فوائد القصص القرآني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خروج النبي من المسجد مُسْرِعاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          شرح دعاء: اللهم اجعلني يوم القيامة فوق كثير من خلقك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ثلاث حالات للناس عند الابتلاء؛ تحدث في آن واحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          كيف تؤثر الصلاة في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          طارق بن زياد.. والعبور إلى الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          أنماط الشخصية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          التعريف بكتاب الإحكام لابن حزم رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          اليقين ضد الشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 682 )           »          الدعاة وقواعد الحكم على المخالفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الصمد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-05-2024, 12:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (1)

رشا العربي



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
حياكم الله أحبتنا أبناء وبنات الإسلام، هل تعرفون ما أغلى غايةٍ لنا جميعًا؟
هي رضا اللهِ والجنة، ومن أجلها نسعى بكل ما أوتينا من جهدٍ؛ لنكون ممن رضي اللهُ عنهم ورضوا عنه، وأدخلَهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار؛ وذلك هو الفوزُ العظيم.

ولكن لا بد من السعي لهذا الفوز؛ وذلك بتطهير أنفسنا وتزكيتها، يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿قَدْ ‌أَفْلَحَ ‌مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9]؛ أي: قد أفلح من طهَّر نفسه من الذنوب، ونقَّاها من العيوب، ورقاها بطاعةِ الله، وعلَّاها بالعلم النافع، والعمل الصالح.

وكيف نزكي أنفسنا يا ترى؟
من إحدى وسائل تزكيةِ النفسِ وتربيتِها: التربيةُ بالقصصِ القرآني؛ وذلك لعدة أسباب، منها:
أن لها في النفوسِ تأثيرًا عجيبًا؛ لما تحويه من الدروسِ والعِبَرِ والعظاتِ والفوائد؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ ‌فِي ‌قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف: 111]، وقَالَ تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ‌لَعَلَّهُمْ ‌يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 176].

والقصصُ القرآني سببٌ في تثبيتِ القلبِ، والتسليةِ عن النفس.
يقول الله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ ‌بِهِ ‌فُؤَادَكَ [هود: 120].
ولأننا الآن نعيشُ زمنًا كَثُرَت فيه الانحرافات، وانتكست فيه الفطرةُ، فما أحوجنا للاستئناسِ بقصصِ الأنبياء التي تثبتُ قلوبَنا على طريقِ الحقِ، وتؤنسُ أرواحنا، وتدفعُنا للعملِ بجدٍّ واجتهادٍ في نصرةِ دينِ الله!

ومِنْ أبرزِ القصصِ القرآني قصةُ نبي الله يوسفَ عليه السلام؛ فهيَ مليئةٌ بالدروسِ والعبر، يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي ‌يُوسُفَ ‌وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ [يوسف: 7].

يقول تعالى: لقد كان في قصةِ يوسفَ وخبرِه مع إخوتِه آيات؛ أي: عبرةٌ ومواعظُ للسائلين عن ذلك، المُستَخبرِينَ عنه، فإنه خبرٌ عجيب يستحق أن يستخبر عنه.

فهلمَّ نستمع إلى ما قصَّه علينا ربنا تبارك وتعالى ليعلمُنا ويربينا، ويهذبُ نفوسَنا، ويؤنسُ أرواحنا بهذه القصةِ التي اخترنا لها عنوانًا جميلًا يحملُ مضمونَ ما جاء في طياتِ هذه القصةِ العظيمة؛ ألا وهو: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18].

الفصل الأول

رؤيا وكيد:
تبدأُ قصتُنا برؤيا عجيبة رآها نبيُّ اللهِ يوسفُ عليه السلام، وكان فتًى صغيرًا؛ حيث رأى أن أحدَ عشرَ كوكبًا والشمسَ والقمرَ يسجدون له، ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ ‌كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف: 4].

فردَّ يعقوبُ على ابنِه يوسفَ عليهما السلام بشفقةٍ ورحمة، بعد أن سمِعَ منه الرؤيا قائلًا: ﴿يَا بُنَيَّ [يوسف: 5]: لا تخبرُ إخوتَك بما رأيتَهُ في منامِك، فإنك إن أخبرتَهم بذلك احتالوا لإهلاكِك، وللإضرارِ بك؛ حسدًا منهم لك، وهذا الحسدُ يزينُه الشيطانُ، ويغرسُه في نفوس الناس.
وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف: 5].

يا تُرى ما الذي عَلِمه الأبُ من هذه الرؤيا جعله يأمرُ ابنَهُ ألَّا يقصَّ رؤياهُ على إخوتِه لئلا يكيدوا له؟
الجواب:
إنما قال ذلك لأنه علم أن تأويلَها: إن اللهَ تعالى سيعطي يوسفَ من فضله عطاءً عظيمًا، وسيرفعُ منزلتَه، ويهبُه منصبًا جليلًا، ومن شأنِ صاحبِ النعمة أن يكون محسودًا من كثير من الناس، فخاف يعقوب من حسد إخوة يوسف له، إذا ما قصَّ عليهم رؤياه، ومن عدوانهم عليه.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
يجوز لنا كتمان النعمة حتى توجد وتظهر:
فينبغي عدم التحدث بالنعم إذا خشينا على أنفسنا الحسد والكيد من عدوٍّ حاقدٍ أو صديقٍ حاسدٍ، كما أمر يعقوب عليه السلام ابنه يوسف أن يكتم رؤياه عن إخوته؛ لئلا يكيدوا له كيدًا.

وألا نحدث بالنعم إلا على سبيل شكر الله مع من نثق بهم، ويتمنون لنا الخير.

الاستعاذة بالله من العين والحسد؛ فهما سببان لكثير من البلاء.
لا تتحدث بالرؤيا إلا على الناصح المحب لك، ويكون لديه علم التأويل.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رؤيا المؤمِنِ جزءٌ مِنْ أربعينَ جُزْءًا مِنَ النبوَّةِ، وَهِيَ علَى رِجْلِ طائِرٍ، ما لم يُحَدِّثْ بِها، فإذا تَحَدَّثَ بِها سقَطَتْ، ولا تُحَدِّثْ بها إلَّا لبيبًا، أوْ حبيبًا))؛ صحيح الجامع.

وجملة ((وَهِيَ على رِجْلِ طائِرٍ ما لم يُحَدِّثْ بِها))؛ أي: إن الرؤيا مُعلَّقةٌ لا قَرارَ لها؛ أي: لا تَقَعُ وتَتحقَّقُ، ((ما لم يحدثْ بها))؛ أي: ما لم يَتَكلَّمْ بها الرَّائي، ويُفصِحُ عنها لأحَدٍ، فإذا تَحدَّثَ الرَّائي بما رآهُ في الرُّؤْيا وَقَعَتْ وتَحقَّقَتْ؛ وذلِكَ على تَأويلِها، فالرُّؤْيا تَتَحقَّقُ على تَأويلِها وتَفْسيرِها، قالَ: ((ولا تُحَدِّثْ بها إلَّا لبيبًا، أوْ حبيبًا))؛ أي: مُحِبًّا لك من أحِبَّائِكَ؛ وذلِكَ لأنَّهما سَوفَ يَعبُرانِ الخَيرَ، ويَكتُمانِ الشَّرَّ؛ لِئلَّا يقَعَ.

يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره؛ لقوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا.
إذا رأيت في منامك ما تكره فلا تحدث به أحدًا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يُحِبُّها فإنها من الله تعالى، فليحمد الله تعالى، وليُحَدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره)).

ينبغي أن نعلم بعداوة الشيطان لنا، والعلم بحيله ومكايده؛ كي نحذرها، ونتصدى له.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)؛ البخاري.

إذن ينبغي علينا أن نتعرف على الشر الذي يوصل الإنسان إلى الهلاك - عافانا الله- حتى لا يدركنا هذا الشر، وإذا وجدنا شيئًا منه لدينا نجاهد أنفسنا في التخلص منه.

وإلى لقاء قريب بإذن الله نتعرف فيه على أحداث جديدة من قصة يوسف عليه السلام.

المراجع:
مرجعي الأساسي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
التفاسير: السعدي - الطبري - ابن القيم- ابن كثير- القرآن تدبر وعمل -الوسيط - أيسر التفاسير للجزائري.

المواقع:
الدرر السنية الموسوعة التفسيرية.
الإسلام سؤال وجواب.
موقع حصاد القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-05-2024, 12:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (2)

رشا العربي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
البشرى بالاجتباء

يبشر الأبُ يعقوبُ ابنَه يوسف عليهما السلام بالاجتباء والاصطفاء:
﴿ وَكَذَلِكَ ‌يَجْتَبِيكَ ‌رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6].

يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك ربُّك، وأراك هذه الكواكبَ مع الشمس والقمر ساجدةً لك، وكذلك يختارك ربُّك ويصطفيك لنبوتِه، ويعلمك تعبيرَ الرؤيا، ويتمُّ الله نعمته عليك في الدنيا والآخرة بأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، كما أنعم الله على أبويك إبراهيم وإسحاق بنعم عظيمة واسعة دينية ودنيوية.

وكأنها عاجل بُشْرى يوسفَ عليه السلام ليتصبرَ بهذا الخير، وهذه النعمِ الجليلةِ عما سيلاقيه من مكايدَ سواء من إخوته أو امرأة العزيز؛ وهذا من لطف أرحم الراحمين أنه يلطف بعبده المؤمن وهو يبتليه.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
الاجتباء والاصطفاء محض فضل من الله؛ ولا يمكن لأحد أن يناله بكسبه ولو قام وصام الدهر كله، والله تعالى لا يصطفي إلا أفضل البشر ممن اختصهم بمميزات غير موجودة في سائر البشر.

استحباب التبشير؛ أي أن تبشر من حولك، وتبثَّ فيهم الطمأنينة.

﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ ‌تَأْوِيلِ ‌الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 6].

قوله: ﴿ وَيُعَلِّمُكَ ﴾ تدلنا على أن تأويل الرؤيا علم، ولا يجوز أن يتكلم فيه أي أحد بغير علم.

ذكر النعم عند المحن يُصبِّر الإنسان على ابتلائه.

نتعلم من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6].

إن الله أعلم حيث يجعل رسالاته، فعلمه محيط بالأشياء، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره، فيعطي كلًّا ما تقتضيه حكمته وحمده، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها.

وننتقل الآن إلى إخوة يوسفَ وهم يفصحون عن حسدهم لإخوتهم الصغار يوسفَ وبنيامين.

قد كان يوسف يا أحبتي يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه.

ويأتي أولُ مشهدٍ لإخوةِ يوسفَ عليه السلام وهم يتناجون فيما بينهم عن حب أبيهم الشديد ليوسف أكثر من حبه لهم، وقالوا: إن أبانا لفي خطأ ظاهر؛ حيث فضل في المحبة صبيَّين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له، القادرين على خدمته -في زعمهم-.

وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
لا تفصح عن مشاعر الحسد والحقد التي بداخلك؛ لأن التحدُّث بها يزيد المسألة سوءًا، فالأفضل كتمانها ومجاهدتها، ودعاء الله ليصرفها عنك حتى تزول من القلب بعون الله.

العدل مطلوب في كل الأمور، وفي إظهار المحبة والإيثار وغيره، وأن في الإخلال بذلك يختل عليه الأمر، وتفسد الأحوال؛ ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة، وآثره على إخوته، جرى منهم ما جرى على أنفسهم، وعلى أبيهم وأخيهم.

إذن السبب في كره وحسد إخوة يوسف هو ظنهم أن أباهم فضَّل يوسف وأخاه الصغير في المحبة عليهم، وهم مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له، القادرين على خدمته -في زعمهم-.

ولا يدرون أن حب يعقوب ليوسف عليهما السلام لم يكن مجرد حب الأبِ الفطري لابنه؛ وإنما لِمَا رآه من المناقبِ والفضائل الجليلة ليوسف عليه السلام، فدخل مع محبته الفطرية الأبوية له حبٌّ آخر؛ ألا وهو الحب في الله.

والحبُّ في الله يا أحبابنا يعني أن يحبُّ المسلم أخاه المسلم، بغض النظر عن لونه أو عرقه، فهو حبٌّ غايته الله، وأطرافه المؤمنون، وسببه رباط العقيدة الأصيل.

هو الحب الذي لا يكون مشروطًا بمنفعة أو مصلحة شخصية، أو أي أغراض دنيوية؛ إنما هو حبك لأخيك المسلم لأنه مثلًا: تقي، نقي، يخاف الله، يدعو إلى الله، مجرد رؤيته أو سماعه يذكرك بالله؛ هذا هو الحب الحقيقي.

وليس كما ظن إخوة يوسف أنهم أولى بحب أبيهم من يوسف؛ لأنهم جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته، والدفاع عنه؛ يعني: سينفعون أباهم أكثر من أخيهم الصغير كما جاء في مناجاتهم بعضهم لبعض: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ‌ضَلَالٍ ‌مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].

فما أجمل الحب في الله!
ثم ننتقل يا أحبتي إلى مشهد استحواذ الشيطان على إخوة يوسف، وهذا بعدما أفصح الإخوة عما بداخلهم من مشاعر الحقد على أخيهم بسبب محبة أبيهم لأخيهم يوسف عليه السلام.

بدأ الحقد يغلي في صدورهم، ويستحوذ عليهم الشيطان، فقرروا أن يكيدوا لأخيهم أمرًا.

فإذا بأحد الإخوة يفاجئهم باقتراح بشع:
﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 9]، أو اقذفوا به في أرض بعيدة في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك، لماذا؟

﴿ يَخْلُ لَكُمْ ‌وَجْهُ ‌أَبِيكُمْ ﴾ [يوسف: 9].

فلو تخلصنا من يوسف، صارت محبة أبينا لنا خالصة لنا دون أن يشاركنا فيها أحد، فيقبل علينا وحدنا، بعد أن كان كل إقباله وتوجهه إلى يوسف.

ولكن القتل جريمة؟
نقتله، ونتوب بعدها، ونعمل صالحًا؛ فنكون بتوبتنا من قتله وإصلاحنا من بعد هلاك يوسف قومًا صالحين، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ ‌وَجْهُ ‌أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9].

أرأيتم كيف زيَّن لهم الشيطان ارتكاب الجريمة؟

- ولكنَّ ضميرًا واحدًا فيهم يرتعش لهول هذه الجريمة: جريمة القتل، فيقترح حلًّا يريحهم من يوسف بغير أن يقتلوه.

فقال: بدلًا من أن تقتلوا يوسف اقذفوا به في بئر؛ لعل بعض المارِّين يتفطَّن له ويلتقطه ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10]، وعلى هذا الرأي قد استقروا.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
النفس عندما يسيطر عليها الحسد يزين لها الشيطان التخلص ممن يزاحمها في النعمة بالقضاء عليه.

النفس الحسودة تفقد تقديرها الصحيح للأمور؛ فترى الكبائر صغائر، والصغائر كبائر.

فإخوة يوسف يرون أن محبة أبيهم لأخيهم جُرم عظيم، يستحق إزهاق روح الأخ، وفي الوقت نفسه يرون أن قتل الروح البريئة شيء هين، وفي الإمكان أن يعودوا بعده قومًا صالحين أمام خالقهم، وأمام أبيهم، وأمام أنفسهم.

التوبة السابقة ليست توبة!

فالقاتل حين يقول: سأقتل ثم أتوب، والسارق الذي يقول: سأسرق ثم أتوب، ليس بتائب حقًّا؛ لأن التائب هو التارك للذنب، النادم على فعله؛ فكيف يكون تائبًا من يعزم على ارتكاب الذنب ولم يندم من فعله؟

إذًا التوبة التي تعد قبل ارتكاب الجريمة لإزالة معالم الجريمة ليست بتوبة حقيقية؛ وإنما هي تبرير لارتكاب الجريمة يزينه الشيطان.

إلى هنا تنتهي أحداث الفصل الثاني، وإلى لقاء قريب وأحداث جديدة وفوائد نافعة من قصة يوسف الصِّدِّيق عليه السلام.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-06-2024, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (3)

رشا العربي


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
الفصل الثالث: "مكرٌ ومخادعة":
ها هم إخوة يوسفَ عند أبيهم، يراودونه في اصطحاب أخيهم معهم؛ فقد كان الأب لا يرسل يوسف مع إخوته إلى المراعي؛ لأنه يحبه ويشفق عليه ألا يحتمل الجهد الذي يحتمله إخوته الكبار؛ فهو ما زال صغيرًا.

وها هم أولاء يخادعون أباهم، ويمكرون به وبيوسف؛ فلنراقب المشهد ولنستمع لما يدور:
﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾ [يوسف: 11 - 14].

وتبين الآيات هنا محاولاتهم في أن يطمئنوا قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب الذي يتوسم فيه أن يكون الوارث للنبوة.

فبدأوا بقولهم: ﴿ يَا أَبَانَا ﴾ استعطافًا له بكلمة (أَبَانَا) التي توحي بتلك الرابطة بين الأب وأبنائه، ثم قالوا: ﴿ مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾؛ أي: لماذا تخاف منا على يوسف، من غير سبب ولا موجب، ونحن مشفقون عليه، نحب له ما نحب لأنفسنا؟!

سؤال فيه عتاب وفيه استنكار ومكر؛ ليحثوا أباهم ويدفعوه لينفي عن نفسه هذا الخوف على يوسف من إخوته، وليقوى قلبه، ويرسل معهم أخاهم، ويثبت لهم أنه يأمنهم عليه.

قالوا: ﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 12] زيادة في تأكيد حرصهم عليه، وتشويقًا لما ينتظر يوسف من النشاط والمسرة والرياضة؛ مما يحفز والده لإرساله معهم كما يريدون، وردًّا على عتاب إخوة يوسف لأبيهم واستنكارهم لمنع يوسف من الذهاب معهم علل يعقوب عليه السلام ذلك بقلة صبره على فراقه، وخوفه عليه من الذئاب أن تفترسه: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ ﴾ إنني لا أطيق فراقه!

كلمة زادت من اشتعال نار الحسد في صدور إخوة يوسف؛ أن يبلغ حب يعقوب لأخيهم هذه الدرجة؛ فيحزن لفراقه ولو لبعض يوم للتريض والتنزه.

ولما قال لهم: ﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ سارعوا بنفي هذا الخاطر عن أبيهم بقولهم وهم يمكرون به: ﴿ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾؛ أي: لئن غلبنا الذئب على يوسف ونحن جماعة قوية؛ فلا خير فينا، ولا نصلح لشيء أبدًا!

فاستسلم الوالد الحريص لهذا التوكيد، وهكذا نجحوا فعلًا في التأثير على أبيهم، ويتخلَّى يعقوب عليه السلام عن إصراره على احتجاز يوسف، ويسلمه لإخوته؛ لينفذ قضاء الله، وتتم القصة كما قدَّر الله وشاء!

وهنا وجدوا عذرًا كانوا يبحثون عنه: ماذا يقولون لأبيهم بعد أن يفعلوا فعلتهم المنكرة؛ حتى لقنهم أبوهم هذا الجواب: أكله الذئب.

واعلموا أحبَّتي أن الله لا يضيع أولياءَه؛ بل وعد برعايتهم والعناية بهم حتى لو كانت هذه العناية عبارة من مجرد إلهام، إلهام يطمئن قلب في ظلمة البئر، وهذا ما سنتعرف عليه الآن.

لقد ذهب إخوة يوسف بأخيهم الصغير، وهو لا يشعر بما يمكر به إخوته، وها هم أولاء يلقون بأخيهم في البئر، ونجحوا في القيام بمؤامرتهم النكراء.

وفي هذه اللحظة اليائسة التي كان يواجه فيها يوسف عليه السلام الفزع من ظلمة البئر، وبُعْد قعره، والموت منه قريب، ولا منقذ له ولا مغيث، وهو وحده صغير ووحيد؛ لم يؤثر في قلب واحد منهم مشهد إلقائه، وهو أخوهم الصغير الضعيف وهو منهم، من لحمهم ودمهم!

لكنه الحسد حين يدخل قلب صاحبه؛ فيطمس بصيرته، ويُميت قلبه والعياذ بالله.

وفي أشد لحظات الضيق يأتي الفرج، يأتي التثبيت من رب العالمين واللطف والرحمة الإلهية والعناية الربانية؛ فيلقي الله تعالى في روع يوسف أنه ناجٍ، وأنها محنة قصيرة وتنتهي، وأنه سيعيش وسَيُذَكِّرُ إخوتَه بهذا الموقف الشنيع.

قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15].

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
لا تترك قلبك للأحقاد والغل والحسد؛ فتضعف نفسك، وتصبح أسيرة في يد الشيطان يوجهها كيف يشاء؛ بل جاهد نفسك حتى لا يستحوذ شيطانك على قلبك؛ فيصبح قلبًا قاسيًا لا تعرف الرحمة طريقًا إليه كإخوة يوسف لم يؤثر في قلب واحد منهم مشهد إلقائه.

مهما مررت بلحظات يائسة، لا تقنط من رحمة الله، كُلُّ مُرٍّ سيمرُّ، والدنيا أيامها دُوَل لا تستقيم على حال واحد؛ بل تتقلب بين فرح وحزن، وألم وسرور، ونحن نتعبَّد لله بالصبر عند الحزن والألم، والشكر عند الفرح والسعادة.

وننتقل الآن إلى مشهد مواجهة الوالد بعدما ألقى إخوة يوسف أخاهم في البئر، رجعوا إلى أبيهم ليلًا: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 16 - 18].

رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا:
يا أبانا، كنا نلعب ونتسابق، وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب!

هل كان هذا عهدهم مع أبيهم؟!

لقد عاهدوه أن يحفظوه، وكيف لا وهم عصبة وهو أخوهم الصغير؟! وطمأنوا أباهم أنهم ما أخرجوه إلا ليمرح معهم، وها هم يقولون: نحن الذين كنا نلعب وتركناه يحرس متاعنا!
يا أبانا ها هو قميص يوسف فيه دمه بعد أن أكله الذئب، ونعلم أنك لن تصدقنا في هذا الأمر ولو كنا صادقين.
الأب: أعلم أن يوسف لم يأكله الذئب، بل زيَّنت لكم أنفسكم أن تفعلوا به أمرًا سيئًا، سأصبر وأستعين بالله على كذبكم.

فقد أدرك يعقوب عليه السلام أنهم يكذبون عليه؛ لما رأى قميص يوسف سليمًا لم يتمزق إن كانوا صادقين في دعواهم أن الذئب قد افترسه.

لكن ما بيد الأب الآن إلا أن يصبر الصبر الجميل، ويستعين بالله على ما هو فيه من ابتلاء فقدان ابنه الغالي الحبيب.

فقال لهم: بل حسَّنت لكم نفوسكم أمرًا منكرًا، وزيَّنت لكم ارتكابه؛ فسأصبر متحملًا متجملًا بلا جزع ولا شكوى، وأستعين بالله على ما تلفقونه من حيل وأكاذيب.

هدايات وموَاعِظُ وعِبْرَات:
من ابتلي بمصيبة فعليه أن يصبر الصبر الجميل؛ فلا يجزع، ولا يشكو إلى أحد مصيبته؛ بل يحتسب أجر الصبر على المصيبة؛ كما قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].

ومن أقوال السلف:
"ثلاث من الصبر: ألَّا تحدث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك".

الحذر من شؤم الذنوب، فكم من ذنب واحد استتبع ذنوبًا كثيرة، وترتب على الذنب الأول ذنوبًا أخرى، وهكذا تكون الذنوب متسلسلة يتبع بعضها بعضًا.

ننظر إلى إخوة يوسف، فإنهم لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه وهو ذنب عظيم، ترتب عليه أنهم احتالوا على ذلك بعدة حيل، وكذبوا عدة مرات، وزوَّروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي صفة حالهم حين أتوا عشاء يبكون،

فلنحذر من الذنوب، خصوصًا الذنوب المتسلسلة.

إلى هنا تنتهي أحداث الفصل الثالث، وإلى لقاء قريب وأحداث جديدة وفوائد نافعة من قصة يوسف الصِّدِّيق عليه السلام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-06-2024, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني قصة يوسف (4)

رشا العربي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه؛ أما بعد:
فحياكم الله أبنائي، ومرحبًا بكم في لقاء يتجدد مع قصة نبي الله يوسف عليه السلام.

وصلنا إلى الفصل الرابع من فصول قصتنا "فصبر جميل"، فصل اليوم بعنوان: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21].

والآن نعود إلى يوسف عليه السلام في الجُبِّ:
طفل صغير في بئر، وسط صحراء مظلمة وحده، كيف كان حاله؟ لا يعلم به إلا الله، لكن لا تقلقوا، الله عز وجل لم يتركه، بل ألهمه أن محنته ستنتهي، وأنه سيخبر إخوته بما فعلوه معه.

وبدأت بشائر الفَرَجِ تَلُوح حين مرَّت قافلة بالطريق الذي فيه البئر، فأنزلوا دَلْوًا بالبئر ليستخرجوا الماء؛ فَخَرَج لهم يوسف عليه السلام متعلِّقًا بالدلو؛ وهذا ما حكاه الله لنا فقال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف: 19].

فهذه رحمة أرحم الراحمين بيوسفَ أنْ جَعَلَ له سبيلًا للخروج من البئر بإنزال المسافرين الدلوَ ليتعلق به، وهم لا يعلمون أن هناك طفلًا قابعًا في قعر البئر: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ [يوسف: 20]، وكان إخوة يوسف ما زالوا بالقرب منه، فلما رأوا القافلة تريد أخذه زعموا أنه عبدٌ هرب منهم، فباعوه لهم بثمن زهيد ليتخلصوا منه؛ لأنه لم يكن لهم قصد إلا إبعاده عن أبيه، ولم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه.

هدايات ومواعظ وعِبَرٌ:
أولًا: علينا أن نَثِقَ في حكمة الله:
كان الله عليمًا بما يفعله إخوة يوسف، وهو قادر على تغييره ودفعه، ولكنه تركهم يفعلون ذلك ليمضي ما قدره وقضاه، وله في ذلك الحكمة البالغة، وهذا ما سنعرفه آخر القصة إن شاء الله تعالى.

ثم يخبرنا الله تعالى بعنايته بيوسف عليه السلام؛ إذ لما ذهب به المسافرون إلى مصر، اشتراه منهم عزيز مصر – وزيرها - ليكون عبدًا في قصره، وأمر زوجته أن تُحْسِنَ إليه وتكرمه، فقال لها: أكرميه في المطعم والملبس والمقام؛ لعلنا نستفيد من خدمته لنا، أو نتبنَّاه كأنه ولدنا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف: 21].

وكما نجَّى الله تعالى يوسف عليه السلام ولم يمكِّن إخوته من مرادهم، وأخرجه من البئر بعد أن ألْقَوه فيه، ويسَّر له أن يشتريه عزيز مصر، وجعل عزيز مصر يعطف عليه، ويُكرمه هذا الإكرام، وقد جرت العادة أن يُهان الرَّقِيق ولا يُكرَم، ولكن الله تعالى الذي يحوط يوسف عليه السلام بالعناية والرعاية قد هيَّأ له أن يعيش مكرمًا ومعززًا، في أرفع بيوت مصر وأعلاها.

فكذلك مكَّن الله له في أرض مصر، ليكون على خزائنها، وليس هذا فحسب، بل سيُعلِّمه الله تفسير الرؤى، فيعرف منها ما سيقع مستقبلًا؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

هدايات ومواعظ وعبر:
الله إذا أراد شيئًا، فلا يُرَدُّ ولا يُمانَع ولا يُخالَف، بل هو الغالب لما سواه، فحُكْمُ الله تعالى نافذ في يوسف وإخوته والسَّيَّارة - المسافرين- وعزيز مصر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله، وأنه هو الغالب على كل أمر أراده؛ فلا يحول بينه وبين مراده أحد، ولا يُعجِزه شيء؛ ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21].

ما أراده لك من خير لن يمنعه عنك أحد، وما تُواجِهُ من مِحَنٍ لن ينجيك منها سواه؛ ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21].

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22]، ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه، وأصبح صالحًا لأن يتحمل مسؤوليات النبوة والرسالة، جعله الله نبيًّا رسولًا، وعالمًا ربانيًّا، وهذا جزاء إحسانه وإخلاصه وخشيته لله.

هدايات ومواعظ وعبر:
كل محسن له نصيب من النور، والعلم، والحكمة، والنصرة والتمكين، فكل من أحْسَنَ في عبادة ربه، عبادة الخالق، ببذل الجهد والنصح فيها، وأخلص له الدين والطاعة، وأحسن إلى عباد الله ببذل النفع والإحسان إليهم، فإن الله يؤتيه من جملة الجزاء على إحسانه علمًا نافعًا، ويجزيه ويكافئه بأعظم الثواب في الدنيا والآخرة.

ودلَّ هذا على أن يوسف عليه السلام وفَّى مقام الإحسان، فأعطاه الله الحكم بين الناس، والعلم الكثير والنبوة؛ ﴿ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22].

إلى هنا تنتهي أحداث الفصل الرابع، وإلى لقاء قريب، وأحداث جديدة، وفوائد نافعة من قصة يوسف الصديق عليه السلام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.13 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]