شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 208 - عددالزوار : 70710 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 469 - عددالزوار : 12565 )           »          مشروبات لحرق الدهون وإنقاص الوزن الزائد بعد كحك وبسكويت العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          اعرفى الطرق الصحيحة لتخزين الكحك والحفاظ عليه لمدة أطول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إزاى تخسرى 5 كيلو من وزنك فى أسبوعين بعد حلويات رمضان وكحك العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          5 مشروبات من فواكه الربيع تقدم للضيوف فى العيد.. أبرزها التوت والأناناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أبرز اتجاهات الستائر لعام 2024.. لو فرحك بعد العيد ولسه بتجهزى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          طريقة عمل طاجن الكوارع فى ثالث أيام العيد بخطوات سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          لو قلقان من زيادة الوزن فى العيد.. 5 نصائح للحافظ عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          5 حلويات لذيذة غير الكحك والبسكويت قدميها لضيوفك فى العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 15-12-2022, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث (كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود) ]. أورد أبو داود هنا حديث البراء بن عازب ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود) ]. قوله: [ (ثم لا يعود) ] هذا هو الذي فيه الإشكال من ناحية كونه لا يعود إلى رفع اليدين بعد ذلك، فهذا هو الذي يعارض ما جاء في الأحاديث الأخرى، لكن الحديث ضعيف، فلا يقاوم تلك الأحاديث، ثم إن عدداً من الرواة رووه بدون كلمة (ثم لا يعود) ورواية كونه إذا افتتح الصلاة كبر لا تنافي الروايات الأخرى التي فيها أنه يكبر عند الركوع وعند الرفع منه، مثل حديث ابن مسعود الذي تقدم، وإنما الإشكال في كلمة (ثم لا يعود)، لكن الحديث غير ثابت من أجل يزيد بن أبي زياد الذي فيه، وهو ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا افتتح الصلاة يرفع يديه إلى قريب من أذنيه)


قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الرواة المخالفون لمن ذكر (ثم لا يعود) وتراجمهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن يزيد نحو حديث شريك ، لم يقل: (ثم لا يعود). قال سفيان : قال لنا بالكوفة بعد: (ثم لا يعود). قال أبو داود : وروى هذا الحديث هشيم و خالد و ابن إدريس عن يزيد لم يذكروا: (ثم لا يعود) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه عدم ذكر زيادة (ثم لا يعود) وقال سفيان بن عيينة : إنه قال لهم فيما بعد في الكوفة: (ثم لا يعود). ثم ذكر أن عدداً من الرواة رووه عن يزيد بن أبي زياد ولم يذكروا فيه زيادة (ثم لا يعود) التي هي فيها الإشكال. وقد اختلف في إثباتها وعدم إثباتها، فعدد من الرواة رووا الحديث عن يزيد بن أبي زياد ليس فيه ذكر (ثم لا يعود) وبعضهم رواه بذكرها، و يزيد بن أبي زياد ضعيف، فلا يعول على ما جاء في حديثه، سيما ما جاء مخالفاً لما جاء في الصحيحين وفي غيرهما. قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المخرمي الزهري ، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، وليس سفيان الثوري ؛ لأن عبد الله بن محمد الزهري من صغار شيوخ أبي داود ، فهو لم يدرك سفيان الثوري ، ولكنه قد أدرك سفيان بن عيينة ؛ لأن ابن عيينة توفي بعد التسعين ومائة، وأما الثوري فقد توفي سنة إحدى وستين ومائة. و سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد ]. هو ابن أبي زياد . [ نحو حديث شريك ] أي: نحو حديث شريك المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا. قوله: [ قال أبو داود : وروى هذا الحديث هشيم ]. هشيم هو ابن بشير الواسطي ، وهو ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس الأودي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد ]. هو ابن أبي زياد .

شرح حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا معاوية و خالد بن عمرو و أبو حذيفة قالوا: حدثنا سفيان بإسناده بهذا، قال: (فرفع يديه في أول مرة) وقال بعضهم: (مرة واحدة) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله في أنه رفع يديه في أول مرة عند تكبيرة الإحرام. قوله: [ (فرفع يديه في أول مرة) وقال بعضهم: (مرة واحدة) ] معناه أنه لم يكرر ذلك، والحديث -كما هو معلوم- من طريق يزيد بن أبي زياد .

تراجم رجال إسناد حديث رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا معاوية ]. هو معاوية بن هشام وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ و خالد بن عمرو ]. خالد بن عمرو كذبوه، ورماه ابن معين بالكذب، ونسبه صالح جزرة وغيره إلى الوضع، وأخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و أبو حذيفة ]. هو موسى بن مسعود النهدي ، صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

مرجع الضمير في قول الرواة عن سفيان (حدثنا سفيان بإسناده هذا)


قوله: [ قالوا: حدثنا سفيان بإسناده بهذا وقال: (فرفع يديه في أول مرة) وقال بعضهم: (مرةً واحدة) ]. المراد بذلك إسناد سفيان في حديث ابن مسعود [ ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ] وليس الضمير عائداً إلى حديث البراء بن عازب ، فإنه لما ذكر حديث ابن مسعود بالإسناد الأول ثنى بهذا السند، وهو قوله: [ حدثنا الحسن حدثنا معاوية و خالد بن عمرو و أبو حذيفة قالوا: حدثنا سفيان بإسناده بهذا.. ] وحصل الإشكال في إدراج حديث البراء بين الإسنادين. ويؤكد ذلك قوله في الإسناد الثاني: [ (فرفع يديه في أول مرة) وقال بعضهم: (مرة واحدة) ]. وهو يوافق ما جاء في حديث ابن مسعود في أول الباب.

شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن عبد الرحمن أخبرنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف). قال أبو داود : هذا الحديث ليس بصحيح ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى, وهو مثل الذي قبله في أنه رفع يديه عند افتتاح الصلاة ثم لم يرفعهما، فهو مثل ما تقدم في حديث يزيد بن أبي زياد حيث قال: [ (ثم لا يعود) ] يعني أنه لم يعد إلى رفعهما، بل رفعهما في الموضع الأول، وعرفنا أن تلك الزيادة ضعيفة، وهي قوله: [ (ثم لا يعود) ]، وكذلك الحديث هذا ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة)


قوله: [ حدثنا حسين بن عبد الرحمن ]. حسين بن عبد الرحمن مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن وكيع عن ابن أبي ليلى ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي مر ذكره، و ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو فقيه مشهور، وهو المشهور في مسائل الفقه عندما يقال: ابن أبي ليلى ، ولكنه في الحديث متكلم فيه، وهو صدوق سيء الحفظ جداً، وهناك من يقول: إنه ضعيف. أخرج له أصحاب السنن. [ عن أخيه عيسى ]. هو عيسى بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى و البراء قد مر ذكرهما. قوله: [ قال أبو داود : هذا الحديث ليس بصحيح ]. يعني أن فيه ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن .

شرح حديث رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه مداً في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، فذكر فيه رفع اليدين عند الدخول في الصلاة، وهذا -كما هو معلوم- لا ينافي ما جاء من الأحاديث التي فيها ذكر الرفع عند الركوع والرفع في مواضع أخرى، وإنما ذكر أنه يرفع يديه عند دخوله في الصلاة مدا.

تراجم رجال إسناد حديث رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه مداً في الصلاة


قوله: [ عن سعيد بن سمعان ]. سعيد بن سمعان ثقة، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.

الأسئلة



حكم المضمضة والاستنشاق وتخليل اللحية

السؤال: ما حكم المضمضة والاستنشاق وتخليل اللحية في الوضوء؟

الجواب: المضمضة والاستنشاق واجبان، وأما تخليل اللحية فهو مستحب، ويكون مع غسل الوجه.

كيفية استعمال الماء للوضوء بغير إسراف


السؤال: كيف نستعمل الماء للوضوء من غير إسراف إذا كان الماء يجري باستمرار؟

الجواب: الماء يجري من الصنابير في كل مكان، فعلى المتوضئ إذا فتح الصنبور أن لا يفتحه بقوة، بل يفتحه بمقدار ما يكفيه، وعندما يتوضأ لا يزيد على ثلاث غسلات، وبذلك يكون الإنسان غير مسرف، فلا يتجاوز، ولا يصب الماء صباً قوياً بحيث يهدر ماءً كثيراً في أثناء الوضوء.

حكم النافلة قبل صلاة العشاء


السؤال: هل هناك صلاة نافلة قبل صلاة العشاء؟

الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) فما بين الأذان والإقامة في المغرب، وما بين الأذان والإقامة في العشاء كل ذلك داخل تحت قوله: (بين كل أذانين صلاة) ويعني بالأذانين الأذان والإقامة.

أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرأي والاعتقاد


السؤال: هل يصح أن يقال: إن أبا حنيفة -رحمه الله تعالى- إمام أهل الرأي، ولا يدخل في أهل السنة؟ فإن كان لا يصح ذلك فلم جرحه أئمة السلف؟

الجواب: لا، بل هو من أهل السنة، ومعدود مذهبه في مذاهب أهل السنة الأربعة، وهو وإن كان من أهل الرأي لأنه غلب عليه الاجتهاد والقول بالرأي إلا أنه من أهل السنة، ومذهبه أحد مذاهب أهل السنة الأربعة. وأما فعل السلف فإنهم تكلموا في الرواة بما فيهم جرحاً وتعديلاً، وكون أبي حنيفة صاحب مذهب أو إماماً مشهوراً بالفقه لا يعني أنه لا كلام فيه أو أنه لم يتكلم فيه، بل تكلموا فيه من حيث الرواية، وأما من حيث الفقه ومن حيث المذهب فهو إمام مشهور. ومن ناحية الاعتقاد هو من أهل السنة، و الطحاوي لما ذكر عقيدة أهل السنة ذكر أن ذلك هو اعتقاد أبي حنيفة وغيره من الأئمة. إلا أن الذي أخذ عليه هو قوله بعدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان، وهو الذي يسمى إرجاء الفقهاء، فهو ممن لا يجعل الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ولهذا فإن الطحاوي رحمه الله ما ذكر في تعريف الإيمان العمل بالجوارح، وإنما ذكر قول اللسان واعتقاد الجنان.

حكم استقرار غير الطلاب في السكن الجامعي


السؤال: هل يجوز للطلاب أن يخبروا عمادة شئون الطلاب بالجامعة بأنه يوجد في السكن الجامعي من هو من غير الطلاب؟

الجواب: الجامعة إذا كانت لا تسمح بأن يسكن إلا الطلاب، وطلبت من أحد أن يخبرها فعليه أن يخبر بالشيء الذي يسأل عنه إذا كان يعلمه، وهذا إذا كان يسكن باستمرار، وأما إذا كان ضيفاً جاء ليوم أو يومين أو ثلاثة مع شخص في الجامعة فالضيافة لها حق، لكن من يسكن باستمرار ويستفيد من خدمات الجامعة باستمرار فإنه يحتاج إلى إذن الجامعة صاحبة الحق.

حكم قول (لا إله إلا الله) قياساً عند الحلف بغير الله تعالى


السؤال: ورد في الحديث أنه من حلف باللات والعزى فليقل: (لا إله إلا الله) فهل يقاس على ذلك كل حلف بغير الله تعالى؟

الجواب: كان العرب في أول الأمر قد جرت ألسنتهم بذكر اللات والعزى والحلف باللات والعزى، فأمروا عندما يحلفون باللات بأن يقولوا: (لا إله إلا ال)له. ومعناه أن هذا الذي حصل منهم جرت به ألسنتهم حين اعتادوه، وهذا شيء غير مقصود لهم، فأمروا بأن يقولوا: (لا إله إلا الله) حتى يأتوا بالتوحيد وحتى يستذكروا التوحيد عندما يحصل منهم ذلك. أما بعد ذلك وبعدما عرفت الأحكام واستقر حكم ذلك في عقول الناس فليس لإنسان أن يحلف بغير الله تعالى ثم يقول: (لا إله إلا الله). فأولئك اعتادوا على الحلف باللات والعزى، فأمروا بأن يأتوا بكلمة (لا إله إلا الله) حتى يستذكروا التوحيد ويستذكروا أن ذلك قد نسخ وقضي عليه، وأن أمور الجاهلية كلها انتهت ولم يبق عندهم إلا التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، أما بعد ذلك فلا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله عز وجل، وعليه أن يقلع عن ذلك وأن يبتعد عنه، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحلفون بآبائهم وأمهاتهم، فجاء الحديث: (لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا تحلفوا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون). وقد حصل أن عمر رضي الله عنه أدركه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وأبي وأبي. فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم) قال: (فما حلفت بعد ذلك ذاكراً ولا آثراً) يعني: ما حلفت بذلك ولا حكيت أن أحداً حلف بغير الله عز وجل.

حكم اتخاذ المسلمين في البلدان النصرانية يوم الأحد عيداً


السؤال: في بعض البلاد الإسلامية تكون العطلة الرسمية الأسبوعية يوم الأحد، فيخرج الناس في هذا اليوم للنزهة وقضاء الحاجات ويغلقون أبواب محلاتهم، فهل هذا جائز شرعاً؟

الجواب: لا يجوز للمسلمين أن يكون يوم راحتهم ويوم عيدهم يوم الأحد، بل عيد الأسبوع للمسلمين هو يوم الجمعة، كما جاء عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه -كما في صحيح البخاري - أنه خطب الناس في يوم الأضحى فقال: (إنه اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان). وكان قد وافق يوم جمعة، فقال: (اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان) يعني عيد الأسبوع وعيد السنة، فعيد المسلمين هو يوم الجمعة، فكيف يجعل المسلمون عيدهم الأسبوعي يوم الأحد الذي هو عيد النصارى؟!

الراجح فعله عند الهوي إلى السجود

السؤال: ما هو الراجح عند الهوي إلى السجود، هل تقدم اليدان قبل الركبتين أو تقدم الركبتان قبل اليدين؟

الجواب: الأمر في ذلك واسع، وحديث أبي هريرة ما سلم من كلام، والحديث الآخر -أيضاً- ما سلم من كلام، فأقول: الأمر في ذلك واسع، ومن صح عنده شيء فليعمل به، ومن لم يصح عنده شيء فالأمر في ذلك واسع."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 15-12-2022, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [099]
الحلقة (130)

شرح سنن أبي داود [099]

من سنن الصلاة: وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى حال القيام، وقد وردت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما وردت الأحاديث ببيان كيفية وضعهما، وموطن النزاع في ذلك هو في محل وضعهما، فمثل هذه السنة ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها.

وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة



شرح حديث صف القدمين ووضع اليد على اليد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد عن العلاء بن صالح عن زرعة بن عبد الرحمن سمعت ابن الزبير رضي الله عنهما يقول: (صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]، فأبو داود رحمه الله رتب الأبواب التي أوردها على وفق تنفيذ أعمال الصلاة؛ لأنه أولاً ذكر استفتاح الصلاة وأنه يكون بالتكبير ويكون فيه رفع اليدين، ثم لما فرغ من ذلك انتقل إلى وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة؛ لأن الإنسان أولاً يكبر ويرفع يديه ثم يضع اليد اليمنى على اليسرى، ثم بعد ذلك يأتي بالاستفتاح، فترتيبه رحمه الله للموضوعات أو للأبواب التي أوردها موافق لهيئة الصلاة ولكيفية الصلاة. وأورد المصنف هنا حديث ابن الزبير أنه قال: [ (صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة) ]. ومعنى صف القدمين أن الإنسان في الصلاة يصف قدميه متساويتين ليس في إحداهما تقدم ولا تأخر، وليس المراد إلصاقهما، بل المراد تساويهما في مكان الوقوف. وبعد ذكر صف القدمين ذكر وضع اليد على اليد في الصلاة ثم قال: [(من السنة)] والصحابي إذا قال: (من السنة) فإن قوله يكون من قبيل المرفوع؛ لأن المقصود بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه ذكر وضع اليد على اليد. قيل: والحكمة من ذلك أن فيه خضوعاً وتذللاً لله سبحانه وتعالى، ولهذا فإن هذه الهيئة من خصائص الصلاة ولا تفعل أمام أحد من الخلق، وإنما تفعل والإنسان يناجي ربه في الصلاة، وهي هيئة ذل وخضوع لله سبحانه وتعالى، فإذا دخل الإنسان في صلاته يناجي ربه فإنه يكون على هذه الهيئة التي هي تذلل وخضوع لله سبحانه وتعالى. وهذه الهيئة تفعل في سائر أحوال المصلين، سواء أكان المصلي منفرداً أم في جماعة، ويمكن أن يكون معنى قوله: [(صف القدمين)] تراص الصفوف واتصالها في صلاة الجماعة، إلا أن قوله: [(صف القدمين)] يشمل جميع أحوال المصلي، فيكون المعنى هو تساويهما.
تراجم رجال إسناد حديث صف القدمين ووضع اليد على اليد

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن صالح ]. العلاء بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن زرعة بن عبد الرحمن ]. زرعة بن عبد الرحمن مقبول، أخرج له أبو داود. [ سمعت عن ابن الزبير ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم وأرضاهم يكفي الواحد منهم أن يقال عنه: إنه صحابي.
شرح حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم يد ابن مسعود اليمنى على اليسرى

قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بكار بن الريان عن هشيم بن بشير عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود رضي الله عنه (أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أطلقها وجعل اليمنى على اليسرى، فأرشده وفعل به الهيئة الصحيحة، وهي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، إذ كان قد وضع اليسرى على اليمنى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يديه وجعل اليمنى فوق اليسرى.

تراجم رجال إسناد حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم يد ابن مسعود اليمنى على اليسرى


قوله: [ حدثنا محمد بن بكار بن الريان ]. محمد بن بكار بن الريان ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود. [ عن هشيم بن بشير عن الحجاج بن أبي زينب ]. هشيم بن بشير مر ذكره، وهو من المدلسين، قال العراقي في الألفية: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش والحجاج بن أبي زينب صدوق يخطئ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي عثمان النهدي ]. هو عبد الرحمن بن مل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. قد مر ذكره.

شرح حديث ( من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حفص بن غياث عن عبد الرحمن بن إسحق عن زياد بن زيد عن أبي جحيفة أن علياً رضي الله عنهما قال: (من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة) ]. أورد المصنف حديث علي رضي الله عنه أنه قال: [(من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة)]. والحديثان الأولان فيهما ذكر وضع اليدين، ولكن ليس فيهما ذكر الموضع الذي تكون اليدان عليه تحت السرة أو فوق السرة، فهما مطلقان ليس فيهما تعيين المكان الذي تكون عليه اليدان في حال وضع إحداهما على الأخرى، وفي هذا الحديث بيان أنه تحت السرة، لكن ما ورد من أنه تحت السرة غير صحيح، بل الذي صح أنه على الصدر، وجاء في بعض الرويات: (فوق السرة) لكن ما تحت السرة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث من الأحاديث التي لم تثبت؛ لأن فيه عبد الرحمن بن إسحاق ، وهو ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث ( من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة )


قوله: [ حدثنا محمد بن محبوب ]. محمد بن محبوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ عن حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن زياد بن زيد ]. زياد بن زيد مجهول، أخرج له أبو داود وحده. فالحديث فيه ضعيف وفيه مجهول. [ عن أبي جحيفة ]. هو وهب بن عبد الله السوائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن علياً ]. هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث إمساك علي رضي الله عنه شماله بيمينه فوق السرة

قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة -يعني ابن أعين - عن أبي بدر عن أبي طالوت عبد السلام عن ابن جرير الضبي عن أبيه قال: رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة . قال أبو داود : وروي عن سعيد بن جبير : فوق السرة. وقال أبو مجلز : تحت السرة. وروي عن أبي هريرة وليس بالقوي ]. أورد أبو داود حديث علي من طريق أخرى وفيه الاختلاف فوق السرة وتحت السرة. قوله: [ رأيت علياً رضي الله عنه يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة ]. الرسغ هو المفصل بين الكف والساعد، وقد سبق أن ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجعل يده اليمنى على ثلاثة أشياء من اليسرى: على الساعد والرسغ والكف.

تراجم رجال إسناد حديث إمساك علي رضي الله عنه شماله بيمينه فوق السرة


قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة -يعني ابن أعين -]. محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وكلمة (يعني ابن أعين ) زادها من دون أبي داود ، وفاعل (يعني) ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود نفسه، وأما قائلها فهو من دون أبي داود . [ عن أبي بدر ]. هو شجاع بن الوليد الكوفي ، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي طالوت عبد السلام ]. أبو طالوت عبد السلام ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن ابن جرير الضبي عن أبيه ]. هو غزوان بن جرير الضبي ، مقبول، أخرج له أبو داود . وأبوه جرير الضبي -أيضاً- مقبول، أخرج له أبو داود. و جرير الضبي هذا غير جرير بن عبد الحميد الذي في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، وهو الذي يأتي ذكره كثيراً في الأسانيد فيقال قال أبو داود : حدثنا فلان حدثنا جرير . وأما هذا فهو جرير الضبي في طبقة عالية؛ لأنه في طبقة التابعين. [ قال أبو داود : وروي عن سعيد بن جبير : فوق السرة ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال أبو مجلز : تحت السرة ]. أبو مجلز هو لاحق بن حميد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه وليس بالقوي ]. يعني كونه تحت السرة، وقوله: [ وليس بالقوي ] يعني الحديث.

شرح حديث أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي عن سيار أبي الحكم عن أبي وائل قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة. قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أنه قال: [ أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة ]. يعني أن الإنسان إذا أخذ بيمينه على شماله يجعلهما تحت السرة، وهذا غير ثابت، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الذي سبق أن مر، وهو ضعيف. قوله: [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ]. ذكر هنا تضعيف الإمام أحمد لعبد الرحمن بن إسحاق .

تراجم رجال إسناد حديث أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة


قوله: [ حدثنا مسدد عن عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي عن سيار أبي الحكم ]. سيار أبي الحكم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره.

شرح حديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى )


قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم -يعني ابن حميد - عن ثور عن سليمان بن موسى عن طاوس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة) ]. أورد أبو داود الحديث مرسلاً من طريق طاوس بن كيسان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره. وهذا فيه التنصيص على أنه يكون وضعهما على الصدر، لكن الحديث مرسل، ولكنه قد جاءت أحاديث أخرى، من أصحها حديث وائل بن حجر في صحيح ابن خزيمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره) فالثابت هو على الصدر.

تراجم رجال إسناد حديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى )


قوله: [ حدثنا أبو توبة ]. أبو توبة هو الربيع بن نافع ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الهيثم -يعني ابن حميد - ]. الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن ثور ]. هو ثور بن يزيد الحمصي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث مرسل؛ لأن قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو من قبيل المرسل، لكن هذا المرسل مطابق لما جاء من حديث وائل بن حجر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم في ثبوت وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 15-12-2022, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الأسئلة



حكم الدعاء بقول (اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)


السؤال: ما صحة قول الداعي: (اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه)؟

الجواب: هذا ينسب إلى عمر رضي الله تعالى عنه ولا أدري بثبوته، والذي يبدو أن مثل هذا لا يصلح، فلا يقل الإنسان: اللهم إني لا أسألك كذا. بل يسأل الله عز وجل ما يريد بدون أن ينفي، بل يثبت ويسأل الله عز وجل ما يريد، فيقول: اللهم إني أسألك كذا وكذا. ولا يقول: اللهم إني لا أسألك كذا وإنما أسألك كذا. وقد يقال: ما الحكم لو قال: اللهم أسألك اللطف فيما جرت به المقادير؟ فالجواب أن هذا لا بأس به؛ لأن كل شيء مقدر، والإنسان يسأل الله أن يلطف به فيما قدره.

أجر العمرة بصلاة الفريضة في مسجد قباء


السؤال: من أتى مسجد قبا وصلى فيه صلاة فريضة فهل يثبت له أجر العمرة؟

الجواب: من توضأ في بيته ثم ذهب وأدرك الصلاة في مسجد قبا وصلى ثم رجع يدخل تحت قوله: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قبا فصلى فيه صلاةً كان كأجر عمرة) وذلك يشمل الفرض ويشمل النفل.

حكم تخصيص آيات من القرآن للسكينة عند اضطراب القلب


السؤال: قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين في منزلة السكينة: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة، قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة. قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبة. وقد جربت أنا -أيضاً- قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيماً في سكونه وطمأنينته. قال ابن القيم : آيات السكينة في ستة مواضع في القرآن: الأول: قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:248]، وقوله: ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:26]، وقوله: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا [التوبة:40]، وقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح:4]، وقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]، وقوله: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:26]. فهل قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب مما يرد عليه مشروع؟

الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على مشروعيته. وقد يقال: هل قول ابن تيمية رحمه الله: اقرءوا آيات السكينة طلبٌ للاسترقاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: (لا يسترقون) فكيف سيكون ابن تيمية رحمه الله من الذين يطلبون الرقية من غيرهم؟ والجواب: والرقية -كما هو معلوم- بالقرآن كله مشروعة، ولكن التخصيص بأشياء معينة بأنها يرقى بها ولم يأت فيها نص في النفس منه شيء. وما فعله ابن تيمية رحمه الله يمكن أن يكون اجتهاداً، ومثله بعض الأشياء التي ذكرها كالكتابة والمحو، حيث تكتب آيات من القرآن في كتاب ويمحى بالماء ويشرب، وما نعلم شيئاً يدل على ثبوته، فالأولى تركه، وإنما يؤتى بالرقية المشروعة، فابن القيم و ابن تيمية جاء عنهما الكتابة والمحو، والأولى ترك ذلك.

حكم تحري القائم من نومه وقت الصلاة بقاءً وخروجاً


السؤال: إذا استيقظ الرجل وقد نام عن الصلاة فهل عليه أن يتحرى إذا كان قد خرج الوقت أم لا، أم ينوي إيقاعها بمجرد الاستيقاظ؟ وهل يشترط أن ينوي أنها أداء أو قضاء أم أنه يكفيه أن ينوي أنها أداء لصلاة الفريضة؟

الجواب: الإنسان إذا قام يجب عليه أن يبادر إلى الإتيان بالصلاة، ففي الحديث: (من نسي صلاةً أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) والإنسان بمجرد أن يقوم وينظر في الساعة سيعرف أن الوقت خرج أو أنه لا يزال باقياً. وإذا كان قد عرف أن الوقت باق فلا شك في أنها أداء، وإن كان الوقت قد خرج فهي ليست إلا قضاءً، وإذا قام ولم يدر بالوقت فصلاها ولم يتبين أنها قبل خروج الوقت أو بعده فقد أدى ما عليه.

مسألة دوران الأرض بين الاعتقاد والاجتهاد


السؤال: هل تعتبر مسألة دوران الأرض وكرويتها من المسائل العقدية التي ينبني عليها ولاء وبراء أم أنها من المسائل الاجتهادية؟

الجواب: هي من المسائل الاجتهادية كما هو معلوم، لكن النصوص التي وردت في الدلالة على الكروية ما فيها إشكال، وإنما الكلام في الدوران، فهو الذي فيه الإشكال، وأما كونها كروية فهذا أمر مفروغ منه، ومن قديم الزمان ذكره العلماء، وليس هو من مبتكرات القرن العشرين، فإنه جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد ذكره ابن كثير عند تفسير قول الله عز وجل: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [فاطر:13] في آخر سورة فاطر نقلاً عن تفسير ابن أبي حاتم ، ونقل بإسناد صحيح أنه قال عن الشمس: إنها تظهر على أناس وتغيب عن أناس. وهذا لا يكون إلا عن طريق الكروية؛ لأنه لو كانت الأرض سطحاً لطلعت الشمس على الناس دفعةً واحدة، لكن كونها تغيب عن أناس وتظهر على أناس يدل على كرويتها، وهذا جاء عن ابن عباس بإسناد صحيح من قديم الزمان. وكذلك -أيضاً- جاء عن أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين في النصيحة التي نصح بها زملاءه ومشايخه ليخرجوا من مذهب الأشاعرة كما خرج؛ لأنه كان أشعرياً ثم هداه الله لمذهب أهل السنة، وكتب نصيحةً يشفق فيها على شيوخه وعلى زملائه، وكان مما ذكر فيها أن الإنسان لو انطلق من نقطة من الأرض متجهاً إلى الغرب وواصل فإنه سيأتي إلى مكان انطلاقه من الشرق، و أبو محمد الجويني متقدم. والجغرافيون يستدلون على كروية الأرض بأشياء، يقولون: إذا أقمنا ثلاثة أعمدة متوازية ثم نظرنا إليها في المنظار سنجد إنها ليست متساوية. قالوا: وهذا دليل كروية الأرض.

حكم لعن المعين


السؤال: ما حكم لعن المعين من المبتدعة، فقد ورد عن بعض السلف لعن بشر و عمرو بن عبيد و واصل ؟

الجواب: لا يجوز لعن المعين مطلقا، إلا من عرف أنه مات كافراً، ولهذا كان ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه البداية والنهاية عندما يأتي إلى شخص سيء يعلق اللعن بالموت على الكفر، فإنه لما ذكر أبا نصر الفارابي وذكر عنه أنه كان يقول بعدم معاد الأجساد وأن المعاد معاد الأرواح دون معاد الأجساد. قال: فعليه -إن كان مات على ذلك- لعنة رب العالمين. و ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق -وهو كتاب واسع لدمشق- لم يذكر فيه أبا نصر الفارابي مع أنه من أهل دمشق، وقيل: ولعله إنما تركه لنتنه وخباثته. وقد ذكر ابن كثير شخصاً نصرانياً أنشأ قصيدة طويلة فيها ذم الإسلام وذم المسلمين وذم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر عن ابن حزم قصيدة رد على النصراني بها، وهي قصيدة مطولة، ولما ذكر قصيدة النصراني قال: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إن كان مات كافراً. وثبوت ما ذكر في السؤال محل نظر.

حكم النوم على البطن


السؤال: هل يجوز لأحد أن ينام على بطنه؟

الجواب: جاء ما يدل على منع ذلك.

حكم الاستلقاء أو الاستناد حال الأكل


السؤال: هل يجوز أكل الإنسان مستلقياً أو مستنداً على جدار؟

الجواب: كون الإنسان يستند على جدار أو علي شيء لا بأس به، وإنما الممنوع أن يكون متكئاً، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا آكل متكئاً) وفسر الاتكاء بتفسيرين: الأول التربع الذي فيه الشره وفيه كثرة الأكل. والثاني: التمايل وهو أن الإنسان يكون مائلاً.

حكم أداء صلاة الجمعة قبل الزوال

السؤال: ما حكم إقامة صلاة الجمعة قبل الزوال؟

الجواب: بعض أهل العلم أجاز ذلك، ولكن القول الذي عليه جمهور العلماء أنها تكون بعد الزوال، ولا شك في أن الاحتياط هو الإتيان بها بعد الزوال، وبعضهم جعل الخطبة قبل الزوال والصلاة بعد الزوال، ومنشأ اختلافهم الحديث الذي فيه: (كنا ننصرف من الصلاة وليس للحيطان ظل يستظل به) فالذين قالوا: إنها تكون بعد الزوال قالوا: إن النفي راجع إلى القيد لا إلى المقيد، أي أن الظل موجود لكن لا يكفي للاستظلال به، فالقيد هو قوله: (يستظل به)، والذين قالوا: إنها تكون قبل الزوال قالوا: النفي للقيد والمقيد. أي: نفي للظل من أصله، ومعنى هذا أن الصلاة كانت قبل الزوال. فعلى القول بأن النفي للقيد -وهو قوله: (يستظل به)- يكون المعنى أن هناك ظلاَّ ولكنه لا يستطيع الإنسان أن يستظل به لأنه قليل جداً لا يكفي، ومن يقول: إنه للقيد والمقيد يقول: إن الصلاة كانت قبل الزوال. وقطع الشك باليقين وكون الإنسان يأتي بها بعد الزوال هذا هو الذي لا شك فيه وهو الاحتياط."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم يوم أمس, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [100]
الحلقة (131)


شرح سنن أبي داود [100]

للصلاة آداب وسنن تجعل منها موضوع خشوع من العبد واستكانة منه لربه جل وعلا، وتعينه على خشوعه في صلاته وانشغاله بها، ومن هذه السنن أدعية الاستفتاح الواردة بعد تكبيرة الإحرام، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة منها فيها ثناء على الله تبارك وتعالى وتعظيم وتمجيد لله تعالى، وسؤاله واستغفاره، وكلها حق وخير، وللمرء أن يتخير منها في صلاته ما شاء.

ما يستفتح به الصلاة من الدعاء


قال المصنف رحمه الله تعالى: ( باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء )


المقصود بهذه الترجمة هو أن الإنسان يأتي بدعاء الاستفتاح، وهو الدعاء الذي تستفتح به الصلاة بعدما يدخل الإنسان فيها بقوله: (الله أكبر) فإنه يأتي بهذا الثناء والذكر والدعاء بأي صيغة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي بذلك بعد التكبير وقبل القراءة، وقد جاء دعاء الاستفتاح بصيغ متعددة كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما ثبت منها فإنه حق أن يؤتى به في الصلاة، ومن العلماء من قال: إنه ينبغي أن يؤتى بتلك الصيغ وأن يمر عليها وأن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة وبهذا تارة. وبعض أهل العلم يختار صيغة معينة من هذه الصيغ، ومن المعلوم أن هذه الصيغ منها ما يكون دعاء وطلباً من الله سبحانه وتعالى، ومنها ما يكون ذكراً وثناءً على الله عز وجل. فقوله: [ ما تستفتح به الصلاة من الدعاء ] يعني به ذكر الأدعية والأذكار التي تستفتح بها الصلاة، والتي يأتي بها الإنسان بعدما يدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام، فيأتي بنوع من هذه الأنواع، وذكر من هذه الأذكار أو دعاء من هذه الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى عدة أحاديث تشتمل على أدعية من أدعية الاستفتاح، وبدأها بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه المشتمل على دعاء من أدعية الاستفتاح، وعلى أدعية أخرى في الركوع وفي السجود، وكذلك عند القيام من الركوع، وكذلك بعد الانصراف من الصلاة، فهذا الحديث مشتمل على عدة أمور وعلى عدة أدعية، واشتمل أيضاً على صيغة من صيغ الاستفتاح.

حكم تنويع أدعية الاستفتاح

وقد اختار بعض أهل العلم لفظ: (سبحانك -اللهم- وبحمدك) وبعضهم اختار لفظ (اللهم باعد بيني وبين خطاياي). وبعض أهل العلم يقول: إنه ينبغي أن يؤتى بهذا تارة وبهذا تارة وبهذا تارة. وهذا الاختلاف الذي حصل من بعض العلماء في اختيار بعض الأدعية في الاستفتاح يسمونه اختلاف التنوع؛ لأن هذه الأدعية أنواع من الاستفتاح، وكل ما ثبت حق، وليس هذا من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن اختلاف التضاد مثل أن يقول بعض أهل العلم: (هذا حلال) وبعضهم يقول: (هذا حرام) في شيء واحد، أو يقول بعضهم لشيء معين: هذا يبطل الصلاة. والآخر يقول: لا يبطل الصلاة. أو أحد منهم يقول: هذا ينقض الوضوء. والثاني يقول: لا ينقض الوضوء. فهذا يسمى اختلاف التضاد. واختلاف التنوع كله حق، فمادام أنه ثبت فهو حق، فإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق، وإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق، وإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق؛ لأنها كلها أنواع للحق، فمن اختار واحداً منها فإنه أخذ بما هو حق، ومن اختار غيره أخذ بما هو حق، وعلى هذا فمن اختار واحداً من هذه الأدعية يقال عنه: إنه على حق. ولا يقال: إن هذا من اختلاف التضاد. وإنما هو من اختلاف التنوع، ومثل ذلك ألفاظ الأذان وألفاظ التشهد في الصلاة، فإن هذا كله من قبيل اختلاف التنوع، فكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤتى به، والخلاف في أن يختار بعضهم هذا الدعاء وبعضهم هذا الدعاء وبعضهم هذا الدعاء هو من اختلاف التنوع، وكل منهم مصيب للحق؛ لأن هذه كلها أنواع للحق، ولكن اختلاف التضاد لا يقال فيه: إن كل مجتهد مصيب. وإنما فيه المصيب وفيه المخطئ، وليس كل مجتهد مصيب فيما يتعلق باختلاف التضاد؛ لأنه لا يقال فيمن قال في مسألة معينة: هي حلال ومن قال: هي حرام لا يقال: إن القائل: (هي حلال) على حق والقائل: (هي حرام) على حق. ليس هذا بصحيح، وإنما يقال: الاختلاف في ذلك اختلاف تضاد. وكل مجتهد فيه إما مجتهد مصيب وإما مجتهد مخطئ، والمجتهد المصيب له أجران: أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، والمجتهد المخطئ له أجر واحد على اجتهاده، وخطؤه مغفور، فلا يقال: إن كل مجتهد مصيب فيما هو اختلاف تضاد، ولكن يمكن أن يقال في اختلاف التضاد: إن كل مجتهد مصيب باعتبار الأجر. فيقال: كل مجتهد مصيبٌ أجرا، وإن كانوا متفاوتين في الأجر، فالمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد، ولكن كلٌ مصيبٌ أجرا، ولكن ليس كلٌ يصيب الحق؛ لأن المجتهدين في مسائل اختلاف التضاد يكون الحق مع واحد منهم وغيره يكون قد أخطأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (له أجران) و (له أجر واحد) يدل على أن المجتهدين فيهم مصيب وفيهم مخطئ، ولو كان كل مجتهد مصيباً لما كان فيهم مخطئ، ولم يكن لهذا التقسيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى، ولكنه لما قسمهم هذا التقسيم علم بأنه ليس كل مجتهد مصيباً، ولكن يمكن أن يقال: كل مجتهد مصيبٌ أجرا.


شرح حديث علي في استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم وأدعيته في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمينَ، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك. وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي. وإذا رفع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، وتبارك الله أحسن الخالقين. وإذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت) ]. قوله: [ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركي ]. معنى قوله: [ إذا كبر ] أي: دخل في الصلاة بقوله: (الله أكبر) وهو التكبير الذي يكون به تحريم الصلاة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فإذا دخل فيها بقوله: (الله أكبر) يأتي بدعاء الاستفتاح (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إعلان التوحيد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، وأن الإنسان وجه وجهه لله، وأنه مستسلم منقاد لأمر الله، وأنه بريء من الشرك ومن المشركين، ويثني على الله عز وجل بأنه الخالق الذي خلق السموات والأرض وخلق كل شيء بقوله: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً) أي: حال كوني حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، بل مقبل على الله ومعرض عما سواه ومخلص العبادة لله عز وجل، ومبتعد عن أن أجعل لغير الله عز وجل نصيباً من العبادة. فالعبادة يجب أن تكون خالصةً لوجه الله، وأن لا يكون لله عز وجل فيها شريك، فكما أنه لا شريك له في خلق السموات والأرض فكذلك لا شريك له في العبادة، فالمتفرد بالخلق والإيجاد والرزق والأحياء والإماتة هو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له.

المقصود بالصلاة والنسك والمحيا والممات

قوله في الاستفتاح: [ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) ]. الصلاة هي الصلاة ذات الركوع والسجود، وهي أعظم العبادات وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فالصلوات -سواءٌ أكانت مفروضة أم نافلة- كلها لله سبحانه وتعالى، وكذلك النسك، وفسر بأنه الذبح لله عز وجل، وفسر بأنه الحج، وفسر بأنه العبادة، وكونه بمعنى الذبح لله عز وجل يوافق ما جاء في قول الله عز وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ففيه ذكر الصلاة وذكر النحر الذي هو النسك أو النسيكة والذبيحة لله عز وجل التي تذبح لله عز وجل تقربا. وقوله: [ (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ) ] محيا الإنسان حياته كلها، فهي كلها لله، ويجب أن تكون معمورة تلك الحياة بعبادة الله عز وجل وطاعة الله عز وجل وبما يقرب إلى الله عز وجل، وكذلك ممات الإنسان هو لله؛ لأن الله تعالى هو المتصرف بالكون، وهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يوفق من يوفق للعمل الصالح في هذه الحياة الدنيا للجزاء والثواب عليه في الدار الآخرة؛ لأن الحياة هي محل العمل، والممات محل الجزاء على العمل، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، كما قال سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8]، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

دلالة قوله ( لله رب العالمين لا شريك له )

قوله: [ (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) ]. هذا هو معنى (لا إله إلا الله) كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، أي: عبادتي لله عز وجل لا شريك له فيها، فصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وعبادتي كلها لله عز وجل خالصة لا شركة لغير الله عز وجل فيها، فهذا هو معنى كلمة الإخلاص ومعنى كلمة التوحيد، مثل قول القائل: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) فقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) نفي وإثبات، وقوله: (وحده لا شريك له) إثبات ونفي مؤكد لـ (أشهد أن لا إله إلا الله) لأن قول: (وحده) بمعنى (إلا الله) وقوله: (لا شريك له) بمعنى (لا إله) فـ (أشهد أن لا إله إلا الله) نفي وإثبات، نفي في الأول وإثبات في الآخر، وقوله (وحده لا شريك له) تأكيد لهذا النفي والإثبات، وهو -أيضاً- نفي وإثبات، ولكن جاء الإثبات مقدماً والنفي مؤخرا، ففي اللفظ المؤكد جاء الإثبات (وحده) مقدماً، وجاء النفي (لا شريك له) مؤخراً. قوله: [ (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ]. يعني: أمر بأن تكون صلاته لله وأن تكون عبادته لله عز وجل أمراً شرعياً؛ لأن الله عز وجل خلق الناس للعبادة، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] أي: لآمرهم وأنهاهم. فمنهم من وفق للتطبيق والتنفيذ، ومنهم من لم يوفق لذلك.

المقصود بقوله (وأنا أول المسلمين )

وقوله: [ (وأنا أول المسلمين) ]. قيل: إن المراد بذلك بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أول هذه الأمة التي هي خير الأمم، فهو مقدمها وهو أولها وهو سابقها، وهو الذي أنزل الله عز وجل إليه الوحي والهداية، وأنزل عليه النور الذي به الهداية إلى الصراط المستقيم وإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وبالنسبة لغير النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون قوله: [ (وأنا أول المسلمين) ] يعني: أنا أول من يبادر ومن أول من يستسلم، وليس معنى ذلك أنه يكون أول من أسلم وأول من دخل في هذا الدين، فإن القدوة والأسوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من استجاب لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق من الرجال و خديجة من النساء و علي بن أبي طالب من الصبيان رضي الله تعالى عنهم، ولكن المسلم عندما يقول هذا الكلام ويقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول: (وأنا أول المسلمين) فمعنى قوله أنه من أول من ينقاد ويستسلم، وليس المراد أن يكون هو الأول حقيقة وأنه لم يسبقه إلى ذلك أحد، وإنما المقصود من ذلك المبادرة والإقدام والاستسلام والانقياد وعدم التأخر وعدم التباطؤ، وقد جاء عن بعض أهل العلم أن غير النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي بهذا الذكر يقول: (وأنا من المسلمين) بدل قوله: (وأنا أول المسلمين) قالوا: لأنه لا ينطبق على غير الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك. ولكن ذلك صحيح بالمعنى الذي أشرت إليه وذكره بعض أهل العلم، وهو أن المقصود بالأولية المبادرة والاستسلام والانقياد وعدم التأخر والتباطؤ.

شرح قوله ( أنت الملك لا إله إلا أنت )


قوله: [ (اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت) ]. أي: أنت ملك الدنيا والآخرة، وقد جاء في سورة الفاتحة (ملك يوم الدين) أو مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وهو يوم القيامة ويوم الجزاء والحساب، وأضيف اسمه تعالى (الملك) إلى يوم الدين لأن ذلك اليوم هو الذي يظهر فيه الخضوع والذل والاستكانة لله عز وجل. من جميع الخلق حتى من المتكبرين المتجبرين في هذه الدنيا، فإن الكل يومئذٍ يخضع لله عز وجل ويذل لله سبحانه وتعالى، فقال: (ملك يوم الدين) لأنه اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، بخلاف الدنيا فإن فيها من يخضع وفيها من يتجبر، بل وجد فيها من قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، ولكن ذلك اليوم هو اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، ومثله ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) مع أنه سيد الناس في الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن سؤدده يظهر على الناس جميعاً، ويحصل فضله وإحسانه للناس جميعاً من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، وذلك في الشفاعة العظمى التي هي المقام المحمود، وهي شفاعته عند الله عز وجل ليفصل بين الناس ويقضي بينهم، فينصرفون إلى منازلهم من الجنة أو النار، فإن هذا هو المقام الذي يحمده عليه الأولون والآخرون. فإذاً قوله: [ (أنت الملك) ] يعني أنه تعالى ملك الدنيا والآخرة ومالك كل شيء. وقوله: [ (لا إله لي إلا أنت) ]. يعني: أنت إلهي وحدك ليس لي معبود سواك، فأنا لا أعبد إلا إياك، ولا أخص بالعبادة أحداً سواك، بل أجعل العبادة خالصةً لك، ولا أشرك معك أحداً؛ لأنك أنت الملك الذي هو مالك لكل شيء، ومن كان خالقاًَ لكل شيء ومالكاً لكل شيء وإليه يرجع كل شيء فهو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.

شرح قوله (أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي )

قوله: [ (أنت ربي وأنا عبدك) ]. أي: أنت ربي الذي خلقتني وربيتني بالنعم وتفضلت علي بالإحسان، وأنا عبدك، فأنت الرب وأنا العبد الخاضع المستكين لك وحدك لا شريك لك. قوله: [ (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) ]. يعني: ظلمت نفسي كثيراً، وأنا محل الظلم، وأنا الذي يحصل منه الظلم، وأنا معترف بذنوبي ومقر بأخطائي، ولكني أرجوك وأسألك أن تغفر لي الذنوب فإنه لا يغفرها إلا أنت. [ (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ] يعني: أنا الظالم لنفسه، وأنا المعترف بالذنوب والمقر بها، وأسألك غفرانها والتجاوز عنها، فإنه لا يغفرها إلا أنت، فأنت الذي تغفر الذنوب، وأنت الذي تستر العيوب، فأسألك وأرجوك أن تغفر لي هذه الذنوب وأن تتجاوز عن هذه الخطايا التي صدرت مني.

طلب الهداية لأحسن الأخلاق وصرف سيئها

قوله: [ (واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت) ]. أي: دلني وأرشدني وسددني وثبتني على أن أكون على الأخلاق الحسنة التي لا يهدي لأحسنها إلا أنت، فأنا أسألك أن توفقني للاتصاف بتلك الأخلاق الحسنة الكريمة التي لا يهدي لأحسنها إلا أنت. قوله: [ (واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت) ]. أي: اصرف عني سيء تلك الأخلاق التي لا يصرف سيئها إلا أنت، وكل شيء بيدك، فأنت الذي تهدي من تشاء وتضل من تشاء، وأنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.

شرح قوله ( لبيك وسعديك )


قوله: [ (لبيك وسعديك والخير كله في يديك) ]. قيل: إن المقصود بقوله: [(لبيك)] إقامة بعد إقامة، يعني: مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. من قولهم: لب بالمكان إذا أقام به. وقيل: إن المراد: إجابة بعد إجابة. لأن (لب) بمعنى: أجاب الدعوة وأجاب النداء، والمنادى إذا نودي فإنه يجيب أحسن ما يجيب بقوله: لبيك. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندما ينادي النبي صلى الله عليه وسلم واحداً منهم يقول: لبيك -يا رسول الله- وسعديك. فإما أن يكون بمعنى: إقامة بعد إقامة، أي: مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة ومستمر على ذلك، أو أن يكون بمعنى: إجابة بعد إجابة. ولا تنافي بين المعنيين، بل كل منهما حق، فهو يقيم على الطاعة ويلازمها، وفي نفس الوقت يلبي الدعوة ويلبي النداء، ولهذا قيل في التلبية في الحج: إن الله عز وجل لما دعا الناس لحج بيته العتيق فمن وفقه الله عز وجل للإتيان ثم الدخول في النسك يقول: لبيك -اللهم- لبيك. يعني: إنك دعوتني لحج بيتك ووفقتني للمجيء والوصول إلى هذا المكان الذي تلبست فيه بهذه العبادة ودخلت في هذه العبادة، فأنا أقول: لبيك -اللهم- لبيك. أي: دعوتني فأجبتك قائلاً: لبيك -اللهم- لبيك. وقوله: [ (وسعديك) ] قيل: معناه: إسعاد بعد إسعاد منك. أو: مساعدة بعد مساعدة منك.

شرح قوله ( والخير كله في يديك )


وقوله: [ (والخير كله في يديك) ]. ذلك لأن الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس : (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) فالخير كله بيد عز وجل لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، قال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وفي الحديث القدسي حديث أبي ذر (يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، ياعبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم) فالخير كله بيد الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يتفضل على من شاء بما شاء من خيره وفضله، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر سبحانه وتعالى.

معنى قوله ( والشر ليس إليك )

قوله: [ (والشر ليس إليك) ]. معلوم أن الله عز وجل خالق كل شيء، فالخير والشر كل ذلك من مخلوقات الله عز وجل، ولا يكون في الوجود إلا ما هو مخلوق لله سبحانه وتعالى، سواءًٌ أكان خيراً أم شراً، ولا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله عز وجل، فالله تعالى خالق كل شيء، وليس هناك شيء في الوجود لم يخلقه الله سبحانه وتعالى، بل الله عز وجل خالق كل شيء في الوجود، لا شريك له في الخلق والإيجاد، فالخير والشر خلق الله عز وجل وإيجاده، وكلاهما بقضاء الله وقدره، وكلاهما بعلم الله عز وجل وبمشيئته وإرادته، فكل ذلك من الله سبحانه وتعالى. فقوله: [ (والشر ليس إليك) ] مع أن الله عز وجل هو الخالق لكل شيء، والموجد لكل شيء -سواءٌ أكان خيراً أم شراً- فسر بأن المراد به أن الشر الذي هو شر محض لا خير فيه بوجه من الوجوه ليس إلى الله عز وجل؛ لأنه لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، بل ما يخلقه الله عز وجل من الشر يترتب عليه مصلحة ويترتب عليه فائدة، فمن ذلك كون الإنسان يصبر على ما يصيبه من الشر فيثاب ويؤجر على ذلك، ومن ذلك أن خلق الكفر في الكافرين وخلق الله عز وجل الإيمان في المؤمنين يوجد به الجهاد ويوجد به الصراع بين الحق والباطل، فلا يخلق الله عز وجل شراً محضاً لا يترتب عليه خير بأي وجه من الوجوه، بل ما يخلق الله تعالى من شر فهو مشتمل على خير ومشتمل على فائدة، فليس إلى الله الشر المحض الذي لا خير فيه بوجه من الوجوه. ومنهم من قال: معناه أن الشر لا يتقرب به إليك.وقيلت أقوال أخرى غير ذلك.

يتبع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم يوم أمس, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

معنى قوله (أنا بك وإليك )

قوله: [ (أنا بك وإليك) ]. معنى [ (أنا بك) ] أي: قائم بك وبإقامتك لي، وأنا عابد لك ومخلص العبادة لك، ومعتمد عليك، ومتوكل عليك، ومستعين بك، ومعلق آمالي بك. ومعنى [ (وإليك) ] أي: مآلي إليك ومرجعي إليك ونهايتي إليك. كما قال تعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:26].

شرح قوله (تباركت وتعاليت )

قوله: [ (تباركت وتعاليت) ]. هذا ثناء على الله عز وجل بأنه المتبارك المتعالي الذي يأتي بكل بركة، والذي منه كل بركة، وهو المتبارك في نفسه المبارك لغيره، وهو المتعالي العالي الذي لا تكون هذه الأوصاف إلا له سبحانه وتعالى، فلا يقال لغيره: (تبارك وتعالى) وإنما الذي يقال له: (تبارك وتعالى) هو الله سبحانه وتعالى، فلا يقال: تبارك فلان. ولا يقال: تعالى فلان. وإنما هذه ألفاظ لا تقال إلا لله سبحانه تعالى كـ(سبحانك) فإن كلمة (سبحانك) لا تقال إلا لله، و (تباركت) لا تقال إلا لله، و (تعاليت) لا تقال إلا لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (أستغفرك وأتوب إليك) ]. أي: أستغفرك من جميع الذنوب وأتوب إليك.

دعاء الركوع ودلالته

قوله: [ (وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي) ]. هذا كله ثناء على الله عز وجل، وتعظيم لله سبحانه وتعالى، والركوع -كما هو معلوم وكما جاء في الحديث- يعظم فيه الرب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، وهذا من تعظيم الله سبحانه وتعالى. فقوله: [ (اللهم لك ركعت) ]. يعني الركوع الذي هو في أثناء الصلاة، حيث يخضع الإنسان ويذل لله سبحانه وتعالى، فيركع الركوع لله عز وجل، والركوع من الصلاة، والصلاة من العبادة، والعبادة كلها لله سبحانه وتعالى. وقوله: [ (خشع لك سمعي وبصري ومخعي وعظامي وعصبي) ]. هذا من ذل الراكع لله جل جلاله.

شرح قوله (وإذا رفع قال سمع الله لمن حمده )

قوله: [ (وإذا رفع قال: سمع الله لمن حمده) ]. أي: استجاب الله لمن حمده. فمعنى: (سمع) استجاب. ولهذا قال بعض أهل العلم لما سئل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى فقيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ قال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام في الصلاة: (سمع الله لمن حمده) فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد. يعني أن الله تعالى استجاب لمن حمده، ومعاوية كان وراء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ربنا ولك الحمد. ولا يشكل على ما ذكرت قول الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] إذ المقصود بما في الآية السماع الذي هو سماع صوتها، ولهذا جاء في نفس الآية: (( سَمِعَ اللَّهُ )) (( يَسْمَعُ )) (( سَمِيعٌ بَصِيرٌ )) فذكر السمع في ثلاثة مواضع من الآية بالفعل الماضي وبالمضارع وبالاسم. فقوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] يعني بالقول الكلام الذي جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم بصوت خفي، وكانت عائشة قريبة منهما فلم تعرف ما تقول، والله تعالى سمع مجادلتها وكلامها وهو فوق عرشه سبحانه وتعالى. فقوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) ليس مثل (سمع الله لمن حمده) لأن معنى (سمع) هنا (استجاب) وأما ما في الآية الكريمة فيعني أن صوتها الخفي سمعه الله عز وجل الذي، وقال بعد ذلك: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]، فذكر هذه الصفة بالماضي والمضارع والاسم. وقد تكون التعدية بحرف الجر اللام فارقة بين المعنيين. وليس معنى هذا أن أهل السنة يؤولون الصفات، فليس هذا تأويلاً، بل الأمر اختلاف في المعاني في أصل الوضع العربي. قوله: [ (وإذا رفع قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد) ]. يعني أن ذلك الحمد والثناء كبير، وأنه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شاء من شيءٍ بعد ملء السموات والأرض، فهو تعظيم لله عز وجل وثناء عليه بأنه المستحق للحمد والإكثار من الحمد.

ذكر السجود، وما يصح فعله فيه وفي الركوع

قوله: [ (وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته، وشق سمعه وبصره، وتبارك الله أحسن الخالقين) ]. هذا ثناء على الله عز وجل، وقد جاء في السجود، والسجود الغالب فيه الدعاء، ويمكن أن يكون فيه التعظيم والثناء، وهذا منه؛ لأن هذا كله ثناء على الله عز وجل وتعظيم لله جل جلاله، ولكن الغالب في السجود هو الدعاء، كما أن الركوع الغالب فيه التعظيم، ويمكن أن يدعى فيه، ومنه الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل عليه قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] بعد ذلك روت عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد إذ أنزل عليه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك -اللهم- وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن). فقوله ((سبحانك -اللهم- وبحمدك) ثناء، وهو تنفيذ لقوله تعالى: (فَسَبِّحْ) وقوله: اللهم اغفر لي) دعاء، وهو تنفيذ لقوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ).

الدعاء بعد السلام من الصلاة


قوله: [ (وإذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم والمؤخر، لا إله إلا أنت) ]. إذا سلم من الصلاة دعا بهذا الدعاء، وجاء في بعض الروايات وبعض الأحاديث أنه يقوله قبل أن يسلم، يقول ذلك بعد التشهد وقبل أن يسلم، فجاء في روايات أنه بعد السلام وجاء في روايات أنه قبل السلام، ولا شك في أن الدعاء قبل السلام وارد، وقد جاء ما يدل عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ثم يتخير من الدعاء ما شاء) يعني: بعدما يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. والدعاء يؤتى به في الصلاة ويكثر منه، وفي السجود وفي التشهد الأخير قبل السلام. وأيضاً يدل هذا الحديث على أنه يدعو بعد السلام، وأنه بعد السلام يكون في ذكر وفي دعاء، بل أول شيء يكون بعد السلام هو الدعاء، حيث يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ثلاث مرات، ومعنى (أستغفر الله) أطلب المغفرة من الله، وأسأل المغفرة من الله. ففيه الدعاء قبل السلام وبعد السلام. وقوله: [ (اغفر لي ما قدمت وما أخرت) ]. يعني: الذنوب التي أذنبتها مقدمها ومؤخرها، وما أسررت منها وما أعلنته، ما كان علانية يطلع عليه الناس وما كان مستوراً لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وكذلك ما أسرفت، أي: ما تجاوزت فيه الحدود. وقوله: [ (وما أنت أعلم به مني) ]. أي: لأنك العالم بكل شيء، والإنسان لا يعلم كل شيء، وإن علم فإنه ينسى، والله سبحانه وتعالى هو الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى. وقوله: [ (أنت المقدم والمؤخر) ]. يعني: المقدم من قدمته والمؤخر من أخرته، فالتأخير منك والتقديم منك، فمن قدمته فهو المقدم، ومن أخرته فهو المؤخر. وهذا التقديم والتأخير هو في الفضل، وكذلك في تحصيل الثواب، وفي الإتيان بالأعمال الصالحة. وقوله: [ (لا إله إلا أنت) ]. ختم بهذا الثناء على الله عز وجل الذي هو كلمة التوحيد وكلمة الإخلاص، وهي: (لا إله إلا الله).

تراجم رجال إسناد حديث علي في استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم وأدعيته في الصلاة


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمه الماجشون بن أبي سلمة ]. هو يعقوب بن أبي سلمة الماجشون ، والماجشون لقب ويعقوب اسم، فهو يعقوب بن أبي سلمة ، وهو أخو عبد الله وعم الراوي عنه؛ لأن ذاك عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وهذا يعقوب بن أبي سلمة ، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، والأعرج لقب، وهو مدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن أبي طالب ]. هو أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث الاستفتاح بـ(وجهت وجهي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن داود الهاشمي أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر ودعا) نحو حديث عبد العزيز في الدعاء يزيد وينقص الشيء، ولم يذكر: (والخير كله في يديك والشر ليس إليك) وزاد فيه: (ويقول عند انصرافه من الصلاة: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب من طريق أخرى، وفيه الإشارة إلى ما جاء في الحديث المتقدم، وفيه ذكر أمور أخرى سبق أن مرت تتعلق برفع اليدين عند الدخول في الصلاة وعند الركوع وعند القيام من الركوع.

تراجم رجال إسناد حديث الاستفتاح بـ(وجهت وجهي ...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ]. سليمان بن داود الهاشمي ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن. [ أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن موسى بن عقبة ]. هو موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي ]. مر ذكرهم جميعاً.

ذكر أثر من رأى من السلف الاقتصار على قول ( وأنا من المسلمين ) في الاستفتاح


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا شريح بن يزيد حدثني شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي محمد بن المنكدر و ابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة: فإذا قلت أنت ذلك فقل: وأنا من المسلمين. يعني قوله: (( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن أبي فروة وعن محمد بن المنكدر وهما من فقهاء المدينة، حيث قالا: إذا قلت دعاء الاستفتاح فقل: (وأنا من المسلمين) بدلاً من قولك (وأنا أول المسلمين) وذلك لأن الأولية إنما تنطبق على الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن المعنى يمكن أن يستقيم وأن يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون المقصود من ذلك المبادرة، وليس المقصود الأولية التي هي السبق إلى هذا العمل، وإنما المقصود من ذلك المبادرة والإقدام على العمل وعدم التأخر والتباطؤ، فيستقيم أن يقول غير النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا أول المسلمين).

تراجم رجال إسناد أثر من رأى من السلف الاقتصار على قول (وأنا من المسلمين) في الاستفتاح

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو الحمصي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا شريح بن يزيد ]. شريح بن يزيد هو أبو حيوة ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعيب بن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال لي محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن أبي فروة ]. هو إسحاق بن عبد الله أبي فروة، وهو متروك، أخرج له أصحاب السنن.

شرح حديث استفتاح الرجل الداخل إلى الصلاة وقد حفزه النفس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة و ثابت و حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم المتكلم بالكلمات فإنه لم يقل بأسا؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، جئت وقد حفزني النفس فقلتها. فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) وزاد حميد فيه: (إذا جاء أحدكم فليمش نحو ما كان يمشي، فليصل ما أدركه وليقض ما سبقه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فجاء رجل وقد حفزه النفس، أي: ثار نفُسُه بسبب إسراعه، فدعا بهذا الدعاء، حيث قال: [ الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه ]. وقاله عند دخوله في الصلاة، فعندما كبر قال هذا الكلام. فالنبي صلى الله عليه وسلم بعدما سلم قال: [ (أيكم المتكلم بالكلمات فإنه لم يقل بأساً) ]. ومعناه أن هذا السؤال ليس فيه شيء يخشى منه على ذلك الرجل، وليس فيه ذم أو فيه عيب، فإنه لم يقل بأساً. فأراد أن يبين عظيم شأن هذه الكلمات بعد أن يعرف الذي قالها، قلما قال الرجل: [ أنا يا رسول الله ]، قال: [ (لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها) ]. أي: يرفعها إلى الله عز وجل. قوله: [ وزاد حميد فيه: (إذا جاء أحدكم فليمش نحو ما كان يمشي، فليصل ما أدركه وليقض ما سبقه) ]. حميد هو أحد الرواة الثلاثة عن أنس ، زاد على ما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلي بأن يمشي مثلما كان يمشي، أي: لا يسرع حتى يحبسه النفس إذا أسرع فيثور نفسه بسبب إسراعه، وإنما يمشي المشي الذي يعتاده، فليمش مثلما كان يمشي. قوله: [ (فليصل ما أدركه وليقض ما سبقه) ]. أي: الذي أدركه يصليه مع الإمام، والذي سبق به فإنه يأتي به بعد فراغ الإمام من الصلاة، وهذه الكلمات التي قالها الرجل نوع من أنواع الاستفتاح.

تراجم رجال إسناد حديث استفتاح الرجل الداخل إلى الصلاة وقد حفزه النفس


قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث تكبير النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وحمده وتسبيحه واستعاذته بالله تعالى من الشيطان


قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاةً -قال عمرو : لا أدري أي صلاة هي- فقال: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا -ثلاثا-، أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه). قال نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً قال عنها عمرو بن مرة : [ لا أدري أي صلاة هي ]. يعني: لا أدري أي صلاة هي من الصلوات. ثم ذكر ما ورد في الحديث من أذكار وتكرارها، والاستعاذة بالله تعالى من نفخ الشيطان ونفثه وهمزه، وفسر نفثه بالشعر ونفخه بالكبر، وهمزه بالموتة، وهي الجنون.

تراجم رجال إسناد حديث تكبير النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وحمده وتسبيحه واستعاذته بالله تعالى من الشيطان


قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم العنزي ]. هو عاصم بن عمير العنزي ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن ابن جبير بن مطعم ]. هو نافع بن جبير بن مطعم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو جبير بن مطعم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده عاصم العنزي ، وهو مقبول.

إسناد آخر لحديث تكبيره صلى الله عليه وسلم في الصلاة وتراجم رجاله

قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن عمرو بن مرة عن رجل عن نافع بن جبير عن أبيه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع...) ذكر نحوه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر هذا الدعاء أنه كان يقوله في التطوع. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة عن رجل عن نافع بن جبير ]. الرجل هنا مبهم، وتقدم في الإسناد الذي قبل هذا أنه عاصم العنزي ، وهو مقبول. [ عن نافع بن جبير عن أبيه ]. قد مر ذكرهما."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم يوم أمس, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [101]
الحلقة (132)

شرح سنن أبي داود [101]

الصلاة عبادة عظيمة يقف فيها العبد بين يدي ربه خاشعاً ذليلاً، ولكي يخشع فيها وتسكن فيها جوارحه شرع له فيها جملة من الأحكام التي تحقق هذا الغرض، ومنها الاستفتاح بأدعية مخصوصة، وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة في صلاة الفريضة وفي صلاة الليل، فينبغي للمسلم أن يعلمها ليزداد من الله تعالى قرباً وتزيد صلاته خشوعاً.

تابع ما يستفتح به الصلاة من الدعاء



شرح حديث (بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا زيد بن الحباب أخبرني معاوية بن صالح أخبرني أزهر بن سعيد الحرازي عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت: (لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشراً، وحمد الله عشراً، وسبح عشراً، وهلل عشراً، واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة). قال أبو داود : ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة رضي الله عنها نحوه ]. هذه جملة من أدعية الاستفتاح التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت [باب ما يُستفتح به الصلاة من الدعاء] وأورد جملة من الأحاديث ذكر فيها أنواعاً من استفتاح الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته بها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها، وقد سألها عاصم بن حميد: [بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه في الليل؟] فقالت: [لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك]. ثم بينت له ما كان يستفتح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولها هذا له فيه تشجيع وثناء على مثل هذا السؤال، وأنه ينبغي الحرص على معرفة المسائل والأحكام الشرعية، وكذلك ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمور التي يغيبون عنها فلا يطلع عليها إلا أزواجه صلى الله عليه وسلم، كهذا السؤال الذي سأل عنه عاصم بن حميد وهو استفتاح قيام الليل بأي شيء يكون. فكان هذا من عائشة رضي الله عنها وأرضاها تشجيعاً وتأييداً لهذا السائل على مثل هذا السؤال، وحث له على أن يُعنى بمسائل العلم، وأيضاً فيه تنبيه على حصول الغفلة من بعض الناس حيث لم يحصل منهم السؤال عن مثل هذا الذي لا يطلع عليه إلا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته. ثم إنها بينت أنه كان يستفتح قيام الليل بأن يكبر عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً، ويحمد عشراً، ويستغفر عشراً، ثم يقول: [ (اللهم اغفرلي واهدني وارزقني وعافني) ]. قالت: [ (ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة) ] وهو ما يحصل من الكرب ومن الشدة.

تراجم رجال إسناد حديث (بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل)

قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أزهر بن سعيد الحرازي ]. أزهر بن سعيد الحرازي صدوق، أخرجه له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عاصم بن حميد ]. عاصم بن حميد صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ سألت عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية العلم وحفظته، لاسيما ما يتعلق بالأمور التي لا يطلع عليها إلا أمهات المؤمنين، ومن ذلك الإجابة على هذا السؤال الذي سئلت عنه، وهو المتعلق باستفتاح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في الليل. قوله: [ قال أبو داود : ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن عائشة نحوه ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ربيعة الجرشي مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.
شرح حديث الاستفتاح بـ (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل)

قال المصنف رحمه الله: [حدثنا ابن المثنى حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: (كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وفيه صفة أخرى من صفات دعاء الاستفتاح الذي كان يدعو به صلى الله عليه وسلم في صلاته عندما يقوم من الليل، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: [(اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)]. وهذا توسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل، وهم من أشراف الملائكة، وقيل: إنه ذكر هؤلاء الثلاثة وتوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لهم لأن جبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به الحياة بعد الموت والبعث بعد الموت، ثم بعد ذكر ربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أثنى على الله عز وجل بما هو أهله فقال: [ (فاطر السموات والأرض) ]. يعني: فاطرهما وموجدهما. وقوله: [ (عالم الغيب والشهادة) ] يعني: يعلم ما غاب وما خفي، ما كان علانيةً وما كان سراً وخفياً، كما قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]. قوله: [ (أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) ]. يعني: أنت المرجع في الحكم، لا حكم إلا حكمك. والله عز وجل والله عز وجل يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]. ثم بعد ذلك وصل إلى الغاية وهي السؤال؛ لأن هذا كله تمهيد وكله توطئة وكله تقديم بين يدي السؤال، وهو قوله: [ (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) ] فما قبل هذا الدعاء وهذا الطلب من الله عز وجل كله تمهيد وثناء على الله عز وجل، وذلك بين يدي هذا الدعاء الذي هو الهداية لما اختلف فيه من الحق، بأن يوفق للصواب، ويوفق للحق في الذي اختلف فيه.

تراجم رجال إسناد حديث الاستفتاح بـ (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل)

قوله: [حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمر بن يونس ]. عمر بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
إسناد آخر لحديث الاستفتاح بـ (اللهم رب جبريل ..) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو نوح قراد حدثنا عكرمة بإسناده بلا إخبار ومعناه قال: (كان إذا قام بالليل كبر ويقول..) ]. أورد المصنف طريقاً أخرى لهذا الحديث المتقدم، وليس فيه ذكر المتن، وإنما هو بالمعنى. قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. محمد بن رافع مر ذكره. [ حدثنا أبو نوح قراد ]. هو عبد الرحمن بن غزوان ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار الذي مر ذكره. قوله: [ بإسناده بلا إخبار ومعناه ]. يعني أنه ما قال: أخبرني. ومعنى (ومعناه) أي: بمعنى الحديث المتقدم. أو أن المقصود بقوله: (ومعناه) معنى صيغة الأداء التي هي ليست إخباراً، فهو قال: (بلا إخبار) وما قال (أخبرني) ولكنه ذكر معنى روايته.
إسناد رأي الإمام مالك رحمه الله تعالى في الدعاء في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك قال: لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله وأوسطه وفي آخره، في الفريضة وغيرها ]. أورد المصنف هنا أثراً عن مالك ، وهو أنه قال: لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله وفي وسطه وفي آخره. أي: أول الصلاة ووسطها وآخرها. وهذا يفيد أنه يرى الدعاء في الاستفتاح، وقيل: إن المشهور عنه أنه يكبر ويتعوذ ويقرأ ولا يذكر دعاء الاستفتاح، ولكن هذا الأثر يدل على أنه يرى الدعاء؛ لأن الدعاء في أول الصلاة هو الاستفتاح. ووسطها يراد به في السجود، وكذلك بين السجدتين، وآخرها هو قبل التشهد، فكل ذلك موطن للدعاء. قوله: [ في الفريضة وغيرها ]. يعني أن الدعاء يكون في الفريضة والنافلة. والدعاء في أول الصلاة لا يكون إلا بما ورد، وأما بالنسبة للسجود فالإنسان يسأل فيه ما يريد، وكذلك في آخر الصلاة يسأل ما يريد، وحرصه على ما هو مأثور أولى، وأما بالنسبة لأول الصلاة فليس فيه إلا المأثور، فيدعو بما هو مأثور، وفي السجود قال صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) ويمكن للإنسان أن ينص على حاجته وعلى مراده ويسمي مراده.
تراجم رجال إسناد رأي الإمام مالك في الدعاء في الصلاة

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (كنا يوماً نصلي وراء رسول الله ... قال رجل وراء رسول الله: اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن علي بن يحيى الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: (كنا يوما نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده. قال رجل وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: من المتكلم بها آنفا؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول) ]. أورد أبو داود حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله تعالى عنه أنه صلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركوع إذا برجل يقول: [ (اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) ]. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من المتكلم بها آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول) ]. وهذا فيه بيان عظم شأن هذه الكلمة وهذا الثناء وهذا التعظيم لله سبحانه وتعالى. ولا علاقة له بدعاء الاستفتاح في هذا الباب، ولكن لعله ذكره لأنه جاء مثله في دعاء الاستفتاح في قصة ذلك الرجل الذي حفزه النفس، وذلك في دعاء الاستفتاح، وهذا الكلام من جنسه، ولكنه ليس في الاستفتاح، وإنما هو بعد الركوع.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا يوماً نصلي وراء رسول الله ... قال رجل وراء رسول الله: اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ...)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر ]. نعيم بن عبد الله المجمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن يحيى الزرقي ]. علي بن يحيى الزرقي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو يحيى بن خلاد الزرقي ، له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن رفاعة بن رافع الزرقي ]. هو رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
شرح حديث الاستفتاح بـ (اللهم لك الحمد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يتعلق باستفتاح الصلاة في الليل، وهو نوع آخر من أنواع الاستفتاح لصلاة الليل، وهو مثل ما تقدم في الحديث السابق، ففيه ذكر وثناءٌ على الله عز وجل، وفي نهايته طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، فيثني على الله عز وجل بما هو أهله، ويذكر عدة أشياء فيها ثناء على الله عز وجل، ثم بعد ذلك يسأل حاجته، وهي أن يغفر الله له ذنوبه.
بيان معنى نور الله عز وجل

قوله: [ (كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض) ]. يعني أنه يحمد الله عز وجل ويثني عليه ويقول: إنه نور السموات والأرض. والله عز وجل هو نور، وحجابه النور، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل رأيت ربك قال: (نور أنى أراه) وجاء في حديث آخر أنه قال: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فقوله: (لأحرقت سبحات وجهه) فيه ذكر نور وجهه سبحانه وتعالى. ونور الشمس ونور القمر والنور في السموات والأرض كله من الله سبحانه وتعالى، والكتاب نور، كما قال الله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو سراج منير، كما قال عز وجل: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46]. والمراد بذلك نور الوحي ونور الهدى ونور الحق، فكتاب الله عز وجل هو النور لأنه ينير الطريق إلى الله عز وجل، ومن سار على هذا النور الذي جاء في هذا القرآن فإنه يصل إلى الغاية الحميدة وينتهي إلى عاقبة حسنة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء به هدىً ونور، وهذا هو معنى كون النبي صلى الله عليه وسلم نوراً، وليس معنى ذلك -كما يقول بعض الخرافيين وبعض المبتدعة- أنه لا ظل له؛ لأنه نور، لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان في حاجة إلى أن يستظل في الظلال، ويرد عليهم قول عائشة رضي الله عنها: (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) لما كان يصلي وهي مضطجعة نائمة بين يديه، وكذلك المرأة التي دفنت في الليل وكانت تقم المسجد، ولم يعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عاتبهم قالوا: إنها ماتت في ليلة ظلماء، وكرهنا أن نوقظك. فلو كان المقصود النور الذي يضيء بحيث يرى الطريق بذلك لما كان هناك حاجة إلى ذكر هذه الأشياء، ولكن المقصود هو النور المعنوي الذي يضيء الطريق إلى الله عز وجل والذي يوصل إلى الله سبحانه وتعالى. فالله عز وجل هو نور، وحجابه النور، وما جعله في السموات والأرض هو نور، وما وصف به كتابه فهو نور ولكنه نور معنوي، وكذلك أيضاً رسوله صلى الله عليه وسلم نوره معنوي. والله تعالى هو منور السموات والأرض، وقد ذكر ابن القيم في كتابه (الصواعق المرسلة) أن من أسماء الله تعالى النور، وذكر عشرة أمثلة منها الآية الكريمة اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35]. وإذا ثبت ذلك فيجوز إطلاق اسم (عبد النور) على الإنسان ليكون اسماً له. ثم إنه على القول بأنه من أسماء الله يكون النور اسماً لله تعالى وصفة، ولكن المعروف أن الأسماء تدل على الصفات، مثل الحكيم يدل على الحكمة، والعليم يدل على العلم، والسميع يدل على السمع، واللطيف يدل على اللطف، والخبير يدل على الخبرة، والقدير يدل على القدرة، والكريم يدل على الكرم، وهكذا، وأما النور فهو اسم وصفة بنفس الحروف.
دلالات ألفاظ الحديث

قوله: [ (ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض) ]. في بعض الروايات: (قيم السموات والأرض) وجاء في القرآن لفظ (قيوم) كما في قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، والمراد به الذي هو قائم بكل شيء، فهو قائم بذاته ومقيم لغيره، لا قيام لغيره إلا به، ولا وجود لغيره إلا به، ولا بقاء لغيره إلا به. قوله: [ (ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن) ]. يعني: موجدهما والمتصرف فيهما. قوله: [ (أنت الحق وقولك الحق) ]. الحق من أسماء الله تعالى، ومعنى (وقولك الحق) أن قول الله عز وجل وما يقوله حق وصدق، قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]. قوله: [ (ووعدك الحق) ]. يعني أن الله لا يخلف الميعاد، فهو حق، والله تعالى ينجز وعده. قوله: [ (ولقاؤك حق) ]. يعني يوم القيامة، ولهذا يستدل بعض العلماء بالآيات التي فيها ذكر اللقاء بأنها من أدلة إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة. قوله: [ (والجنة حق والنار حق) ]. أي أن الجنة ثابتة وموجودة، والنار كذلك، والجنة أعدها الله لأوليائه والنار أعدها الله لأعدائه، وقد جاء في الحديث: أنه تعالى قال للجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها). قوله: [(والساعة حق) ]. يعني أنها قائمة ولا بد من أن تأتي. وقوله: [(وبك خاصمت) ]. قيل في معناه: إنه يقيم الحجة على الكفار، وفيه إثبات ألوهية الله عز وجل وربوبيته. قوله: [ (وإليك حاكمت) ]. يعني: إلى حكمك احتكمت لا إلى أي شيء آخر مما يتحاكم إليه الناس من عادات الجاهلية ومما لم ينزل الله به سطاناً ولم ينزل به وحياً، كالقوانين الوضعية وغير ذلك، فإن المحاكمة إلى الله عز وجل وإلى حكمه واجبة، قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله الرد إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت) ]. هذه هي الغاية؛ لأن كل ما مضى ثناء على الله عز وجل، وهو وسيلة للوصول إلى هذه الغاية التي هي طلب المغفرة. وقوله: [ (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت) ] يعني: ما قدمت من الذنوب وما أخرت. وقوله: [ (وأسررت وأعلنت) ]. يعني: ما كان خفياً لا يطلع عليه إلا أنت، وما كان علانيةً يطلع عليه الناس. قوله: [ (أنت إلهي لا إله إلا أنت) ]. يعني: أنت معبودي الذي أقصدك بالعبادة، لا إله لي إلا أنت، فأنت إلهي ومعبودي الذي لا معبود بحق سواك.
تراجم رجال إسناد حديث الاستفتاح بـ (اللهم لك الحمد)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزبير ]. أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث الاستفتاح بـ (اللهم لك الحمد) في صلاة الليل من طريق آخر وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - حدثنا عمران بن مسلم أن قيس بن سعد حدثه قال: حدثنا طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كان في التهجد يقول بعد ما يقول الله أكبر) ثم ذكر معناه ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى، وأحال على اللفظ المتقدم، فالحديث بمعنى اللفظ المتقدم. قوله: [حدثنا أبو كامل ]. هو فضيل بن حسين الجحدري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - ]. خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمران بن مسلم ]. عمران بن مسلم صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أن قيس بن سعد ]. قيس بن سعد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن طاوس عن ابن عباس ]. طاوس و ابن عباس قد مر ذكرهما.
شرح حديث رفاعة (صليت خلف رسول الله ... فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و سعيد بن عبد الجبار نحوه، قال قتيبة : حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رفاعة -لم يقل قتيبة : رفاعة - فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فقال: من المتكلم في الصلاة؟) ثم ذكر نحو حديث مالك وأتم منه ]. هذا الدعاء لا علاقة له بالاستفتاح، وهو مثل الحديث المتقدم في قصة الرجل الذي قال بعد الركوع: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) إلا أن هذا قال هذا الكلام عندما عطس وحمد الله، قالوا: وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يعطس في الصلاة فإنه يحمد الله، ولكن ليس لمن سمعه أن يشمته؛ لأنه لا تشميت لأحد في الصلاة، ولا يتكلم أحد مع أحد في الصلاة، ولكن كون الإنسان يحمد الله، ويثني عليه عندما يعطس بأن يقول مثل هذا الكلام أو يقول: الحمد لله لا بأس به، وهذا الحديث يدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث رفاعة (صليت خلف رسول الله ... فقلت الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغدادي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد بن عبد الجبار ]. سعيد بن عبد الجبار صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود . قوله: [ نحوه ]. أي: بمعنى رواية الحديث، فيؤتي بمثل هذه الكلمات أحياناً، فالمقصود بقوله: (نحوه) أي: بمعناه. [ قال قتيبة : حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع ]. قوله: [ قال قتيبة ] يعني أن هذا لفظ قتيبة . [ حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع ]. رفاعة صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع ]. معاذ بن رفاعة بن رافع صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو رفاعة بن رافع وقد مر ذكره. قوله: [ ثم ذكر حديث مالك وأتم منه ]. يعني بذلك حديث مالك السابق في قصة قول الرجال بعد الركوع: (اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه). قوله: [ لم يقل قتيبة : رفاعة ]. يعني أن الذي ذكر رفاعة هو سعيد بن عبد الجبار .

شرح حديث (عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حتى يرضى ربنا، وبعدما يرضى من أمر الدنيا والآخرة. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: من القائل الكلمة؟ قال: فسكت الشاب، ثم قال: من القائل الكلمة فإنه لم يقل بأسا؟ فقال: يا رسول الله! أنا قلتها لم أرد بها إلا خيرا. قال: ما تناهت دون عرش الرحمن تبارك وتعالى) ]. أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن شاباً من الأنصار عطس، فقال: [ (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة) ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(ما تناهت دون عرش الرحمن) ]. يعني: ما قصرت أو ما منعت أو ما حيل بينها وبين أن تنتهي إلى العرش، وما وقفت دون العرش، بل انتهت إليه. وقوله: [(حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه) ]. أي: حمداً مباركاً فيه ومباركاً عليه. وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه هذه الزيادات، وهذا الحديث في إسناده من هو ضعيف، وهو عاصم بن عبيد الله .

تراجم رجال إسناد حديث (عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة)


قوله: [ حدثنا العباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عاصم بن عبيد الله ]. هو عاصم بن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ]. عبد الله بن عامر بن ربيعة ، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ عن أبيه ]. هو عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
من رأى الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك)


شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من رأى الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك). حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. ثم يقول: لا إله إلا الله -ثلاثا- ثم يقول: الله أكبر كبيرا -ثلاثا- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه. ثم يقرأ). قال أبو داود : وهذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي عن الحسن مرسلا، الوهم من جعفر ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من رأى الاستفتاح بـ(سبحانك اللهم وبحمدك)] وهذا نوع من أنواع الاستفتاح التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم، وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة قال: [ (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ] قوله: [ (سبحانك -اللهم- وبحمدك) ] تنزيه لله عز وجل وتعظيم له؛ لأن التسبيح هو تنزيه، والحمد هو ثناء. ثم بعد ذلك قال: [ (وتبارك اسمك) ] و(تبارك) لا تأتي إلا مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يطلق على غيره هذا اللفظ، ولا يقال لمخلوق: تبارك. ولا يقال: تعالى. ولا يقال: سبحان فلان. لأن هذه الألفاظ الثلاثة كلها من خصائص الله، ولا تقال إلا لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (وتعالى جدك) ] الجد هو العظمة، ومنه قول الله عز وجل فيما حكاه عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3] فالجد هنا العظمة، فيأتي الجد بمعنى العظمة كما هنا، وكما في الآية، ويأتي الجد بمعنى الحظ والنصيب، ومنه قول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل. يعني: الحظ والنصيب إنما يكون بالجد والاجتهاد، والحرمان الذي هو مقابل الحظ ومقابل الجد يكون بالكسل. ويأتي بمعنى أبي الأب وأبي الأم، فيقال له: جد. فلفظ الجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الجد الذي هو الأب الثاني، سواءٌ من جهة الأب أو الأم، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ومنه الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح. وقوله: [ (تبارك اسمك) ] يعني: كثرت بركته وخيره.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك)


قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا جعفر ]. هو جعفر بن سليمان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن علي الرفاعي ]. علي بن علي الرفاعي لا بأس به، وهو بالمعنى: صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي المتوكل الناجي ]. هو على بن داود ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كلام أبي داود على الحديث

قوله: [ قال أبو داود : وهذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي عن الحسن مرسلاً، الوهم من جعفر ]. هذا كلام حول هذا الحديث، لكن الحديث ثابت، وجاء عن أبي بكر و عمر و عثمان أنهم كانوا يستفتحون بهذا الذكر، وبعض أهل العلم يختار هذا، ويقول: إن كون الإنسان يبدأ صلاته بالثناء على الله عز وجل أولى من كونه يدعو مباشرةً. وكل ذلك -كما هو معلوم- صحيح؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم الذكر والثناء كما في هذا الحديث، وجاء عنه الدعاء مباشرةً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب). وهذا من قبيل اختلاف التنوع، أعني كون أحدهم يختار هذا وأحدهم يختار هذا، وآخر يفضل هذا الذكر وآخر يفضل هذا الدعاء، فهذا من قبيل اختلاف التنوع.

شرح حديث الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن عيسى حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك). قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب ، لم يروه إلا طلق بن غنام ، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئا من هذا ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وهو مثل الحديث المتقدم.

تراجم رجال إسناد حديث الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك)

قوله: [حدثنا حسين بن عيسى ]. حسين بن عيسى صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا طلق بن غنام ]. طلق بن غنام ، ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن ]. [ حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي ]. عبد السلام بن حرب الملائي ثقة له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بديل بن ميسرة ]. بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن ]. [ عن أبي الجوزاء ]. هو قوس بن عبد الله الربعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم يوم أمس, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الأسئلة



حكم الذهاب بالملابس الخاصة بالنوم إلى المسجد للصلاة


السؤال: ما حكم لبس الثياب الخاصة بالنوم والذهاب بها إلى الصلاة مع القدرة على لبس الثياب العادية؟

الجواب: لا يليق بالإنسان أن يذهب بالملابس الخاصة بالنوم أو الملابس الخاصة بالبيت التي ليس فيها ستر وزينة للمرء، وكما أنه لا يقابل بها الناس إذا زاروه، فكذلك لا يصلح أن يذهب إلى المسجد بها، والله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، فهذا من الأمور التي بلي بها بعض الناس في هذا الزمان، حيث يأتي إلى المسجد بهيئة غير حسنة، ولا يستطيع أن يقابل بها الناس لو زاروه في بيته، فإذا زاروه في بيته يلبس لباساً آخر يناسب المقام.

حكم النظر إلى السبابة في التشهد

السؤال: في أثناء التشهد هل ينظر المصلي إلى السبابة؟

الجواب: نعم ينظر إلى السبابة.

حكم منع الوالد ولده من الزواج بالثانية

السؤال: رجل عمره خمسون سنة متزوج بواحدة ويريد أن يتزوج بثانية؛ لأنه إن لم يتزوج فسيقع في الحرام، ولكن والده لا يريد له ذلك، فل من حقه شرعاً أن يمنعه؟


الجواب: ما دام الأمر ضرورياً فليرض والده وليتزوج.

فضل الصلاة في الروضة ومتى يكون

السؤال: هل للصلاة في الروضة فضل عن غيرها من الأماكن أم ليس لها فضل؟


الجواب: الصفوف الأمامية أولى من الروضة بالصلاة في صلاة الفريضة، وأما النافلة فإن صلاتها في الروضة لا شك في أن لها ميزة لكون الروضة في المسجد تتميز عن غيرها بهذا الوصف. لكن على الإنسان أن لا يذهب إليها ولا يزاحم ويؤذي الناس في سبيل الوصول إليها، أو في سبيل الصلاة فيها؛ لأن إيذاء الناس حرام، والصلاة فيها مستحبة، كتقبيل الحجر الأسود، فإنه مستحب وإيذاء الناس في الوصول إليه حرام لا يجوز، فلا يرتكب الأمر المحرم من أجل أن يصل إلى أمر مستحب.

حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة

السؤال: هل دعاء الاستفتاح سنة أم واجب؟

الجواب: هو سنة، ولا نعلم أحداً يقول بوجوبه.

حكم الجمع والقصر للمسافر، وحكم جمع الفرضين قبل الخروج من البلدة

السؤال: هل الجمع والقصر سنة لمن أراد أن يسافر، وهل له أن يصلي الفرضين جمعاً قبل خروجه من قريته أو يصليهما في الطريق؟


الجواب: الجمع والقصر من أحكام السفر، والسفر إنما يكون عند مغادرة البلد، فبعد مغادرة البلد تبدأ أحكامه، أما ما دام المرء في البلد فليس له أن يأتي بأحكام السفر. ثم إذا كان المكان الذي وصل إليه يريد أن يبقى فيه أربعة أيام فأكثر فإنه يتم ولا يقصر، وإن كان سيبقى فيه أقل من أربعة أيام فإنه يقصر إذا صلى وحده، وله أن يجمع، ولكن كون الإنسان في حال إقامته وهو مسافر لا يجمع هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منى لا يجمع، وإنما يقصر ولا يجمع، فكل صلاة يصليها في وقتها، ويقصر بدون جمع، ولكن الجمع جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك، فدل هذا على الجواز، ولكن تركه أولى.

مشروعية قراءة آية الكرسي عقب كل فريضة


السؤال: هل تشرع قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة فريضة؟

الجواب: نعم تقرأ آية الكرسي، وكذلك (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).

حكم قراءة الأذكار بعد صلاة المغرب

السؤال: هل تجوز قراءة أذكار المساء بعد صلاة المغرب؟

الجواب: يجوز، لكن كون الإنسان يأتي بها قبل الغروب أولى.

حكم الزواج بالصغيرة مع تأخير الدخول بها إلى البلوغ

السؤال: هل يجوز للرجل أن يتزوج امرأةً صغيرة ولا يدخل عليها إلا إذا بلغت؟

الجواب: ذلك جائز، لكن ما فائدة ذلك؟! إن هناك أمراً مهماً، وهو إذنها، فإن إذنها معتبر، فمن حيث الجواز هو جائز، ولكن لا بد من إذنها. ومن هي دون البلوغ ليس عندها إدراك ولا عندها المعرفة، ولكن البكر تستأذن، وكونها تزوج وهي صغيرة قد يحصل منه أنها إذا بلغت أو إذا دخل بها يكون لها رأي آخر، كما في قصة المرأة التي زوجها أبوها وهي كارهة، فاشتكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فخيرها، فهذا الأمر يترتب عليه ما يترتب من المحاذير.

حكم سماع صوت المرأة

السؤال: هل صوت المرأة عورة؟

الجواب: صوت المرأة إذا كان يتلذذ به فإنه يكون عورة ولا يجوز سماعه، وأما إذا لم يكن كذلك فيجوز للحاجة وعلى قدر الحاجة، ولا يجوز الاسترسال فيه في التلفون ولا في غير التلفون، وإنما عند الحاجة يتكلم مع المرأة في الأمر الذي يقتضي ذلك دون أن يتجاوز إلى ما هو أكثر من الحاجة، وإذا كان الصوت فيه متعة وفيه لذة وفيه فتنة فليس للإنسان أن يسمع ذلك الصوت.


حكم محاضرة المرأة وتدريسها الرجال

السؤال: المرأة قد تحاضر الرجال وتدرسهم، فما حكم ذلك؟
الجواب: المرأة لا يجوز لها أن تحاضر الرجال. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم يوم أمس, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [102]
الحلقة (133)


شرح سنن أبي داود [102]

يعرض للصلاة جملة من الأحكام الشرعية الخاصة بها، ومنها كيفية قراءة البسملة فيها، إذ يرى بعض الفقهاء الجهر بها، ويرى آخرون الإسرار بها، ومن أحكام الصلاة مراعاة الأمر الطارئ وقت أدائها، كالتجوز فيها عند سماع بكاء الصبي مع سبق إرادة الطول فيها، وكإطالتها لعارض، ومثل هذه الأحكام حري بالمسلم أن يعرفها ليعمل بها تقرباً إلى الله تعالى.

من لم ير الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)



شرح حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الكوثر بعد نزولها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من لم ير الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)] حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن فضيل عن المختار بن فلفل أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (أنزلت علي آنفا سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] حتى ختمها، قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (أنزلت علي آنفاً سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]) ] وإيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأنه ليس فيه شيء يدل على أن (بسم الله الرحمن الرحيم) لا يجهر بها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم ما أنزل عليه، وكان مما قرأه (بسم الله الرحمن الرحيم) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]. فقوله: [ (فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]) ] يدل على أن (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من القرآن، لكن ليس فيه ما يدل على أنه لا يجهر بها كما أدخل ذلك أبو داود رحمه الله تحت الترجمة، وهي [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] فليس فيه ما يدل على ذلك، بل قد يقال: يمكن أن يستدل به على الجهر، وهو أنه لما ذكر أنها آية من القرآن وأنه قرأ البسملة كما قرأ السورة دل ذلك على أنه يجهر بها كما يجهر بالقرآن. فالاستدلال أو إيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأن الذي فيه أنه أخبر أنه أنزلت عليه سورة، قال: [ (فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم) ] يعني: أتى بكلمة (قرأ) ثم بعدها (بسم الله الرحمن الرحيم) على أنها قرآن كالسورة، ولكن ليس فيه -فيما يظهر- دليل على الترجمة، وهي [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ولو كان في الترجمة التي تليها وهي [باب من جهر بها] لكان واضحاً ولكان له وجه؛ لأن (بسم الله الرحمن الرحيم) قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قرأ السورة، وإذا كانت من جملة السورة فإنه يجهر بها كما يجهر بالسورة على سبيل الاستنباط والاستدلال.

دلالة الحديث على إثبات نهر الكوثر

ثم إن الحديث يدل على إثبات هذا الأمر المغيب الذي هو الكوثر، وهو نهر وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأنزل الله تعالى فيه هذه السورة التي هي سورة الكوثر. فهذا النهر الإيمان به داخل تحت الإيمان باليوم الآخر، وهو من الإيمان بالغيب؛ لأن هذه أمور مغيبة لا تعرف إلا عن طريق الوحي، ولا يتكلم فيها إلا بالوحي، فما جاء به الوحي من أمور الغيب فإنه يصدق ويؤمن به، سواءٌ أكان ذلك في الماضي أم في المستقبل أم في الأمور الموجودة الغائبة عنا التي لا نراها ولا نشاهدها، فالماضي مثل بدء الخلق وأخبار بدء الخلق وأخبار الأنبياء السابقين وأخبار الأمم السابقة، فكل هذا الإيمان به من الإيمان بالغيب؛ لأن هذه أمور مغيبة مضت ما عرفناها إلا عن طريق الوحي. والمستقبل كالأمور التي تجري قبل قيام الساعة، وما يجري عند قيام الساعة، وما يجري من البعث، وما يجري من الحشر، وما يجري من الصراط والميزان، وما يجري من الورود على الحوض، وكذلك الجنة وما فيها من النعيم، ومنها ذلك الحوض الذي وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة، وكل ذلك داخل في الإيمان بالغيب. والأمور الموجودة التي لا نشاهدها هي كالجن والملائكة؛ لأن الملائكة موجودون والجن موجودون، وهم يكونون حولنا ولا نراهم، ولكن جاء الوحي بذلك، فهذه من الأمور المغيبة التي نؤمن بها، ونصدق بأن ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم حق وصدق يجب الإيمان به ويجب تصديقه.
دلالة الحديث على بيان السنة وتفسيرها للقرآن الكريم

ثم إن في هذا الحديث بيان أن السنة تبين القرآن وتفسره وتدل عليه؛ لأن قول الله عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] عرف معناه بهذا الحديث وبهذه السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي بيان الكوثر وأنه نهر في الجنة وعده الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، فالحديث يدل على أن السنة تبين القرآن وتفسره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الكوثر الذي جاء في قول الله عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] فسره وبين أنه نهر في الجنة وعده الله تعالى به، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] ) حتى ختهما.
الاستفهام عن الكوثر ودلالاته

قوله: [ (قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم) ]. هذا السؤال والاستفهام حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم لا يدرون؛ لأن هذا أمر مغيب، ولكنه عندما يسأل هذا السؤال يجعلهم يستعدون ويتهيئون ويكونون على استعداد لمعرفة هذا الشيء الذي لا يعرفونه ولا يعلمونه، فإذا بين فإنهم يكونون على استعداد وعلى تهيؤ لتلقيه واستيعابه ومعرفته وعدم فوات شيء منه، فهذه فائدة سؤاله: [ (هل تدرون ما الكوثر؟) ] لأنه كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول: الكوثر نهر وعدنيه ربي في الجنة. لكن هذا من كمال بيانه وكمال نصحه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو أفصح الناس وأنصح الناس للناس عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقوله: [ (قالوا: الله ورسوله أعلم) ]. قول (الله ورسوله أعلم) يقال في حياته صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو فيجيبونه بذلك ليعلمهم وليبين لهم، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا يقال: الله ورسوله أعلم. بل يقال: (الله أعلم) فحسب. كما أن هذه الكلمة لا تقال في الأمور التي لا يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم، سواء وقع السؤال في حياته أو بعد مماته، فلو قيل: متى تقوم الساعة؟ فليس للإنسان أن يقول: الله ورسوله أعلم. فالرسول لا يعلم متى تقوم الساعة، وإنما يقال: الله أعلم. فالإنسان عندما يسأل عن شيء مثل هذا يكل العلم إلى العالم، وهو الله سبحانه وتعالى الذي يعلم الغيب في السموات والأرض ويعلم السر في السموات والأرض ويعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. قوله: [ (قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة) ]. هذا بيان أن نهر الكوثر في الجنة، وأما الحوض فهو في العرصات في الموقف يوم القيامة قبل أن يذهب الناس إلى الصراط والميزان، لأن الناس إذا خرجوا من قبورهم يكونون عطاشاً، فيكون الحوض في عرصات القيامة، فيتجه الناس إليه يريدون أن يشربوا منه فيذاد عنه من يذاد ويشرب من يشرب، وجاء في بعض الأحاديث أن الكوثر يصب فيه ميزابان من الجنة.

تراجم رجال إسناد حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الكوثر بعد نزولها


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المختار بن فلفل ]. المختار بن فلفل ، صدوق له أوهام، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك -رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن أبا داود أعلى ما عنده الرباعيات، فليس عنده إسناد ثلاثي، بل أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها.

شرح حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم آيات حادثة الإفك


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قطن بن نسير حدثنا جعفر حدثنا حميد الأعرج المكي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها -وذكر الإفك- قالت: (جلس رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11] الآية). قال أبو داود : وهذا حديث منكر، قد روى هذا الحديث جماعة عن الزهري لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وحديث الإفك حديث مشهور طويل جاء في الصحيحين وفي غيرهما، والإفك المقصود به الكذب والافتراء الذي رميت به عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بريئة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هجرها وأذن لها بأن تذهب إلى أهلها، وكان لا يعلم الحقيقة، وكان يأتي إليها ويقول: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله عز وجل واستغفري) فما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الحقيقة، وهذا يدل على أن الرسول لا يعلم الغيب على الإطلاق، فالغيب لا يعلمه على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب مطلقاً لقال: أنا أعلم الغيب، فهذا الكلام غير صحيح. وإنما بقي متألماً متأثراً وهجر زوجه وأرسلها إلى أهلها وبقيت متألمة مريضة متعبة بسبب هذا الذي ألصق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث مدةً طويلة وهو لا يعلم، حتى أنزل الله براءتها في قرآن يتلى.
تواضع الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم

وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تخبر أنها كانت تظن أن براءتها ستكون أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرؤها الله بها؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، ولكن الله عز وجل أنزل فيها قرآناً يتلى، ومع هذا الذي أكرمها الله به من إنزال قرآن يتلى في براءتها تتواضع وتقول: (ولشأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله فيّ قرآناً يتلى). وهذا شأن أولياء الله، حيث أعطاهم الله ما أعطاهم من الكمال ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل، ولهذا فإن ابن القيم رحمه الله في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم) عندما جاء إلى ذكر الآل ترجم لأمهات المؤمنين؛ لأنهن داخلات تحت الآل حين يقال: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد). فترجم لكل واحدة من أمهات المؤمنين ترجمة وأتى بشيء من فضائلها، ولما جاء عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها ذكر تواضعها، وأن الله عز وجل أنزل فيها ما أنزل وكانت تقول: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرؤني الله بها، ولشأني في نفسي أحقر من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى. وذكر أن هذا من تواضعها، ثم قال: أين هذا ممن يصوم يوماً من الدهر ويقول: أنا فعلت كذا وكذا. وذكر أمثله. فهذا شأن أولياء الله كما قال تعالى عنهم: يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]. ومثل ذلك قصة أويس القرني مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين وبعد أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، و أويس القرني هو من التابعين، بل هو خير التابعين، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس) وذكر شيئاً من صفاته ثم قال: (فمن وجده منكم فليطلب منه أن يستغفر له)، فكان عمر رضي الله عنه يسأل الذين يأتون من اليمن للحج: أفيكم أويس ؟ حتى وجد أويساً ، ولما سأله وتحقق أنه أويس قال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، وأنا أطلب منك أن تستغفر لي. فعمر بن الخطاب رضي الله عنه بشر بالجنة، وله قصر في الجنة، ولكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا طلب من أويس أن يستغفر له، لكن ماذا قال أويس ؟ لقد كان عمر يتواضع من جانبه و أويس كان يتواضع من جانبه. فأويس يقول: أنتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنتم الأحق بأن يطلب منكم الاستغفار. فما تعاظم وتكبر لكون صحابي يقول له هذا الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زاده ذلك إلا تواضعاً، ولهذا لما قال له عمر : إلى أين تذهب؟ قال: إلى البصرة أو إلى الكوفة. قال: هل أكتب لك إلى أميرها؟ قال: دعني أكون مع الناس. أي: غير معروف وغير مشهور وغير بارز وغير ظاهر. فالحاصل أن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك والكذب الذي ألصق بها وأضيف إليها رضي الله عنها وأرضاها أنزل الله براءتها في تلك الآيات من سورة النور. وهنا أورد المصنف رحمه الله تعالى عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآيات من سورة النور التي فيها براءتها -رضي الله عنها وأرضاها- كشف عن وجهه، أي: بعد أن أوحي إليه؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم عندما يوحي إليه تصيبه شدة ويصيبه كرب شديد، حتى إنه يكون في اليوم الشاتي الشديد البرودة يتفصد جبينه عرقاً من شدة ما يحصل له عند الوحي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قالت: [ (وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم (( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ ))[النور:11]) ]. والمقصود من إيراد أبي داود رحمه الله لهذا الحديث أنه ذكر الاستعاذة وما ذكر البسملة قبل قراءته قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]. لكن عدم إيراد البسملة لا يدل على أن هناك بسملة في هذا المكان؛ لأن هذا ليس أول السورة، والبسملة إنما تكون في أوائل السور إلا في سورة براءة، وأما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11] فهو في أثناء السورة وليس في مطلعها؛ لأن سورة النور أولها قوله تعالى: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا [النور:1] وبعد آيات متعددة جاءت الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ). فكونه ما قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليس معناه أنه لم يجهر بالبسملة أو لم يأت بالبسملة؛ لأن هذا ليس مكان بسملة، ولكنه مكان استعاذة. فالإنسان إذا أراد أن يقرأ من وسط السورة يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان يريد أن يقرأ من أول السورة يستعيذ ويبسمل، فهنا الآيات ليست من أول السورة، فلا يظهر وجه لإيراد الحديث تحت هذه الترجمة. ثم إن هذا الحديث قال عنه أبو داود [وهذا حديث منكر] وذلك لأن الذين رووا عن الزهري قصة الإفك وحديث الإفك -وهم كثيرون- ما ذكروا الاستعاذة، وإنما ذكروا أنه أتى بالآيات التي أنزلها الله تعالى عليه دون أن يسبقها استعاذة. وقال أبو داود رحمه الله: [وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد ] أحد رجال الإسناد، وهو حميد الأعرج ، ولا بأس به، أي أنه صدوق، وهو من رجال الكتب الستة، وبعض أهل العلم قال: إنه على موجب الاصطلاح فإن الثقة المخالف لمن هو أوثق منه يقال لحديثه: شاذ. ولا يقال له: منكر. وإنما المنكر مخالفة الضعيف للثقة. وعلى هذا فيكون ذكر الاستعاذة في هذا الموضع فيه مخالفة، ومخالفة الثقة لمن هو أوثق منه تعتبر شذوذاً، ولا يعتبر هذا من زيادة الثقة، لأن في رجال الإسناد من هو متصف بالخطأ كما سيأتي ذكره. وعلى كل حال فإن إيراد الحديث تحت ترجمة [من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم] ليس بواضح؛ لأنه ليس فيه عدم الجهر بالبسملة؛ لأن البسملة ليس هذا مكانها، وإنما تأتي في أوائل السور.

تراجم رجال إسناد حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم آيات حادثة الإفك


قوله: [ حدثنا قطن بن نسير ]. قطن بن نسير صدوق يخطئ، أخرج له مسلم و أبو داود والترمذي . [ حدثنا جعفر ]. هو جعفر بن سليمان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وابن القيم في تهذيب السنن قال: لعل الحمل في ذلك على قطن الذي هو صدوق يخطئ، أو على جعفر بن سليمان ، وهذا هو السبب في كون الحديث فيه نكارة. أما حميد أبو صفوان الأعرج الذي أشار إليه أبو داود وقال: [وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من حميد ] فقد قال الحافظ ابن حجر عنه: لا بأس به. أي أن حديثه معتمد وحجة ومقبول. فابن القيم أشار إلى أن الحمل قد يكون على من دونه، وهو جعفر بن سليمان أو قطن بن نسير . قوله: [ حدثنا حميد الأعرج المكي ]. حميد الأعرج المكي لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي مكثرة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من رأى الجهر بالبسملة


شرح حديث سؤال ابن عباس عثمان رضي الله عنهما عن تركهم الفصل بين الأنفال وبراءة بالبسملة


قال رحمه الله تعالى: [ باب من جهر بها. أخبرنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن عوف عن يزيد الفارسي أنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه: ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطول ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال عثمان : كان النبي صلى الله عليه وسلم مما تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له: ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فمن هناك وضعتهما في السبع الطول ولم أكتب بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [من جهر بها] ويعني ما يدل على الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم). وأورد حديث ابن عباس أنه سأل عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال -وهي من المثاني- وبراءة -وهي من المئين- وهذه من أول ما نزل في المدينة وهذه من آخر ما نزل فجعلتموهما سورة واحدة، ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فعثمان رضي الله عنه قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الآية والآيتان فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا. ويعني بذلك الشيء الذي اشتهرت به السورة. وكان بين سورتي التوبة والأنفال تشابه وتماثل، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتبوا سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل سورة براءة، فمن أجل ذلك جمعوا بينهما، ولم يفصلوا بينهما بسطر (بسم الله الرحمن الرحيم). ولهذا قال بعض العلماء: إن هاتين السورتين هما بمثابة السورة الواحدة، ولهذا اعتبروهما جميعاً، فسابعة السبع الطوال هاتان السورتان الاثنتان. ومنهم من قال: السابعة هي براءة والأنفال ليست من الطوال. ومنهم من قال: إن الأنفال هي السابعة. فبين عثمان رضي الله عنه وأرضاه أن السبب الذي جعله لم يكتب سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) هو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه أنه قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل براءة، ومن أهل العلم من يقول بأن سورة براءة نزلت بالسيف والبسملة فيها رحمة، فما ذكرت فيها. والذي جاء عن عثمان هو ما ذكر، ولكن هذا الحديث فيه ضعف من جهة يزيد الفارسي الذي هو مقبول. ثم إن معنى المئين السور التي تبلغ آياتها فوق المائة، أي: مائة فأكثر، فهذه يقال لها: ذوات المئين. والمثاني قيل: هي التي دون ذلك. ولهذا فسورة الأنفال لا تصل إلى مائة، لكن مجموع السورتين يجعلهما من ذوات المئين، وسورة التوبة وحدها هي من المئين.

تراجم رجال إسناد حديث سؤال ابن عباس عثمان رضي الله عنهما عن تركهم الفصل بين الأنفال وبراءة بالبسملة


قوله: [ أخبرنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف ]. هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد الفارسي ]. يزيد الفارسي مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [قلت لعثمان ]. هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
إسناد آخر لحديث سؤال ابن عباس عثمان عن ترك الفصل بالبسملة بين الأنفال وبراءة وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب حدثنا مروان -يعني ابن معاوية - أخبرنا عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي قال: حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما. بمعناه، قال فيه: (فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها). قال أبو داود : قال الشعبي و أبو مالك و قتادة و ثابت بن عمارة : (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل) هذا معناه، وهذا مرسل ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث السابق، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض ولم يبين لهم أنها منها. أي: لم يبين لهم أن البسملة من سورة براءة، فمائة وثلاث عشرة سورة بدأت بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، وسورة التوبة وحدها لم يأت قبلها بسم الله الرحمن الرحيم. قوله: [حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا مروان -يعني ابن معاوية - ]. هو مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهم. قوله: [ قال أبو داود : قال الشعبي و أبو مالك و قتادة و ثابت بن عمارة : (إن النبي صلى عليه وآله وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل) هذا معناه، وهذا مرسل ]. الشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، من التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . وقولهم: [إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى نزلت سورة النمل] هو مرسل؛ إذ إن هؤلاء الذين ذكروا ذلك هم من التابعين، وإضافة ما قالوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل؛ لأن المرسل هو ما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم)


قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و أحمد بن محمد المروزي و ابن السرح قالوا: حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير . قال قتيبة فيه: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم) وهذا لفظ ابن السرح ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة هي من القرآن؛ لأن قوله: [حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم] معناه أنها قرآن، وهو يدل على أنها آية يفصل بها بين السور وليست من السورة، ولهذا لا تعد من الآيات، ولا يأتي ذكرها في عدد الآيات، وإنما يعد من ورائها، إلا سورة الفاتحة فإنها عدت البسملة فيها في المصحف، وقد عرفنا أن القول الصحيح أنها آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها، إلا في سورة النمل فهي جزء آية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث القدسي الصحيح- قال: (قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين...) فما قال: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا يبين أنها ليست من الفاتحة، فهي آية مستقلة يفصل بها بين السور. وهذا الحديث الذي هو حديث ابن عباس يدل على أن البسملة من القرآن وأنها آية من القرآن، ولكن يفصل بها بين السور، وهذا -كما هو معلوم- في غير براءة وفي غير الفاتحة؛ لأن الفاتحة ليس قبلها سورة حتى تفصل عنها، فهي جاءت في أولها لا لتفصل بينها وبين سورة، ولم تأت في سورة التوبة.

تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ و ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قالوا: حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة . [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس ]. قد مر ذكره.
تخفيف الصلاة للأمر يحدث


شرح حديث (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا عمر بن عبد الواحد و بشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث] يعني: للأمر الذي يطرأ ويقتضي التخفيف، فيخفف إذا كان يريد التطويل، أو حيث يكون من نيته أن يطول، ثم يحدث شيء يقتضي أن يخفف فيخفف، مثلما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ]. وذلك لأن الطفل إذا صار يبكي في الصلاة وأمه تصلي مع الإمام فإنه يحصل لها تشويش، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخفف من أجل هذا البكاء الذي يسمعه من ذلك الصبي، وهذا يدلنا على أن النساء يحضرن المساجد ويصلين مع الرجال، وأنهن يحضرن أطفالهن معهن، وأنه إذا وجد أمر يقتضي التخفيف في الصلاة ممن يريد التطويل فإنه يخفف للأمر الذي طرأ، كما جاء في هذا الحديث، وكما حصل من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما طعن عمر وتقدم وصلى بالناس، فإنه قرأ (قل يا أيها الكافرون) و(قل هو الله أحد) في صلاة الفجر، فخفف الصلاة لهذا الأمر الطارئ والمصيبة التي نزلت وحلت. وكذلك جاء في الحديث الذي سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ب(المؤمنون) حتى جاء عند قصة موسى وهارون أو موسى وعيسى فأصابته سعلة فركع، فكان يريد أن يواصل، ولكن عندما طرأ هذا الشيء الذي حصل اختصر القراءة وقطعها وركع. وفي حديث الباب بيان شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله عز وجل بذلك فقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فهذا من رحمته ورأفته بأمته؛ لأنه يدخل في الصلاة يريد أن يطول وإذا سمع بكاء الصبي خفف حتى لا يشق على أمه ويحصل لها تشويش ويحصل لها تأثر وهي تسمع طفلها يبكي ويصيح. قوله: [ (إني لأقوم إلى الصلاة وأن أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه) ]. معنى (أتجوز): أخفف، يعني: أخفف القراءة كراهية أن أشق على أمه لو أطلت القراءة. وقد يحصل للإمام عكس ما ذكر، حيث يكون يريد التخفيف فيعرض له أمر طارئ فيطيل، كما إذا ركع يريد التخفيف، ثم دخل أناس وهو راكع، فإنه يطيل ليدركوا الركعة. وأنبه هنا على قول بعض الناس عند دخولهم والإمام راكع: (إن الله مع الصابرين) لكي يطيل الإمام، فلا يصح أن يقول المأموم هذا الكلام. نعم الركعة الأولى هي أطول من الثانية، وذلك ليدرك الناس، ولو أراد أن يخفف ثم بدا له أن يطول لأمر طارئ فلا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث (إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز)

قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ]. عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب بـ( دحيم ) وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمر بن عبد الواحد ]. عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و بشر بن بكر ]. بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي قتادة ]. هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم يوم أمس, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [103]
الحلقة (134)

شرح سنن أبي داود [103]

لصلاة الجماعة أحكام تتعلق بالإمام وبالمأمومين، ومن أحكام صلاة الجماعة المتعلقة بالإمام أن يراعي أحوال المأمومين، فلا يشق عليهم بالإطالة في الصلاة؛ إذ قد يكون فيهم من يقع في الحرج لمرضه أو لضعفه أو لكبره ونحو ذلك بسبب الإطالة، وهذا لا يعني أن تخفف الصلاة تخفيفاً يؤدي إلى الانتقاص منها، فذلك أيضاً أمر محذور، وقد يؤدي إلى حرمان كثير من أجر الصلاة.

تخفيف الصلاة


شرح حديث (يا معاذ أفتان أنت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تخفيف الصلاة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمعه من جابر رضي الله عنه قال: (كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمنا -قال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه- فأخر النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً الصلاة -وقال مرة: العشاء-، فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يؤم قومه، فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى، فقيل: نافقت يا فلان! فقال: ما نافقت. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن معاذاً يصلي معك ثم يرجع فيؤمنا يا رسول الله، وإنا نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ بسورة البقرة. فقال: يا معاذ ! أفتان أنت؟! أفتان أنت؟! اقرأ بكذا، اقرأ بكذا) قال أبو الزبير بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، فذكرنا لعمر فقال: أراه ذكره]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب في تخفيف الصلاة ] يعني أن الإنسان الذي هو إمام للناس يخفف الصلاة، ومن المعلوم أن الإنسان يراعي أحوال المأمومين، فإذا صلى لنفسه فليطل ما شاء، وإذا صلى بالناس فليخفف. لكن الصلوات -كما هو معلوم- جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان التفاوت بينها في القراءة، وأن صلاة الفجر تطول فيها القراءة، وصلاة العشاء تخفف فيها القراءة، والحديث إنما جاء في صلاة العشاء، وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله : كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤمنا ] أي أنه يصلي مفترضاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي بهم متنفلاً وهم مفترضون، وهو دال على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل وواضح الدلالة في ذلك، وهذا قول جمهور العلماء. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقتدي المفترض بالمتنفل، وأجابوا عن هذا الحديث بأن معاذاً رضي الله عنه إنما كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نافلة، ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم تلك الفريضة، فهو مفترض وهم مفترضون. لكن هذا بعيد جداً؛ لأنه لا يليق بمعاذ بن جبل رضي الله عنه أن يترك صلاة الفرض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم يؤخر ذلك إلى أن يصلي مع الناس في مسجد آخر مفترضاً وقد تمكن من أن يأتي بالفريضة في مسجد هو خير المساجد بعد المسجد الحرام والصلاة فيه بألف صلاة، الفريضة بألف فريضة، والنافلة بألف نافلة، فكيف يترك معاذ بن جبل رضي الله عنه صلاة الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والفريضة فيه بألف فريضة ويؤخر ذلك إلى أن يصلي بقومه؟! ثم إن الحديث ورد فيه أنه صلى معه العشاء، ومعلوم أن العشاء إنما هي الفرض، ومعنى هذا أنه كان يصلي معه الفرض ولا يصلي معه النفل. ثم إنه ليس للإنسان أن ينشغل بالنافلة مع الجماعة وقد دخل وقت الفريضة ويؤجل ذلك؛ لأن المبادرة إلى إبراء الذمة والمبادرة إلى أداء الواجب الفرض المتحتم مطلوب، سيما وقد دخل الوقت وهو مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مسجده عليه الصلاة والسلام، فكل هذا يبين عدم صحة القول بأن معاذاً رضي الله عنه إنما كان متنفلاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومفترضاً مع قومه، وعلى هذا فإن صلاة المفترض خلف المتنفل صحيحة وثابتة، وهذا الحديث يدل عليها. ومما يدل عليها -أيضاً- فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، فإنه جعل الناس مجموعتين في إحدى صور صلاة الخوف، فصلى بالمجموعة الأولى منهم ركعتين وسلم، ثم صلى بالمجموعة الثانية ركعتين وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم متنفل في الصلاة الثانية وفي الأولى مفترضاً. فالذي جاء في حديث معاذ رضي الله عنه هذا هو مثل الذي جاء في حديث صلاة الخوف من إمامته عليه الصلاة والسلام للمجموعة الثانية وهو متنفل وهم مفترضون. ويجوز العكس، بأن يصلي المتنفل خلف المفترض، والدليل على ذلك قصة الرجلين الذين كانا في مسجد الخيف والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس الصبح، ولما انصرف من صلاته رآهما جالسين، فدعا بهما فجاءا ترتعد فرائصهما، فقال: (مالكما لم تصليا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا. قال: إذا صليتما في رحالكما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكن نافلة) فهذا يدل على عكس ما جاء في حديث معاذ من صلاة المتنفل خلف المفترض. وكذلك تجوز صلاة المفترض خلف المفترض مع اختلاف النيتين، كمن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، فكل ذلك سائغ ولا بأس به. فمعاذ رضي الله عنه في مرة من المرات جاء رجل ودخل معه في الصلاة، وأطال معاذ صلاة العشاء، والرجل صاحب نواضح -وهي الإبل التي يستقى عليها الماء من الآبار- وكان يتعب في النهار، فمعاذ قرأ بالبقرة، فانفصل عنه وأكمل صلاته وذهب إلى نواضحه، فقيل له: نافقت. أي: لكونك تركت الصلاة مع الإمام وخرجت قبل أن تكمل الصلاة مع الإمام، فوقعت في هذا الأمر الذي هو من صفات المنافقين؛ لأن المنافقين -كما هو معلوم- شأنهم في الصلاة أنهم لا يأتونها إلا وهم كسالى، فهم لا يأتون الصلاة، وإذا أتوا فعندهم كسل. فهذا الرجل ترك الصلاة خلف معاذ وأكمل لنفسه، فقيل له: نافقت. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالذي حصل من معاذ ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : [(أفتان أنت يا معاذ ؟)] يعني: لا يحصل منك الشيء الذي يشق على الناس، فوراءك الصغير والكبير وذو الحاجة [(ولكن اقرأ بكذا اقرأ بكذا)]. وجاء في بعض الروايات تفسير المقروء الذي أبهم من بعض الرواة، وأن المقصود به (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) أي: يقرأ في صلاة العشاء بهاتين السورتين وأمثالهما مما ليس فيه مشقة أو ضرر على المصلين المأمومين. فالحاصل أن الحديث فيه دلالة على الأمر بالتخفيف في الصلاة إذا كان هناك مشقة على الناس. وإذا علم أن أهل المسجد عددهم محصور معروف ويرغبون بأن تطول القراءة فإنه لا بأس بذلك، ولكن حيث يكون المسجد على طريق، أو يدخله أناس غير أصحاب المكان، أو قد يأتيه صاحب حاجة فيحصل له مثل هذا الذي حصل للرجل الذي صلى خلف معاذ رضي الله تعالى عنه فإن التخفيف حينئذٍ يكون مطلوباً، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف صلاته وكانت مع ذلك تماماً، ومعناه أنه لا يحصل فيها شيء من النقص مع تخفيفه إياها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (ثم يرجع فيؤمنا -قال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه-)]. لا تنافي بين قوله قوله: [فيؤمنا] وقوله: [فيصلي بقومه]؛ لأن معاذاً من قومه رضي الله عن الجميع. قوله: [ (فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء يؤم قومه، فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى) ]. الذي يظهر أنه تركهم وأتم صلاته ولم يستأنفها، ودخوله في الصلاة صحيح، لكن التطويل هو الذي منعه من البقاء معهم، فقطع الائتمام وأتم صلاته ثم ذهب إلى نواضحه. وهذا يدل على أن الإنسان إذا حصل له أمر يقتضي خروجه من الصلاة ويضطره إلى ذلك فله أن ينفصل عن الإمام ويكمل الصلاة منفرداً، ويبني على ما سبق، فيكون صلى بعض صلاته مأموماً وصلى بعضها منفرداً، وكلمة اعتزل تفيد أنه تنحى عنهم ولم يبق في الصف. ثم إن في الحديث عتاب من حصل منه خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عاتب معاذاً رضي الله عنه وقال له: [(أفتان أنت يا معاذ ؟)] وقوله: [(أفتان)] يحتمل أن يكون المراد به الفتنة في الدين، وهو أنه يحصل بذلك أن الناس لا يقدمون على الجماعة ولا يأتون لصلاة الجماعة بسبب التطويل، ويحتمل أن يكون المقصود به التعذيب؛ لأن الفتنة تأتي بمعنى التعذيب، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] يعني: عذبوهم. ولا شك في أن الإنسان إذا صلى مثل هذه الصلاة التي فيها طول مع أنه مشغول وذو حاجة أو تعب في النهار ثم وقف هذا الوقوف الطويل لا شك أن في ذلك مشقة عليه، ولا شك أن في ذلك مضرة عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم عاتب معاذاً على ما حصل منه، وأرشده إلى أن يقرأ بالشيء الذي لا مشقة فيه على غيره من الناس الذين يصلون وراءه.
تراجم رجال إسناد حديث (يا معاذ أفتان أنت)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو آخر الأئمة الأربعة؛ لأن الأئمة الأربعة هم على حسب الزمان أبو حنيفة ثم مالك ثم الشافعي ثم أحمد ، و أحمد -رحمه الله- هو آخرهم، وهو تلميذ للشافعي ، و الشافعي تلميذ لمالك ، وقد جاء ذكر الثلاثة في إسناد حديث عن كعب بن مالك رضي الله عنه، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، فهذا الحديث في مسند الإمام أحمد يرويه عن الشافعي ، و الشافعي يرويه عن الإمام مالك ، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] وقال: هذا إسناد عزيز فيه ثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة أو المشهورة؛ لأنهم اجتمعوا في هذا الإسناد يروي هذا عن هذا وهذا عن هذا. وحديث أحمد أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعه من جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ إذ هو رباعي، فإن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم الإمام أحمد و سفيان بن عيينة و عمرو بن دينار و جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما.

شرح حديث (يا معاذ لا تكن فتاناً فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا طالب بن حبيب حدثنا عبد الرحمن بن جابر يحدث عن حزم بن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه أتى معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو يصلي بقوم صلاة المغرب -في هذا الخبر- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ ! لا تكن فتاناً؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وقال فيه: [في هذا الخبر] أي: خبر قصة معاذ وصلاته مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذهابه إلى قومه والصلاة بهم. وهنا قال: [ (صلاة المغرب) ] وفي الأول قال: [(صلاة العشاء)]، فيحتمل أن تكونا قصتين، فمرة صلى المغرب ومرة صلى العشاء، أو أنها قصة واحدة، ولكن الصواب فيها العشاء وليس المغرب. قوله: [ (يا معاذ ! لا تكن فتاناً) ]. أي: لا تكن فتاناً بأن تطول وتشق على الناس فيترتب على ذلك حصول مثل هذا الذي حصل من ذلك الذي صلى وراءك. قوله: [ (فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر) ]. الكبير يعني به الشيخ الكبير الذي يشق عليه طول القيام، والضعيف هو ضعيف الجسد، سواءٌ أكان الضعف لأصل الخلقة، بأن يكون فيه ضعف في خلقته، أم كان بسبب مرض، وجاء في بعض الروايات (الضعيف والسقيم) فيكون الضعيف المراد به الضعف في أصل الخلقة، والسقيم يراد به من أصابه مرض، وضعفه يكون بسبب المرض، والمسافر المقصود به أنه يكون مشغولاً في سفره، أو مرتبطاً بموعد في سفره، فيشق عليه الصلاة مع هذا التطويل الذي يحصل. والإسناد تُكلم فيه من جهة أن عبد الرحمن بن جابر قيل: إنه لم يدرك حزم بن أبي كعب . ولكن ما جاء في قوله: [(لا تكن فتاناً)] وكذلك ما جاء في شأن الكبير والضعيف وذي الحاجة كل ذلك جاء في أحاديث أخرى، وأما ذكر المسافر فإنه جاء في هذا الحديث الذي فيه ضعف، ولهذا قال الألباني : إنه منكر بذكر المسافر. كما أن ذكر صلاة المغرب -أيضاً- فيه نكارة، لكن فيه احتمال أن ذلك -كما قاله بعض أهل العلم- حصل في قصة أخرى، ولكن يبدو أنه بعيد؛ لأن معاذاً رضي الله عنه إذا حصل له من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء مثل هذا التنبيه فإنه لن يعود إلى أن يحصل منه ذلك مرة ثانية. فالذي يبدو أن ذلك حصل -كما جاء في الحديث الصحيح- في صلاة العشاء، وأن لفظ (صلاة المغرب) إما أن يراد به العشاء أو أن الحديث فيه نكارة.

تراجم رجال إسناد حديث (يا معاذ لا تكن فتاناً فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا طالب بن حبيب ]. طالب بن حبيب صدوق يهم، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الرحمن بن جابر ]. عبد الرحمن بن جابر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ يحدث عن حزم بن أبي بن كعب ]. حزم صحابي قليل الحديث، أخرج له أبو داود وحده. وقد وقعت نسبته في الإسناد إلى أبي بن كعب ، وليس بصحيح، فكلمة (بن) هنا زائدة، والصواب أنه حزم بن أبي كعب . ففي المنهل العذب المورود يقول: وحزم بن أبي كعب الأنصاري السلمي الصحابي روى عنه عبد الرحمن بن جابر ، روى له أبو داود هذا الحديث، وقال في التقريب: صحابي قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الصحابة، ثم غفل عن قصة معاذ فذكره في التابعين، وفي بعض النسخ حزم بن أبي بن كعب بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتانية، وهو تصحيف من الناس، والصواب حزم بن أبي كعب .

شرح حديث سؤاله صلى الله عليه وسلم رجلاً عما يقول في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن سليمان عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: (كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مبهم غير معين، ومن المعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول، ويكفي الواحد منهم شرفاً وفضلاً أن يقال: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إنما هو خاص بالصحابة، بخلاف غيرهم فإنه يحتاج إلى معرفتهم والجهالة تؤثر فيهم، وأما الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فالمجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنه حصل لهم هذا الشرف، وذلك بثناء الله عليهم وثناء رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: [(كيف تقول في الصلاة؟)] يعني: في الدعاء، أي: كيف تدعو في صلاتك؟ قال: [أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(حولها ندندن)]. فالرجل يقصد أنه لا يحسن تلك الأدعية الكثيرة التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها ويحصل منه الدعاء دون أن يسمع الصوت، وكذلك ما يحصل من معاذ من الدعاء دون أن يسمع له الصوت، وهذا هو الدندنة. فالرجل أخبر أنه يسأل الله الجنة بعد التشهد ويستعيذ بالله من النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(حولها ندندن)] يعني: هذه الدعوة التي تدعو بها -وهي حصول الجنة والسلامة من النار- كل الأدعية التي نقولها تدور حول نتيجتها وغايتها، وهي الوصول إلى الجنة والسلامة من النار. ولعله ذكر معاذ في هذا الحديث وفي هذه الترجمة على اعتبار أنه كان يؤمهم، وأنه كان إمامهم، حيث كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب ليصلي بهم، ولا يظهر وجه لهذا الحديث من ناحية تخفيف الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث سؤاله صلى الله عليه وسلم رجلاً عما يقول في الصلاة

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حسين بن علي ]. هو حسين بن علي الجعفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زائدة ]. هو زائدة بن قدامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان ]. سليمان هو الأعمش ، وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان ، و أبو صالح كنيته، واسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بعض أصحاب النبي ]. يقول ابن حجر في آخر التقريب: أبو صالح السمان عن رجل من أسلم لم يسم وعن بعض الصحابة في ثلاثة أحاديث هو أبو هريرة . وأبو صالح مشهور بالرواية عن أبي هريرة ، وقد أخرج الحديث ابن ماجة من طريق أبي صالح عن أبي هريرة .
شرح حديث (كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا خالد بن الحارث حدثنا محمد بن عجلان عن عبيد الله بن مقسم عن جابر رضي الله عنه ذكر قصة معاذ رضي الله عنه قال: وقال -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- للفتى: (كيف تصنع -يا ابن أخي- إذا صليت؟ قال: أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، وإني لا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني و معاذاً حول هاتين) أو نحو هذا ]. أورد أبو داود الحديث عن جابر رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الفتى عما يصنعه في صلاته فأخبره أنه يقرأ فاتحة الكتاب ويسأل الله تعالى الجنة ويعوذ به من النار، قال: [ (وإني لا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ) ]. وهو مثل الذي قبله، إلا أن ذاك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أبو هريرة ، وهذا عن جابر رضي الله عنه.
تراجم رجال إسناد حديث (كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت)

قوله: [ حدثنا يحيى بن حبيب ]. هو يحيى بن حبيب بن عربي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خالد بن الحارث ]. هو خالد بن الحارث البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبيد الله بن مقسم ]. عبيد الله بن مقسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقد مر ذكره.
شرح حديث (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف) ]. ومعنى قوله: [(للناس)] أي: بالناس، بأن يكون إماماً لهم. فليخفف في صلاته ولا يطل الصلاة، وقوله: [(فإن فيهم)] هذا هو التعليل، فالسبب في الأمر بالتخفيف هو أن في الناس من يكون كبيراً ومن يكون ضعيفاً ومن يكون صاحب حاجة، وهذا عام، وهذه الحاجة مثل قصة الرجل الذي له كان نواضح وجاء وصلى مع معاذ ثم انفصل عنه وأتم صلاته. وقوله: [(وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)] لأن الأمر يرجع إليه، ولا يترتب عليه مشقة على أحد، وهو الذي يعرف قدرته وعدم قدرته، لكن بالنسبة لغيره قد يحصل له المضرة من حيث لا يشعر هو بأن هناك مضرة في هذا التطويل.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف)

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان لقبه أبو الزناد ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، ولقب بصيغة الكنية، وهو مشهور بذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعرج . [عن أبي هريرة ]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إسناد آخر لحديث (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف) وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب و أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قال: [ (فإن فيهم السقيم) ] يعني الذي به مرض وبه سقم [ (والشيخ الكبير وذا الحاجة) ] . قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المسيب ]. هو سعيد بن المسيب ، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو منهم باتفاق. [وأبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الفقهاء السبعة في المدينة ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم سعيد بن المسيب ، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و عروة بن الزبير ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سليمان بن يسار ، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فهذا الإسناد فيه واحد من فقهاء المدينة السبعة باتفاق وواحد منهم باختلاف. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره.
ما جاء في نقصان الصلاة


شرح حديث (إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عشر صلاته...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في نقصان الصلاة. حدثنا قتيبة بن سعيد عن بكر -يعني ابن مضر - عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن عبد الله بن عنمة المزني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي [باب ما جاء في نقصان الصلاة] يعني كون المصلي لا يأتي بها كما ينبغي فيترتب على ذلك نقصان الأجر، بحيث لا يحصل من أجرها إلا على الشيء اليسير؛ لأنه ما أتى بها على التمام والكمال، ثم أورد حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن الرجل لينصرف من صلاته) وذكر الرجل هنا إنما هو لكون الخطاب مع الرجال في الغالب، وإلا فإن المرأة تكون كذلك أيضاً، والأصل هو تساوي الرجال والنساء في الأحكام حتى يأتي شيء يميز الرجال عن النساء أو النساء عن الرجال، فذكر الرجل هنا لا مفهوم له يدل على أن المرأة ليست كذلك، وإنما يأتي الحديث مع الرجال وذكر الرجال أو الرجل لأن الخطاب غالباً إنما يكون مع الرجال، وهذا في أحاديث كثيرة جداً، مثل حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، وكذلك المرأة إذا كانت تصوم صوماً فإنها تصوم هذا اليوم أو هذين اليومين، فذكر الرجل لا مفهوم له، فكذلك هنا [ (إن الرجل لينصرف من صلاته -يعني: ينتهي منها وينصرف منها- وما كتب له إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسدها خمسها ربعها ثلثها نصفها)]. وهذا فيه أنهم متفاوتون، وأنهم ليسوا على حد سواء في الإتيان بالصلاة، ولا في الأجر الذي يترتب على الإتيان بالصلاة، فيكون التفاوت في العمل والتفاوت في الأجر، وهذا فيه تنبيه على الحث على الإقبال على الصلاة وعلى الإتيان بها على الوجه الأكمل حتى يحصل الكمال ويحصل الخير الكثير من وراء ذلك. بل إنه قد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن الإنسان بسبب بعض الأعمال لا يكتب له شيء منها، وذلك في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ومعناه أنه لا يحصل له أجرها، فحرم أجرها بسبب هذا الذنب الذي اقترفه، فهو يصلي الصلاة ويأتي بها بأركانها وواجباتها وما هو مطلوب منها ولكن لا أجر له فيها، فقد حيل بينه وبين أجرها، وحرم أجرها وإن كان يعتبر قد أدى الصلاة، ولا يؤمر بالإعادة ولا يؤمر بقضاء تلك الصلوات، ولكنه حرم أجرها، وما كتب له شيء من أجرها عقوبة له على ذلك الذنب الذي اقترفه.

تراجم رجال إسناد حديث (إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عشر صلاته...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر -يعني ابن مضر - ]. قوله: [يعني ابن مضر ] هذه الكلمة قالها هو من دون قتيبة بن سعيد ، إما أبو داود وإما من دون أبي داود ؛ لأن التعبير الذي عبر به قتيبة ما زاد فيه على كلمة (بكر) في ذكر شيخه، ولكن من جاء بعد قتيبة - أبو داود أو من دونه- هو الذي أتى بكلمة (يعني ابن مضر ) وعلى هذا فكلمة (يعني) فعلٌ مضارع له فاعل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى قتيبة ، أي: يعني قتيبة بقوله: ( بكر ) ابن مضر . وقائل (يعني) هو من دون قتيبة . فهذه الكلمة لها قائل ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى قتيبة ، وقائلها هو من دون قتيبة ؛ لأن قتيبة لا يحتاج إلى أن يقول: (يعني) وإنما له أن يذكر شيخه باختصار أو بتطويل، له أن يذكره بكلمة واحدة وله أن ينسبه إلى جده العاشر أو أقل أو أكثر وينقل عنه كما جاء. لكن لما كان بعض الرواة قد يذكر شيخه باسمه ولا يضيف إلى ذلك نسبه وقد يحتاج إلى أن يُعرف فعندما يأتي من دون التلميذ بذكره فإنه يأتي بما يوضح ويبين، ولكن يأتي بكلمة (يعني)؛ لأنه لو لم يأت بها وقال: ( بكر بن مضر ) لفهم أن الذي قال هذا هو قتيبة ، مع أن قتيبة ما قال إلا كلمة (بكر)، لكن كلمة (يعني) دلت على أن هذه الزيادة إنما جاءت ممن هو دون التلميذ، و بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن ابن عجلان ]. ابن عجلان مر ذكره. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الحكم ]. عمر بن الحكم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عنمة المزني ]. عبد الله بن عنمة يقال: له صحبة. أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عمار بن ياسر ]. هو عمار بن ياسر رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم يوم أمس, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,136
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [104]
الحلقة (135)

شرح سنن أبي داود [104]

قراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركانها، ثم يقرأ المرء ما تيسر له بعدها، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بعد الفاتحة في الأوليين والأخريين من صلاة الظهر والعصر، وكان يطيل أحياناً ويخفف أحياناً، ولكل من الفرضين مقدار من زمن القراءة.

ما جاء في القراءة في الظهر


شرح حديث (في كل صلاة يقرأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في القراءة في الظهر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس بن سعد و عمارة بن ميمون و حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله القراءة في صلاة الظهر، والمقصود من هذه الترجمة أن صلاة الظهر فيها قراءة، ولكنها تكون سراً، ويأتي في هذه الترجمة عدة أحاديث فيها ما يدل على القراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يقرأ فيها غير الفاتحة، ويستدل على ذلك بعدة أمور ستأتي في هذه الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة. وقد أورد أولاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [ في كل صلاة يقرأ -يعني: فيها قراءة- فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم ]. ومعناه: ما سمعناه يجهر به فنحن نسمعكم إياه ونخبركم به، وما أخفاه -يعني: أسره- فإننا نخفيه عليكم، يعني: نسر به. أي أن الصلاة يكون فيها جهر وفيها إسرار، ونحن نؤدي كما أخذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أسر به أسررنا به، وما جهر به جهرنا به، وعلى هذا فمحل الشاهد من إيراد الحديث قوله: [ (في كل صلاة يقرأ) ] يعني: فيها القراءة، ويدخل في ذلك صلاة الظهر، وكذلك في قوله: [ (وما أخفاه علينا أخفيناه عليكم) ] يعني الإسرار، ففيه قراءة ولكن قد أسر بها ولم يجهر بها، وصلاة النهار هي سرية، إلا الجمعة، فإنه يجهر فيها بالقراءة، فيسر في الظهر والعصر، وأما صلاة الليل فإنه يجهر بها.

تراجم رجال إسناد حديث (في كل صلاة يقرأ)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. و حماد هنا غير منسوب، فيحتمل أن يكون ابن زيد ويحتمل أن يكون ابن سلمة ، ولكن حيث جاء أن الراوي هو موسى بن إسماعيل فهو حماد بن سلمة ، وهو ثقة. [ عن قيس بن سعد ]. هو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وعمارة بن ميمون ]. عمارة بن ميمون مجهول، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأبو داود ، وهذا المجهول لا يؤثر؛ لأنه لم ينفرد، إذ قد توبع. [ وحبيب ]. يحتمل أن يكون حبيب بن أبي ثابت ، ويحتمل أن يكون حبيباً المعلم ، وكما هو معلوم أن المجهول هنا لا يؤثر؛ لأنه لم ينفرد، فقد توبع. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره.

شرح حديث (كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ، عن هشام بن أبي عبد الله، ح: وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن الحجاج -وهذا لفظه- عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة -قال ابن المثنى : وأبي سلمة ، ثم اتفقا- عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح). قال أبو داود : لم يذكر مسدد فاتحة الكتاب وسورة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري ، وهو الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه قال: [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناً ]. فهذا يدل على قراءته، وذلك أنهم يستدلون على قراءته بكونه يسمعهم الآية أحياناً، ويظهر من هذا أنه كان يجهر ببعض الآية أو بطرف منها، لذلك كانوا يعرفون السورة التي يقرأ فيها، وهذا يدل -أيضاً- على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ، وكانوا يستدلون على قراءته بأدلة منها أنه كان يسمعهم الآية أحياناً، وهذا لا يدل على أن الصلاة السرية يجهر بها، فكونه يسمع منه طرف الآية التي يعرف بها السورة التي يقرأ بها لا يوجب أن يقال: إنّ الصلاة صارت جهرية، بل هي سرية، وإنما يسمعهم أحياناً حتى يعرفوا السورة التي تقرأ في هذه الصلاة، وهذا كان يقع أحياناً وليس دائماً. قوله: [ (وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية) ] قد قيل في سبب تطويل الأولى تعليلان: أحدهما: ما جاء في الأحاديث أو الآثار كما سيأتي في هذا الباب، وهو انتظار من سيأتي، أي: الذين تأخر مجيئهم قبل الإقامة؛ حتى ليدركوا الركعة. والأمر الثاني: أن أول الصلاة يكون فيها نشاط للمصلي، فإذا حصلت الإطالة في الأولى أكثر من الثانية فلا بأس بذلك، لنشاط المصلي في البداية. قوله: [ وكذلك في الصبح ] يعني: يطول في الأولى.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن أبي عبد الله ]. هو الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ح ] وهو للتحول من إسناد إلى إسناد. [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن ، البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، منسوب إلى جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج ]. هو الصواف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظه ] يعني لفظ الطريق الثاني. [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي قتادة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن المثنى : وأبي سلمة ]. أي: في الطريق الثانية؛لأن الطريق الأولى ليس فيها إلا عن عبد الله بن أبي قتادة ، وهي طريق مسدد ، فمسدد لم يروِ هذا الحديث إلا من طريق عبد الله بن أبي قتادة ، وأما الطريق الثانية -وهي طريق ابن المثنى- فإنه يرويها عن شيخين: عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة بن عبد الرحمن . [ عن أبي قتادة ]. هو الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي قتادة في صلاة الظهر: (... وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في القراءة في الظهر. حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا همام وأبان بن يزيد العطار ، عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ببعض هذا، وزاد: (في الأخريين بفاتحة الكتاب)، وزاد عن همام قال: (وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في صلاة العصر، وهكذا في صلاة الغداة) ] سبق أن مرت بعض الأحاديث التي تتعلّق بصلاة الظهر وصلاة العصر، وأورد هنا أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: [ وكان -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ]، وذلك لانتظار الداخل كما جاء في بعض الآثار كما سيذكره المصنف فيما بعد، وأيضاً لكون المصلي في أول صلاته يكون عنده من النشاط ما لا يكون عنده بعد ذلك، فكان يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيله في الثانية، وكذلك يفعل في صلاة الغداة، وهي صلاة الفجر، فكان يطيل الركعة الأولى فيها، ويطيل القراءة فيها أيضاً، وتكون الثانية أقل منها، ولعل ذلك للسببين المشار إليهما آنفاً، وكان يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وقد جاء في بعض الروايات التي ستأتي عند المصنف أنه كان يقرأ -أيضاً- في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر غير الفاتحة، وذلك في الحديث الذي سيأتي من أنهم حزروا قراءته فكانت ثلاثين آية في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وهذا في الظهر، وفي العصر في الركعتين الأوليين على النصف من الركعتين الأخريين في الظهر، أي: مقدار خمس عشرة آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وذلك يعني أنه يسوغ للإنسان أن يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بغير فاتحة الكتاب أيضاً.

تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في قدر القراءة في صلاة الظهر
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي هو الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو ابن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة. [ وأبان بن يزيد العطار ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلّا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن أبي قتادة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. هو أبو قتادة الأنصاري واسمه: الحارث بن ربعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طريق أخرى لحديث أبي قتادة في قدر القراءة في صلاة الظهر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى) ]. ثم أورد أبو داود الأثر عن أبي قتادة رضي الله عنه في سبب تطويل الرسول صلى الله عليه وسلم للركعة الأولى أكثر من الثانية كما جاء في الأحاديث المتقدمة، وأنهم ظنوا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة، يعني الذين يأتون وقد أقيمت الصلاة، فيدركون الركعة الأولى إذا أطيل في القراءة. وهناك تعليل آخر أشرت إليه سابقاً، وذكره بعض أهل العلم، وهو أنه يكون في الركعة الأولى من النشاط ما لا يكون بعد ذلك، فناسب ذلك أن يطال في القراءة في الركعة الأولى.

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أبي قتادة في قدر القرءاة في صلاة الظهر

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق ]. الحسن بن علي مر ذكره، وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي ، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ]. قد مر ذكرهم.

شرح حديث سؤال خباب عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر أنه قال: قلنا لخباب رضي الله عنه: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه سئل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قيل: بم كنتم تعرفون ذلك مع أنّ الصلاة سرّية؟ قال: باضطراب لحيته، وهذا دليل آخر يدل على القراءة في الصلاة السرية. إذاً: مرّ بنا دليلان على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة السرية، الدليل الأول: أنه كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ فيها، وهذا كما مرّ سابقاً. والدليل الثاني هو هذا الحديث، وهو أنهم كانوا يستدلون على ذلك باضطراب لحيته، فهم يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم الصلاة السرية كالظهر والعصر فيعلمون أنه يقرأ باضطراب لحيته، فبسبب تحريك شفتيه في القراءة تضطرب اللحية يميناً وشمالاً، فيظهر شعر لحيته ويبدو من الجانبين فيرونه يتحرك فيعلمون أنه يقرأ، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم- من العناية والاهتمام بتتبع أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة السنن التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنهم ينظرون إليه وهو يصلي بهم الصلاة السرية، فيفهمون من تحرك لحيته واضطرابها أنه يقرأ. فهذا فيه دليل على القراءة في الصلاة السرية، ويدلنا -أيضاً- على أن القراءة لا بد فيها من تحريك الشفتين، وأن الإنسان لا يكفي أن يقرأ وهو مطبق شفتيه؛ لأن الاستذكار في القلب لا يقال له قراءة، وإنما تكون القراءة بتحريك اللسان والشفتين، ولهذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16] ، فعندما كان جبريل يتلو عليه القرآن، ويلقي عليه الوحي كان يحرك لسانه، ويقرأ مع قراءة جبريل، فنهي عن أن يحرك لسانه، ووعد بأن يحفظ له القرآن، وأن يمكن من حفظه، وأنه لا يفوته منه شيء، فقال تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ [القيامة:18] أي: قرأه جبريل، (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18] أي: استمع، وبعد فراغه فإنه يكون محفوظاً في صدره صلى الله عليه وسلم، فاضطراب اللحية وتحريك الشفتين يدلنا على أن القراءة إنما تكون كذلك، ولا تكون مع إطباق الشفتين، وكون الإنسان يستذكر القرآن استذكاراً، ويتأمله تأملاً دون أن يقرأ لا يقال له قراءة. والحديث يدل -أيضاً- على أنه صلى الله عليه وسلم كان صاحب لحية، وأن لحيته كانت كثة، وذلك أنهم كانوا يرون الشعر من جوانبه وهم من ورائه.

تراجم رجال إسناد حديث سؤال خباب عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقبه، واسمه سليمان ، ومن الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة الألقاب، وفائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر باسمه مرة ثم ذكر بلقبه مرة أخرى فالذي لا يعرفه يظن هذا شخصاً وهذا شخصاً، فإذا جاء في بعض الأسانيد سليمان بن مهران ، أو سليمان فقط، ثم جاء في إسناد آخر الأعمش ، فالذي لا يعرف أن الأعمش لقب لسليمان بن مهران الكاهلي يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان شخص آخر، إذاً: ففائدة معرفة الألقاب أن لا يظن الشخص الواحد شخصين. [ عن عمارة بن عمير ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معمر ]. هو عبد الله بن سخبرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خباب ]. هو ابن الأرت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أن النبي كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم) ] ومعنى ذلك أنه كان يطيل الركعة الأولى فيدرك الداخلون والآتون بعد ذلك هذه الركعة حتى لا يبقى أحد آت إلى الصلاة، فقد تكاملوا، ووصلوا جميعهم، وهذا هو سبب الإطالة، كما جاء عن أبي قتادة آنفاً، حيث قال (فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى). وهذا الحديث نص في هذا المعنى، إلا أن الحديث فيه رجل مبهم، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا المبهم غير مسمى، فلا يدرى من هو، والإبهام والجهالة يؤثران في غير الصحابة، وأما الإبهام والجهالة في الصحابة فلا يؤثران؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، ويكفي أن يقال عن رجل: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إلى معرفة شخصه ولا حاله؛ لأن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فهم لا يحتاجون بعد ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام عليهم إلى تعديل المعدلين، أو توثيق الموثقين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وعلى هذا فهذا الحديث يدل على ذلك الذي ظنه الصحابة كما أشار إليه أبو قتادة في الأثر المتقدم، ولو صح لكان نصاً في ذلك، ولكن الحديث لم يصح لوجود هذا الرجل المبهم.

تراجم رجال إسناد حديث (أنّ النبي كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عفان ]. هو ابن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ، حدثنا محمد بن جحادة ]. همام مر ذكره، ومحمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

تخفيف الأخريين


شرح حديث سعد بن أبي وقاص في شكوى أهل الكوفة منه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: تخفيف الأُخْرَيين. حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبيد الله أبي عون ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: [ قال عمر لسعد رضي الله عنهما: قد شكاك الناس في كل شيء حتى في الصلاة! قال: أما أنا فأمد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ذاك الظن بك ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب تخفيف الأخريين ]، فكما أن الأوليين تطولان فإن الأخريين تخففان، والأخريان هما الركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء، ومثلهما الركعة الأخيرة من المغرب، فالتخفيف يكون في الأخريين في الصلاة الرباعية، وفي الثالثة في الصلاة الثلاثية كما في المغرب، وتخفف وتسر فيها القراءة بالنسبة للصلاة الجهرية، كالركعتين الأخيرتين من العشاء، والركعة الأخيرة بالنسبة للمغرب، فحكم هذه الركعات الإسرار والاختصار، أن يسر بها وأن تختصر وتخفف، ولا تطول كما تطول الركعتان الأوليان. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، منها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه لما أمره عمر على الكوفة مكث بها مدة، فحصل بينه وبين بعض أهلها شيء حتى تكلموا فيه، وقدحوا فيه وسبوه، حتى بلغ بهم الحد -والعياذ بالله- أنهم قالوا: (لا يحسن أن يصلي!!) وهذا الكلام قالوه في رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة، في رجل من العشرة المبشرين بالجنة، ومع ذلك لم يسلم من أذاهم. فلما بلغ عمر رضي الله عنه وأرضاه شكواهم، وأنهم قالوا عنه: (لا يحسن أن يصلي) كلم سعداً في ذلك، فأخبره سعد أنه كان يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يمد القراءة في الأوليين ويطيلهما، ويحذف في الأخريين، أي: يقصر القراءة فيهما، وقال: إنه لا يألوا -أي: لا يقصر- فيما اتبع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذا الفعل الذي يفعله إنما هو اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له عمر رضي الله عنه: (هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق) كما في صحيح البخاري، فكنية سعد أبو إسحاق ، فرضي الله عن سعد بن أبي وقاص وأرضاه. وبلغ بهم الحد إلى أن قال واحد منهم - لما أرسل عمر يسأل عما شكوه به-: (أما إنه لا يحكم في القضية، ولا يعدل بالسوية) فدعا عليه سعد -وكان مجاب الدعوة كما في صحيح البخاري- فقال: (اللهم إن كان كاذباً فيما يقول فأطل عمره، وأكثر فقره، وعرضه للفتن) فطال عمره، وكثر فقره، ونزل حاجباه على عينيه، وكان يلاحق النساء فتنة وابتلاء وامتحاناً، فأصابته دعوة سعد ، وقال عن نفسه: (أصابتني دعوة سعد) رضي الله عن سعد وعن الصحابة أجمعين. ولكن عمر رضي الله عنه وأرضاه رأى من المصلحة أن يعزل سعداً عن الكوفة ما دام أن الأمر قد وصل إلى هذا الحد خشية أن يحصل له شيء لا يحمد عقباه، ولم ينس أن ينبه على ذلك رضي الله عنه وأرضاه، فإنه لما اختار ستة -بعدما طعن- ليكونوا أهل الشورى فيختاروا خليفة منهم كان سعد واحداً من هؤلاء الستة، فخشي عمر أن يقول قائل: لقد نسي عمر ، فكيف يعزله من الكوفة وهي قرية ثم يرشحه للخلافة؟ فأراد أن يبين أنه لم ينس، وأنه ما زال ذاكراً للذي حصل منه من عزل سعد ، فقال رضي الله عنه وأرضاه: (إن أصابت الإمارة سعداً فذاك، هو أهل لها، وإن لم تصبه فليستعن به من أُمرَّ، فإنني لم أعزله من عجز ولا خيانة) فمسوغات العزل: العجز والخيانة، وإنما كان عزله لمصلحة، وهي: أن لا يعتدي عليه أحد، أو يحصل له ضرر لا تحمد عقباه من هؤلاء السفهاء الذين بلغ بهم الحد إلى أن قالوا فيه ما قالوا، فهو رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ومحل الشاهد من إيراد هذا الحديث هو قوله: [ وأحذف في الأخريين ] أي أنه يخفف القراءة في الركعتين الأخريين، فيقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وشيء من القرآن غير الفاتحة، وهو دون ما يقرأ به في الركعتين الأوليين، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 311.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 305.91 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]