الرب جل جلاله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 209016 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59590 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 761 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 67 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15886 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2020, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي الرب جل جلاله

الرب جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان








اسم (الرب) من الأسماء الجميلة التي تُشعر العبدَ بالأمان والطمأنينة، حتى إن كثيرًا من الناس إذا وقع في ابتلاء، أو شعر بالظلم أو الخذلان، طفِق يقول: "لنا ربُّنا".







وقد ورد (اسم الرب) في القرآن الكريم في أكثر من (900) موضع، وأكثرها مضافٌ إلى الخلق عمومًا وخصوصًا؛ كـ: (رب العالمين، رب السماوات، رب الأرض، رب العرش، رب العزة، رب كل شيء).







فسبحانه رب العالَمين قبل وجود العالَمين، وحال وجودهم، وبعد فنائهم، والعالَمون جمع ويشمل عالمَ الإنس، وعالمَ الجن، وعالم الملائكة، وعالم الطير، وعالم الحيوان، وغيرَها، وإنما سميت هذه الكائنات بالعالَمين؛ لأنها علم ودلالة قاطعة على وجود الخالق جل وعلا.







قال تعالى في أول آية في كتابه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164]، وقال تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، فورود الاسم في كتاب الله أكثرُ من أن يُذكَر.







وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا فيه في الدعاء؛ فقمنٌ أن يستجاب لكم))[1].







وقال صلى الله عليه وسلم: ((أقربُ ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكُرُ اللهَ في تلك الساعة، فكن))[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صدقةُ السرِّ تطفئ غضبَ الرب))[3]، ولما بكى النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاة إبراهيم، قال: ((تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يُرضي الربَّ))[4].







معنى (الرب) جل جلاله:



الربوبية تقوم على معنيين:



الأول: إفراد الله بالخلق.



الثاني: تدبير الله وحده أمرَ هذا الخلقِ، فالله تعالى لم يخلُق غيرُه، ولم يدبِّر أمرَ الخلق سواه.



أما المعنى الأول، وهو إفراد الله بالخلق، فإن أول آية وصلت السماءَ بالأرض - تؤكِّد هذا المعنى وتبيِّنُه أحسن بيان؛ إذ يقول تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].







وأما المعنى الثاني، وهو تدبير الله وحده أمرَ هذا الخلقِ، فقد قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 31، 32]، وقال تعالى جامعًا بين المعنيين: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62].







فربُّنا سبحانه هو الذي يخلُق ويرزق ويدبِّر الأمر؛ فيعطى ويمنع، ويهدي ويضل، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويقبض ويبسط، وكل ما في الكون مربوبٌ له خاضع له، لا يخرُج أحد عن ملكه وقبضته.







قال ابن القيم - عليه رحمة الله -:



"ربوبيته للعالم تتضمن تصرُّفَه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كل وقت، وكونه معه كل ساعة في شأن: يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويصرِّف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكارُ ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه"[5].







فسبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منَع، ولا معقب لحكمه، ولا رادَّ لأمره، ولا مبدل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال عليه: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ [فاطر: 2]، إذا أراد الله أن يوصل إلى عبده خيرًا، أو يمنحه رحمة وبرًّا، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يمنعوا ذلك، ما استطاعوا سبيلًا إلى ذلك، ﴿ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2]، إذا أراد الله أن يمنع عبده خيرًا، أو يحجب عنه رحمة وبرًّا، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يوصلوا إلى العبد ذلك، ما استطاعوا سبيلًا إلى ذلك، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]:



عزيز: لا يغالبه شيء ولا يعجزه شيء.



حكيم: إذا أعطى أو منع، أو قبض أو بسط، أو أعَزَّ أو أذَل، فبحكمته البالغة جل جلاله.







فـ"تفكر في الأمر يتنزل من فوق العرش بتدبير أمر سماواته وأرضه، يحيي أناسًا ويميت آخرين، ويعز قومًا ويذل آخرين، وينشئ دولًا ويُبيد آخرين، ويحول نعمًا من جاحدين إلى شاكرين، ويقضي حاجات السائلين؛ فيغني فقيرًا، ويشفي مريضًا، ويفرِّج كربًا، ويكشف ضرًّا، ويهدي حيرانَ، ويؤمِّن خائفًا، ويجير مستجيرًا، ويغيث ملهوفًا، ويعين عاجزًا، وينصر مظلومًا، وينتقم من ظالم، ويغفر ذنبًا، ويقبل توبًا، ويجيب دعاءً، ولا يتبرم من إلحاح الملحِّين، ولا كثرة الداعين، ولا تعدد المطالب باختلاف اللغات، فيعطيهم جميعًا ما سألوا، ولا ينقص ذلك من ملكه إلا كما تأخذ الإبرةُ من ماء البحر"[6].







فالرب سبحانه هو الخالق الرزاق، المالك المربي، الحاكم السيد المتصرف؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1 - 3]، فبيَّن سبحانه أنه خالق الخلق ومالك الملك؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23، 24].







وهل هناك خالق مع الله؟



قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].







وما دام ليس هناك خالق غير الله، فليس هناك رزاق سواه؛ قال الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]؛ خلق ورزق، إذًا يأمر ويحكم؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وحكمه مبنيٌّ على علمه الذي أحاط بكل شيء، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]؟ بلى يعلم، فلما عَلِم حَكَم، فقال: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].







له السيادة العظمى والتصرف المطلق في هذا الكون؛ قال الله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27][7]، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102].







مناظرة قصيرة في (الرب) جل جلاله:



ذلكم الله ربكم الذي ناظر فيه إبراهيم خليلُ الرحمنِ النمرودَ الجحودَ، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 258]؟!







كان النمرود بن كنعان من ملوك الدنيا، وذُكر أن الذين ملكوا الدنيا أربعة: ملِكان مؤمنان، وملِكان كافران:



فالمؤمنان: سليمان صلوات الله وسلامه عليه، وذو القرنين.



والكافران: بختنصر، وهذا النمرود الجحود الذي كان يدَّعي أنه ربٌّ آخر مع الرب جل جلاله، وناظر إبراهيم خليل الرحمن في ذلك.



﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إبراهيم فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ [البقرة: 258]؛ أي: لأجل أن آتاه الله الملك يطغى بهذه الصورة الفجَّة وينسى الربَّ جل جلاله؟!







﴿ إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]:



والإحياء والإماتة فعلانِ من أفعال الرب التي لا حصر لها، والتي لا يقدر عليها غيرُه، فلا يملك مخلوقٌ مهما بلغ عتوه أن يمنح حياةً لغيره لم يشأها الله ولو للحظات يسيرة، كما لا يملك مخلوق أن يُنهي حياة لغيره إن قدر الله له بقية من حياة، وخص إبراهيمُ هذين الفعلين - الإحياء والإماتة - بالذِّكر؛ لأن النمرود الجحود كان يدَّعي القدرة عليهما!







﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]:



وأراد بذلك أنه كان يأتي بالرجلينِ، فيحكم عليهما بالموت، ثم قبل التنفيذ يسامح أحدَهما، وينفذ في الآخر، فكان يزعم أن الذي سامحه أحياه، وأن الذي نفذ فيه أماته!



ولا عجب؛ فهذا أحد أغبياء بني آدم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا سبَّح اللهَ بحمده، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم))، ومعنى تستقل: أي تتعالى وترتفع[8].







فلما رأى إبراهيم غباءه، انتقل به إلى فعلٍ لله أوضَحَ؛ ليظهرَ عجزه، وليفضحه على الملأ، وكأنه يقول له: إذا كنت تدَّعي أنك تحيي وتميت، وأنت الذي تنشئ الخلق وتُوجد من العدم، فأنا آتيك بأبسط من ذلك:



﴿ قَالَ إبراهيم فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].



﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102].







تربية الرب لعباده:



قال السعدي: "الرب هو: المربِّي جميعَ عباده بالتدبير وأصناف النِّعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم؛ ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه هذه التربيةَ الخاصة"[9].







وقال ابن القيم رحمه الله: "وتربيته أحسنُ من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده، الذي هو أحب شيء إليه، فلا يزال يعامله بلطفه، ويختصه بفضله، ويؤْثره برحمته، ويمدُّه بمعونته، ويؤيده بتوفيقه، ويُريه مواقعَ إحسانه إليه وبره به، فيزداد العبد به معرفةً، وله محبة، وإليه إنابة، وعليه توكلًا، ولا يتولى معه غيره، ولا يعبد معه سواه، وهذا هو الذي عرَف قدر النعمة، وعرَف المنعم وأقر بنعمته، وصرفها في مرضاته"[10].







من تربية الله لك:



(1) قد يبتليك الله بالأذى ممن حولك؛ حتى لا يتعلَّق قلبُك بأم أو أب أو أخ أو صديق، فيتعلق قلبُك بالله وحده.



(2) قد يبتليك ليستخرجَ مِن قلبك عبوديةَ الصبر والرضا وتمام الثقة به، هل أنت راضٍ عنه لأنه أعطاك، أم لأنك واثق أنه الحكيم الرحيم؟







(3) قد يمنع عنك رزقًا تطلبه؛ لأنه يعلم أن هذا الرزق سببٌ لفساد دينك أو دنياك، أو أن وقته لم يأتِ، وسيأتي في أروع وقت ممكن.



(4) قد ينغِّص عليك نعمة كنت مستمتعًا بها؛ لأنه رأى أن قلبك أصبح مهمومًا بالدنيا، فأراد أن يريك حقيقتها؛ لتزهد فيها وتشتاق للجنة.







(5) أنه يعلم في قلبك مرضًا أنت عاجز عن علاجه باختيارك، فيبتليك بصعوبات تُخرجه رغمًا عنك، تتألم قليلًا، ثم تضحك بعد ذلك.



(6) أن يؤخر عنك الإجابة حتى تستنفد كلَّ الأسباب، وتيئس من صلاح الحال، ثم يصلحه لك من حيث لا تحتسب؛ حتى تعلم من هو المنعِم عليك.







(7) قد يبتليك حين تقوم بالعبادة من أجْل الدنيا؛ حتى يعود الإخلاصُ إلى قلبك، فتعتاد العبادة للرب الرحيم، فيعطيك ولا يحرمك.







(8) أن يطيل عليك البلاء، ويريك خلال هذا البلاء من اللطف والعناية وانشراح الصدر ما يملأ قلبَك معرفة به؛ حتى يفيض حبه في قلبك.







(9) أن يراك غافلًا عن تربيته، وتفسِّر الأحداث كلَّها وكأنها تحدُث وحدها، فيظل يريك من عجائب أقداره، وسرعة إجابته للدعاء؛ حتى تستيقظ وتبصر.







(10) أن يعجل لك عقوبة على ذنوبك؛ حتى تعجل أنت التوبة، فيغفر لك ويطهِّرك، ولا يدع قلبك تتراكم عليه الذنوبُ حتى يغطيه الران فتعمى.







(11) أنك إذا ألححت على شيء مصرًّا في طلبه، متسخطًا على قدر الله، يعطيك إياه؛ حتى تذوق حقيقته فتبغضه، وتعلم أن اختيار الله لك كان خيرًا لك.







(12) أن تكون في بلاءٍ، فيريك مَن هو أسوأ منك بكثير (في نفس البلاء)؛ حتى تشعر بلطفه بك، وتقول مِن قلبك: الحمد لله[11].







الربوبية تتجلى في قصة أصحاب الأخدود:



روى مسلم في صحيحه عن صُهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر))، وهذا شأن الملوك قديمًا، كانوا يعتمدون على السَّحَرة في تثبيت ملكهم، فكان السحَرة يعملون على إخضاع الناس للحكام بما يقومون به من خدع وترهات.







واعلم أن العلماء قد اختلفوا في كفر الساحر:



فكفَّره مالك وأحمد وأبو حنيفة تكفيرًا مطلقًا؛ وذلك لأنه يدَّعي ملك الضر والنفع والخلق، وتغيير الأمور والأحوال، وتقليب القلوب على الحب والبغض، وقد علمت أنه لا يقدر على ذلك إلا اللهُ، فالساحر قد أشرك بالله في ربوبيته، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]؛ ولهذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أنِ اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلْنا ثلاثَ سواحرَ"، فحدُّ الساحر القتل، وتخليص العباد والبلاد من شره وأذاه.







((فلما كبِر))؛ أي: الساحر.



((قال للملك: إني قد كبِرتُ؛ فابعث إليَّ غلامًا أعلِّمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلِّمه)).



ولماذا طلب غلامًا، ولم يطلب شابًّا يافعًا، أو رجلًا كبيرًا عاقلًا؟







الجواب: لأن الغلام الصغير قابلٌ للنقش والتشكيل، وهذا يدعونا إلى الاعتناء بأولادنا ونقشهم وتشكيلهم منذ نعومة أظفارهم على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتخلق بالأخلاق الفاضلة.



ومِن قول الساحر: "ابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر"، نجد نموذجًا لبطانة السوء التي يهمها أن تبقى الأوضاع التي يستفيدون منها وينعمون فيها.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-10-2020, 07:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرب جل جلاله

الرب جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان




((فكان في طريقه إذا سلك، راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجَبَه)):

جاء في رواية الترمذي: ((وكان الراهب إذ ذاك على دين الحق)).

وثمة سؤال هام: كيف أحَبَّ الغلامُ كلامَ الراهب مع أنه كان يتعلم السحر؟


الجواب: الفطرة؛ فالله تعالى قد فطَر الناس جميعًا على الإيمان والتوحيد، فالراهب كان لا يتكلم إلا بالتوحيد، بخلاف الساحر الذي كان لا يقول إلا طلاسم تأباها الفطرُ النقية، والقلوب التقية.



((فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه)):

وهذا الضرب يمثِّل بالنسبة للغلام بلاءً وامتحانًا إذا راعينا أنه غلام صغير، فالله تعالى أراد أن يربِّيَه منذ البداية تربيةً حقيقية كاملة.

((فشكا ذلك إلى الراهب)) ولم تكن شكوى الذي يقدِّم المعاذير ليتخلَّى ويتراجع، ولكنها شكوى الذي يعاني من مشكلة تعوق انطلاقه واستمراره يبحث لها عن حل، فلينتبه المربُّون؛ لأن المشاكل التي تعوق السائرين كثيرةٌ، ولا بد أن يوجدوا لها حلولًا مناسبة.



((فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبَسَني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر)).

فكان الراهب ينظر إلى الواقع على أنه حرب، ومن ثَم أباح للغلام أن يكذب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدِّث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس))[12].



وليتأمَّل طلاب العلم حرصَ الغلامِ على حضور الدرس رغم الضرب الذي يتعرض له من الساحر ومن أهله، فلماذا يُعرِض الكثيرُ عن الدروس ومجالس العلم، رغم أنهم لا يُضربون ولا يُؤذَون، وإنما هو الانشغال بالدنيا! وغفل هؤلاء عن أن الإعراض عن العلم يستجلب إعراض الرب جل جلاله.



((فبينما هو كذلك؛ إذ أتى على دابة عظيمة قد حبستِ الناس، فقال: اليومَ أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناسُ، فرماها فقتلها ومضى الناس))، فدائمًا مع شدة الابتلاء تظهر الآيات التي تعين على الصبر وتطمئن النفوس.



ولا ننسى أثر الازدواج في منهج التلقي عند الغلام، فقد أحدث له ترددًا، وإن كان قلبه مع الراهب بلا شك؛ ولذلك لجأ إلى الله ودعاه حتى يطمئنَّ قلبه.

((فأتى الراهب فأخبره))؛ أي: بخبر الدابة التي قتَلها الله بدعائه.



((فقال له الراهب: أي بُني، أنت اليومَ أفضلُ مني))؛ فقد أيدك الله بهذه الكرامة الواضحة، والراهب إذ ذاك يعلِّمنا درسًا عظيمًا في التواضع؛ لأن الراهب أفضل من الغلام بلا شك؛ فهو الذي علَّمه التوحيد ولقنه العلم، ومع ذلك يقول له: أنت اليوم أفضل مني!

لا جَرَم؛ فقد قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].




((قد بلَغ من أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى)):

وليس هذا رجمًا بالغيب، بل معرفة بسنن الله الكونية والشرعية، فكل مَن سلك طريق الإيمان، وخصوصًا إذا كان داعيًا إليه، لا بد أن يبتلى، وليس الابتلاء خاصًّا بأمة دون أمة؛ وإنما هو لكل المؤمنين في كل العصور؛ قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].



((فإن ابتُليتَ، فلا تدل عليَّ)):

قاعدة عظيمة في ترك طلب البلاء، بل في البعد عنه، وسؤال الله العافية؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تتمنَّوا لقاء العدو، وسلُوا الله العافية))[13]، وفي هذا أيضًا استعمال الكتمان والسرية في بعض أمور الدعوة إذا وقع الاضطرار إلى ذلك، فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم السريةَ في الدعوة ثلاث سنين إلى أن تمكَّن من الجهر بها.



((وكان الغلام يبرئ الأَكْمَهَ والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء)):

الأكمه: الذي وُلد أعمى، والبرص مرض جلدي عضال معروف، وهذه كرامة أو معجزة قدَّرها الله تعالى على يده؛ حتى لا يكون لأحد حجة في عدم اتباعه؛ كما هو الشأن في جميع الأنبياء ومعجزاتهم، قال تعالى عن عيسى: ﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 49]، وقال عن موسى: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63].




والفرق بين الكرامة أو المعجزة، والسحر والشعوذة: التدين والطاعة والالتزام بالسُّنة، فقد روي عن الشافعي رحمه الله: "إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يسير على الماء، فلا تصدِّقوه حتى تروا اتباعَه للرسول صلى الله عليه وسلم".



((فسمع جليس للملك، كان قد عمِي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع، إن أنت شفيتَني)):

هؤلاء لا يعرفون إلا لغة المال، ولكن الداعية الصادقَ لا يجعل للدنيا قيمة في دعوته، بل لا يضع قدمًا أو يرفعها إلا وهو يبتغي الأجر والمثوبة من الله تعالى.



((فقال: إني لا أشفي أحدًا؛ إنما يشفي الله، فإن أنت آمنتَ بالله، دعوتُ الله فشفاك، فآمَن بالله فشفاه الله)):

هذا هو الرب جل جلاله الذي لا يشفي غيرُه، ولا يداوي غيره، فلا الطبيب ولا الدواء ولا الغذاء هو الذي يشفي، بل الله وحده، لا رب سواه، ولا إله غيره، قال إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يعرِّف الرب جل جلاله: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80].



وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم ربَّ الناس، أَذْهِبِ الباس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا))[14].



وانظر كيف آمن جليس الملك الذي كان لا يعرف إلا الدنيا والمال والهدايا، وهكذا في بساطة؛ لأن حقيقة الإيمان كامنةٌ في نفس كل إنسان، ولا ينقص إلا أسلوبُ الدعوة الصحيح.

((فأتى الملكَ، فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: مَن ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربُّك الله)).




هكذا يهاجر الإيمان بالمؤمن من العبودية لغير الله إلى عبودية الله وحدَه، ومن الخوف من غير الله إلى الخوف من الله وحده، ومن رجاء غير الله إلى رجاء فضل الله وحده، ومن ظلمة الجهل وموت الكفر وقسوة الشك إلى نور العلم وحياة الإيمان وراحة اليقين، فالإيمان يصنع الأعاجيب.



((فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دل على الغلام)):

ليست خيانة ولا عمالة، ولكنها الطاقة البشرية المحدودة في الصبر والتحمل والثبات، وجُزي خيرًا على ثباته على دينه.



((فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بُني، قد بلَغ من سحرك ما تُبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل؟)):

فهو يريد أن يقول له: لا مانع عندي من استمرارك فيما تفعل، بشرط أن تقول للناس: إن هذا سحر تعلَّمته في مدرسة الملك، وأن ما تدعو إليه هو بتوجيهات الملك وتحت إشرافه ورعايته، فأبى الغلامُ إلا أن يواجه الملكَ بأن دعوته هي التوحيد الخالص والعقيدة الصافية، التي يتحتم على كل مسلم أن يدين لله بها.



((فقال: إني لا أشفي أحدًا؛ إنما يشفي الله)):

وفشِلت محاولة الاحتواء وإلباس الدعوة ملابسَ الجاهلية، وهكذا الداعية لا يُحتمل منه غير الوضوح والبيان، فعنه تؤخذ الحقيقة، ومن فمه وبكلماته يعرف الناسُ الدينَ.



((فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجِعْ عن دينك، فأبى فدعا بالمنشار في مفرق رأسه، فشَقَّه حتى وقع شِقَّاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه)):

فهكذا التوحيد إذا غُرس في النفوس، وهكذا الإيمان إذا غمر القلوب، فهذا جليس الملك الرجلُ المترَف المنعَّم، كيف كان يعيش حياة اللهو واللعب، وكيف صبر هذا الصبرَ العظيم حفاظًا على دينه؟!



وهذا الذي حدث مع الراهب وجليس الملك هو ما أخبَر به النبي صلى الله عليه وسلم عندما شكوا إليه الاستضعافَ؛ فعن خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردةً في ظل الكعبة، فقلنا: ألَا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: ((قد كان مَن قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها ويُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فينشر اثنين، فما يصدُّه ذلك عن دينه...، والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون))[15].

وهكذا يتعامل الظلَمة مع دعاة الحق، فلا فرصة للمناقشة، ولا سبيل إلى الإقناع؛ إنما هو التعذيب والتقتيل!



((ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا، فاصعَدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجَع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنِيهم بما شئت، فرجف بهم الجبلُ، فسقَطوا وجاء يمشي إلى الملِك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم اللهُ، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قُرْقُور (السفينة الصغيرة)، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله)):

فالكافي هو الله وحدَه، والقادر على كل شيء هو الله وحده، والمعز هو الله وحده، والمذل هو الله وحده، من تعلَّق به هداه، ومن توكل عليه كفاه، ومن فوض الأمر إليه نجَّاه، قال الله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]؛ حسبه: كافيه، بالغ أمره: منفذه.



وثمة سؤال هام: ما الذي جعل الغلام يعود إلى الملك وقد علم أنه قاتِلُه؟

والجواب: أن الغلام لا يريد النجاة لنفسه، بل يريد الحياة لأمته، فهو يريد أن تنتصر العقيدة، وتعلو راية التوحيد، مهما كان الثمن؛ ولهذا رجع ليعلم الكون كله أنه لا ربَّ إلا اللهُ، ولا يكون إلا ما قدَّر الله.



وثمة سؤال آخر: لماذا لم يقتله الملك مِن أول وهلة كما فعل بالراهب وبجليس الملك؟

والجواب: أنه لا يريد أن يهيج الرأيَ العام عليه بقتله للغلام الذي أظهر الله الخير للناس على يديه.

((فقال للملك: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناسَ في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله ربِّ الغلام، ثم ارمِني، فإنك إن فعلتَ ذلك قتلتَني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمَنَّا برب الغلام)):

استجاب الملك لأوامر الغلام استجابةَ الضعيف المضطر، فوصلت الدعوة للناس، وعلم الجميع أن لهم ربًّا خالقًا وحده، رازقًا وحده، مدبرًا الأمر وحده، لا يستحق العبادةَ سواه.



((فأُتي الملك، فقيل له: أرأيتَ ما كنت تحذر؟ قد والله نزَل بك حذرُك؛ قد آمن الناسُ! فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فخُدَّت وأضرم النيران، وقال: مَن لم يرجع عن دينه، فأَحْمُوه فيها، ففعَلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أُمَّه، اصبري؛ فإنك على الحق)).

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-10-2020, 07:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرب جل جلاله

ومن مجموع هذه الحقائق، نفهم قول الله تعالى في سورة البروج:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 1 - 22][16].



حق الرب (جل جلاله):

(1) دعاؤه تعالى بهذا الاسم (الرب):

وحسبك أن الأنبياء جميعًا دعَوا بهذا الاسم العظيم:

دعا به الأبوان الكريمان حين أكَلا من الشجرة وطلبا المغفرة: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].



دعا به نوح حين قال: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ [نوح: 28]، وقال: ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ [هود: 45].

دعا به موسى حين قال: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ﴾ [الأعراف: 151].

دعا به يوسف حين قال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، وقال: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 101].



دعا به زكريا حين قال: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89].

دعا به سليمان حين قال: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35].

ودعت به امرأة عمران حين قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ﴾ [آل عمران: 35].

وأكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم المنثورة في السُّنة كانت بهذا الاسم العظيم (الرب).



ودعاء الصالحين كما أخبَر عنهم ربُّ العالمين في كتابه المبين، كان بهذا الاسم العظيم، حين قالوا: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 193، 194]، وقالوا: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان: 65][17]؛ وذلك لأنه خالق كل شيء، ومالك كل شيء، والمتصرف في كل شيء، والمهيمن على كل شيء.

قال بعض السلف: "مَن قال: يا رب، يا رب، يا رب، استُجيب له"[18].



(2) ألا نُطلِق هذا الاسم إلا عليه:

فإذا أُطلق الرب، فلا يُراد به إلا الرب جل جلاله، ولا يحل إطلاقُه إلا عليه، لكن قَيِّد كما تشاء، فقل: رب الدار، رب الأسرة، رب الغنم، ولكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول العبد لسيده: (ربي)؛ ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقل أحدكم: أَطعِمْ ربَّك، وضِّئْ ربَّك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أَمَتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)).



(3) أن نكون له عبيدًا:

إذا أقررنا أن الله تعالى هو الخالق لهذا الكون وما فيه، والمتصرِّف فيه بالإحياء والإماتة، والخلق والرزق والتدبير، فينبغي أن نعطيه حقَّه في العبادة، وأن نفرده بها، ونخلص له فيها، فلا يتعلق العبد إلا به، ولا يخاف إلا منه، ولا يرجو إلا إياه، ولا يتوكل في دفع المضار وجلب المنافع إلا عليه.



قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 88، 89]؛ أي: كيف تتعلقون بغيره، وتخافون غيره، وترجون سواه؟!

وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38].



فإذا قال: قائل: لماذا كان الله هو الإله الحق؟

الجواب: لأنه الرب.

أو بصيغة أخرى: الذي يستحق التألُّهَ، وتجب له العبادة والطاعة، والحب والتعظيم، والخضوع الكامل والالتجاء - لا بد وأن يكون خالقًا، ولعبده رازقًا ومدبرًا، وعليه مقتدرًا، فإن اختل شيءٌ من ذلك، لم يكن بذلك إلهًا، وقد جمع الله كلَّ ذلك في آيات جامعة، أقام بها الحُجة على المشركين وغيرهم، قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 60 - 65][19]، فالذي يقر أن له ربًّا: لا يشغله شيءٌ عن عبادته، ولا يغفل لحظة عن طاعته.



(4) أن نُفرِده بالتحليل والتحريم (التشريع):

فالرب جل جلاله هو وحدَه الذي له حقُّ التحليل والتحريم؛ إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلستُ أنا ولستَ أنت، وليس أحد يحل له أن يقول: هذا حلال أو هذا حرام، إلا بخبر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومَن خالَفَ هذا السبيلَ، فقد أشرَك بالله في ربوبيته.



قال عدي بن حاتم: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك، فطرحتُه، فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، حتى فرغ منها، فقلت: إنَّا لسنا نعبدهم! فقال: ((أليس يُحرِّمون ما أحل الله فتحرِّمونه، ويُحِلون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟))، قلت: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم))[20].



(5) الرضا به:

أن ترضى بأوامره امتثالًا، وترضى بنواهيه اجتنابًا، وترضى بأقداره المؤلمة، ترضى بكل نعمة ومصيبة، وكل منع وعطاء، وكل شدة ورخاء، ترضى به إذا عافاك أو ابتلاك، ترضى به إذا أعدمك وأفقرك، أو أغناك وحباك.

مَن رضي بربه، ملأ قلبه سعادة وسرورًا، وزيَّن في قلبه الإيمان، وكرَّه إليه العصيان، قال صلى الله عليه وسلم: ((ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا))[21].



(6) التبرؤ مِن كل ما يعبد من دون الله:

وكذلك التبرؤ من كل ما يخالف دينَ الله، والعمل من أجل إبطال الشرك وإزالته، والسعي في الأرض لإقامة دين الرب جل جلاله، وذلك ببذل النفس والمال والكلمة في سبيل الله.



قال تعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عيه السلام: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 75 - 83].




(7) أن يتقي العبد ربَّه فيمَن ولاه عليهم:

فيتقي العبدُ ربَّه في والدَيْه اللذين بلغا الكِبَر، وأن يتقي العبد ربه في أولاده وزوجته، وأن يتقي العبد ربه في تلامذته، وأن يتقي العبد ربه في بهيمته، وأن يتقي العبد ربه في كل مَن هم تحت ولايته؛ لأنه ربهم وجب أن يربِّيهم شيئًا فشيئًا برفق ولين، وحكمةٍ وعلم، وحلمٍ ورحمة.



فعن عبدالله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسَح ذِفْرَاه، فسكت، فقال: ((مَن ربُّ هذا الجمل؟ لمَن هذا الجمل؟))، فجاء فتى مِن الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها! فإنه اشتكى إليَّ أنك تُجيعه وتُدْئِبُه))؛ أي: تتعبه[22].



(8) أن يكون العبد ربانيًّا:

وكيف يكون العبد ربانيًّا؟ (صفات العبد الرباني).

أن يعلِّق قلبه بالله وحده: فهو ليس عبدًا للمال، ولا عبدًا للناس، ولا عبدًا للنساء، ولا عبدًا للشهوات، ولا عبدًا للمنصب والجاه، ولا عبدًا لمن يدعوه ويرتبط به؛ وإنما هو عبدٌ لله وحده، قلبه ليس معلقًا إلا به.

قال الفُضيل بن عياض لرجل: "لأعلمنَّك كلمةً هي خير من الدنيا وما فيها، والله لئن علِم الله منك إخراج الآدميين مِن قلبك حتى لا يكون في قلبك مكانٌ لغيره، لم تسأله شيئًا إلا أعطاك"[23].



أن يتعلم العلم الشرعي:

الذي به يعبد ربَّه على بصيرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]، فالربانيُّ هو الذي يتعلم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويعمل بذلك ويعلِّمه.



أن يكون صابرًا على الابتلاء، صابرًا أمام فتنة المال، صابرًا أمام فتنة النساء، صابرًا الصبر الجميل الخالي مِن الشكوى والضجر، قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].

أن يكون متألهًا متعبدًا: لا يسمح لشيء أن يشغله عن الطاعة، أو أن ينسيه الربَّ.



أن يكون غيورًا على دين الله، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر:

قال تعالى: ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63]، العبد الرباني غيور على محارم الله، لا يغضب لنفسه، ولكن يغضب إذا انتُهكت حرُماتُ الله.





[1] رواه مسلم.




[2] رواه الترمذي، والحاكم، وصححه الألباني.




[3] رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع.




[4] رواه البيهقي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.




[5] الصواعق المرسلة.




[6] أسماء الله الحسنى؛ د / محمد أشرف حجازي.




[7] حقيقة الإيمان ج1؛ د/ عمر عبدالعزيز قريشي.




[8] انظر: صحيح الجامع، وفيض القدير.




[9] تفسير السعدي.




[10] طريق الهجرتين.




[11] مجموعة تغريدات / من تربية الله لك؛ د/ توفيق الرقب.




[12] رواه الترمذي، وأصله في الصحيحين.




[13] متفق عليه.




[14] رواه الترمذي، وأبو داود، وصححه الألباني.




[15] رواه البخاري.




[16] هذه الفقرة ملخصة من:

1- أصحاب الأخدود؛ رفاعي سرور.

2- تأملات إيمانية في قصص القرآن؛ ياسر برهامي.

3- صحيح القصص النبوي؛ عمر الأشقر.




[17] ولله الأسماء الحسنى؛ عبدالعزيز ناصر الجليل، بتصرف.




[18] أسماء الله الحسنى؛ محمد أشرف حجازي.




[19] منهج جديد لدراسة التوحيد؛ عبدالرحمن عبدالخالق.




[20] رواه الترمذي، والطبراني في الكبير، والبيهقي في الكبرى، وحسنه الألباني.




[21] رواه مسلم.




[22] رواه أبو داود، وصححه الألباني.




[23] صفة الصفوة؛ ابن الجوزي.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.25 كيلو بايت... تم توفير 2.80 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]