|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#201
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (201) صـ 233 إلى صـ 240 والزجر ليس عما وقع وأريد، بل هو عقوبة على الماضي وزجر عن المستقبل، والزجر الواقع بإرادته إن حصل مقصوده [١] لم يحصل المزجور عنه فلم يرده فيكون المراد الزجر فقط، وإن لم يحصل مقصوده لم يكن زجرا تاما بل يكون المراد فعل هذا الزاجر [٢] وفعل ذاك، كما يراد ضرب هذا لهذا بهذا السيف [٣] وحياة هذا، وكما يراد المرض المخوف [٤] الذي قد يكون سببا للموت، ويراد معه الحياة. فإرادة [٥] السبب ليست موجبة لإرادة المسبب، إلا إذا كان السبب تاما موجبا. [٦] والزجر سبب للانزجار والامتناع كسائر الأسباب، كما أن المرض المخوف سبب للموت، وكما أن الأمر بالفعل والترغيب فيه سبب لوقوعه، ثم قد يقع المسبب [٧] وقد لا يقع، فإن وقع كانا مرادين، وإلا كان المراد ما وقع خاصة [٨] . الوجه الخامس أنه قد تقدم أن الإرادة نوعان: نوع بمعنى المشيئة لما خلق، فهذا متناول [٩] لكل حادث دون ما لا [١٠] يحدث، ونوع بمعنى المحبة لما أمر به فهذا إنما يتعلق [١١] بالطاعات، وإذا كان كذلك فما --------------------------------------------------------------- (١) أ: بإرادة أن يحصل مقصوده. (٢) أ، ب: الزجر. (٣) ع: لهذا بالسيف. (٤) أ: المرض للخوف. (٥) أ، ب: وإرادة. (٦) أ، ب: موجودا. (٧) أ: السبب، وهو تحريف. (٨) ع: خاصة، والله أعلم. (٩) ع: فهذه متناولة. (١٠) ع: ما لم. (١١) ع: فهذه إنما تتعلق. ************************************************** وقع من المعاصي فهو مراد بالمعنى الأول، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما وقع فقد شاء كونه، والزجر عنها مراد بالمعنى الثاني فإنه يحب النهي عن المنكر ويرضاه ويثيب فاعله، بخلاف المنكر نفسه فإنه لا يحبه ولا يرضاه ولا يثيب فاعله، ثم الزجر إنما يكون عما لم يقع، والعقوبة تكون على ما [١] وقع، فإذا وقعت سرقة بالقضاء والقدر وقد أمر الله سبحانه بإقامة الحد [٢] فيها فإقامة الحد مأمور به يحبه ويرضاه ويريده إرادة أمر لا إرادة خلق، فإن أعان عليه كان قد أراده خلقا، وكان حينئذ إقامة الحد مرادة شرعا وقدرا، خلقا وأمرا، قد شاءها وأحبها [٣] . وإن لم يقع كان ما وقع من المعصية قد شاءه خلقا ولم يرده ولم يحبه شرعا. ويذكر أن رجلا سرق فقال لعمر: سرقت بقضاء الله وقدره، فقال له: وأنا [٤] أقطع يدك بقضاء الله وقدره. وهكذا يقال لمن تعدى حدود الله وأعان العباد على عقوبته الشرعية كما يعين المسلمين على جهاد الكفار: إن الجميع [٥] واقع بقضاء الله وقدره لكن ما أمر به يحبه ويرضاه ويريده شرعا ودينا كما شاءه خلقا وكونا بخلاف ما نهى عنه. ==================================== (١) ع: عما. (٢) أ: الحدود. (٣) أ: مرادة شرعا وقدرا خلقا، ومرادا قد شاءها وأحبها، ب: مرادة شرعا، وقد أرادها خلقا وأمرا، وقد شاءها وأحبها. (٤) ع: فقال أنا. (٥) ب فقط: الكفار مع أن الجميع. *************************************** [فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه] فصل قال الرافضي [١] : ومنها أنه يلزم مخالفة [٢] المعقول والمنقول، أما المعقول [٣] فلما تقدم من العلم الضروري باستناد أفعالنا الاختيارية [٤] إلينا، ووقوعها بحسب إرادتنا، فإذا أردنا الحركة [٥] يمنة لم تقع يسرة وبالعكس، والشك في ذلك عين [٦] السفسطة. فيقال: الجواب من وجوه. أحدها: أن جمهور أهل السنة قائلون بهذا، وأن أفعال الإنسان الاختيارية مستندة إليه، وأنه فاعل لها ومحدث لها. وإنما ينازع [٧] في هذا من يقول إنها ليست فعلا للعبد، ولا لقدرته تأثير فيها، ولا أحدثها العبد. وهؤلاء طائفة من متكلمي أهل الإثبات. والجمهور من أهل السنة [٨] لا يقولون بذلك، كما جاءت به النصوص فإن [٩] الله ورسوله وصف العبد بأنه يعمل ويفعل. ============================== (١) الرافضي: زيادة في (ع) ، والكلام التالي في (ك) ، ص [٠ - ٩] ٠ (م) . (٢) ك: أنه يلزم منه مخالفة. (٣) أ: فالمعقول. (٤) أ، ب: الضرورية الاختيارية، وهو خطأ. (٥) أ: فإذا أراد بالحركة، وهو تحريف. (٦) أ: غير، وهو تحريف. (٧) أ، ب: تنازع. (٨) لا: ساقطة من (أ) ، (ب) . (٩) أ، ب: بأن. ************************************** الوجه الثاني أن يقال: بل النفاة خالفوا العلم الضروري [١] فإن كون العبد مريدا فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا [٢] أمر حادث بعد أن لم يكن، فإما أن يكون له محدث [٣] وإما أن لا يكون له محدث، فإن لم يكن له محدث لزم حدوث الحوادث بلا محدث، وإن كان له محدث فإما أن يكون هو العبد أو الرب تعالى أو غيرهما. فإن كان هو [٤] العبد فالقول في إحداثه لتلك الفاعلية كالقول في إحداث أحداثها، ويلزم التسلسل، وهو هنا باطل بالاتفاق، لأن العبد كائن بعد أن لم يكن فيمتنع أن تقوم به حوادث لا أول لها. وإن كان غير الله فالقول فيه كالقول في العبد فتعين أن يكون الله هو الخالق لكون العبد مريدا فاعلا وهو المطلوب. وأهل السنة يقولون بهذا العلم الضروري فيقولون [٥] : إن العبد فاعل والله خلقه فاعلا [٦] والعبد مريد مختار والله جعله مريدا مختارا. قال الله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا - وما تشاءون إلا أن يشاء الله} [سورة الإنسان ٢٩، ٣٠] وقال تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم - وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير ٢٨، ٢٩] . =================================== (١) ع: العلوم الضرورية. (٢) فاعلا: ساقطة من (ع) . (٣) له محدث: زيادة في (أ) ، (ب) . (٤) هو: زيادة في (ع) . (٥) ع: بهذا العلم الضروري وبذلك العلم الضروري فيقولون. (٦) أ: والله خالقه فاعل، ب: والله خالق فعله. ********************************** فأثبت مشيئة العبد، وجعلها لا تحصل إلا بمشيئة الله تعالى، وقال الخليل صلى الله عليه وسلم: [١] {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [سورة إبراهيم: ٤٠] . وقال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [سورة إبراهيم: ٣٧] . وقال هو وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم [٢] : {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [سورة البقرة ١٢٨] . وقال: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [سورة الأنبياء: ٧٣] . وقال: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة القصص ٤١] ، وأمثال ذلك في الكتاب والسنة. فدليلهم [٣] اقتضى مشيئة العبد وأنه فاعل بالاختيار [٤] وهذا الدليل اقتضى أن هذه المشيئة والاختيار حصلت بمشيئة الرب فكلا [٥] الأمرين حق. فمن قال: إن العبد لا مشيئة له ولا اختيار، أو قال: إنه لا قدرة [له] [٦] أو أنه لم يفعل ذلك الفعل أو لا [٧] أثر لقدرته فيه ولم يحدث تصرفاته [٨] فقد أنكر موجب الضرورة الأولى. ================================ (١) صلى الله عليه وسلم: ليست في (ع) . (٢) صلى الله عليهما وسلم: ليست في (ع) . (٣) عند كلمة "فدليلهم" ينتهي السقط الطويل في نسختي (ن) ، (م) الذي أشرت إليه من قبل، ص [٠ - ٩] ٢٩ (٤) ع: فعل بالاختيار. (٥) أ، ب: وكلا. (٦) له: ساقطة من (ن) ، (م) . (٧) ن، م، ع: ولا. (٨) ب فقط: ولم تحدث تصرفا به. ********************************************** ومن قال: إن إرادته وفعله حدثت بغير سبب اقتضى حدوث ذلك وأن العبد أحدث ذلك وحاله عند إحداثه كما كان قبل إحداثه، بل خص أحد الزمانين بالإحداث من غير [١] سبب اقتضى تخصيصه، وأنه صار مريدا فاعلا محدثا بعد أن لم يكن كذلك [٢] ، من غير شيء جعله كذلك، فقد قال بحدوث الحوادث بلا فاعل. وإذا قالوا: الإرادة لا تعلل كان [هذا] [٣] كلاما لا حقيقة له، فإن الإرادة أمر حادث فلا بد له من محدث، وهذا كما قالوا: إن البارئ يحدث إرادة لا في محل بلا سبب اقتضى حدوثها ولا إرادة فارتكبوا [٤] ثلاث محالات: حدوث حادث [٥] بلا إرادة من الله، وحدوث حادث بلا سبب حادث، وقيام الصفة بنفسها لا في محل. وإن شئت قلت: كونه مريدا أمر ممكن، والممكن [٦] لا يترجح [وجوده على عدمه ولا يترجح] [٧] أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام. وهذا مما يحتج به الرازي عليهم وهو صحيح في نفسه لكنه تناقض في مسألة حدوث العالم [٨] . ========================== (١) م: من دون. (٢) كذلك، ساقطة من (أ) ، (ب) ، (م) . (٣) هذا: ساقطة من (ن) ، (م) . (٤) ن، م: فأثبتوا. (٥) أ، ب: حوادث. (٦) والممكن: ساقطة من (أ) ، (ب) . (٧) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (٨) أ: في نفسه يناقض في مسألة حدوث العالم، ب: يناقض مسألة حدوث العالم، ع: في نفسه لكنه تناقض في نفس حدوث العالم. ******************************************** والحجة التي ذكرها هذا الإمامي مذكورة عن أبي الحسين البصري [١] وهي صحيحة كما أن الأخرى صحيحة فيجب القول [٢] بهما جميعا، [مع أن جمهور [٣] القدرية يقولون: العلم بكون العبد محدثا لأفعاله نظري لا ضروري، وهؤلاء يخالفون أبا الحسين. وأبو الحسين يقول مع ذلك: إن الفعل يتوقف على الداعي والقدرة وعندهما يجب الفعل، وهو حقيقة قول أهل الإثبات، ولهذا يعبر غير واحد منهم بنحو ذلك كأبي المعالي والرازي وغيرهما. لكن إذا قيل مع ذلك: إن الله خالق أفعال العباد أمكن الجمع بينهما عند من يقول إن الله خلق الأشياء بالأسباب. ومن لم يقل ذلك يقول: خلق الفعل عند هذه الأمور لا بها، وهو قول من لم يجعل للقدرة أثرا في مقدورها كالأشعري وغيره] [٤] . فإن قيل: كيف يكون الله محدثا لها والعبد محدثا لها. قيل: إحداث الله لها بمعنى أن خلقها [منفصلة عنه قائمة بالعبد] [٥] فجعل العبد فاعلا لها بقدرته ومشيئته [٦] التي خلقها الله [تعالى] ، ================================= (١) ن: مأخوذة عن الحسن البصري، م: مأخوذة من أبي الحسين. (٢) ن، م: فصح القول. (٣) عند عبارة مع أن جمهور القدرية، يوجد سقط في نسختي (ن) ، (م) . (٤) هنا ينتهي السقط في نسختي (ن) ، (م) . (٥) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (٦) ن، م: بمشيئته وقدرته. ********************************************* وإحداث العبد لها [١] بمعنى أنه حدث منه هذا الفعل [القائم به] [٢] بالقدرة والمشيئة التي خلقها الله فيه. وكل من الإحداثين مستلزم للآخر وجهة الإضافة مختلفة [فما أحدثه الرب فهو مباين له قائم بالمخلوق وفعل العبد الذي أحدثه قائم به] [٣] فلا يكون العبد فاعلا للفعل بمشيئته وقدرته حتى يجعله الله كذلك فيحدث [٤] قدرته ومشيئته والفعل الذي كان بذلك وإذا جعله الله فاعلا وجب [٥] وجود ذلك. فخلق الرب لفعل العبد يستلزم وجود الفعل، وكون العبد فاعلا له بعد أن لم يكن يستلزم كون الرب خالقا له، بل جميع الحوادث بأسبابها هي من هذا الباب [٦] . [فإن قيل: هذا قول من يقول هي فعل للرب وفعل للعبد. قيل: من قال هي فعل لهما بمعنى الشركة فقد أخطأ، ومن قال: إن فعل الرب هو ما انفصل عنه، وقال: إنها فعل لهما كما قاله أبو إسحاق الإسفراييني، فلا بد أن يفسر كلامه بشيء يعقل. وأما على قول جمهور أهل السنة الذين يقولون: إنها مفعولة للرب =================================== (١) ن، م: التي خلقها الله بغير إحداث العبد لها. (٢) القائم به: ساقطة من (ن) ، (م) . (٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (٤) ع: فتحدث. (٥) أ، ب: وإذا جعله الفاعل. (٦) بعد عبارة من هذا الباب يوجد سقط طويل في نسختي (ن) ، (م) سأشير إلى نهايته في موضعها إن شاء الله.
__________________
|
#202
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (202) صـ 241 إلى صـ 248 لا فعل له إذا فعله ما قام به والفعل عندهم غير المفعول، فيقولون إنها مفعولة للرب لا فعل له (1) وإنها فعل للعبد. كما يقولون في قدرة العبد: إنها قدرة للعبد مقدورة للرب لا إنها نفس قدرة الرب. وكذلك إرادة العبد هي إرادة للعبد مرادة للرب. وكذلك سائر صفات العبد هي صفات له وهي (2) مفعولة للرب مخلوقة له ليست بصفات له. ومما يبين ذلك أن الله تعالى قد أضاف كثيرا من الحوادث إليه وأضافه إلى بعض مخلوقاته، إما أن يضيف عينه أو نظيره. كقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [سورة الزمر 42]] . وقال تعالى: {هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} [سورة الأنعام 60] . مع قوله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} [سورة السجدة 11] . وقوله: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [سورة الأنعام 61] . وكذلك قوله تعالى في الريح: {تدمر كل شيء بأمر ربها} [سورة الأحقاف: 25] . _________ (1) عبارة " لا فعل له "، ساقطة من (ع) . (2) ع: هي صفات العبد وهي ================================= وقال: {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [سورة الأعراف 137] . وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [سورة الإسراء 9] . وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة 16] . وقال: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [سورة يوسف 3] . وقال: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} [سورة النمل 76] . وقال: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب} [سورة النساء 127] . أي: ما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم فيهن. وقال: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} [سورة الحج: 5] ، فأضاف الإنبات (1) إليها. وقال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} [سورة الحجر 19] . وقال تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون - ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} [سورة النحل 10، 11] . وقال تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا} [سورة يونس 24] . _________ (1) أ: النبات، وهو تحريف ============================== وقال تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} [سورة الكهف 7] . وقال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [سورة الصافات 6] . وقال تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} [سورة الحديد: 4] . وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء} [سورة النحل: 2] . وقال: {نزل به الروح الأمين} [سورة الشعراء: 193] . وقال: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} [سورة الإسراء: 105] . وقال: {وأنزلنا من السماء ماء} [سورة المؤمنون: 18] . وقال تعالى: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} [سورة فصلت: 21] ، وقال سليمان عليه الصلاة والسلام: {ياأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} [سورة النمل: 16] . وقال تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} [سورة الذاريات: 23] ، فهم نطقوا وهو أنطقهم، وهو الذي أنطق كل شيء. فإذا كان [تبارك وتعالى] (1) قد جعل في الجمادات قوى تفعل، وقد أضاف الفعل إليها ولم يمنع ذلك أن يكون خالقا لأفعالها، فلأن لا _________ (1) تبارك وتعالى ليست في (ع) =========================== يمنع إضافة الفعل إلى الحيوان وإن كان الله خالقه - بطريق الأولى. فإن القدرية لا تنازع في أن الله خالق ما في الجمادات من القوى والحركات وقد أخبر الله (1) أن الأرض تنبت، وأن السحاب يحمل الماء كما قال تعالى: {فالحاملات وقرا} [سورة الذاريات: 2] . والريح تنقل السحاب كما قال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت} [سورة الأعراف: 57] ، وأخبر أن الريح تدمر كل شيء، وأخبر أن الماء طغى بقوله تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} [سورة الحاقة: 11] . بل قد أخبر بما هو أبلغ من ذلك من سجود هذه الأشياء وتسبيحها كما في قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} [سورة الحج: 18] . وهذا التفصيل يمنع حمل ذلك على أن المراد كونها مخلوقة دالة على الخالق وأن المراد شهادتها بلسان الحال فإن هذا عام لجميع الناس. وقد قال تعالى: {ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد} [سورة سبأ: 10] . وقال: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق - والطير محشورة كل له أواب} [سورة ص: 18، 19] . _________ (1) ع: والله قد أخبر ============================ فأخبر أن الجبال تئوب معه والطير، وأخبر أنه سخرها تسبح. وقال: {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه} [سورة النور: 41] . وقال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [سورة الإسراء: 44] . وقال: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} [سورة الرعد: 15] . وقال: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [سورة البقرة: 74] . وبسط الكلام على سجود هذه الأشياء وتسبيحها مذكور في غير هذا الموضع (1) . والمقصود هنا أن هذا كله مخلوق لله بالاتفاق مع جعل ذلك فعلا لهذه الأعيان في القرآن، فعلم أن ذلك لا ينافي كون الرب تعالى خالقا لكل شيء. فإن قيل: قولكم إذا جعلنا الله فاعلا وجب وجود ذلك الفعل (2) وخلق الفعل يستلزم وجوده، ونحو ذلك من الأقوال يقتضي الجبر، وهو قول باطل. _________ (1) وهو في " رسالة في قنوت الأشياء كلها لله تعالى " وهي التي حققتها ونشرتها في المجموعة الأولى من " جامع الرسائل " ص [0 - 9]- 45 ط المدني القاهرة، 1389 1969. (2) الفعل: زيادة في (ب) فقط ========================= قيل: لفظ الجبر لم يرد في كتاب ولا سنة لا بنفي ولا إثبات، واللفظ إنما يكون له حرمة إذا ثبت عن المعصوم، وهي ألفاظ النصوص، فتلك علينا أن نتبع معانيها، وأما الألفاظ المحدثة مثل لفظ الجبر فهو مثل لفظ الجهة والحيز ونحو ذلك. ولهذا كان المنصوص عن أئمة الإسلام مثل الأوزاعي والثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم أن هذا اللفظ لا يثبت ولا ينفى مطلقا، فلا يقال مطلقا: جبر، ولا يقال: لم يجبر، فإنه لفظ مجمل. ومن علماء السلف (1) من أطلق نفيه، كالزبيدي صاحب الزهري، وهذا نظر إلى المعنى المشهور من معناه في اللغة، فإن المشهور إطلاق لفظ الجبر والإجبار على ما يفعل بدون إرادة المجبور بل مع كراهته كما يجبر الأب ابنته على النكاح. وهذا المعنى منتف في حق الله تعالى فإنه سبحانه لا يخلق فعل العبد الاختياري بدون اختياره، بل هو الذي جعله مريدا مختارا، وهذا لا يقدر عليه أحد إلا الله. ولهذا قال من قال من السلف: الله أعظم وأجل (2) من أن يجبر، إنما يجبر غيره من لا (3) يقدر على جعله مختارا، والله تعالى يجعل العبد مختارا فلا يحتاج إلى إجباره. _________ (1) ع: السنة. (2) وأجل: ساقطة من (ع) . (3) لا: ساقطة من (أ) ========================= ولهذا قال الأوزاعي والزبيدي وغيرهما: نقول جبل ولا نقول جبر، لأن الجبل جاءت به السنة كما في الحديث الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: إن فيك خلقين يحبهما الله الحلم والأناة. فقال: أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال: بل خلقين جبلت عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله» (1) . فقد يراد بلفظ الجبر (2) نفس فعل ما يشاؤه، وإن خلق اختيار العبد؛ كما قال محمد بن كعب القرظي: الجبار هو الذي جبر العباد على ما أراده (3) . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الدعاء المأثور عنه: اللهم داحي المدحوات، وسامك المسموكات، جبار (4) القلوب على فطرتها (5) شقيها وسعيدها. فإذا أريد بالجبر هذا فهذا حق (6) وإن أريد به الأول فهو باطل، ولكن الإطلاق يفهم منه الأول، فلا يجوز إطلاقه، فإذا قال السائل: أنا أريد بالجبر المعنى الثاني، وهو أن نفس جعل الله للعبد (7) فاعلا قادرا _________ (1) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الجزء، ص [0 - 9] 6 (2) ع: فقد يراد بالجبر. (3) أ، ب: على ما أراد. (4) ع: جابر. (5) ع: فطراتها. (6) أ، ب: فالجبر حق. (7) أ، ب: العبد =========================== يستلزم الجبر، ونفس كون الداعي والقدرة يستلزم وجود الفعل " جبر ". قيل: هذا المعنى حق، ولا دليل لك على إبطاله، وحذاق المعتزلة كأبي الحسين البصري وأمثاله يسلمون هذا فيسلمون أن مع وجود الداعي والقدرة يجب وجود الفعل. وصاحب هذا الكتاب قد سلك هذه الطريقة فلا يمكنه مع هذا إنكار الجبر بهذا التفسير، ولهذا (1) نسب أبو الحسين إلى التناقض في هذه المسألة، فإنه وأمثاله من حذاق المعتزلة إذا سلموا أنه مع الداعي والقدرة، يجب وجود الفعل، وسلموا أن الله خلق الداعي والقدرة لزم أن يكون (2) الله خالق أفعال العباد. فحذاق المعتزلة سلموا المقدمتين ومنعوا النتيجة، والطوسي الذي قد عظمه هذا الإمامي ذكر في تلخيص المحصل لما ذكر احتجاج الرازي: بأن الفعل يجب عند وجود المرجح التام ويمتنع عند عدمه، فبطل (3) قول المعتزلة بالكلية (4) يعني الذين يقولون إنه يفعل على وجه _________ (1) أ، ب: وبهذا. (2) يكون ساقطة من (أ) ، (ب) . (3) ب فقط: فقد بطل. (4) يقول الرازي في " المحصل " ص 141: وزعم الجمهور من المعتزلة أن العبد موجد لأفعاله لا على نعت الإيجاب بل على صفة الاختيار. لنا وجوه: الأول: أن العبد حال الفعل إما أن يمكنه الترك أو لا يمكنه، فإن لم يمكنه الترك فقد بطل قول المعتزلة، وإن أمكنه، فإما أن لا يفتقر ترجيح الفعل على الترك إلى مرجح، وهو باطل، لأنه تجويز لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح، أو يفتقر ذلك المرجح، إن كان من فعله عاد التقسيم، وإلا يتسلسل، بل ينتهي لا محالة إلى مرجح لا يكون من فعله، ثم عند حصول ذلك المرجح إن أمكن أن لا يتحصل ذلك الفعل فلنفرض ذلك، وحينئذ يحصل الفعل تارة، ولا يحصل أخرى، مع أن نسبة ذلك المرجح إلى الوقتين على السواء، فاختصاص أحد الوقتين بالحصول، ووقت الآخر بعدم الحصول، يكون ترجيحا لأحد طرفي الممكن المتساوي على الآخر من غير مرجح، وهو محال، وإن امتنع أن لا يحصل فقد بطل قول المعتزلة بالكلية، لأنه متى حصل المرجح وجب الفعل، ومتى لم يحصل امتنع، فلم يكن العبد مستقلا بالاختيار، فهذا كلام قاطع ======================
__________________
|
#203
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (203) صـ 249 إلى صـ 256 الجواز وهو المشهور من مذهبهم، فاعترض (1) عليه الطوسي وقال: إنه قد ذكر (2) فيما مر أن المختار متمكن (3) من ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر، (4) بلا مرجح وهنا حكم بأن ذلك (5) محال، (6) ثم على تقدير الاحتياج إلى المؤثر (7) وامتناع عدم حصول الأثر (8) ، قال: فقد بطل قول المعتزلة بالكلية. قال (9) : وذلك غير وارد، لأنه قد ذكر أن أبا الحسين من المعتزلة _________ (1) أ: المعترض، ب: اعترض. (2) أ، ب: فقال إنه ذكر. (3) أ، ب: ممكن (4) على الآخر: ساقطة من (أ) ، (ب) . (5) أ، ب: ذاك. (6) لم أجد هذا الكلام في " تلخيص المحصل " للطوسي مع طول بحثي عنه، ولكن الطوسي يقرر أن الرازي متناقض في هذه المسألة وذلك في موضع آخر ص [0 - 9] 22 عند تعليقه على كلام الرازي على أنه تعالى مريد، إذ يقول: وقوله: المخصص ليس القدرة، مناقض لما ذهب إليه فيما مر، وهو أن المختار يمكنه الترجيح من غير مرجح. (7) أ، ب: المرجح. (8) ع: المؤثر. (9) لم أجد هذا الكلام للطوسي في " تلخيص المحصل "، ولعله في كتاب آخر له، وانظر: كتاب (فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية) ، للأستاذ محمد صالح الزركان رحمه الله ص [0 - 9] 29 - 536 ط. دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ ================================ وقال في موضع آخر: إنه رجل المعتزلة (1) وقال هنا (2) : إنه قد ذهب إلى أن القدرة والإرادة يوجبان وجود المقدور فكيف بطل قولهم بالكلية. وبيانه أنهم يقولون: إن معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالنسبة إلى القدرة وحدها ووجوب وقوع أحدهما بحسب الإرادة، فمتى حصل المرجح التام (3) وهو الإرادة وجب الفعل ومتى لم يحصل امتنع ذلك، وذلك غير مناف لاستواء الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها، فإذا اللزوم الذي ذكره غير قاطع في إبطال قولهم. قلت: القول الذي قطع بطلانه الرازي هو القول (4) المشهور عنهم، وهو أن الفعل لا يتوقف على الداعي بل القادر يرجح أحد مقدوريه (5) على الآخر بلا مرجح فيحدث الداعي له الفعل كالإرادة بمجرد كونه قادرا مع استواء القدرة بالنسبة إلى وجود ذلك وعدمه. والداعي قد يفسر بالعلم أو الاعتقاد أو الظن (6) وقد يفسر بالإرادة وقد يفسر بالمجموع وقد يفسر بما اشتمل عليه المراد مما يقتضي إرادته. والرازي يقول: إن أبا الحسين متناقض فإن الرازي ذكر في الأقوال _________ (1) ع: إنه رجل من المعتزلة. (2) ع: وهنا قال. (3) ع: فمتى حصل حصل المرجح التام. (4) القول ساقطة من (أ) ، (ب) . (5) أ: أحد مقدوراته. (6) ع: والاعتقاد والظن ========================= قول الذين يقولون: إن الفعل موقوف على الداعي، فإذا حصلت القدرة وانضم إليها الداعي صار مجموعهما علة لوجوب الفعل. قال (1) : وهذا قول جمهور الفلاسفة واختيار أبي الحسين البصري من المعتزلة، وهو وإن كان يدعي الغلو في الاعتزال، حتى ادعى أن العلم بأن العبد موجد لأفعاله ضروري، إلا أنه كان من مذهبه أن الفعل موقوف على الداعي، فإذا كان عند الاستواء يمتنع وقوعه، فحال المرجوحية أولى بالامتناع، وإذا امتنع المرجوح وجب الراجح لأنه لا خروج عن النقيضين وهذا عين القول بالجبر، لأن الفعل (2) واجب الوقوع عند حصول المرجح، وممتنع الوقوع عند عدم المرجح، فثبت أن أبا الحسين كان عظيم الغلو في القول بالجبر، وإن كان يدعي في ظاهر الأمر أنه عظيم الغلو في الاعتزال. قلت: هذا القول هو (3) قول جماهير أهل السنة وأئمتهم (4) ويقرب منه قول أبي المعالي الجويني والقاضي أبي خازم (5) ابن القاضي أبي يعلى، وقول الكرامية، وهو حقيقة القول بأن الله خالق فعل العبد وهو ظاهر على (6) قول جمهور أهل السنة المثبتين للأسباب الذين يقولون: لقدرة العبد تأثير في الفعل. _________ (1) لم أتمكن من العثور على النص التالي من كلام الرازي فيما هو مطبوع من كتبه. (2) أ، ب: لأن المراد. (3) هو: ساقطة من (أ) ، (ب) . (4) ع: وأئمتها. (5) في النسخ الثلاث: أبي حازم، وهو حازم. (6) على: ساقطة من (أ) ، (ب) ======================= وأما من قال: لا تأثير لها كالأشعري، فإذا فسر الوجوب بالوجوب العادي لم يمتنع ذلك، وإن فسر (1) بالعقلي امتنع. وأما لفظ الجبر فالنزاع فيه لفظي كما تقدم، وليس هو في اللغة ظاهرا في هذا المعنى، ولهذا أنكر السلف إطلاقه، فإذا قالت القدرية: هذا ينافي كونه مختارا لأنه لا معنى للمختار إلا كونه قادرا على الفعل والترك، وأنه إذا شاء فعل هذا وإذا شاء فعل هذا. قيل لهم: هذا مسلم ولكن يقال: هو قادر على الفعل والترك على سبيل البدل أو على سبيل الجمع، والثاني باطل فإنه في حال كونه فاعلا لا يقدر أن يكون تاركا مع كونه فاعلا، وكذلك حال كونه تاركا لا يقدر على كونه فاعلا مع كونه تاركا، فإن الفعل والترك ضدان، واجتماعهما ممتنع، والقدرة لا تكون على ممتنع. فعلم أن قولنا قادر على الفعل والترك، أي يقدر أن يفعل في حال عدم الترك، ويقدر أن يترك في حال عدم الفعل، وكذلك قول القائل: القادر (2) إن شاء فعل وإن شاء ترك، هو على سبيل البدل، لا يقدر أن يشاء الفعل والترك معا، بل حال مشيئته للفعل لا يكون مريدا للترك (3 وحال مشيئته للترك لا يكون مريدا للفعل (3) 3) . وإذا كان كذلك فالقادر الذي (4) إن شاء فعل وإن شاء ترك؛ حال كونه _________ (1) ب فقط: فسره. (2) القادر: ساقطة من (أ) ، (ب) . (3) (3 - 3) ساقط من (أ) ، (ب) . (4) الذي: ساقطة من (ع) ===================== شاء الفعل (1) مع القدرة التامة يجب وجود الفعل، وحال وجود الفعل يمتنع أن يكون مريدا للترك مع الفعل، وأن يكون قادرا على وجود الترك مع الفعل، بل قدرته على الفعل (2) بمعنى أنه يكون بعد الفعل تاركا له، فيكون قادرا على الترك في الزمن الثاني من وجود الفعل، لا حال وجود الفعل. وإذا قال القائل: (3) هذا يقتضي أن يكون الفعل واجبا لا ممكنا، فإن أراد به أنه يصير (4) واجبا بغيره بعد كونه ممكنا في نفسه، فهذا حق كما أنه يصير موجودا بعد أن كان معدوما، وفي حال وجوده يمتنع أن يكون معدوما. وكل ما خلقه الله تعالى فهو بهذه المثابة فإنه ما شاء كان (5) ، فوجب وجوده بمشيئة الله وقدرته، وما لم يشأ لم يكن فيمتنع وجوده لعدم مشيئة الله له، مع أن ما شاءه مخلوق محدث مفعول له، وكان قبل أن يخلقه يمكن (6) أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، فأما بعد أن صار موجودا بمشيئة الله وقدرته فلا يمكن أن يكون معدوما مع كونه موجودا، (* وإنما يمكن أن يعدم بعد وجوده، وليس في الأشياء ما يمكن وجوده وعدمه معا في حال واحدة، بل يمكن وجوده بدلا عن عدمه وعدمه بدل عن وجوده _________ (1) ع: شاء للفعل. (2) ب فقط على الترك. (3) ب فقط: قائل. (4) أ: فإن أراد به يصير، ب: فإن أراد أنه يصير. (5) ع: فإن ما شاء كان. (6) أفقط: قبل أن يخلقه لم يكن يمكن ======================== فإذا وجد كان وجوده ما دام موجودا واجبا بغيره، وإذا سمي ممكنا بمعنى أنه مخلوق ومفعول وحادث فهو صحيح، لا بمعنى أنه حال وجوده يمكن عدمه مع وجوده *) (1) فإنه إذا أريد (2) أنه حال وجوده يمكن عدمه مع وجوده فهذا باطل فإنه جمع بين النقيضين. وإن أراد (3) أنه يمكن عدمه بعد هذا الوجود فهو صحيح، ولكن هذا لا يناقض وجوب وجوده بغيره ما دام موجودا وهذا موجود (4) بالقادر لا بنفسه وهو ممكن (5) في هذه الحال بمعنى أنه محدث مخلوق مفتقر إلى الله تعالى لا بمعنى كونه (6) يمكن أن يكون معدوما حال وجوده. ومن فهم هذا انحلت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس في مسائل القدر، بل وفي إثبات كون الرب قادرا مختارا ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. والقدر يتعلق بقدرة الله تعالى ولهذا قال الإمام أحمد: (7) القدر قدرة الله تعالى يشير إلى أن من أنكر القدر فقد أنكر قدرة الله تعالى (8) وأنه يتضمن إثبات قدرة الله تعالى على كل شيء. ولهذا جعل الأشعري وغيره أخص وصف الرب تبارك وتعالى قدرته على الاختراع. _________ (1) الكلام بين النجمتين في (ع) فقط. (2) ع: فإذا أريد. (3) ب فقط: وإن أريد. (4) أ، ب: وهذا وجود. (5) ب: فهو. (6) ع: لا بمعنى أنه. (7) ع: أحمد رضي الله عنه. (8) تبارك وتعالى: زيادة في (أ) ، (ب) ===================== وأيضا فقول القائل: القادر (1) هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك بمعنى أنه قبل الفعل والترك إن شاء وجود الفعل في الزمن الثاني وإن شاء الترك فيه، وهذا التخيير بينهما إنما يكون عند عدمهما جميعا، فأما حال الفعل فيمتنع الترك، وحال الترك فيمتنع الفعل، وحينئذ فالفعل واجب حال وجوده لا في الحال التي يكون (2) مخيرا فيها بين الفعل والترك، فحال التخيير لم يكن واجبا وحال وجوبه لم يكن مخيرا. نعم قد يكون حال الفعل شائيا للترك بعد الفعل، وهذا ترك ثان ليس (3) هو ترك ذلك الفعل في حال وجوده، فالقادر قط لا يكون مخيرا بين الشيئين في حال وجود أحدهما (4 إلا بمعنى التخيير في الزمن الثاني وإلا ففي حال وجود أحدهما لا (4) 4) يكون (5) مخيرا بين وجوده وعدمه مع وجوده، وحالما يكون الفاعل فاعلا يمتنع أن يكون تاركا فيمتنع أن يكون هذا الترك مقدورا له، لأن الممتنع لا يكون مقدورا، والقدرة على الضدين قدرة على كل واحد منهما على سبيل البدل ليست قدرة على جمعهما، (6) وهذا كما يقال: إنه قادر على تسويد الثوب وتبييضه ويسافر إلى الشرق والغرب ويذهب يمينا وشمالا وقادر على أن يتزوج هذه الأخت وهذه الأخت (7) . _________ (1) أ: القدر، وهو تحريف. (2) ع: التي كان. (3) أ: وهذا ترك بأن ليس، ب: وهذا الترك ليس. (4) (4 - 4) ساقط من (أ) ، (ب) . (5) ب فقط: فلا يكون. (6) ع: على جميعها. (7) ع: وهذه الأخت والله أعلم، وعند هذا الموضع ينتهي السقط الطويل في نسختي (ن) ، (م) وهو الذي بدأ في ص [0 - 9] 40 ======================== [فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه] فصل. قال الرافضي (1) : وأما المنقول فالقرآن (2) مملوء من استناد (3) أفعال البشر إليهم (4) كقوله تعالى: (5) . {وإبراهيم الذي وفى} [سورة النجم 37] (6) [ {فويل للذين كفروا} [سورة مريم 37] {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام 164] (7) {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [سورة النحل 32] {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} [سورة غافر 17] {اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [سورة الجاثية 28] {لتجزى كل نفس بما تسعى} [سورة طه 15] {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} [سورة النمل 90]] (8) {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} [سورة الأنعام 160] {ليوفيهم أجورهم} [سورة فاطر: 30] (9) {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} _________ (1) أ، ب: قال الإمامي والكلام التالي في (ك) ، ص [0 - 9] 0 (م) ، 91 (م) . (2) ك: فإن القرآن. (3) ب فقط: إسناد. (4) ع: الفعل إلى البشر. (5) تعالى: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) . (6) أ، ب، ع: الذي وفى. . الآية. (7) ما بين المعقوفتين في (ب) ، (ك) وسقط من النسخ الأخرى. (8) ما بين المعقوفتين زيادة في (ك) فقط. (9) آية سورة فاطر في (ك) ، (ب) فقط ============================
__________________
|
#204
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (204) صـ 257 إلى صـ 264 {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات} [سورة النساء: 160] (1) {كل امرئ بما كسب رهين} [سورة الطور: 21] {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} [سورة فصلت: 46] {ذلك بما قدمت يداك} [سورة الحج: 10] {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [سورة الشورى: 30] إلخ (2) . فيقال: الجواب (3 من وجوه أحدها 3) (3) أن يقال (4) : كل هذا حق، وجمهور أهل السنة قائلون [بذلك وهم قائلون] (5) إن العبد فاعل لفعله حقيقة لا مجازا، وإنما نازع في ذلك طائفة من متكلمة (6) أهل الإثبات كالأشعري ومن اتبعه. (7 الثاني: أن يقال 7) : (7) : والقرآن مملوء بما يدل (8) على أن أفعال العباد حادثة بمشيئة الله [وقدرته] (9) وخلقه، فيجب الإيمان بكل ما في القرآن، ولا يجوز أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض. _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) اختصر ابن تيمية كلام ابن المطهر وترك أكثر من ستة أسطر من كلامه انظر (ك) ، ص 91 (م) . (3) (3 - 3) ساقط من (ب) فقط. (4) ن: أن يقول. وسقطت العبارة من (م) . (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) ن، م، ع: من متكلمي. (7) (7 - 7) ساقط من (ب) فقط. (8) ن، ع: مما يدل، أ: مما دل، ب: بما دل. (9) وقدرته: ساقطة من (ن) ، (م) ======================== قال الله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} [سورة البقرة: 253] . وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] . وقال تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [سورة الأنعام: 112] . وقال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا - إلا أن يشاء الله} [سورة الكهف: 23، 24] وأجمع علماء المسلمين (1) على أن الرجل لو قال: لأصلين الظهر غدا إن شاء الله، أو: لأقضين الدين الذي علي، وصاحبه مطالبه، أو: لأردن هذه الوديعة (2) ، ونحو ذلك، ثم لم يفعله - أنه لا يحنث في يمينه، ولو كانت المشيئة بمعنى الأمر لحنث (3) . وقال عن إبراهيم: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا} [سورة البقرة: 128] . وقال تعالى: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا} [سورة البقرة: 26] . وقال تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [سورة الأنفال: 24] . _________ (1) ن، م، ع: وأجمع المسلمون. (2) هذه: ساقطة من (أ) ، (ب) . (3) أ، ب: يحنث ============================= وقال تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} [سورة يس: 8، 9] (* (1) . وقال تعالى: {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} [سورة الأنبياء: 73] . وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [سورة الأنبياء: 73] . وقال عن بني إسرائيل: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [سورة السجدة: 24] . وقال عن آل فرعون {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون} [سورة القصص: 41] . وقال عن الخليل - صلى الله عليه وسلم -: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} [سورة إبراهيم: 40] . وقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} . وقال تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون - وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [سورة يس: 41، 42] والفلك من مصنوعات بني آدم. وهذا مثل قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 96] _________ (1) بعد آيتي سورة يس يوجد سقط في نسختي (ن) ، (م) سأشير إلى موضعه عند نهايته إن شاء الله ========================== فإن طائفة من المثبتة (1) للقدر قالوا: إن " ما " هاهنا مصدرية، وإن المراد: خلقكم وخلق أعمالكم، وهذا ضعيف جدا. والصواب أن " ما " هاهنا بمعنى الذي، وأن المراد: والله خلقكم (2) والأصنام التي تعملونها. كما في حديث حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (3) : " «إن الله خلق كل صانع وصنعته» ". (4) وأنه (5) قال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 95، 96] فذمهم وأنكر عليهم عبادة ما ينحتونه (6) من الأصنام، ثم ذكر أن الله خلق العابد والمعبود والمنحوت. وهو سبحانه الذي يستحق أن يعبد، ولو أريد: والله خلقكم _________ (1) ع: من المثبتين. (2) أ، ب: وأن المراد: خلقكم. (3) قال: زيادة في (ع) . (4) الحديث عن حذيفة رضي الله عنه، وذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير (2 - 116) ونقل عن السيوطي قوله: خ البخاري في خلق أفعال العباد ك الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن حذيفة، ولفظ الحديث: إن الله تعالى صانع كل صانع وصنعته. وعلق الألباني بأن لفظ الحاكم وابن منده وغيرهما: " خالق "، وصحح الألباني الحديث، وأشار إلى كلامه عنه في الأحاديث الصحيحة (1637) : ابن منده. المحاملي. عد. والحديث في كتاب خلق أفعال العباد للبخاري ص 137 ضمن كتاب عقائد السلف، وذكره ابن كثير في تفسيره ط الشعب 7 - 22، والسيوطي في الدر المنثور 5 - 279، والحديث في الأسماء والصفات للبيهقي ص 26 ط مطبعة السعادة، سنة 1358 هـ، المستدرك للحاكم 1 - 31، 32 وقال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (5) أ، ب: فإنه. (6) أ، ب: ما يتخذونه ========================== وأعمالكم كلها، لم يكن هذا مناسبا، فإنه قد ذمهم على العبادة، وهي من أعمالهم، فلم يكن في ذكر كونه خالقا لأعمالهم ما يناسب الذم بل هو إلى العذر أقرب. ولكن هذه الآية تدل على أنه خالق لأعمال (1) العباد من وجه آخر، وهو أنه إذا خلق المعمول الذي عملوه وهو الصنم المنحوت فقد خلق التأليف القائم به، وذلك مسبب من (2) عمل ابن آدم وخالق المسبب (3) خالق السبب بطريق الأولى. وصار هذا كقوله: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [سورة يس: 42] . ومعلوم أن السفن إنما ينجر (4) خشبها ويركبها بنو آدم، فالفلك معمولة لهم (5) كما هي (6) الأصنام معمولة لهم وكذلك سائر ما يصنعونه من الثياب (7) والأطعمة والأبنية، فإذا كان الله قد أخبر أنه خلق الفلك المشحون وجعل ذلك من آياته ومما أنعم الله به على عباده - علم أنه خالق أفعالهم. وعلى قول القدرية لم يخلق إلا الخشب الذي يصلح أن يكون سفنا وغير سفن، ومعلوم أن مجرد خلق المادة لا يوجب خلق الصورة التي حصلت بأفعال بني آدم إن لم يكن خالقا (8) للصورة. _________ (1) ع: أعمال. (2) ع: عن. (3) ع: خالق لسببه. (4) ع: ينحت. (5) ع: له. (6) ب فقط: كما أن. (7) ع، أ: النبات. (8) ع: خلقا ============================== ومثل هذا قوله تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم} [سورة النحل: 80] إلى قوله: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} [سورة النحل: 81] (1) . ومعلوم أن خلق البيوت المبنية والسرابيل المصنوعة هو كخلق السفن المنجورة (2) ، وقد أخبر الله (3) أن الفلك صنعة بني آدم مع إخباره أنه خلقها كما قال تعالى عن نوح عليه السلام: {ويصنع الفلك} . وأيضا ففي القرآن من ذكر (4) وأنه هو تبارك وتعالى يحدث من ذلك ما يطول وصفه كقوله تعالى: {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} [سورة الأعراف: 30] ، وقوله تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} [سورة البقرة: 213] ، وقوله: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة الحجرات: 7] ومعلوم أنه لم يرد بذلك الهداية المشتركة بين المؤمن والكافر، مثل إرسال الرسل والتمكين (5) من الفعل وإزاحة العلل، بل أراد ما يختص به المؤمن. _________ (1) في (ع) الآيات كلها متصلة. (2) ع: المنحوتة. (3) الله: ليست في (أ) ، (ب) . (4) ذكر: زيادة في (ع) . تفصيل أفعال العباد التي بقلوبهم وجوارحهم (5) أ: والمتمكن، ب: والتمكن =========================== كما دل عليه القرآن في مثل (1) قوله تعالى: {واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 87] وقوله: {وآتيناهما الكتاب المستبين - وهديناهما الصراط المستقيم} [سورة الصافات: 117، 118] . ومنه قولنا (2) في الصلاة: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6، 7] فإن الهداية المشتركة حاصلة لا تحتاج أن تسأل (3) ، وإنما تسأل الهداية التي خص بها المهتدين، ومن تأول ذلك بمعنى زيادة الهدى والتثبيت وقال (4) : كان ذلك جزاء - كان متناقضا. فإنه يقال: هذا المطلوب إن لم يكن حاصلا (5) باختيار العبد لم يثب عليه، فإنه إنما يثاب على ما فعله باختياره (6 وإن كان باختياره 6) (6) فقد ثبت أن الله يحدث الفعل الذي يختاره العبد، وهذا مذهب أهل السنة. وكذلك ما أخبر الله في القرآن من إضلال وهدى ونحو ذلك، فإنهم قد يتأولون ذلك بأنه جزاء على ما تقدم، وعامة تأويلاتهم مما يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه مع أن هذا الجزاء مما يثاب الفاعل عليه وإن جوزوا أن الله يثيب العبد على ما ينعم به على العبد (7) _________ (1) ع: القرآن ومثله. (2) ع: قوله. (3) أ: حاصلة أن تسأل، ب: حاصلة دون أن تسأل. (4) ع: أو التثبيت أو قال. (5) أ، ب: خالصا. (6) (6 - 6) ساقط من (أ) ، (ب) . (7) أ، ب: على ما ينعم الله به على العبد ========================== من فعله الاختياري جاز أن ينعم عليه ابتداء باختياره الطاعة، وإن لم يجز عندهم الثواب والعقاب على ما يجعل العبد فاعلا له بطل أن يريد (1) هدى أو ضلالة يثاب عليها أو يعاقب عليها، وامتنع أن يكون ما أخبر أنه فعله من جعل الأغلال في أعناقهم وجعله من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ونحو ذلك هو مما يعاقبون عليه. (2) وقد قال تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} [سورة النحل: 37] فأخبر أنه من أضله (3) الله لا يهتدي. وفي الجملة ففي القرآن من الآيات المبينة أن الله خالق أفعال العباد، وأنه هو الذي يقلب قلوب العباد (4) فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه هو المنعم بالهدى على من أنعم عليه، ما يتعذر استقصاؤه في هذه المواضع (5) . وكذلك فيه ما يبين عموم (6) خلقه لكل شيء كقوله: {الله خالق كل شيء} [سورة الرعد: 16] وغير ذلك، وفيه ما يبين أنه فعال لما يريد، وفيه ما يبين أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، وأمثال ذلك مما يطول وصفه. وإذا قيل: هذه متأولة عند (7) القدرية لأنها من المتشابه عندهم. _________ (1) ع: أن يزيد. (2) أ، ب: ونحو ذلك مما يعاقبون عليه، ع: ونحو ذلك هو مما يعاقبون على ذلك، ولعل الصواب ما أثبته. (3) ع: أنه من يضله، ب: أن من أضله. (4) أ، ب: يقلب القلوب والأبصار. (5) ع: في هذا الموضع. (6) ع: ما يبين أن عموم. (7) أ: عن ==============================
__________________
|
#205
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (205) صـ 265 إلى صـ 272 كان الجواب من وجهين؛ أحدهما: أن هذا مقابل بتأويلات الجبرية لما احتجوا به، وبقولهم هذا متشابه وهو (1) لم يذكر إلا مجرد النصوص، فذكرنا النصوص من الطرفين. الثاني: أن نبين فساد تأويلاتهم واحدا واحدا كما بسط في موضع آخر، وفي تأويلاتهم من تحريف الكلم عن مواضعه ومخالفة اللغة وتناقض المعاني ومخالفة إجماع سلف الأمة وأئمتها - ما يبين بعضه بطلان تحريفاتهم، ويبين أنه ليس في القرآن محكم يناقض هذا حتى يقال: إن هذا متشابه وذلك محكم، بل القرآن يصدق بعضه بعضا. ومن فتح هذا الباب من أهل البدع لم يكن له ثبات، فإن خصمه يفعل كما يفعل، فلا يبقى في يده (2) حجة سليمة عن المعارضة بمثلها، كيف وعامة تأويلاتهم مما يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه] (*) (3) . [فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " القادر يمتنع أن يرجح مقدوره " والرد عليه] فصل. قال الرافضي (4) : قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجح مقدوره (5) من غير مرجح، ومع الترجيح (6) يجب الفعل فلا قدرة _________ (1) أ، ب: وهذا. (2) ع: فلا يبقى بيده. (3) هنا ينتهي السقط الطويل في نسختي (ن) ، (م) وهو الذي بدأ في ص [0 - 9] 59. (4) أ، ب، ن، م: الإمامي. (5) أ، ب، ع: القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه، والمثبت من (ن) ، (م) ، (ك) . (6) ك: ومع المرجح ========================== ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله (1) ؛ ولقوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 96] . قال: (2) والجواب عن الأول المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى (3) قادر، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح، وكان المرجح موجبا للأثر لزم أن يكون الله (4) موجبا لا مختارا، فيلزم (5) الكفر. والجواب عن الثاني (6) : أي شركة هنا والله هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثل (7) هذا أن السلطان إذا ولى شخصا بعض البلاد (8) فنهب وظلم وقهر (9) فإن السلطان متمكن (10) من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه (11) ، وليس (12) يكون شريكا للسلطان. والجواب عن الثالث (13) أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 95، 96] . _________ (1) ن، م: شريكا، ك: شريكا لله تعالى. (2) بعد الكلام السابق مباشرة في (ك) ، ص 91 (م) ، 92 (م) . (3) تعالى: ليست في (ك) . (4) ك: الله تعالى. (5) ن، م: فلزم. (6) ك: وعن الثاني. (7) ك: ص 92 م: ومثال. (8) ع: ومثل هذا إذا ولى السلطان شخصا ببعض البلاد. (9) ك: وقهر وظلم. (10) ك: يتمكن. (11) ن، م، ع: ما أخذ. (12) ك: فليس. (13) ك: وعن الثالث =================== فيقال: لم يذكر (1) إلا شيئا يسيرا، ولم يذكر تقرير أدلتهم على وجهها، ومع هذا فالأدلة الثلاثة التي ذكرها لهم (2) ليس عنها جواب صحيح. أما الأول فإن المستدل بذلك الدليل لا يقول [إنه] (3) إذا وجب الفعل فلا قدرة، فإن أهل الإثبات يقولون: إن العبد له قدرة. وهذا مذهب عامة (4) أهل السنة حتى غلاة المثبتين (5) للقدر كالأشعرية، فإنهم متفقون على أن العبد له قدرة. وهذا الدليل المذكور قد احتج به أبو عبد الله الرازي وغيره، وهو يصرح بأنه يقول بالجبر، ومع هذا فإنه يقول: إن (6) للعبد قدرة، وإن كانوا متنازعين هل هي مؤثرة في مقدورها (7) ، أو في بعض صفاته، أو لا تأثير لها. [قال أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة (8) : إن الفعل لا يكفي فيه مجرد القدرة، بل يتوقف على الداعي، فيقولون: إن القادر المختار لا _________ (1) أ: من لم يذكر، ب: هو لم يذكر. من أدلة أهل الإثبات (2) أ، ب: عنهم. (3) إنه: ساقطة من (ن) ، (م) . (4) عامة: ساقطة من (ع) . (5) ن، م: المثبتة. (6) ن: فإن، م: بأن. (7) بعد عبارة " مؤثرة في مقدورها " يوجد في نسختي (ن) ، (م) كلام طويل مكرر سبق إيراده في 2 - 46 وينتهي هذا الكلام المكرر بالعبارة التالية وهي " أو في بعض صفاته أو تأثير " ثم يوجد بعدها سقط في النسختين سأشير إلى نهايته بإذن الله. (8) ع: بل أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة يقولون ========================= يرجح بمجرد القدرة، بل بداع يقرن مع القدرة، كما يقول ذلك أكثر المثبتين للقدر، فإنهم يقولون: إن الرب تعالى لا يرجح بمجرد القدرة، بل بإرادة مع القدرة. وكذلك يقول كثير منهم في حق العبد: لا يرجح بمجرد القدرة، (1 بل بداع مع القدرة. 1) (1) وقد قال هذا كثير من أصحاب الأئمة الأربعة، وقاله من أصحاب أحمد القاضي أبو خازم (2) بن القاضي أبي يعلى] (3) . وقد تقدم أن القول الوسط في ذلك أن لها تأثيرا من جنس تأثير (4) الأسباب في مسبباتها ليس لها تأثير الخلق والإبداع ولا وجودها كعدمها. وتوجيه هذا الدليل (5) أن القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه (6) إلا بمرجح [وذلك أنه (7) إذا كان الفعل والترك نسبتهما إلى القادر سواء كان ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح، وهذا ممتنع في بدائه (8) العقول. وهذا مبسوط في موضع آخر، وتبين فيه (9) خطأ من زعم أن القادر _________ (1) (1 - 1) ساقط من (أ) ، (ب) . (2) في النسخ الثلاث: أبو حازم، وهو خطأ. (3) هنا ينتهي السقط في نسختي (ن) ، (م) . (4) أ، ب: تأثير مثل تأثير. (5) أ: ويوجبه هذا الدليل، ب: ويوجب هذا الدليل. (6) ن، م: أن يرجح مقدوره. (7) ع: لأنه. (8) أ، ع: بداية. (9) ع: وبين فيه ============================ يرجح أحد المقدورين المتماثلين بلا مرجح] (1) وذلك المرجح لا يكون من العبد؛ لأن القول فيه كالقول في فعل العبد، فإن كان المرجح له قدرة العبد، فالقادر لا يرجح إلا بمرجح، فلا بد أن يكون المرجح [من الله، وعند وجود المرجح] (2) يجب وجود الفعل (3) وإلا لم يكن مرجحا تاما، فإنه إذا كان بعد وجود المرجح يجوز (4) وجود الفعل وعدمه كما كان قبل المرجح كان ممكنا، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، فلا بد من مرجح تام يجب عنده وجود الفعل. وإذا كان العبد لا يحصل فعله إلا بمرجح من الله تعالى، وعند وجود ذلك المرجح يجب وجود (5) الفعل - كان فعله كسائر الحوادث التي تحدث بأسباب يخلقها الله تعالى يجب وجود الحادث عندها. وهذا معنى كون الرب [تبارك وتعالى] خالقا (6) لفعل العبد، ومعنى ذلك أن الله تعالى يخلق في العبد القدرة التامة والإرادة الجازمة، وعند وجودهما (7) يجب وجود الفعل؛ لأن (8) هذا سبب تام للفعل، فإذا وجد السبب التام وجب وجود المسبب. _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (3) ن (فقط) يجد وجود العقل، وهو تحريف. (4) ن، م، ع: يمكن. (5) وجود: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (م) . (6) ن، م: كون الله تعالى، ع: كون الرب خالقا. (7) أ: القدرة التامة والقدرة الجازمة عند وجودها، أ: القدرة التامة والقدرة التامة عند وجودها. (8) أ: يجب لأن، ب: يجب الفعل لأن ======================== والله هو الخالق للمسبب (1) أيضا، كما أنه إذا خلق النار في الثوب فإنه لا بد (2) من وجود الحريق عقيب (3) ذلك، والكل مخلوق لله تعالى. وأما معارضة ذلك (4) بفعل الله تعالى فالجواب عن ذلك (5) من وجوه: أحدها: أن هذا برهان عقلي يقيني، واليقينيات لا يمكن أن يكون لها معارض يبطلها، وقدر أن المحتج بهذا من يقول بالموجب بالذات، (6) فهذا لا ينقطع بما ذكرته، لا سيما وعندهم هذه المسألة من العقليات التي تعلم بدون السمع، فلا بد فيها من جواب عقلي. الثاني: أن يقال: قدرة الرب * (7) [لا يفعل بها إلا مع وجود مشيئته، فإن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وليس كل ما كان قادرا عليه فعله. قال تعالى: {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [سورة القيامة: 4] . وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [سورة الأنعام: 65] . وقد ثبت في الصحيحين «عن جابر - رضي الله عنه - أنه لما نزلت هذه الآية {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال _________ (1) ن، م: خالق المسبب. (2) ن، م: فلا بد. (3) أ، ب: عقب، ن، م: عند. (4) أ، ب: وأما معارضته. (5) ن، م: عن هذا. (6) أ، ب: من يقول بالذات. (7) بعد عبارة قدرة الرب يوجد سقط في نسختي (ن) ، (م) ============================ النبي صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بوجهك "، {أو من تحت أرجلكم} قال: " أعوذ بوجهك "، {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: " هاتان أهون» " (1) . وقال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [سورة يونس: 99] ، وقد قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] ، وقال: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] ومثل هذا متعدد في القرآن. وإذا كان لو شاءه لفعله، دل على أنه قادر عليه؛ فإنه لا يمكن فعل غير المقدور، وإذا كان كذلك علم أن الفعل لو وجد بمجرد كونه قادرا لوقع كل مقدور، بل لا بد مع القدرة من الإرادة. وحينئذ قول القائل: فقدرة الرب] (*) (2) تفتقر إلى مرجح، لكن المرجح هو إرادة الله تعالى، وإرادة الله لا يجوز أن تكون من غيره، بخلاف إرادة العبد، وإذا كان المرجح إرادة الله، كان فاعلا باختياره لا موجبا بذاته بدون اختياره، وحينئذ فلا يلزم الكفر. الثالث أن يقال: ما تعني بقولك يلزم أن يكون الله موجبا بذاته؟ أتعني به (3) أن يكون موجبا للأثر بلا قدرة ولا إرادة (4) ، أو تعني _________ (1) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الكتاب 2 - 290 (2) هنا ينتهي السقط في (ن) ، (م) . (3) ن، م: بذلك. (4) أ، ب: بلا قدرة وإرادة =========================== به أن يكون الأثر واجبا عند وجود (1) المرجح الذي هو الإرادة مثلا مع القدرة. فإذا (2) عنيت الأول لم يسلم التلازم، (3) فإن الفرض (4) أنه قادر، وأنه مرجح [بمرجح] (5) فهنا شيئان: قدرة وأمر آخر، وقد فسرنا ذلك بالإرادة، فكيف يقال: إنه مرجح بلا قدرة ولا إرادة. وإن أردت أنه يجب وجود الأثر إذا حصلت الإرادة مع القدرة فهذا حق، وهذا مذهب المسلمين، وإن سمى مسم هذا موجبا بالذات كان نزاعا لفظيا، والمسلمون يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله وجوده وجب وجوده بمشيئته وقدرته، وما لم يشأ وجوده امتنع وجوده لعدم مشيئته وقدرته، (6) فالأول واجب بالمشيئة، والثاني ممتنع لعدم المشيئة، وأما ما يقوله القدرية من أن الله يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء (7) فهذا الذي أنكره أهل السنة والجماعة عليهم. والرابع أن يقال له: (8) إنه هو سبحانه قادر، فإذا أراد حدوث مقدور (9) ، فإما أن يجب وجوده، وإما أن لا يجب، فإن وجب حصل _________ (1) ن، م: أن يكون موجبا للأثر بلا قدرة الأثر واجبا عند وجود. . .، وهو تحريف. (2) ن، م، ع: فإن. (3) ع: لا نسلم التلازم، أ، ب: لم نسلم التزامه. (4) ن، م، أ: الغرض. (5) بمرجح: ساقطة من (ن) . (6) وقدرته: ساقطة من (ب) فقط. (7) ن، م: ما لم يكن ويكون ما لم يشأ. (8) له: ساقطة من (أ) ، (ب) . (9) ع: وجود مقدور، أ: بحدوث مقدور ======================
__________________
|
#206
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (206) صـ 273 إلى صـ 280 المطلوب وتبين وجوب (1) الأثر عند المرجح، سواء (2) سميت هذا موجبا بالذات أو لم تسمه (3) ، وإن لم يجب وجوده كان وجوده ممكنا قابلا للوجود والعدم، (4 فوجوده دون عدمه ممكن 4) (4) فلا بد له من مرجح، وهكذا هلم (5) جرا، كل ما قدر قابلا للوجود ولم يجب (6) وجوده كان وجوده (* ممكنا محتملا للوجود والعدم، فلا يوجد حتى يحصل المرجح التام الموجب بالذات (7) لوجوده، فتبين أن كل ما وجد فقد وجب وجوده *) (8) بمشيئة الله وقدرته، وهو المطلوب. وهذا قول طائفة من المعتزلة (9) . كأبي الحسين البصري وغيره، وطائفة من القدرية في هذا الباب يقولون: عند وجود المرجح صار الفعل أولى به، ولا تنتهي الأولوية (10) إلى حد الوجوب [كما يقول ذلك محمود الخوارزمي الزمخشري ونحوه] (11) _________ (1) م: وجود. (2) أ، ن، م، ع: وسواء. (3) أ، ب: ولم تسم. (4) (4 - 4) ساقطة من (ب) ، وفي أ: دون عدمه ممكن. (5) أ، ب، ع: وهلم. (6) ن، م: لم يجب. (7) بالذات: زيادة في (ع) . (8) ما بين النجمتين ساقط من (م) . (9) ن، م: القدرية (10) أ، ب: الألوهية وهو تحريف. (11) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، وفي (أ) : الخوارزمي والزمخشري ونحوه. وهو أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، من أئمة متأخري المعتزلة، ومن علماء اللغة والتفسير، وهو صاحب الكشاف في التفسير، ولد سنة 476 وتوفي سنة 538. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 4 - 254، 260، لسان الميزان 6/4 شذرات الذهب 4 - 118، 121، العبر 4 - 106، الأعلام 8 - 55 ========================== وهو (1) باطل، فإنه إذا لم ينته إلى حد الوجوب كان ممكنا فيحتاج إلى مرجح، فما ثم إلا واجب أو ممكن، والممكن يقبل الوجود والعدم. وطائفة ثالثة من القدرية [والجهمية ومن اتبعهم من أصحاب أبي الحسين (2) وغيرهم من المتكلمين، وطوائف من أصحاب الأئمة الأربعة والشيعة وغيرهم] (3) يقولون: القادر يرجح بلا مرجح، فيجعلون الإرادة حادثة بلا مرجح لحدوثها، ويجعلون إرادة الله حادثة لا في محل، ويجعلون الفعل معها ممكنا لا واجبا، وهذا من أصولهم التي اضطربوا فيها في مسألة فعل الله، وحدوث العالم، وفي مسألة فعل (4) العبد والقدر. الوجه الخامس: أن يقال: لفظ الموجب (5) بالذات لفظ فيه إجمال، فإن عني به ما يعنيه الفلاسفة (6) من أنه علة تامة مستلزمة (7) للعالم فهذا باطل ; لأن العلة التامة تستلزم معلولها، ولو كان العالم معلولا لازما لعلة أزلية لم يكن فيه حوادث، فإن الحوادث لا تحدث (8) عن علة تامة أزلية، وهذا خلاف المحسوس. _________ (1) ن، م: وهذا. (2) ع: أبي الحسن. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (4) أ، ب: وفي حدوث فعل. (5) ن، م: فالجواب أن يقال: لفظ الواجب. (6) أ، ب: ما يعني به الفلاسفة. (7) أ، ب: مستلزم. (8) ن، م: لا تخلو ============================= وسواء قيل: إن تلك العلة التامة ذات مجردة عن الصفات، كما يقوله نفاة الصفات من المتفلسفة كابن سينا وأمثاله، أو قيل: إنه ذات (1) موصوفة بالصفات لكنها مستلزمة لمعلولها - فإنه باطل أيضا (2) . وإن (3) فسر الموجب بالذات بأنه يوجب (4) بمشيئته وقدرته كل واحد [واحد] (5) من المخلوقات في الوقت الذي أحدثه فيه (6) ، فهذا دين المسلمين وغيرهم من أهل الملل ومذهب أهل السنة. فإذا قالوا: إنه بمشيئته وقدرته يوجب (7) أفعال العباد وغيرها (8) من الحوادث [فهو] (9) موافق لهذا المعنى لا للمعنى الذي قالته الدهرية. الوجه السادس أن يقال: (10) ما ذكرته أنت من الحجة العقلية وهو استناد أفعالنا الاختيارية إلينا، ووقوعها بحسب اختيارنا - معارض بما ليس من أفعالنا مثل الألوان، فإن الإنسان يحصل اللون الذي يريد حصوله في الثوب بحسب اختياره، وهو مستند إلى طبيعته وصنعته، (11) ومع هذا فليس اللون مفعولا له. _________ (1) ع: إن ذاته. (2) في كل النسخ: لكنه باطل أيضا، ورجحت أن يكون الصواب ما أثبته لتستقيم العبارة. (3) أ، ب: فإن. (4) أ، ب، ن، م: موجب. (5) واحد: زيادة في (ع) . (6) فيه: زيادة في (ن) ، (م) . (7) ن، م: موجب. (8) أ، ب: أو غيرها. (9) فهو: زيادة في (ب) فقط. (10) ن، م: الدهرية فالجواب أن يقال. (11) ع: إلى طبيعته وصبغته، ن: إلى صنيعته، م: إلى صنعته =========================== وأيضا فما ينبت من الزرع والشجر قد يحصل بحسب (1) اختياره، وهو مستند إلى ازدراعه (2) ، وليس الإنبات من فعله، فليس كل ما استند إلى العبد ووقع بحسب اختياره كان مفعولا له، وهذه المعارضة (3) أصح من تلك، فإنها معارضة عقلية بنفس ألفاظ الدليل، (4 وتلك ليست معارضة عقلية (4) ولا هي بنفس ألفاظ الدليل 4) (5) . [الوجه (6) السابع: أن يقال: هذا الإمامي وأمثاله متناقضون، فإنه قد ذكر في غير هذا الموضع أنه مع الداعي والقدرة (7 يجب الفعل، وهنا قال: إنه مع الداعي والقدرة 7) (7) لا يجب الفعل، فعلم أن القوم يتكلمون بحسب ما يرونه (8) ناصرا لقولهم، لا يعتمدون على حق يعلمونه، ولا يعرفون حقا (9) يقصدون نصره. [فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه] فصل] (10) . وأما قوله: أي شركة هنا؟ (11) . فيقال: إذا كانت الحوادث حادثة (12) بغير فعل الله ولا قدرته (13) فهذه _________ (1) ع: بسبب. (2) ن: إلى ذراعه، م: اذرادعه، وكلاهما تحريف. (3) أ، ب: المعارضات. (4) ن: فعلية. (5) (4 - 4) ساقط من (م) . (6) الوجه: ساقطة من (ع) . (7) (7 - 7) ساقط من (أ) ، (ب) . (8) أ، ب: بما يرونه. (9) أ: خفاء، وهو تحريف. (10) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (11) ن: أي شركة هاهنا، م: أي شرك هاهنا. وفي (ب) : أي شركة هنا إلى آخره. (12) ن، م: حدثت. (13) أ، ب: وقدرته ============================= مشاركة لله (1) صريحة [ولهذا شبه هؤلاء بالمجوس الذين يجعلون فاعل الشر غير فاعل الخير، فيجعلون لله شريكا آخر] (2) وما ذكره من التمثيل بالسلطان يقرر المشاركة، فإن [نواب] (3) السلطان شركاء له [في ملكه] (4) ، وهو محتاج إليهم، ليس هو خالقهم ولا ربهم، [بل ولا خالق قدرتهم] (5) بل هم معاونون له على تدبير الملك بأمور خارجة عن قدرته، ولولا ذلك لكان عاجزا عن الملك. فمن جعل أفعال العباد مع الله بمنزلة أفعال نواب السلطان معه فهذا (6) صريح الشرك الذي لم يكن يرتضيه عباد الأصنام؛ لأنه (7) شرك في الربوبية لا في الألوهية، فإن عباد الأصنام كانوا يعترفون بأنها (8) مملوكة لله، فيقولون: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا (9) هو لك تملكه وما ملك. وهؤلاء يجعلون ما يملكه (10) العبد من أفعاله ملكا لله (11) _________ (1) لله: ليست في (ع) . (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (3) نواب: ساقطة من (ن) ، (م) . (4) في ملكه: زيادة في (ع) . (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) أ، ب: مع الله بمنزلة نواب السلطان معه، ن: مع الله بمنزل أو قال: نواب السلطان معه، م: مع الله بمنزلة أفعاله بواسطة السلطان معه. (7) ن، م: لكنه. (8) أ، ب: يعرفون أنها، م: يعتقدون أنها. (9) ن، م: لك لبيك إلا شريكا. (10) أ، ب: ما ملكه، ع: ما يملك. (11) أ: ملكا له، ب: ملكا لله تعالى، فعلا لله، م: فعلا منه ========================== ولهذا قال ابن عباس [رضي الله عنهما] : (1) الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن (2) وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله وكذب بالقدر نقص تكذيبه توحيده (3) . وقول القدرية يتضمن (4) الإشراك والتعطيل، فإنه يتضمن إخراج بعض الحوادث عن أن يكون لها فاعل، ويتضمن إثبات فاعل مستقل غير الله. وهاتان شعبتان من شعب (5) الكفر، فإن أصل كل كفر التعطيل أو الشرك (6) ، وبيان ذلك أنهم يقولون: إن الإنسان صار مريدا فاعلا بإرادته بعد أن لم يكن كذلك بدون محدث أحدث ذلك، فإنه لم يكن مريدا للفعل ولا فاعلا له، (7 ثم صار مريدا للفعل فاعلا له 7) (7) . وهذا الأمر (8) حادث بعد أن لم يكن، وهو عندهم حادث بلا إحداث أحد، وهذا أصل التعطيل، فمن جوز أن يحدث حادث بلا إحداث أحد، وأن يترجح وجود الممكن على عدمه بلا مرجح، وأن يتخصص أحد المتماثلين بلا مخصص - كان هذا تعطيلا لجنس الحوادث والممكنات _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، وفي (ع) : رضي الله عنه. (2) ن، م: ومن. (3) أ، ب: نقض توحيده تكذيبه، ع: نقص توحيده تكذيبه، م: بعض تكذيبه توحيده. (4) ن، م، ع: متضمن. (5) ن، م: شعبة. (6) ن، أ، ب: التعطيل والشرك. (7) (7 - 7) ساقط من (أ) ، (ب) . (8) ن، م، ع: أمر ======================== أن يكون (1) لها فاعل، والله فاعلها بلا شك، فهو (2) تعطيل له (3) أن يكون خالقا لمخلوقاته. وأما الشرك فلأنهم يقولون: العبد مستقل بإحداث هذا الفعل من غير أن يكون الله جعله محدثا له، كأعوان الملوك الذين يفعلون أفعالا بدون أن يكون الملوك جعلتهم فاعلين لها، وهذا إثبات شركاء مع الله يخلقون كبعض (4) مخلوقاته. وهذان المحذوران - التعطيل والإشراك في الربوبية - لازمان (5) لكل من أثبت فاعلا مستقلا غير الله، كالفلاسفة الذين يقولون: إن الفلك يتحرك (6) حركة اختيارية، بسببها تحدث الحوادث من غير أن يكون قد حدث من جهة الله ما يوجب حركته، ولا كان فوقه متجدد (7) يقتضي حركته، وذلك لأن حركة الفلك حينئذ باختياره تكون كحركة الإنسان باختياره. فيقال: مصير الفلك متحركا باختياره وقدرته (8) أمر ممكن لا واجب بنفسه، فلا بد [له] (9) من مرجح تام، وما من وقت إلا وهو يتحرك فيه _________ (1) ع: وأن يكون. (2) ن، م: وهو. (3) أ: به، ب: لله. (4) أ، ع: لبعض ب: بعض. (5) م: لازما، ن، ع، أ، ب: لازم. (6) ن: متحركة. (7) أ: محدود، ب: محدد، ن، م: متحدد. (8) ن: بقدرته واختياره. (9) له: ساقطة من (ن) ، (م) ======================== باختياره وقدرته، فلا بد لكونه متحركا من أمر أوجب ذلك، وإلا لزم حدوث الحوادث (1) بلا محدث. فإن قيل: الموجب بذاته هو المرجح أو الفاعل (2) : سواء كان بواسطة أو بلا واسطة، وهي (3) ما صدر عنه من العقل أو العقول (4) . قيل: هذا باطل؛ لأن الموجب بذاته على حال (5) واحدة عندهم من الأزل إلى الأبد، فيمتنع أن يصدر عنه حادث بعد أن لم يكن ذلك الحادث صادرا عنه، وكل جزء من أجزاء الحركة حادث بعد أن لم يكن، (6) فيمتنع أن يكون [ذلك الحادث] ثابتا (7) في الأزل، فامتنع أن يكون فاعله علة تامة في الأزل، (8 فعلم امتناع صدور هذه الحوادث عن علة تامة في الأزل 8) (8) . وأيضا فمرجح الحوادث إن كان مرجحا تاما (9) في الأزل لزمه المفعول، ولم يحدث عنه بعد ذلك شيء، وإن لم يكن مرجحا تاما (10) في الأزل، فقد صار مرجحا بعد أن لم يكن، ويمتنع أن يكون غيره جعله مرجحا، فيكون المرجح له ما يقوم به من إرادته ونحو ذلك، وتلك (11) الأمور لم تكن _________ (1) أ، ب: حوادث. (2) ن، م: والفاعل. (3) ن، م: وهو. (4) ن: الفعل أو القول ; م: الفعل أو العقل، أ، ب: الفعل أو المفعول. (5) ن، م: حالة. (6) أ، ب: صارت بعد أن لم تكن. (7) ن، م: ممتنع أن يكون ثابتا، ع: فيمتنع أن يكون ثابتا. (8) (8 - 8) ساقط من (أ) ، (ب) ، وهي في (ن) ، (م) إلا أن فيهما " عن علة ثابتة ". (9) أ، ب: ثابتا. (10) أ، ب: ثابتا. (11) أ، ب: فتلك ===========================
__________________
|
#207
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (207) صـ 281 إلى صـ 288 مرجحا تاما في الأزل، وإلا لبطلت (1) الحوادث، فامتنع أن يكون صدر عن المرجح في الأزل شيء [مقارن له] (2) فامتنع قدم الفلك. وأيضا صار مرجحا لما يرجحه بعد أن لم يكن كذلك فوجب إضافة الحوادث إليه؛ لوجوب إضافة الحوادث (3) إلى المرجح التام، فثبت أن فوق الأفلاك مؤثرا يتجدد تأثيره وهو المطلوب. وهؤلاء إذا لم يثبتوا ذلك كانوا معطلين لحركة الفلك والحوادث (4) أن يكون لها فاعل، وهذا التعطيل أعظم من تعطيل أفعال العباد [أن يكون لها محدث] (5) . وأيضا فقد جعلوا الفلك [يفعل] (6) بطريق الاستقلال، كما جعلت القدرية الحيوان يفعل بطريق الاستقلال من غير أن يخلق الله له عند كل حركة قدرة (7) مقارنة للحركة؛ لأن الفلك عندهم تحدث عنه الثانية بعد الأولى، فشرط الثانية انقضاء الأولى، كالذي يقطع (8) مسافة شيئا بعد شيء، ولكن ذاك الذي يقطع المسافة إنما قطع الثانية بقدرة وإرادة قامت به وحركات قطع بها الثانية، فالفاعل تجدد له من الإرادة والقوة ما قطع به المسافة الثانية، فكان يجب أن يتجدد للفلك في كل وقت من _________ (1) أ: فبطلت، ب: بطلت. (2) مقارن له: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) ن، م، ع: الحادث. (4) ب فقط: وللحوادث. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) يفعل: ساقطة من (ن) . (7) أ، ب: عند ذلك حركة وقدرة. (8) ن، م: قطع =========================== الإرادة والقدرة ما يتحرك به، (1) لكن المجدد له [ذلك] (2) لا بد أن يكون غيره؛ لأنه ممكن لا واجب، فالحوادث (3) فيه لا يجوز أن تكون منه؛ لأنه إن أحدث (4) الثاني بعد الأول لزم أن يكون المؤثر التام موجودا عند الثاني، وإن كان حصل له كمال التأثير [في] (5) الثاني بعد انقضاء الأول فلا بد لذلك الكمال من فاعل، وهؤلاء يجوزون أن يكون فاعله ما تقدم (6) فوجب أن يكون له في كل حال من الأحوال فاعل يحدث ما به يتحرك، وهذا بخلاف الواجب بنفسه، فإن ما يقوم به من الأفعال لا يجوز أن يصدر عن غيره. [شرك الفلاسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم] وشرك هؤلاء المتفلسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم، فإن هؤلاء يجعلون (7) الفلك هو المحدث للحوادث التي في الأرض كلها، فلم يجعلوا لله شيئا أحدثه، (8) بخلاف القدرية فإنهم أخرجوا عن إحداثه أفعال الحيوان وما تولد عنها. فقد لزمهم التعطيل من إثبات حوادث بلا محدث وتعطيل الرب عن (9) إحداث شيء من الحوادث، وإثبات شريك فعل جميع الحوادث. _________ (1) أ، ب: والقوة ما يتحول به. (2) ذلك: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) أ، ب: والحوادث. (4) إذا حدث، ب: ذا حدث، ن، م: لما أحدث. (5) في: ساقطة من (ن) ، (م) . (6) ن، م، ع: وهؤلاء يجوز أن يكون فاعله لما تقدم. (7) ن، م: جعلوا. (8) أحدثه: ساقطة من (أ) ، (ب) ، وفي (ع) : فلم يجعلوا الله أحدثه. (9) ن، م: على ============================= ومن العجب أنهم ينكرون على القدرية [وغيرهم] (1) قولهم: إن الرب ما زال عاطلا عن الفعل حتى أحدث العالم، وهم يقولون: ما زال ولا يزال معطلا عن الإحداث، بل عن الفعل، فإن ما لزم ذاته كالعقل (2) والفلك ليس هو في الحقيقة فعلا له؛ إذ الفعل لا يفعل (3) إلا شيئا بعد شيء، فأما ما لزم الذات (4) فهو من باب الصفات بمنزلة لون (5) الإنسان وطوله، فإنه يمتنع أن يكون فعلا له، بخلاف حركاته (6) فإنها فعل له، وإن قدر أنه لم يزل متحركا كما يقال في نفس الإنسان (7) : إنها لم تزل تتحول (8) من حال إلى حال، وإن القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا (9) - فكون (10) الفاعل الذي هو في نفسه يقوم به فعله (11) يحدث شيئا بعد شيء معقول، (12) بخلاف ما لزمه لازم يقارنه في الأزل، فهذا لا يعقل أن يكون مفعولا له. فتبين أنهم في الحقيقة لا يثبتون للرب فعلا أصلا، فهم معطلة حقا _________ (1) وغيرهم: ساقطة من (ن) . (2) أ، ن: كالفعل، وهو تحريف. (3) ن، م: لا يعقل، وهو تحريف. (4) ن، م: الإرادات، وهو تحريف. (5) ن، م: كون، وهو تحريف. (6) ع: تحركاته. (7) ن، م: في نفسه. (8) أ، ب، ن، م: تتحرك. (9) ن، م: عليا. (10) ب فقط: يكون. (11) ب فقط: فعل. (12) أ: مفعول، ب: مفعولا ========================== وأرسطو وأتباعه إنما أثبتوا (1) العلة الأولى من جهة كونها (2) علة غائية، (3) كحركة الفلك، فإن حركة الفلك عندهم بالاختيار كحركة الإنسان، والحركة الاختيارية لا بد لها من مراد، فيكون هو مطلوبها. [ومعنى ذلك عندهم أن الفلك يتحرك للتشبه (4) بالعلة الأولى كحركة المؤتم بإمامه والمقتدي (5) بقدوته، وهذا معنى تشبيهه بحركة المعشوق للعاشق، ليس المعنى أن ذات الله محركة للفلك، إنما مرادهم أن مراد الفلك أن يكون مثله بحسب الإمكان، وهذا باطل من وجوه لبسطها موضع آخر] (6) . فقالوا: إن العلة الأولى وهي (7) التي يتحرك الفلك لأجلها (8) علة له تحركه (9) كما تحرك العاشق للمعشوق (10) بمنزلة الرجل الذي اشتهى طعاما (11) ، فمد يده إليه أو رأى من يحبه، فسعى إليه - فذاك (12) المحبوب هو المحرك؛ لكون المتحرك أحبه، لا لكونه أبدع الحركة ولا فعلها. _________ (1) ع: أثبت، أ، ب: يثبتون. (2) أ، ب: أنها. (3) ن: عامة، وهو تحريف. (4) أ، ب: بالتشبيه. (5) أ، ب: والجندي. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) وهي: كذا في (ب) فقط، وفي سائر النسخ: هي. (8) بعد كلمة " لأجلها " توجد في نسختي (ن) ، (م) عبارات جاءت في غير موضعها. (9) أ، ب: محركة. (10) أ، ب: كما يحرك المعشوق العاشق ; ع: كما تحرك المعشوق للعاشق. (11) م: طعاما وشرابا. (12) ن، م: فكذلك ; ع: فذلك ========================== وحينئذ فلا يكون (1) قد أثبتوا لحركة الفلك محدثا أحدثها غير الفلك، كما [لم] (2) تثبت القدرية لأفعال الحيوان محدثا أحدثها (3) غير الحيوان؛ ولهذا كان الفلك عندهم حيوانا كبيرا، بل يقولون: إن الفلك يتحرك للتشبه (4) بالعلة الأولى؛ لأن (5) العلة الأولى معبودة له محبوبة له. ولهذا قالوا: إن الفلسفة هي التشبه بالإله (6) على حسب الطاقة. ففي الحقيقة ليس عندهم الرب: لا إلها للعالم (7) ولا ربا للعالمين [بل (8) غاية ما يثبتونه أنه (9) يكون شرطا في وجود العالم] (10) وأن كمال المخلوق في أن يكون متشبها به، (11) فهذا هو الألوهية عندهم، وذلك هو الربوبية (12) ؛ ولهذا كان قولهم شرا من قول اليهود والنصارى، وهم أبعد عن المعقول والمنقول منهم، كما قد بسط في غير هذا الموضع (13) . _________ (1) أ: فحينئذ لا يكون، ب: فحينئذ لا يكونوا، ن، م: فحينئذ لا يكونون. (2) لم: ساقطة من (ن) ، وفي (م) : لا. (3) أحدثها: ساقطة من (أ) ، (ب) . (4) أ، ب: للتشبيه. (5) أ، ب: لا لأن. . . إلخ، وهو خطأ. (6) أ، ب: إن الفلاسفة هي المثبتة للإله، ن: هي النسبة بالآية، م: هي النسبة تالاله، وكل ذلك تحريف. (7) ن، م: ليس للرب عندهم إلا إلها للعالم، ع: ليس عندهم لا إلها للعالم. (8) بل: زيادة في (ع) . (9) أ، ب: أن. (10) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (11) ن: أن يكون متشابه، وهو تحريف. (12) أ، ب: وهذا هو الإله عندهم، وذاك هو الربوبية، ن، م: وهذا هو إله عندهم، وهذا هو الربوبية. (13) أ، ب: كما بسط في غير هذا الموضع، والله أعلم ========================== فتبين أن هؤلاء المتفلسفة قدرية في جميع حوادث العالم، وأنهم من أضل بني آدم؛ ولهذا يضيفون الحوادث إلى الطبائع التي في الأجسام، فإنها (1) بمنزلة القوى التي في الحيوان، فيجعلون كل محدث فاعلا مستقلا، كالحيوان عند القدرية، ولا يثبتون محدثا للحوادث (2) . وحقيقة قول القوم (3) الجحود لكون الله رب العالمين، (4) (4 فلا يثبتون أن يكون الله رب العالمين 4) (5) ، بل غايتهم (6) أن يجعلوه (7) شرطا في وجود العالم، وفي التحقيق هم معطلة لكون الله رب العالمين، كقول من قال: إن الفلك واجب الوجود [بنفسه] (8) منهم. لكن هؤلاء أثبتوا علة (9) إما غائية عند قدمائهم، وإما فاعلية عند متأخريهم، وعند التحقيق لا حقيقة لما أثبتوه (10) ؛ ولهذا أنكره الطبائعيون (11) منهم. وإذا قدر أن الفلك يتحرك باختياره من غير أن يكون الله خالقا لحركته، فلا دليل على (12) أن المحرك له علة (13) معشوقة يتشبه بها، بل يجوز _________ (1) ن، م: وأنها. (2) ن، م: ولا يثبتون محدث الحوادث. (3) أ: قول القائل، ب: قولهم. (4) ساقط من (أ) ، (ب) . (5) (4 - 4) : ساقط من أ، ب (6) ن، م: بل غايته. (7) أ: أن يجعلون. (8) بنفسه: زيادة في (أ) ، (ب) . (9) أ، ب: يثبتون العلة. (10) أ: لما يثبتوه، ب: لما يثبتونه. (11) أ: ولهذا أنكر الطبائعيون، ب: ولهذا أنكر ذلك الطبائعيون. (12) على: ساقطة من (أ) ، (ب) . (13) علة: ساقطة من (أ) ، (ب) ========================= أن يكون المتحرك هو المحرك، كما قد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وتبين (1) الكلام على [بطلان] ما ذكره (2) أرسطو في العلم الإلهي من وجوه متعددة، وأن هؤلاء من أجهل الناس بالله [عز وجل] . (3) ومن دخل في أهل الملل [منهم] (4) كالمنتسبين إلى الإسلام كالفارابي وابن سينا ونحوهما من ملاحدة (5) المسلمين، وموسى بن ميمون ونحوه من ملاحدة اليهود، ومتى ويحيى بن عدي ونحوهما من ملاحدة النصارى - فهم مع كونهم من ملاحدة أهل الملل، فهم أصح عقلا (6) ونظرا في العلم الإلهي من المشائين كأرسطو وأتباعه، وإن كان لأولئك من تفصيل الأمور الطبيعية والرياضية أمور كثيرة سبقوا هؤلاء إليها (7) . فالمقصود هنا أن الأمور الإلهية أولئك أجهل بها وأضل فيها، (8) فإن هؤلاء حصل لهم نوع ما من نور أهل الملل وعقولهم (9) وهداهم، فصاروا به أقل ظلمة من أولئك؛ ولهذا عدل ابن سينا عن طريقة سلفه في إثبات العلة الأولى، وسلك الطريقة المعروفة له [في تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، وأن الممكن مستلزم للواجب. _________ (1) ع، ن: وبين. (2) أ، ن، م: على ما ذكره، ع: على ما قاله. (3) عز وجل زيادة في (أ) ، (ب) . (4) منهم: ساقطة من (ن) ، (م) . (5) أ: وأمثالهم عن ملاحدة، ب: وأمثالهم من ملاحدة، ع: وأمثالهما ملاحدة. (6) أ: الملل فهم أقبح عقلا، ب: الملل أقبح عقلا. (7) أ: سبقوا بها هؤلاء إليها، ب: سبقوا بها هؤلاء. (8) فيها: ساقطة من (أ) ، (ب) . (9) ن، م: وعقلهم ======================== وهذه الطريقة هي المعروفة له] (1) ولمن اتبعه كالسهروردي (2) المقتول ونحوه من الفلاسفة، [وأبي حامد] والرازي (3) والآمدي وغيرهم (4) من متأخري [أهل] الكلام، (5) الذين خلطوا الفلسفة بالكلام. [وهؤلاء المتكلمون المتأخرون الذين خلطوا الفلسفة بالكلام] (6) : (* كثر (7) اضطرابهم وشكوكهم وحيرتهم بحسب ما ازدادوا به من ظلمة هؤلاء (8) المتفلسفة الذين خلطوا الفلسفة بالكلام *) (9) فأولئك قلت ظلمتهم بما دخلوا فيه من كلام أهل الملل، وهؤلاء كثرت ظلمتهم بما دخلوا فيه من كلام أولئك المتفلسفة. هذا مع أن في المتكلمين من أهل الملل من الاضطراب والشك في أشياء، والخروج عن الحق في مواضع، واتباع الأهواء (10) في مواضع، والتقصير في الحق في مواضع - ما ذمهم لأجله علماء الملة وأئمة الدين، (11) فإنهم قصروا في (12) معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه، فعدلوا _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) (2) أ: كالشهرستاني، ع: كالسهرزمدي، وكلاهما تحريف. (3) ن، م: من الفلاسفة والرازي، ع: من الفلاسفة وأبو حامد والرازي، أ، ب: من الفلاسفة وأبي حامد الرازي. (4) ن، م: وغيرهما. (5) ن: من متأخرة الكلام، ع، م: من متأخرة أهل الكلام. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (ع) . (7) أ، ب: أكثر. (8) ن: ما أرادوا به من ظلمة، أ: ما أرادوا به ظلمة هؤلاء، ب: ما ازدادوا به ظلمة من هؤلاء. (9) ما بين النجمتين ساقط من (م) . (10) أ، ب: الهوى. (11) أ، ب: علماء الملة والدين، ن: علماء الأئمة والسلف وأئمة الدين. (12) أ، ب: عن ====================
__________________
|
#208
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (208) صـ 289 إلى صـ 296 عنها إلى طرق (1) أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك [بينهم وبين غيرهم] (2) ، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع، (3) وأخرجوا من (4) التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وربه (5) . وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [سورة لقمان: 25] وقال تعالى: {قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم - سيقولون لله} الآيات (6) [سورة المؤمنون: 86، 87] . وقال عنهم {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [سورة يوسف: 106] . قال طائفة من السلف: يقول لهم (7) من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا (8) يعبدون غيره. وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية، المتضمن _________ (1) ن، م: طريق. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من ن، م. (3) أ، ب: المبدع. (4) ن، م: عن. (5) وربه: ساقطة من (أ) ، (ب) . (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) أ، ب: فالطائفة من السلف تقول لهم. (8) أ، ب: ذلك ================================ لتوحيد (1) الربوبية، بأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا، (2) فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعى (3) إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد (4) من كل شيء، فيحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله ويتوكلون عليه (5) . والعبادة تجمع غاية الحب وغاية الذل، (6) فيحبون الله بأكمل محبة، ويذلون له (7) أكمل ذل، ولا يعدلون به، ولا يجعلون له أندادا، ولا يتخذون من دونه أولياء ولا شفعاء. كما قد بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع، وهو قطب رحى القرآن الذي يدور عليه [القرآن] (8) وهو يتضمن التوحيد في العلم والقول، والتوحيد في الإرادة والعمل. فالأول كما في قوله تعالى: {قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفوا أحد} [سورة الإخلاص] . ولهذا كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأنها صفة الرحمن. والقرآن ثلثه توحيد، وثلثه قصص، وثلثه أمر ونهي؛ لأنه كلام الله، والكلام إما إنشاء وإما إخبار، والإخبار إما عن الخالق وإما عن _________ (1) أ، ب: توحيد. (2) أ، ب: بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، ع: بأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء. (3) أ، ب، م: ولا يدعوا. (4) ن، م: أحب إليهم. (5) ع: على الله. (6) أ، ب: وما به الذل، وهو تحريف. (7) له: ساقطة من (ب) فقط. (8) ن، م: رحى الحيوان الذي يدور عليه ========================= المخلوق، فصار ثلاثة أجزاء: جزء أمر ونهي وإباحة وهو الإنشاء، وجزء إخبار عن المخلوقين (1) ، وجزء إخبار عن الخالق، ف " {قل هو الله أحد} " صفة الرحمن [محضا] (2) . [وقد بسطنا الكلام على تحقيق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إنها تعدل ثلث القرآن» (3) في مجلد (4) ، وفي تفسيرها في مجلد آخر (5) ] (6) . و [أما] التوحيد في [العبادة و] الإرادة والعمل (7) فكما في سورة: {قل ياأيها الكافرون - لا أعبد ما تعبدون - ولا أنتم عابدون ما أعبد - ولا أنا عابد ما عبدتم - ولا أنتم عابدون ما أعبد - لكم دينكم ولي دين} [سورة. _________ (1) ع: عن المخلوقات، ن، م: عن المخلوق. (2) محضا: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) الحديث عن جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك في البخاري 6 - 189 كتاب فضائل القرآن، باب فضل قل هو الله أحد 9 - 114 - 115 كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، مسلم 556 - 557 كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة قل هو الله أحد، سنن أبي داود 2 - 97، 98 كتاب الوتر، باب في سورة الصمد، سنن الترمذي 4 - 240، 243 كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الإخلاص، وفي سورة إذا زلزلت، باب ما جاء في سورة الإخلاص، سنن ابن ماجه 2 - 1244 كتاب الأدب باب ثواب القرآن، المسند، ط المعارف 18 - 152، 153. (4) لابن تيمية كتاب جواب أهل العلم والإيمان في تفسير أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقد طبع أكثر من مرة؛ فطبع في المطبعة الخيرية، سنة 1325، وأعيد نشره في مجموع فتاوى الرياض 17 - 5، 213. (5) وهو كتاب " تفسير سورة الإخلاص " ونشر مرتين في القاهرة، ثم في مجموع فتاوى الرياض 17 - 214، 503. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) ن، م: والتوحيد في الإرادة والعمل، ع: وأما التوحيد في الإرادة والعبادة والعمل ======================= الكافرون] . فالتوحيد [الأول] (1) يتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته، و [الثاني] : يتضمن (2) إخلاص الدين له كما قال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [سورة البينة: 5] فالأول براءة من التعطيل، والثاني براءة من الشرك (3) وأصل الشرك (4) : إما التعطيل (5) مثل تعطيل (6) فرعون موسى، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم إبراهيم، (7) والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى بن مريم [صلى الله عليه وسلم] (8) ، وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله خصوم جمهور (9) الأنبياء. وفي خصوم إبراهيم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - معطلة ومشركة، لكن التعطيل المحض [للذات] (10) قليل، وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال، وهو مستلزم لتعطيل الذات، فإنهم يصفون واجب الوجود بما يوجب (11) أن يكون ممتنع الوجود. _________ (1) الأول: ساقطة من (ن) ، (م) . (2) ن، م: ويتضمن. (3) ن، م: الإشراك. (4) ن، م: الكفر. (5) أ، ب: إما تعطيل. (6) ن، م: مثل كفر. (7) خصم إبراهيم: زيادة في (ن) ، (م) . (8) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (أ) ، (ب) . (9) ن، م: جميع. (10) للذات: ساقطة من (ن) ، (م) . (11) أ، ب: يجب، ع: وجب ======================== ثم إنه [كل] من كان (1) إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] (2) وأصحابه والتابعين لهم بإحسان أقرب، كان أقرب إلى كمال التوحيد والإيمان والعقل والعرفان، وكل من كان عنهم أبعد كان عن ذلك أبعد، (3) فمتأخرو متكلمة الإثبات الذين (4) خلطوا الكلام بالفلسفة كالرازي والآمدي ونحوهما هم [دون أبي المعالي الجويني وأمثاله في تقرير التوحيد وإثبات صفات الكمال، وأبو المعالي وأمثاله دون القاضي أبي بكر بن الطيب (5) وأمثاله] (6) في ذلك، وهؤلاء دون أبي الحسن الأشعري في ذلك، والأشعري في ذلك دون أبي محمد (7) بن كلاب، وابن كلاب دون السلف والأئمة في ذلك. ومتكلمة أهل الإثبات الذين يقرون بالقدر هم خير في التوحيد وإثبات صفات [الكمال] (8) من القدرية من المعتزلة والشيعة وغيرهم؛ (9) لأن أهل الإثبات يثبتون لله كمال القدرة وكمال المشيئة وكمال الخلق وأنه منفرد _________ (1) ب: ثم إن كل من كان، ن، م: ثم إنه من كان. (2) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (أ) ، (ب) . (3) ع: وكل من كان عن ذلك أبعد كان عن ذلك أبعد. أ، ن: وكل من كان عن ذلك أبعد، م: ومن كان عن ذلك أبعد فهو أبعد. (4) ب: الذي. (5) ع: بن أبي الطيب، وهو خطأ. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) ع: دون محمد، وهو خطأ. (8) ن، م: وإثبات الصفات. (9) ن، م: ونحوهم ==================== بذلك، فيقولون: إنه وحده (1) خالق كل شيء من الأعيان والأعراض؛ ولهذا جعلوا أخص صفة الرب القدرة على الاختراع، والتحقيق أن القدرة على الاختراع من جملة خصائصه، ليست هي وحدها أخص (2) صفاته. وأولئك يخرجون أفعال (3) الحيوان عن أن تكون مخلوقة له، وحقيقة قولهم (4) تعطيل هذه الحوادث عن خالق لها، وإثبات شركاء لله يفعلونها [وكثير من متأخرة القدرية يقولون: إن العباد خالقون لها، ولم يكن سلفهم يجترئون على ذلك (5) ] (6) . وأيضا فمتكلمة أهل [الإثبات] (7) يثبتون لله صفات الكمال كالحياة (8) والعلم والقدرة والكلام (9) والسمع والبصر. وهؤلاء يثبتون (10) ذلك لكن قصروا في بعض صفات الكمال، وقصروا في التوحيد، فظنوا أن كمال التوحيد هو توحيد الربوبية، ولم يصعدوا إلى توحيد الإلهية الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. _________ (1) ن، م: فيقولون الله وحده. (2) أ، ب: ليس هي وحدها أخص، ن، م: ليست وحدها هي أخص. (3) أ، ب: أحوال. (4) ع: مخلوقة لله وتحقيق قولهم. (5) أ، ب: ولكن سلفهم يحترزون أ: يحترون، عن ذلك. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) الإثبات: ساقطة من (ن) ، (م) . (8) أ، ب: الحياة. (9) ن: والكمال، وهو تحريف. (10) أ، ب، م، ع: ينفون، وهو خطأ، وكلام ابن تيمية هنا على الأشاعرة الذين أثبتوا بعض الصفات ولكن قصروا في بعض صفات الكمال. . . إلخ ========================== وذلك أن كثيرا من كلامهم أخذوه من كلام المعتزلة، والمعتزلة مقصرون في هذا الباب، فإنهم لم يوفوا توحيد (1) الربوبية حقه، فكيف بتوحيد الإلهية. ومع هذا فأئمة المعتزلة وشيوخهم وأئمة الأشعرية والكرامية ونحوهم خير في تقرير توحيد الربوبية من متفلسفة الأشعرية كالرازي والآمدي وأمثال هؤلاء، فإن هؤلاء خلطوا ذلك بتوحيد الفلاسفة كابن سينا (2) وأمثاله، وهو أبعد الكلام عن التحقيق في التوحيد، وإن كان خيرا من كلام قدمائهم أرسطو وذويه. وذلك أن غايتهم أنهم أثبتوا (3) واجب الوجود، وهذا حق لم ينازع (4) فيه لا معطل ولا مشرك، (5) بل الناس متفقون على إثبات وجود واجب، اللهم إلا ما يحكى عن بعض الناس، قال: إن هذا العالم حدث (6) بنفسه، وكثير من الناس يقولون: [إن] هذا (7) لم تقله طائفة معروفة، وإنما يقدر تقديرا كما تقدر الشبه (8) السوفسطائية ليبحث عنها، (9) وهذا مما يخطر (10) في قلوب _________ (1) أ، ب: بتوحيد، وهو تحريف. (2) ن، م: الفلاسفة، كلام ابن سينا. (3) أ، ب: يثبتون. (4) ن، م: لم يتنازع. (5) ن: إلا معطل ولا مشكوك م: إلا معطل ولا مسلوك، وكلاهما تحريف. (6) ن، م: حادث. (7) ع: يقول إن هذا، ن، م: يقولون هذا. (8) ن، م: شبه. (9) ن: لمنتحب فيها، م: لمستحت فيها، وكلاهما تحريف، أ، ب: فيبحث عنها. (10) أ، ب: خطر ============================= بعض الناس، كما يخطر أمثاله من السفسطة، لا أنه قول معروف لطائفة [معروفة] (1) يذبون عنه، فإن ظهور فساده أبين من أن يحتاج إلى دليل، إذ حدوث الحوادث بلا محدث من أظهر الأمور امتناعا، والعلم بذلك من أبين العلوم الضرورية. ثم إنهم لما قرروا واجبا [بذاته] (2) أرادوا أن يجعلوه واحدا وحده، لا يوجد (3) إلا في الأذهان لا في الأعيان، وهو وجود مطلق بشرط الإطلاق، ليس له حقيقة [في الخارج؛ لأن] الوجود (4) المطلق بشرط الإطلاق [لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان] (5) أو مقيدا (6) بالسلوب والإضافات، كما يقوله ابن سينا وأتباعه [وهذا أدخل في التعطيل من الأول] (7) . وزعموا أن هذا هو محض التوحيد (8) مضاهاة للمعتزلة الذين شاركوهم في نفي الصفات، وسموا ذلك توحيدا، فصاروا يتباهون في التعطيل الذي سموه (9) توحيدا أيهم فيه أحذق (10) حتى فروعهم تباهوا بذلك، (11) _________ (1) معروفة: زيادة في (أ) ، (ب) . (2) بذاته: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) ب فقط: لا يوحد، وهو خطأ مطبعي. (4) ن، م: ليس حقيقة والوجود. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) أ، ب، م: أو مقيد. (7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، ومكانه الجملة الساقطة قبل ذلك وهي: لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان. وهو خطأ. (8) أ، ب، ع: وزعموا أن هذا محض التوحيد، م: وجعلوا هذا محض التوحيد. (9) ن، م: يسمونه. (10) ن، م: أيهم أحذق فيه. (11) أ، ب، ع: تباهوا في ذلك ==========================
__________________
|
#209
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (209) صـ 297 إلى صـ 304 كتباهيهم: كابن سبعين وأمثاله من أتباع الفلاسفة، وابن التومرت (1) وأمثاله من أتباع الجهمية، [فهذا يقول بالوجود المطلق] (2) وهذا يقول (3) بالوجود المطلق، وأتباع كل منهما يباهون [أتباع] الآخرين (4) في الحذق في هذا التعطيل. كما [قد] اجتمع بي (5) طوائف من هؤلاء وخاطبتهم في ذلك وصنفت لهم مصنفات في كشف أسرارهم ومعرفة توحيدهم وبيان فساده، فإنهم يظنون أن الناس لا يفهمون كلامهم، فقالوا لي: إن لم [تبين و] تكشف (6) لنا (7) حقيقة هذا الكلام الذي قالوه، ثم تبين فساده وإلا لم _________ (1) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، الملقب بالمهدي، أو بمهدي الموحدين، مؤسس دولة الموحدين التي قامت على أنقاض دولة المرابطين، اختلف في سنة مولده، ولكنه توفي سنة 524 وعمره يتراوح ما بين 51 عاما، 55 عاما، من كتبه كتاب " أعز ما يطلب "، وقد نشره جولد تسيهر (الجزائر 1903) وكتاب " كنز العلوم "، وهو مخطوط، و " المرشدة " وهي رسالة صغيرة طبعت عدة مرات آخرها ضمن كتاب " نصوص فلسفية مهداة إلى الدكتور إبراهيم مدكور " ط القاهرة 1967 م. انظر عن حياة ابن التومرت ومذهبه: بحثا للأستاذ عبد الله كنون ضمن كتاب " نصوص فلسفية "، المشار إليه ص 99 - 115 كتاب تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الأفريقية، للدكتور يحيى هويدي، 1 - 223، 243، وانظر أيضا: وفيات الأعيان 4 - 137، 146 الكامل لابن الأثير 10 - 201، 205، الأعلام 7 - 104، 105. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (3) ب فقط: وهذا لا يقول، وهو خطأ، وانظر قول ابن تيمية في " درء تعارض العقل والنقل "، عن ابن التومرت: " ولهذا كان حقيقة قوله موافقا لحقيقة قول ابن سبعين وأمثاله من القائلين بالوجود المطلق ". (4) ن، م: يباهون الآخرين، أ: يباهي أتباع الآخرين، ب: تباهي أتباع الآخرين. (5) أ: كما قد أجمع في. . .، ب: كما قد اجتمعت في. . .، ن: كما اجتمع بي. (6) ن، م: إن لم تكشف. (7) لنا: ساقطة من (أ) ، (ب) ========================= نقبل (1) ما يقال من رده، فكشفت لهم حقائق مقاصدهم، فاعترفوا بأن ذلك هو المراد، ووافقهم على ذلك رءوسهم، ثم بينت ما في ذلك من الفساد والإلحاد، حتى رجعوا وصاروا يصنفون في كشف باطل سلفهم الملحدين، الذين كانوا عندهم أئمة التحقيق والتوحيد، والعرفان واليقين. [أدلة الوحدانية عند الفلاسفة] وعمدة هؤلاء الفلاسفة [في توحيدهم] (2) الذي هو تعطيل [محض] في الحقيقة (3) حجتان: إحداهما أنه (4) لو كان واجبان (5) لاشتركا في الوجوب وامتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم أن يكون واجب الوجود مركبا، والمركب مفتقر إلى أجزائه [وأجزاؤه غيره] (6) والمفتقر إلى غيره لا يكون (7) واجبا بنفسه. والثانية أنهما إذا اتفقا في الوجوب (8) ، وامتاز كل منهما عن الآخر بما يخصه، لزم أن يكون المشترك معلولا للمختص، كما إذا اشترك اثنان في الإنسانية، وامتاز كل منهما عن الآخر بشخصه، فالمشترك معلول للمختص (9) [وهذا باطل هنا. _________ (1) أ، ب: يقبل، وفي باقي النسخ الكلمة غير منقوطة، ورجحت أن يكون الصواب ما أثبته. (2) في توحيدهم: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) ن، م: الذي هو في الحقيقة تعطيل، ع: الذي هو تعطيل في الحقيقة. (4) أنه: ساقطة من (أ) ، (ب) . (5) أ، ع: واجبا. (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (7) أ، ب: لم يكن. (8) م: في الوجود، وهو خطأ. (9) ع: معلول المختص ========================== وذلك] (1) لأن كلا من (2) المشترك والمختص إن كان أحدهما عارضا [للآخر لزم أن يكون الوجوب عارضا] (3) للواجب أو معروضا له، وعلى التقديرين فلا يكون الوجوب (4) صفة لازمة للواجب، وهذا محال؛ لأن الواجب لا يمكن أن يكون غير واجب. وإن كان أحدهما لازما للآخر لم يجز أن يكون المشترك علة للمختص؛ لأنه حيث وجدت العلة وجد المعلول، فيلزم أنه حيث وجد المشترك [وجد المختص والمشترك] (5) في هذا وهذا، فيلزم أن يكون ما يختص بهذا في هذا، وما يختص بهذا في هذا، وهذا محال يرفع الاختصاص. وهذا ملخص ما ذكره ابن سينا في إشاراته (6) هو وشارحو الإشارات كالرازي (7) والطوسي (8) وغيرهما. وهاتان الحجتان ملخص ما ذكره الفارابي (9) والسهروردي (10) وغيرهما من _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) عبارة " كلا من " ساقطة من (أ) ، (ب) . (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (4) الوجوب: ساقطة من (ع) . (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) انظر " الإشارات والتنبيهات " لابن سينا 3، 4 - 456، 457. (7) انظر: " شرح الإشارات " للرازي، هامش ص 301 هامش ص 303 ط المطبعة العامرة، استانبول 1290 هـ. (8) انظر هامش الإشارات والتنبيهات شرح الطوسي 3، 4 - 456، 457. (9) انظر: " آراء أهل المدينة الفاضلة " للفارابي، ص 4 - 6، ط مكتبة الحسين التجارية، القاهرة 1368، 1948. (10) انظر كتاب " حكمة الإشراق " للسهروردي ص 125 - 127 ضمن مجموعة من مؤلفات السهروردي، تحقيق هنري كربين ط إيران 1331، 1952 ============================== الفلاسفة، وقد ذكرهما بمعناهما أبو حامد الغزالي في " تهافت الفلاسفة " (1) . وقد أجاب عنهما الرازي (2) والآمدي (3) بمنع كون الوجوب صفة ثبوتية، ونحو ذلك من الأجوبة التي نرضاها. لكن الجواب من وجهين. أحدهما: المعارضة وذلك أن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، وكل واحد من الوجودين يمتاز عن الآخر بخاصته، (4) فيلزم أن يكون (5) الواجب مركبا مما به الاشتراك، ومما به الامتياز، وأيضا فيلزم أن يكون الوجود الواجب معلولا، والمعارضة أيضا بالحقيقة، فإن الحقيقة تنقسم إلى واجب وممكن، والواجب يمتاز عن الممكن بما يخصه، فيلزم أن تكون الحقيقة الواجبة مركبة من المشترك والمختص، ويلزم أن تكون الحقيقة الواجبة معلولة، والمعارضة بلفظ الماهية، فإنها تنقسم إلى واجب وممكن إلى آخره. والثاني حل الشبهة وذلك أن الشيئين الموجودين (6) في الخارج سواء كانا واجبين أو ممكنين، وسواء قدر التقسيم في موجودين، أو جوهرين أو جسمين أو حيوانين أو إنسانين أو غير ذلك - لم يشرك _________ (1) انظر: " تهافت الفلاسفة " للغزالي، ص 158 - 160 تحقيق الدكتور سليمان دنيا، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة 1958. (2) انظر: " المباحث المشرقية للرازي " 2 - 451، 456، ط حيدر آباد، 1343 هـ. (3) انظر: " غاية المرام في علم الكلام " للآمدي، تحقيق الدكتور حسن محمود عبد اللطيف ص [0 - 9] 53 - 155 ط. القاهرة 1391، 1971. (4) م: بخاصية. (5) ن، م: أن كون. (6) أ، ب: الوجوديين =========================== أحدهما الآخر (1) في الخارج في شيء من خصائصه، لا في وجوبه، ولا في وجوده، ولا في ماهيته، ولا غير ذلك، وإنما شابهه في ذلك. والمطلق الذي اشتركا فيه لا يكون كليا (2) مشتركا فيه إلا في الذهن، وهو في الخارج ليس بكلي عام مشترك فيه، بل إذا قيل: الواجبان إذا اشتركا (3) في الوجوب (4) فلا بد أن يمتاز كل منهما (5) عن الآخر بما يخصه، فهو (6) مثل أن يقال: إذا اشتركا في الحقيقة فلا بد أن يمتاز كل منهما عن الآخر (7) بما يخصه، فالحقيقة توجد عامة وخاصة كما أن الوجوب (8) يوجد عاما وخاصا، فالعام لا يكون عاما مشتركا فيه إلا في الذهن، ولا يكون في الخارج إلا خاصا لا اشتراك فيه، فما فيه الاشتراك لا امتياز فيه، وما فيه الامتياز لا اشتراك فيه، فلم يبق في الخارج شيء واحد فيه مشترك ومميز (9) لكن فيه وصف يشابه الآخر فيه (10) ووصف لا يشابهه فيه. وغلط هؤلاء في هذه الإلهيات من جنس غلطهم (11) في المنطق في _________ (1) ن: لم يشر إلى أحدهما الآخر، م: لم يشارك إلى أحدهما الآخر، وكلاهما تحريف. (2) أ: شابهه في ذلك المطلق الذي اشتركا فيه لا يكون كليا، ب: شابهه في ذلك المطلق الذي اشتركا فيه، ولا يكون كليا. (3) أ: الواجبان يشتركا. ب: الواجبان يشتركان. (4) م: في الوجود، وهو خطأ. (5) أ، ب: أن يمتاز أحدهما. (6) ن، م: وهو. (7) عن الآخر: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) . (8) ع: الواجب. (9) أ، ب: واحد مشترك فيه ومميز. (10) ن: وصف شابه في الآخر، م: وصف مشابه فيه الآخر، أ، ب: وصف يشابه الآخر. (11) ع: هؤلاء في الإلهيات من جنس غلطهم، ن، م: في هذه إلهيات من غلطهم =========================== الكليات: الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام - حيث توهموا أنه يكون في الخارج كلي (1) مشترك فيه. وقد قدمنا التنبيه على هذا وبينا أن الكلي المشترك فيه لا يوجد في الخارج إلا مختصا لا اشتراك فيه، والاشتراك والعموم والكلية إنما تعرض له إذا كان ذهنيا لا خارجيا. وهم قسموا الكلي ثلاثة أقسام: طبيعي، ومنطقي، وعقلي. فالطبيعي: هو المطلق لا بشرط، كالإنسان من حيث هو هو، مع قطع النظر عن جميع قيوده. والمنطقي: كونه عاما وخاصا، وكليا وجزئيا، فنفس وصفه بذلك منطقي ; لأن المنطق (2) يبحث في القضايا من جهة كونها كلية وجزئية. والعقلي: هو مجموع الأمرين، وهو الإنسان الموصوف بكونه عاما ومطلقا، وهذا لا يوجد (* إلا في الذهن عندهم، إلا ما يحكى عن شيعة أفلاطون من إثبات المثل الأفلاطونية، ولا ريب في بطلان هذا، فإن الخارج لا يوجد *) (3) فيه عام. وأما المنطقي: فهو كذلك في الذهن. وأما الطبيعي: فقد يقولون إنه ثابت في الخارج، فإذا قلنا: هذا الإنسان، ففيه الإنسان من حيث هو هو لكن يقال: هو ثابت في الخارج لكن (4) بقيد التعيين والتخصيص لا بقيد الإطلاق، ولا مطلقا لا _________ (1) ن، م: كل، وهو خطأ. (2) أ، ب، ن، م: لأن المنطقي. (3) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط. (4) لكن: ساقطة من (ب) فقط ============================== بشرط، فليس في الخارج مطلق لا بشرط ولا مطلق بشرط الإطلاق، بل إنما فيه المعين المخصص، فالذي (1) يقدره الذهن مطلقا لا بشرط التقييد يوجد في الخارج بشرط التقييد. وهؤلاء اشتبه عليهم ما في الأذهان بما في الأعيان. وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبينا من غلط المنطقيين ما هو سبب الضلال في الأمور الإلهية والطبيعية كاعتقاد الأمور العقلية التي لا تكون إلا في العقل أمورا موجودة في الخارج، وغير ذلك مما ليس هذا موضع بسطه. [وهؤلاء المنطقيون الإلهيون منهم وغيرهم يقولون أيضا: إن الكليات لا تكون إلا في الأذهان لا في الأعيان، فيوجد من كلامهم في مواضع ما يظهر به خطأ كلامهم في مواضع، فإن الله فطر عباده على الصحة والسلامة وفساد الفطرة عارض، فقل من يوجد له (2) كلام فاسد إلا وفي كلامه ما يبين فساد كلامه الأول ويظهر به تناقضه.] (3) . والمقصود هنا التنبيه على توحيد هؤلاء (4) الفلاسفة. وهؤلاء أصابهم في لفظ الواجب ما أصاب المعتزلة في لفظ القديم، فقالوا: الواجب لا يكون إلا واحدا، فلا يكون له صفة ثبوتية، كما قال أولئك: لا يكون القديم إلا واحدا، فلا يكون له صفة ثبوتية (5) . وبهذا وغيره ظهر الزلل في كلام متأخري المتكلمين الذين خلطوا الكلام _________ (1) ن، م: والذي. (2) أ: فيه، ب: منه. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) (4) ن، م: وإنما المقصود هنا التنبيه على هؤلاء. (5) بعد كلمة " ثبوتية " يوجد في نسختي (ن) ، (م) كلام معاد ===================================== بالفلسفة كما ظهر أيضا الغلط في كلام من خلط التصوف بالفلسفة، كصاحب " مشكاة الأنوار " و " الكتب المضنون بها على غير أهلها " (1) وأمثال ذلك (2) مما قد بسط (3) الكلام عليها (4) في غير هذا الموضع. [الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين] حتى أن هؤلاء المتأخرين لم يهتدوا إلى تقرير متقدميهم لدليل التوحيد، وهو دليل التمانع واستشكلوه. وأولئك ظنوا أن هذا [الدليل هو الدليل المذكور في القرآن، في قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} . وليس الأمر.] (5) كذلك بل أولئك قصروا في معرفة ما في القرآن، وهؤلاء قصروا في معرفة كلام (6) أولئك المقصرين، فلما قصروا (7) في معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - (8) عدلوا (9) إلى ما أورثهم الشك والحيرة والضلال، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع، لكن ننبه (10) عليه هنا. وذلك أن دليل التمانع المشهور عند المتكلمين: أنه لو كان للعالم صانعان لكان أحدهما إذا أراد أمرا (11) وأراد الآخر خلافه، مثل أن _________ (1) وهو الغزالي. (2) أ، ب: وغير ذلك. (3) ع: بسطنا. (4) أ، ب: عليه. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) كلام: ساقطة من (أ) ، (ب) . (7) أ: فيما قصروا ب: كما قصروا. (8) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (أ) ، (ب) . (9) أ، ب: وعدلوا. (10) م: ولكن ننبه، ع: لكن نبهنا. (11) أ: صانعان لكان أحدهما أمرا، ب: صانعان أراد أحدهما أمرا ===============================
__________________
|
#210
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثالث الحلقة (210) صـ 305 إلى صـ 312 يريد أحدهما إطلاع (1) الشمس من مشرقها، ويريد الآخر إطلاعها من مغربها [أو من جهة أخرى] (2) . امتنع أن يحصل مرادهما ; لأن ذلك جمع بين الضدين، فيلزم إما (3) أن لا يحصل مراد واحد منهما، فلا يكون واحد منهما ربا (4) (5 وإما أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر 5) (5) فيكون الذي حصل مراده هو الرب دون الآخر. وقد يقرر ذلك بأن يقال (6) : إذا أراد ما لا يخلو المحل عنهما، مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم ويريد الآخر تسكينه، امتنع حصول مرادهما، (7 وامتنع عدم مرادهما 7) (7) جميعا ; لأن الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون، فتعين أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر فيكون هو الرب. وعلى هذا سؤال مشهور، وهو أنه يجوز أن تتفق الإرادتان فلا يفضي إلى الاختلاف. وقد أجاب كثير من المتأخرين عن ذلك بوجوه عارضهم فيها غيرهم (8) كما قد (9) بسط في موضعه، ولم يهتد هؤلاء إلى تقرير القدماء، كالأشعري والقاضي أبي بكر، وأبي الحسين البصري، والقاضي أبي يعلى، وغيرهم. _________ (1) أ، ب: طلوع. (2) أو من جهة أخرى: ساقط من (ن) ، (م) ، وفي (ع) : إطلاعها من الجهة الأخرى (3) إما: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ع) . (4) أفقط: منها ربا دون الآخر. (5) (5 - 5) ساقط من (أ) ، (ب) . (6) ن، م: ذلك ما يقال. (7) (7 - 7) ساقط من (ع) . (8) ن، م: عارضه فيها غيره. (9) قد: زيادة في (ع) ========================= فإن هؤلاء علموا أن وجوب اتفاقهما في الإرادة يستلزم عجز كل منهما، [كما أن تمانعهما يستلزم عجز كل منهما] ، (1) فمنهم من أعرض عن ذكر هذا التقرير (2) ; لأن مقصوده أن يبين أن (3) فرض اثنين يقتضي عجز كل منهما. فإذا قيل: إن أحدهما لا يمكنه مخالفة الآخر، كان ذلك أظهر في عجزه. ومنهم من بين ذلك، كما بينوا (4) أيضا امتناع استقلال كل منهما، وذلك أنه يقال: إذا فرض ربان فإما أن يكون كل منهما قادرا بنفسه أو لا يكون قادرا إلا بالآخر. [فإن لم يكن قادرا إلا بالآخر] (5) ، كان هذا ممتنعا لذاته مقتضيا للدور في العلل والفاعلين، فإنه يستلزم أن يكون (* كل منهما جعل الآخر قادرا، ولا يكون أحدهما فاعلا حتى يكون الآخر (6) قادرا، فإذا كان كل منهما جعل الآخر قادرا فقد جعله فاعلا، ولا يكون *) (7) كل منهما جعل الآخر ربا (8) ; لأن الرب لا بد أن يكون قادرا (9) ، فيكون هذا جعل هذا قادرا فاعلا ربا وكذلك الآخر. _________ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) أ، ب، ن، م: التقدير. (3) ن، م: لأن مقصوده كان أنه كان. (4) ن، م: ذلك فأثبتوا. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (6) الآخر: زيادة في (ع) . (7) ما بين النجمتين ساقط من (أ) ، (ب) . (8) ع: ويكون منهما جعل الآخر ربا، وهو تحريف. (9) ب فقط: قادرا ربا ============================== وهذا ممتنع في الربين الواجبين بأنفسهما القديمين ; لأن هذا (1) لا يكون قادرا (2) ربا فاعلا حتى يجعله الآخر كذلك، وكذلك الآخر. فهو بمنزلة أن يقال: لا يكون هذا موجودا حتى يجعله الآخر موجودا. وهذا ممتنع بالضرورة، كما تقدم فيما قبل بالإشارة (3) إلى ذلك، وهو أن الدور القبلي ممتنع لذاته باتفاق العقلاء، كالدور في الفاعلين والعلل، فيمتنع أن يكون كل من الشيئين علة للآخر وفاعلا له، أو جزءا من العلة والفاعل. فإذا كان كل منهما لا يكون قادرا أو فاعلا إلا بالآخر لزم أن يكون كل منهما علة فاعلة، أو علة (4) لتمام ما به يصير (5) الآخر قادرا فاعلا، وذلك ممتنع بالضرورة واتفاق العقلاء، فلزم أن الرب لا بد أن يكون قادرا بنفسه، وإذا كان قادرا بنفسه، فإن أمكنه إرادة خلاف ما يريد الآخر (6) أمكن اختلافهما، وإن لم يمكنه أن يريد إلا ما يريده الآخر (7) لزم العجز. فإذا فرض أن هذا لا يمكنه أن يريد ويفعل إلا ما يريده الآخر ويفعل (8) ، لزم عجز كل منهما، بل هذا (9) أيضا ممتنع لنفسه، كما أنه إذا كان [هذا لا يقدر حتى يقدر هذا، كان] (10) ذلك ممتنعا لذاته. [فإذا كان هذا _________ (1) أ، ب: هنا. (2) قادرا ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . (3) ع: كما تقدم فيما إذا قيل بالإشارة. . . . .، ن: كما تقدم فيما قيل بالإشارة. . . . (4) ن، م: وعلة. (5) ع، م: ما يصير به. (6) أ، ب: إرادة غير مراد الآخر. (7) أ، ب: وإن لم يمكنه إلا ما يريد الآخر. (8) ن، م: ويفعله. (9) ن، م: هو. (10) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) =============================== لا يكون ممكنا إلا بتمكين الآخر، فهو بمنزلة أن يقال: لا يكون قادرا إلا بإقدار الآخر. وأيضا فإنه في هذا التقدير يكون المانع لكل منهما من الانفراد هو الآخر، فيكون كل منهما مانعا ممنوعا، وهذا (1) لا يكون مانعا إلا إذا كان قادرا على المنع ومن كان قادرا على منع غيره من الفعل، فقدرته على أن يكون فاعلا أولى، فصار كل منهما لا يكون فاعلا (2) حتى يكون قادرا على الفعل، وإذا (3) كان قادرا على الفعل امتنع أن يكون ممنوعا منه، فامتنع كون كل واحد منهما مانعا ممنوعا، (4) وذلك لازم لوجوب اتفاقهما على الفعل، فعلم امتناع وجوب اتفاقهما على الفعل، وثبت إمكان اختلافهما] (5) فمتى فرض لزوم اتفاقهما (6) كان ذلك ممتنعا لذاته، وإنما يمكن (7) هذا في المخلوقين ; لأن القدرة لهم مستفادة من غيرهما. فإذا قيل: لا يقدر هذا حتى يقدر هذا، كان يمكن أن يكون هناك ثالث (8) يجعلهما قادرين، ومن هنا أمكن المخلوق أن يعاون المخلوق، وامتنعت المعاونة على خالقين (9) ; لأن المخلوقين المتعاونين لكل منهما قدرة _________ (1) ع: وهو. (2) ع: مانعا. (3) أ، ب: فإذا. (4) ع: مانعا وممنوعا. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (6) ن: أفعالهما، م: أحدهما. (7) أ: يكن، ب: يكون. (8) ع: كان يمكن هناك ثالث، م: كان ممكنا أن يكون هناك ثالث، أ: كان يمكن أن يكون ثالثا، ب: كان يمكن أن يكون ثالث. (9) أ، ب: الخالقين ============================ من غير الآخر أعانه بها وجعله بها قادرا ; لأن كلا منهما كان قبل إعانة الآخر له قدرة، وعند اجتماعهما زادت قوة كل منهما بقوة الآخر، بمنزلة اليدين اللتين ضمت إحداهما إلى الأخرى، فإن كلا منهما كان لها (1) قوة، وبالاجتماع زادت قوتهما ; لأن هذا زاد ذلك تقوية وذاك زاد هذا تقوية (2) فصار كل منهما معطيا للآخر وآخذا منه فزادت (3) القوة بالاجتماع. وهذا ممتنع في الخالقين؛ [فإن قدرة الخالق القديم الواجب بنفسه من لوازم ذاته لا يجوز أن تكون مستفادة من غيره] (4) ; لأن كلا منهما إن كان قادرا عند الانفراد أمكنه (5) أن يفعل عند الانفراد ما يقدر عليه، ولم يشترط في فعله معاونة الآخر، وحينئذ فيمكن أحدهما أن يفعل ما يريده الآخر (6) أو ما يريد خلافه، وإن لم يكن قادرا عند الانفراد امتنع أن يحصل عند الاجتماع لهما قوة لما في ذلك من الدور ; لأن هذا لا يقدر حتى يقدر ذاك، ولا يقدر ذاك حتى يقدر هذا، وليس هنا ثالث غيرهما يجعلهما قادرين فلا يقدر أحد منهما. والمخلوقان اللذان لا قدرة (7) لهما عند الانفراد لا يحصل (8) لهما قدرة عند _________ (1) أ، ب: له. (2) أ، ب: لأن هذا زاد ذلك بقوته وذاك زاد هذا بقوته، ن، م: لأن هذا زاد ذاك وذاك زاد هذا بقوته. (3) ن: وزادت. (4) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ن) ، (م) . (5) ن، م: قادرا عند الآخر إذا أمكنه، وهو تحريف. (6) أ، ع، ن، م: ما لا يريده الآخر. (7) ن، م: لا مقدرة. (8) ن، م: ولا يحصل ========================= الاجتماع إلا من غيرهما. والخالقان لا يمكن أن يكون لهما ثالث يعطيهما قدرة، فلا بد أن يكونا قادرين عند الانفراد. (* وإذا قيل: أحدهما يقدر على ما يوافقه الآخر عليه (1) لم يكن قادرا إلا بموافقته، وإذا قيل: يقدر على *) (2) ما لا يخالفه الآخر فيه (3) كان كل منهما مانعا للآخر من مقدوره فلا يكون واحد منهما قادرا. وأيضا فإن منع هذا لذاك لا يكون إلا بقدرته، ومنع ذاك لهذا لا يكون إلا بقدرته، فيلزم (4) أن يكون كل منهما قادرا حال التمانع، وهو حال المخالفة، فيكونان قادرين عند الاتفاق وعند الاختلاف. وأيضا فلا يكون هذا ممنوعا حتى يمنعه الآخر وبالعكس (5) ، فلا يكون أحدهما ممنوعا [إلا بمنع الآخر.] (6) . وأيضا فيكون هذا مانعا لذاك، وذاك مانعا لهذا، فيكون كل منهما مانعا ممنوعا، وهذا جمع بين النقيضين. وهذه الوجوه وغيرها (7) مما يبين (8) امتناع ربين كل منهما معاون للآخر أو كل منهما مانع للآخر، فلم يبق إلا أن يكون كل منهما قادرا مستقلا، _________ (1) ن، م: يوافقه عليه الآخر. (2) ما بين النجمتين ساقط من (أ) ، (ب) . (3) فيه ساقطة من (ع) . (4) ن، م: فلزم. (5) وبالعكس: ساقطة من (ن) ، (م) . (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (ع) . (7) بعد كلمة " وغيرها " توجد ورقة كاملة لم تصور من (م) وهي ظ 88، ص [0 - 9] 9. (8) أ: وغيرها يبين، ب: وغيرها تبين =========================== وحينئذ فيمكن اختلافهما، وإذا اختلفا لزم أن لا يفعل واحد منهما شيئا، ولزم عجزهما ولزم كون كل واحد (1) منهما مانعا ممنوعا. فتبين امتناع ربين، سواء فرضا متفقين أو مختلفين. وأما إذا فرضا مستقلين، وفرض كل منهما مستقلا بخلق العالم فهذا أظهر امتناعا ; لأن استقلال أحدهما يمنع أن يكون له فيه شريك، فكيف إذا كان الآخر (2) مستقلا به؟ فتقدير استقلال كل منهما يقتضي أن يكون كل منهما فعله كله وأن لا يكون واحد منهما فعل منه شيئا، فيلزم اجتماع النقيضين مرتين. ولهذا امتنع أن يكون مؤثران تامان مستقلان يجتمعان على أثر واحد. فإن مثال ذلك أن نقول: هذا خاط الثوب وحده، وهذا خاط ذلك (3) الثوب بعينه وحده، أو أن (4) نقول: هذا أكل جميع الطعام ونقول: هذا أكل جميع ذاك الطعام بعينه. (5) . وهذا كله مما يعرف امتناعه ببديهة العقل بعد تصوره، ولكن بعض الناس لا يتصور هذا تصورا جيدا، بل يسبق إلى ذهنه المشتركان من الناس في فعل من الأفعال، والمشتركان لا يفعل (6) أحدهما جميع ذلك الفعل ولا كانت قدرته حاصلة بالاشتراك، بل بالاشتراك زادت قدرته وكان كل _________ (1) واحد: ساقطة من (ع) . (2) الآخر: ساقطة من (ع) . (3) أ، ب: ذاك. (4) أ، ب، م: وأن. (5) ن: ويقول ذاك أكل جميع الطعام بعينه. (6) ن، ع: لم يفعل ========================== منهما يمكنه حال الانفراد (1) أن يفعل شيئا من الأشياء ويريد خلاف ما يريد الآخر، وإذا أراد خلافه فإن تقاومت قدرتهما تمانعا فلم يفعلا شيئا، وإن قوي أحدهما قهر الآخر، وإن (2) لم يكن لأحدهما قدرة حال الانفراد، لم تحصل له حال الاجتماع إلا من غيرهما، مع أن هذا لا يعرف له وجود، بل المعروف أن يكون لكل منهما حال الانفراد قدرة ما (3) فتكمل عند الاجتماع. وأيضا فالمشتركان في الفعل والمفعول (4) لا بد أن يتميز فعل كل منهما عن الآخر، لا يكون الشيء الواحد (5) بعينه مشتركا (6) فيه، بحيث يكون هذا فعله والآخر فعله، فإن هذا ممتنع كما تقدم. فلو كان ربان لكان مخلوق كل واحد (7) منهما متميزا عن مخلوق الآخر (8) كما قال تعالى: {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [سورة المؤمنون: 91] فذكر سبحانه وجوب امتياز المفعولين، ووجوب قهر أحدهما للآخر، كما تقدم تقريره، وكلاهما ممتنع. فهذه الطرق وأمثالها مما يبين (9) بها أئمة النظار (10) توحيد الربوبية، وهي طرق صحيحة عقلية لم يهتد هؤلاء المتأخرون إلى معرفة توجيهها وتقريرها. _________ (1) ب (فقط) : وكان لكل منهما حال الانفراد. (2) ن، ع: وإذا. (3) ما: ساقطة من (أ) ، (ب) . (4) أ: فالمشترك كان حال الفعل والمفعول، ب: فالمشتركان حال الفعل في المفعول. (5) أ: واحد (6) مشتركان: ساقطة من (ع) . (7) واحد: زيادة في (ع) . (8) أ، ب: مميزا عن خلق الآخر. (9) أ: تبين به، ب: تبين بها، ن: بين به. (10) ن: المتكلمين =========================
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |