسَ هذا أَوْسطَ أَيَامِ التَّشريقِ؟"الحديث. رواه أبوداود بإسناد حسن.

يوم الرؤوس: هو ثاني يوم النحر. والحديث دليل على مشروعية الخطبة فيه.

738- وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهَا: "طوافُكِ بالبيتِ وبين الصّفَا والمروة يِكفِيك لحجِّكِ وعُمرتِكِ" رواهُ مسلمٌ.

الحديث دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد للحج والعمرة.

739- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يرْمُل في السَّبْعِ الذي أَفاضَ فيه" رواه الخمسة إلا الترمذيَّ وصحَّحَهُ الحاكمُ.

الحديث دليل على أنه لا يشرع الرمل إلا في طواف القدوم.

740- وعن أَنس - رضي الله عنه - "أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى الظُّهر والْعصرَ والمغربَ والعِشاءَ ثمَّ رقَدَ رقْدَة بالمحَصَّب ثمَّ ركب إلى البيت فطاف به" رواهُ البخاريُّ.

كان ذلك يوم النفر الآخر، ثالث أيام التشريق.

741- وعنْ عائشة - رضي الله عنها - "أنّها لم تكن تفعلُ ذلك: أَي النُّزولَ بالأبْطَح، وتقُولُ: إنّما نزلـه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأنّهُ كان منزلاً أَسْمَحَ لخُرُوجِه" رواه مُسلمٌ.

اختلف العلماء في النزول بالأبطح؛ فمنهم من قال: هو سنة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزله، وقد فعله الخلفاء بعده، وقيل: ليس بسنة.

742- وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: "أُمرَ النّاسُ أن يكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبيت إلا أَنّهُ خُفِّفَ عن الحائض" مُتّفقٌ عليه.

الحديث دليل على وجوب طواف الوداع وبه قال الجمهور، ووقته من ثالث النحر، وفيه دليل على أنه لا يجب على الحائض ولا يلزمها بتركه دم.

743- وعن ابن الزُّبيْر - رضي الله عنهما - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةٌ في مسجِدِي هذا أَفضلُ من أَلفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرامَ، وصلاةٌ في المسجد الحرام أَفضلُ من صلاةٍ في مسّجدي هذا بمائَةِ صلاةٍ" رواهُ أَحْمدُ وصحَّحَهُ ابنُ حِبانَ.

الحديث دليل على أفضلية المسجدين على غيرهما من مساجد الأرض وعلى تفاضلهما فيما بينهما، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 26-02-2020, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(37)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(بابُ الفَواتِ وَالإِحصَارِ)





744- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قَدْ أُحْصر رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَلَق رَأْسَهُ، وجامع نِساءَهُ، ونَحَر هَدْيهُ، حتى اعْتَمر عاماً قابلاً" رواه البُخاريُّ.



الإحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، واختلف العلماء في وجوب الهدي على المحصر؛ فذهب الأكثر إلى وجوبه لقوله تعالى: ï´؟ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ï´¾ [البقرة: 196]، قال الشافعي: فحيث أحصر ذبح وحل ولا قضاء عليه.



745- وعن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ضُبَاعةَ بنتِ الزُّبَيْر بن عبدالمطلب - رضي الله عنها - فقالت: يا رسولَ الله إني أُريد الحجَّ وأَنا شاكيةٌ؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حُجِّي واشترِطِي أَنْ محلِّي حَيْثُ حَبَسْتني" مُتفقٌ عليه.



الحديث دليل على أن المحرم إذا اشترط في إحرامه ثم عرض له المرض فإن له أن يتحلل ولا يلزمه ما يلزم المحصر من هدي ولا غيره.



746- وعن عِكْرِمة عن الحجَّاج بن عَمْرو الأنصاريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كُسرَ أَوْ عَرجَ فَقَدْ حَلَّ وعليه الحجُّ مِنْ قابل" قال عِكْرمةُ: فسأَلتُ ابنَ عَبّاس وأَبا هُريْرةَ عنْ ذلكَ؟ فقالا: صَدَقَ. رواهُ الخمسة وحَسَّنَهُ الترمذيُّ.



الحديث دليل على أن من أحرم فأصابه مانع من مرض أو غيره فإنه يصير حلالاً وعليه القضاء إذا لم يكن قد أتى بالفريضة، قال في الاختيارات: والمحصر بمرض أو ذهاب نفقة كالمحصر بعدد وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثله حائض تعذر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطق لجهلها بوجوب طواف الزيارة أو لعجزها عنه أو لذهاب الرفقة، والمحصر يلزمه دم في أصح الروايتين ولا يلزمه قضاء حجه إن كان تطوعاً، وهو إحدى الروايتين انتهى. والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 26-02-2020, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(38)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك

(أَبْوَابُ السَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، والرَّهْنِ)











818- عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اَلْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي اَلثِّمَارِ اَلسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ".



السلف: هو السلم وزناً ومعنى، واتفقوا على أنه يشترط فيه ما يشترط في البيع، وعلى تسليم رأس المال في المجلس إلا أن مالكاً أجاز تأخير الثمن يوماً أو يومين، واتفقوا على أنه لابد من معرفة صفة الشيء المسلم فيه صفة تميزه عن غيره، (قوله: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم) فيه دليل على جواز السلم وزناً فيما أصله الكيل، قال مالك: يجوز السلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً، قال الموفق: وهذا أصحّ إن شاء الله تعالى، لأن الغرض معرفة قدره وخروجه من الجهالة وإمكان تسليمه من غير تنازع، فبأيّ قدر قدره جاز انتهى، وقال مالك أيضاً: يجوز السلم إلى الحصاد وقدوم الحاج، وهو رواية عن أحمد، (قوله: من أسلف في شيء) قال الحافظ: أخذ منه جواز السلم في الحيوان إلحاقاً للعدد بالكيل، إلى أن قال: والعدد والذرع ملحق بالكيل والوزن للجامع بينهما، وهو عدم الجهالة بالمقدار.



819- وَعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اَلله بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - قَالا: "كُنَّا نُصِيبُ اَلْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ اَلشَّامِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي اَلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَالزَّيْتِ - إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالا: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.



الحديث دليل على صحة السلف في المعدوم حال العقد وعلى تسمية الأجل.



820- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ اَلنَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى الله عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلافَهَا، أَتْلَفَهُ اَللهُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.



فيه التنبيه على إخلاص النية، وأخرج ابن ماجه وابن حبان والحاكم مرفوعاً: (ما من مسلم يدان ديناً يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا والآخرة)، قال ابن بطال: فيه الحث على ترك استعمال أموال الناس، والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة، وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل.



821- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله! إِنَّ فُلاناً قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ اَلشَّامِ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ؟ فَبَعثَ إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ" أَخْرَجَهُ اَلْحَاكِمُ، والبيهقي، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.



الحديث دليل على مشروعية بيع النسيئة وصحة التأجيل إلى ميسرة، واختاره ابن خزيمة، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من حسن معاملة العباد، وعدم إكراههم على الشيء، وعدم الإلحاح عليهم.



822- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلظُّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ اَلدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى اَلَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ اَلنَّفَقَةُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.



الحديث دليل على أنه يستحق المرتهن الانتفاع بالرهن في مقابلة نفقته.



823- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَغْلَقُ اَلرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ اَلَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ والحاكمُ، وَرِجَالهُ ثِقَاتٌ. إِلا أَنَّ اَلْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ.



معنى قوله لا يغلق الرهن: أي لا يستحقه المرتهن إذا عجز صاحبه عن فكه، والحديث ورد لإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من غلق الرهن عند المرتهن لكن يباع الرهن ويعطى المرتهن حقه، والزيادة للراهن والنقص عليه.



824- وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنَ إبل اَلصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ اَلرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقَالَ: لا أَجِدُ إِلا خَيَارًا ربَاعيًّا. فقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ اَلنَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.



الحديث دليل على جواز قرض الحيوان، وأنه يستحب لمن عليه دين من قرض أو غيره أن يردّ أجود من الذي عليه، وأن ذلك من مكارم الأخلاق المحمودة عرفاً وشرعاً، ولا يدخل في القرض الذي يجرّ نفعاً، لأنه لم يكن مشروطاً من المقرض.



825- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَهُوَ رِبًا" رَوَاهُ اَلْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ، وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ. وَلَـهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ اَلْبَيْهَقِيِّ. وَآخَرُ مَوْقُوفٌ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلامٍ عِنْدَ اَلْبُخَارِيِّ.



(قوله: كل قرض جر منفعة فهو رباً) هذا محمول على أن المنفعة مشروطة من المقرض أو في حكم المشروطة، قال في المقنع: ولا يجوز شرط ما يجرّ نفعاً نحو: أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه، قال في الاختيارات: يجوز قرض المنافع مثل أن يحصد معه يوماً أو يسكنه داراً ليسكنه الآخر بدلها إلى أن قال: والدين الحالّ يتأجل بتأجله سواء كان الدين قرضاً أو غيره، وهو قول مالك، ووجه في مذهب أحمد، وقال البخاريّ: باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى، وذكر حديث الإسرائيلي الذي أسلف ألف دينار إلى أجل، والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 26-02-2020, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(39)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



(كتاب البيوع .. بابُ شُرُوطِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ)


747- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ - رضي الله عنه - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ اَلْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: "عَمَلُ اَلرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ" رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ وصَحَّحَهُ الحاكمُ.

الحديث دليل على أن أصل المكاسب عمل الرجل بيده، كالصناعة والزراعة، وكل بيع مبرور، وهو الخالص عن الرياء والغش والكذب.

748- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ اَلْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اَلله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ اَلْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اَلله! أَرَأَيْتَ شُحُومَ اَلْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ تُطْلَى بِهَا اَلسُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا اَلْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا اَلنَّاسُ؟ فَقَالَ: "لا. هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اَللهُ اَلْيَهُودَ، إِنَّ اَلله تعالى لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على تحريم بيع ما ذكر، والضمير في قوله: "هو حرام" راجع إلى البيع، وفي الحديث دليل على أنه إذا حرم بيع شيء حرم ثمنه، وأن كل حيلة يتوصل بها إلى تحليل محرم فهي باطلة. واختلف العلماء هل يجوز الانتفاع بالنجاسات أم لا؟ قال في الاختيارات: ويجوز الانتفاع بالنجاسات وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور.

749- وَعَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا اِخْتَلَفَ اَلْمُتَبَايِعَانِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ اَلسِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الحاكم.

الحديث دليل على أنه إذا وقع اختلاف بين البائع والمشتري أن القول قول البائع مع يمينه (قوله: أو يتتاركان) أي يتفاسخان العقد، قال أبو داود: باب إذ اختلف البيعان والمبيع قائم وساق الحديث عن محمد بن الأشعث، قال: اشترى الأشعث رقيقاً من رقيق الخُمس من عبدالله بعشرين ألفاً فأرسل عبدالله: إليه في ثمنهم، فقال: إنما أخذتهم بعشرة آلاف، فقال عبدالله: فاختر رجلاً يكون بيني وبينك، قال الأشعث: أنت بيني وبين نفسك، قال عبدالله: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)، وقال الترمذي: قال ابن منصور: قلت لأحمد: إذا اختلف البيعان ولم تكن بينة، قال: القول ما قال رب السلعة أو يترادان، قال إسحق: كما قال وكل من قال القول قوله فعليه اليمين، وقد روي نحو هذا عن بعض التابعين منهم شريح، قال الشوكاني: القول ما يقوله البائع ما لم يكن مدعياً.

750- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ اَلْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ اَلْكَاهِنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دالّ على تحريم ثمن الكلب بالنص، وعلى تحريم بيعه باللزوم، وعلى تحريم مهر البغي، وهو ما تأخذه الزانية في مقابل الزنا، قال ابن القيم: يجب التصدق به، ولا يرد إلى الدافع أي الزاني، وفيه دليل على تحريم حلوان الكاهن أي عطيته لأجل كهانته، الكاهن الذي يدعي علم الغيب من منجم وضرّاب بالحصا ونحوهم، ولا يحل تصديقه.

751- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قد أَعْيَا. فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: فَلَحِقَنِي اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: "بِعْنِيهِ بِأُقِيَّةٍ؟" قُلْتُ: لا. ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ بأُوقِيَّةٍ، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي. فَقَالَ: "أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لأخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ. فَهُوَ لَكْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهذا السياق لمسلم.

الحديث دليل على أنه لا بأس بطلب البيع من الرجل لسلعته ولا بالمماكسة، وهي المناقصة، وأنه يصح البيع للدابة واستثناء ركوبها.

752- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْداً لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ. فَدَعَا بِهِ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَاعَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

استدل به على منع المفلس عن التصرف في ماله، وعلى أن للإمام أن يبيع عنه، وترجم عليه البخاري: من باع مال المفلس وقسمه بين الغرماء أو أعطاه إياه حتى ينفقه على نفسه، فأشار إلى علة بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه.

753- وَعَنْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَمَاتَتْ فِيهِ، فَسُئِلَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا. فَقَالَ: "أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوهُ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ وَزَادَ أحمَدُ والنَّسَائِيُّ: فِي سَمْنٍ جَامِدٍ.

الحديث دليل على نجاسة الميتة؛ ودل بمفهومه على أنه لو كان مائعاً لنجس كله.

754- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَتْ اَلْفَأْرَةُ فِي اَلسَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائعًا فَلا تَقْرَبُوهُ" رَوَاهُ أحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ اَلْبُخَارِيُّ وأبوحاتم بِالْوَهْمِ.

قال البخاري: باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء وذكر حديث ميمونة، والمفهوم من كلامه أن السمن لا يتنجس إلا بالتغير فتلقى الفأرة وما حولها فقط ولو كان مائعاً، واختاره الشيخ تقيّ الدين.

755- وَعَنْ أَبِي اَلزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ اَلسِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ؟ فَقَالَ: "زَجَرَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ: "إِلا كَلْبَ صَيْدٍ".

الحديث دليل على النهي عن ثمن السنور، وهو دليل على تحريم بيعه، وحمله الجمهور على التنزيه، واختلفوا في جواز بيع الكلب المعلَّم، فقال بعضهم: يجوز لهذا الحديث، وقال الجمهور: لا يجوز.

756- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعٍ أُوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا. فَقَالَتْ لَهُمْ: فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ. فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ اَلْوَلاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ اَلنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ اَلنَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: "خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ اَلْوَلاءَ، فَإِنَّمَا اَلْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي اَلنَّاسِ خَطِيباً فَحَمِدَ اَلله وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ الله أَحَقُّ، وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا اَلْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ للبخاريِّ.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ اَلْوَلاءَ".

الحديث دليل على مشروعية الكتابة، وعلى جواز بيع المكاتب إذا رضي، وجواز شراء السلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها، وفيه أن الأيدي ظاهرة في الملك، وأن مشتري السلعة لا يسأل عن أصلها إذا لم تكن ريبة، وجواز تعدد الشروط (قوله: من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) قال القرطبي: أي ليس مشروعاً في كتاب الله تأصيلاً ولا تفصيلاً، وقوله: "ولو كان مائة شرط" خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت، ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة انتهى. قال ابن بطال: المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة (قوله - صلى الله عليه وسلم -: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) قال الشافعي في الأم: لما كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصياً، وكانت في المعاصي حدود وآداب، وكان من أدب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم، كان ذلك من أيسر الأدب، (قوله: قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) أي قضاء الله أحق بالاتباع من الشروط المخالفة له، وشرط الله أوثق: أي باتباع حدوده التي حدها، وإنما الولاء لمن أعتق خاصة لا لمن قال: أعتق يا فلان ولي الولاء، وفيه أنه لا كراهة في السجع في الكلام إذا كان في حق ولم يكن متكلفاً، وفيه فوائد كثيرة، والله أعلم.

757- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأوْلادِ فَقَالَ: لا تُبَاعُ، وَلا تُوهَبُ، وَلا تُورَثُ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ" رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: رَفَعَهُ بَعْضُ اَلرُّوَاةِ، فَوَهِمَ.

758- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَنَا، أُمَّهَاتِ الأوْلادِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ، لا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَهْ والدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

اختلف الناس في بيع أمهات الأولاد فجوزه بعضهم، وقال أكثر الأمة: إذا ولدت الأمة من سيدها حرم بيعها سواء كان الولد باقياً أو لا.

759- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَانا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ فَضْلِ اَلْمَاءِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: "وَعَنْ بَيْعِ ضِرَابِ اَلْجَمَلِ".

الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ما فضل من الماء عن كفاية صاحبه، قال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائة حتى يروى، وقال الحافظ: فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه بيع الفضل لا بيع الأصل، قال الخطابي: والنهي عند الجمهور للتنزيه، ولأحمد: لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه، قال الحافظ: وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك، والصحيح عند الشافعية أن الحافر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحق به إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته وعياله وزرعه وماشيته، وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي في الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، وقال ابن حبيب: إذا كانت البئر بين مالكين فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن يسقى منها لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه، قال الحافظ وعموم الحديث يشهد له، قال في الاختيارات: ويجوز بيع الكلأ ونحوه الموجود في أرضه إذا قصد استنباته.

760- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ اَلْفَحْلِ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.

الحديث دليل على تحريم استئجار الفحل للضراب.

761- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ اَلْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعاً يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ اَلرَّجُلُ يَبْتَاعُ اَلْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ اَلنَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ اَلَّتِي فِي بَطْنِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ.

الحديث دليل على تحريم هذا البيع؛ لكونه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه، وهو داخل في بيع الغرر.


762- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْوَلاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الولاء: هو ولاء العتق إذا مات العتيق وليس له عصبة ورثه معتقه، كانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه لأن الولاء كالنسب لا يزول بالإزالة.

763- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ اَلْغَرَرِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عطف الغرر على الحصاة من عطف العام على الخاص، وإنما أفردت لكونها مما يبتاعها أهل الجاهلية، ولها صور منها: أن يقول: ارم بهذه الحصاة ولك ما انتهت إليه من الأرض، أو ما وقعت عليه من ثوب ونحو ذلك.

764- وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اِشْتَرَى طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَـهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع الطعام بالكيل الأول، ويؤيده حديث جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري" أخرجه الدارقطني وبذلك قال الجمهور.

765- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ، وصَحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوَكَسُهُمَا، أَوْ اَلرِّبَا".

قال الشافعي: له تأويلان: أحدهما أن يقول: بعتك بألفين نسيئة وبألف نقداً فأيهما شئت أخذت به، وهذا بيع فاسد لأنه إبهام وتعليق. والثاني أن يقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك انتهى.

766- وَعَنْ عَمْرِوِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصَحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ خزيمة والحاكم، وَأَخْرَجَهُ فِي "عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ عَمْرٍو اَلْمَذْكُورِ بِلَفْظِ: "نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ" وَمِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ أَخْرَجَهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" وَهُوَ غَرِيبٌ.

(قوله: لا يحل سلف وبيع) هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن تسلفني كذا، (قوله: ولا شرطان في بيع) أي مثل أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا على أن تبيعني السلعة الفلانية بكذا، (قوله: ولا ربح ما لم يضمن) أي ما لم يقبض لأن السلعة قبل قبضها ليست في ضمان المشتري فإذا تلفت فهي من مال البائع، (قوله: ولا بيع ما ليس عندك) تفسيره حديث حكيم بن حزام عند أبي دود والنسائي أنه قال: "قلت يا رسول الله: يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي فأبتاع له من السوق قال: لا تبع ما ليس عندك"، (قوله: نهى عن بيع وشرط) المراد به ما ينافي مقتضى العقد كمن باع جارية وشرط على المشتري أن لا يطأها، أو داراً شرط عليه أن لا يسكنها ونحو ذلك.

767- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلْعُرْبَانِ" رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بِهِ.

اختلف في جواز العربان، وهو العربون فأبطله مالك والشافعي، وروي عن عمر وابنه وأحمد جوازه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 26-02-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(39)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



768- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "اِبْتَعْتُ زَيْتاً فِي اَلسُّوقِ، فَلَمَّا اِسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحاً حَسَناً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ اَلرَّجُلِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لا تَبِعْهُ حَيْثُ اِبْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ اَلسِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا اَلتُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ، واللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.

الحديث دليل على أنه لا يجوز للمشتري أن يبيع ما اشتراه قل أن يحوزه إلى رحله، وقال الجمهور: إذا نقله من مكان إلى مكان فقد قبضه فيجوز بيعه لما روى مسلم عن ابن عمر: "كنا نبتاع الطعام فيبعث إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه".

769- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَلله! إِنِّي أَبِيعُ الإبل بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ اَلدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ اَلدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذَا مِنْ هَذِهِ وَأُعْطِي هَذَهِ مِنْ هَذِا؟ فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: لا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الحاكم.

(قوله: آخذ هذا من هذه وأعطي هذه من هذا) أي آخذ الذهب من الفضة وأعطي الفضة من الذهب، و الحديث دليل على أنه يجوز أن يقبض عن الذهب الفضة ممن هو في ذمته، وعن الفضة الذهب بشرط أن لا يفترقا وبينهما شيء، لأن ذلك من باب الصرف.

770- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّجْشِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع ليثير الرغبة فيها وهو لا يريد شراءها ليغرّ غيره فيثبت له الخيار. قال البخاري وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الخديعة في النار ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، انتهى.

771- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما -: "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ اَلْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ اَلثُّنيَا، إِلا أَنْ تُعْلَمَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا اِبْنَ مَاجَهْ وصحَّحَهُ الترمذيُّ.

المحاقلة: كراء الأرض ببعض ما تنبت كما في حديث رافع بن خديج: "كنا أكثر الأنصار حقلاً وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك"، والمزابنة: هي أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام، والمخابرة، من الزراعة، وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، قال ابن الأعرابي: أصل المخابرة معاملة أهل خيبر، وقال البخاري: باب حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان قال عمرو: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، قال: أي عمرو، إني أعطيهم وأعينهم، وإنّ أعلمهم أخبرني –يعني ابن عباس- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه ولكن قال: (إن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليه خرجاً معلوماً) انتهى، قال الحافظ: ولم يرد ابن عباس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقاً، وإنما أراد أن النهي الوارد عنه ليس على حقيقته وإنما هو على الأولوية، (قوله: عن الثنيا إلا أن تعلم) إذا باع شيئاً واستثنى بعضه ولم يعينه لم يصح للجهالة فإن كان المستثنى معلوماً صح مطلقاً.

772- وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اَلْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.

المخاضرة: بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها، والملامسة: أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر أحد منهما إلى ثوب الآخر إذا مسه وجب البيع، والمنابذة: أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ويشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر، قال الحافظ: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور، وهي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المشتري فيقول له صاحب الثوب: بعتكه بكذا بشرط؛ أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، الثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعاً بغير صيغة زائدة، الثالث: أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع خيار المجلس وغيره، والبيع على التأويلات كلها باطل، وأما المنابذة فاختلفوا فيها أيضاً وهي أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعاً، الثاني: أن يجعلا النبذ بيعاً بغير صيغة، والثالث: أن يجعلا النبذ قاطعاً للخيار.

773- وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - "لا تَلَقَّوْا اَلرُّكْبَانَ، وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ". قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: "وَلا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟" قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ للبخاريِّ.

الحديث دليل على تحريم التلقي، قال البخاري: باب النهي عن تلقي الركبان، وإن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالماً وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز انتهى، وفيه دليل على تحريم بيع الحاضر للبادي، والسمسار الدلال، قال في المقنع: وفي بيع الحاضر للبادي روايتان: إحداهما يصح، والأخرى لا يصح بشروط خمسة: أن يحضر البادي ليبيع سلعته، بسعر يومها، جاهلاً بسعرها، ويقصده الحاضر، وبالناس حاجة إليها؛ فإن اختل شرط منها صح البيع؛ وأما شراؤه له فيصح رواية واحدة انتهى.

774- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَلَقَّوا اَلْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ اَلسُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على ثبوت الخيار للبائع إذا أتى السوق ولو اشتراه المتلقي بسعر السوق.

775- وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِيعُ اَلرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلا تَسْأَلُ اَلْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "لا يَسُومُ اَلْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ اَلْمُسْلِمِ".

الحديث دليل على تحريم البيع على البيع، وصورته أن يكون قد وقع البيع فيأتي رجل في مدة الخيار فيقول للمشتري: افسخ وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أحسن منه وكذا الشراء على الشراء، وأما السوم على السوم؛ فصورته أن يأخذ شيئاً ليشتريه فيأتي رجل فيقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر وكذا عكسه وكله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر، وقال البخاري: باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك انتهى؛ قال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي، وخرج الأخ مخرج الغالب فلا مفهوم له، وأما بيع المزايدة فلا بأس به لما روى الخمس واللفظ للترمذي عن أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - باع حلساً وقدحاً، وقال: من يشتري هذا الحلس و القدح؟ فقال رجل: آخذهما بدرهم؟ فقال: من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه.

وفي الحديث تحريم الخطبة على الخطبة، وتحريم سؤال المرأة طلاق زوجة من خطبها أو طلاق ضرتها.

776- وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اَللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ" رَوَاهُ أحمدُ واَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الحاكم، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلَهُ شَاهِدٌ.

شاهده حديث عبادة بن الصامت: "لا يفرق بين الأم وولدها قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية" أخرجه الدارقطني والحاكم. والحديث دليل على تحريم التفريق في الملك بين الوالدة وولدها.

767- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَبِيعَ غُلامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلا تَبِعْهُمَا إِلا جَمِيعًا" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وقد صحَّحَهُ ابنُ خزيمة وابنُ الجارود وابنُ حبَّانَ والحاكم والطبرانيُّ وابن القَطَّان.

الحديث دليل على تحريم التفريق بين الأخوين في البيع، وألحقوا به الهبة ونحوها؛ والمراد بذلك ما قبل البلوغ.

778- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "غَلا اَلسِّعْرُ في الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ اَلنَّاسُ: يَا رَسُولَ اَلله! غَلا اَلسِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اَلله هُوَ اَلْمُسَعِّرُ، اَلْقَابِضُ، اَلْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وَإِنِّي لارْجُو أَنْ أَلْقَى اَلله تَعَالَى، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ وصحَّحَهُ ابن حِبَّان.

الحديث دليل على أن التسعير حرام لأنه مظلمة؛ وإلى هذا ذهب أكثر العلماء، وقال بعضهم: يجوز تسعير اللحم ونحوه للمصلحة.

779- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على تحريم الاحتكار، وهو إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه.

780- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَصَرُّوا اَلإبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ اِبْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ اَلنَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ". وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ، عَلَّقَهَا اَلْبُخَارِيُّ: "رَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، لا سَمْرَاءَ" قَالَ اَلْبُخَارِيُّ: وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.

الحديث دليل على تحريم التصرية للبيع، وثبوت الخيار بها للمشتري إلى ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها، وصاعاً من تمر، أو ما يتراضيان عليه، والحديث أصل في النهي عن الغش وفي ثبوت الخيار لمن دُلِّسَ عليه.

781- وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "مَنِ اِشْتَرَى شَاةً مَحَفَّلَةً، فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا" رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ. وَزَادَ اَلإسْمَاعِيلِيُّ: "مِنْ تَمْرٍ".

عقب المصنف حديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود إشارة منه إلى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة.

782- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ اَلطَّعَامِ؟" قَالَ: أَصَابَتْهُ اَلسَّمَاءُ يَا رَسُولَ اَلله. فَقَالَ: "أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ اَلطَّعَامِ: كَيْ يَرَاهُ اَلنَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على تحريم الغش، وهو مجمع على تحريمه شرعاً، مذموم فاعله عقلاً، وللمشتري الخيار بين الرد والإمساك بالأرش، فإن لم يدلس البائع العيب خير المشتري بين الرد والإمساك ولا أرش؛ لأن البائع لم يعلم بالعيب، قال في الاختيارات: والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم أن البائع إذا لم يكن علم بذلك العيب فلا ردّ للمشتري، لكن إذا ادعى أن البائع علم بذلك فأنكر البائع حلف إنه لم يعلم، فإن نكل قضى عليه انتهى.

783- وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَبَسَ اَلْعِنَبَ أَيَّامَ اَلْقِطَافِ، حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْراً، فَقَد تَقَحَّمَ اَلنَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ" رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

الحديث دليل على تحريم بيع العنب على من يتخذه خمراً، ويقاس عليه كل ما يستعان به في المعصية وكذلك بيع السلاح في الفتنة، وأما المزامير والطنابير ونحوها، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها إجماعاً.

784- وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَضَعَّفَهُ اَلْبُخَارِيُّ وأبُو دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الجَارُودِ، وابْنُ حِبَّانَ، و الحَاكِمُ، وابْنُ القَطَّانِ.

الحديث أخرجه الشافعي وأصحاب السنن بطوله، وهو: "أن رجلاً اشترى غلاماً في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عنده ما شاء الله، ثم رده من عيب وجده، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برده بالعيب، فقال المقضيّ عليه: قد استعمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الخراج بالضمان) والخراج: هو الغلة والكراء؛ والمعنى أن غلة المبيع للمشتري، لأنه لو تلف ما بين مدة العقد والفسخ لكان في ضمان المشتري، فوجب أن يكون الخراج له.

785- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوْ اِشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا النَّسَائِيَّ، وقَدْ أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في ضِمْنِ حَدِيثِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ، وأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ شَاهِدَاً مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بنِ حِزَامِ.

الحديث ظاهر في أن عروة اشترى ما لم يوكل بشرائه وباع كذلك، قال الشوكاني: وإذا باع الوكيل بزيادة على ما رسمه موكله كانت الزيادة للموكل، وإذا خالفه إلى ما هو أنفع أو إلى غيره ورضي به صح انتهى، وفيه دليل على جواز شراء السلعة وبيعها بأقل من ثمنها أو أكثر، وفيه استحباب شكر الصنيع لمن فعل المعروف ومكافأته ولو بالدعاء.

786- وَعَنِ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ اَلْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ اَلْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ اَلصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ اَلْغَائِصِ" رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ والبزارُ والدارقُطْنِيُّ، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

اشتمل هذا الحديث على النهي عن ست صور: الأولى: بيع ما في بطون الحيوان، وهو مجمع على تحريمه، الثانية: اللبن في الضرع لما فيه من الغرر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية إذا باعه لبناً موصوفاً في الذمة، واختار كونه من شاة معينة جاز، الثالثة: العبد الآبق، وذلك لتعذر تسليمه، الرابعة: شراء المغانم قبل القسمة، وذلك لعدم الملك، الخامسة: شراء الصدقات قبل القبض، واستثنى بعضهم بيع العامل لها، فجعلوا التخلية كالقبض في حقه، السادسة: ضربة الغائص وهو أن يقول: أغوص في البحر غوصة، فما خرج فهو لك بكذا، والعلة في ذلك الغرر.

787- وَعَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَشْتَرُوا اَلسَّمَكَ فِي اَلْمَاءِ؛ فَإِنَّهُ غَرَرٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ اَلصَّوَابَ وَقْفُهُ.

الحديث دليل على تحريم بيع السمك في الماء، لأنه يرى الصغير فيه كبيراً وعكسه، وقال بعضهم: إن كان في ماء لا يفوت فيه صح، ويثبت فيه خيار الرؤية.

788- وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُبَاعَ ثمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ" رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ فِي "الأوْسَطِ" والدارقطنيُّ.

وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي "اَلْمَرَاسِيلِ" لِعِكْرِمَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضاً مَوْقُوفاً عَلَى اِبْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ ورجَّحَهُ البيهقيُّ.

(قوله: أن تباع ثمرة حتى تطعم) أي يبدو صلاحها ويطيب أكلها، (قوله: ولا يباع صوف على ظهر)، فلا يصح لأنه يقع الاختلاف في موضع القطع، وقال مالك: يصح البيع لأنه مشاهد، وعن أحمد: يجوز بشرط جزّه في الحال.

789- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْمَضَامِينِ، وَالْمَلاقِيحِ" رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ، وَفِي إِسْنَادِه ضَعْفٌ.


المضامين: ما في بطون الإبل، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، والحديث دليل على عدم صحة بيع ذلك، وهو إجماع.

790- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً بَيْعَتَهُ، أَقَالَهُ اَلله عَثْرَتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وابن ماجه وصحَّحَه ابن حِبَّانَ والحاكم.

ولفظ الحاكم: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة)، وفيه دليل على فضل الإقالة وهي رفع العقد الواقع بين المتعاقدين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 26-02-2020, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(40)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك




(باب الخِيارِ)




الخيار طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع أو فسخه، وهو أنواع.



791- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ اَلرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا اَلآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا اَلآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدَ وَجَبَ اَلْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اَلْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ اَلْبَيْعُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ واللفظ لمسلم.



الحديث دليل على ثبوت خيار المجلس وخيار الشرط للبائع والمشتري، وإن أسقطا الخيار سقط، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر.



792- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه -؛ أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اَلْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلا يَحِلُّ لَـهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلا اِبْنَ مَاجَهْ ورواه الدارقطنيُّ وابنُ خُزيمةَ وابن الجارود. وَفِي رِوَايَةٍ: "حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا".



الحديث دليل على ثبوت خيار المجلس أيضاً، وقوله: إلا أن تكون صفقة خيار دليل على ثبوت خيار الشرط، (قوله: ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)، قال الترمذي وغيره: معناه: لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع.



793- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي اَلْبُيُوعِ فَقَالَ: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.



زاد ابن إسحاق:

"ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فاردد"، (قوله لا خلابة): أي لا خديعة، والحديث دليل على ثبوت خيار الغبن إذا اشترط ذلك، وقال مالك وأحمد: يثبت الخيار بالغبن إذا كان الغبن فاحشاً، وقال الجمهور: لا يثبت الخيار بالغبن، والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 26-02-2020, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(41)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


باب الرِّبا




الربا في اللغة:
الزيادة، وفي الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة وهو حرام بالكتاب والسُنَّةِ والإجماع.

794- عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ اَلرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: "هُمْ سَوَاءٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ.

الحديث دليل على إثم جميع المذكورين، وتحريم ما تعاطوه لتعاونهم على الإثم، فاستحقوا بذلك اللعن، وهو الإبعاد عن رحمة الله.

795- وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنْ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اَلرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ اَلرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى اَلرِّبَا عِرْضُ اَلرَّجُلِ اَلْمُسْلِمِ"رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَراً، وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَصَحَّحَهُ.

الحديث دليل على قبح الربا، وتحريم سب المسلم.

796- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَبِيعُوا اَلذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا اَلْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الحديث دليل على تحريم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلاً، (قوله: ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) فيه دليل على تحريم بيع الجنس بجنس آخر نسيئة، قال الحافظ: البيع كله إما بالنقد أو بالعرض حالاً أو مؤجلاً، فهي أربعة أقسام: بيع النقد إما بمثله وهو المراطلة أو بنقد غيره وهو الصرف، وبيع العرض بنقد يسمى النقد ثمناً والعرض عوضاً، وبيع العرض بالعرض يسمى مقابضة، والحلول في جميع ذلك جائز، وأما التأجيل فإن كان النقد بالنقد مؤخراً فلا يجوز، وإن كان العرض جاز، وإن كان العرض مؤخراً فهو السلم، وإن كانا مؤخرين فهو بيع الدين بالدين.

797- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ اَلصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فيه دليل على تحريم التفاضل فيما اتفقا جنساً من الستة المذكورة، واختلفوا فيما عداها، فذهب الجمهور: إلى ثبوته فيما عداها مما شاركها في العلة، واتفقوا على جواز بيع ربويّ بربويّ لا يشاركه في الجنس مؤجلاً ومتفاضلاً، كبيع الذهب بالحنطة والفضة بالشعير وغيره من المكيل، واتفقوا على أنه لا يجوز بيع الشيء بجنسه وأحدهما مؤجل.

798- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "اَلذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْناً بِوَزْنٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْناً بِوَزْنٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اِسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فيه دليل على تعين التقدير بالوزن لا بالخرص والتخمين.

799- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - اِسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرٍ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟"فَقَالَ: لا، وَاَلله يَا رَسُولَ اَلله، إِنَّا لَنَأْخُذُ اَلصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ والصَّاعين بالثَّلاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَفْعَلْ، بِعِ اَلْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اِبْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا" وَقَالَ فِي اَلْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: "وَكَذَلِكَ اَلْمِيزَانِ".

الجنيب هو:
الطيب، والجمع: الرديء، والحديث دليل على أن بيع الجنس بجنسه يجب فيه التساوي سواء اتفقا في الجودة والرداءة أو اختلفا، (وقوله: وقال في الميزان مثل ذلك) أي قال فيما كان يوزن إذا باع بجنسه مثل ما قال في المكيل إنه لا يباع متفاضلاً، قال ابن عبد البر: أجمعوا أن ما كان أصله الوزن لا يصح أن يباع بالكيل بخلاف ما كان أصله الكيل، فإن بعضهم يجيز فيه الوزن، ويقول: إن المماثلة تدرك بالوزن في كل شيء انتهى، وفي الحديث جواز الترفيه على النفس باختيار الأفضل.

800- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ اَلصُّبْرَةِ مِنَ اَلتَّمْرِ التي لا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ اَلْمُسَمَّى مِنَ اَلتَّمْرِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الصبرة:
الطعام المجتمع. والحديث دليل على أنه لا بد من التساوي في الجنس، وذلك ليس بموجود في المجهول.

801- وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اَلله - رضي الله عنه - قَالَ: "إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اَلطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ" وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ اَلشَّعِيرَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اختلف العلماء في البر والشعير هل هما جنس واحد أو جنسان؟ فقال مالك: هما جنس واحد لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، وقال الجمهور: هما صنفان كما في حديث عبادة عند أبي داود والنسائي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر وهما يداً بيد).

802- وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "اِشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلادَةً بِاِثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ اِثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَّلَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل، ويباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما زاد، ومثله غيره من الربويات، وعن مالك يجوز بيع السيف المحلى بالذهب إذا كان الذهب في البيع تابعاً لغيره.

803- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وصحَّحَهُ الترمذيُّ وابنُ الجارود.

قال الشافعي: المراد أن يكون نسيئة من الطرفين معاً فيكون من بيع الكالئ بالكالئ، وعن ابن عمر: أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة، رواه البخاري.

804- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ اَلْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ اَلْجِهَادَ، سَلَّطَ اَللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلأحْمَدَ: نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وصحَّحَهُ ابنُ القَطَّان.

بيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها البائع من المشتري بأقل نقداً، وفي الحديث دليل على تحريم هذا البيع، وقيل يجوز إذا كان غير حيلة.

805- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - عَنِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَفَعَ لأخِيهِ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ اَلرِّبَا" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.

الحديث دليل على تحريم قبول الهدية في مقابلة الشفاعة، ولعل المراد إذا كانت الشفاعة في واجب.

806- وَعَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ عَمْرِوٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - اَلرَّاشِي وَالْمُرْتَشِيَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذيُّ وصحَّحَهُ.

الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، والمرتشي آخذ الرشوة، وفي حديث ثوبان زيادة: "والرائش، وهو الذي يمشي بينهما".

807- وعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُجِهِّزَ جَيْشاً فَنَفِدتِ الإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلائَصِ الصَّدَقَةِ، قالَ: فَكُنْتُ آَخُذُ البَعِير بِالبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ" رَوَاهُ الحَاكِمُ والبَيْهِقيُّ، ورَجَالُهُ ثِقَاتٌ.

الحديث دليل على جواز اقتراض الحيوانات، وأنه لا ربا فيها وهو قول الجمهور، وفيه جواز الأجل إلى خروج العامل ونحوه كالحصاد والجذاذ وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وفيه جواز الربح الكثير.

808- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْماً أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ زَرْعاً أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قال ابن عبد البر: لا مخالف أن مثل هذا مزابنة، وإنما اختلفوا هل يلحق بذلك كل ما لا يجوز بيعه إلا مثلاً بمثل؟ فالجمهور على الإلحاق في الحكم للمشاركة في العلة في ذلك، وهو عدم العلم بالتساوي مع الاتفاق في الجنس.

809- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - يُسأَلُ عَنِ اِشْتِرَاءِ اَلرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ اَلرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟" قَالُوا: نَعَمَ. فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ" رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وصحَّحَهُ ابنُ المَدِينيِّ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ.


الحديث دليل على عدم جواز بيع الرطب بالتمر لعدم التساوي.

810- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -؛ "أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، يَعْنِي: اَلدَّيْنَ بِالدَّيْنِ" رَوَاهُ إِسْحَاقُ، وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

قال أحمد: ليس في هذا حديث يصح لكن إجماع الناس أنه لا يجوز بيع دين بدين، قال في النهاية: هو أن يشتري الرجل شيئاً إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء فيبيعه ولا يجري بينهما تقابض.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 26-02-2020, 02:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام

مختصر الكلام على بلوغ المرام(42)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



(بابُ الرُّخْصَةِ في العَرَايَا وَبَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ)



811- عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في العرايا: أن تباع بخرصها كيلاً؛ متفق عليه، ولمسلم: رخَّص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا.

في حديث جابر عند البخاري: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر حتى يطيب، ولا يُباع شيء منه إلا بالدنانير والدراهم إلا العرايا.

812- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص في بيع العرايا بخرصها، فيما دون خمسة أوسُق، أو في خمسة أوسق؛ متفق عليه.

العرايا: جمع عرية، وهي النخلة، وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة، واتَّفق الجمهور على جواز بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصًا فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابض، وأخرج الشافعي من حديث زيد بن ثابت: أنه سمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبًا، ويأكلون مع الناس، وعندهم فضول قُوتِهم من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.

813- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع؛ متفق عليه، وفي رواية: كان إذا سئل عن صلاحها؟ قال: ((حتى تذهب عاهته)).

الحديث دليل على النهي عن بيع الثمار قبل بَدْو صلاحها، وقال البخاري: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وقال الليث عن أبي الزناد: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري من بني حارثة أنه حدَّثه عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثمار، فإذا جد الناس وحضَر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مرض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَما كثُرت عنده الخصومة في ذلك: ((فإما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة، يشير بها لكثرة خصومتهم))، قال في "سُبل السلام": "وأفهم قوله: كالمشورة، أن النهي للتنزيه".

814- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل: وما زهوها؟ قال: ((تحمار، وتصفار))؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري.

قال الخطابي: قوله: ((تحمار، وتصفار))، لم يُرِد بذلك اللون الخالص من الحُمرة والصُّفرة، إنما أراد حمرة أو صفرة بكمودة.

815- وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد؛ رواه الخمسة، إلا النسائي وصحَّحه ابن حبان والحاكم.

فيه دليل على جواز بيع السنبل المشتد مطلقًا، وهو قول أكثر العلماء.

816- وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو بعتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟))؛ رواه مسلم، وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح.

قال البخاري - رحمه الله - في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، ثم أصابته عاهة، فهو من البائع: حدَّثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي، فقيل وما تُزهي؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه؟، وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: لو أن رجلاً ابتاع ثمرًا قبل أن يبدوَ صلاحه، ثم أصابته عاهة، كان ما أصابه على ربه، أخبرني سالم بن عبدالله عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تتبايعو الثمرة حتى يبدو صلاحها، ولا تبيعوا الثمر بالثمر))؛ انتهى.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا) إلى آخره، قال الجاحظ: واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر يشتري بعد بدو صلاحه ثم تُصيبه جائحة، فقال مالك: يضع عنه الثُّلث، وقال أحمد وأبو عبيد: يضع الجميع، وقال الشافعي والليث والكوفيون: لا يرجع على البائع بشيء، وقالوا: إنما ورَد وضْع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بَدْو صلاحها بغير شرط القطْع، فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس، والله أعلم؛ انتهى.

قال في المقنع: وإن تلفت بجائحة من السماء، رجع على البائع، وعنه إن أتلفت الثُّلث فصاعدًا، ضمنه البائع، وإلاَّ فلا؛ انتهى.

قال في "سبل السلام": وقد اختلف العلماء في وضع الجوائح، فذهب الأقل إلى أن الجائحة إذا أصابت الثمر جميعه أن يوضع الثمن جميعه، وأن المتلف من مال البائع عملاً بظاهر الحديث، وذهب الأكثر إلى أن المتلف من مال المشتري، وأنه لا وضع لأجل الجائحة إلا ندبًا، واحتجوا له بحديث أبي سعيد: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن يتصدَّقوا على الذي أُصيب في ثمار ابتاعها.


817- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع))؛ متفق عليه.

الحديث دليل على أن الثمرة بعد التلقيح للبائع، ومفهومه أنها قبله للمشتري، وهو قول الجمهور، وفيه دليل على أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 27-02-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(43)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





(بابُ التَّفْلِيسِ وَالحَجْرِ)


826- عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ومَالِكٌ - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ مُرْسَلاً بِلَفْظِ: "أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا، فَأَفْلَسَ اَلَّذِي اِبْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضِ اَلَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ اَلْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ اَلْمَتَاعِ أُسْوَةُ اَلْغُرَمَاءِ"، ووصله البيهقيُّ وضعه تبعًا لأبي داود ورواه أبو داود، وابن ماجه من رواية عمر بن خلدة قال: أتينا أبا هريرة - رضي الله عنه - في صاحب لنا قد أفلس فقال: لأقضينَّ فيكم بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أفلس أو مات، فوَجَدَ رجلٌ متاعه بعينه، فهو أحَقُّ به، وصحَّحَهُ الحاكم وضعفه أبو داود، وضعَّف أيضًا هذه الزيادة في ذكر الموت.

(قوله: من أدرك ماله بعينه)؛ أي: لم يتغير بزيادة ولا نقصان، قال البخاري: باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة، فهو أحق به، وقال الحسن: إذا أفلس وتبيَّن، لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه، وقال سعيد بن المسيب: قضى عثمان أن من اقتضى من حقه قبل أن يفلس، فهو له، ومن عرف متاعه بعينه، فهو أحق به؛ انتهى. (قوله: من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه، فهو أحق به)، قال الحافظ: فتعين المصير إليه؛ لأنها زيادة من ثقة، وجمع الشافعي بين الحديثين بحمل حديث ابن خلدة على ما إذا مات مفلسًا، وحديث أبي بكر بن عبدالرحمن على ما إذا مات مليًّا، والله أعلم، قال في المغني: وإن نقصت مالية المبيع لذهاب صفة مع بقاء عينه، لم يمنع الرجوع لكنه يتخير بين أخذه ناقصًا بجميع حقه، وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه، وقال أيضًا: فأما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة والكسب، فلا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا، وهو قول مالك والشافعي، وسواء نقص بها المبيع أو لم ينقص، إذا كان نقص صفة والزيادة للمفلس، هذا ظاهر كلام الخرقي؛ لأنه منع الرجوع بالزيادة المتصلة لكونها للمفلس، فالمنفصلة أولى، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ انتهى ملخصًا.

827- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ اَلشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُّ اَلْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَه"؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي، وعَلَّقَهُ البُخَارِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

فسر البخاري حل العرض بما نقله عن سفيان قال: يقول: مطلني وعقوبته حبسه، وأجاز الجمهور الحجر عليه وبيع الحاكم ماله، والحديث دليل على تحريم مطل الغنيّ، ويدل بمفهومه على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته، بل يجب إنظاره إلى ميسرة.

828- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: "أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اَلله - صلى الله عليه وسلم - فِي ثِمَارٍ اِبْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ فأَفْلَسَ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ"، فَتَصَدَّقَ اَلنَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم - لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلا ذَلِكَ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فيه الحث على جبر من حديث عليه حادث، قال الشوكاني: والحديث يدل على أن الثمار إذا أُصيبت مضمونة على المشتري، وقد تقدم في باب وضع الجوائح ما يدل على أنه يجب على البائع أن يضع عن المشتري بقدر ما أصابته الجائحة، والجمع بينهما أن وضع الجوائح محمول على الاستحباب؛ انتهى.

829- وَعَنِ اِبْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنهما -: "أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ، وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ" رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وصحَّحَهُ الحاكم وَأَخْرَجَهُ أَبُودَاوُدَ مُرْسَلاً، وَرُجِّحَ إرساله.

الحديث دليل على أن الحاكم يحجر على المدين التصرف في ماله، ويبيعه لقضاء دينه.

830- وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "عُرِضْتُ عَلَى اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا اِبْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ، وَأَنَا اِبْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: "فَلَمْ يُجِزْنِي، وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ"، وصحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ.

فيه دليل على أن من استكمل خمس عشرة سنة صار مكلفًا بالغًا له أحكام الرجال، ومن كان دونها، فلا.

831- وَعَنْ عَطِيَّةَ اَلْقُرَظِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: "عُرِضْنَا عَلَى اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي"؛ رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ، وقالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

الحديث دليل على أنه يحصل بالإنبات البلوغ، فتجري على من أنبت أحكام المكلفين.

832- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه -؛ أَنَّ رَسُولَ اَلله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَجُوزُ لِاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا". وَفِي لَفْظٍ: "لا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا"؛ رَوَاهُ أَصْحَابُ اَلسُّنَنِ إِلا اَلتِّرْمِذِيَّ، وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

قال الخطابي: حمله الأكثر على حسن العشرة واستطابة النفس، أو يحمل على غير الرشيدة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للنساء: تصدقن، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، وبلال يتلقاه بردائه، وهذه عطية بغير إذن الزوج؛ انتهى.


833- وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ اَلْهِلالِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اَلْمَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ اَلْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اِجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ اَلْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ اَلْمَسْأَلَةُ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قد تقدم الحديث في باب قسمة الصدقات، قال في سبل السلام: لعل إعادته هنا أن الرجل الذي تحمل حمالة قد لزمه دين فلا يكون له حكم المفلس في الحجر عليه بل يترك حتى يسأل الناس فيقضي دينه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 27-02-2020, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر الكلام على بلوغ المرام


مختصر الكلام على بلوغ المرام(44)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك



(أبواب: الصُّلْحِ، والحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ، والشَّرِكَةِ وَالْوَكالةِ)


834- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اَلْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اَلصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحاً حَرَّمَ حَلالاً أوْ أَحَلَّ حَرَاماً، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلا شَرْطاً حَرَّمَ حَلالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً" رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ لأنَّ رَاوِيَهُ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِوِ بْنِ عَوْفٍ ضَعِيفٌ، وَكَأَنَّهُ اِعْتَبَرَهُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وقد صحَّحَهُ ابنُ حِبَّان من حديث أبي هُريرَةَ.

الحديث دليل على جواز الصلح في كل شيء إذا لم يخالف الشرع، قال الشوكاني: ويجوز عن المعلوم والمجهول بمعلوم وبمجهول، وعن الدم كالمال بأقل من الدية أو أكثر ولو عن إنكار، وقال في الاختيارات: ويصح الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً، وهو رواية عن أحمد، وحكى قولاً للشافعي، وفيه دليل على لزوم الشروط التي لا تخالف الشرع في جميع العقود، قال في الاختيارات: ولو قال البائع: بعتك إن جئتني بكذا، أو إن رضي زيد صح البيع والشرط، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود انتهى.

835- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَلله لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وقد روى أحمد وعبد الرزاق من حديث ابن عباس: "لا ضرر ولا ضرار" وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره؛ والحديث دليل على أنه ليس للجار أن يمنع جاره من وضع خشبة على جداره، وأنه إذا امتنع عن ذلك أجبر، وروى مالك بسند صحيح: أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خليجاً له فيجريه في أرض لمحمد بن مسلمة فامتنع، فكلمه عمر في ذلك فأبى، فقال: والله لتمرّن به ولو على بطنك، قال في الاختيارات: وإذا كان الجدار مختصاً بشخص لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار ولا يضر بصاحب الجدار، ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد.

836- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ اَلسَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لإمْرِئٍ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ" رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ والحاكم فِي صَحِيحِيهما.

إيراد المصنف لهذا الحديث إشارة إلى أن حديث أبي هريرة محمول على التنزيه كما قول الشافعي في الجديد، وإنما يحتاج إلى التأويل إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن بالتخصيص، فإن حديث أبي هريرة خاص، قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا ينكر أن يخصها، وقد حمله الراوي على ظاهره من التحريم، وهو أعلم بالمراد بدليل قوله: "ما لي أراكم عنها معرضين".

بابُ الحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ

الحوالة: نقل دين من ذمة إلى ذمة.

837- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم- "مَطْلُ اَلْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: "فَلْيَحْتَلْ".

الحديث دليل على تحريم المطل من الغنيّ، وهو تأخير ما استحق أداؤه من غير عذر (قوله: وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع). قال الحافظ: ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغنيّ ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، واستدل به على اعتبار رضا المحيل والمحتال دون المحال عليه، وبه قال الجمهور، وقال البخاري: باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟ وقال الحسن وقتادة: إذا كان يوم أحال عليه ملياً جاز. وقال ابن عباس: يتخارج الشريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عيناً وهذا ديناً، فإن نوى لأحدهما لم يرجع على صاحبه انتهى. قال في الاختيارات: والحوالة على ماله في الديون إذن في الاستيفاء فقط، والمختار الرجوع ومطالبته انتهى، وقال الحسن وشريح وزفر: الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء، وقال مالك: لا يرجع إلا إن غرّه كأن علم فلس المحال عليه ولم يعلمه بذلك.

838- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَّا، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطاً، ثُمَّ قَالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟" فقُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُوقَتَادَةَ: اَلدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "حَقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا اَلْمَيِّتُ؟" قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ" رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُدَ والنسائيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ.

(قوله: حق الغريم) في رواية لأحمد: "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم"، وفي رواية الحاكم: "أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل إذا لقى أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن بردت جلدته" والحديث دليل على شدة أمر الدين، قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة عن الميت ولا رجوع له في مال الميت، وعن مالك له أن يرجع إن قال إنما ضمنت لأرجع.

839- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ اَلْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ اَلدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: "هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟" فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلا قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ اَلْفُتُوحَ قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً".

قال ابن بطال: وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله فيمن مات وعليه دين.

840- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: "لا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ" رَوَاهُ اَلْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

الحديث دليل على أنه لا تصح الكفالة في الحدّ، وتصح ببدن من عليه دين، وبالأعيان المضمونة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الزعيم غارم"، قال الشوكاني: ومن ضمن بإحضار شخص وجب عليه إحضاره، وإلا غرم ما عليه.

باب الشَّرِكَةِ وَالْوَكالةِ

841- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم-: " قَالَ اَللهُ: أَنَا ثَالِثُ اَلشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا" رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.

فيه حثّ على التشارك مع عدم الخيانة لمعونة الله للشريكين، وإنزال البركة في تجارتهما، وسعيهما، وفيه التحذير من الخيانة.

842- وَعَنْ اَلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ اَلْمَخْزُومِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ اَلْبَعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ اَلْفَتْحِ، فَقَالَ: "مَرْحَباً بِأَخِي وَشَرِيكِي" رَوَاهُ أحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ وابْنُ مَاجَهْ.

الحديث دليل على أن الشركة كانت ثابتة قبل الإسلام ثم قررها الشارع، قال الشوكاني: ويجوز الاشتراك في النقود والتجارات، ويقسم الربح على ما تراضيا عليه.

843- وَعَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "اِشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْر" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

تمامه: فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء، والحديث دليل على صحة الشركة في المكاسب، وتسمى شركة الأبدان.

844- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَرَدْتُ اَلْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ.

تمام الحديث: "فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته". والحديث دليل على مشروعية الوكالة، وفيه دليل على العمل بالقرينة.

845- وَعَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولَ اَلله -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

قال الشوكاني: يجوز لجائز التصرف أن يوكل غيره في كل شيء ما لم يمنع منه مانع.

846- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اَلله -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَ عَلَى اَلصَّدَقَةِ" اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

الحديث دليل على توكيل الإمام للعامل في قبض الزكاة.

847- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - "أَنَّ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَذْبَحَ اَلْبَاقِيَ" اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فيه دليل على صحة التوكيل في نحر الهدي.

848- عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قِصَّةِ اَلْعَسِيفِ. قَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى اِمْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اِعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا" اَلْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.


فيه دليل على مشروعية التوكيل في إقامة الحدّ، والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 228.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 222.32 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]