#1
|
||||
|
||||
عجبا لها من دنيا
عجبا لها من دنيا عبدالعظيم أنفلوس يرى الإنسان في هذه الدنيا أشياءَ غريبة، ويعيش أحوالاً عجيبة، فعجبًا لها من دنيا! إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا، وإن أفرحت بعضًا أحزنت كُلاًّ، يأتي الإنسان ويذهب، يُولَد ويموت، فعجبًا لها من دنيا! لا يدوم لها حال، ولا يستقر لها مقام، ولا يهنأ بها إنسان، فعجبًا لها من دنيا! تبتسم لك أحيانًا، وتبسط لك أجنحة نعيمها فترة، ثم ما تلبث أن تنقلب الابتسامة عُبوسًا، والنعيم سقمًا، فعجبًا لها من دنيا! ترى الناس فيها هائمين على وجوههم، بين مُقْبِل ومُدْبر، وماش ومُهَرْوِل، ونائم ومستيقظ، وفاعل للخير ومرتكب للسوء، فعجبًا لها من دنيا! لها ليل ونهار، وصباح ومساء، وأرض وسماء، وبحر وبَرٌّ، وغابة وصحراء، فعجبًا لها من دنيا! الناس فيها بين الخيانة والوفاء، والصدق والكذب، والأمانة والخيانة، بين مؤمن وكافر، وفاسق وفاجر، ومنافق وموحِّد، فعجبًا لها من دنيا! الأمور فيها أخْذ ورَدٌّ، وعمل وجزاء، وسعي ووصول، وأسباب مؤدية إلى أغراض، فعجبًا لها من دنيا! لا يكاد يمر يوم بأفراحه وأحزانه، وحروبه وسلامه، وأمنه وخوفه، إلا طُوِيَتْ صفحته وصار من الماضي، فعجبًا لها من دنيا! لا يصلي مؤمن فيها في مسجده، ولا يهودي في ديره، ولا نصراني في كنيسته، إلا كُتِبَت لكلٍّ أعمالُه، ودُوِّنَ له حسابُه انتظارًا لوقت جزائه، فعجبًا لها من دنيا! بين يوم وليلة، وشهر وسنة، وعَقْد وقَرْن، تُبَدَّل الأمور من حال إلى حال، ويصبح الماضي في خبر كان، فعجبًا لها من دنيا! ترى الفقير فيها طالبًا قوت يومه وسط زحام أمثاله، وتحت عينٍ غنية تعيش في ترف وبذخ، ناظرة إليه نظرة الظافر في المعركة إلى أَسْرَاه المهزومين، ربما بالشفقة، وربما بالحقد والكراهية، فعجبًا لها من دنيا! أين أجد لأسئلتي جوابها؟ وأين أجد لمقالاتي قارئها؟ بل وأين أجد لأعمالي جزاءها؟! تلكم الدنيا بين سائل ومجيب، وآخذ ومُعْطٍ، وطالب ومطلوب، وحاكم ومحكوم، لا يُعرَف أمرُها، ولا يَنكَشِف سِرُّها، ولا تُستَبْصَر الحكمةُ منها، فعجبًا لها من دنيا! ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |