|
|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
السرائر
السرائر أسامة بن عبدالله أحمد الحمد الحمد لله علام الغيوب، عالم السرِّ والنجوى، العليم بذات الصدور، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّد الذي بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حقَّ جِهاده. وبعد: فإني - والله - على وجَلٍ مِن كتابة هذا المقال؛ إذ عُنوانه جدُّ خطير، ولمُخالَفة الخَبَرِ الخُبْرَ، وأسأل الله العليَّ الكبير أن ينفع بما سأَكتُب في هذه الأسْطُر، وأن يجعله حُجَّةً لي لا عليَّ. موضوعي في هذه الورقات عن أمْرِ السَّرائر، وعما يكون فيها من طاعات وسيئات، ولكي يتبيَّن عِظَم أمرِها أورد لكم قوله - سبحانه وتعالى - عن عِظَم السرائر في يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ [الطارق-9]؛ أي: "تُختبَر سرائر الصُّدور، ويظهَر ما كان في القلوب مِن خير وشرٍّ على صفحات الوجوه؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران-106]، ففي الدنيا تَنكتِم كثير مِن الأمور ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة فيظهر بر الأبرار وفجور الفجار وتصير الأمور علانيةً". ويقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - مُعظِّما شأن ذنوب السرائر: ((لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تِهامةَ بيضًا، يَجعلها الله - عزَّ وجل - هباءً منثورًا))، قال ثوبان: يا رسول الله، جلِّهمْ لنا؛ أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومِن جِلدَتِكم، ويأخذون مِن الليل ما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها))؛ رواه ابن ماجه من حديث ثوبان بسند صحيح. يا الله!! مع أنهم إخوانهم، ويأخذون من الليل كما يأخذون، إلا أن الله جعَل أعمالهم يوم يلقونه هباءً مَنثورًا، ألا يكفي هذا الحديث زجْرًا وردْعًا عن تلك الخلوات التي لا تُرضيه سبحانه؟! يقول سفيان بن عُيَينة - رحمه الله -: "إذا وافَقتِ السَّريرة العلانية فذلك العدل، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضْل، وإذا كانت العلانية أفضَل مِن السَّريرة فذلك الجور"؛ "صفوة الصفوة" (2: 234). أقول لك - أيها القارئ -: اسألْ نفسَك أيهما أفضل عندك؛ سريرتُك مع ربِّك، أم علانيتك مع الناس؟ وإذا خلوتَ بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطُّغيانِ فاستحْيِ مِن نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني قال بعض السلف: اتق الله أن يَكون أهونَ الناظِرين إليك. أخي في الله: ذنوب الخلوات سببٌ مِن أسباب سوء الخاتمات؛ يقول ابن رجب - رحمه الله -: "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطِنة للعبد لا يطَّلِع عليها الناس". كذلك ذنوب الخلوات سبب من أسباب الانتكاسات؛ يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: "أصل الانتكاسات ذنوب الخلوات، كما أنَّ أصل الثبات عبادة الخلوات". إذا ما خلوتَ الدهْر يومًا فلا تَقلْ خلوتُ، ولكن قل عليَّ رقيبُ و لا تحسبنَّ اللهَ يَغْفُلُ ساعةً ولا أنَّ ما تُخفيه عنه يغيب وقال بعضهم: "مَن نسي ربه في الخلوات تخلَّى عنه ربه في أحرَج الأوقات". ومع كل هذا، فإذا ابتُليتَ بها فارجع إلى ربك واستغفرْه وقِفْ ببابه، ونادِ في الأسحار: اعفُ عنِّي وأَقِلْ لي عثْرتي يا غِيَاثًا لملمَّاتِ الزَّمن لا تُعاقبْني فقد عاقبَني ندمٌ أقلق رُوحي في البدن إن تؤاخِذْني فمَن ذا أرتجي وإذا لم تعفُ عن ذنبي فمَن؟! وفي مقابل هذا فإن لطاعة الله في الخلوات أسرارًا، وأيُّ أسرار؟! ولكن لا يُدرِكها إلا مَن جرَّبها. يقول حذيفة بن قتادة المرعشي - رحمه الله -: "إن أطعْتَ الله في السرِّ أصلحَ قلْبكَ شئتَ أم أبَيتَ". وهي السبب في فلاح مَن سبَقَ وارتِفاعهم، يقول أبو بكر المَروذيُّ - رحمه الله -: "سمعتُ رجلاً يقول لأبي عبدالله - يعني أحمد بن حنبل - وذكَر له الصِّدق والإخلاص، فقال أبو عبدالله: "بهذا ارتفَع القوم". وعن نُعيم بن حمَّاد قال: سمعتُ ابن المبارك يقول: "ما رأيتُ أحدًا ارتفَع مثل مالك، ليس له كثير صَلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة"؛ "سِيَر أعلام النبلاء" (8: 97). يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: السرائر
أخي في الله، كأني بك بعد هذا الحديث؛ تُريد أن تسأل عن طريق الوقاية مِن سوء السرائر؟ فأقول لك: للوقاية منها أسباب؛ مِن أهمِّها: تدبُّر القرآن: يقول بعض السلف: "كم مِن مَعصِيَة في السر منعني منها قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن- 46]. المحافظة على تكبيرة الإحرام: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حافَظ على تكبيرة الإحرام أربعين يومًا كُتبتْ له براءتان: براءة مِن النار، وبراءة مِن النفاق)). الخوف مِن الفضيحة في الدنيا والآخرة: يقول عُثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "ما أسرَّ أحد سريرةً إلا أظهرها الله على صفَحات وجْهِه، وفلتات لسانه". تذكر الوقوف بين يدي الله: وتمثَّل قول الشاعر: إذا ما قال لي ربِّي أما استحيَيت تَعصيني وتُخفي الذنب عن خلقي وبالعِصيان تأتيني فكيف أجيب يا ويحي ومن ذا سوف يُنجِيني أسلِّي النفس بالآما لِ مِن حينٍ إلى حين وجاءت سكرة الموت الشْ شَديدة مَن سيَحميني نظرت إلى الوجوه ألي س منهم مَن سيَفْديني سأُسأَل ما الذي قدّم ت في دُنياي يُنجيني فكيف إجابتي مِن بعْ د ما فرطْتُ في ديني أَلمْ أسمعْ بيوم الحش ر يوم الجمْعِ والدِّين أَلمْ أسمعْ منادي المو ت يَدعوني يُناديني فيا ربَّاه عبدٌ تا ئبٌ مَن ذا سيؤويني سِوى ربٍّ غفور وا سعٍ للحقِّ يَهديني وفي الختام: أسأل الله أن يُطهِّر سرائرنا، وأن يُصلح أمورَنا، وألا يَكلِنا إلى أنفسنا طرْفة عينٍ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |