من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215335 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61198 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29180 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-09-2019, 01:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور

من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور (1)


ناصر عبدالغفور


إن من أجل العلوم العلم بأسماء الله تعالى وصفاته، وكما يُقال: شرف العلم بشرف المعلوم، وهذا العلم موضوعه الأسماء الحسنى والصفات العُلا [1] التي إن تعرَّف العبد عليها وعلِمها، وتَعبَّد الله بها نال الخير بحذافيره، وكيف لا؟! والاشتغال بمعرفة أسماء الله وصفاته اشتغال بما خلق العبد من أجله ألا وهو عبادته سبحانه؛ إذ لا يتصور عبادة مَنْ لا نعرفه؛ لذا أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم والأمر كذلك لنا بالعلم به سبحانه، فقال: "فاعلم أنه لا إله إلا الله"، ومن أعظم طرق العلم بأنه تعالى لا إله إلا هو: "تدبُّر أسمائه وصفاته وأفعاله الدالَّة على كماله وعظمته وجلاله، فإنها تُوجِب بذْلَ الجهد في التألُّه له، والتعبُّد للربِّ الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال"[2].
ولعظم شأنها فقد أكثر القرآن من ذكرها؛ يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان: "القرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله، أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة، والآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته أعظم قدرًا من آيات المعاد، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي[3] المتضمنة لذلك .. وأعظم سورة أم القرآن [4]..."[5].
والإيمان بأسماء الله تعالى يتضمن كما يقول العلماء ثلاثة أمور [6]:
أ‌- الإيمان بالاسم نفسه.
ب‌- الإيمان بما يتضمنه من صفة أو صفات.
ج- الإيمان بآثاره.
وهذا الأمر الثالث هو الثمرة المرجوَّة من العلم بأسماء الله تعالى ومعرفتها، وذلك لأن غاية العلم العمل وظهور آثار هذا العلم في أخلاق الإنسان ومعاملاته بل في حياته كلها.
ومن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب والسنة اسم الله تعالى الغفور، وللإيمان بهذا الاسم العظيم آثار كثيرة، أذكر بعضها:
1- إثبات صفة المغفرة لله جل جلاله:
فالحق الذي يعتقده أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، وأن كل اسم يتضمن صفة أو صفات، بخلاف أهل الضلال من أهل الاعتزال الذين يُثبتون لله تعالى أسماء مجردة سالبين منها كل ما دلَّتْ عليه من معانٍ وأوصاف [7]، والجهمية الذين يُعطِّلون كلًّا من الأسماء والصفات.
فهذه الأسماء تتضمَّن صفة المغفرة لله تعالى، ولا نقول كما تقول المعتزلة: غفور بلا مغفرة.
2- سعة مغفرة الله تعالى:
مهما عظُم الذنب، فمغفرة الله تعالى أعظم، فالله تعالى لا يعجزه ذنب كيفما كان، فمهما أذنب العبد وأسرف فإن مغفرة الله أجلُّ، فهو سبحانه "لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا يكبر عليه عيب أن يستره؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وهذا عامٌّ في جميع الذنوب، من كفر وشِرْك، وشك ونِفاق، وقتل وفسق، وغير ذلك، كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه"[8].
فمهما بلغت ذنوب العباد وعظُمت خطاياهم، فمغفرة الغفور سبحانه أعظم وأوسع؛ كما قال جل شأنه: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32]، فيغفر سبحانه جمًّا كثيرًا مهما عظُم الذنب وكان كبيرًا؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن تغفر اللهم تغفر جمًّا = وأي عَبْد لكَ لا ألَمَّا)) [9].
3- عدم القنوط من رحمة الله تعالى:
فيقين العبد بأن له ربًّا يغفر الذنب، ويمحو الزلة يفتح أمامه باب الأمل والرجاء، ويجعله أبعد ما يكون عن اليأس والقنوط من رحمة رب الأرض والسماء؛ كما قال تعالى في ذلك النداء: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]؛ يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب.
﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾؛ أي: لا تيئَسوا منها، فتُلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثُرت ذنوبنا وتراكمت عيوبُنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مُصرِّين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظُّلْم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار.
﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾؛ أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيَّان، لا تنفكُّ ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسحُّ يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويُوالي النِّعَم على العباد والفواضل في السرِّ والجهار، والعطاءُ أحَبُّ إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته"[10].
و"عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53] إلى آخر الآية، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيرًا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة؛ يقول الله تعالى لهؤلاء: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74]، ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولًا من هؤلاء، من قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، وقال: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مَنْ آيَس عباد الله من التوبة بعد هذا، فقد جحد كتاب الله؛ ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه"[11].

4- عِظَمُ جُرم مَن قنَّط العُصاةَ من رحمة الله تعالى:
إذا كان القنوط من رحمة الله تعالى من أعظم الكبائر، فتقنيط الغير من رحمته سبحانه لا تقل شأنًا وربما تكون أعظم جُرْمًا؛ فعن جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أن رجلًا قال: ((واللهِ، لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألَّى على ألَّا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطتُ عملك)) [12].
(يتألَّى؛ أي: يحلف، والألية - على وزن غنية -: اليمين)، قال النووي: وفي الحديث دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها، وقال الألباني: وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضًا؛ كالكفر وترك صلاة العصر ونحوها"[13].
وفي رواية عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى، عن ضمضم بن جوس اليمامي، قال: قال لي أبو هريرة: يا يمامي، لا تقولنَّ لرجل: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة أبدًا، قلت: يا أبا هريرة، إن هذه لكلمة يقولها أحدُنا لأخيه وصاحبه إذا غضب، قال: فلا تَقُلْها؛ فإني سمِعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كان في بني إسرائيل رجلان كان أحدهما مجتهدًا في العبادة، وكان الآخر مُسْرِفًا على نفسه، فكانا متآخيين، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: يا هذا، أقصر، فيقول: خلني وربي، أبُعِثْتَ عليَّ رقيبًا، قال: إلى أن رآه يومًا على ذنب استعظمه، فقال له: ويحك! أقصِر، قال: خلِّني وربي أبعثتَ عليَّ رقيبًا، قال فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة أبدًا ...قال: فبَعَثَ الله إليهما مَلَكًا، فقبض أرواحهما واجتمعا، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أكنتَ بي عالِمًا، أكنتَ على ما في يدي خازنًا، اذهبُوا به إلى النار))، قال: فوالذي نفس أبي القاسم بيده، لتكلم بالكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
فلنحذر من هذا الأمر الجَلَل، فكم من إنسان يُقنِّط غيرَه من رحمة الله بكلمة يراها خفيفة على لسانه؛ لكنها عظيمة عند ربه؛ كقوله: "لا غفر الله لك"، أو "لا تستحقُّ الجنة"، وغيرها، فلنتَّقِ الله في أنفسنا وفي غيرنا.
5- مغفرة الله تعالى للشرك مقيدة بالتوبة وغيره داخل في مشيئته سبحانه:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، فالآية الأولى مقيدة للثانية، أو أن الشرك المذكور في الأولى داخل في الثانية – جميعًا لكن بشرط التوبة، فالشرك ذنب لا يغتفر إلا إذا تاب منه صاحبه، أما إن مات مُصِرًّا عليه، فمأواه النار وبئس القرار؛ كما قال العزيز الجبار: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
والله تعالى لما فتح باب الرجاء لعباده ونهاهم عن القنوط، وأخبرهم أنه يغفر جميع الذنوب، أمرهم بالتوبة ورغَّبَهم في الإنابة، فقال جل شأنه وتقدَّس اسمه: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ... ﴾ [الزمر: 54] و"هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زَبَدِ البحر، ولا يصحُّ حمل هذه الآية على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتُبْ منه"[14].
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "ولكنْ لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأتِ بها العبد، فقد أغلق على نفسه بابَ الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرُّع والتألُّه والتعبُّد، فهلُمَّ إلى هذا السبب الأَجَلِّ، والطريق الأعظم.
ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه، والمبادرة إليها؛ فقال: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ﴾ [الزمر: 54] بقلوبكم ﴿ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾ [الزمر: 54] بجوارحكم"[15].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحَسَنٌ، لو تخبرنا أن لِما عمِلنا كفارة، فنزل: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان: 68]، ونزل قوله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53] [16].
لكن إن مات المسلم دون توبة [17]، فإنه يكون في مشيئة الله جل في علاه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبَه، وهذا هو الحق الذي عليه أهل سواء السبيل من أهل السنة والجماعة، ويُعضِّدُه الدليل، خلافًا للخوارج والمعتزلة المعارضين للتنزيل.
6- مجاهدة النفس للاتصاف بالغفران في حق من أخطأ في حقِّه من بني الإنسان:
فكما يحب العبد ويرجو ويطمع في مغفرة الله له ومقابلة زلَّاته ومعاصيه بالمغفرة والستر، فعليه أن يُعامل الناس بمثل ما يحبُّ أن يُعامَل به.
ولعل من أروع الأمثلة على ما ذكرت قصة أبي بكر رضي الله عنه مع مسطح رضي الله عنه؛ فعن عائشة رضي الله عنها: "وكان الذي يتكلم به - أي: بالإفك - مسطح وحسان بن ثابت...وحلف أبو بكر ألَّا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا، فأنزل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ... ﴾ [النور: 22] إلى آخر الآية؛ يعني: أبا بكر، ﴿ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ ﴾ [النور: 22]؛ يعني: مسطحًا، إلى قوله: ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] [18]، فقال أبو بكر: بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع"[19].
"أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم، فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام: ((مَنْ لا يَرْحَم لا يُرْحَم)) [20].
فالله تعالى وعد أبا بكر رضي الله عنه بالمغفرة والصفح إن هو غفر لمسطح وصفح عنه، والحكم ليس خاصًّا به؛ وإنما هو عامٌّ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم.
"﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ إذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح، عاملكم بذلك...وفي هذه الآية دليل على الحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم"[21].

[1] معلوم أن توحيد الأسماء والصفات هو أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي استفادها العلماء من نصوص القرآن والسنة بالاستقراء، وقد نازع في هذا التقسيم بعض أهل البدع؛ كالأشاعرة معتبرين إيَّاه أمرًا محدثًا وبدعة، وما ذاك إلا لمخالفتهم سبيل السلف الصالح، ومعارضتهم للمنهج القويم في كثير من مسائل الاعتقاد.

[2] تيسير الكريم الرحمن.

[3] كما في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟))، قال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، فضرب بيده في صدره، وقال: ((ليهنك العلم أبا ذر)).

[4] فعن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه مرفوعًا: ((... لأعلمنَّكَ أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد...الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))؛ رواه البخاري وغيره.

[5] "درء تعارض العقل والنقل".

[6] إن كان الاسم متعديًا، أما الإيمان بالأسماء اللازمة كاسم الحي مثلًا فيتضمن أمرين فقط: الإيمان بالاسم وبما تضمَّنه من صفة أو صفات.

[7] وقد بيَّن العلماء بطلان مذهبهم وكساد رأيهم، ولعل في مقدمتهم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في بعض كتبه؛ كالعقيدة التدمرية وغيرها، ومن وجوه الرد أن المعتزلة فرقوا بين المتماثلين فكل من الأسماء والصفات ورد بها الخبر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلمَ أثبتوا الأسماء دون الصفات مع أن الأصل واحد والمسمى والموصوف بها واحد جل في علاه؟ ويمكن الرد عليهم في ظل أصل: "القول في الصفات كالقول في الأسماء" وهو مندرج تحت الأصل المعروف: "القول في بعض الصفات كالقول في البعض".

[8] تفسير ابن كثير:2/ 380.

[9] رواه الترمذي، وصححه العلامة الألباني، صحيح الجامع:1417.

[10] تيسير الرحمن: 727.

[11] تفسير ابن كثير:7/ 108.

[12] رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب: النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى، ح رقم: 2621.

[13] الصحيحة:4/ 254.

[14] تفسير ابن كثير: 7/ 106.

[15] تيسير الرحمن: 727.

[16] متفق عليه.

[17]من أي معصية ما عدا الشرك.

[18] "قال عبدالله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى"؛ الجامع للقرطبي:12/ 207.

[19] صحيح البخاري، كتاب: التفسير، باب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... ﴾ [النور: 19].

[20]جامع الأحكام: 12/ 208.

[21] تيسير الرحمن: 563.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 88.68 كيلو بايت... تم توفير 1.70 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]