صحابة منسيون - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صور من محن علماء المسلمين عبر التاريخ ..... يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 4173 )           »          تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 3878 )           »          المجموع شرح المهذب للنووي(كتاب الصيام)يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 3341 )           »          مواعظ رمضانية... يوميا فى شهر رمضان المبارك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 4103 )           »          الهمم الشبابية العالية والنفحات الإلهية والإيمانية في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 3915 )           »          أكلات رمضانية شهية بالصور والمقادير --- وصفات وأطباق رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 2974 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 27075 )           »          قيام ليلة عيد الفطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          حكم صلاة العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          التأخير لصلاة عيد الفطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-02-2025, 01:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,379
الدولة : Egypt
افتراضي صحابة منسيون

صحابة منسيون:

الصحابي الجليل خُفاف بن ندبة السُّلَميُّ

د. أحمد سيد محمد عمار
أولًا: حياة خُفاف في الجاهلية:
1- اسمه ونسبه:
هو خُفاف بن عُمَيْر بن الحارث بن عمرو - وهو الشَّريد - بن رباح بن يقظة بن عصية بن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار السلمي، وأمه نُدْبَة وإليها يُنسَب.

وخُفاف من أغربة العرب، الذين اختُلِف في عددهم وأسمائهم، فقيل: ثلاثة: عنترة، وأمه زبيبة سوداء، وخُفاف بن عمير، وأمه ندبة وإليها يُنسَب، والسُّلَيْك بن عمير السعدي، وأمه سُلَكَة، وإليها يُنسَب، وقيل: هم أكثر من ثلاثة.

وهو ابن عم الخنساء، شاعرة بني سليم، وأخويها: صخر ومعاوية، ويُكنى أبا خراشة، وهو المراد بقول العباس بن مرداس، وكان يهاجيه:
أبا خراشة أمَّا أنت ذا نفر
فإن قومي لم تأكلهم الضَّبُعُ




2- مولده:
لا يعرف على وجه التحديد متى وُلِدَ خُفاف؛ فالمصادر التي تناولت حياته لا تمُدُّنا بشيء عن مولده، فكل ما تَذْكُرُه أنه شاعر مُخَضْرَم عاش في الجاهلية والإسلام، وأنه قبل إسلامه كان فارسًا مُعلمًا، خاض المعارك مع بني قومه في أيامهم المشهورة، وكل ما يمكن استنتاجه من أخباره وشعره أنه وُلِدَ قبل البعثة المحمدية بنحو من أربعين إلى خمسين سنة.

3- أسرته:
أبوه هو: عمير بن الحارث بن عمرو، وأبوَّة عمير له لا شكَّ فيها، ولا خلاف عليها، ومن ثَمَّ نجد الشاعر قد أخذ طريقًا سويًّا في قبيلته؛ فهو لا يُستعبَد، ولا يُغمز في نسبه.

ولم تذكر المصادر التاريخية أو الأدبية شيئًا عن أبيه، كما لم يَرِدْ له ذكر في شعر خُفاف الذي بين أيدينا.

ولعل في سكوت المصادر عن عُمَير وإغفالها لذكره، ما يدل على أنه - وإن كان غير مغمور في قومه - لم يبلغ فيهم شأوًا، ولم يَنَلْ بينهم زعامة ورياسة، كما أن غلبة نسبة خُفاف إلى أمه لم تجعل لذكر أبيه مكانًا، أما إغفال الشاعر لذكر أبيه، فلربما تركه صغيرًا؛ فلم تَعِ ذاكرته عنه شيئًا، أو لعله تحدث عنه فيما قد ضاع من شعره.

أما أمه، فهي ندْبَة (بضم النون، وفتحها، وكسرها، وسكون الدال).

وتُجمِع المصادر على أن (ندبة) سبية من بني الحرث؛ فقد أغار الحارث بن الشريد - جد خُفاف - على بني الحرث بن كعب، فسبى ندبة فوهبها لابنه عمير، فولدت له خُفافًا؛ فنُسِبَ إليها.

أما نسبها، فقد اختُلِفَ فيه، فقيل هي: بنت الشيطان - وفي بعض المصادر: شيطان - بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبدالله بن ربيعة بن الحرث بن كعب، وقيل: بنت أبان بن شيطان بن قنان بن سلمة.

وهذا النسب يدل على أنها عربية أصيلة، وليست أَمَةً - كما في بعض المصادر - فقد ذكر صاحب الأغاني أنها أمَةٌ سوداءُ، كما عدَّ الجاحظ خُفافًا من أبناء الزنجيات.

وفيما يختص بزواج خُفاف وأولاده، فالواضح من شعره أنه تزوج، وأن له أولادًا، ولكن المصادر التي تناولت حياته لم تذكر شيئًا عن ذلك.

4- حياته ودوره في قبيلته:
نشأ خُفاف في بني سليم، وهم بطن من بطون قيس، معروفون بالفروسية، والشجاعة، وقوة الْمِراس، وبهم يُضرَب المثل في ذلك.

وقوم خُفاف من أشرف بيوتات سليم، وأسماها منزلة؛ يدل على ذلك اهتمام النسَّابة بآل الشريد، واختصاصهم بذكرهم، مبينين أشهر شخصياتهم، وهم حين يفعلون ذلك، إنما يدللون على ما لآل الشريد من نباهة الذكر.


أما عن موقع صاحبنا خُفاف من ذلك، فهو أحد فرسان القبيلة المعدودين، وواحد من أبطالها المغاوير؛ فهو شاعر فارس، جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من الفرسان مع مالك بن نويرة، ومع ابني عمه صخر ومعاوية بني عمرو بن الشريد، ومالك بن حمار الشمخي، وقال عنه الأصمعي: "خُفاف من فرسان العرب المعدودين"، وقال الثعالبي: "كان شاعرًا شجاعًا، وقلَّما اجتمع الشعر والشجاعة في واحد".

كما يعده الجاحظ من مفاخر السودان على البيضان؛ فهو حين يذكر أبناء الزنجيات الذين نزعوا إلى الزنج في البسالة والأَنَفَة، يذكر من بينهم خُفاف بن ندبة، ثم يقول عنهم: "فهؤلاء أشد الرجال أبدانًا، وأشدهم قلوبًا، وأشجعهم بأسًا، وبهم يُضرَب المثل".

ولبسالة خُفاف وجسارته؛ عَلَتْ مكانته في القبيلة، وتطلَّع إلى زعامتها، ونافس أقرانه في سبيل هذه الزعامة، هذا على الرغم من سواده الذي لم يقف في طريق بحثه عن المجد، وتطلعه إلى الزعامة؛ فهذا السواد لم يترك في نفس خُفاف أثرًا يصل إلى درجة العقدة، ويكون حائلًا بينه وبين الوصول إلى سموِّ المنزلة، ورفعة المكانة في قومه.

5- منافسته للعباس بن مرداس، والمناقضات بينهما:
من المعالم البارزة في حياة خُفاف في الجاهلية، منافسته للعباس بن مرداس - أحد فرسان بني سليم المعروفين، وواحد من شعرائها المبرَّزين - على زعامة القبيلة، وقد أثمرت هذه المنافسة بينهما مجموعة من المناقضات، تعتبر من أولى النقائض في الشعر العربي، وتضيف رصيدًا فنيًّا إلى هذا الفن.

وهذه المهاجاة بين خُفاف والعباس يتضح فيها فن النقائض في أكمل أشكاله، وأوضح صوره، وتبين لنا المعالم التي بُنِيَ عليها هذا الفن، كما تكشف لنا عن التطور الذي صاحبه في العصر الجاهلي، حتى وصل إلى ما وصل إليه بعد أن صار فنًّا متكاملًا، له أسلوبه، وله خصائصه.

ثانيًا: حياة خُفاف في الإسلام ودوره فيه:
لا يُعرَف على وجه التحقيق متى أسلم خُفاف وكيف أسلم؛ ذلك أنه كما سكتت المصادر القديمة عن حياته في الجاهلية؛ مما جعل تفاصيلها غير واضحة المعالم، وجوانبها غير متينة الخيوط، فإن هذه المصادر أشد سكوتًا عن حياته في الإسلام، فباتت مطموسة المعالم، واهية الخيوط، شديدة الغموض، عنها في الجاهلية.

وإلى القارئ الكريم بعض ما ذكرته المصادر الأدبية والتاريخية عن إسلام خُفاف وحياته في الإسلام:
شهِد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكة، ومعه لواء بني سليم، وشهد حنينًا والطائف.

شاعر مشهور بالشعر، وهو ممن ثبت على إسلامه في الردة، وهو أحد فرسان قيس وشعرائها.

مخضرَم أدرك الجاهلية وأسلم، وثبت في الردة، ومدح أبا بكر، وبقِيَ إلى أيام عمر.

قال الواقدي في الكلام عن فتح مكة: "ومرت القبائل على قادتها، والكتائب على راياتها، فكان أول من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في بني سليم، وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مرداس السلمي، ولواء يحمله خُفاف بن ندبة، وراية يحملها الحجاج بن علاط"، وفي الكلام عن غزوة حنين، يقول: "وكان في بني سليم ثلاث رايات: راية مع العباس بن مرداس، وراية مع خُفاف بن ندبة، وراية مع الحجاج بن علاط".

وخُفاف من فرسان العرب المعدودين، مخضرم، أدرك الإسلام فأسلم، وحسُن إسلامه، وشهِد الفتح وكان معه لواء بني سليم، وشهد حنينًا، وثبت على إسلامه في الردة، وبقي إلى زمن عمر.

هذا حشد لِما ذكرته المصادر عن حياة خُفاف في الإسلام، آثرتُ أن أسجِّلَه وإن كان مكررًا؛ لأستنتج منه حياة شاعرنا في الإسلام، ودوره فيه، ومن خلال ما عرضته يتضح لنا الآتي:
أولًا: أغفلت المصادر القديمة الحديثَ عن إسلام خُفاف؛ فلم تذكر لنا متى وكيف أسلم، ولكن الواضح أنه أسلم قبل الفتح، بدليل إجماع المصادر على شهوده إياه، والذي تطمئن إليه النفس أن خُفافًا أسلم سنة ثمانٍ من الهجرة، وهو العام الذي أسلمت فيه سليم؛ فقد ذكرت كتب السيرة أن سليمًا دخلت في الإسلام سنة ثمانٍ من الهجرة؛ إذ جاء وفد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبدربه، فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمرَ، وشعارنا مقدمًا، ففعل بهم ذلك، وشهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكة، وكان ذلك سنة ثمانٍ من الهجرة.

فهل كان خُفاف ضمن هذا الوفد فأسلم مع مَن أسلم منه؟ أو تُراه أسلم منفردًا؛ حيث لم يَرِد اسمه في قائمة هؤلاء الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم؟

والذي أراه أن خُفافًا لم يكن ضمن الوفد، وإنما أسلم منفردًا؛ فلعله تأخر عن الوفد لسبب ما، أو لعله سبقه إلى الإسلام؛ إذ لو كان مع وفد قومه، لذُكِرَ مع مَن ذُكِرَ من مشاهيرهم: العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبدربه، خاصة أن خُفافًا لم يكن مغمورًا في قومه، ولا مؤخرًا فيهم، بل فارسهم المقدَّم، وشاعرهم المعروف.

ثانيًا: أن لخُفاف صحبةً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه حديثًا واحدًا، ذكره ابن عبدالبر في (الاستيعاب)، وابن الأثير في (أُسْد الغابة)، ولم أعثر على الحديث في كتب الصحاح الستة، ولا في غيرها من كتب السنة، بيد أني وجدته في المقاصد الحسنة للسخاوي، وفي كشف الخفاء للعجلوني، والحديث مرويٌّ من طرق متعددة، منها خُفاف، وروايتهما تتفق مع رواية ابن عبدالبر، وابن الأثير، مع اختلاف في بعض الألفاظ، ونص الحديث كما ورد في كشف الخفاء: "ورواه أيضًا خُفاف بن ندية أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، على من تأمرني أن أنزل؟ أعلى قريش أم على الأنصار أم أسلمَ أم غفار؟ فقال: ((يا خُفاف، ابتغِ الرفيق قبل الطريق؛ فإن عَرَضَ لك أمر لم يضرك، وإن احتجت إليه رفدك))، والحديث بنصه في المقاصد الحسنة وفيه: ((وإن احتجت إليه نفعك))، بدل "رفدك".

والحديث - كما نُصَّ عليه في كشف الخفاء والمقاصد الحسنة – ضعيف؛ قال في كشف الخفاء بعد أن ذكر الحديث بطرقه المختلفة: "وكلها ضعيفة، ولكن بانضمامها يَقْوَى فيصير حسنًا لغيره"، وقال في المقاصد الحسنة: "وكلها ضعيفة، ولكن بانضمامها تَقْوَى".

والحديث لم تُذكَر مناسبته، ولا الظروف التي قيل فيها، ولكن يُفهَم منه أن خُفافًا كان يرغب في النزول على إحدى القبائل ليقيم بها، فلما استشار الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وجَّهه إلى ما فيه الخير له؛ وهو اختيار الرفيق الصالح، الذي ينصره متى احتاج إليه، ويمُدُّ له يد العون متى احتاج إليها.

ثالثًا: أنه شارك في الأحداث الإسلامية، وقام فيها بدور يتكافأ ومكانته بين الفرسان المعدودين، والأبطال المغاوير؛ فشهِد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكةَ، وكذا شهِد حنينًا والطائف، وكان في مركز الصدارة منها؛ حيث كان يحمل لواء بني سليم في تلك المعارك، كما ثبت على إسلامه في الردة، وتبرأ ممن ارتد من قومه.

رابعًا: أن خُفافًا كان مؤمنًا صادق الإيمان، فثبت على إسلامه في الردة، وعادى قومه، وتبرأ منهم؛ لأن كثيرًا منهم قد ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجل منهم، يُقال له: الفجاءة، أتى أبا بكر رضي الله عنه فقال له: إني مسلم، وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار، فاحملني وأعنِّي، فحمله أبو بكر على ظهر، وأعطاه سلاحًا، فخرج يستعرض الناس - المسلم والمرتد - يأخذ أموالهم، ويصيب من امتنع منهم، فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجز بما كان منه، وأمره بالسير إليه بمن معه من المسلمين حتى يقتله أو يأتيه به، فسار طريفة، فلما التقى الفريقان، ورأى الفجاءة من المسلمين الجِدَّ، قال لطريفة: والله، ما أنت بأولى بالأمر مني، أنت أمير لأبي بكر، وأنا أميره، فقال له طريفة: إن كنت صادقًا ضَعِ السلاح، وانطلق معي إلى أبي بكر، فخرج معه، فلما قدما عليه أمر أبو بكر طريفة بقتله، ففعل ما أمره به، فقال خُفاف بن ندبة، يذكر الفجاءة فيما صنع:
لِمَ يأخذون سلاحه لقتاله
ولِذاكُمُ عند الإله أثامُ
لا دينهم ديني ولا أنا منهمو
حتى يسير إلى الصراة شمامُ


فهو يستنكر هذا الصنيع الغادر، مبينًا أن فاعله آثم، ثم يتبرأ مما دانوا به من ارتداد عن الدين، ويتبرأ من الانتساب إليهم، وهذا دليل على عمق إيمانه، وصدق تدينه.

خامسًا: أنه رثى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأبيات.

سادسًا: عاش خُفاف حتى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أجمعت المصادر التي تناولت حياة خُفاف على ذلك، وحدد البعض سنة وفاته بأنها سنة 20 من الهجرة، (640 ميلادية).

هذه هي حياة خُفاف في الإسلام، وذاك دوره فيه، فماذا عن شعره الإسلامي؟
لم يُعثَر لخُفاف على شعر إسلامي له قيمة في تصوير حياته في الإسلام، وجِلاء غموضها، وكشف خفاياها، وليس فيه ما يجلو دوره في الإسلام، ويُبرِز إسهامه الفعَّال فيه؛ فكل ما بين أيدينا من شعر لخُفاف في الإسلام اثنا عشر بيتًا، بيتان قالهما في الفجاءة يذكره فيما فعل مع أبي بكر، وقد سبقا.

وله في رثاء أبي بكر رضي الله عنه عشرة أبيات، تدل على إيمانه العميق بالله عز وجل، وإعجابه بأبي بكر، وحبه الشديد له؛ وهي التي أولها:
ليس لشيء غير تقوى جداء
وكلُّ شيء عمره للفناء




ولا شكَّ أن لخُفاف شعرًا غير هذا قاله في الإسلام، قد يكون ضاع فيما ضاع من تراثنا العلمي والأدبي والفكري في عصور الغزوين: التتري والصليبي، وقد يكون مطمورًا بين المخطوطات التي تزخَر بها المكتبات العربية والعالمية، ولمَّا تَصِلْ إليها يد الباحثين بعدُ لتنفُض عنها غبار النسيان.

ينظر للمزيد عن خُفاف:
الاستيعاب لابن عبدالبر: 2/ 450، أسد الغابة: 2/ 138، ط الشعب، الإصابة لابن حجر:1/ 448، الأصمعيات: 21، الأعلام للزركلي: 2/ 356، الأغاني: 18/ 74، تاريخ الطبري: 3/ 242، خزانة الأدب: 2/ 472، رسائل الجاحظ: 190، الشعر والشعراء: 1/ 30، طبقات ابن سعد: 4/ 275، كشف الخفاء: 1/ 204، المغازي للواقدي: 2/ 818، المقاصد الحسنة: 151- 152.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-02-2025, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,379
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صحابة منسيون

صَحـابـةٌ مَـنْسِيـُّون

خُـفافُ بْنُ نَضْلَةَ الثَّقَفِيّ

د. أحمد سيد محمد عمار


عرضنا في مقال سابق تحت هذا العنوان للصحابي الجليل: خُفاف بن نُدْبةَ السُّلَمِيّ، وفي مقالنا هذا نتحدث عن صحابي آخر، نسيه أصحاب السير.

(2) خُـفافُ بْنُ نَضْلَةَ الثَّقَفِيُّ:
هو خُفَافُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَهْدَلَةَ الثَّقَفِيُّ، نسبة إلى قبيلة ثقيف العربية التي كانت تعيش بالطائف وما زالت، وهي إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بالقبائل القيسية، وقد أسلمت ثقيف متأخرة في رمضان من العام التاسع للهجرة بعد غزوة الطائف.

وحياة هذا الصحابي الجليل- مع الأسف- يكتنفها غموض شديد، فلا نجد له ترجمة توضح معالم حياته، سواء في الجاهلية أو الإسلام؛ فكل المصادر التي تحدثت عنه لا تذكر لنا إلا وفادته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلامه في إيجاز شديد، دون أن تذكر لنا شيئًا عن حياته في الجاهلية أو في الإسلام، ولكن نستطيع أن نستنتج أنه أسلم في جمادى الآخرة من السنة الثانية من الهجرة، وبذلك يكون سبق قومه في الإسلام بسبع سنين؛ (انظر الهامش: 2).

وفادته على النبي صلى الله عليه وسلم وسبب إسلامه:
قصة إسلام خفاف بن نضلة عجيبة غريبة؛ ويبدو أن الرجل كان على اتصال بالجن، فبينما كان نائمًا ذات ليلة جاءه في المنام جِنيٌّ مسلم، ودعاه إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستجابة لدعوته، وقد تكرَّر ذلك في ليال عدة؛ مما حدا به أن يستجيب لدعوة هذا الجنيِّ؛ فيرحل على ناقته متحملًا كثيرًا من المتاعب والمشاق؛ حيث قطعت به صحراء جرداء مقفرة، لا نبات فيها ولا ماء، ويفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، ويخبره شعرًا بقصته مع الجني، وما لاقاه في رحلته، ثم يعلن إسلامه.

وأول مصدر- فيما أعلم- ترجم له، هو كتاب (معجم الشعراء) للمرزباني (297 - 384 هـ)؛ إذ كل من ترجموا لخفاف نقلوا عنه.

والكتاب مقسم إلى أبواب على حروف المعجم؛ لكن مع الأسف فُقِد منه الجزء الأول الذي فيه ترجمة خفاف؛ حيث عثر عليه ناقصًا، مبدوءًا بحرف العين.

وخبر إسلامه رواه ذابل[1]بن الطفيل بن عمرو الدُّوسيّ؛ فقد روت جمعة أو جميعة - شك من الرواة - بنت ذابل بن طفيل بن عمرو، عن أبيها ذابل بن طفيل بن عمرو الدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد في مسجده منصرفه من الأباطح[2]، فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثقفي، فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]:
كمْ قَدْ تَحَطَّمتِ القَلُوصُ بِيَ الدُّجَى
في مَهْمَهٍ قَفْرٍ مِنَ الفَلَواتِ
فِلٌّ مِنَ التوريسِ ليس بقاعه
نَبْتٌ مِنَ الإسْنات والأَزَماتِ
إني أتاني في المنام مُساعِدٌ
من جِنِّ وَجْرَةَ كان لي ومواتي
يدعو إليك لياليًا ولياليا
ثم احْزَألَّ وقال: لستُ بآتِ
فرَكِبْتُ ناجِيَةً أضَرَّ بِنَيِّها
جَمْزٌ تَخُبُّ به على الأَكَماتِ
حتى وَرَدْتُ إلى المدينة جاهدًا
كيما أراك فَتُفْرِجَ الكُرُباتِ


فاستحسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن من البيان كالسحر، وإن من الشعر كالحكم".

التعليق على هذه الرواية:
الحقيقة في النفس من هذه الرواية شيء؛ وذلك للأسباب الآتية:
أولًا: أنها رويت عن طريق واحد فقط، هو ذيال بن الطفيل، كما أجمعت المصادر التي بين أيدينا، وذيال هذا لا يُعرف له رواية غيرها، ولا ذكر، قال أبو نعيم عن إسلام خفاف بن نضلة: "وفد على النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ذيال بن طفيل، ذكره بعض المتأخرين، ولم يـزد على ما حكيت عنه، ولا يُعرَف له رواية ولا ذكر"؛ (معرفة الصحابة: 2 / 986).

ثانيًا: كل من ترجموا له نقل بعضهم عن بعض نفس الرواية تقريبًا، ومصدرهم الأول والأساس كتاب المرزباني (معجم الشعراء)، وهو ليس من كتب الحديث، ولا كتب التفسير أو السير التي يُسْتنَد إليها في مثل هذا.

رابعًا: أن استحسان النبي صلى الله عليه وسلم لشعره، وإعجابه به بقوله: "إن من البيان كالسحر، وإن من الشعر كالحكم"، كلام فيه نظر لأمرين:
أ- أن الحديث لم يرد بهذا النص في كتب السنة المعتمدة، وإنما ورد بصيغ أخرى تدور حول هذا المعنى، ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك إعجابًا بشعر خفاف بن نضلة إلا في (معجم الشعراء)، ثم تناقله الآخرون عنه، وتذكر بعض الروايات مناسبات أخرى لإعجاب النبي صلى الله عليه وسلم، أولى بالتصديق، كإعجابه ببعض الخطباء أو الشعراء؛ فقال ما قال.

ب- أن أبيات خفاف هذه ليس فيها من سحر البيان، وجمال الأسلوب، وروعة الحكم، ما يستدعي إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بها، وهو- كما نعلم- سيد الفصحاء، وإمام البلغاء.

معاني بعض المفردات:
القلوص من الإبل: الفتيَّة الشابة.
المَهْمَه القفر: الأرض الخلاء التي ليس بها ماء، والجمع: مَهامِه.
الفلوات: جمع فلاة، وهي الصحراء.
فِلٌّ: الفِلُّ: الأرض المجدبة، التي لا نبات بها.
التوريس والورس: نبات أصفر، يُستعمَل في الصبغ.
الإسنات: الجدب، من قولهم: أسنت القوم؛ أي: أجدبوا.
وَجْرَة: موضع بين مكة والبصرة، ليس فيها منزل فهي مرتع للوَحْشِ، كما أنها مأوى للجن.
مُواتي: مطاوع وموافق.
احْزألَّ: ارتفع واجتمع وانضم بعضه إلى بعض.
الناجية: الناقة السريعة التي تنجو بصاحبها.
نَيِّها: النَّـيُّ: الشحم والسِّمَن، يقال: نوت الناقة، إذا سمنت.
جـمز: ضرب من السير سريع.
تَـخُبُّ: تهرول وتُسرِع.
الأكَمات: جمع أكَمَة، وهي التل أو المكان المرتفع.

المصادر والمراجع:
أسد الغابة: ابن الأثير، دار ابن حزم، طبعة أولى، 2012.
الإصابة: ابن حجر العسقلاني، مركز هجر للبحوث والدراسات، القاهرة، ط1، 2008.
بغية الطلب في تاريخ حلب: ابن العديم، دار الفكر، بيروت.
تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، دار الفكر، بيروت 1995.
تهذيب اللغة: الأزهري: الدار المصرية للتأليف والترجمة.
الجبال والأمكنة والمياه:
الخصائص الكبرى: السيوطي، دار الكتب الحديثة، القاهرة:
دلائل النبوة: البيهقي، دار الكتب العلمية، ط1، 1988.
السيرة النبوية: ابن هشام، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
سبيل الهدى والرشاد: محمد بن يوسف الصالحي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1997.
شرف المصطفى: الحافظ الخركوشي النيسابوري، دار البشائر الإسلامية، ط1، 2003.
لسان العرب: ابن منظور، طبعة دار المعارف، مصر.
معجم البلدان: ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1977.
معجم ما استعجم: البكري، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ.
معرفة الصحابة: أبو نعيم الأصبهاني، دار الوطن للنشر، 1998.
نهاية الأرب: النويري، دار الكتب العلمية، ط1، 2004.
الوافي بالوفيات: صلاح الدين الصفدي، ط الجمعية الألمانية، دار صادر، بيروت، 1999.

[1] في معرفة الصحابة: ذيال، وقد وقع صاحب تاريخ دمشق في الاضطراب؛ حيث قال: "عن جمعة أو جميعة بنت زائل بن طفيل بن عمرو، عن أبيها نائل بن طفيل"، فسماه مرة (زائل)، ومرة (نائل)، ولعل ذلك من عمل النُّسَّاخ.

[2] الأباطح: جمع بطحاء، والبطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وهو التراب السهل في بطونها مما قد جرَّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي وبطحاءه مثله، وهو ترابه وحصاه والسهل اللين، وقال بعضهم: البطحاء كل موضع متسع.
وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها: ذات الساق، فصلَّى تحتها، وذلك في جمادى الأولى من السنة الثانية من الهجرة النبوية؛ حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم يطلب قافلة لقريش ذاهبة إِلى الشام، وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ العُشَيْرة من أرض بني مُدْلِج، فوجد القافلة قد فاتته، وقد وادعَ النبي صلى الله عليه وسلم بني مدلج وحلفاءهم وعقد معهم معاهدة، ثم عاد إلى المدينة، دون أن يلقى كيدًا. وبطحاء ابن أزهر تسمى اليوم الدعيثة أو العزيزية غرب المدينة المنورة، ومن هنا نستنتج أن خفاف بن نضلة أسلم في السنة الثانية من الهجرة.
في جميع المصادر ما عدا سبل الهدى والرشاد: الأباطل أو الأباطيل، بدل الأباطح، ولم أجد فيما بين يديَّ من كتب البلدان ما يسمى بهذا الاسم، فهو تحريف، والصواب ما أثبتناه، والله تعالى أعلم.

[3] ينظر: شرف المصطفى:1/ 233، معرفة الصحابة: 2/ 986، دلائل النبوة: 2/ 260، تاريخ مدينة دمشق: 3/ 455، أسد الغابة: 35، بغية الطلب في تاريخ حلب: 1251، نهاية الأرب: 18/ 95، الإصابة: 3/ 308، الخصائص الكبرى: 2/ 199، سبل الهدى والرشاد: 6/ 500، الوافي بالوفيات: 13/ 351.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-02-2025, 01:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,379
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صحابة منسيون

صحابة مَنْسِيُّون

د. أحمد سيد محمد عمار

3- الصحابـي الجليل: آبـي اللحـم الغفاري[1]:
اسمه: اختلفت المصادر التي ترجمت له في اسمه، لكنها اتفقت جميعًا على أنه غِفاريٌّ من غِفار.
فقيل هو: الحويرث بن عبدالله بن خلف بن مالك بن عبدالله بن حارثة بن غفار بن مليل.
وقيل: خلف بن عبدالملك أو (بن مالك) بن عبدالله.
وقيل: عبدالله بن عبدالملك أو (بن مالك).
وقيل: عبدالله بن عبد بن مالك بن عبدالله، وقيل: عبدالله بن عبد ملك.
وقيل: عبدالله بن عبدالله بن مالك.

وجعل بعضهم الحويرث من ولد آبي اللحم؛ جاء في جمهرة النسب، وتهذيب الكمال: "ومن ولده الحويرث بن عبدالله بن آبي اللحم"[2]، فهو جَدُّ الحويرث، ولعل هذا هو الصواب كما سيأتي.

وأغلب الظن عندي من خلال ما بين يدي من المصادر أن الحويرث هو حفيد آبي اللحم وليس اسمه، كما ذكر ذلك صاحب جمهرة النسب، وتابعه صاحب تهذيب الكمال؛ فنسب الاسم إليه خطأ، أو ربما كان الحويرث لقبًا له، ثم سُمِّيَ به حفيده، فتوهم البعض أنه اسم آبي اللحم، وأما عبدالله فهو ابنه، أما هو فخلف بن عبدالملك (أو مالك) بن عبدالله بن حارثة بن غفار بن مليل الغفاري، يتبين لنا ذلك من خلال ما سبق عرضه من اضطراب في اسمه، والله تعالى أعلم.

لماذا لُقِّب بآبـي اللحم؟
آبي اللحم: بهمزة مفتوحة ممدودة، اسم فاعل، من الإباء والامتناع، يُقال: أبى فلان كذا يأباه، فهو آبٍ: رفضه وامتنع عنه.

وقيل في سبب إطلاق هذا اللقب عليه أنه: كان لا يأكل اللحم مطلقًا ويأباه، وقيل: كان لا يأكل ما ذُبِح على النُّصُب للأصنام، وقيل: إن هذا اسم لبطن من بني ليث بن غفار، فنُسب إلى هذا الرجل الذي سُمِّي به البطن المذكور.

والمرجح عندي أنه لُقِّب بذلك لامتناعه عن أكل اللحم مطلقًا، سواء في الجاهلية أو الإسلام؛ لأنه لو كان قد امتنع عما ذُبِح على النصب فقط، ما أُطلِق عليه آبي اللحم؛ لأن امتناعه عنه، لا يمنع أنه كان يأكل غيره.

أما أنه نُسِب إلى بطن من بني ليث بن غفار، فقد انفرد بذلك العيني في شرح سنن أبي داود، وقد بحثت عن هذا البطن فلم أهتدِ إليه؛ مما يؤكد ما ذهبت إليه.

حياته وسيرته:
لم تذكر لنا المصادر التي ترجمت له شيئًا ذا بال عن حياته في الجاهلية؛ فكل ما قيل عن حياته فيها أنه أدرك الجاهلية، وكان شريفًا في قومه بني غفار، كما كان شاعرًا معروفًا، ولكن للأسف لم يصلنا شيء من شعره.

أما عن حياته في الإسلام، فلا نعرف عنها الكثير أيضًا؛ فكل ما ذكر عن إسلامه أنه: صحابي مشهور، من قدماء الصحابة وكبارهم، روى حديثه الترمذي والنسائي، والحاكم وأحمد، روى عنه مولاه عمير.

وكان ممن شهد خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما شهد معه حُنَينًا، وقُتِل فيها شهيدًا، وشهدهما معه مولاه عمير، وكان ينزل الصفراء على ثلاثة أميال من المدينة[3].

أما متى أسلم؟ وكيف أسلم؟ فلا نعرف عن ذلك شيئًا، لكن نرجح أنه أسلم بعد الهجرة بزمن ليس بقليل.

ولعل ما يرجِّح أنه أسلم بعد الهجرة بزمن أنه لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا خيبرَ وحنينًا مع مولاه عمير، وخيبر كانت في العام العام السابع من الهجرة، وحنين في العام الثامن، فلو كان من قدماء الصحابة – كما تذكر المصادر - فأين كان في بدر وأحد والخندق وغيرها؟ وإذا كان شارك فيها أو في بعضها، فلماذا أغفلت تلك المصادر ذكره؟

ومما حُفِظَ لنا من أخبار آبي اللحم، ما رواه مولاه عمير، قال: ((أمرني مولاي أن أقدِّد لحمًا، فجاءني مسكين، فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فدعاه فقال: لِمَ ضربته؟ فقال: يعطي طعامي بغير أن آمُرَه، فقال: الأجر بينكما))[4].

روايته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى عنه مولاه عمير حديثًا واحدًا، لا تُعرَف له رواية غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن قتيبة بن سعيد حدثنا ليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن عبدالله عن عمير مولى آبي اللحم عن آبي اللحم أنه: ((رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي، وهو مقنع بكفيه، يدعو))[5].

قال أبو عيسى الترمذي: "كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله صحبه".

المصادر والمراجع:
1- الاستيعاب، ابن عبدالبر: ت: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992.

2- أسد الغابة: ابن الأثير، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود، علي محمد معوض، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية.

3- الإصابة: ت: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط1، 2008، مركز هجر.

4-التحبير لإيضاح معاني التيسير: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، ت: محمد حسن حلاق، مكتبة الرشد، ط1، 2012.

5- تهذيب الكمال: أبو الحجاج يوسف المزي، ت: د بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1982.

6- جمهرة أنساب العرب: ابن حزم، ت: عبدالسلام هارون، دار المعارف، مصر.

7- جمهرة النسب لابن الكلبي: ت: ناجي حسن، عالم الكتب، ط1، 1986.

8- سنن أبي داود، ت: شعيب الأرنؤوط، وقره بللي، دار الرسالة، ط1، 2009.

9- سنن الترمذي، ت: مركز البحوث، دار التأصيل، ط2، 2016.

10- سنن النسائي، تعليق العلامة الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 11.

11- شرح سنن أبي داود للعيني، ت: أبي المنذر خالد إبراهيم المصري، مكتبة الرشيد، الرياض، الأولى 1999.

12- صحيح مسلم، دار طيبة، الرياض، ط1، 2006.

13- الطبقات الكبير، ت: على محمد عمر، ط الخانجي، القاهرة، ط1، 2001.

14- كتاب الطبقات لخليفة بن خياط، ت: أكرم ضياء العمري، مطبعة العاني، بغداد، ط1، 1967.

15- مسند أحمد، دار السلام للنشر والتوزيع، ط1، 2013.

16- المعجم الكبير، الطبراني، ت: حمدي السلفي، دار ابن تيمية، القاهرة، ط2.

17- المغانم المطابة (قسم المواضع)، الفيروزآبادي، ت: حمد الجاسر، ط1، 1969.

[1] ينظر ترجمته في: (الاستيعاب: 1/ 135- 3/ 943 – 4/ 1591، أسد الغابة: 1/ 147، الإصابة: 1/ 31، التحبير لإيضاح معاني التيسير: 3/ 116، تهذيب الكمال: 2/ 273، جمهرة أنساب العرب: 1/ 186، جمهرة النسب: 1/ 157، شرح سنن أبي داود: 5/ 14، الطبقات الكبير: 5/ 111، طبقات خليفة بن خياط: 32، المعجم الكبير للطبراني: 17/ 65).

[2] جمهرة النسب: 1/ 157، وتهذيب الكمال: 2/ 273.

[3] الصفراء: تأنيث الأصفر: وادٍ قرب المدينة، كثير النخل والزرع والخير، يُجلب منه التمر إلى المدينة وإلى ينبع؛ لحسن تمره، وهي في طريق الحاج، وسلكه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة وبينه وبين بدر مرحلة.

[4] صحيح مسلم: 1/ 455 (1025)، والنسائي: 2537، والمعجم الكبير، الطبراني: 17/ 65: (125).

[5] مسند الأنصار: (21943)، النسائي: (1514)، الترمذي: (565)، معجم الصحابة: (1/ 208)، وأحجار الزيت: موضع بحرة المدينة، غرب المسجد النبوي، قريب من الزوراء، كان يبرز إليه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استسقى؛ سُمِّيَ بذلك لسواد أحجاره، كأنها طُلِيَت بالزيت، ومقنع بكفيه: أقنع الرجل بيديه في القنوت: مدهما واسترحم ربه، مستقبلًا ببطونهما وجهه ليدعو.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-02-2025, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,379
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صحابة منسيون

صحابة مَنْسِيُّون

د. أحمد سيد محمد عمار

الصحابي الجليل خُفاف بن ندبة السُّلَميُّ

أولًا: حياة خُفاف في الجاهلية:
1- اسمه ونسبه:
هو خُفاف بن عُمَيْر بن الحارث بن عمرو - وهو الشَّريد - بن رباح بن يقظة بن عصية بن خُفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار السلمي، وأمه نُدْبَة وإليها يُنسَب.

وخُفاف من أغربة العرب، الذين اختُلِف في عددهم وأسمائهم، فقيل: ثلاثة: عنترة، وأمه زبيبة سوداء، وخُفاف بن عمير، وأمه ندبة وإليها يُنسَب، والسُّلَيْك بن عمير السعدي، وأمه سُلَكَة، وإليها يُنسَب، وقيل: هم أكثر من ثلاثة.

وهو ابن عم الخنساء، شاعرة بني سليم، وأخويها: صخر ومعاوية، ويُكنى أبا خراشة، وهو المراد بقول العباس بن مرداس، وكان يهاجيه:
أبا خراشة أمَّا أنت ذا نفر
فإن قومي لم تأكلهم الضَّبُعُ




2- مولده:
لا يعرف على وجه التحديد متى وُلِدَ خُفاف؛ فالمصادر التي تناولت حياته لا تمُدُّنا بشيء عن مولده، فكل ما تَذْكُرُه أنه شاعر مُخَضْرَم عاش في الجاهلية والإسلام، وأنه قبل إسلامه كان فارسًا مُعلمًا، خاض المعارك مع بني قومه في أيامهم المشهورة، وكل ما يمكن استنتاجه من أخباره وشعره أنه وُلِدَ قبل البعثة المحمدية بنحو من أربعين إلى خمسين سنة.

3- أسرته:
أبوه هو: عمير بن الحارث بن عمرو، وأبوَّة عمير له لا شكَّ فيها، ولا خلاف عليها، ومن ثَمَّ نجد الشاعر قد أخذ طريقًا سويًّا في قبيلته؛ فهو لا يُستعبَد، ولا يُغمز في نسبه.

ولم تذكر المصادر التاريخية أو الأدبية شيئًا عن أبيه، كما لم يَرِدْ له ذكر في شعر خُفاف الذي بين أيدينا.

ولعل في سكوت المصادر عن عُمَير وإغفالها لذكره، ما يدل على أنه - وإن كان غير مغمور في قومه - لم يبلغ فيهم شأوًا، ولم يَنَلْ بينهم زعامة ورياسة، كما أن غلبة نسبة خُفاف إلى أمه لم تجعل لذكر أبيه مكانًا، أما إغفال الشاعر لذكر أبيه، فلربما تركه صغيرًا؛ فلم تَعِ ذاكرته عنه شيئًا، أو لعله تحدث عنه فيما قد ضاع من شعره.

أما أمه، فهي ندْبَة (بضم النون، وفتحها، وكسرها، وسكون الدال).

وتُجمِع المصادر على أن (ندبة) سبية من بني الحرث؛ فقد أغار الحارث بن الشريد - جد خُفاف - على بني الحرث بن كعب، فسبى ندبة فوهبها لابنه عمير، فولدت له خُفافًا؛ فنُسِبَ إليها.

أما نسبها، فقد اختُلِفَ فيه، فقيل هي: بنت الشيطان - وفي بعض المصادر: شيطان - بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبدالله بن ربيعة بن الحرث بن كعب، وقيل: بنت أبان بن شيطان بن قنان بن سلمة.

وهذا النسب يدل على أنها عربية أصيلة، وليست أَمَةً - كما في بعض المصادر - فقد ذكر صاحب الأغاني أنها أمَةٌ سوداءُ، كما عدَّ الجاحظ خُفافًا من أبناء الزنجيات.

وفيما يختص بزواج خُفاف وأولاده، فالواضح من شعره أنه تزوج، وأن له أولادًا، ولكن المصادر التي تناولت حياته لم تذكر شيئًا عن ذلك.

4- حياته ودوره في قبيلته:
نشأ خُفاف في بني سليم، وهم بطن من بطون قيس، معروفون بالفروسية، والشجاعة، وقوة الْمِراس، وبهم يُضرَب المثل في ذلك.

وقوم خُفاف من أشرف بيوتات سليم، وأسماها منزلة؛ يدل على ذلك اهتمام النسَّابة بآل الشريد، واختصاصهم بذكرهم، مبينين أشهر شخصياتهم، وهم حين يفعلون ذلك، إنما يدللون على ما لآل الشريد من نباهة الذكر.


أما عن موقع صاحبنا خُفاف من ذلك، فهو أحد فرسان القبيلة المعدودين، وواحد من أبطالها المغاوير؛ فهو شاعر فارس، جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من الفرسان مع مالك بن نويرة، ومع ابني عمه صخر ومعاوية بني عمرو بن الشريد، ومالك بن حمار الشمخي، وقال عنه الأصمعي: "خُفاف من فرسان العرب المعدودين"، وقال الثعالبي: "كان شاعرًا شجاعًا، وقلَّما اجتمع الشعر والشجاعة في واحد".

كما يعده الجاحظ من مفاخر السودان على البيضان؛ فهو حين يذكر أبناء الزنجيات الذين نزعوا إلى الزنج في البسالة والأَنَفَة، يذكر من بينهم خُفاف بن ندبة، ثم يقول عنهم: "فهؤلاء أشد الرجال أبدانًا، وأشدهم قلوبًا، وأشجعهم بأسًا، وبهم يُضرَب المثل".

ولبسالة خُفاف وجسارته؛ عَلَتْ مكانته في القبيلة، وتطلَّع إلى زعامتها، ونافس أقرانه في سبيل هذه الزعامة، هذا على الرغم من سواده الذي لم يقف في طريق بحثه عن المجد، وتطلعه إلى الزعامة؛ فهذا السواد لم يترك في نفس خُفاف أثرًا يصل إلى درجة العقدة، ويكون حائلًا بينه وبين الوصول إلى سموِّ المنزلة، ورفعة المكانة في قومه.

5- منافسته للعباس بن مرداس، والمناقضات بينهما:
من المعالم البارزة في حياة خُفاف في الجاهلية، منافسته للعباس بن مرداس - أحد فرسان بني سليم المعروفين، وواحد من شعرائها المبرَّزين - على زعامة القبيلة، وقد أثمرت هذه المنافسة بينهما مجموعة من المناقضات، تعتبر من أولى النقائض في الشعر العربي، وتضيف رصيدًا فنيًّا إلى هذا الفن.

وهذه المهاجاة بين خُفاف والعباس يتضح فيها فن النقائض في أكمل أشكاله، وأوضح صوره، وتبين لنا المعالم التي بُنِيَ عليها هذا الفن، كما تكشف لنا عن التطور الذي صاحبه في العصر الجاهلي، حتى وصل إلى ما وصل إليه بعد أن صار فنًّا متكاملًا، له أسلوبه، وله خصائصه.

ثانيًا: حياة خُفاف في الإسلام ودوره فيه:
لا يُعرَف على وجه التحقيق متى أسلم خُفاف وكيف أسلم؛ ذلك أنه كما سكتت المصادر القديمة عن حياته في الجاهلية؛ مما جعل تفاصيلها غير واضحة المعالم، وجوانبها غير متينة الخيوط، فإن هذه المصادر أشد سكوتًا عن حياته في الإسلام، فباتت مطموسة المعالم، واهية الخيوط، شديدة الغموض، عنها في الجاهلية.

وإلى القارئ الكريم بعض ما ذكرته المصادر الأدبية والتاريخية عن إسلام خُفاف وحياته في الإسلام:
شهِد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكة، ومعه لواء بني سليم، وشهد حنينًا والطائف.

شاعر مشهور بالشعر، وهو ممن ثبت على إسلامه في الردة، وهو أحد فرسان قيس وشعرائها.

مخضرَم أدرك الجاهلية وأسلم، وثبت في الردة، ومدح أبا بكر، وبقِيَ إلى أيام عمر.

قال الواقدي في الكلام عن فتح مكة: "ومرت القبائل على قادتها، والكتائب على راياتها، فكان أول من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في بني سليم، وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مرداس السلمي، ولواء يحمله خُفاف بن ندبة، وراية يحملها الحجاج بن علاط"، وفي الكلام عن غزوة حنين، يقول: "وكان في بني سليم ثلاث رايات: راية مع العباس بن مرداس، وراية مع خُفاف بن ندبة، وراية مع الحجاج بن علاط".

وخُفاف من فرسان العرب المعدودين، مخضرم، أدرك الإسلام فأسلم، وحسُن إسلامه، وشهِد الفتح وكان معه لواء بني سليم، وشهد حنينًا، وثبت على إسلامه في الردة، وبقي إلى زمن عمر.

هذا حشد لِما ذكرته المصادر عن حياة خُفاف في الإسلام، آثرتُ أن أسجِّلَه وإن كان مكررًا؛ لأستنتج منه حياة شاعرنا في الإسلام، ودوره فيه، ومن خلال ما عرضته يتضح لنا الآتي:
أولًا: أغفلت المصادر القديمة الحديثَ عن إسلام خُفاف؛ فلم تذكر لنا متى وكيف أسلم، ولكن الواضح أنه أسلم قبل الفتح، بدليل إجماع المصادر على شهوده إياه، والذي تطمئن إليه النفس أن خُفافًا أسلم سنة ثمانٍ من الهجرة، وهو العام الذي أسلمت فيه سليم؛ فقد ذكرت كتب السيرة أن سليمًا دخلت في الإسلام سنة ثمانٍ من الهجرة؛ إذ جاء وفد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبدربه، فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمرَ، وشعارنا مقدمًا، ففعل بهم ذلك، وشهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكة، وكان ذلك سنة ثمانٍ من الهجرة.

فهل كان خُفاف ضمن هذا الوفد فأسلم مع مَن أسلم منه؟ أو تُراه أسلم منفردًا؛ حيث لم يَرِد اسمه في قائمة هؤلاء الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم؟

والذي أراه أن خُفافًا لم يكن ضمن الوفد، وإنما أسلم منفردًا؛ فلعله تأخر عن الوفد لسبب ما، أو لعله سبقه إلى الإسلام؛ إذ لو كان مع وفد قومه، لذُكِرَ مع مَن ذُكِرَ من مشاهيرهم: العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبدربه، خاصة أن خُفافًا لم يكن مغمورًا في قومه، ولا مؤخرًا فيهم، بل فارسهم المقدَّم، وشاعرهم المعروف.

ثانيًا: أن لخُفاف صحبةً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه حديثًا واحدًا، ذكره ابن عبدالبر في (الاستيعاب)، وابن الأثير في (أُسْد الغابة)، ولم أعثر على الحديث في كتب الصحاح الستة، ولا في غيرها من كتب السنة، بيد أني وجدته في المقاصد الحسنة للسخاوي، وفي كشف الخفاء للعجلوني، والحديث مرويٌّ من طرق متعددة، منها خُفاف، وروايتهما تتفق مع رواية ابن عبدالبر، وابن الأثير، مع اختلاف في بعض الألفاظ، ونص الحديث كما ورد في كشف الخفاء: "ورواه أيضًا خُفاف بن ندية أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، على من تأمرني أن أنزل؟ أعلى قريش أم على الأنصار أم أسلمَ أم غفار؟ فقال: ((يا خُفاف، ابتغِ الرفيق قبل الطريق؛ فإن عَرَضَ لك أمر لم يضرك، وإن احتجت إليه رفدك))، والحديث بنصه في المقاصد الحسنة وفيه: ((وإن احتجت إليه نفعك))، بدل "رفدك".

والحديث - كما نُصَّ عليه في كشف الخفاء والمقاصد الحسنة – ضعيف؛ قال في كشف الخفاء بعد أن ذكر الحديث بطرقه المختلفة: "وكلها ضعيفة، ولكن بانضمامها يَقْوَى فيصير حسنًا لغيره"، وقال في المقاصد الحسنة: "وكلها ضعيفة، ولكن بانضمامها تَقْوَى".

والحديث لم تُذكَر مناسبته، ولا الظروف التي قيل فيها، ولكن يُفهَم منه أن خُفافًا كان يرغب في النزول على إحدى القبائل ليقيم بها، فلما استشار الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وجَّهه إلى ما فيه الخير له؛ وهو اختيار الرفيق الصالح، الذي ينصره متى احتاج إليه، ويمُدُّ له يد العون متى احتاج إليها.

ثالثًا: أنه شارك في الأحداث الإسلامية، وقام فيها بدور يتكافأ ومكانته بين الفرسان المعدودين، والأبطال المغاوير؛ فشهِد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتحَ مكةَ، وكذا شهِد حنينًا والطائف، وكان في مركز الصدارة منها؛ حيث كان يحمل لواء بني سليم في تلك المعارك، كما ثبت على إسلامه في الردة، وتبرأ ممن ارتد من قومه.

رابعًا: أن خُفافًا كان مؤمنًا صادق الإيمان، فثبت على إسلامه في الردة، وعادى قومه، وتبرأ منهم؛ لأن كثيرًا منهم قد ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجل منهم، يُقال له: الفجاءة، أتى أبا بكر رضي الله عنه فقال له: إني مسلم، وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار، فاحملني وأعنِّي، فحمله أبو بكر على ظهر، وأعطاه سلاحًا، فخرج يستعرض الناس - المسلم والمرتد - يأخذ أموالهم، ويصيب من امتنع منهم، فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجز بما كان منه، وأمره بالسير إليه بمن معه من المسلمين حتى يقتله أو يأتيه به، فسار طريفة، فلما التقى الفريقان، ورأى الفجاءة من المسلمين الجِدَّ، قال لطريفة: والله، ما أنت بأولى بالأمر مني، أنت أمير لأبي بكر، وأنا أميره، فقال له طريفة: إن كنت صادقًا ضَعِ السلاح، وانطلق معي إلى أبي بكر، فخرج معه، فلما قدما عليه أمر أبو بكر طريفة بقتله، ففعل ما أمره به، فقال خُفاف بن ندبة، يذكر الفجاءة فيما صنع:
لِمَ يأخذون سلاحه لقتاله
ولِذاكُمُ عند الإله أثامُ
لا دينهم ديني ولا أنا منهمو
حتى يسير إلى الصراة شمامُ


فهو يستنكر هذا الصنيع الغادر، مبينًا أن فاعله آثم، ثم يتبرأ مما دانوا به من ارتداد عن الدين، ويتبرأ من الانتساب إليهم، وهذا دليل على عمق إيمانه، وصدق تدينه.

خامسًا: أنه رثى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأبيات.

سادسًا: عاش خُفاف حتى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أجمعت المصادر التي تناولت حياة خُفاف على ذلك، وحدد البعض سنة وفاته بأنها سنة 20 من الهجرة، (640 ميلادية).

هذه هي حياة خُفاف في الإسلام، وذاك دوره فيه، فماذا عن شعره الإسلامي؟
لم يُعثَر لخُفاف على شعر إسلامي له قيمة في تصوير حياته في الإسلام، وجِلاء غموضها، وكشف خفاياها، وليس فيه ما يجلو دوره في الإسلام، ويُبرِز إسهامه الفعَّال فيه؛ فكل ما بين أيدينا من شعر لخُفاف في الإسلام اثنا عشر بيتًا، بيتان قالهما في الفجاءة يذكره فيما فعل مع أبي بكر، وقد سبقا.

وله في رثاء أبي بكر رضي الله عنه عشرة أبيات، تدل على إيمانه العميق بالله عز وجل، وإعجابه بأبي بكر، وحبه الشديد له؛ وهي التي أولها:
ليس لشيء غير تقوى جداء
وكلُّ شيء عمره للفناء




ولا شكَّ أن لخُفاف شعرًا غير هذا قاله في الإسلام، قد يكون ضاع فيما ضاع من تراثنا العلمي والأدبي والفكري في عصور الغزوين: التتري والصليبي، وقد يكون مطمورًا بين المخطوطات التي تزخَر بها المكتبات العربية والعالمية، ولمَّا تَصِلْ إليها يد الباحثين بعدُ لتنفُض عنها غبار النسيان.

ينظر للمزيد عن خُفاف:
الاستيعاب لابن عبدالبر: 2/ 450، أسد الغابة: 2/ 138، ط الشعب، الإصابة لابن حجر:1/ 448، الأصمعيات: 21، الأعلام للزركلي: 2/ 356، الأغاني: 18/ 74، تاريخ الطبري: 3/ 242، خزانة الأدب: 2/ 472، رسائل الجاحظ: 190، الشعر والشعراء: 1/ 30، طبقات ابن سعد: 4/ 275، كشف الخفاء: 1/ 204، المغازي للواقدي: 2/ 818، المقاصد الحسنة: 151- 152.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 110.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.23 كيلو بايت... تم توفير 3.01 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]