شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 33 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 23 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 340 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 730 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 17-02-2019, 10:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(11)

تراجم رجال إسناد حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)
قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو شيخ النسائي، وهو شيخ أصحاب الكتب الستة -كما ذكرت ذلك من قبل- روى عنه الجميع، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي البغلاني ، وهو من الثقات الحفاظ.[عن مالك بن أنس].هو إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة المشهورين، والإسناد الذي يكون من طريقه عن نافع عن ابن عمر يقول فيه البخاري : إنه أصح الأسانيد على الإطلاق، فأصح الأسانيد عند البخاري : مالك عن نافع عن ابن عمر ، فهو إمام من أئمة المسلمين، وهو الذي كان في هذه المدينة المباركة، ويكنى بـأبي عبد الله .وبالمناسبة: فإن الأئمة الثلاثة كلهم يقال لهم: أبو عبد الله؛ مالك، والشافعي، وأحمد، كل منهم كنيته أبو عبد الله.[عن أبي الزناد].أبو الزناد هذا قيل: إنه لقب على هيئة الكنية, وعلى صيغة الكنية، واسم صاحب اللقب: عبد الله بن ذكوان, وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو من الثقات.[عن الأعرج]. الأعرج لقب، واسم صاحب اللقب: عبد الرحمن بن هرمز ، وهو أيضاً كذلك من رجال أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وهو ممن اشتهر بلقبه، ويأتي أحياناً باللقب, وأحياناً بالاسم.ومن المعلوم أن معرفة الألقاب مهمة لطالب العلم، وفائدتها: أنه إذا وجد الحديث من طريقين؛ مرة بلقب الأعرج , ومرة باسم عبد الرحمن بن هرمز لا يظن أن هذا غير هذا، وإنما يعرف أن هذا هو هذا، لكنه مرة يأتي بالاسم ومرة يأتي باللقب. [عن أبي هريرة].هو أحد الصحابة المكثرين، بل هو أكثر الصحابة حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وجاء في بعض الروايات: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) أي: عند الدخول فيها، وفائدة الاستياك عند كل صلاة: أن الإنسان يكون طيب الفم طيب الرائحة وهو يناجي الله عز وجل، وقيل: إنه عند كل صلاة سواءً كانت فريضة أو نافلة, فإذا كانت النافلة غير متصلة فإنه يستاك في بدايتها، أما إذا كانت النوافل متصلة فلا يحتاج الأمر إلى تكرار السواك بين كل ركعتين، وإنما يكون عند ابتداء الصلوات سواءً كانت فريضة أو نافلة. قيل: وحكمته أن الإنسان يكون طيب الرائحة وهو يتلو القرآن في صلاته، ويناجي الله عز وجل في صلاته, ويكون على هيئة حسنة, وعلى هيئة طيبة.وكما هو معلوم فالسواك جاء في مواضع كثيرة، بل الترجمة التي بعد هذا أنه في كل حين، وليس له وقت معين، وإنما الإنسان يتسوك متى شاء، وليس مقيداً بوقت معلوم؛ لكن ما جاء في تحديده في مواضع فإنه يتأكد في المواضع التي حدد فيها.
السواك في كل حين

شرح حديث عائشة في ابتداء النبي بالسواك إذا دخل البيت
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السواك في كل حين.أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى وهو ابن يونس عن مسعر عن المقدام وهو ابن شريح عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت لـعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب السواك في كل حين، يعني: أنه ليس له وقت محدد، أو أنه يمنع في بعض الأوقات، وإنما السواك في كل حين إلا في المواضع التي يؤمر الإنسان فيها بالإمساك، كالصلاة وكحال الخطبة، فهذه لا يستاك الإنسان فيها، وإنما يهدأ ويسكن، أما في غير ذلك فالأمر واسع. وكذلك في الأماكن القذرة والأشياء التي ما يتأتى السواك فيها، وإنما يستاك في غالب الأحوال ولا يمتنع منه إلا في بعض الأحوال، وهنا قال: باب السواك في كل حين، يعني: أنه لا يتقيد بوقت معين، أو أنه خاص بوقت معين، ولما ذكر الترجمة التي قبلها وهي: السواك بالعشي للصائم, وأنها تكون عند كل صلاة, وفيه التقييد بالصلوات؛ أتى بترجمة تبين أن الأمر ليس مقصوراً عند كل صلاة؛ بل يمكن أن يكون في غير أوقات الصلوات, وفي الأوقات الأخرى التي لم يأت ذكرها في هذا الحديث.وأورد فيه حديث عائشة أن شريح بن هانئ سألها رضي الله عنها: (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل منزله؟ قالت: بالسواك) فهذا يدلنا على حرص سلف الأمة على معرفة أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته, وسؤالهم أمهات المؤمنين عن أعماله في بيته، وأنهن المرجع في ذلك.وشريح يسأل هذا السؤال: (بأي شيء كان يبدأ إذا دخل منزله؟ قالت: بالسواك) فهو يدل على أن السواك يكون في كل حين، والرسول صلى الله عليه وسلم يدخل منزله في أوقات مختلفة، فيدل على فعله في أوقات مختلفة، ثم أيضاً يدل على مشروعيته, وعلى استحبابه عند دخول المنزل كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يمكن أن يقال: إنه من السنن المهجورة التي هجرها الناس, والتي غفل عنها الناس، وقد قال بعض العلماء: السواك عند دخول المنزل لا يكاد يذكر في كتب الفقهاء الذين عنوا بجمع المسائل المختلفة.ومطابق� � الحديث للترجمة من ناحية تكرر حصول دخول المنزل في أوقات مختلفة, وفي أوقات عديدة، في الليل والنهار، فأول عمل يعمله صلى الله عليه وسلم إذا دخل منزله أنه يستاك، وقد قيل في تعليل هذا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي النوافل إلا في البيت، فإذا صلى بالناس خرج وتنفل في بيته، ويدخل منزله آتياً من الصلاة ومن غير الصلاة، وهذا هو الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم, فأول عمل يبدأ به إذا دخل منزله أن يستاك، وقيل: إنه ينزل عليه الوحي, وهو يريد إذا أتاه الملك ليتلو عليه القرآن، ولينزل عليه القرآن، ويقرأ القرآن مع الملك, أن يكون على هذه الهيئة الحسنة، قيل هذا, وقيل غير ذلك, والله تعالى أعلم؛ لكن يدلنا على أن هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكرر ذلك منه يدل على مشروعيته، وعلى أنه من سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ابتداء النبي بالسواك إذا دخل البيت
قوله: [أخبرنا علي بن خشرم].هذا من شيوخ الإمام مسلم ، وروى عنه الإمام مسلم .[حدثنا عيسى وهو ابن يونس].كلمة: (وهو ابن يونس) مثل ما تقدم في الأحاديث الماضية: أنه يأتي بها غير التلميذ من أجل أن يوضح؛ لأن تلميذه ذكر اسم شيخه غير منسوب، لكن من جاء بعده أراد أن يوضح هذا الشخص, فأتى بكلمة: (هو) حتى يتبين أن هذه النسبة زيدت ممن دون التلميذ لتوضيح هذا الشخص المهمل، ولم تضف بدون (هو), أو (يعني)؛ لأنها لو أضيفت لظن أن هذا كلام التلميذ، والتلميذ إنما أتى بالاسم دون النسب، فعندما يأتي من دون التلميذ بكلمة: (هو) يتبين أنه زادها من دون التلميذ للإيضاح والبيان, وذهاب الالتباس والاحتمال, وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، هو من الثقات الأثبات. [عن مسعر].هو: ابن كدام ، وهو من رجال الكتب الستة، وهو أحد الثقات الحفاظ المتقنين، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد أطلق هذا الوصف على جماعة منهم: الثوري ، ومنهم: مسعر بن كدام البصري .[عن المقدام وهو ابن شريح].هو: المقدام بن شريح بن هانئ وهو أيضاً من الثقات، روى عنه الإمام مسلم ، وهو يروي عن أبيه شريح بن هانئ ، وكذلك أيضاً روى عنه الإمام مسلم والأربعة، والبخاري في الأدب المفرد, وأيضاً عن أبيه مثله, وهو من المخضرمين؛ والمخضرمون هم: الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل لهم الشرف في لقيه وصحبته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فيقال له: مخضرم؛ لأنه أدرك الزمنين: زمن الجاهلية وزمن الإسلام, ولم يلق النبي عليه الصلاة والسلام، مثل: الصنابحي الذي كان وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولما بلغ الجحفة وهو في الطريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغه وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما بينه وبينه إلا شيء يسير؛ فقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، فهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم.[قلت عائشة].هي أم المؤمنين، وهي -كما عرفنا- الصحابية التي أكثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي هي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17-02-2019, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(12)


- (باب الإبعاد عند إرادة الحاجة) إلى (باب القول عند دخول الخلاء)
قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) يعني أن الإنسان يحصل من الثواب والأجر على نيته؛ فإن العمل لا بد فيه من نية، والإنسان يحصل الأجر والثواب على حسب ما نواه.ثم إن هاتين الجملتين (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) قاعدتان عامتان، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدهما مثالاً يوضح المقصود، وأن الأمر يتبع النية، وأنه متعلق ومرتبط بها، وذلك المثال هو الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله). أي: إذا كان قصده حسناً -وهو الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام من أجل أن يأتي بشعائر دينه، ومن أجل أن يحافظ على دينه، ومن أجل أن يتعلم الدين وأن يتفقه فيه- فهجرته إلى الله ورسوله.فإن قيل: الأصل في الشرط والجزاء أنهما يكونان متغايرين، فيقال: (من جد وجد، ومن زرع حصد)، فالجزاء غير الشرط، وهنا اتحد الجزاء مع الشرط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)! فالجواب أنّ الجزاء وإن كان هنا نفس الشرط إلّا أن الحكم يختلف باختلاف المتعلق، فقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي: نية وقصداً، (فهجرته إلى الله ورسوله) أي: ثواباً وأجراً. فبهذا يختلف الشرط والجزاء، فالأول يتعلق بالنية والقصد، والثاني يتعلق بالثواب والأجر.فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صدر هذا التمثيل الشيء الذي فيه أجر وثواب، وهو كون الإنسان يريد بعمله وجه الله عز وجل والدار الآخرة.وأما إذا كانت الهجرة من أجل غرض دنيوي من تجارة أو زواج فقد قال فيها عليه الصلاة والسلام: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فلم يقل: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها وإنما جاء بلفظ عام ليبين أن من هاجر لشيء فإن هجرته إلى ما هاجر إليه، فإذا كان من أمور الدنيا لتحصيل المال، أو تحصيل الزواج أو غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه، فأتى بالجواب بلفظ عام؛ لأن أغراض الناس ومقاصدهم في أعمالهم المتعلقة بالدنيا لا تنحصر، فجاء بالجواب بلفظ يشمل كل شيء يقصد به الإنسان شيئاً من الدنيا. وأيضاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثال ليوضح به أن من يكون قصده حسناً فله الثواب والأجر، ومن كان قصده غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الإبعاد عند إرادة الحاجة

شرح حديث عبد الرحمن بن أبي قراد: (خرجت مع رسول الله... وكان إذا أراد الحاجة أبعد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإبعاد عند إرادة الحاجة.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أنه قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا أراد الحاجة أبعد) ].يقول الإمام النسائي رحمة الله عليه: الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، وأورد تحت هذه الترجمة حديثين، أحدهما: حديث عبد الرحمن بن أبي قراد، والثاني: حديث المغيرة بن شعبة، وهذا أول باب يورد فيه النسائي أكثر من حديث؛ لأن الأبواب الماضية كانت الأحاديث فيها بعدد الأبواب، وفي هذا الباب ستتغير أرقام الأحاديث مع أرقام الأبواب بزيادة حديث في هذا الباب، وسبق أن أوضحت أن طريقة الإمام النسائي تشبه طريقة البخاري من حيث كثرة الأبواب, وإيراد الموضوعات والاستدلال بالأحاديث عليها، ولهذا كثرت عنده الأبواب؛ لأن كتابه يشبه كتاب البخاري من حيث إنه يجمع بين الرواية والدراية؛ الرواية في إيراد الأحاديث بأسانيدها ومتونها، والدراية بإيراد التراجم التي تورد تحتها الأحاديث, وهي مستنبطة من الأحاديث، والكتابان كل منهما كتاب رواية ودراية.والحديث الأول من الحديثين في هذا الباب: حديث عبد الرحمن بن أبي قراد قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا أراد الحاجة أبعد).(وكان إذا أراد الحاجة) يعني: أراد أن يقضي حاجته (أبعد)، يعني: ذهب بعيداً عن أعين الناس حتى لا يراه الناس، قيل: إن المفعول: نفسه، يعني: أبعد نفسه عن الناس، أو أبعد ما يخرج منه عن الناس، فيكون المفعول محذوفاً.وعبد الرحمن بن أبي قراد يقول: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء) يعني: إلى مكان قضاء الحاجة، ثم وصف عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه إذا أراد الحاجة أبعد، يعني: هذا شأنه وهذا هديه عليه الصلاة والسلام: أنه كان إذا خرج لقضاء حاجته يذهب بعيداً عن أعين الناس حتى لا يراه الناس وهو يقضي حاجته، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والخلاء يعبر به عن قضاء الحاجة، وعن موضع قضاء الحاجة، فيقال له: الخلاء؛ لأنه غالباً ما يذهب الناس إلى الخلاء، أي: الأماكن الخالية، فيعبر عن قضاء الحاجة بالخلاء؛ لأنه غالباً تقضى الحاجة في الخلاء في ذلك الزمان.وعبد الرحمن بن أبي قراد هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنه مقل من الحديث، يقال: إنه ليس له عند أصحاب الكتب إلا هذا الحديث، رواه النسائي, ورواه ابن ماجه ، فهم الذين رووا عنه من أصحاب الكتب الستة، وقد رووا عنه هذا الحديث الواحد، فهو مقل من الحديث.أما حديث المغيرة بن شعبة الذي سيأتي فهو عند جماعة من أصحاب الكتب الستة، وليس كهذا، وصاحبه المغيرة بن شعبة روى أحاديث كثيرة ، أما عبد الرحمن بن أبي قراد فلم يرو عنه إلا النسائي, وابن ماجه , وليس له عندهم إلا هذا الحديث الواحد.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الرحمن بن أبي قراد: (خرجت مع رسول الله... وكان إذا أراد الحاجة أبعد)
قوله: [حدثنا عمرو بن علي].هو: الفلاس الذي سبق أن مر ذكره، وهو من النقاد المعروفين بنقد الحديث، وهو من رجال الكتب الستة.[عن يحيى بن سعيد].وهو: يحيى بن سعيد القطان ، وهذا أيضاً من الثقات الأثبات، ومن رجال الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وهو الذي سبق أن ذكرت أن الذهبي في كتابه: (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) ذكر اثنين وهما: عبد الرحمن بن مهدي , ويحيى بن سعيد القطان, فقال: هذان إذا جرحا شخصاً فهو لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أن جرحهم مصيب، وأنهما أصابا الهدف فيما قالاه عن الرجل.فـيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي إمامان من أئمة الجرح والتعديل، وهما من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهما من أئمة الجرح والتعديل.وعندنا عمرو بن علي الفلاس، ويحيى بن سعيد القطان وهما من أئمة الجرح والتعديل، وكل منهما روى عنه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد].الخطمي نسبة إلى بطن من الأنصار، ولهذا يقال له: الخطمي الأنصاري، فهو أنصاري خطمي، فالخطمي نسبة خاصة, والأنصاري نسبة عامة.قال عنه الحافظ : إنه صدوق، وروى عنه أصحاب السنن الأربعة: أبو داود , والترمذي , والنسائي , وابن ماجه ، وليس له رواية في الصحيحين. [حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة]. الحارث بن فضيل هذا ثقة, روى عنه الإمام مسلم ، وأبو داود , والنسائي , وابن ماجه .وعمارة بن خزيمة بن ثابت روى عنه أصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة، قال عنه الحافظ : إنه ثقة، وأما ذاك فهو مثله من رجال أصحاب السنن الأربعة، ولكن وصفه بأنه صدوق، يعني: أنه دون عمارة بن خزيمة بن ثابت.والحارث من رجال مسلم ، والثاني من رجال أصحاب السنن الأربعة، مثل الأول الذي هو أبو جعفر الخطمي .فالأول الذي هو: أبو جعفر الخطمي هو من رجال أصحاب السنن الأربعة، إلا أن هذا صدوق وذاك ثقة، وأبو جعفر الخطمي وصف بأنه صدوق وهو دون الثقة، وأما عمارة بن خزيمة بن ثابت فهذا وصف بأنه ثقة، وكل من الاثنين من رجال السنن الأربعة.
شرح حديث: (إن النبي كان إذا ذهب المذهب أبعد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره، فقال: ائتني بوضوء فأتيته بوضوء، فتوضأ ومسح على الخفين).إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ ].أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)، يعني: إذا ذهب لقضاء حاجته، وقيل: إن المذهب يراد به: الخلاء، ونحوها من الألفاظ التي يراد بها مكان قضاء الحاجة، فإذا ذهب إلى المكان الذي تقضى فيه الحاجة أبعد، يعني: ذهب بعيداً عن أعين الناس.ثم إن المغيرة بن شعبة قال: (إنه ذهب لحاجته وقال: ائتني بوضوء، فلما قضى حاجته توضأ ومسح على خفيه عليه الصلاة والسلام)، ثم ذكر النسائي تعليقاً بعد ذكر الحديث بين فيه نسبة رجل في الإسناد ما جاء منسوباً، وهو: إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير القارئ ، فهذا لم ينسبه شيخه، وهو ما ذكر نسبه في الإسناد فقال: هو ابن فلان، وإنما لما فرغ من إيراد الحديث قال: هو فلان بن فلان، وهذه الكلمة يمكن أن تكون في الغالب من أحد تلاميذه؛ لأنه ذكر أنه فلان بن فلان، وهم ذكروا الذي قال هذا، وأحياناً يقولون: قال أبو عبد الرحمن ، فيحتمل أن تكون منه، ويحتمل أن تكون من بعض تلاميذه، وهذا أول موضع يعلق فيه النسائي عقب الفراغ من الحديث، وهو أحياناً يعلق ويعقب بتعليقات خفيفة قصيرة كهذا. وهو أول حديث يأتي مكرراً في باب من أبواب النسائي، أو في ترجمة من تراجم النسائي .وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير القارئ هو من رجال الكتب الستة، ومن الثقات.وحديث المغيرة بن شعبة هو مثل الحديث الأول، إلا أنه هنا قال: (كان إذا ذهب المذهب أبعد)، ثم أتى بعد ذلك بهذه القصة التي حصلت له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه أمر بأن يأتيه بوضوء، يعني: الماء الذي يتوضأ به.وسبق أن ذكرت: أن الوضوء من الألفاظ التي تأتي مفتوحة الأول ومضمومة الأول، ولكل منهما معنى، فهي في حال الفتح اسم للماء الذي يتوضأ به، وفي الضم اسم للفعل الذي هو الوضوء، وهو أخذ الإنسان الماء ليغسل وجهه, ويغسل يديه، فهذا الفعل يقال له: وضوء -بالضم- وأما الماء الذي يعد للتوضؤ منه, يقال له: وضوء - بالفتح- وهذا له أمثلة تماثله، مثل: الطَّهور والطُّهور، والسَّحور والسُّحور، واللَّدود واللُّدود، والوَجور والوُجور، وألفاظ على هذا المنوال، فما كان بالفتح فهو اسم للشيء المستعمل، وما كان بالضم فهو اسم لطريقة الاستعمال، أو للفعل الذي هو الاستعمال.وهذا الحديث رواه غير النسائي، فقد رواه أبو داود وهو أول حديث في سننه، لكنه عنده مختصر، وليس مطولاً في ذكر قصة الخفين وكونه معه، وإنما بين أنه كان يبعد ويذهب بعيداً إذا أراد قضاء الحاجة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.فحديث المغيرة هو أول حديث في سنن أبي داود, والترمذي , والنسائي , وابن ماجه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي كان إذا ذهب المذهب أبعد ...)
قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو: السعدي ، وهو الذي سبق أن مر بنا ذكره، وهو من شيوخ الإمام مسلم ، ويروي عنه مسلم كثيراً، والبخاري , والنسائي , والترمذي .[عن محمد بن عمرو].هو: ابن حلحلة ، ويروي عنه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير .[عن أبي سلمة].هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو الذي سبق أن مر بنا في أول حديث، وقلنا: إن بعض العلماء قال: إنه سابع الفقهاء السبعة على أحد الأقوال، وهو من رجال الجماعة.[عن المغيرة بن شعبة].المغيرة بن شعبة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أميراً على البصرة وعلى الكوفة، وكان كذلك من الصحابة المشهورين، وكذلك أيضاً من الشجعان، وفيه صفات حميدة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الرخصة في ترك الإبعاد عند إرادة الحاجة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في ترك ذلك.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة قوم، فبال قائماً، فتنحيت عنه، فدعاني، وكنت عند عقبيه حتى فرغ، ثم توضأ ومسح على خفيه) ]. ‏
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19-02-2019, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(13)


شرح حديث حذيفة: (كنت أمشي مع رسول الله فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً...)
ذكر النسائي رحمه الله: الرخصة في ترك ذلك.الضمير أو الإشارة ترجع إلى الترجمة السابقة، يعني: ترك الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، كان هديه صلى الله عليه وسلم أنه يبعد ويذهب في مكان بعيد عند قضاء الحاجة، ولكنه جاء عنه ما يدل على ترك ذلك في بعض الأحيان، ولهذا ذكر الترجمة الأولى: الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، وهنا قال: (الرخصة في ترك ذلك)، يعني: ترك الإبعاد، وكونه لا يذهب إلى مكان بعيد في بعض الأحيان.ثم أورد تحته حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يمشي، فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فأراد حذيفة أن يذهب، فدعاه فجاء إليه, وجعله يقف وراء عقبيه)، يعني: وراءه؛ ليستره.قوله: (ثم توضأ ومسح على خفيه)، فالحديث مطابق لما ترجم له من حيث إنه ما ذهب إلى مكان بعيد كما كان هذا شأنه، وعادته عليه الصلاة والسلام، ولعله ألجأته الحاجة إلى هذا العمل الذي عمله، وهو كونه يبول في هذا المكان، وأيضاً كونه بال قائماً، وهذا ليس من عادته عليه الصلاة والسلام، وإنما فعله أو جاء عنه في هذه المرة.واختلف العلماء في حكم البول قائماً، فمن العلماء من قال: إنه لا يبول إلا في حال الجلوس، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل ذلك في هذه المرة إلا لأمر اقتضى ذلك، قيل: إنه لألم في صلبه، وقيل غير ذلك، ومنهم من قال: إنه فعله مرة على خلاف عادته لبيان الجواز، وهذا هو الذي ذكره النووي ورجحه الحافظ ابن حجر أن الرسول فعله لبيان الجواز، ولعل الحاجة ألجأته إلى أن يفعل ذلك في هذا المكان، وأن يفعل ذلك قائماً؛ لأن المكان قد لا يكون مناسباً لأن يجلس فيه، لكن مهما يكن من شيء فإن ما قاله النووي وما قاله الحافظ ابن حجر من أن هذا يدل على الجواز عند الحاجة لا بأس به، وقد جاء في بعض الأحاديث عن عائشة أنها تنكر أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بال قائماً، ومن المعلوم أن هذا هو المعروف من هديه الذي تعرفه أمهات المؤمنين، وأما هذه فهي حالة خاصة عرفها حذيفة رضي الله عنه وشاهدها ورواها، وفعله صلى الله عليه وسلم هذا دال على الجواز عند الحاجة، وأن هذا خلاف الأصل، والأصل هو أن يكون البول عن جلوس، وإذا دعت الحاجة إلى أن يحصل البول عن قيام، فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.و (سباطة القوم)، قيل: هي المكان الذي ترمى فيه الكناسة والأشياء التي تخرج من البيوت، فتجعل في مكان ويرمى بعضها فوق بعض، فيقال لها: سباطة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بال قائماً في هذا المكان، وحذيفة رضي الله عنه أراد أن يذهب، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعاه، ولعله يكون دعاه بالإشارة أو دعاه بالكلام، وإذا كان دعاه بالكلام فيدل على جواز الكلام عند قضاء الحاجة إذا اقتضى الأمر ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (كنت أمشي مع رسول الله فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً...)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسكون الياء أو فتحها، والمعروف عند أهل اللغة أنهم يقولون: راهويه - بالسكون-، والمحدثون يقولون: راهويه - بالفتح-، وكل من اللفظين يصلح، وفي بيت من أبيات ألفية ابن مالك:ذا إن بغير ويه تم أعرباويه, يعني: نفطويه، راهويه، عمرويه، ألفاظ كثيرة تأتي على هذا.وإسحاق بن إبراهيم هذا إمام من أئمة الحديث، وله كتاب مسند، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، وكلهم رووا عنه، فهو شيخ لهم جميعاً، شيخ للبخاري, ومسلم, والترمذي, والنسائي, وأبي داود ، وأما ابن ماجه فإنه لم يرو عنه. وهو إمام، جليل، فقيه, محدث، ومن طريقته أنه يستعمل (أخبرنا) في الرواية عن شيوخه، وفي طريقة النسائي أنه يعبر بـ(أخبرنا)، أيضاً.وذكرت أن الحافظ ابن حجر في فتح الباري عندما يذكر البخاري إسحاق غير منسوب، وهو يحتمل غيره, يستأنس إذا كان يعبر بـ(أخبرنا) أن يجعلها قرينة تدل على أنه ابن راهويه ؛ لأن هذه عادته أنه لا يستعمل إلا (أخبرنا) ولكن وجد عنه في بعض الكتب وفي بعض الروايات: حدثنا، ولكن هذا غالب على طريقته، والبخاري له عدة شيوخ يقال لهم: إسحاق منهم: إسحاق بن منصور، وإسحاق بن راهويه، فكلهم يقال لهم: إسحاق، فأحياناً يقول: حدثنا إسحاق ويسكت، فلا يدرى من هو، فهو إذا كان إسحاق هذا قال: أخبرنا - فيجعلها ابن حجر قرينة على أنه ابن راهويه. [أخبرنا عيسى بن يونس].وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وسبق أن مر بنا، وهو أخو إسرائيل بن أبي إسحاق، وهو من رجال الجماعة.[حدثنا الأعمش].هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو مشهور بلقبه: الأعمش ، وأحياناً يأتي ذكره باسمه: سليمان ، وقد يكون في الحديث الواحد يأتي من عدة طرق في بعضها يقال: سليمان ، وفي بعضها يقال: الأعمش ، ولكنه مشهور كثيراً بلقبه، وهو أيضاً معروف ومشهور بالتدليس، وهو الذي مثل به العراقي للمدلسين في الصحيح، قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتشيعني: فـالأعمش من المعروفين بالتدليس، والأعمش هذا لقبه، وذكرت فيما مضى: أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فالذي ما يعرف يظن أن هذا غير هذا، والذي يعرف إذا وجد سليمان في بعض الروايات، أو وجد الأعمش في بعض الروايات يقول: هذا هو هذا. ولكن الذي لا يدري ولا يعرف يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان شخص آخر، لكن من يعرف لا يلتبس عليه الأمر، وإنما يعرف بأن هذا لقب، وهذا اسم. قوله: [عن شقيق].هو: ابن سلمة أبو وائل ، وهو كثيراً ما يأتي بكنيته، وأحياناً يأتي باسمه، وهنا جاء باسمه، وسبق أن مر بنا في بعض الأحاديث أبو وائل ، فهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه.ومعرفة الكنى أيضاً لها فائدة عظيمة وهي: أن الذي -أيضاً- لا يعرف يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة بكنيته ومرة باسمه.وهو من المخضرمين؛ من الذين أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من المعمرين؛ لأنه عاش مائة سنة، وكانت وفاته في خلافة عمر بن عبد العزيز ، على رأس المائة، وعمره مائة سنة، ومعناه أنه أدرك عشر سنوات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمر حتى كانت وفاته سنة مائة وواحد، وهو من رجال الجماعة، وهو من الثقات الذين أكثر عنهم البخاري ، وأكثر عنهم أصحاب الكتب.[عن حذيفة]. حذيفة بن اليمان سبق أن مر، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب السر، وهو الذي كان عنده علم عن المنافقين.وهذا الحديث لو لم يوجد إلا عند النسائي ، ولم يوجد عند غيره مصرحاً بالتحديث، فإنه يكون من الأحاديث المتوقف فيها، التي إذا وجد شيء يعضدها ارتقت إلى الحسن لغيره؛ لأن حديث المدلس متوقف فيه، لكن الحديث موجود في الصحيحين.
القول عند دخول الخلاء


قال المصنف رحمه الله تعالى: [القول عند دخول الخلاء.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)].
شرح حديث أنس في القول عند دخول الخلاء


أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: القول عند دخول الخلاء، يعني: ما الذي يشرع أن يقوله؟ وما الذي يستحب أن يقوله من أراد أن يدخل الخلاء لقضاء حاجته؟ وما هو الدعاء المأثور الذي يدعو به ويقوله عند إرادته الدخول؟ وهو ما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل الخلاء: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، فهذا دعاء كان يدعو به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عند إرادة دخول الخلاء، فيستحب قوله، ويستحب الدعاء به اقتداءً بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام.وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، الخبث: جمع خبيث، وهو بضم الباء، والخبائث: جمع خبيثة، فعلى هذا يكون المراد بالخبث والخبائث: شياطين الجن ذكورهم وإناثهم، فالخبث للذكور والخبائث للإناث، فيكون الإنسان تعوذ من الخبث الذين هم الذكور، والخبائث اللاتي هن الإناث، وشرع هذا عند دخول الخلاء؛ لأن الشياطين غالباً يكونون في الأماكن القذرة، وفي الأماكن الكريهة، فهي أماكنهم التي تناسبهم، ولهذا شرع عند دخول الخلاء هذا الدعاء الذي به الاستعاذة منهم.وفي بعض الروايات: الخبُث، والمراد بالخبُث: الشر، وعلى هذا فيكون التعوذ من الشر وأهله، ويمكن أيضاً أن تكون الخبُث يراد بها الخبْث؛ لأنه يأتي ما كان بهذه الصيغة -مضموم العين- أيضاً يأتي ساكنها، والمراد به الجمع، يعني: يؤتى به مضموماً، ويؤتى به مسكناً للتخفيف؛ فعلى هذا يكون المراد به: الخبث، على أنه جمع، على لغة التخفيف في الخبث، وعلى هذا يمكن أن يراد بها: الشر، ويمكن أن يراد بها: أنها مخبثة من الخبث، وهو جمع خبيث.الحاصل: أن رواية خبث -بالضم- هي واضحة في الجمع، ولا معنى لها غير الجمع، وأما الخبث -بالسكون- فهي تصلح لأن تكون جمعاً مخففاً من الخبث، وأن تكون اسماً بمعنى الشر وليست جمعاً.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في القول عند دخول الخلاء
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز بن صهيب].إسحاق بن إبراهيم هو المتقدم في الإسناد الذي قبله وهو ابن راهويه .وإسماعيل الذي يروي عنه إسحاق هو: إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، وهو من الثقات الأثبات، وهو مشهور بالنسبة إلى أمه فيقال: ابن علية ، وهناك عدد ينسبون إلى أمهاتهم وهم مشهورون بهذا، وهم: ابن علية , وابن بحينة وابن أبي ابن سلول ، فـسلول أمه، وكان إسماعيل بن علية يكره أن يقال له: ابن علية ، ولهذا بعض المحدثين - وأظنه الشافعي - كان يقول: حدثني إسماعيل الذي يقال له: ابن علية ، فهو مشتهر بهذه النسبة.والطريقة عند ذكر مثل هذه النسبة: أنه عندما ينسب إلى أبيه، ثم ينسب إلى أمه، فكلمة (ابن) لا تعرب كإعراب (ابن) التي قبلها، مثلاً: قال إسحاق بن إبراهيم ، لا يؤتى بألف مع ابن، لكن لو جاء عن ابن عباس ، وما جاء اسم قبله، فلا تأت ابن بدون ألف، بل لا بد أن تأتي الألف، لكن إذا قلت: عبد الله بن عباس فلا تأت بالألف التي هي همزة الوصل؛ لأن كلمة (ابن) إذا كانت بين علمين الأول منسوب للثاني فإنك تحذف الألف، فلو أتيت بـ(ابن) في أول الكلام أو في أول السطر فإنك تأتي بها بالألف، فعندما تقول: قال إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، فلا تأت بالألف, لأن (ابن) هذه ترجع إلى إسماعيل، ولا ترجع لـإبراهيم ، ولهذا ترفع، يقال: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية؛ لأن مقسم ليس ابن علية، وإنما إبراهيم هو ابن علية، ولهذا تأتي الألف.ثم أيضاً من حيث الإعراب ما تعرب إعراب الاسم الذي قبلها، وإنما تعرب إعراب الاسم الأول الذي نسب إلى علية، فالذي نسب إلى علية هو إسماعيل، وليس إبراهيم ولا مقسم ؛ لأن علية اسم أم إسماعيل، فإذا قلت: قال إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية ؛ فابن ترجع لـإسماعيل الأول، ولا ترجع لـمقسم ؛ لأن علية ليست أم مقسم حتى يكون مجروراً، وإنما ترجع إلى إسماعيل الذي هو الأول.

إذاً: هنا شيئان يلاحظان في مثل هذا، وهما: الإعراب، فإنه يعرب إعراب الاسم الأول، وأيضاً الألف تثبت.وإسماعيل بن علية من رجال الجماعة، وإسحاق بن إبراهيم شيخ لأصحاب الكتب إلا ابن ماجه ، وأما الباقون الذي هم ابن علية , وعبد العزيز بن صهيب, وأنس ، فهؤلاء روايتهم عند أصحاب الكتب كلها.وهذا الحديث من الأحاديث العالية عند النسائي ، فهو رباعي، وهذا أعلى ما يكون عند النسائي ، والنسائي ما عنده ثلاثيات، فبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: إسحاق بن إبراهيم, وإسماعيل بن علية, وعبد العزيز بن صهيب, وأنس بن مالك رضي الله عنه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 19-02-2019, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(14)


- باب النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة

الهجرة لغة:

الترك. وتكون الهجرة من بلد الخوف إلى بلد الأمن، مثل الهجرة من مكة إلى الحبشة، فإنها هجرة من بلد خوف إلى بلد أمن، وتكون من بلد شرك إلى بلد إسلام، كالهجرة من مكة -قبل الفتح- إلى المدينة، فإن المهاجرين تركوا بلادهم، وتركوا أموالهم، وتركوا دورهم، ومتاعهم من أجل نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا جمع الله للمهاجرين بين الهجرة والنصرة في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، وبهذا كانوا أفضل من الأنصار؛ لأنهم عندهم النصرة التي عند الأنصار، وزادوا بالهجرة التي ليست عند الأنصار، فالمهاجرون أنصار، وزيادة على ذلك هم مهاجرون، والأنصار أنصار فقط، والذين جمعوا بين الهجرة والنصرة أفضل من الذين حصلوا النصرة فقط.والهجرة من مكة انتهت بفتح مكة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، وأما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فهي باقية ومستمرة إلى قيام الساعة.
فوائد في معرفة رجال الإسناد عند النسائي

أذكر هنا شيئين يتعلقان بمعرفة رجال الإسناد عند النسائي: أحدهما: أنه مر ذكر محمد بن منصور في أحد الأسانيد الماضية، وما ذكرت من المراد، أو من هو محمد بن منصور .والنسائي له شيخان كل منهما اسمه محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور بن ثابت الخزاعي, الملقب الجواز ، وهو ثقة، وقد روى له النسائي وحده، والثاني: محمد بن منصور بن داود الطوسي, نزيل بغداد، وقد روى له النسائي و أبو داود ، وكل من هذين الاثنين يروي عن سفيان بن عيينة ، فاتفق أن النسائي روى عنهما، وأنهما رويا عن ابن عيينة ، وكل منهما ثقة، إلا أن الثاني - الذي هو الطوسي, نزيل بغداد، وصف مع كونه ثقة بأنه عابد، والأمر محتمل لأن يكون هذا أو هذا، لكن جرت العادة عند المحدثين أنهم يستأنسون بقرائن، ومن هذه القرائن: أن يكون الشخص معروفاً بالإكثار عن الشيخ الذي روى عنه فيحمل عليه، أو يكون له به علاقة غير ذلك كأن يكون من أهل بلده، ومن المعلوم أن المكي هو وابن عيينة من بلد واحد؛ لأن ابن عيينة مكي, ومحمد بن منصور الخزاعي الجواز المكي هو أيضاً مكي مثل سفيان بن عيينة ، فإذاً: كونه من أهل بلده يقوي جانب أن يكون هو المكي الجواز، ومهما يكن من شيء سواءً كان هذا أو هذا لا يؤثر؛ لأن كلاً منهما ثقة، والإشكال لو كان أحدهما ضعيفاً، عند ذلك يأتي الإشكال، أما ما دام أن كلاً منهما ثقة، فسواءً كان هذا أو هذا فالنتيجة واحدة من حيث الثبوت، فـالطوسي ثقة, والمكي ثقة، لكن من حيث الاحتمال الأقرب وكون أحدهما عنده جانب مرجح، والمكي عنده جانب مرجح وهو كونه من أهل بلد شيخهما سفيان بن عيينة؛ لأنه مكي، هذا الأمر الأول.الأمر الثاني: هو أنه في بعض الأسانيد التي مضت وردت رواية النسائي عن شيخين هما: محمد بن سلمة و الحارث بن مسكين يرويان عن ابن وهب ، وذكرت فيما مضى أن طريقة البخاري عندما يروي عن شيخين فإن اللفظ يكون للأخير منهما، هذا هو الذي عرف بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري ، وقد ذكر هذا ابن حجر في فتح الباري عند حديث جابر بن عبد الله : (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر.. ) الحديث، فقال عند شرح هذا الحديث: وقد عرف بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا روى الحديث عن شيخين فإن اللفظ يكون للثاني، قال: والدليل على هذا أنه وجد في صحيح البخاري حصول الإسناد عن شيخه الأول فقط بلفظ مغاير للذي أورده عنهما. أما النسائي فقد قلت: إننا لا نعلم اصطلاحه، وقد مَرَّت بعض الأحاديث التي يروي فيها عن شيخين, ولكن لا نعلم أيهما له اللفظ، لكنه في هذا الموضع قال: واللفظ له، يعني: الحارث بن مسكين ، فعين من له اللفظ، وهذه طريقة الإمام مسلم ؛ أنه عندما يذكر الشيوخ المتعددين يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، ويذكر عدداً من مشايخه ثم يقول: واللفظ لفلان، فعرف من له اللفظ بالتنصيص عليه، والنسائي هنا عرف من له اللفظ بالتنصيص عليه، حيث قال: واللفظ له، والضمير يرجع لـلحارث بن مسكين الذي هو شيخه الثاني. إذاً: وجد عند النسائي في بعض الأسانيد ما يعين من له اللفظ، وهو التنصيص عليه بقوله: واللفظ له، أي: للثاني، وهذا لا إشكال فيه، فإذا وجد التنصيص فلا يحتاج إلى معرفة اصطلاح. ويمكن أن يتبين في الأحاديث التي سبق أن مرت ولم ينص على من له اللفظ أن يأتي الحديث في موضع آخر عن شيخ واحد -الأول أو الثاني- ثم يقارن بين اللفظ الذي هناك واللفظ الذي مضى، وعند حصول المقارنة يعرف من له اللفظ، فيمكن أن يعرف اصطلاح النسائي، وحتى الآن لا نعرف للنسائي اصطلاحاً يحدد من له اللفظ إلا إذا وجد التنصيص عليه كما ذكر هنا. ‏
النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة.أخبرنا يحيى بن درست أخبرنا أبو إسماعيل وهو القناد حدثني يحيى بن أبي كثير أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ].يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ، فـالنسائي قيد الترجمة بقوله: النهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة، وتقييده يفيد بأن الأمر يتعلق بقضاء الحاجة كما هو نص الحديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) ، فقوله: (بال أحدكم) معناه: أن النسائي اعتبرها قيداً له مفهوم؛ لأن النهي جاء عند قضاء الحاجة، وهو ترجم للنهي عند قضاء الحاجة، ما قال: النهي عن مس الذكر باليمين وسكت، وإنما قال: عند قضاء الحاجة.و السندي في تعليقه على الحديث قال: ولا مفهوم لهذا القيد بقوله: (إذا بال أحدكم) ، فيجوز أن يمسك الذكر باليمين في غير حال قضاء الحاجة، قال: لأنه إذا كان النهي عن مسه باليمين عند قضاء الحاجة فعند غيرها من باب أولى، وهذا ليس بواضح كونه أولى؛ لأنه كما هو معلوم أن اليد اليسرى جاءت السنة بأنها تستعمل في الأشياء غير الطيبة وغير الحسنة، مثل: المخاط، ومثل: مسك الذكر عند قضاء الحاجة؛ لأنه عند قضاء الحاجة تكون عرضة للنجاسة، فالنهي عن مس الذكر باليمين جاء حتى لا تتعرض للنجاسة، ومن المعلوم أن الامتخاط باليد اليسرى شيء مستقذر, فلا تستعمل له اليمين، لكن لو أن إنساناً لمس أنفه بيمينه عند غير الامتخاط فلا مانع منه، وهذا يمكن أن يكون مثله، وأنه إذا كان لغير قضاء حاجة وغير عرضة للنجاسة فالأمر يختلف ويكون له مفهوم؛ لأن النص إنما جاء بذكر هذا القيد: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)، فقول السندي: بأنه عند غير قضاء الحاجة من باب أولى غير واضح وغير مسلم، بل عند قضاء الحاجة فيه شيء مستقذر وهو حصول النجاسة، واليمين تنزه عن مثل هذا؛ لأنها تستعمل في أمور طيبة، وتلك تستعمل في ضدها.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 19-02-2019, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(15)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)

قوله: [أخبرنا يحيى بن درست ].يحيى بن درست من شيوخ النسائي , قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، وأخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه .[أخبرنا أبو إسماعيل]. وهو: القناد ، وهذه تماثل ما سبق أن نبهت عليه مما يأتي ذكره في الأسانيد (هو: فلان), أو (يعني فلاناً)؛ لأن اللفظ الذي قاله يحيى بن درست: حدثنا أبو إسماعيل ، هذه عبارته، ولم يقل: القناد ، وإنما قال: أبو إسماعيل ، فالذي دون تلميذه عندما يريد أن يوضح هذا اللفظ الذي ليس فيه إلا الكنية لا يقول: أبو إسماعيل القناد ويسكت؛ لأنه لو قالها لظن أن يحيى بن درست هو الذي قالها؛ لأنه ليس هناك ما يبين أنه هو أو غيره، لكن يقول: هو: ابن فلان، أو يقول: يعني: ابن فلان، أو يعني: الفلاني، أو يعني: فلان الفلاني، هذا هو المقصود من قوله: هو، فلا يقال: لم جاءت هو؟ ولماذا ما قيل: أبو إسماعيل القناد بدون هو؟ قلنا: حتى يبين أن هذا التوضيح ليس من التلميذ؛ لأن التلميذ ما يحتاج أن يوضح بـ (هو)، فالتلميذ يمكن ينسب شيخه إلى الجد العاشر إذا أراد، فيقول: حدثنا فلان بن فلان بن فلان، لكن غيره ممن هو دونه إذا ساق اللفظ وأراد أن يوضح يأتي بـ (هو فلان)، أو إذا فرغ من آخر الحديث يقول: قال فلان: هو كذا وكذا, مثلما حصل من النسائي في إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير القارئ ؛ فشيخه قال: حدثنا إسماعيل ، فلما فرغ من سياق حديث المغيرة بن شعبة الذي مر قريباً: (كان إذا ذهب المذهب أبعد) قال النسائي: إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ.وأبو إسماعيل اسمه إبراهيم بن عبد الملك القناد ، وهو صدوق، وروى له النسائي والترمذي ، يعني: الذين رووا عن الشيخ الأول رووا بنفس ابن ماجه ، لأن هنا رواه عنه اثنين من الثلاثة الذين رووا عن تلميذه، يعني: ثلاثة من الأئمة خرجوا للتلميذ, واثنين من الثلاثة خرجوا للشيخ، الثالث الذي هو الترمذي خرج لـيحيى بن درست ولم يخرج لشيخه أبي إسماعيل القناد . [ حدثني يحيى بن أبي كثير ].يحيى بن أبي كثير اليمامي نسبة لليمامة، وكلمة (اليمامي) تتحرف وتتصحف مع اليماني، ومثلما قلت فيما مضى: البصري والمصري يصير بينهما شيء من التصحيف لقربهما، فهنا اليماني واليمامي يحصل بينهما شيء من التصحيف، فهو اليمامي نسبة لليمامة، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة ثبت، وهو الذي خرج عنه الإمام مسلم الكلمة المشهورة في الصبر على طلب العلم، وعلى أنه لا يحصل العلم إلا من يتعب، فلما أورد الإمام مسلم من طرق عديدة حديث عبد الله بن عمرو في بيان أوقات الصلاة أتى بعده بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. قال النووي : إنه لما ذكر هذه الطرق الكثيرة التي ما يحصلها إلا من يتعب، وما يجمعها إلا من يتعب، نبه إلى أن العلم لا يحصل إلا بالتعب، يقولون: ملء الراحة لا يدرس بالراحة، ملء الراحة شيء قليل لا يدرس بالراحة كون الإنسان ما يتعب، وإنما من يتعب هو الذي يحصل، فمن جد وجد.فمن أراد أن يحصل فليتعب، أما من يريد أن يحصل بلا تعب فهذا لا يحصل شيئاً؛ لأنه بلا شيء لا يحصل شيئاً، بل يحصل الشيء بالتعب ويحصل بالنصب، كما قال الشاعر:لولا المشقة ساد الناس كلهمأي: لولا المشقة لصار كل الناس سادة، فلا يتميز السادة عن غيرهم من أهل السؤدد وأهل النبل وأهل الشرف إلا بالصبر على التعب، فليس كل أحد يحصل السؤدد، وإنما يحصله من يصبر على التعب، كما قال الشاعر:وإذا كانت النفوس كباراًتعبت في مرادها الأجسام[ أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه ].عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري هو من رجال الجماعة, وهو ثقة. [عن أبيه ].وهو أبو قتادة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الفرسان الشجعان رضي الله تعالى عنه، وذكر الخزرجي في الخلاصة - وهو كتاب من ميزته أنه إذا ترجم للصحابي يذكر عدد ما له من الأحاديث في الكتب الستة، وعدد الذي اتفق البخاري ومسلم عليه منها، وما انفرد به البخاري, وما انفرد به مسلم - قال: له في الكتب مائة وسبعون حديثاً، اتفقا على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، وانفرد مسلم بثمانية، وهذه الفوائد المشابهة لهذه الفائدة يمكن للإنسان أن يحصلها من خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي.
حديث: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن هشام عن يحيى -هو ابن أبي كثير- عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) ]. هنا أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه من طريق أخرى ، عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) ، وهو مثل الذي قبله لم يختلف عنه في اللفظ، هناك يقول: (إذا بال أحدكم) وهنا يقول: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه).قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].هناد بن السري هو من شيوخ الإمام مسلم ، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة، وقد خرج له الإمام مسلم وأصحاب السنن الأربعة والبخاري في خلق أفعال العباد، والرمز لهذا التخريج هو: ع خ، فهذه هي طريقة الحافظ في التقريب وتهذيب التهذيب، لكن الرموز هذه أحياناً يحصل بها خطأ، فـالسيوطي في كتابه الجامع الصغير يرمز للصحيح والضعيف برموز، وأحياناً تنعكس الرموز فيصير الضعيف صحيحاً والصحيح ضعيفاً بسبب الرمز، ولو جاءت الكلمة كاملة زال الإشكال، لكن الرمز يؤدي أحياناً إلى الخطأ، لكن الإنسان إذا رجع إلى تهذيب الكمال للمزي الذي هو الأصل يجد أن الأسماء ينص عليها دون رموز، يقول: أخرج له فلان, وفلان, وفلان، فعندما يكون هناك لبس أو تضارب فيمكن للإنسان أن يرجع إلى الأصل الذي هو تهذيب الكمال للمزي ؛ لأنه لا يستعمل الرموز لمن خرج له أصحاب الكتب، وإن كان يرمز لهم عند الشيوخ والتلاميذ، فهو في الترجمة أحياناً يرمز عند شيوخ التلميذ فوق الاسم، لكن في الآخر يقول: أخرج له فلان, وفلان, وفلان.[ عن وكيع ].وهو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي ، وهو إمام, ثقة، ثبت، وهو من رجال الجماعة.] عن هشام [.وهو: هشام الدستوائي، أو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة ومن رجال الجماعة.] عن يحيى بن أبي كثير [.وهذا ملتقى الإسناد مع الإسناد الذي قبل هذا، يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21-02-2019, 05:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(16)

- باب الرخصة في البول في الصحراء قائماً
- باب البول في البيت جالساً

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبول جالساً في الأغلب من أحواله كما جاء ذلك في حديث عائشة، ولكنه كان ربما بال قائماً كما روى ذلك حذيفة رضي الله عنه وأرضاه.
الرخصة في البول في الصحراء قائماً

شرح حديث: (إن رسول الله أتى سباطة قوم فبال قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في البول في الصحراء قائماً.أخبرنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) ]. قال النسائي : الرخصة في البول في الصحراء قائماً، وسبق أن مر أنه قال: ترك ذلك في البيوت، يعني: ترك البول قائماً، ولعل هذه الترجمة وهي قوله: (الرخصة في البول في الصحراء قائماً) يعني: أن هذا يكون في الصحراء، ويكون في غير البيوت، وأما البيوت فإن الإنسان يجلس فيها؛ لأن البيوت غالباً ما تكون الأماكن المعدة فيها صلبة، فقد يتطاير البول على الإنسان، وأما في الصحراء وفي الأماكن الخالية فالأرض تكون رخوة، والبول إذا وقع على الأرض الرخوة يكون آمناً مما إذا وقع على شيء صلب من حيث التناثر والتطاير؛ لكن إذا احتيج إلى ذلك في البيوت لا سيما في وجود المغسلات ووجود الأشياء التي يدخل الإنسان فيها, أو يأمن من أن يذهب شيء من بوله على ثيابه، فإنه لا بأس به. وحديث حذيفة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) يعني: أنه في غير البيوت، وطبعاً هو ليس في الصحراء، ولكنه خارج البيوت؛ يعني: وافق الصحراء بأنه خارج البيوت سواء كان قريباً أو بعيداً، ومعلوم أن سباطة القوم تكون قريبة من فناء القوم ومن دار القوم، والسباطة هي: محل الكناسة, أو هي: نفس الكناسة التي يخرجها أهل البيت ويضعونها في فناء دارهم، فأضيفت إليهم لإخراجهم إياها من بيوتهم، ولكونهم مختصين بها أضيفت إليهم إضافة اختصاص.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله أتى سباطة قوم فبال قائماً)
قوله: [ أخبرنا مؤمل بن هشام ].قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، وخرج له البخاري, وأبو داود, والنسائي . [ حدثنا إسماعيل ].هو: ابن علية؛ لأنه يروي عن شعبة ، فـإسماعيل هو: ابن علية ، وابن علية سبق أن عرفناه وأنه ثقة، وهو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو من الثقات, الأثبات، وهو من رجال الجماعة، ولا يلتبس بابنه إبراهيم ؛ لأن ابنه إبراهيم من المبتدعة, وهذا من أهل السنة، وكل منهما يقال له: ابن علية، فإذا جاء ذكر ابن علية في أمور مبتدعة، أو في ذكر أهل البدع، أو في ذكر الأمور الشاذة في المسائل الخلافية فالمراد به: الابن إبراهيم ، أما إذا ذكر في أمور محمودة، وذكر في الحديث، وفي رجال الحديث وكذلك ذكر في أهل السنة فالمراد به: الأب الذي هو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية .و إبراهيم بن إسماعيل ترجم له الذهبي في الميزان, وقال: جهمي هالك، وفي مسائل الفروع يأتي ذكر ابن علية أيضاً، ففي مسألة حكم الإجارة ابن رشد في بداية المجتهد قال: وخالف فيها ابن علية, والأصم، فخالف فيها ابن علية وقال: الإجارة لا تجوز، وهذا شذوذ، والذي قال هذه المقالة هو هذا الابن الجهمي الهالك، المشهور بـابن علية. والأصم هو: أبو بكر الأصم ، وهو أيضاً من أهل البدع, وعندما يأتي ذكر الأصم فالمراد به: أبو بكر .وهناك شخص مشهور بالاسم وهو أبو العباس من شيوخ الحاكم وهو من الثقات، فإذا جاء في شيوخ الحاكم الأصم فالمراد به: أبو العباس ، وإذا جاء في المبتدعة وفي أهل البدع من يقال له: الأصم، أو في المسائل الشاذة في مسائل الفقه، فالمراد به: أبو بكر ، وهو الذي أنكر الإجارة, وأنكر الشفعة أيضاً، وقال: الشفعة لا تجوز، حتى قال عنه بعض العلماء -ولا أدري من هو-: وأنكرها الأصم؛ لأنه عن فهمها أصم. حدثنا [ شعبة ].شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وصفه الثوري بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والثوري أيضاً من أمراء المؤمنين في الحديث، وهذه الصفة من أعلى صفات التعديل؛ لأن من أعلى صفات التعديل هذا الوصف: أمير المؤمنين في الحديث، أو إليه المنتهى في التثبت، أو غير ذلك من العبارات، ولـمحمد الحبيب الشنقيطي منظومة في أمراء المؤمنين في الحديث، نظمهم في منظومة قصيرة مطبوعة، ومنهم: شعبة , وسفيان الثوري ، وهو ثقة, ثبت, حافظ, حجة، وهو من أئمة الجرح والتعديل.[ عن سليمان ].سليمان هو: سليمان بن مهران الأعمش ، يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه كما مر بنا فيما مضى، فأحياناً يقال: سليمان ، وأحياناً يقال: الأعمش .[ عن أبي وائل ].أبو وائل هو: شقيق بن سلمة ، وشعبة من رجال الجماعة ، والأعمش من رجال الجماعة ، وأبو وائل من رجال الجماعة، وهو مخضرم كما سبق أن عرفنا ذلك، وأنه أدرك عشر سنوات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز وعمره مائة سنة؛ لأنه ولد في أول الهجرة ومات عند نهاية القرن الأول، فالقرن الأول هو مدة حياته، وهو مخضرم؛ أي: أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.[ عن حذيفة ].وحذيفة مر ذكره، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب السر رضي الله تعالى عنه.

حديث: (إن رسول الله أتى سباطة قوم فبال قائماً) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت أبا وائل يقول: إن حذيفة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً) ].هنا أتى النسائي بحديث حذيفة من طريق ثان، وهذا من الأبواب التي كرر فيها الحديث، وأتى فيها بأكثر من طريق، وكما قلت: الأكثر عنده أنه يأتي في الترجمة بحديث واحد، ولكنه في بعض المواضع يأتي بأكثر من حديث كما هنا، وكما سبق أن مر في الإبعاد عند قضاء الحاجة حيث ذكر حديثين: حديث عبد الرحمن بن أبي قراد ، وحديث المغيرة بن شعبة ، وهنا ذكر حديث حذيفة: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً ).قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].محمد بن بشار لقبه بندار ، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وروى عنه النسائي أيضاً بواسطة كما سبق أن ذكرت ذلك عند ذكر ترجمة يعقوب بن إبراهيم الدورقي أنه شيخ لأصحاب الكتب الستة, ومات سنة مائتين واثنين وخمسين، ويماثله في الوفاة في هذه السنة وفي كونهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن ، فكل من الثلاثة شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكل منهم مات في سنة مائتين واثنتين وخمسين.[ حدثنا محمد ].المقصود به محمد بن جعفر الذي هو: غندر ، ومحمد بن بشار يروي عنه كثيراً، ومحمد بن جعفر أيضاً يروي عن شعبة كثيراً، وهو شيخه هنا، وكل من الاثنين: محمد بن بشار وشيخه محمد بن جعفر من رجال أصحاب الكتب الستة، وهما أيضاً من الثقات.وبمناسبة ذكر محمد بن بشار البخاري لم يرو في صحيحه بلفظ المكاتبة عن شيخ من شيوخه إلا عن محمد بن بشار في موضع واحد، قال: كتب إلي محمد بن بشار. و محمد بن جعفر الملقب غندر ، مر بنا ذكره بلقب غندر ، وهنا جاء ذكره باسمه غير منسوب ولكنه واضح؛ لأن تلميذه محمد بن بشار وشيخه شعبة ، وهذا مكثر في الرواية عنه، وهذا أيضاً مكثر في الرواية عن شعبة .[ حدثنا شعبة ].أمير المؤمنين في الحديث، وهو من رجال الكتب الستة، فـمحمد بن بشار من رجال الكتب الستة، ومحمد بن جعفر من رجال الكتب الستة، وشعبة من رجال الكتب الستة.[ عن منصور ].هو: منصور بن المعتمر ، وهو ثقة, من رجال الكتب الستة، وهو قرين لـسليمان ، ولهذا في الحديث الذي سيأتي جاء ذكر الاثنين: منصور , وسليمان ، منصور الذي هو ابن المعتمر ، وسليمان الذي هو الأعمش ، بينما في الإسناد الأول ذكر سليمان ، وهذا الإسناد ذكر منصور ، وفي الإسناد الثالث ذكر الاثنين: سليمان بن مهران الأعمش ومنصور بن المعتمر وهما قرينان في طبقة واحدة.[ سمعت أبا وائل ].أبو وائل الذي عرفناه في الإسناد الأول.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21-02-2019, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(17)

- باب الرخصة في البول في الصحراء قائماً
- باب البول في البيت جالساً


حديث: (إن النبي مشى إلى سباطة قوم فبال قائماً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا سليمان بن عبيد الله حدثنا بهز حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى سباطة قوم فبال قائماً). قال سليمان في حديثه: ومسح على خفيه، ولم يذكر منصور المسح ].هنا ذكر النسائي الحديث من طريق ثالثة، رواها شعبة عن منصور بن المعتمر وسليمان بن مهران الأعمش ، فهنا قرنهما، ثم ذكر ما اتفقا عليه وهو: ( أن الرسول مشى إلى سباطة قوم فبال قائماً )، ثم ذكر أن سليمان الذي هو الأعمش عنده زيادة وهي: ( أنه توضأ ومسح على خفيه ), ولم يذكر منصور المسح، والإسناد كما عرفنا يلتقي بـشعبة ، وقبل شعبة سليمان بن عبيد الله .قوله: [ أخبرنا سليمان بن عبيد الله ].هو: سليمان بن عبيد الله بن عمرو الغيلاني، صدوق، روى له مسلم , والنسائي .[ حدثنا بهز ].هو: بهز بن أسد العمي، وهو من الثقات الأثبات، بل قال عنه الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت، وهذه من أقوى صيغ التعديل، وتعتبر في الطبقة الأولى من صيغ التعديل؛ لأنه يدل على المبالغة في الوصف، لم يقل: ثبت فقط, أو: ثقة ثبت، بل قال: إليه المنتهى في التثبت؛ يعني: أنه في القمة، لا يسأل عنه؛ لأنه وصل القمة في التثبت، وهو من رجال الجماعة.
البول في البيت جالساً

شرح حديث: (من حدثكم أن رسول الله بال قائماً فلا تصدقوه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ البول في البيت جالساً.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً ) ].ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: باب البول في البيت جالساً، وكأن هذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة: الرخصة في البول في الصحراء قائماً. وأورد حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (من حدثكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالساً)، وقيد الترجمة في البيت أو في البيوت؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها إنما بينت ما كان معروفاً من عادته، وهي تعلم عادته في البيت؛ لكن غيرها علم ما لم تعلم، وهو حذيفة، حيث كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ( فأتى إلى سباطة قوم فبال قائماً ) فـعائشة نفت على حسب علمها، وكذلك أيضاً كلامها يفيد الملازمة والمداومة.ومن المعلوم أن المعروف من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم، والغالب على فعله هو الجلوس عند قضاء الحاجة، لا في الصحراء ولا في البيوت؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يذهب إلى الصحراء ويبول جالساً، وكان يذهب إلى الخلاء، وأصحابه يذهبون معه, ويجلس ويقضي حاجته، ثم يأتي إليهم, ويتوضأ عليه الصلاة والسلام، وحذيفة رضي الله عنه وأرضاه رأى وشاهد هذه الحالة، فكلام عائشة محمول على ما تعلم، وعلى ما كان الغالب على عادته، ولهذا عبرت بـ (كان): (ما كان يبول إلا جالساً)، وما رواه حذيفة حالة نادرة, وحالة خاصة، وقد علم وشاهد ما شاهد، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحمل ما جاء عن عائشة على أنه مبني على المعروف من عادته، وعلى ما يكون في البيوت، وأما بالنسبة للبول قائماً، فعلى ما كان نادراً من فعله وفي خارج البيت، ولهذا بوب في البول في الصحراء قائماً: الرخصة في البول في الصحراء قائماً، وهنا قال: البول في البيت, أو في البيوت جالساً.
تراجم رجال إسناد حديث: (من حدثكم أن رسول الله بال قائماً فلا تصدقوه...)
قوله: [ أخبرنا علي بن حجر ].هو: السعدي الذي سبق أن مر ذكره كثيراً، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم.وبالمناسبة: معرفة الرجال تثبت في الأذهان، عندما يتكرر ذكرهم, ويعرف حالهم, وما قيل فيهم، ويتكرر أن هذا في طبقة شيوخ النسائي, وشيوخ مسلم، وهذا في زمن متقدم، وهذا في طبقة التابعين، فعندما تتكرر الأسماء على الإنسان تثبت في ذهنه, وتعلق في ذهنه، ويعرف أن هذا متقدم, وهذا متأخر، وعلي بن حجر جاء ذكره كثيراً عند النسائي، وأكثر عنه مسلم في الرواية.[ أخبرنا شريك ].هو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، تكلم في حفظه لما ولي القضاء، وساء حفظه.[ عن المقدام بن شريح ].و المقدام روى له البخاري تعليقاً، ومسلم والأربعة؛ لكن مسلم روى له متابعة.والحديث ليس ضعيفاً، فالحديث صحيح، وإلى الآن ما أتينا إلى أول حديث ضعيف عند النسائي، فكل ما مضى صحيح. وبالمناسبة: إذا قيست الأحاديث الضعيفة نجد أنها قليلة، وفي هذا المجلد الذي معنا ألف ومائة وسبعة وسبعون حديثاً، وإذا رجعت إلى كتاب الألباني صحيح سنن النسائي في هذا المقدار تجد الضعيف خمسين حديثاً في المجلد بأكمله. إذاً: فالأحاديث الضعيفة قليلة.والمقدام بن شريح بن هانئ سبق أن مر بنا هو وأبوه، وكل منهما يروي عن عائشة، فالحديث الذي مر بنا عن عائشة من طريق المقدام عن أبيه شريح، وشريح يروي عن عائشة، يقول: (سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل عند دخوله البيت؟ قالت: كان يبدأ بالسواك)، فالذي سألها شريح بن هانئ، وكل من الاثنين روى له مسلم , والبخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن عائشة].عائشة هي أم المؤمنين، وقد عرفنا فيما مضى أنها أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 21-02-2019, 05:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(18)

باب البول إلى سترة يستتر بها - باب التنزه عن البول


من آداب قضاء الحاجة ألا يبول الإنسان إلا إلى سترة، ويجب عليه أن يتنزه من البول لئلا يصيبه منه شيء، فعامة عذاب القبر بسببه.
البول إلى سترة يستتر بها

شرح حديث عبد الرحمن بن حسنة في بول النبي إلى سترة

قال المصنف رحمه الله: [ باب البول إلى سترة يستتر بها.أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كهيئة الدرقة، فوضعها ثم جلس فبال إليها، فقال بعض القوم: انظروا يبول كما تبول المرأة، فسمعه فقال: أوما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره)].يقول الامام النسائي رحمه الله: باب: البول إلى سترة يستتر بها. هذه التراجم معقودة لبيان أن الإنسان إذا كان في غير البيوت، وفي غير الأماكن المخصصة لقضاء الحاجة، أنه يستتر بشيء، مثل: مكان مرتفع, أو حصاة كبيرة, أو مكان منخفض، إذا نزل فيه استتر عن الناس، أو شجرة من الأشجار الكثيرة التي ليس لها ظل, والتي لا يتأذى الناس بقضاء الحاجة تحتها، أو بشيء يكون معه كما في الحديث الذي أورده المصنف؛ لأنه استتر بشيء معه كهيئة الدرقة، وهي: الترس، وهي تتخذ من الجلود.يقول النسائي رحمه الله: أخبرنا هناد بن السري بإسناده إلى عبد الرحمن بن حسنة قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه كهيئة الدرقة، فوضعها أمامه وبال إليها). يعني: جعلها سترة له. وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في باب الاستتار، أنه إذا بال الرجل يتخذ سترة يستتر بها عند البول، وكونه معه مثل هيئة الدرقة، فوضعها وبال إليها، يعني: اتخذها سترة، فهذا يدلنا على أن الإنسان يتخذ سترة تستره عن الناس، حتى لا يراه أحد وهو يقضي حاجته، وقد كشف عورته. وكما قلت: الاستتار يكون إما بشجرة لا يتأذى بقضاء الحاجة في ظلها إذا كان لها ظل، أو تكون شجرة ليست عالية ولا يستظل بها، أو يكون بحصاة كبيرة، أو منخفضاً من الأرض، أو تلاً مرتفعاً، فيكون أمامه حتى إذا مر أحد لا يراه، وهذا هو المقصود من التراجم.والفائد� � من ذلك كما هو معلوم: عدم تعرض الإنسان لأن يرى عورته ممن مر أو اجتاز أو جاء من أمامه، فيمنعه ذلك الساتر الذي اتخذه, أو يكون معه شيء كما في الحديث الذي معنا، حيث اتخذ النبي عليه الصلاة والسلام سترة كهيئة الدرقة، وهو مصنوع من جلد، ونصبه أمامه واستتر به، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله في الحديث: (فقال بعض القوم: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أو ما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟). يعني: ما أصاب صاحب بني إسرائيل من العذاب، أي: ما حصل له، و(صاحب) يجوز فيه الرفع ويجوز النصب، أصاب صاحب -بالنصب- بني إسرائيل، يعني: من العذاب، فيكون الفاعل محذوفاً، وهو العذاب الذي جاء بيانه في آخر الحديث، ثم بين عليه الصلاة والسلام ما حصل لصاحب بني إسرائيل، أنهم كانوا إذا أصابهم شيء من النجاسات قرضوه بمقاريض، وهذا من الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، فإنهم حصل لهم تكاليف أشد مما حصل لنا، فنهاهم أن يفعلوا هذا الفعل الذي جاء في شرعهم, فعذب في قبره.وقد قيل: إن هذا الرجل الذي قال هذه المقالة منافق، وقيل: إنه ليس بمنافق وإنما هو مؤمن، ولكنه قال ذلك تعجباً من شيء حصل على خلاف ما ألفوه واعتادوه في الجاهلية من كونهم يبولون قائمين، وكونهم لا يعرفون هذه العادة، وهي غريبة عليهم فتعجبوا، وقد جاء في بعض الطرق في سنن أبي داود: فقلنا، بإضافة القول إليهم، وهذا يدل على أنه ليس بمنافق، ولا معترض على شرع الله، ولكنه حصل شيء غير مألوف لهم في الجاهلية أن يروا الرجل يبول جالساً، بل المألوف أن المرأة هي التي تبول وهي جالسة، فقال هذه المقالة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أو ما علم)، يعني: أن مثل هذا الكلام وإن كان لم يصدر من منافق معترض على شرع الله، وإنما حصل للتعجب من شيء على خلاف ما ألفوه، وعلى خلاف ما اعتادوه؛ ففي ذلك تنبيه على خطورة مثل هذا الكلام، وإن كان صاحبه لا يريد الاعتراض على شرع الله عز وجل، وإن كان قد قاله لكونه على خلاف العادة، فإن العادات وما ألفه الناس يطرح عندما تأتي السنة، وعندما تأتي الشريعة؛ لأن الشريعة كما هو معلوم قد جاءت ناقلة عن أشياء كانوا عليها في الجاهلية، وجاءت مقررة لأشياء كانوا عليها في الجاهلية، ولا يعترض على الشرع.وفي الحديث ما حصل لهذه الأمة من التخفيف عليها، وقد جاء في القرآن في آخر سورة البقرة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286]، وفي كل منها يقول الله: (قد أجبت)، يعني: أنه قد غفر وأنه قد أجاب هذه الدعوة، ولن تحصل هذه الأشياء التي كانت على من قبلنا،حيث كانوا يقرضون النجاسة بالمقاريض، ولا يغسلونها! أما نحن فبحمد الله يسر الله لنا، فيكفي أن نغسل النجاسات بالماء.
إثبات عذاب القبر

ثم أيضاً يدل على إثبات عذاب القبر ما جاء به القرآن، وجاءت به السنة في أحاديث كثيرة، منها: هذا الحديث، ومنها: الحديث الذي بعد هذا، وهو حديث صاحبي القبرين اللذين قال النبي عليه الصلاة والسلام عنهما: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول).وفي السنة أيضاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، وكذلك جاء في الحديث: أن الإنسان في قبره عندما يعذب، يصرخ وتخرج منه صيحة يفزع لها كل من كان على وجه الأرض، حتى الحيوانات نفسها تسمع ما يجري في القبور، فالله تعالى أطلعها على ذلك؛ لأنها غير مكلفة، أما الجن والإنس فهم مكلفون، فحجب الله ذلك عنهم حتى يبقى من علوم الغيب, يتميز به من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن، من يصدق ومن لا يصدق؛ لأنه لو انكشف الغيب لما حصل المراد من بيان من يكون من أولياء الله، ومن يكون من أعداء الله، فمن الناس من لا يؤمن إلا بشيء يشاهده ويعاينه، ومن الناس بمجرد ما يسمع الخبر عن الله وعن رسوله يقول: آمنا وصدقنا، ومن المعلوم أن من معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تصديقه فيما أخبر، فكل ما جاء عنه من خبر فالواجب التصديق، ولا تقاس أمور البرزخ وأمور القيامة على أمور الدنيا، فكل ما جاء في الكتاب وصح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب التصديق به، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فكل هذه نصوص دالة على عذاب القبر.وجاء في القرآن إثبات عذاب القبر في قصة آل فرعون، كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فقوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، معناه: قبل قيام الساعة، وقبل البعث، فإذا قامت الساعة وحصل البعث فإنهم ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، وفي هذا إثبات لعذاب القبر، وأن الكفار يعذبون في قبورهم. قوله عليه الصلاة والسلام: ( أو ما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض، فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره ).المقصود من التمثيل: أن صاحب بني إسرائيل نهاهم عن الأمر بالمعروف في شريعتهم، وهو كونهم يقرضون ذلك بالمقاريض، فعذب في قبره؛ لأنه حصل منه النهي عن فعل ما أُمروا به والذي في الحديث وإن كان لم يعترض على شرع الله، وإنما حصل ذلك له لكونه على خلاف شيء معتاد, فقال ما قال، لكن الواجب هو الحذر من مثل ذلك، وإذا وجد شيء في الشرع مخالف لما عليه العادة، فلا يكون هناك ما يستغرب؛ لأن الشريعة ناقلة للناس عما كانوا عليه، ومقرة لبعض ما كانوا عليه. أما ناقلة لبعض ما كانوا عليه، فمثل: ما حرمت من أشياء كثيرة كانت موجودة في الجاهلية، وأمّا ما أقرت فمثل: بيع المضاربة, فقد كان موجوداً في الجاهلية، فأقره الإسلام, وأجمع المسلمون عليه، ومثل: وجود الولي في الزواج، وأن الزوج يأتي إلى الولي ويخطب البنت منه، فهذه من الأشياء التي كانت في الجاهلية فأقرها الإسلام.فإذا كان الأمر على خلاف العادة، فإنه لا ينبغي إظهار مثل هذا الشيء الذي قد حصل؛ لأنه قد يؤول الأمر بالإنسان إلى محذور، فيحصل له مثل ما حصل لصاحب بني إسرائيل, الذي أشار إليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث عبد الرحمن بن حسنة في بول النبي إلى سترة

قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].سبق أن مر بنا، وهو كوفي ثقة، روى له مسلم , والأربعة , والبخاري في خلق أفعال العباد كما ذكرنا ذلك فيما مضى. وهناد بن السري كنيته أبو السري، فكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، يعني: اسم أبيه متفق مع الكنية، والفائدة من هذا النوع هي حتى لا يظن التصحيف، فإنه إذا كان معروفاً بالنسبة فتركت النسبة وجيء بالكنية؛ فالذي لا يعرفه يظن أن هذا تصحيف، ويظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، فلو جاء في بعض الأسانيد: حدثنا هناد أبو السري، فالذي لا يدري أن كنيته أبو السري، ويعرف أن اسمه هناد بن السري فسيقول: أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، فتكون خطأ, فتحذف ويجعل مكانها: (ابن) ، لكن الذي يعلم أن هذا الراوي قد وافقت كنيته اسم أبيه لا يلتبس عليه هذا، فإن جاء هناد بن السري فهو صواب، وإن جاء هناد أبو السري فهو صواب أيضاً؛ لأنه ابن السري وأبو السري، فهذا النوع من أنواع علوم الحديث ينصون عليه، وأنواع علوم الحديث كثيرة، وابن الصلاح في المقدمة جمع منها شيئاً كثيراً، والذين جاءوا بعده أضافوا إضافات ما ذكرها ابن الصلاح، وكلها من أنواع علوم الحديث.[ عن أبي معاوية].هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، محمد بن خازم بالخاء والزاي، وهو كوفي, ومن رجال الجماعة، وهو ثقة، وقيل: إنه أثبت الناس في حديث الأعمش، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، وهنا الكنية فقط، أبو معاوية، ويأتي في بعض الأسانيد: حدثنا محمد بن خازم، ومعرفة الكنى هي من أنواع علوم الحديث، وفائدتها كما ذكرنا سابقاً: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا جاء مرة بالاسم ومرة بالكنية فيقال: هذا غير هذا، فالذي يعرف أن هذا كنيته كذا، يعلم أنه جاء مرة بالكنية ومرة بالاسم، ولا يلتبس عليه، فهو شخص واحد، مرة جاء باسمه ومرة جاء بكنيته، وأبو معاوية كوفي، كما أن تلميذه هناد بن السري كوفي أيضاً.[ عن الأعمش ].الأعمش كما مر بنا في مواضع هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو كوفي أيضاً، فكل الثلاثة من الكوفة، والأعمش مشهور باسمه ومشهور بلقبه، يأتي في بعض المواضع: سليمان, كما مر بنا، ويأتي في بعض المواضع: الأعمش، ومعرفة الألقاب للمحدثين فائدتها: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا جاء مرة الأعمش، ومرة سليمان بن مهران, فالذي لا يعرف أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش فإنه يظن أن الأعمش ليس سليمان بن مهران.[ عن زيد بن وهب ].زيد بن وهب هذا تابعي, مخضرم، وهو ثقة جليل, كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وهو من رجال الجماعة، ومعنى هذا أن عندنا في الإسناد بعد هناد : أبو معاوية ثم الأعمش ثم زيد بن وهب، فهؤلاء من رجال الجماعة، أما الأول فمن رجال الجماعة إلا البخاري؛ فإنه لم يرو له في الصحيح، وإنما خرج له في كتاب خلق أفعال العباد.أما عبد الرحمن بن حسنة الصحابي، فهو لم يخرج له أصحاب الكتب الستة إلا هذا الحديث, خرجه النسائي , وأبو داود ، وابن ماجه . ومثله عبد الرحمن بن أبي قراد الذي مر بنا قريباً، والذي يروي عنه شريح بن هانئ، الذي روى عن عائشة أنه سألها: (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل المنزل؟ قالت: بالسواك)، ليس له إلا ذلك الحديث الواحد، فهو مقل.
التنزه عن البول
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 23-02-2019, 06:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(19)

- باب البول في الإناء - باب البول في الطست

ينبغي للإنسان أن يتحرز من البول قدر استطاعته، فإذا كان يشق عليه أن يذهب لقضاء حاجته في مكان مناسب فإنه بإمكانه أن يبول في طست ونحوه، فهو أدعى للمحافظة على الطهارة والنظافة.
البول في الإناء

شرح حديث: (كان للنبي قدح من عيدان يبول فيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب البول في الإناء.أخبرنا أيوب بن محمد الوزان حدثنا حجاج قال ابن جريج: أخبرتني حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير) ].يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب البول في الإناء، أي: عند الحاجة إلى ذلك، وقد أورد في هذه الترجمة حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير)، وجاء في سنن أبي داود: ( أن ذلك كان بالليل ).وفي الحديث: جواز مثل ذلك عند الحاجة، وفيه اتخاذ السرير؛ لأنه هنا قال: (يضعه تحت السرير)، ففيه اتخاذ الأسرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ السرير، وجاء ذلك في أحاديث غير هذا الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان للنبي قدح من عيدان يبول فيه...)

قوله: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان].هذا أحد الثقات، خرج له أبو داود, والنسائي, وابن ماجه , وأيوب بن محمد الوزان يروي عن شيخه أزهر.قوله: [حدثنا حجاج].حجاج جاء ذكره هنا غير منسوب، وفي المصطلح إذا جاء الرجل غير منسوب, يسمى هذا النوع من أنواع علوم الحديث: المهمل؛ يعني: مهمل من النسبة، وهو غير المبهم؛ لأن المبهم مثل إذا قيل: رجل, أو: عن رجل، هذا يقال له: مبهم، وأما إذا سمي ولم ينسب, فهذا يقال له: مهمل، والمهمل يحتاج إلى معرفته لا سيما إذا كان هناك من يماثله، ومن يسمى بهذا الاسم حجاج. وعند النسائي وعند غيره عدد يقال لهم: حجاج، وهم في طبقات مختلفة، وفيهم من هو في هذه الطبقة، لكن الطريق إلى معرفة الرجل المهمل، ومعرفة نسبته وتمييزه عن غيره ممن يشاركونه في الاسم بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، معرفة كونه روى عنه فلان الفلاني، وروى هو عن فلان، وفي ترجمة تلميذه الذي روى عنه, وهو أيوب بن محمد الوزان، ذكر أنه روى عن حجاج بن محمد المصيصي، وعلى هذا فقد تعين هذا المهمل، وكذلك في ترجمة ابن جريج ذكروا في ترجمته أنه روى عنه حجاج بن محمد المصيصي، وما ذكروا في ترجمته من اسمه حجاج ممن روى عنه إلا حجاج بن محمد المصيصي، وعلى هذا فقد عرف هذا المهمل واتضح بمعرفة الشيوخ والتلاميذ.و حجاج بن محمد المصيصي من رجال الجماعة، وهو من الثقات الأثبات.وبالمناسبة: سبق أن مر في الحديث السابع عشر؛ وهو حديث المغيرة بن شعبة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد)، والذي قال فيه هناك: إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ، ويروي عن محمد بن عمرو، ومحمد بن عمرو يوجد في طبقة واحدة اثنان: محمد بن عمرو بن حلحلة, ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وسبق أن قلت لكم: إنه ابن حلحلة ؛ لأنه في ترجمة إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، قيل: إنه يروي عن محمد بن عمرو بن حلحلة، وعن محمد بن عمرو بن علقمة، ولكن في ترجمة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه روى عنه محمد بن عمرو بن علقمة، وما ذكر في تلاميذه محمد بن عمرو بن حلحلة، فإذاً: يكون محمد بن عمرو بن علقمة وليس محمد بن عمرو بن حلحلة؛ لأنه ما ذكر في تهذيب الكمال من تلاميذ أبي سلمة بن عبد الرحمن: محمد بن عمرو بن حلحلة، وإنما ذكر محمد بن عمرو بن علقمة، ومحمد بن عمرو بن حلحلة كما عرفنا سابقاً هو ثقة، وأما محمد بن عمرو بن علقمة فهذا قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق له أوهام، وقد خرج أحاديثه الجماعة أصحاب الكتب الستة. قلت هذا بمناسبة الكلام على حجاج بن محمد المصيصي.[ قال ابن جريج ].هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وهو ثقة.[ أخبرتني حكيمة بنت أميمة ].هي حكيمة بنت أميمة، تروي عن أمها أميمة بنت رقيقة، وهذه الأسماء الثلاثة كلها مصغرة، كلها على صيغة فعيلة: حكيمة , وأميمة , ورقيقة، كلها على صيغة واحدة, وعلى صيغة فعيلة.أما حكيمة بنت أميمة التي يروي عنها ابن جريج، فقد روى لها أبو داود , والنسائي. والحافظ في التقريب في ترجمتها قال: لا تعرف، وفي تهذيب التهذيب ذكر أن ابن حبان أوردها في كتابه الثقات، وجاء أيضاً أن ابن حبان خرج حديثها في صحيحه، لكن ابن حبان كما هو معلوم من طريقته في الثقات أنه قد يذكر في الثقات من يذكره في الضعفاء، ولهذا فإن توثيقه وحده فيه نظر عند بعض العلماء، وإن كان بعضهم يعتبره.أما أمها أميمة فهي صحابية، والصحابة كما هو معلوم لا يسأل عنهم، ولا يحتاج إلى معرفتهم، بل الرجل المبهم, أو المرأة المبهمة إذا ذكر أنه من الصحابة فذلك كاف في قبول حديثه؛ لأن الصحابة لا يسأل عن عدالتهم وعن توثيقهم؛ لأن الله تعالى عدلهم، وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين بعد ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليهم، وغيرهم هم الذين يحتاجون إلى التوثيق والتعديل والتجريح، وأما الصحابي فيكفيه نبلاً وشرفاً وفضلاً أن يوصف بأنه صحابي.والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود, وفي صحيح النسائي، وقال عنه: حسن صحيح ، ولا أدري وجه حكمه عليه بالصحة، هل هو لكونه له طرق وشواهد أخرى لا ندري عنها أو أنه اعتبر توثيق ابن حبان؟!وهذه أول شخص يمر بنا في سنن النسائي, يقال: إنه لا يعرف، ويقال فيه: إنه مجهول.
البول في الطست

شرح حديث عائشة في البول في الطست

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ البول في الطست.أخبرنا عمرو بن علي أخبرنا أزهر أخبرنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي، لقد دعا بالطست ليبول فيها, فانخنثت نفسه وما أشعر، فإلى من أوصى؟).أزهر هو: ابن سعد السمان ].هنا أورد النسائي هذا الباب، وهو: باب البول في الطست، والطست: إناء، وجاء حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المرض الذي توفي النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه دعا بالطست ليبول فيه، وأنها انخنثت نفسه؛ بمعنى: أنه ارتخى وحصل الموت وما تشعر بأنه مات؛ يعني: رأت حصول الارتخاء في جسده، وخرجت نفسه عليه الصلاة والسلام وهو على صدرها، ومقصودها من هذا: أنها كانت على علم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وأنها لا يخفى عليها شيء من أحواله في مرضه، وقد قالت هذا الكلام بمناسبة أنها سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لـعلي، وذلك بعدما وجد الشيعة والمتشيعون، ووجد منهم الكلام، ومن المعلوم أن هذا حصل في زمن علي، ومعلوم أن عائشة رضي الله عنها عاشت بعد علي مدة طويلة، وعلي توفي سنة أربعين، وهي عاشت بعده ما يقرب من ثمانية عشرة سنة، فمعنى ذلك: أنه وجد في ذلك الزمان الشيعة، فهي لما سمعت أنه أوصى لـعلي، ولعل ذلك كان في مرض موته؛ بينت الحالة التي كان عليها في مرض موته، وأنها كانت على علم به، وأنها كانت ملازمة له، وأنه في الوقت الذي خرجت روحه كان على صدرها، وأنه دعا بالطست ليبول فيه، فانخنثت نفسه؛ أي: ارتخت أعضاؤه بسبب الموت, وما تشعر أنه مات، كما جاء في بعض الروايات: ( وما أشعر أنه مات )، قالت: فمتى أوصى؟! وكيف أوصى؟! تنكر على هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة. ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما أوصى لا لـأبي بكر ولا لـعلي ولا لغيرهما، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على هذا، مثل ما جاء في حديث عمر في قصة وفاته لما قيل له: استخلف، قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني؛ يعني: أبا بكر، وإن لم أستخلف فلم يستخلف من هو خير؛ يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالرسول لم يستخلف؛ يعني: ما عين أحداً بالاسم، ولم يقل: فلان الخليفة بعدي، ولكنه جاء عنه ألفاظ، وأمور مشعرة وموضحة بأن الأحق بالأمر من بعده أبو بكر، بل قد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـعائشة: (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب له كتاباً فإني أخشى أن يقول قائل أو يتمنى متمن، ثم قال: ويأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر )؛ يعني: ما أنا بحاجة إلى الكتاب، فالمسلمون سيجتمعون على خيرهم، ولا يحتاج الأمر إلى كتاب.فهذه إشارة واضحة جلية بأن الله تعالى قدر بأنهم سيجتمعون على هذا الرجل، وأنه يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ولم يقل: الخليفة بعدي أبو بكر، ولكنه جاء عنه شيء يدل على أنه الأولى، وأن هذا الأمر سيتم برضا من المسلمين، وباتجاه من المسلمين، وباجتماع من المسلمين عليه دون أن يكون هناك نص؛ لأنه لو كان هناك نص فليس هناك مجال للرأي ولا للاختيار، لكن لما لم يكن هناك نص، فالمسلمون سيجتمعون على خيرهم؛ فمعنى هذا: أنه برضا وباتجاه منهم، وبرغبة منهم.وكذلك في مرض موته عليه الصلاة والسلام أمر أبا بكر بأن يصلي بالناس، ولما راجعت حفصة, وعائشة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، ولهذا اعتبروا هذا دليلاً وإشارة قوية إلى أنه الأحق من بعده بالأمر، ولهذا قال له عمر: (رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟!).وكذلك أيضاً ما جاء عنه في مرض موته، وقبل أن يموت بخمس، كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -خمس ليال فقط- يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك).فكونه صلى الله عليه وسلم قال هذه المقالة في حق أبي بكر قبل أن يموت بخمس، هذا فيه إشارة إلى أنه الأولى من بعده بالأمر.وكذلك الحديث الذي فيه: ( أنها جاءته امرأة وواعدها أن تأتيه، فقالت: يا رسول الله! أرأيت إن جئتك فلم أجدك؟ تريد: الموت. فقال: ائتي أبا بكر ).والحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر )، كل هذه أدلة، لكن ليس هناك نص يقول: الخليفة بعدي فلان بن فلان، ولما وجد من يقول هذه المقالة من الشيعة في زمن الصحابة، وأن هذا حصل في مرض الموت، قالت: كيف هذا والرسول صلى الله عليه وسلم دعا بالطست ليبول فيه في مرضه، فانخنثت نفسه فما أشعر؛ يعني: ما أشعر أنه مات، وقد مات بهذا الانخناث، وهو ارتخاء الأعضاء، فمات عليه الصلاة والسلام فمتى أوصى؟! وكيف أوصى؟! ومعناه أنه لم يحصل شيء من ذلك.ثم أيضاً من ما يدل دلالة واضحة: أن علياً رضي الله عنه وأرضاه ما قال: إنني صاحب الأمر، وأن الرسول أوصى إلي، وما أظهر هذا للناس، وما قال هذا للناس، ولما تولى الخلافة ما قال: إنني أنا كنت وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما حصل لي ما أستحق إلا الآن، وقبل ذلك أخذ مني، ولم تنفذ وصية رسول الله.ثم أيضاً الرافضة الذين قالوا هذا الكلام في حق علي, هم ذموه من حيث أرادوا أن يثنوا عليه؛ لأنهم وصفوه بأنه غير شجاع، مع أنه معروف بالشجاعة والقوة، ووجه ذلك: أنه سكت وما تكلم، وما طالب بحقه، وما أظهر وصيته، وما قال: إنني أنا الوصي، فكيف تولون غيري؟ فهل الرجل الشجاع المعروف بشجاعته وقوته، وأنه لا تأخذه في الحق لومة لائم يسكت عن شيء أعطاه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هذا فيه ذم لـعلي رضي الله عنه من الرافضة؛ لأنه لو كان هناك شيء من ذلك لطالب به ولم يسكت.وفي وقت اجتماع السقيفة لما ذهبوا يتفاوضون -الأنصار والمهاجرون- ما قال أحد منهم: ليس هناك حاجة للكلام، الرسول وصى لـعلي.فكل هذه أدلة تدل على بطلان هذا الكلام الذي يقوله الرافضة في حق علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.المقصود من الحديث: ذكر الطست، وأنه كان يريد أن يبول فيه لمرضه، وهذا هو المقصود من إيراد النسائي الحديث في: باب البول في الطست.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في البول في الطست

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ]. هو: الفلاس, الذي مر ذكره في مرات عديدة، ومعرفة الرجال بالمناسبة تحصل بالتكرر، كونه يتكرر الإنسان مثل: عمرو بن علي الفلاس مر بنا كثيراً؛ يعني: ما أخذنا إلا تقريباً ثلاثين حديث ومع ذلك جاء ذكره في عدة مواضع، وكلها يقول فيها النسائي: حدثنا عمرو بن علي؛ يعني معناه: أنه من طبقة النسائي، وكذلك هو من شيوخ البخاري، وهو من رجال الجماعة، وهو من الأئمة النقاد، وهو من أئمة الجرح والتعديل.[ أخبرنا أزهر ].أزهر هاهنا غير منسوب، لكن نسبه النسائي في آخر الحديث قال: قال الشيخ، وهذه العبارة في الغالب أنها من تلاميذ النسائي.قال الشيخ: أزهر هو: ابن سعد السمان؛ لأن أزهر مهمل غير منسوب، فـالنسائي في آخر الحديث نسبه مثلما فعل في حديث السابع عشر -الذي أشرت إليه قبل قليل- حيث قال: إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ، فرجل مهمل نسبه، فهذه إحدى الطرق التي يوضح بها الشخص: إما يذكر في آخر الحديث، أو في أوله، لكن يقول: هو ابن فلان، إذا أتى به في الإسناد فيحتاج إلى أن يقول من دون التلميذ: هو ابن فلان، لا يصلح أن يقول: فلان بن فلان، والتلميذ ما قال هذا الكلام.فهنا طريقتان: إحداهما: أن يؤتى بالتوضيح في السند، لكنه يؤتى به (هو) أو بكلمة: هو ابن فلان, أو فلان بن فلان. الطريقة الثانية: بعدما ينتهي الحديث يقول فيه مثلاً المصنف: فلان هو ابن فلان، كما فعل النسائي هنا.وأزهر بن سعد السمان هذا من الثقات، وهو بصري، وخرج له أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه .[ أخبرنا ابن عون ].هو: عبد الله بن عون البصري أبو عون، كنيته أبو عون، وهذه مثل ما سبق أن ذكرت في هناد بن السري أن كنيته أبو السري، فهو نوع من أنواع علوم الحديث التي ذكرها ابن الصلاح، وهي أن منها: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وذكرتُ أن فائدة معرفة ذلك: حتى لا يظن التصحيف. فمثلاً: هناد بن السري لو جاء في بعض المواضع: حدثنا هناد أبو السري فالذي لا يدري أن كنيته أبو السري يقول: (ابن) صحفت إلى (أبو) لكن الذي يعرف أن كنيته أبو السري، وأبوه اسمه السري إن جاء ابن السري صواب، وإن جاء أبو السري صواب، والذي لا يعرف هذا يظن أن الموضع الآخر تصحيف، فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري، لو جاء في بعض المواضع: حدثنا هناد أبو السري، قال: (أبو) هذه غلط مصحفة عن (ابن). فمثله ابن عون، هو أبو عون، وافقت كنيته اسم أبيه، وهذه فائدة هذا النوع من أنواع علوم الحديث.وعبد الله بن عون بصري، وهو من الثقات الأثبات، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
ترجمة إبراهيم والأسود النخعيان

قوله: [ عن إبراهيم ].إبراهيم هذا يروي عن الأسود، وإبراهيم هو: ابن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الفقيه, المشهور, الثقة, الحافظ، مشهور بالفقه، ومشهور بالحديث، ولم ينسب، وإن وجد من يوافقه؛ لأنه معروف بالرواية عن الأسود، وهو ابن أخته؛ لأن الأسود الذي هو شيخه خاله، فـإبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي يروي عن خاله الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وإبراهيم من الثقات, ومن الفقهاء المعروفين بالفقه.
أول من أتى باصطلاح: (ما لا نفس له سائلة)

ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) فائدة تتعلق بـإبراهيم النخعي وفقهه؛ فمن المعلوم أن الفقهاء عندما يأتي ذكر الحيوانات التي ليس فيها دم يعبرون عنها: بما لا نفس له سائلة؛ يعني: ليس فيه دم، مثل الذباب والجراد وغيرها من الأشياء التي ليس فيها دم، فيعبرون عنها: ما لا نفس له سائلة، لا ينجس الماء إذا مات فيه، ويأتون بذلك عند حديث غمس الذباب الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء).واستنبطوا من هذا: أن الذباب قد يكون الماء حاراً، وإذا غمس يموت الذباب، والذباب لا دم له، فإذاً: لا ينجس الماء؛ لأن الرسول أرشد إلى استعماله، وأنه لا يراق ويشرب؛ يعني: أنه يغمس, والمقصود من الغمس: الإصلاح، حتى ما إن يضع الداء يأتي الدواء حتى يقضي على الداء؛ (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)، فيذكرون عند هذا هذه الفائدة.ابن القيم قال عن إبراهيم النخعي، قال: وأول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة: إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء؛ يعني: هذا التعبير عن الجراد والذباب وغيرها مما لا دم فيه بأنه يقال فيه: ما لا نفس له سائلة، أول من عبر هذا التعبير: إبراهيم النخعي.وبعض الناس يقول: إن هذا حديث -أي: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه- بل ابن القيم نفسه وقع فيه في كتاب (الروح)؛ لأنه لما جاء عند ذكر الروح والنفس والفرق بينهما، وهل الروح هي النفس، والنفس هي الروح؟ قال: إن الروح تطلق على النفس، وتطلق إطلاقات أخرى.والمقصود بالروح والنفس هي: هذا الجسم الذي يكون في الإنسان فتكون به الحياة، وإذا قبض مات، يقال له: روح إذا له نفس، قال: خرجت روحه وخرجت نفسه، لكن كلمة النفس تأتي لمعاني أخرى لا تأتي لها الروح، ومن ذلك: الدم؛ لأنه يقال للدم: نفس ولا يقال له: روح.والروح تأتي لمعاني أخرى مثل: الوحي ومثل كذا، وهي لا تطلق عليها النفس، فلما ذكر النفس قال: وفي الحديث: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إن مات فيه. هذا في كتاب الروح، فالوصف الذي قاله في كتاب (زاد المعاد): أول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة: إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وهذا يستدل به على أن تأليفه لكتاب الروح متقدم، وقبل أن يكون عنده التمكن من التحقيق الذي هو معروف عنه؛ لأن كتاب (الروح) فيه أشياء غريبة على ابن القيم، والكلام موجود في كتاب الروح، فكونه يذكر في كتاب الروح أن هذا حديث، وفي كتاب زاد المعاد يقول: إنه من أوليات إبراهيم النخعي، وأنه أول من عبر بهذه العبارة، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، هذا يدل على أن كتاب (الروح) متقدم، وأنه فيه أشياء تدل على كونه في بداية التأليف، وبداية الاشتغال بالتأليف، فتكون الكتب الأخرى التي فيها التحقيق مثل: كتاب (زاد المعاد) وغيره تختلف؛ لأن ذاك لا شك أنها خطأ، لأنه لا يوجد حديث: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات.. لا وجود لهذا الحديث أصلاً، وهو نفسه قال: إن هذا من أوليات إبراهيم النخعي، وإبراهيم النخعي مات بعد التسعين بقليل.الحاصل أن إبراهيم النخعي هذا فقيه, وهو كوفي، كما أن خاله الأسود كوفي، وهو من رجال الجماعة، وهو محدث فقيه، ثقة حافظ.[ عن الأسود ].هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي, وهو خال إبراهيم كما ذكرت، وهو من المخضرمين، ومن كبار التابعين، ومعلوم أن المخضرمين هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومنهم: قيس بن أبي حازم الذي يقال: إنه اتفق له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، فـالأسود بن يزيد هذا من المخضرمين، وهو ثقة فقيه, من رجال الجماعة.قوله: [ عن عائشة ].هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في قوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة ويليه ابن عمروأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23-02-2019, 06:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(20)

- (باب كراهية البول في الجحر) إلى (باب السلام على من يبول)

من آداب قضاء الحاجة ألا يقضي الإنسان حاجته في جحر أو في ماء راكد، أو مستحم، ولا يسلم على غيره، ولا يرد السلام.

كراهية البول في الجحر

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الجحر...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كراهية البول في الجحر.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الجحر. قالوا لـقتادة: وما يكره من البول في الجحر؟ -يعني: ما سبب الكراهة- قال: يقال: إنها مساكن الجن) ].يقول الإمام النسائي رحمه الله تعالى: كراهية البول في الجحر، وأورد فيه حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الجحر. قيل لقتادة -وهو راوي الحديث عن عبد الله بن سرجس - : وما يكره من البول في الجحر؟ -يعني: ما سبب الكراهية؟- قال: يقال: إنها مساكن الجن).هذا الحديث أورده النسائي تحت هذه الترجمة, وهي قوله: كراهية البول في الجحر، ومن المعروف أن التراجم التي مضت يصرح فيها النسائي بلفظ النهي: النهي عن كذا، وهنا في هذه الترجمة قال: كراهية البول في الجحر، فلعل ذلك إما لكون الحديث لا يخلو من مقال، أو لكون المقصود من ذلك: أن هذا من الآداب التي ينبغي التأدب بها، ولا يكون المقصود منه التحريم، أو أنه جرى على طريقة المتقدمين الذين يطلقون المكروه على كل ما كان ممنوعاً ولو كان محرماً، كما جاء في القرآن بعد ما ذكر الله عز وجل في سورة الإسراء أموراً من الكبائر، وفي آخرها قال: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [الإسراء:38]، والحديث يدل على النهي، أو على كراهية البول في الجحر، وما ذكره قتادة أنه يقال: إنها مساكن الجن، فهذا تعليل.وهناك تعليل آخر: أن الجحر إذا بال فيه الإنسان قد يحصل فيه إيذاء لبعض الهوام والحيوانات التي فيه؛ فيكون قد آذاها، وأيضاً عرَّض نفسه للضرر؛ بأن يخرج عليه ما كان في ذلك الجحر بسبب بوله فيه، وقد يكون حية وقد يكون غير ذلك، فيفزعه ذلك فيقوم ويصيب البول ثيابه وجسده بسبب فزعه, فيتأذى بذلك هو، ويؤذي تلك الدواب بفعله ذلك.والحديث فيه كلام من حيث إن قتادة اختلف في سماعه من عبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وأيضاً مع كونه مختلفاً في سماعه منه هو أيضاً مدلس، وقد عنعن في روايته عن عبد الله بن سرجس ، لكن وإن كان الحديث فيه مقال إلا أنه لا ينبغي أن يبول الإنسان في الجحر؛ لما يترتب على ذلك من الضرر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار)، فالإنسان لا يعرض نفسه للضرر، ولا يجلب الضرر لغيره، ومن المعلوم أن الإنسان إذا بال في جحر فإنه يؤذي تلك الدواب التي فيه، وأيضاً هو يتسبب في جلب الضرر لنفسه، فالكراهية -وإن كان في الحديث مقال- هي من حيث ما يترتب على ذلك من المضرة له ولغيره.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يبولن أحدكم في الجحر...)

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن سعيد ].هو شيخ النسائي، وهو ثقة مأمون كما قال الحافظ ابن حجر ، وقد خرج له البخاري, ومسلم, والنسائي ، ولم يخرج له الباقون من أصحاب السنن.[حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي].الدستوائي ، سبق أن مرَّ بنا قريباً، وأبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وأما هذا فهو ابنه معاذ بن هشام ، وهو من رجال الجماعة، وهو صدوق كما قال ذلك الحافظ ابن حجر ، وربما وهم, أو له أوهام، يروي عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة ثبت, من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب كما سبق أن مرَّ بنا ذكره فيما مضى.[عن قتادة].هو: ابن دعامة السدوسي ، وهو ثقة حافظ، وهو يدلس، وهو من رجال الجماعة، خرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن عبد الله بن سرجس ، والمقال الذي في الإسناد من حيث روايته عن عبد الله بن سرجس ؛ لأن سماعه منه مختلف فيه، ومع ذلك أيضاً هو مدلس، وقد عنعن، فالحديث فيه مقال من أجل هذا.[عن عبد الله بن سرجس].أما عبد الله بن سرجس فهو صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يروي عنه هذا الحديث، وحديثه عند مسلم والأربعة، وله سبعة عشر حديثاً في الكتب، انفرد مسلم بحديث منها، وليس له في البخاري شيء.
النهي عن البول في الماء الراكد

شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن البول في الماء الراكد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ النهي عن البول في الماء الراكد.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن البول في الماء الراكد)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن البول في الماء الراكد، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الراكد)، والحديث رواه مسلم في صحيحه. والنسائي عبر بالنهي بخلاف الترجمة السابقة، ولعل الفرق في ذلك هو ما ذكرته من قبل: أن الحديث هناك فيه مقال، أما الحديث هنا فهو صحيح وثابت، وقد رواه مسلم في صحيحه، فهناك عبر بالكراهية، وهنا عبر بالنهي.والحديث يدل على تحريم البول في الماء الراكد؛ ذلك لأنه يفسده، أو يجعله قذراً في حق من يعلم أنه بيل فيه، ثم أيضاً إلف البول في الماء الراكد واعتياد ذلك إلف لما هو أمر سيء, ولو كان الماء كثيراً؛ لأن من اعتاد أن يبول في الماء الكثير الذي لا تضره النجاسة فقد يبول في الماء القليل الذي تضره النجاسة، وكون الماء الراكد مستقراً فإنه يتأثر بما يقع فيه، بخلاف الماء الجاري، كمياه الأنهار التي تجري فإن الماء يذهب، لكن لا ينبغي للإنسان أن يبول فيه إلا إذا اضطر إلى ذلك، أما أن يكون في سعة وعنده اليابسة, ثم يذهب ويبول في الماء، ولو كان جارياً فلا ينبغي للإنسان أن يفعله، أما إذا اضطر إلى ذلك فلا مانع، والماء الجاري ليس كالماء الراكد، فلا يتأثر بالبول فيه كما يتأثر به الماء الراكد إلا إذا كان الماء قليلاً؛ فإن النجاسة تؤثر في الماء القليل والماء الكثير، في الراكد والجاري إذا كان قليلاً جداً.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن البول في الماء الراكد)

قوله: [ أخبرنا قتيبة بن سعيد ].وهو الذي مر ذكره مراراً وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة ثبت، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني .[ حدثنا الليث ].والليث يأتي ذكره لأول مرة، وهو: الليث بن سعد الفهمي المصري ، وهو ثقة ثبت, فقيه، إمام مشهور معروف بالفقه, ومعروف بالحديث، وهو من رجال الكتب الستة، خرج له الجماعة، وقد أفرد الحافظ ابن حجر له ترجمة في رسالة خاصة موجودة مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية , ويأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث وكتب الفقه؛ لأنه محدث فقيه، رحمة الله عليه.[ عن أبي الزبير ].أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو من رجال الجماعة، وهو صدوق يدلس.[ عن جابر ].هو جابر بن عبد الله الأنصاري ، وهو أحد الصحابة المكثرين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين يأتي ذكرهم مراراً في الكتب، وقد ذكر صاحب الخلاصة: أن له ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، وانفرد مسلم بمائة وستة وعشرين، فهو مكثر .
كراهية البول في المستحم

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية البول في المستحم. أخبرنا علي بن حجر أنبأنا ابن المبارك عن معمر عن الأشعث بن عبد الملك عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه؛ فإن عامة الوسواس منه)].ذكر النسائي رحمه الله: كراهية البول في المستحم، وأورد فيه حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه؛ فإن عامة الوسواس منه)، عبَّر النسائي هنا بالكراهية، ولعل ذلك أيضاً مثل ما ذكرت من قبل؛ لأن إسناد الحديث فيه كلام من جهة أن الحسن مدلس، ومعروف بالتدليس والإرسال، وقد روى عن عبد الله بن مغفل بالعنعنة، فقال: عن عبد الله بن مغفل، فالإسناد فيه مقال، لكن عند أبي داود حديث آخر, عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبول أحد في مستحمه)، ولهذا الشيخ ناصر الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي صحح الجملة الأولى, وهي: (لا يبولن أحد في المستحم)، دون قوله: (فإن عامة الوسواس منه)؛ لأن الجملة الأولى جاءت في حديث في سنن أبي داود ، ولم تأت الجملة الثانية التي هي التعليل: (فإن عامة الوسواس منه) فرواية الحسن هنا جاء ما يؤيدها، وما يدل على ثبوتها وصحتها من طريق أخرى غير طريق الحسن ، لكنها ليست بطول رواية الحسن ، وإنما هي في جزئه الأول دون الجزء الثاني.والنهي عن البول في المستحم, قال بعض العلماء: إن المقصود من ذلك: ما إذا كان المستحم يستقر فيه البول لكون المكان صلباً، أو فيه شيء لا يذهب معه البول، أو يكون رخواً بأن يكون تراباً يشرب البول، ولا يبقى للبول أثر إلا رطوبة ذلك التراب، أو ليس فيه منفذ يجري فيه البول، فإذا كان المكان رخواً وشرب البول, وذهب البول ولم يبق له وجود، أو كان هناك منفذ كالبالوعة يذهب فيه البول ولا يستقر، فإن هذا لا مانع منه، قالوا: لأن المحذور من ذلك أنه إذا كان البول موجوداً ثم استحم؛ فإن هذا البول المجتمع يتطاير ويحصل منه الرشاش إلى جسده؛ فيؤدي ذلك إلى الوسواس، هل وقع عليه بول أم لا؟! ففسروا الحديث بما كان من هذا القبيل، أما إذا ذهب البول ولم يبق له وجود؛ فإن هذا لا يؤثر؛ لأن المحذور هو انتقال البول، والبول لا ينتقل إلا إذا كان موجوداً، أما إذا ذهب مع المنفذ أو الأرض الترابية وذهب البول فيها, ولم يبق للبول وجود؛ فإن هذا المحذور قد زال.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ...)

قوله: [ حدثنا علي بن حجر ].وهو: السعدي، وقد سبق ذكر علي بن حجر مراراً، وهو من رجال البخاري, ومسلم, والترمذي, والنسائي، وفي نسخة التقريب المصرية بدل الترمذي أبو داود ، وهذا ليس موجوداً في الخلاصة, ولا تهذيب التهذيب، بل لم ينص عليه في تهذيب الكمال؛ لأن في تهذيب الكمال ذكر الذين رووا عنه وهم: البخاري , ومسلم , والترمذي , والنسائي، ولم يذكر أبا داود ، فما في ذلك من الرمز لـأبي داود في نسخة التقريب المصرية خطأ، والصواب: الترمذي . وعلي بن حجر ثقة, حافظ. [ أنبأنا ابن المبارك ].وابن المبارك يأتي لأول مرة، وهو: عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو إمام، جليل, ثقة، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة ثبت, إمام, جواد, مجاهد, جمعت فيه خصال الخير، وهو من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن معمر ].وهو: ابن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وقد مر ذكره فيما مضى، وهو ثقة.[ عن الأشعث بن عبد الملك ].قال هنا: ابن عبد الملك ، وفي رجال النسائي أشعث بن عبد الملك , وأشعث بن عبد الله ، وفي بعض نسخ النسائي في هذا الإسناد: أشعث بن عبد الله ، وفي نسخ الآخرين الذين هم أصحاب السنن الباقون: الترمذي, وأبو داود , وابن ماجه قالوا في الإسناد: أشعث بن عبد الله، وفي إحدى نسخ النسائي : أشعث بن عبد الله ، وفي تهذيب الكمال لما ترجم لـمعمر بن راشد ذكر: أنه روى عن أشعث بن عبد الله ، ولم يذكر: أشعث بن عبد الملك ، وكل هذا يدل على أنه أشعث بن عبد الله وليس أشعث بن عبد الملك ، أولاً: كون إحدى النسخ فيها أشعث بن عبد الله ، وكون الكتب الأخرى التي فيها هذا الحديث نفسه, ومن هذا الطريق, كلهم ينصُّون على أنه أشعث بن عبد الله ، وفي ترجمة معمر بن راشد في تهذيب الكمال ذكر: أن من شيوخه أشعث بن عبد الله ؛ فهذا يدل على أنه أشعث بن عبد الله وليس أشعث بن عبد الملك ، فمعنى ذلك أن الذي في النسخة الموجودة معنا ليس صواباً، وإنما الصواب كما في النسخة الثانية من جهتين: من جهة أن معمر بن راشد ما ذكر المزي في شيوخه أشعث بن عبد الملك ، وثانياً: أن الذين رووا الحديث مع النسائي, وهم أصحاب السنن الباقون كلهم نصوا في الإسناد على أنه ابن عبد الله ، والحديث مخرجه واحد، فإذاً: هو ابن عبد الله . وابن عبد الله هذا ذكر الحافظ ابن حجر: أنه من رجال الأربعة، ومن رجال البخاري تعليقاً.فالصحيح: أنه ابن عبد الله وليس ابن عبد الملك ، وهو صدوق.[ عن الحسن ].وهو ابن أبي الحسن ، وأبوه اسمه يسار ، ولكنه مشهور بكنيته، ولهذا يقال له: الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو إمام مشهور, ثقة حافظ، وكان يدلس ويرسل، معروف بالتدليس والإرسال، وهنا الحديث عنعنه عن عبد الله بن مغفل ، فهو محتمل الضعف، بل لا يعتبر ثابتاً لمجرد هذا، ولكن كما ذكرت: أن في سنن أبي داود حديثاً آخر صحيحاً؛ فيعتبر المقدار الذي يوافقه من حديث الحسن ثابتاً، أما ما جاء في آخره فهذا مما لم يأت إلا في هذا الحديث، ولهذا كما قلت: اعتبر الألباني الجملة الأولى صحيحة من أجل الحديث الثاني، والجملة الثانية ضعيفة؛ لأنها ما جاءت في الحديث الآخر.[ عن عبد الله بن مغفل ].أما عبد الله بن مغفل المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج له أصحاب الكتب الستة، وفي الخلاصة ذكره على طريقته، وذكر عدد ما له, وما اتفق عليه من أحاديثه, وما انفرد البخاري به, وما انفرد به مسلم.
السلام على من يبول

شرح حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ السلام على من يبول.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا زيد بن الحباب وقبيصة قالا: أخبرنا سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام)]. ‏ يقول النسائي رحمة الله عليه: السلام على من يبول، يعني: ما ورد في السلام على من يبول، وذكر الأمر مطلقاً، ما ذكر نهياً ولا كراهية ولا أمراً، وإنما قال: السلام على من يبول، مقصوده من ذلك: ما ورد فيه، وبيان حكمه، وقد أورد فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام مر عليه رجل وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام). وقيل: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرد عليه ليبين له أن السلام على من يبول لا ينبغي، فتركه الرد عليه يدل على أنه لا ينبغي أن يسلم على من يبول؛ لأن من يبول ليس له أن يذكر الله عز وجل، ومن المعلوم أن السلام فيه ذكر لله سبحانه وتعالى، وهو من الذكر والدعاء، والإنسان الذي يبول يسكت ولا يتكلم، إلا إذا كان هناك ضرورة تلجئه إلى أن يتكلم من أجل حاجة اقتضت ذلك، أما أن يدعو وأن يذكر الله عز وجل -ومن ذلك السلام ورد السلام- فإنه لا يفعله، قالوا: وعدم إجابته له إنما هي تأديب له, وتنبيه له على ألا يعود.والحديث رواه مسلم وبعض الأئمة.

تراجم رجال إسناد حديث: (مر رجل على النبي وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام)

قوله: [ أخبرنا محمود بن غيلان ].محمود هذا يأتي ذكره لأول مرة في شيوخ النسائي ، وهو من شيوخه, وشيوخ أصحاب الكتب إلا أبا داود ، فإنه لم يخرج له, ولم يرو عنه شيئاً، فهو شيخ لأصحاب الكتب الخمسة، وهم: البخاري , ومسلم , والترمذي , والنسائي , وابن ماجه ، وأما الإمام أبو داود فلم يخرج له شيئاً، ولم يرو عنه في كتبه، وهو ثقة. [ حدثنا زيد بن الحباب وقبيصة ].زيد بن الحباب هو صدوق يخطئ في حديثه عن سفيان الثوري ، وشيخه الذي يروي عنه في هذا الإسناد هو سفيان الثوري ، وقد قالوا: إنه يخطئ في حديثه عن الثوري ، وهذا منه، لكنه مقرون بـقبيصة ، وقبيصة صدوق ربما خالف، لكن اجتماعه مع زيد بن الحباب الذي في حديثه شيء عن سفيان يجعل الشيء الذي في حديثه عنه لا يؤثر؛ لأنه لم ينفرد بالرواية عنه، وإنما شاركه غيره فيها وهو قبيصة . وقبيصة هنا مهمل لم ينسب، وقبيصة يطلق على جماعة، ومن المعلوم أن الطريقة التي يعلم بها تعيين المهمل وتمييزه: أن ينظر في الشيوخ والتلاميذ، ومن خرجوا له، وإذا رجعنا إلى ترجمة محمود بن غيلان في تهذيب التهذيب فنجد أنه روى عن قبيصة بن عقبة ، وما ذكر أنه روى عن شخص آخر يقال له: قبيصة، إذاً: فقد عرف المهمل، وذلك بالرجوع إلى الشيوخ والتلاميذ، لكن يبقى لو أنه روى عن قبيصة وهما اثنان مثلاً، فأيهما هو هذا أو هذا؟ هذا يحتاج إلى تمييز، يمكن أيضاً أن ينظر فيمن هو أكثر ملازمة، ومن هو أكثر أخذاً، وهذه الطريقة التي يميز بها أحد الاثنين المشتبهين اللذين لا يدرى أيهما هو أهذا أم هذا؟ لكن هنا ليس هناك تعدد فيمن روى عنه محمود بن غيلان ممن يقال له: قبيصة، لا يوجد إلا واحد، وهو قبيصة بن عقبة.وقبيصة بن عقبة من رجال الجماعة، وربما وهم.أما زيد بن الحباب فهو من رجال مسلم والأربعة.[ أخبرنا سفيان ].سفيان غير منسوب، ما قيل: سفيان الثوري ولا سفيان بن عيينة ، لكن زيد بن الحباب ذكروا بأنه يروي عن سفيان الثوري ، وفي حديثه عنه شيء، إذاً: عرف هذا المهمل الذي هو سفيان, وأن المقصود به الثوري ، وليس المقصود به ابن عيينة ؛ لأن زيد بن الحباب إنما روى عن سفيان الثوري . والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي ، وهو ثقة كما ذكرت سابقاً عند ذكر سفيان بن عيينة: أن ابن حجر لما ذكر كلاً منهما ذكر فيه عدة صفات، فقال: ثقة, حافظ, فقيه, إمام, حجة، فذكر خمس صفات، وزاد في الثوري أنه قال: عابد، وسفيان الثوري إمام في الحديث والفقه، وقد وصف بأنه من أمراء المؤمنين في الحديث، وشعبة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وبعض العلماء جعل سفيان أعظم وأقوى وأمكن من شعبة ؛ وذلك بسبب أنهم عدوا ما أخطأ به هذا وما أخطأ به هذا؛ فكان ما أخطأ به سفيان أقل مما أخطأ به شعبة ، فصار سفيان أرجح من شعبة وإن كان كل منهما في القمة، لكن يميزون الشخص على الشخص بقلة خطئه في حديثه، ويقارنون بين الخطأ عند هذا وهذا، فإذا رأوا واحداً منهما أقل اعتبروه أمكن، وإذا كان أكثر من الثاني وإن كان قليلاً اعتبروه دونه.وحديث الثوري هو عند الجماعة, وحديثه عندهم كثير.[ عن الضحاك بن عثمان ].وهو: الضحاك بن عثمان أبو عثمان ، وهو من رجال مسلم والأربعة , كـزيد بن الحباب، وهو صدوق ربما يهم. [ عن نافع ].ونافع هو: مولى ابن عمر ، وهو الإمام المشهور الذي مر ذكره، وهو من الثقات, الحفاظ, المتقنين، بل هو أحد رجال السلسلة الذهبية عند البخاري حيث يقول: أصح الأسانيد على الإطلاق: مالك عن نافع عن ابن عمر ، فـنافع هو أحد السلسلة التي يقول عنها البخاري : إنها أصح الأسانيد ، فهو في القمة، وهو من رجال الجماعة كما عرفنا ذلك فيما مضى.[ عن ابن عمر ].هو عبد الله بن عمر بن الخطاب المعروف بكثرة الحديث، وهو أحد السبعة المكثرين من الصحابة الذين تجاوز حديثهم الألف، والذين يعتبرون أكثر من غيرهم حديثاً في الكتب، وقد قال في الخلاصة: إن له ألفاً وستمائة وثلاثين حديثاً في الكتب الستة، اتفق البخاري ومسلم على مائة وسبعين، وانفرد البخاري بواحد وثمانين ، وانفرد مسلم بواحد وثلاثين حديثاً، فهو مكثر، وهو من صغار الصحابة، وهو الذي جاء عنه في الصحيح أنه قال: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) يعني: أذن له بأن يكون في جملة المقاتلين، وهذا يدلنا على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من حب الخير، والحرص على الجهاد، وأن الواحد الصغير يأتي ويرجو أن يؤذن له، فيعرض في المرة الأولى ويقال له: صغير, فيرجع، وفي المرة الثانية يكون قد بلغ فيؤذن له، وكانوا يحرصون على الجهاد في سبيل الله، وكانوا يقدمون أنفسهم وهم لم يصلوا إلى أن يكونوا ممن يؤذن لهم، فابن عمر لم يؤذن له؛ لأنه لم يبلغ الخامسة عشرة، وفي الخندق بلغ الخامسة عشرة فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم.وهو من صغار الصحابة، فإذا كان عمره يوم الخندق خمس عشرة سنة، والرسول عاش بعدها خمس سنين فمعناه: أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره عشرون سنة رضي الله عنه، وهو من المكثرين، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وإذا قيل العبادلة الأربعة فالمراد بهم صغار الصحابة: ابن عمر , وابن عمرو , وابن الزبير , وابن عباس ، هؤلاء هم العبادلة وليس فيهم ابن مسعود ؛ لأن ابن مسعود توفي قبلهم بمدة طويلة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما هم فتأخرت وفاتهم، فمنهم من توفي في حدود الستين، ومنهم من توفي بعد ذلك فوق السبعين.قد يقال: من المعلوم أن رد السلام واجب من الواجبات وهنا ما رد عليه.فالجواب أشرت إليه، وهو: أنه أراد التنبيه إلى أنه لا يسلم على من يبول، ولو سلم عليه لا يرد؛ لأن الذي يبول لا يذكر الله عز وجل، ورد السلام من ذكر الله؛ والسلام من أسماء الله عز وجل، وهو دعاء للمسلم، وهو لا يدعو لنفسه ولا لغيره وإنما يسكت، ولا يذكر الله وهو يقضي حاجته.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 216.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 210.83 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]