تلاوة القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208862 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59544 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 752 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 58 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15857 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-10-2020, 11:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي تلاوة القرآن

تلاوة القرآن (1)


د. محمد بن لطفي الصباغ





تلاوة القُرآن أمرٌ مطلوبٌ من المسلمين كافَّةً على وجه النَّدب والاستِحباب؛ لما أَعَدَّ الله لتالي القُرآن من الثَّواب الجزيل، ولما في تلاوته من التأثُّر الذي يختلفُ من إنسانٍ إلى آخَر، ولكنَّه تأثُّر موجود.
وهو مطلوبٌ من الدُّعاة على وجهٍ أقوى؛ ذلك لأنَّهم يدعون الناسَ إلى الإسلام، وعمادُ الإسلام كتابُ الله وسنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم - فلا بُدَّ أنْ تكون صلةُ هؤلاء الدُّعاة بكتاب الله وثيقةً، وتُحقِّق تلاوة القُرآن ذلك.

إنَّ عليهم أنْ يُكثِروا من تلاوة القُرآن ومن حِفظه والعمَلِ به.
هذا الكتاب العظيمُ الذي هو كلام الله المُعجِز ووحيُه المنزَّل، نزَل به الرُّوح الأمينُ على قلْب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بلسانٍ عربي مُبين، فيه نبأُ ما قبلَنا، وخبرُ ما بعدَنا، وحُكم ما بينَنا، هو الفصْلُ ليس بالهزْل، مَن ترَكَه مِن جبَّارٍ قصَمَه الله، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضلَّه الله، وهو حَبْلُ الله المتين، وهو الذِّكر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذي لا تَزِيغُ به الأهواء، ولا تلتَبِسُ به الألسِنة ولا يشبعُ منه العُلَماء، ولا يخلَقُ على كثْرة الرَّدِّ، ولا تنقَضِي عَجائبُه، مَن قال به صدَق، ومَن عَمِلَ به أُجِرَ، ومَن حكَم به عدَل، ومَن دُعِي إليه هُدِيَ إلى صِراطٍ مستقيم، وهو باقٍ ما بَقِيَتِ الدُّنيا، يتحدَّى كلَّ عَوامل الإفناء والفناء؛ وذلك بحِفظ الله له؛ فلقد تولَّى الله - تبارك وتعالى - حِفْظَه فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

هذا الكتاب الذي تلقَّاه الصَّحابة فعَمِلُوا به وحَفِظوه؛ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزْهنَّ حتى يعرفَ معانيهنَّ والعملَ بهنَّ.
وعن أبي عبدالرحمن السُّلمي قال: حدَّثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القُرآنَ أنهم كانوا يستَقرِئون من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا تعلَّموا عَشْرَ آياتٍ لم يُخلِّفوها حتى يعمَلُوا بما فيها من العمل؛ فتعلَّمنا القُرآن والعملَ جميعًا[1].
هذا الكتاب الكريم الذي عرَف أعداؤنا أنَّه سِرُّ بقائنا، وأنَّ سُلطانَهم علينا لا يمكن أنْ يتمَّ ما دام هذا الكتاب في أيدينا، يقول غلادستون رئيسُ وزراء بريطانيا عندما دخَل الإنكليز مصرَ عام 1822 في مجلس العُموم البريطاني وأمسَكَ بيدِه المصحفَ: ما دام هذا الكتابُ في أيدي المسلمين فلن يقرَّ لنا قَرارٌ في تلك البلاد[2].
ولذا فأنتَ تَراهُم دائبين على النَّيْلِ من هذا الكتابِ الكريمِ فكريًّا وعلميًّا.
وإنِّي مُورِدٌ بعضَ الآيات التي تدعو إلى تلاوتِه والحضِّ عليها، وكذلك فسأُوردُ بعضَ الأحاديث الواردة في ذلك، والله وليُّ التوفيق.



الآيات:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].
وقال - تباركَتْ أسماؤه -: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 91، 92].
وقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الأنفال: 2، 3].

الأحاديث:
وأمَّا الأحاديث فكثيرةٌ، نوردُ بعضها فيما يأتي:
عن أبي موسى الأشعريِّ - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القُرآنَ مثل الأُترجَّة؛ ريحها طيِّبٌ وطعمها طيِّبٌ، ومثَل المؤمن الذي لا يقرأ القُرآن كمثَل التَّمرة؛ لا ريحَ لها وطعمُها طيِّب، ومثَل المنافق الذي يقرأُ القُرآن كمثَل الرَّيحانة؛ ريحها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثَل المنافق الذي لا يقرأُ القُرآن كمثَل الحنظَلةِ؛ لا ريحَ لها وطعمُها مُرٌّ))؛ رواه البخاري 5020، ومسلم 797.
عن أبي أُمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرَؤُوا الزَّهراوَيْن؛ البقرة، وآل عمران؛ فإنهما تَأتِيان يومَ القيامة كأنهما غَمامتان، أو فِرقان من طَيْرٍ صوافَّ، تحاجَّان عن صاحِبِهما، اقرؤوا سُورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها برَكة، ولا تستطيعُها البَطلَةُ))؛ رواه مسلم 804.
عن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، أوصِنِي، قال: ((عليكَ بتقوى الله؛ فإنَّه رأسُ الأمر كلِّه))، فقلت: يا رسول الله، زِدْني، قال: ((عليكَ بتلاوة القُرآن؛ فإنَّه نورٌ لك في الأرض، وذُخرٌ لك في السَّماء))؛ رواه ابن حبَّان 262.
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا حَسَدَ إلا في اثنتَيْن: رجلٌ آتاه الله هذا الكتابَ، فقامَ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ أعطاهُ الله مالاً، فتصدَّق به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ))؛ رواه البخاري 5025، ومسلم 815.
فلنَحرِصْ على تلاوة القُرآن، وليكنْ معها التدبُّرُ والعملُ، والله وليُّ التوفيق.



[1] انظر هذين الحديثين في مقدمة "تفسير الطبري" ط شاكر 1 /80.

[2] "واقعنا المعاصر"؛ لمحمد قطب ص 196.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-10-2020, 12:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تلاوة القرآن

تلاوة القرآن (2)


د. محمد بن لطفي الصباغ






ذكَرْنا في الحلقة السابقة أنَّ تلاوة القُرآن من الصِّفات التي يجدرُ بالدعاة أنْ يُداوموا عليها، وذكَرْنا بعضَ الآيات وبعضَ الأحاديث التي تحضُّ على التلاوة، ونودُّ أنْ نقفَ وقفةَ تأمُّلٍ لآيةٍ من الآيات التي تقدَّمَ ذِكرُها؛ وهي قوله - عَزَّ مِن قائلٍ -: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الكهف: 27]، في هذه الآية الكريمةِ يأمُر الله - تبارك وتعالى - نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يَتلُوَ القُرآنَ، ولم تَذكُر الآية (القُرآن) باسمِه العَلَمِيِّ، وإنما ذكرَتْه بحقيقتِه: ﴿ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾؛ حَفْزًا للهِمَمِ لمتابعة تلاوته والحِرص عليها؛ فهو مُوحًى من الله، والأمورُ تعظُمُ وتجلُّ تبعًا للمصدر الذي تصدرُ عنه، فالرَّسائل التي تأتي إليك ليست في نظرك سواءً؛ فما يأتيك من حبيبٍ أو قريبٍ أو سُلطانٍ أو وجيهٍ يعظُمُ اهتمامُك به بالنسبة إلى ما يأتيكَ من آخَرين، إنَّك تهتمُّ ببعض هذه الرسائل اهتِمامًا يملك عليك نفسَك، وتقدم قراءتها وتدبُّرها على أيِّ أمرٍ آخَر، يدفَعُك إلى ذلك الحبُّ أو الخوفُ أو الرَّجاء، وأمَّا بعضُها الآخَر، فلا تُلقِ له بالاً، وقد تُلقِي به في سلَّة المُهمَلات؛ فالآية الكريمة التي تدعو إلى تلاوة القُرآن تَذكُره مقرونًا بمصدره: ﴿ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾.

ولا أقفُ مَرَّةً أمامَ هذا المعنى - وهو إرسال الله رسلَه للإنسان لهدايتِه وإنقاذِه وإسعادِه - إلا ويتملَّكني شُعورٌ عجيب يُبصِّرُني بقيمةِ هذا الإنسان، هذا الإنسان الضَّعيف الهيِّن أمامَ المخلوقات العُظمَى في هذا الكون المَلِيء بالأمور الجليلة، هذا الإنسان يكرمُه اللهُ؛ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، ويرسلُ إليه - تبارك وتعالى - الرُّسل، ويبعثُ إليه بالآيات مُبشِّرةً ومُنذِرةً، الله مالكُ الملكِ، جبَّار السَّموات والأرض، العليم بكلِّ شيءٍ، القادر على كلِّ شيء - يرسلُ الرسلَ وينزلُ الكتبَ لهداية الإنسان، إنَّ الإنسان لو تأمَّل هذا المعنى، لعرَف قدرَه ومكانتَه.
والتلاوة الكامِلة هي ما كانت بتدبُّرٍ واعٍ عَمِيق؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، وما كانت بإقبالٍ على كُنوزٍ هذا القُرآن؛ "وإنَّ هذا القُرآن لا يمنحُ كُنوزَه إلا لِمَن يُقبِلُ عليه بهذه الرُّوح؛ رُوح المعرفة المنشئة للعمل، إنَّه لم يجئْ ليكونَ كتابَ مَتاعٍ عقلي، ولا كتابَ أدبٍ وفن... وإنْ كان هذا كلُّه من محتوياته؛ إنما جاء ليكونَ منهاجَ حياةٍ، منهاجًا إلهيًّا خالصًا"[1].

والقُرآن رحمةٌ وشِفاءٌ للمؤمنين، أمَّا الكافرون الظالمون، فلا يزيدُهم إلا كُفورًا.
قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
وقال: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44].
والقُرآن مُيسَّر للذِّكر: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].
ولا يحتاجُ الأمرُ من المسلم إلا أنْ تكونَ عندَه الإرادةُ للتدبُّر والاستِعداد لذلك.
فيا أخي، أَرِدِ الفهمَ، وخُذْ لذلك أسبابَه من الاستِعداد والتعلُّم، تفهَمْ، وعندئذٍ ستكونُ في سَعادةٍ لا تعدلُها سعادةٌ، وتحسُّ بلَذَّةٍ لا يَفُوقُها لَذَّةٌ، وتفوزُ بالفوزِ والنَّجاة إنْ عَمِلتَ بِمُقتَضى ما فهمتَ.
إنَّ حَلاوة القُرآن لَتُغرِي بتلاوتِه، ويزيدُ هذه الحلاوةَ حلاوةُ تدبُّرِ ما في آيات القُرآن من المعاني والأحكام.

إنَّ حَلاوة القُرآن أمرٌ أدرَكَه المؤمنون، ولمسَه الكافرون، وشَهِدَ بها البَرُّ والفاجر، ألاَ تَذكُر كلمةَ الوليد عندما ناقَشَ قومَه سرًّا فيما يُواجِهون به الناسَ لصَدِّهم عن السَّبيل، وصَرْفِهم عن الإيمان بهذا الكتاب، لقد قال لهم: ماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجلٌ أعلم منِّي بالشِّعر ولا برَجَزِه ولا بقَصِيده، ولا بأشعار الجنِّ، والله ما يُشبِه الذي يقولُ شيئًا من هذا، والله إنَّ لقوله لَحَلاوةً، وإنَّ عليه لَطَلاوةً، وإنَّ أعلاه لَمُثمِرٌ، وإنَّ أسفَله لَمغدقٌ، وإنَّه ليحطمُ ما تحتَه، وإنَّه ليَعلُو وما يُعلَى عليه.
وبيَّن لهم أنَّه ليس بالسَّجع المعروف، ولا هو بالشِّعر المألوف، ووضَّح لهم أنَّ اتِّهامهم محمدًا بأنَّه كاهنٌ أو شاعرٌ ليس له أيُّ قيمةٍ.
ثم قال بعد أنْ فكَّر وقدَّر، وبعد أنْ نظَر وعبَس وبسَر، قال: "إنْ هذا إلا سحر يُؤثَر، أمَا رأيتُموه يُفرِّقُ بين الرجل وأهله ومَوالِيه؟"، وفي ذلك يقولُ تعالى: ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 18 - 25].

هذا الكتاب المُعجِز الجميل، ذو الحلاوة والطَّلاوة التي يُدرِكُها كلُّ مُتذوِّقٍ للعربيَّة، هذا الكتاب أَوْحاه الله إلى محمدٍ، وأمَرَه بتلاوتِه: ﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 27]، والمسلمون مأمورون أيضًا بتلاوة هذا الكتاب، وليس هناك مُبدِّل لكلماته، إنَّ الحقائقَ التي يعرضُها القُرآن حَقائق نهائيَّة لا تقبَلُ الجدَل والمِراء، أو التردُّد والنَّقض، وليس لك أيُّها العبد ملجأٌ من الله إلا إليه.
إنَّ قُدرة الله كبيرةٌ، وسُلطانه واسعٌ، وكلُّ ما في الأرض في يده وطوعُ أمرِه، فأين المفرُّ؟
إنَّ إدراك هذا المعنى ليزجرُ النفسَ أيَّما زجرٍ، ويحولُ بينها وبين المعصية، وهذا المعنى حقيقةٌ لا يَرتابُ فيها مؤمنٌ.

هل هناك في اعتقاد المؤمن مَلجَأٌ لا يخضعُ لسُلطان الله حتى يُحدِّث العاصي نفسَه بأنَّه يَأوِي إليه ليُنقِذَ نفسَه من العُقوبة؟ ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 4].
لن تجدَ أيُّها العبد من دُونِه مُلتَحَدًا؛ فارجِعْ إليه، وأقبِلْ عليه وأنت في سَعَةِ الدنيا، قبل أنْ تَرجِعَ إليه وقد كسَبتَ من الذُّنوب الكثير، وأهلكت نفسَك بالشكِّ والارتِياب.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشورى: 47].
وقد جاء في القُرآن على لسان الجنِّ يُخاطِبون قومَهم: ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾ [الأحقاف: 31، 32].


[1] من كلام الأستاذ سيد قطب في "المعالم" صـ15.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-10-2020, 12:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تلاوة القرآن

تلاوة القرآن (3)


د. محمد بن لطفي الصباغ






هناك آدابٌ أوصى العلماء تاليَ القرآن أن يراعيَها، وهذه الآداب دلتْ عليها رُوحُ الشريعة وأحكامُها العامة، وجاءت نصوصٌ في الحضِّ على بعضها، وسأذكر عددًا من هذه الآداب، مع الإشارة إلى أنها ليست كلها في درجة واحدة، فمنها ما هو واجبُ الاتباع، ومنها ما هو مندوبٌ يُستحسن فعله.

1- فمن أهم الآداب أن يتدبرَ ما يقرأ من الآيات، وعليه أن يراها رسائلَ من الله إليه، قال الحسن البصري[1]:
"إنَّ من كان قبلكم رأَوا القرآن رسائلَ من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار".
قال الله - تعالى -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
ومما يساعد القارئَ على التدبُّر والفهم أن يقرأَ في مصحف مطبوعٍ معه تفسيرٌ موجز، فيرجع إلى هذا التفسير فورًا، ولا يؤجِّل ذلك.

2- ومن هذه الآداب أن يحرصَ القارئُ على العملِ بما جاء في الآيات التي قرأها، ويعزمَ على ذلك.
فإذا قرأ القارئُ قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وجب عليه أن يجتنبَ الظنَّ بالناس، والتجسُّس، وغِيبتَهم.

3- ومن الأمور المستحسنة في هذا الموضوع المداومةُ على تلاوة الجزء الذي قرَّره المرءُ لنفسه من القرآن يوميًّا، فالاستمرارُ على القليل خيرٌ من أن يطيلَ المرءُ القراءةَ مرة ثم ينقطع، وهذا الأمر جرى عليه الناس، وقد أدركتُه في بيتنا الذي نشأتُ فيه؛ فقد كان سيدي الوالد - رحمه الله - يختم في كلِّ شهر ختمة، ويكون الجزءُ الذي يقرؤُه في اليوم الخامس من الشهر - مثلاً - هو الجزءَ الخامس من المصحف، وكذلك كانت جدتي - رحمها الله - أما سيدتي الوالدة، فقد كانت تختم القرآنَ في كلِّ أسبوع مرة.

4- ومن الأمور المستحبة أن يراعيَ المعنى، فيبتدئَ من أول الكلام المرتبِط بعضُه ببعض، وأن يقفَ على آخر الكلام المرتبط بعضُه ببعض.
5- ومن الأمور المستحبة أن يراعيَ أحكام التجويد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذا أمر مستحبٌّ، وليس بواجب؛ كما ذهب إلى ذلك بعض كبار علماء التجويد؛ لأنه لا دليل لهم على الوجوب.

6- يستحب إذا مر بآية رحمةٍ أن يسأل اللهَ من فضله، وإذا مر بآية عذابٍ أن يستعيذ بالله من الشر؛ لحديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: "صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرةَ، فقلتُ: يركع عند المائة، ثم مضى، ثم افتتح النساءَ فقرأها، ثم افتتح آلَ عمران فقرأها، يقرأ ترسُّلاً إذا مر بآية فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوَّذ"؛ رواه مسلم برقم 372، وأحمد 5/ 384.
7- يستحب أن يبدأَ القراءة بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقرأ البسملة.
8- يستحب أن تكون التلاوةُ في مكان مناسبٍ لتعظيم القرآن، فلا يكون فيه لهوٌ، ولا صخَب، ولا حديث جماعي، ولا تِلفاز، ولا مذياع؛ فذلك أعون للقارئ على تدبر معنى الآيات التي يقرؤها.

9- وإذا كانت القراءةُ في المسجد كانت أطيبَ وأحسن؛ لأن المساجد أشرفُ البقاع، قال - صلى الله عليه وسلم -:
((ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده))؛ رواه مسلم برقم 2699.

10- ويستحب للمرء أن يبكيَ عند تلاوته القرآن، قال الله - تعالى -: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 106 - 109].
وقد ورد في صفة سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - أنه كان إذا قرأ القرآنَ غلب عليه البكاءُ، وكذلك كان شأنُ عمر - رضي الله عنه - وشأن كثيرٍ من الصحابة.

11- ويستحب أن يكونَ القارئُ وقت تلاوته مستقبلَ القبلة، وأن يكونَ في مجلس محترم، وأن تكون جِلسته تدل على اهتمام بما يقرأ، وتعظيم لِما يقرأ.
أقول: هذا الأكمل، ولكن يجب أن نقرِّر أن للمسلم أن يقرأ القرآنَ مضطجعًا وقاعدًا وقائمًا وماشيًا في الطريق، نعم له أن يقرأ على أي حال كان؛ قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191].
وذكروا أنه يَحسُن بالقارئ أن يتعهَّد أسنانه بالسواك قبل القراءة؛ ليكونَ فمُه نظيفًا ليس فيه شيءٌ من بقايا الطعام، وغيره مما قد يوجَد في الفم.

12- ويستحب أن يُحسِّن صوته بالتلاوة، وأن يتغنَّى بالقرآن؛ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يتغنَّ بالقرآن، فليس منا)).
قال الإمام النووي: رواه أبوداود (1471) بإسناد جيد، وقال: ومعنى يتغنى: أي: يحسِّن صوتَه بالقرآن.
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((لقد أُوتيتَ مزمارًا من مزاميرِ آل داود))؛ متفق عليه[2].

13- وللقارئ أن يقرأَ عن ظهر قلب إن كان متينَ الحفظ، وإلا فليقرأ في المصحف.
هذا، وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن القراءةَ في المصحف أفضلُ، وكلُّ ذلك سائغٌ مقبول، وإذا كانت القراءةُ في المصحف جائزةً في الصلاة، فيحسُن أن يقرأَ المصلي في المصحف في النوافل؛ كالقيام والضحى.

14- والأكمل في التلاوة أن يكونَ القارئ متوضئًا، ولكنه يجوز أن يقرأ القرآن ولو لم يكن متوضئًا، وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - لا يرى بأسًا بقراءة الجنب للقرآن، وذهب إلى ذلك سعيد بن المسيب وعكرمة، وقد تمسك الإمام البخاريُّ بعموم حديث: "كان - صلى الله عليه وسلم - يذكر اللهَ على كلِّ أحيانه"، فقال - أيضًا - بالجواز؛ كالطبري وابن المنذر وداود[3]، ويرى مالكٌ الجوازَ للحائض دون الجنب، وقيل: إنه قولُ الشافعي في القديم[4]، وقال ابن حجر: "ولم يصحَّ عند المصنف - أي: البخاري - شيءٌ من الأحاديث الواردة في ذلك"[5].
قال المباركفوري: "تنبيه: اعلم أن البخاريَّ عقَد بابًا في صحيحه يدلُّ على أنه قائلٌ بجواز قراءة الجنب والحائض، فإنه قال: باب: تقضي الحائض المناسك كلَّها إلا الطوافَ بالبيت"[6].
قال ابن بطَّال وغيرُه: إن مراد البخاري الاستدلالُ على جواز قراءةِ الحائض والجُنب بحديث عائشة.
أما مسُّ المصحف، فقد ذهب الأكثرون إلى حرمةِ مسِّه لمن لم يكن على وضوء، وإن كان هناك آخرون لا يقولون بذلك كداود وغيره؛ لأنهم لم يرَوا أدلةَ القائلين بالحرمة سليمةً من النقد.
ويحسُن الرجوع إلى تحفة الأحوذي، ونيل الأوطار 1/ 226 - 227، والمغني 1/ 199.

15- ونختم كلمتَنا عن تلاوة القرآن بإيراد الحديث الصحيح الذي جمع عددًا من الوصايا المتصلة بقراءة القرآن، وهو قوله - صلوات الله وسلامه عليه -:
((اقرؤوا القرآنَ، واعملوا به، ولا تَجفُوا عنه، ولا تغْلُوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثِروا به))؛ رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني؛ (انظر صحيح الجامع الصغير 1168، والسلسلة الصحيحة 260).
ولنشرح الجملَ الواردة فيه:
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآنَ، واعملوا به، ولا تَجفوا عنه))؛ أي: لا تبتعدوا عن تلاوته، قال الطيبي: يريد: لا تتركوا تلاوته، وتشتغلوا بتأويلِه وتفسيره.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تغْلُوا فيه))؛ أي: لا تُجاوزوا حدَّه من حيث لفظُه أو معناه، بأن تتأوَّلوه بباطل، وقد أورد المناويُّ في "فيض القدير" 2/ 64 قولاً آخر، فقال:
"ولا تغْلُوا فيه بأن تبذُلوا جهدَكم في قراءته وتجويده من غير تفكُّر"، والقول الأول أصحُّ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تأكلوا به))؛ أي: لا تجعلوه سببًا للاستكثار من الدنيا.
أقول: هذا الحديثُ الجميل يربط بين القراءة والعمل، وبالمداومة على تلاوته، وعدم الغلوِّ فيه، وينهانا عن اتخاذ تلاوته سببًا للارتزاق، كما ترى الآن في بعض المساجد يأتي رجل فيقرأ شيئًا من القرآن بعد الصلاة بصوت عالٍ وحسَنٍ، ويجلس بعد ذلك يتلقَّى صدقات الناس وأُعطِياتهم، وينهى عن أن تُتَّخذَ تلاوةُ القرآن مهنة، يتفرَّغ لها ناسٌ يُدْعون إلى مجالس العزاء ليقرؤوا، ويأخذون على قراءتهم أجورًا متفاوتةً بحسَب حلاوة الصوت، وهذا ما نجده اليوم في عدد من البلاد الإسلامية؛ إذ أصبحت تلاوةُ القرآن عنصرًا أساسيًّا في مجالس العزاء، وأصبحت تلاوة القرآن عند موت رئيسٍ أو كبير عُرفًا تلتزم به الدولة في إذاعاتها، وتقتصر على تقديم التلاوات القرآنية على مدار الساعة، وعلى نشرات الأخبار، وتُوقِف البرامج الأخرى.

سُئل عالِم كبير: هل يجوز أن نقرأ على الأموات؟
فأجاب: بل اقرؤوا القرآنَ على الأحياء؛ فقد أنزله اللهُ للأحياء لا للأموات.
وصلى الله على محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.


[1] المجموع 2/ 195، والتبيان 53.

[2] البخاري برقم 5048، ومسلم برقم 793.

[3] الفتح 1/ 408.


[4] الفتح 1/ 408.

[5] الفتح 1/ 408.

[6] تحفة الأحوذي 1/ 124، ط/ الهند.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.82 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]