وقفات مع حديث: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ» - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216110 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7830 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 54 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859645 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393983 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-02-2024, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات مع حديث: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ»

وقفات مع حديث: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ» (١)


  • الأمر بالصبر على جور الحكام هو من باب الموازنة بين المفاسد الحاصلة والمفاسد المتوقَّعة والشرع والعقل قد دلَّا على وجوب تحمل المفسدة الأدنى لدفع الأعلى
من أصول أهل السنّة السمعُ والطاعة لولاة أمور المسلمين، وعدم الخروج عليهم؛ وذلك لما يترتب على هذا الخروج من مفاسد أعظم في الدماء والأموال والأعراض كما هو معلوم، وقد دأب كثير من الخارجين عن السنة في هذا الباب -من الخوارج ومن سار على دربهم ومن اتجاهات اليسار العلماني كذلك- على الطعن في بعض الأحاديث، وأحيانا الاستهزاء بها؛ بدعوى أنها تدعو للخنوع وترضى بالظلم، ولا سيما هذه الجملة «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ»؛ ولذلك نبين هذه المطاعن، ونوضح الفهم الصحيح له، مع التوفيق بينه وبين الأحاديث التي يُظن معارضتها له.
أولَا: نصّ الحديث
روى مسلم في صحيحه عن حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم، وأخرجه الإمام البخاري كذلك، ولكن بدون هذه الزيادة «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ»، وإنما أورد هذه الزيادة مسلم من طريق أبي سلام عن حذيفة بن اليمان، والحديث بهذه الزيادة صحيح ثابت -إن شاء الله.
ثالثا: شواهد الحديث
هذا المعنى المذكور في هذا الحديث قد جاء في أحاديث أخرى صحيحة بالاتفاق، فليست المسألة متوقفة على هذا الحديث، حتى يُظن أن الصبر على جور الأئمة متوقف على هذه الزيادة، وأنها وحدها متمَسَّك أهل السنة في ذلك، بل أحاديث الأمر بالصبر على جور الحكام كثيرة مشهورة، ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَكُونُ أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها»، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: «تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي علَيْكُم، وتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن رَأَى من أمِيرِهِ شيئًا يَكْرَهُهُ فلْيَصْبِرْ عليه، فإِنَّهُ ليس أحدٌ يُفارِقُ الجَماعةَ شِبْرًا فيَموتُ إِلَّا ماتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً»، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
أيّدته قواعد الشريعة ومقاصدها
بل إن هذا الأصل أيّدته قواعد الشريعة ومقاصدها، من مراعاة المصالح والمفاسد، والموازنة بينها، وتحمّل أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، وهو أصل عظيم وقاعدة من قواعد الشريعة متفق عليها بين أهل العلم، لا يختلفون فيها كأصل، وإن اختلفوا في بعض الصور الفرعية من جهة تحقيق المناط فيها، إلا أنهم لا يختلفون في مراعاة هذا الأصل جملة.
رابعًا: كلام العلماء
اختلف أهل العلم في محمل هذا الحديث على قولين: القول الأول القول الأول محمول على أن يفعل الإمامُ ذلك ظلمًا بغير حق، فعندها واجب المظلوم الصبر على ذلك، وعدم نزع اليد من الطاعة في المعروف، وعدم الخروج على هذا الحاكم المسلم بسبب هذه المظلمة التي وقعت عليه، وهذا قول أكثر العلماء شراح الحديث، ولذلك ذكروه في أبواب (الفتن) و(الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم). قال ابن هبيرة -رحمه الله-: «وفيه أيضًا: أن المؤمن إذا بلي بذلك في وقت أمير جائر من ضرب ظهره وأخذ ماله فإنه لا يخرج عليه ولا يحاربه، بل يسمع ويطيع، فإنه بخروجه يزيد الفتن شرًّا». وقال النووي -رحمه الله-: «وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية». وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-: «هذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام والانقياد، وترك الخروج عليه؛ مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله بعد أن ذكر الحديث-: «فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير». وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وإلى ذلك الإشارة بقوله: «الزم جماعة المسلمين وإمامهم» يعني: ولو جار. ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: «ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك»، وكان مثلُ ذلك كثيرًا في إمارة الحجاج ونحوه... وقال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور»، والنقول في ذلك كثيرة جدًّا، وهذا المعنى هو ظاهر الحديث والمتبادر إلى الذهن.
القول الثاني القول الثاني أن ذلك محمول على أن يفعل الإمام ذلك بوجه حقّ، أو على الأقل: له فيه تأويل محتمل، وممن ذهب إلى ذلك ابن حزم -رحمه الله-، فقال: «أما أمره - صلى الله عليه وسلم - بِالصبرِ على أَخذ المَال وَضرب الظّهْر فَإِنَّمَا ذَلِك بِلَا شكّ إِذا تولى الإِمَام ذَلِك بِحَقّ، وَهَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ أَنه فرض علينا الصَّبْر لَهُ، وَأمَّا إِن كَانَ ذَلِك بباطل فمعاذ الله أَن يَأْمر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِالصبرِ على ذَلِك». والذي حمل ابن حزم على هذا التأويل هو ترجيحه لقول من يقول بوجوب الخروج على الحاكم الظالم بالسيف، قال -رحمه الله-: «سلُّ السيوف فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَاجِب إِذا لم يُمكن دفع الْمُنكر إِلَّا بذلك. قَالُوا: فَإِذا كَانَ أهل الْحق فِي عِصَابَة يُمكنهُم الدّفع وَلَا ييأسون من الظفر فَفرض عَلَيْهِم ذَلِك، وَإِن كَانُوا فِي عدد لَا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كَانُوا فِي سَعَة من ترك التَّغْيِير بِالْيَدِ».
فساد هذا المذهب
ولا شك في فساد هذا المذهب، فإنه لا قائل به بهذا الإطلاق، بل من ذهب إلى ذلك قديمًا كمن خرجوا على الحجاج ويزيد؛ فكان حاملهم على ذلك فشو الظلم، وظنهم أن الخروج سوف يحقق إزالة هذا الظلم أو تقليله، ولذلك أجمع العلماء بعد هذه التجارب وما نجم عنها من مفاسد عظيمة في الدين والدنيا على حرمة الخروج بالسيف. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «قولهم: ‌كأن ‌يرى ‌السيف، يعني كأن يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك؛ لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر».
ترك ‌القتال ‌في ‌الفتنة
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك ‌القتال ‌في ‌الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين».
‌الخروج حرام بإجماع المسلمين
وقال النووي -رحمه الله-: «وأما ‌الخروج ‌عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرتُه، وأجمع أهلُ السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحُكي عن المعتزلة أيضًا فغلطٌ من قائله مخالفٌ للإجماع. قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه».
الإجماع انعقد على تحريم الخروج
وكلام العلماء واضح في أن الإجماع انعقد بعد ذلك على تحريم الخروج؛ لما يترتب عليه من مفاسد أعظم من المفاسد الحاصلة، وهذا الذي وردت به النصوص، وأيده التاريخ والواقع المعاصر إلى يومنا هذا أن الخروج بالسيف يفضي إلى فتن، ويترتب عليه فساد في الدماء والأموال أضعاف ما يخرج الناس من أجله. والغرض المقصود: أن الذي حمل ابن حزم على هذا التأويل هو انتصاره لهذا المذهب الفاسد. وهذا لا يعني انفراد ابن حزم بهذا الوجه، فقد ذكره غيره من أهل العلم، كالقرطبي صاحب المفهم، فقد ذكره احتمالا، فقال: «ويحتمل أن يكون ذلك خطابًا لمن يُفعل به ذلك بتأويل يسوّغ للأمير بوجهٍ يظهر له ولا يظهر ذلك للمفعول به، وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث ويصحّ الجمع، والله تعالى أعلم». وهذا الاحتمال بعيد جدًّا عن سياق الحديث، فإن امتثال المؤمن لدفع ماله في الزكاة ونحوها من المصارف الشرعية، وكذا إقامة الحدود عليه هو الأصل في المسلم، وفعل الإمام لذلك ليس مما يستنكر حتى يقال: اسمع وأطع وإن فعل ذلك. ولكن هذا الحديث مثل حديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَرَجُلٌ سَأَلَهُ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ ‌يَمْنَعُونَا ‌حَقَّنَا ‌وَيَسْأَلُونَا ‌حَقَّهُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»، وغيرها من الأحاديث الكثيرة الدالة على الصبر على جور الحكام، وليس معارضًا لغيره من الأحاديث، بل هو موافق لها.

اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-02-2024, 07:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع حديث: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ»

وقفات مع حديث: «وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ» (٢)


  • الأمر بالصبر على جور الحكام هو من باب الموازنة بين المفاسد الحاصلة والمفاسد المتوقَّعة والشرع والعقل قد دلَّا على وجوب تحمل المفسدة الأدنى لدفع الأعلى
  • النهي عن المنكر يكون بحسب القدرة والاستطاعة فإذا سقطت القدرة سقط معها الوجوب وبقي الاستحباب وربما سقط الاستحباب كذلك في بعض الأحوال
  • الحديث ينبّه ويشدّد على أن هذه المعصية من الحاكم لا تُسقط ولايتَه وهذه المظلمة الخاصة لا تبيح للمظلوم أن يفرق جماعة المسلمين ويشق عصا الطاعة فتصير المظلمة عامة
ما زلنا نستعرض بعض الوقفات مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: الذي رواه حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»، وذكرنا من تلك الوقفات أن قواعد الشريعة ومقاصدها أيّدت هذا الحديث، وذكرنا كلام أهل العلم على الحديث، ثم ذكرنا أن الخروج حرام بإجماع العلماء، واليوم وقفة مهمة جدًا وهي: هل الأمر بالصبر يعني الخنوع والرضا بالظلم؟
الأمر بالصبر على جور الحكام هو من باب الموازنة بين المفاسد الحاصلة والمفاسد المتوقَّعة، والشرع والعقل قد دلَّا على وجوب تحمل المفسدة الأدنى لدفع الأعلى، وما يجزم به كل عاقل أن المفاسد الواقعة بسبب الخروج على الأئمة بالسيف أعظم من المفاسد الحاصلة، وبهذا أتت الشريعة، وهذا ما دل عليه التاريخ والواقع. وليس هذا في الحقيقة مما انفرد به الإسلام، بل لا نعلم نظامًا حاكمًا إسلاميًّا أو غير إسلامي يجيز لأفراده حمل السلاح وإعلان التمرد على الدولة لمجرد تعرض شخص لمظلمة، بل غاية ما يسمحون به في النظم التي يسمونها ديمقراطية هو حق الاعتراض والمطالبة بحقّه، وهذا أيضا ما جاء به الإسلام؛ فالأمر بالصبر لا ينافي السعي في دفع الظلم عن نفسه، ولا السعي في تحصيل حقّه، إما بالتقاضي أو غيرها من الوسائل المشروعة، لكن لا يحمله هذا الظلم الشخصيّ الجزئي على أن ينزع يده من طاعة الإمام، ويخرج على المسلمين بالسيف، فيعرض ملايين المسلمين لمظالم ومفاسد أعظم.
حقيقة الصبر
هل الصبر ينافي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ والجواب: أن ذلك لا ينافيه من وجهين:

الوجه الأول: معنى الصبر أن الصبر هنا معناه: عدم الخروج على الأئمة، وهذا لا يتنافى مع إنكار المنكر الصادر منهم بضوابطه الشرعية. ومن أمثلة ذلك: موقف الإمام أحمد -رحمه الله- مع الخلفاء الذين كانوا يدعون لخلق القرآن، فقد أنكر عليهم ذلك إنكارًا مشهورًا، ولكنه أبى الخروج عليهم ودعا للصبر؛ التزامًا بالآثار والنصوص، ومنعًا للمفاسد المتوقعة من ذلك، فعن أَبي بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُرُ بِكَفِّ الدِّمَاءِ، وَيُنْكِرُ الْخُرُوجَ إِنْكَارًا شَدِيدًا. وسئل عن قوم دعوا للخروج زمن الواثق، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! الدِّمَاءَ الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ، يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ؟! يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ. فقيل له: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، الصَّبْر عَلَى هَذَا وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ. وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا آمُرُ بِهِ. فهذا الإمام جمع بين البابين: باب الصبر على جور الأئمة وإن ضربوا الظهور ظلمًا وعدوانًا، مع النهي عن المنكر والحفاظ على الدين.
المحافظة على السنة والدين
وهذه الموازنة بين الحفاظ على الأمة والجماعة من جانب والمحافظة على السنة والدين من جانب آخر، هي من معالم منهج أهل السنة والجماعة ووسطيتهم؛ فهم ليسوا كالخوارج الذين أرادوا -بزعمهم- الحفاظ على الدين والنهي عن المنكر، فخرجوا على الأمة ومزقوا الجماعة وأضاعوها، فكان خروجهم فتنة ومنكرًا، وليسوا كالمرجئة الذين زعموا الحفاظ على الأمة فضيعوا السنة والدين، وأما أهل السنة فقاموا بالأمرين، مصداقا لقوله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)، وقوله -تعالى-: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13)، وغيرها من النصوص التي تبين وجوب ملازمة هذين الأصلين العظيمين.


الوجه الثاني: النهي عن المنكر يكون بحسب القدرة النهي عن المنكر يكون بحسب القدرة والاستطاعة، فإذا سقطت القدرة سقط معها الوجوب، وبقي الاستحباب، وربما سقط الاستحباب كذلك في بعض الأحوال، فإذا كان الضرر المعتبر المتوقع حصوله لاحقًا بالمنكِر فقط سقط الوجوب وبقي الاستحباب، أما إذا كان هذا الضرر يلحق غيره فهنا يسقط الاستحباب كذلك؛ لأنه لا يجوز له إلحاق الضرر بغيره دون إذنه، فيصير الإنكار في حقه محرمًا.
إنكار المنكر أربع درجات
وكذلك لو كان يترتب على إنكار المنكر وجود منكر أعظم، فإن الإنكار عند ذلك يكون محرمًا، قال ابن القيم -رحمه الله-: «إنكار المنكر أربع درجات: الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لم يُزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه. فالدرجتان الأولَيَانِ مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة» وذكر أدلة ذلك والأمثلة عليه. فظهر بذلك أن الصبر على جور الحكام ليس معارضًا للنهي عن المنكر، بل هو موافق له، وأن مخالفة ذلك هو المنكر الذي يجب النهي عنه.
هل ذلك مخالف لأحاديث دفع الصائل؟
ومن الشبه التي تثار حول الحديث أنه مخالف لأحاديث دفع الصائل، كحديث: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»، والجواب من وجهين:
الوجه الأول أن أحاديث دفع الصائل يستثنى منها الحكام؛ لما سبق من النهي عن قتال الأئمة، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل، إلا أن كل من يُحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على ‌استثناء ‌السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريف الصائل الذي يشرع قتاله: «وهو الظالم بلا تأويل ولا ولاية»، وقال الشوكاني -رحمه الله-: «قَوْلُهُ: «وَإِنْ ‌ضُرِبَ ‌ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء، وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصِّصًا لعموم قوله -تعالى-: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194)، وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (الشورى: 40)».
الوجه الثاني أن دفع الصائل مأمور بتركه في أزمنة الفتنة؛ لئلا يجرّ إلى فتن أعظم، وعليه يحمل حديث: «فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ»، »قال ابن قتيبة في الجمع بين أحاديث البابين: «أراد بقوله: «من قتل دون ماله فهو شهيد» من قاتل اللصوص عن ماله حتى يقتل في منزله وفي أسفاره. وأراد بقوله...: «كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل» أي: افعل هذا في زمن الفتنة، واختلاف الناس على التأويل، وتنازع سلطانين، كل واحد منهما يطلب الأمر ويدعيه لنفسه بحجة»، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «وفَرَّق الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام، فحمل الحديث عليها، وأما في حال الاختلاف والفرقة فليستسلم ولا يقاتل أحدًا، ومعلوم أن مقاتلة الحاكم بما معه من جند وشوكة يفضي إلى فتن أعظم ومظالم أكبر، ولذلك لا يصح إدخاله في هذا الباب.
معصية الحاكم لا تُسقط ولايتَه
بهذا الكلام بطلت شبهة القائلين بأن الصبر على أخذ المال وضرب الظهر معاونة على الإثم والعدوان؛ فإن المظلوم لا يعين على ذلك، بل لو قدر على منعه لفعل، ما لم يفض ذلك إلى منكر أعظم، على ما سبق بيانه وتقريره، ولكنه يصبر على ما لا قدرة له على دفعه غالبا، ولكن الحديث ينبّه ويشدّد على أن هذه المعصية من الحاكم لا تُسقط ولايتَه، وهذه المظلمة الخاصة لا تبيح للمظلوم أن يفرق جماعة المسلمين، ويشق عصا الطاعة، فتصير المظلمة عامة.

اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.07 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]