|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() هل يجوز لنا أن ننظم بديلاً، هو كالاستثناء الخارج عن الأصل، ونحثّ عليه، ونطوّره، حتى يكون كالأصل، أو يغلب عليه؟ د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري يبرز هذا التساؤل، ونحن أحوج ما نكون لاستعراض جوابه، ولم أجد من الباحثين المعاصرين من تناوله بالتفتيش أو التمحيص؛ هل يجوز لنا أن ننظم بديلاً، هو كالاستثناء الخارج عن الأصل، ونحثّ عليه، ونطوّره، حتى يكون كالأصل، أو يغلب عليه؟. ما وجدته من كلام الفقهاء - رحمهم الله -، يشير بعضه إلى طرف المنع، وبعضه الآخر إلى طرف الجواز: أ- فمما وقفتُ عليه من كلامهم المرشد إلى المنع: (1) تفريق المالكية بين أهل العينة الذين يتعاملون بالربا، وينظمون الحيل، وبين غيرهم من أهل السوق، فمنعوا بعض المعاملات المالية مع هؤلاء، وأجازوها مع غيرهم، واتهموهم فيما لا يتهمون فيه أهل الصحة،[1] تفريقًا منهم بين العمل إذا جاء تلقائياً، أو جاء منظمًا. [2] بل كان المالكية يسلكون مسلك إجازة المسألة إن وقعت مرة، فإن تكررت منعوها؛ لظهور معنى التهمة المقتضية لمنعها، قال ابن قدامة في مسألة من باع تمرًا رديئاً، ثم رجع على المشتري ليشتري منه تمرًا طيبًا، لم يجده عند غيره: "وقال مالك: إن فعل ذلك مرةً جاز، وإن فعله أكثر من مرة لم يجز؛ لأنه يضارع الربا". [3] (2) منع الحنابلة الذين أجازوا خيار الشرط لمدّة طويلة، أن ينظّم هذا الخيار - الذي هو كالاستثناء من أصل لزوم العقد - بما يؤدي لتقصد جرّ النفع في مدّة الخيار، لغير القاصد لعقد البيع حقيقةً. [4] (3) منع الفقهاء - وخصوصًا الشافعية - من التوسع في استخدام صيغ السلم،[5] أو الشفعة،[6] أو المضاربة،[7] أو الحوالة،[8] أو السبق،[9] أو بيع العرايا،[10] باعتبارها خارجة عن الأصل، فلا يقيسون عليها، ولا يتوسعون في التفريع على أحكامها. (4) تعليل الحنفية للمنع من بعض المعاملات المالية بالتخوف من أن يألفها الناس، ويستعملوها فيما لا يجوز. [11] (5) تنبيه الشاطبي في الموافقات[12] على أن حكم الكلّ والتكرار قد يخالف حكم الجزء والمرّة، فقد يكون الشيء في أفراده جائزًا، وفي تنظيمه وتعاطيه من الكلّ محرماً؛ كاللعب بالشطرنج. (6) أن الفعل قد يباح لرفع الحرج، مع عدم تحقيقه للمقاصد الاقتصادية الكبرى للأمّة، فإذا نُظّم وتوسّع فيه صار إلى حكم المنع أقرب؛ لما فيه من صرف مجموع الأمّة عن طريق نهضتها، وعزتها. (7) أن في تنظيم الاستثناء والرخص، وما خرج عن أصله تكثيرًا لمخالفة الأصول؛ فيمنع. [13] (8) ويستأنس كذلك على المنع بما أخرجه مسلم عن أبي ذر t قال: قال لي رسول الله r: "كيف أنتَ إذا كانت عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ أو يميتون الصلاة عن وقتها؟"، قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صلِ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم، فصلِ، فإنها لك نافلة".[14] ووجه الدلالة: أن جمعًا من الشّراح تابعوا النووي في حمل الحديث على تأخيرها عن وقتـها المستحب،[15] فلأيّ شيءٍ يذمون، مع أن ذلك جـائز؟، والجواب - والله أعلم -: لأنهم اتخذوا ذلك عادة،[16] فعاد خلاف الأصل أصلاً. ب- ومما وقفتُ عليه من كلام الفقهاء المرشد للجواز: (1) أن إباحة عقد السلم جاء في مبتدئه للمحتاجين والمفاليس، ثم توسع فيه بعد ذلك ليشمل الأغنياء أيضًا،[17] قال ابن تيمية: "فهذا يفعله مع الحاجة، ولا يفعله بدون الحاجة، إلا أن يقصد أن يتجر بالثمن في الحال، ويرى أنه يحصّل به من الربح أكثر مما يفوت بالسَّلَم". [18] (2) وكذا بيع العرايا في الأصحّ عند الشافعية،[19] بل قال في المهذب: "كل بيعٍ جاز للفقراء جاز للأغنياء؛ كسائر البيوع". [20] ويمكن أن يناقش هذا والذي قبله من وجهين: الأول:أن لمخالفة الأصل أثرًا في منع توسيع الدائرة، يشير إلى ذلك قول الغزالي[21] في بيع العرايا: "أنه ورد في المحاويج؛ فمن يرى الخرص أصلاً يلحق الأغنياء به، ومن لا يراه أصلاً تردد، ولأن الرخص لا تقصر بعد مهدها على أربابها"،[22] وهذا التردد عند من جعل بيع العرايا مخالفًا للأصل يدل على اعتبار منع التوسع فيما خالف الأصل. والثاني: أن الفقهاء - كما سبق قريبًا - ضيّقوا من أحكام السلم، والعرايا، وشدّدوا في شروطهما؛ لكونهما على خلاف الأصل، وكونهم - أو بعضهم - توسعوا في إدخال الأغنياء لا يعني أنهم توسعوا من كل جهة. (3) أن الخرص أباحته الشريعة في مواضع احتيج فيها إليه؛ كخرص الثمار في الزكاة،[23] وخرصها في العرايا،[24] ثم نقله بعض العلماء إلى مواضع أخرى، فأجازوه في بيع المغيّبات في الأرض،[25] وبيع المسك في فأرته. [26] ويمكن أن يناقش: أن هذا من باب القياس على الرخص، واختلفوا فيه،[27] وأياً كان، فهي بخلاف ما نعرض له من تنظيم ذات الرخصة والاستثناء؛ حتى يغلب أو يكثر. القول المختـار: أن التوسع في الرخص، وتنظيم ما كان على خلاف الأصل يحتاج إلى نظرٍ مستقلٍ عن نظر المسألة، تمامًا كحال تركيب المعاملة من عدّة عقود، كلها جائزة؛ فإن ظهر أن هذا التنظيم أدّى للوقوع في سببٍ من أسباب منع المعاملات؛ كالربا أو الغرر الفاحش، أو كان أصل أفراده على الكراهة والذّم، أو أدّى إلى تعطيل ما هو أوجب على مجموع الأمّة، دخله المنع من هذه الجهات، أو من بعضها. والاهتمام بما جاء على وفق الأصل أحقّ بالاعتناء به، وحمل الناس عليه، ما دام ذلك ممكناً،[28] على عكس ما كان على خلاف الأصل فالاحتياط فيه، والتحقق من أسبابه أشدّ.[29] [1] ينظر: المدونة، لمالك، (9/ 89)، البيان والتحصيل، لابن رشد الجد، (7/ 106)، بداية المجتهد، لابن رشد، (2/ 106). [2] ينظر: قضايا في الاقتصاد، للسويلم، ص(382). [3] المغني، (4/ 42). [4] ينظر: الشرح الكبير، للمقدسي، (4/ 70)، الإنصاف، للمرداوي، (4/ 374). [5] ينظر: المبسوط، للسـرخسي، (12/ 126)، فتاوى ابن الصـلاح، (1/ 284)، معـونة أولي النهى، للفتـوحي، (5/ 200). [6] ينظر: تكملة المجموع، للمطيعي، (14/ 305)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (5/ 206). [7] ينظر: أسنى المطالب، لزكريا، (2/ 380)، مغني المحتاج، للشربيني، (3/ 401). [8] ينظر: الحاوي، للماوردي، (6/ 418)، كفاية الأخيار، للحصني، ص(264). [9] ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي، (6/ 227)، حاشية ابن عابدين، (6/ 752). [10] ينظر: المغني، لابن قدامة، (4/ 49)، كشاف القناع، للبهوتي، (3/ 259). [11] ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم، (6/ 216)، حاشية ابن عابدين، (5/ 265)، حجة الله البالغة، للدهلوي، (2/ 919). [12] ينظر: (1/ 133). [13] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (3/ 109)، الذخيرة، للقرافي، (5/ 117)، أسنى المطالب، لزكريا، (1/ 429). [14] في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرّها الإمام، (1/ 448)، برقم 648. [15] ينظر: شرح النووي لمسلم، (5/ 147). [16] ينظر: شرح ابن بطال للبخاري، (2/ 174). [17] يراجع: المبسوط، للسرخسي، (12/ 126)، المغني، لابن قدامة، (4/ 220). [18] تفسير آيات أشكلت، (2/ 698). [19] ينظر: الوسيط، للغزالي، (3/ 191)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص(85). [20] (1/ 275). [21] هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، زين الدين، أبو حامد الشافعي، ونسبته إلى صناعة الغزل - عند من يقول بتشديد الزاي-، أو إلى غزالة - من قرى طوس- لمن قال بالتخفيف، فقيه متكلم أصولي متصوف، من كتبه إحياء علوم الدين، والوجيز في فروع الشافعية، توفي سنة 505هـ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء، للذهبي، (19/ 323-346)، طبقات الفقهاء الشافعـية، لابن الصلاح، (1/ 249-264). [22] الوسيط، (3/ 190-191). [23] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (2/ 64)، مواهب الجليل، للحطاب، (2/ 285)، مغني المحتاج، للشربيني، (2/ 89)، المغني، لابن قدامة، (3/ 14). [24] ينظر: مواهب الجليل، للحطاب، (4/ 503)، مغني المحتاج، للشربيني، (2/ 506)، المغني، لابن قدامة، (4/ 45). [25] ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، (5/ 298)، وعزاه لأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهو مذهب المالكية، ينظر: التلقين، لعبد الوهاب، (2/ 373)، وعزاه ابن قدامة للأوزاعي وإسحاق، ينظر: المغني، (4/ 70). [26] فأرته: أي وعاءه الذي خلق فيه، ينظر: الشرح الكبير، للمقدسي، (4/ 28)، وقال بجوازه: ابن حزم، ينظر: المحلى، (8/ 392)، وابن القيم، ينظر: زاد المعاد، (5/ 821). [27] ينظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص(415). [28] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (27/ 29)، الذخيرة، للقرافي، (1/ 137)، حاشية الدسوقي، (4/ 188). [29] ينظر: أسنى المطالب، لزكريا، (1/ 238)، تحفة المحتاج، لابن حجر الهيتمي، (2/ 379)، و(3/ 353).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |