التعبئة الاجتماعية في القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 183 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28422 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60027 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 812 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > روضة أطفال الشفاء

روضة أطفال الشفاء كل ما يختص ببراءة الأطفال من صور ومسابقات وقصص والعاب ترفيهية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-10-2020, 01:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي التعبئة الاجتماعية في القرآن الكريم

التعبئة الاجتماعية في القرآن الكريم


عمر الدسوقي




تهدف الانسانية منذ فجر التاريخ إلى إيجاد مجتمع سعيد. ليعيش فيه الناس إخواناً متحابين، يعاون بعضهم بعضاً في السراء والضراء، ما دام الانسان لا يستطيع أن يعيش وحده، ولابد له من مجتمع يحتضنه ويتعاون وإياه على تذليل سبل الحياة، وما دام الإنسان قد ولد وفي فطرته مجموعة من الغرائز الجامحة، والتي لو أطلق لها العنان مثلما كانت أيام أن كان يعيش في عصور ما قبل التاريخ حين كان جل همه أن يعيش وأن يحافظ على حياته، وحين كان يترقب في كل ثنية خطراً وفي كل حركة شراً، وكان يأوى إلى الكهوف والغابات ويعتمد على حواسه وغرائزه في الدفاع عن نفسه وتحصيل قوته.


وجاء الأنبياء تباعاً يهدون الجماعات الانسانية إلى الخير، وكيف ينظمون الحياة التي يحيونها، وقامت الحكومات وشرعت القوانين لتهذيب الغرائز الانسانية، والحد من شهواتها، وتنظيم المعاملات بين الأفراد بعضهم وبعض ولا تزال الانسانية على الرغم من مظاهر الحضارة الخلابة، وتذليل الانسان لقوى الطبيعة وتسخيرها لنفعه وخدمته وعلى الرغم من سمو عقله وغزارة ثقافته تتخبط في التشريع الصالح الذي لو أخذ به الناس لعاشوا في سعادة ورضى.



ونحن المسلمين قد نزل علينا كتاب كريم من رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وترك في أيدينا ثروة روحية جليلة تكرم في الإنسان معنى الإنسانية، وترفع في عينه قيم الفضائل الجميلة وتوثق بين الناس رابطة من الأخوة الصادقة، وتقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين الطبقات على أساس من الرضا والتعاون وتضع لأصول المشكلات حلولاً ترتكز على الحق لا على الهوى.




ولو أننا رجعنا إلى هدى القرآن وشرعه الحكيم، وصرنا مسلمين حقاً إيماناً وعملاً نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا التشريع القرآني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه غير ما شرع البشر وما يشرعون تتحكم فيهم أهواؤهم، وتضل عقولهم – وهي لا شك عرضة لأن تضل ما داموا بشراً – وأنهم يخطئون ويصيبون وإلا لما كثرت التشريعات وعدلت القوانين ولا تزال ولن تزال تعدل ما دام البشر هم القوامين عليها. إذا آمنا هذا الإيمان، وطبقناه تطبيقاً صحيحاً كاملاً كما فعل المسلمون الأول أيام محمد عليه السلام وصحبه الراشدين لوصلنا إلى المجتمع السعيد الذي تنشده الانسانية.

ولا يروعنكم هذا القول، وأن المدنية الحديثة وتعقيدات الحياة تتطلب شيئاً آخر، فالقرآن الكريم قد وضع المبادئ العامة، والأسس الكاملة، وما علينا إلا أن ننظر في حكمة تشريعه وروح حكمته، ونقيس ما لا نعلم على ما نعلم.

والمجتمع يتكون من أفراد، ثم من أسر، ثم من طبقات مضطرة بحكم الحياة أن يعيش بعضها مع بعض، ولم يترك القرآن واحدة من هذه السلسلة لم يضع لها القواعد والأصول التي تكفل سعادة المجتمع ورفاهته.



وقد تناول القرآن الكريم الفرد من ناحيتين، ناحية شخصه هو، وهي الصفات الفردية التي يجب أن يتحلى بها ليعود نفعها عليه وحده كأن يعتصم الانسان بالصبر عند المحن والشدائد في قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا على الخاشعين} وقوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} وكالاعتدال في الانفاق فلا بخل ولا إسراف كقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا} وكقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}.



على أن معظم الصفات الفردية التي أمر بها القرآن إن كانت جميلة ونهى عنها إن كانت ذميمة تعود في مجملها على المجتمع، لأن الشخص الذي يتحلى بمكارم الأخلاق يألفه الناس ويتأسون به، ويحبونه ويعاونونه، وهو من جهته لكمال خلقه الفردي يسعى إلى خيرهم، لأن سجيته مفطورة على الخير.

ولكن الذي يهمنا في بحثنا هذا هو علاقة الفرد بالمجتمع، علاقته أولاً بأسرته، زوجه وأبويه وأولاده وخدمه، ولا شك أن الأسرة القوية المتحابة التي تسود بينها الرحمة والعناية تفضي إلى مجتمع سليم، فالأسرة نواة المجتمع استمع إلى قوله تعالى ينظم العلاقة بين الزوجين {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} حيث جعل الله من آياته هذا الإئتلاف بين الرجل والمرأة لبقاء النوع الإنساني وتكوين الأسرة، وجعل الزوجة من الجنس البشري كالرجل ولكنه لم يقل من جنسكم وقال من أنفسكم كأن الزوجة جزء من نفسه يعزها اعزاز نفسه ويحرص عليها حرصه على نفسه ثم قال: لتسكنوا إليها وفي السكن المأوى والطمأنينة والراحة والأمن، وجعل أساس العلاقة بينهما المودة والرحمة بخلاف سائر الحيوان حيث العلاقة بين الذكر والأنثى هي العلاقة الجنسية وفي هذا ارتفاع بالانسان عن نطاق الغريزة وسمو العلاقة الزوجية وبدون المودة والرحمة لا ينتظم حال الاسرة وبالمودة والرحمة بين الزوجين يتم التآلف والمحبة ويبقى النوع الانساني.



وإذا حدث نفور لأمر ما بين الزوجين {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فلا شحناء ولا بغضاء ولا إيذاء. ولست أريد هنا أن أخوض في التشريعات العديدة التي تتعلق بالزوجين وحقوق كل منهما وما يترتب على ذلك من نفقة وطلاق غيره، لأن ذلك يخرج عن نطاق بحثنا، حيث نقرر المبادئ العامة التي تكفل سعادة المجتمع، وإن كان لا يفوتني أن أنوه بأن التشريع الإسلامي الخاص بالزواج له حكمة بالغة تهيئ للاسرة السعادة وأن هؤلاء الذين ينادون بتغييره جرياً وراء التقاليد الغربية لم يفهموه حق فهمه ولم يدركوا ما وراءه من مزايا، وما في المجتمع الغربي على اختلاف اقطاره من تحلل وفساد.

ولنستمع إلى قوله تعالى في العلاقة بين المرء وأبويه حيث قال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}.

فقضى الله وأمر أمراً نافذاً متطوعاً به بأن نعبده وحده دون سواه، وجعل من هذا القضاء المقرون بعبادته الإحسان للوالدين، الإحسان بالقول والإحسان بالعمل. وبذلك يسود الأسرة جو الصفاء والمحبة. ومفروض جبلة وفطرة أن الوالدين يحبان ولدهما ويرعيانه ويتحملان في سبيله كل عذاب وألم رضية بذلك نفساهما وعن هذه المحبة الفطرية قال البدوي قديماً:





وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض





ولذلك لم يكن الوالدان في حاجة إلى النصح بحسن معاملة الأبناء والبر بهم، أما الولد فسرعان ما يشب ويكوّن أسرة وقد ينسى في ظل أسرته الجديدة ما عليه من تبعات حيال هؤلاء الذين كانوا السبب في وجوده في هذه الحياة والذين تعبوا من أجله حتى صار قوياً مستقلاً بنفسه، ولذلك كان في حاجة إلى النصح بل الأمر من الله العلي الكريم بالبر بهما والإحسان إليهما، وقد يكونان في كنفه ورعايته وقد بلغ بهما الكبر حداً أعجزهما عن الكسب وقد يتضايق الابن منهما بعد أن صارا عاجزين وهما اللذان انفقا شبابهما وقوتهما في توفير الهناءة له فنهى الله أن يصدر عنه يشعرهما بأنه متضايق منهما برم بحياتهما حتى كلمة (أف) علامة التضجر لا يجوز له أن يتفوه بها، فما بالك بسواها، وكذلك لا ينهرهما ويزجرهما ويرفع صوته أمامهما ولو أتيا ما يوجب ذلك احتراماً لشيخوختهما ورحمة بهما، بل يقول لهما قولاً كريماً فيه سماحة نفس وتقدير لمعروفها وأياديهما عليه، وفيه مودة وبشاشة تسري عنهما وتدخل البشر على قلبيهما العجوزين ولم يكتف الله سبحانه بهذا بل أوجب على المرء أن يتخذ خطوة إيجابية نحوهما، وعبر بذلك التعبير البياني السامي، وهو أن يخفض لهما جناح الذل، أي يتذلل لهما ويتواضع، فلا يعتد بشبابه وبماله ولا يمن عليهما بالانفاق فكل ما يقدمه لهما ليس شيئاً بجانب نعمة الحياة عليه، وبجانب ما قاما به في تنشئته عن محبة ورضى. ثم أمره بأن يدعو لهما بالرحمة في الحياة الدنيا والآخرة، رحمة مثل رحمتهما به وتربيتهما له وإرشادهما له في صغره رحمة تجعل شيخوختهما تمضي في يسر حتى يقضي الله فيهما أمره. ثم وجه الله تهديداً للأبناء بأنه أعلم بما في نفوسهم وما يشعرون به إزاء والديهم. وكأنه يحذرهم من أن يضمروا لهما كراهة أو استثقالاً، وإذا كانت نيتهما صالحة وبرهما يصدر عن محبة لهما واعزاز فإن الله يغفر لهم ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير وفي هذا ما فيه من تشديد الأمر بالإحسان لهما والقيام بشئونهما في طواعية وذلة وخضوع.

ولا شك أن الابن سيكون أباً يوماً ما. وسيطلب من ابن أن يعامله مثل هذه المعاملة، وبذلك تظل هذه التقاليد الكريمة مرعية، وآداب الأبوة معمولاً بها، ورباط الاسرة قوياً عماده المحبة والرحمة والبر والمعاونة.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-10-2020, 01:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التعبئة الاجتماعية في القرآن الكريم

أما علاقة الفرد بالمجتمع فلا أستطيع مهما بالغت في الايجاز أن آتي على كل ما قدمه القرآن الكريم لنا من تعاليم وتشريع ويحسن هنا أن اذكر نماذج من هذه التعاليم القويمة: هناك مثلاً تعاليم يقصد بها تهذيب الخلق والدماثة، ومراعاة إحساس غيرنا من الناس حتى لا يتأذوا منا يقصد منها التربية الخلقية الاجتماعية الرفيعة من ذلك مثلاً رد التحية في قوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}، وقدم طبعاً أن يكون الرد أحسن من التحية، فالذي تقدم بالتحية متفضل وعلينا أن نراعي تفضله فنرد تحيته بأحسن منها، وفي هذا تربية للذوق الاجتماعي، واحكام لصلات المودة بين الناس، وأقل ما يجب أن نرد التحية بمثلها.


ومن ذلك الاستئذان عند دخول بيوت غيرنا من الناس، ثم تحية من فيها، وإذا لم نجد بها أحداً فلا نقتحمها وندخلها بغير إذن، وإذا طلبوا منا أن نرجع لأن الوقت غير مناسب، أو كانوا على غير استعداد لاستقبالنا فما علينا إلا أن نرجع. ولنستمع إلى قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم}.

وما ترمي إليه هذه الآية الكريمة من مراعاة لحرمات البيوت، وأوقات الراحة وتنظيم الزيارات غنى عن أن أخوض فيه ولم يكتف القرآن الكريم بهذا بل شرع من قوانين اللياقة والذوق الاجتماعي أنه إذا قيل لنا تفسحوا في المجالس فلنوسع لغيرنا ولا نستأثر بالمكان كله ونضع سوانا في حرج {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم}.



وليس من اللياقة والأدب الإسلامي الكريم تتكبر على الناس ونصعر لهم خدنا، أو نمشي الخيلاء ونتيه عليهم، أو نكلمهم بصوت مرتفع فيه أمارات السيطرة والغطرسة فكل ذلك مما يبغضهم فينا ويسئ إلى ما بيننا من علاقات، استمعوا إلى قوله تعالى مخاطباً نبيه: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} ، وبحسب هذا الذي يرفع صوته كبراً أن يشبه بالحمار في صوته المنكر. وأيّد الله سبحانه هذه التعاليم في قوله {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} فهؤلاء الذين يمشون على الأرض بتواضع ورفق ولين من غير خيلاء وكبرياء وصفهم الله سبحانه بأنهم عباده ونسبهم إليه فهم عباد الرحمن، وهم الذين يعرضون عن كلام السفهاء فلا يقابلونهم بالمثل، بل يردون عليهم رداً فيه سلامة من أذاهم وفيه ترفع عن السفه.

ولا أريد أن استرسل في ذكر هذه التعاليم الحميدة التي يتصف بها المجتمع الراقي المهذب وتجعل العلاقة بين الناس يسودها الأدب الجم ومراعاة الاحاسيس والمشاعر. ولأنتقل إلى بعض التعاليم التي يجب أن تسود العلاقات الانسانية في المعاملات والتي جعلت المجتمع الإسلامي الأول خير مجتمع رأته الإنسانية في تاريخها الطويل.



من ذلك البر بالفقراء والمساكين والعمل على تهيئة الحياة التي تكفل لهم العيش الكريم، وقد جعل الإسلام الزكاة فريضة من الفرائض كالصلاة والصوم، وحارب الخليفة أبو بكر من أجلها العرب الذين امتنعوا عن أدائها. ومشكلة الفقر والغنى من أهم المشكلات التي اهتم بها الإسلام وقد صار للفقير حق معلوم بعد أن كان في الجاهلية أريحية وجوداً {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}، ليكون المجتمع مستنداً إلى دعامة قوية من التشريع، فلا يترك لنخوة الأفراد إن شاءوا أعطوا وإن شاءوا منعوا، ولكن إلى الحق الذي فرضه الله تعالى، والآيات التي يحث فيها الله سبحانه على الإنفاق والجود والبر بالفقراء والمساكين كثيرة جداً وتدل على أن التشريع الإسلامي يهدف إلى حل هذه المشكلة التي توجد الفروق بين الطبقات وتوجد الخلل في المجتمع، فإن الفقر يتسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية كالسرقة والقتل والنهب وإغتصاب الأموال والتزوير والخداع إلى آخر هذا الثبت من الصفات الاجتماعية الذميمة. من هذه الآيات الكريمة قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب}، وأوصى بل أمر بالعطف على من يستحق العطف من الضعفاء وأوجب الإحسان إليهم فقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا}، وليس الاحسان بالكلمة الطيبة فحسب ولكن بإسكات سعار البطن الجائعة ونداء المعدة الخاوية وكسوة العاري ومداواة المريض. ونلاحظ الاهتمام بالجار وحقه أيا كان هذا الجار حتى لا يدخله الحسد من النعمة التي يتقلب فيها جاره وهو يبيت على الطوى وأولاده يتضاعفون من المسغبة والفاقة وجعل الله سبحانه الحسنة بعشر أمثالها، ونفر من البخل وهدد البخلاء بعذاب أليم {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}، ولا شك أن المجتمع السعيد هو الذي يتعاون أفراده فيما بينهم على الخير ويأخذ فيه القوي بيد الضعيف والغني بيد الفقير. ومن أجل إيجاد المجتمع السعيد حرم الله الربا، لأن فيها تعجيزاً للفقراء وسيطرة عليهم من أصحاب الأموال واذلالهم، وتوسيع الهوة بين الطبقات حين يغرق الفقراء في الدين ويقوى على حسابهم ذوو اليسار. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}.



والمجتمع السعيد هو الذي يتماسك أفراده فيما بينهم ويتعاونون على حد قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وأن يكون بعضهم أولياء بعض يتناصرون ويتناصحون في السراء والضراء، هذا المجتمع هو الذي وصفه الله سبحانه بقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}، والأمر بالمعروف علم إيجابي لتقدم المجتمع والنهي عن المنكر حتى لا يشيع الفساد في المجتمع. ولم يترد المجتمع الاسلامي في مهواة الضعف إلا حين أحجم أفراده عن التعاون على الخير وغلبت عليهم الفردية والاثرة وصار كل يعمل لنفسه غير مبال في سبيل غاياته بضحايا نهمه وجشعه وأثرته، ومن ثم تفكك المجتمع وانحلت عراه، وزاد الأمر سوءاً الإحجام عن إسداء النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي هذا تخل عن التبعة وعدم مبالاة بما يدور حولنا.

المجتمع الذي يصل أفراده إلى هذا الحد من الاستهتار به والانصراف كل إلى خاصة شئونه مجتمع متحلل متدهور لأرجاء فيه إلا إذا أدى أفراده ما عليهم كمواطنين صالحين يعتقدون أن الوطن لهم جميعاً وليس لأي فرد على حدة.



والمواطن الصالح في المجتمع السعيد الذي يحرص عليه الكتاب الكريم هو الذي لا يمالئ العدو ولا يتخذه ولياً ولا تكون بينه وبينه مودة فإن في ذلك خيانة لمبدأه ووطنه وعقيدته وقومه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}، فهنا نهي قاطع عن اتخاذ الأعداء نصراء ومعاونين لأنهم كما وصفهم الله سبحانه في آية أخرى: {لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}، وأن ما يقوم به الخونة اليوم وعملاء الاستعمار وصنائعه لمما يؤذي المجتمع العربي في كيانه ويفرق بين أبنائه ويمكن للاعداء في بلادنا وقد وصفهم الله بأنهم ظالمون {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}، ووصفهم بأنهم ضلوا سواء السبيل {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}.

ومن مزايا المجتمع المثالي السعيد أن تسود الثقة بين أفراده في معاملاتهم ووعودهم، وأن يتصف أفراده بالأمانة فلا يخونون ولا يغدرون وفي ذلك يقول الله سبحانه: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} ويقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، وإذا اتصف أفراد المجتمع بالأمانة ساد الحياة والمحبة. أما الوفاء بالوعد فهو دليل الرجولة لأنه مبني على الشجاعة وعدم الأثرة والتضحية، يخرج الانسان من الوحشية إلى الحضارة فلا تعود القوة الغاشمة هي القانون والواجب، ولا تعود المصلحة الخاصة هي القائد الذي يوجه أعمال الانسان في حياته وبه تسود الحياة الثقة والطمأنينة والايمان: الثقة في الكلمة تعطى، وفي التوقيع يكتب، وفي المعاهدات تمهر. وفي الوفاء بالوعد يقول الله سبحانه: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، ولقد كانت هذه الصفة الجليلة سمة المسلمين في جميع البلاد التي فتحوها وعاهدوا أهلها حتى ضرب بهم المثل في الوفاء وحسن المعاملة، ولذلك دانت لهم الدنيا العريضة.



هذه لمحة خاطفة من هدي القرآن في التعبئة الاجتماعية، ونماذج محدودة قصد بها ضرب المثل على الغاية التي يهدف إليها القرآن الكريم وهي غاية شرعها رب العالمين لخلق المجتمع السعيد الذي ترنوا إليه الإنسانية ولا تعرف كيف تصل إليه.

وإن الحديث ليطول في هذا البحث حتى ليصير سفراً ضخماً حافلاً.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.11 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (3.29%)]