الله جل جلاله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213689 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2020, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي الله جل جلاله

الله جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان








(الله):



هو الاسمُ المفرَد العلَم الدالُّ على الذات المُقدَّسة، بل الدالُّ على سائر الأسماء الحسنى والصفات العُلى، فالأسماءُ الحُسنى كلها مَنسوبة إليه وفرعٌ عليه، ولهذا يُضيف الله تعالى سائرَ الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8].







ولهذا يقال: الرحمن مِن أسماء الله، الرحيم مِن أسماء الله، الرقيب مِن أسماء الله، ولا يُقال عكس ذلك، ونجد ذلك واضحًا في الآيات التي تتحدث عن الأسماء الحسنى والصفات العلا؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 23]، فلمَّا أراد عز وجل أن يَصِفَ نفسه بعلم الغائب والحاضر ما وصف إلا الله، ولَمَّا أراد أن يصفَ نفسه بأنه الملك القدوس السلام... إلخ؛ قال مرة أخرى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 23، 24][1].







(الله):



عندما نجد شيئًا جميلًا نقول: الله، وعندما نرى دِقة في صناعةٍ نقول: الله، وعندما نَتَعَرَّض لمواقفَ صعبةٍ نقول: يا الله! إننا نجد كلَّ الناس - أكابرهم، وعُظماءهم، وأغنياءهم، ومُلوكهم، ورؤساءهم - يُضطرُّون إلى الله، حتى أولئك الذين ربما مَرَّتْ بهم لحظات تَنَكَّروا فيها لوجود الله، أو قضى الواحد منهم زمنًا طويلًا يُحاضر ويُناظر على إنكار وجود الله، فما هو إلا أنْ يقَعَ في كُربةٍ، ويَشْعُر بالضعف البشري الإنسانيِّ، فإذا هو يصيح بوعي أو بغير وعي ليُنادي على (الله).







فها هو فرعونُ سيَّدُهم الأول الذي تَبَجَّحَ قائلًا: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات:24]، ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]!







قادته الضرورة في آخر أمره وهو في وسط البحر بعد أن أدركه الغرق إلى أنْ يقولَ: ﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس:90]، ولكن بعد فوات الأوان؛ فقال سبحانه: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 91، 92][2]، حتى إنَّ المشركين الذين عبدوا الأصنام عبدوها لتقربهم إلى الله.







(الله): أحقُّ مَن عُبِد، وأحقُّ مَن حُمِد، وأحقُّ مَن ذُكِر، وأحقُّ مَن شُكِر.



(الله): هو الاسمُ الذي ما ذُكر في قليلٍ إلا كثَّره، ولا في ضيقٍ إلا وسَّعه، ولا عند خوفٍ إلا أزاله وأمَّنه، ولا عند كربٍ إلا كشَفَهُ، ولا عند غمٍّ إلا فَرَّجَه.



(الله): هو الاسمُ الذي ما تعلَّق به فقيرٌ إلا أغناه، ولا ذليلٌ إلا أَعَزَّه وآواه.



(الله): هو الاسمُ الذي تُسْتَنْزَل به البركات، وتُجاب به الدعوات، وتُقال به العثرات، وتُسْتَدْفَع به الآفات.



(الله ): هو الاسمُ الذي انقسمتْ به الخلائق إلى سُعداء وأشقياء، سعد مَن عرَفه، وراعى حقه، وشقي مَن جهله وترك حقَّه.



لَمَّا سُئِل الإمامُ جعفر الصادق رحمه الله عن الله: فقال للسائل: هل ركبتَ البحر يومًا؟



قال: نعم.



قال: هل هاج بكم البحر حتى أيقنتَ الهلاك؟



قال: نعم.



قال: أما خطر ببالك عندها أن هناك مَن يستطيع أن ينجيك إذا أراد؟



قال: بلى، قال: فذاك هو الله.



قطرةٌ مِن فيض جُودِه تملأ الأرض رِيًّا، ونظرة بعين رضاه تَجعل الكافر وليًّا.









اللهُ ربي لا أُريدُ سِواه

هل في الوُجودِ حقيقةٌ إلا هو؟



الطَّيْرُ سبَّحَهُ والوَحْشُ مَجَّدَهُ

وَالمَوْجُ كَبَّرَهُ والحُوتُ نَاجَاهُ



والنَّمْلُ تحت الصَّخورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ

والنَّحْلُ يَهتِفُ حَمْدًا في خَلايَاهُ



والناسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فيَسْتُرُهُم

العبدُ يَنْسَى ورَبي ليس يَنساهُ










معنى "الله":



أصل كلمة (الله): الإله، حُذفت الهمزةُ الوسطى، وأُدغمت اللامان، فأصبح (الله)؛ ليكونَ علمًا على ذات الرب سبحانه وتعالى[3].



والإله في لغة العرب له معانٍ أربعة:



1- المعبود بحقٍّ.



2- المُلْتَجَأ والمفزوع إليه.



3- المحبوب الحب الأعظم.



4- الذي تحتار العقول فيه.







وكلُّ هذه المعاني ثابتةٌ في حقِّ الله تعالى، وباطلة في حق غيره، وإليك التوضيحَ:



المعنى الأول: المعبود بحق:



فالله وحدَه المستحقُّ للعبادة دون سواه، والعبادةُ: كلُّ قول وعمل ظاهر وباطن يُحبه الله مِن عباده؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ [الزخرف: 84]؛ أي: هو سبحانه وتعالى المعبود في السماء والمعبود في الأرض.



وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:3].







المعنى الثاني: الملتجأ إليه:



قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس:22، 23].







فهؤلاء المشركون مِن العرب كانوا يدعون الله، ويلتجئون إليه وحده إذا أحاط بهم الكرب في البحر، لكنهم في البر يشركون معه غيره؛ ولذلك جاء الإسلامُ بإخلاص العبادة لله وحده، والالتجاء إليه وحده، فهو الذي بِيَدِه العزُّ والذلُّ والإحياء والإماتة والنصر؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران:160].







المعنى الثالث المحبوب الحب الأعظم:



فالعربُ كانتْ تُحب آلهتها وتُعظمها وتُجلُّها وتُقدِّسها؛ ولذلك وضعوا أصنامَهم في أشرف الأماكن: فوق الكعبة وفي وسَطِها، وكانوا يحلفون بها، ويُقاتلون في سبيلها، وحاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ذو رحمٍ لأنه عابَها وسبَّها؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]؛ والمعنى: أن المؤمنين أشد حبًّا وتعظيمًا لإلههم الحق.







المعنى الرابع: الذي تحتار العقول فيه:



لِما له مِن أسرار خفية، وأعمال عظيمة، وصفات جليلة، وليست الحيرةُ هنا بمعنى الشك، لكن بمعنى التعظيم والإجلال؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، فلا يحيط أحدٌ بالله علمًا، لا نبيٌّ مرسَلٌ، ولا مَلَكٌ مقرَّبٌ؛ فاللهُ أعظم مِن أنْ تُدرِكَه العقول إدراك إحاطة وعلم كامل؛ قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام:103]؛ أي: الله أجلُّ وأعلى وأعظم مِن أن يُحيطَ به البصر، أو يحيط به العلم.







والخلاصةُ أن الله أصله الإله، ومعنى الإله: المعبودُ والمحبوب الحب الأعظم، والمفزوع إليه، والملاذ والملجأ إليه، والذي تحتار العقول في إدراك عظمته ومعرفة قدرته[4].







مِن خصائص لفظ الجلالة (الله):



اختص هذا الاسم بخصائص، منها:



1- أنه لا يُسمَّى به أحدٌ غير الله، ولا يجوز إطلاقُه على غير الله، وهو أحدُ تأويلَيْ قول الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم:65]؛ أي: هل تعلم مَن تَسَمَّى باسمه الذي هو الله؟[5]







2- أن سائر الأسماء إذا دَخَل عليها النداء أُسْقِطَتْ عنها الألف واللام، ولهذا يجوز أن نقولَ: يا الله، ولا يجوز أن نقول: يا الرحمن، وهنا إشارة لطيفة وهي: أن الألف واللام للتعريف، فعدمُ سُقُوطها عن هذا الاسم يدُلُّ على أن المعرفة لا تَزول عنه ألبتة[6].







3- لا تنعقد صلاةُ أحدٍ مِن الناس إلا بالتلفظ به، فلو قال أحدٌ: الرحمن أكبر، لَم تنعقدْ صلاته، فلابد مِن قول: الله أكبر.







4- غالب الأذكار مُقترنةٌ به تقول: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله ، لاحول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل.







5- لفظُ الجلالة هو أكثرُ الأسماء ورودًا في القرآن؛ فقد وَرَدَ في القرآن أكثرُ مِن ألفين وسبعمائة مرة، وافتتح به عز وجل ثلاثًا وثلاثين آية.







6- وعمومًا لا يستطيع أحدٌ أن يُحصي خصائص وعظمةَ هذا الاسم، فكيف نُحصي خصائص اسمٍ لمسماه كلُّ كمالٍ مطلق، وكل جلال مطلق، وكل جمال مطلق، وكل حمد مطلق، وكل مدح مطلق، وكل إحسان مُطْلَق[7].







اسم الله الأعظم:



ولهذه الخصائص وغيرها ذهَب أكثر العلماء كالطحاوي والقرطبي وابن القيم وغيرهم إلى أنَّ لفظ الجلالة (الله) هو اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئِلَ به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، وقد وَرَدَ ذلك في أحاديث كثيرة:



عن عبدالله بن بريدة عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رجلًا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَد، ولم يكنْ له كفوًا أحد، فقال: ((لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى))[8].







عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى))[9].







عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اسم الله الأعظم في سور مِن القرآن ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه))[10].



ويُلاحَظ أن الاسم الذي تكرر في هذه الأحاديث هو (الله)؛ فقد وَرَدَ في الحديث الأول صريحًا، وفي الثاني بلفظ: ((اللهم))، وأصلُها: (يا الله)، حذَفوا أدا النداء، وزادوا ميمًا في آخره، وفي الحديث الثالث كذلك، ففي سور البقرة: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [البقرة: 255]، وفي آل عمران في أولها: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2]، وفي طه في أولها ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، فاسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئِلَ به أعطى (الله).







ويجب التنبيه على أنه لا يلزم أن تُجاب كل دعوة دعا بها أحدٌ بالاسم الأعظم؛ لأنَّ لإجابة الدعاء شروطًا يجب أن تتوافَرَ، مِن أهمِّها الإخلاص، وأكل الحلال، ومتابعة الرسول، والثقة بالله تعالى، واليقين بالإجابة، وحضور القلب، والتضرُّع، كما أنَّ هناك موانعَ لا بد أن تزول؛ كأكل الحرام، والاستعجال، وترك الواجبات، وارتكاب المحرَّمات، فمَنْ توافرتْ فيه الشروط، وانتفتْ عنه الموانع - فهو ممن يُرجى قبول دعائه[11].







أفي الله شك؟



كلمة قالَتْها سائر الرسل لأقوامهم، حينما جادلوهم في الله؛ قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [إبراهيم:10].



ومعنى قول الرسل: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ﴾؟ أي أفي وُجود الله شك؟ أفي تدبير الله وحده لهذا الكون شك؟ أفي استحقاق الله وحده للعبادة شك؟ "فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمَن شَكَّ في الله فاطر السماوات والأرض الذي وجود الأشياء مستندٌ إلى وُجودِه، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات حتى الأمور المحسوسة؛ ولهذا خاطَبَتْهم الرسلُ خطاب مَن لا يشك فيه، ولا يصلح الريب فيه..."[12].







هل الله يحتاج إلى برهان؟



وجود الله تعالى وتدبيره وحده لهذا الكون واستحقاقه وحده للعبادة - لا يحتاج إلى دليل أصلًا، لكنها حُججٌ يُقيمها العلماء على الخلق، وقاعدة ينبني عليها ما بعدها، وفي نفس الوقت هذا مما يثبت الإيمان، ويُقوِّي اليقين في قلوب المؤمنين.







المخلوقات الكثيرة والكائنات المتعددة وسَيْرُها في نظام دقيق عجيب مِن أعظم الأدلة على وجود الله وتدبيره لهذا الكون واستحقاقه وحده للعبادة، فالعقلُ البشري لا يتخيل أبدًا وجود صنعة بدون صانع، فهل توجد سيارة بلا مخترع، أو طائرة بدون مبتكر؟ فهذا العالم وهذه المخلوقاتُ مُحال أن تكونَ موجودةً بدون خالق، ولم يَدَّعِ أحد أبدًا على مَرِّ الزمان أنه خَلَق السماوات والأرض والإنس والجن وسائر الخلق!







سُئِل أحدُ العلماء: لماذا لا يُقال: إن هذا العالَم وُجد صدفة؟ وكان أمام العالِم سَبُّورة عليها كتابات، فقال: انظُرْ إلى هذه السَّبُّورة التي أمامك، لو قال إنسان: إنَّ هذه الأسطُر لم يكتبها كاتب، وإنما حدثتْ صدفة بأن حملت الرياح ذرَّات التراب، ودخلتْ بها مِن نوافذ الغرفة، وأسقطتها على السَّبُّورة، فظَهَرَتْ بشكل كلام مفهوم، مكوِّنًا هذه الأسطر! أيمكن لعاقل أن يُصدِّقَ هذا القول؟ قال السائل: لا، فقال العالم: فكيف لعاقلٍ أن يُصدِّق أن هذا الكون العظيم خُلِقَ بلا خالق؟! قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ [الطور: 35].







حين سمع هذه الآية جُبير بن مُطعِم من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ بها في صلاة المغرب قال: "كاد قلبي أن يطير"[13]، وكان إذ ذاك مشركًا لأنه فَهِم قوةَ الحجة.







التقى زنديق يومًا بالشافعي، فقال له: ما الدليل على وجود الله؟ فقال الشافعيُّ: ورقة التوت، قال الزنديق: كيف ذلك؟ قال الشافعيُّ: أليس لونها واحدًا وريحها واحدًا؟ قال الزنديق: بلى، فقال الشافعي: تأكلها دودة القز فتخرج حريرًا ناعمًا، وتأكلها النحلة فتخرج عسلًا صافيًا، وتأكلها الظباء فتُخرج مِسكًا طيِّبًا، وتأكلها الحيوانات فتُخرج بَعْرًا منتنًا[14]، مَن الذي أوجد هذه المصانع في تلك الحيوانات؟! فبُهتَ الذي كفر.







قيل لأعرابيٍّ: بِم عرفتَ ربك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، وأثرُ السيرِ يَدُلُّ على المسير، سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير؟[15].







ومِن أعظم ما ردَّ به موسى عليه السلام على تَهوُّر فرعون وعجرفته لَمَّا سأله: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:49 - 50]، فبُهِتَ الفاجر العنيد، وهذا جوابٌ سديد، ولم يَدَّع أحد مِن البشر مهما بلغ عُتُوُّه أنه شارك الله في الخَلْق والهداية.









للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلْ

لَ أقلَّها هو ما إليه هَدَاكا



ولعلَّ ما في النفسِ مِن آياتِه

عَجَبٌ عُجابٌ لو ترى عَيْناكَا



الكونُ مَشْحونٌ بأسرارٍ إذا

حاولتَ تفسيرًا لها أَعْيَاكَا



قُلْ للطبيبِ تَخَطَّفَتْهُ يدُ الرَّدَى

مَن يا طبيبُ بطِبِّه أرْدَاكَا



قُل للمريضِ نَجَا وعُوفِي بعدَما

عَجَزَتْ فُنونُ الطبِّ مَن عافاكا



قُل للصحيحِ يَمُوتُ لا مِن عِلَّةٍ

مَن يا صحيحُ بالمنايا دَهَاكَا



قُلْ للبصيرِ وكان يَحْذَرُ حُفرةً

فهَوَى بها مَن ذا الَّذِي أَهْوَاكَا



قُل للجنينِ يَعيشُ مَعْزولًا بلا

راعٍ ومَرْعى مَا الذي يَرْعَاكَا

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-10-2020, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الله جل جلاله

قُل للوليدِ بَكَى وأجْهَش بالبُكا

عند الولادةِ مَا الذي أَبْكَاكَا



وإذا تَرى الثعبانَ يَنْفُث سُمَّه

فاسْأَلْهُ مَن ذا بالسُّموم حَشَاكَا؟



واسْأَلْهُ كيف تَعيشُ يا ثعبانُ أو

تَحْيَا وهذا السُّمُّ يَمْلأُ فَاكَا



واسْأَلْ بُطونَ النَّحْلِ كيفَ تَقَاطَرَتْ

شَهدًا وقُل للشَّهْد مَن حَلَّاكَا



بل سائلِ اللَّبَنَ المُصَفَّى كان بَيْ

ن دَمٍ وفَرْثٍ مَا الذي صَفَّاكَا



قُلْ للهَواءِ تُحسُّه الأيدي ويَخْ

فَى عن عيون الناس من أَخْفَاكَا



سيُجِيبُ ما في الكونِ مِن آياتِه

عَجَبٌ عُجابٌ لو تَرَى عَيناكَ



يا أيُّها الإنسانُ مَهْلًا ما الَّذِي

بالله جَلَّ جلالُه أَغْرَاكَا









قام الخطيبُ المِصْقَع الشيخ عبدالحميد كشك على المِنبر يومًا - وهو الرجلُ الأعمى - قام وقد أخرج مِن جيبه سعفة نخل مكتوب عليها (الله) بالخط الكوفيِّ، ثم هتف في الناس وأبكاهم، قائلًا:





انظُرْ لتلك الشجرة

ذات الغُصُون النضِرة



مَن الذي أنْبَتَها

وزَانَها بالخُضْرة



ذاك هو اللهُ الذي

قُدرَتُه مُقْتَدِرة










خَلْقُ الله وبديعُ صُنعه من أعظم الأدلة على وجوده وإلهيته وإفراده بالعبادة.







وجود كلام الله تعالى بين أيدينا نقرؤه ونتدبَّره ونفهمه مِن أعظم الأدلة على وجود المتكلم وتعظيمه وإفراده بالعبادة؛



لأنه يستحيل كلامٌ بلا متكلِّم، وقولٌ بلا قائل، وقد عجز الخَلْقُ جميعًا أن يأتوا بمثله أو بعَشْر سورٍ مِن مثله، أو حتى سورة واحدة مِن مثله، ولا زال التحدِّي والإعجاز قائمًا، وقد كان العربُ وهم أفصح الأمم ومع شدة عداوتهم للإسلام، فإنهم عجزوا عن ذلك، وعَجْزُ غيرِهم أولى وأولى؛ ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]، وأنَّى لمخلوقٍ أن يأتيَ بِمِثْل كلام الخالق سبحانه؟!







وقد نَظَر العلماء فَوَجَدوا أن هذا القرآن مُعجِزٌ مِن جميع الوجوه! معجز في لفظه ونظمه ومعناه؛ بل أثبت القرآن الكريم أشياءَ لَم يعْرِفْها البشر إلا في العصر الحديث، وستظل كنوزُ القرآن ذاخرةً تُعجز البشر في كل عصر ومصر، خُذْ أمثلة قليلة على ذلك:



أثبت العلم الحديث أنك كلما ارتفعتَ إلى السماء قلَّ الأكسجين، ووجدتَ الاختناق وضيق التنفس، وهذا مذكورٌ في قول ربنا: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]، وهذا قبل أن يُخلَق مَن اكتشف هذه النظرية، وقبل أن يخلق أجداده وأجداد أجداده!







أثبت العلمُ الحديث أنَّ بين كل بَحرينِ حاجزًا مائيًّا يَفْصِل ماء كل بحر عن الآخر، وهذا الحاجز المائيُّ تختلف كثافتُه عن ماء البحرين، وهذا مذكورٌ في قول ربنا: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ [الرحمن: 19 - 20]، وقوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النمل: 61].







أثبت العلمُ الحديث أن مراكز الإحساس في الجسم هي الجلد فقط، وأنه متى اختُرق الجلد قَلَّ الإحساس جدًّا أو انعدم، وهذا مذكور في قول ربنا عن تبديل جلود الكافرين والفاسقين في النار حتى يستمرَّ الألم والعذاب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء: 56].







قال الطبيعيون: كانت البشرية جميعًا حتى القرن التاسع يظنون أن النملَ حشرة لا تنطق، وأنها تتعامل مع أخواتها مِن النمل بالإشارة أو الإيحاء، لكن بعد ظُهور أجهزة التسجيل فوق السمعيَّة التي تُسجِّل الأصوات التي لا تسمعها الأذن تَبَيَّنَ لنا أن النمل يَنطِق ويتكلَّم ويُناقش ويُجادل ويقف ويفكِّر! نقول لهم: هذا اكتشاف عجيبٌ رائع، لكن الأعجب والأروع أن القرآن قد أخبر بذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 17 - 18].







فهل كان عند محمد صلى الله عليه وسلم أجهزة فوق السمعية ليعرفَ بها أن النمل يتكلم؟![16].



وكلام الله تعالى مع كونه دليلًا واضحًا على وجوده واستحقاقه للعبودية، فإنه مع ذلك طريقٌ واضحٌ نصل به إلى الله، ومعرفته معرفة حقيقية؛ قال ابن القيم رحمه الله: "مِن الناس مَن يعرف الله بالجود والإفضال والإحسان، ومنهم مَن يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز، ومنهم مَن يعرفه بالبطش والانتقام، ومنهم مَن يَعرِفه بالعلم والحكمة، ومنهم مَن يَعرفه بالعز والكبرياء، ومنهم مَن يَعرِفه بالرحمة والبر واللطف، ومنهم مَن يَعرِفه بالقهر والملك، ومنهم مَن يَعرفه بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته، وأعلم هؤلاء معرفة مَن عرفه مِن كلامه، فإنه يعرف ربًّا قد اجتمعتْ له صفات الكمال ونُعوت الجلال، ونُزِّه عن المثال، وبرئ مِن النقائص والعيوب، له كل اسم حَسَن، وكل وصف كمال، فَعَّال لِمَا يريد، فوق كل شيء، ومع كل شيء، وقادر على كل شيء، أرحم الراحمين، وأقدر القادرين، وأحكم الحاكمين"[17].







فالقرآنُ كله حديثُ الله جل جلاله يُخاطب به الله الرجلَ والمرأة، والصبيَّ والطفل، وعالِم الذرَّة، ورائد الفضاء، وساكن الغابة، وساكن الصحراء، ورجل القرية، ورجل المدينة، وكلٌّ يأخذ منه ما يعرِّفه بالله عزَّ وجلَّ، فما أعظمَ أن نَتَعَرَّف على الله مِن خلال كلامه الذي يُخاطب أعماق الفطرة بالقصة والمَثَل، والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والآية والعِبْرة.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-10-2020, 07:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الله جل جلاله

الله جل جلاله
د. شريف فوزي سلطان




ومِن أعظم الأدلة على وجود الله تعالى وتدبيره وحده لهذا الكون واستحقاقه وحده للعبادة "الفطرة":
ومعنى الفطرة: أن الله تعالى حين خَلَقَك خَلَقَك مهيَّئًا لقبول الحق، مستعدًّا للعمل به، فلو خُلِّى بينك وبين الحق، والله ما توجهتَ إلا إليه! لو لم تطرأْ عليك الطوارئ وتَصرِفك الصوارف، ما عرفتَ إلا الحق، وما قلتَ إلا الحق، وما علِمتَ إلا الحق، ولهذا شُبِّهت الفِطرة باللبن، فكما أن الولد إذا وُلد يتوجَّه إلى ثدي أمِّه، كذلك الإنسان إذا تُرك ولم يُوجَّه إلى الشر والباطل تَوَجَّه تلقائيًّا إلى الخير والحق، هذه هي الفطرة.

فالفطرةُ التي فطر الله الناس عليها هي التوحيد، هي الإيمان، هي معرفة الله جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه))[18]، ولم يقلْ: يُسْلِمانه لأنَّ الإسلام فطرته!
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: "إني خلقتُ عبادي حُنفاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم، وَحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأَمَرَتْهم أن يُشركوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سلطانًا"))[19]، هذه هي الفطرةُ النقيَّة: توحيد رب البرية والاعتراف له بالعبودية.

ومعنى" حُنفاء ": قيل: مسلمين، وقيل: مستقيمين مُنيبين لقبول الهداية، وقيل: المراد حين أخذ عليهم العهد في الذرِّ وقال: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172][20].

ولما كان يوم فتح مكة هرب عكرمة بن أبي جهل، فركب البحر فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإنَّ آلهتكم لا تُغني عنكم هنا شيئًا، فقال عكرمة: والله لئن لم يُنَجِّني في البحر إلا الإخلاص فلا يُنجيني في البر غيره! اللهم لك عليَّ عهد إن عافيتَني مما أنا فيه أنْ آتيَ محمدًا حتى أضَعَ يدي في يده، فلا أجدنَّه إلا عفوًّا كريمًا، فجاء فأسلم"[21]، فالإلحادُ اعوجاجٌ في الفطرة، وتَسْفيهٌ للعقول، وتعالٍ على الحق.

ومِن طرائف أجوبة الفطرة ما ذُكر مِن أنَّ معلِّمًا وقف يقول لطلابه في الصف السادس الابتدائي: هل ترونني؟ قالوا: نعم، قال إذًا أنا موجود، قال: هل تَرَوْنَ السَّبُّورة؟ قالوا: نعم، قال: إذًا السبُّورة مَوجودة، قال: هل ترون هذه المنضدة [المقعد]؟ قالوا: نعم، قال: إذًا المنضدة موجودة، فقال: هل ترون الله؟ قالوا: لا، قال: إذًا الله غير موجود، فقام طالب ذكيٌّ، وقال: أَتَرَوْنَ عقلَ الأستاذ؟ قالوا: لا، قال: إذًا عَقْلُ الأستاذ غير موجود! فبُهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين".
فالذي نطق إنما هو: الفطرة[22].

فوُجود الله جل جلاله واستحقاقه وَحْدَهُ للعبادة وتدبيره وحده لهذا الكون - أظهرُ مِن كل حقيقةٍ، وأَبْيَنُ مِن كل برهان، وأوضح مِن كل دليل، قال ابن القيم عليه رحمه الله: "وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: كيف يُطلب الدليل على مَن هو دليل على كل شيء، وكان كثيرًا ما يتمثل هذا البيت:
وليس يَصِحُّ في الأذهانِ شيءٌ
إذا احْتاجَ النَّهارُ إلى دليل[23]

فواعجبًا كيف يُعصَى الإل
هُ أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟

وفي كل شيء له آية
تدُلُّ على أنه الواحدُ



حق الله (كيف نعبد الله بهذا الاسم العظيم)؟
1- ندعوه به سبحانه وتعالى:
سبَق أن ذكرنا أن لفظ الجلالة (الله) هو الاسم الأعظم الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، شريطةَ أن يأتيَ الداعي بشروط إجابة الدعاء مِن أكل الحلال، وتَرْك الاستعجال، وحضور القلب، ومتابَعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 14]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110].

وأكثرُ ما يُدعى الله عز وجل بلفظ: "اللهم"، فيقول الداعي: يا الله اغفر لي، أو اللهم اغفِرْ لي، يا الله ارزقني أو اللهم ارزقني، وهكذا تسأل حاجتك، فمَن الذي لا يسمع الدعاء غيره، ولا يجيب المضطر سواه، ولا يكشف الضر إلا إياه؟!
واعلمْ أنه من الكبائر المُهْلِكة؛ بل من الشرك بالله، أن يَتَوَجَّه العبد إلى الأموات والمقبورين، ممن يُسَمّيهم الناس أولياء الله، يَطْلُب منهم الحاجات، ويَسألُهم تفريج الكرُبات! قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5-6]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13 - 14]، قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 65].

2- تعظيم الاسم:
بأنْ يُقدَّس ويُوقر، ولا يُعرَّض للإهانة أو الانتهاك، فيحكي بعضُهم أنه دَخَل إحدى الدوائر الحكومية فوَجَد في كلِّ مكتبٍ سلَّةً ورقية مكتوبًا عليها (خاص بلفظ الجلالة) تُوضَع فيها الأوراق المحتوية على أسماء الله كأوراق المصاحف وغيرها، ثم تُجمع وتُحرق بطريقة لائقة.

فكرة عظيمة فيها مِن تعظيم الله ما فيها، يُمكن تطبيقُها في البيوت والمكاتب والمطاعم والأسواق والجامعات والمدارس ونحوها، يظن البعضُ أنه عملٌ هيِّن، وقد يبلغ عند الله مبلغًا أشرف مِن مقام كثير من العبادات.

ولذلك أفتى كثيرٌ مِن العلماء بأنه لا يَجوز استعمال الجرائد سفرة للأكل عليها، ولا جعلها ملفًّا للحوائج؛ لأنها غالبًا لا تخلو مِن اسم الله بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ كالأسماء المشهورة عبدالحميد، عبدالرزاق، عبدالعزيز، ونحوها.

تَخَيَّل لو أنك نشأتَ في منزلٍ توجد في وسطه سلة مكتوب عليها (خاص بلفظ الجلالة)، كم سيترك هذا التصرُّف مِن الآثار التربوية والإيمانية في نفسك، وفي أسرتك وأبنائك؟!
فاللهم اجعلنا ممن يُعظِّم الله حق تعظيمه، ويُقَدِّره حق قدره.

3- أن نُقدِّر الله حق قدره:
حَقُّ قَدْرِه: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ويُحب حبًّا يملك على العبد كل حركة فيه.
حقُّ قَدْرِه: أن يُفوَّضَ الأمر إليه ويُتوكل عليه، ويُرضى بحُكمه، ويستسلم لقضائه ويُنقاد لأوامره.
حقُّ قَدْرِه: أن يُقصد بالسعي، ويُخلَص له العمل.
حَقُّ قَدْره: أن يُرضى به وليًّا وربًّا وإلهًا وحاكمًا وكفيلًا ووكيلًا وحسيبًا وشهيدًا، كيف لا، وصفاته جليلة، وأسماؤه جميلة، ومنه كل نعمة كثيرة أو قليلة؟!

4- أن تعطيه حقَّه مِن الذِّكْر:
فبعدما عرَف العبد الله جل جلاله أن يُعطيه حقَّه مِن الذكر، وحقه مِن الذكر ما أمرنا الله به حين قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41 - 42]، وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وقال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الحزاب:35]، فالذِّكْرُ حياةُ القلوب وغذاء النفوس.

قال صلى الله عليه وسلم: ((مثَلُ الذي يَذْكُر ربه والذي لا يذكر ربه كمَثَل الحي والميت))[24].
فالحياةُ الحقيقية حياة القلوب بذِكْر علام الغيوب، والموت الحقيقي موت القلوب بالغفلة عن علام الغيوب؛ ذلك لأنَّ الإنسانَ مُكَوَّن مِن جسدٍ وروحٍ، فالجسدُ مَبْدَؤُه من الأرض، فغذاؤه من الأرض، طعام وشراب وسكن ونحوه، أما الروحُ فمبدؤها مِن السماء، فغذاؤها إذًا من السماء، ذكر الله وطاعته ومحبته ومعرفته؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

فبِذِكْر الله تَطيب النفس، ويطمئنُّ القلب، ويهدأ البال، وبذكر الله تُدفع الآفات وتكشف الكربات وتَهون المصيبات، لا يوجد عمل أشرح للصدور وأعظم في الأجور كالذِّكْر، هو إنقاذٌ للنفس مِن أتعابها واضطرابها وهمومها وغمومها، هو طريقٌ مختصرٌ لكل فوز ونجاح، فيا مَن شكا الأرق وبكى مِن الألم، يا من أتعبَتْه المشاكل وأعجَزَتْه الوسائل بقَدْر إكثارك مِن ذِكره يهدأ قلبك، وتسعد نفسك، ويرتاح ضميرك.
إذا مَرِضْنا تَداوَيْنا بذِكْرِكُمُ *** ونترك الذِّكْرَ أحيانًا فنَنْتَكِسُ

قال الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا مع عبدي إذا ذكرني وتَحَرَّكَتْ بي شفتاه"[25].

ما أجملَ أن يكونَ الله معك يُغني فقرك، ويَجبُر كسرك، ويرفع قدرك، فمَن كان الله معه فماذا فقَد؟ ومَن فَقَد الله فماذا وَجَد؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم مِن أن تُنفقوا الذهب والورِق، وخير لكم مِن أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذِكْر الله عز وجلَّ))[26].

قال ميمون بن مِهرانَ: الذكر ذِكران: ذكر الله باللسان حسن، وأفضل مِن ذلك أن يذكرَ الله العبدُ عند المعصية فيمسك عنها"[27].

5- أن نُفرِدَه تعالى بالعبادة:
إنَّ قاعدة الإسلام الأساسية هي التوحيد القائم على إفراد الله تعالى بالعبودية، أو صَرْف جميع العبادات لله تعالى وحده والإخلاص له فيها، وهذه هي الغايةُ التي خَلَق الله الخَلْق مِن أجلها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36].

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينا أنا رديف النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: ((يا معاذ))، قلتُ: لبيَّك يا رسول الله وسَعْدَيك، قال: ((هل تدري ما حق الله على عباده؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقُّ الله على عباده: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ثم سار ساعةً))... ثم قال: ((يا معاذ))، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ((هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق العباد على الله ألا يعذبهم))[28].

فحاجةُ المسلم إلى عبادة الله وإخلاصها له أعظم مِن حاجته إلى الطعام والشراب والنفَس، بل وإلى الروح التي بين جنبيه؛ لأنَّ العبد إنما خُلِق لذلك لا غيرُ، فلا تطمئنُّ النفس في الدنيا إلا بذِكْر الله، ولا تصلح وتهدأ إلا بعبادته ومحبته ورضاه، ومع ذلك رضي أكثرُ الناس بالدنيا واطمأنُّوا بها، وركنوا إليها، وصرفوا العبادة لغير الله، فرأينا مَن يدعو الأموات، ويَطْلُب منهم قضاء الحاجات، وكَشْف الكُربات، ورأينا مَن يستغيث بغير الله، وينذر لغير الله، ويذبح لغير الله، ويحلف بغير الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن حلف بغير الله فقد كَفَر أو أشرك))[29]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَعَنَ الله مَن ذَبَح لغير الله))[30]، ورأينا مَن يذهب إلى الكهنة والعرافين، ويُصدِّقهم فيما يكذبون ويفسدون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على محمدٍ))[31].

ورأينا مَن يُعلِّق التمائمَ، ويضع الحجُب في الملابس والفرش وغيرها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن عَلق تميمةً فقد أشرك))[32]، والتميمةُ ما يعلق في عنق الولد، أو في عنق البهيمة، أو على أبواب البيوت أو في السيارات ونحوها؛ يُتقى بها العين، أو يُعتقد أنها تدفع الضر أو تجلب النفع، ورأينا مَن يتبرك بقبور الصالحين، ويَتَمَسَّح بجدران الكعبة، وأعتاب المساجد، ويتعلق ببعض الأحجار والأشجار، وقد أُمِر ألا يتعلق إلا بالله، ولا يركن إلا إلى الله.

قال ابن القيم: "إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغنِ أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرحْ أنت بالله، وإذا أنس الناسُ بأحبائهم فأْنس أنت بالله، وإذا ذَهَب الناس إلى ملوكهم وكُبَرائهم يسألونهم الرزق ويَتَوَدَّدون إليهم، فتَوَدَّدْ أنت إلى الله..."[33]، واذكُرْ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله، واعلمْ أن الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يَضُرُّوك بشيءٍ لم يَضروك إلا بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله عليك))[34].

خرج أبو معلق الأنصاري في تجارة له - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان تقيًّا مؤمنًا - يتَّجر بماله ومال غيره، فقابله لصٌّ - قاطع طريق - رفع عليه السلاح، وقال: ضَعْ متاعك فإني قاتلك، فقال له أبو معلق: شأنك بالمال، فقال له: لستُ أريد إلا دمك، فقال له أبو معلق: فذرني أصلِّي، فقال اللص: صلّ ما بدَا لك، فتَوَضَّأ أبو معلق وصلى ودعا الله: "يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فَعَّالًا لِمَا تريد، أسألك بعِزِّك الذي لا يُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تَكفيني شر هذا اللص، يا مغيثُ أغثني" ثلاث مرات، فإذا بفارسٍ يأتي وبِيَدِه حربة، فطعن اللص فقَتَلَهُ، فسأله أبو معلق: مَن أنت فقد أغاثني الله بك؟ قال: إني ملَك من أهل السماء الرابعة، لَمَّا دعوتَ سُمعت لأبواب السماء قعقعة، ولما دعوت ثانيًا سُمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم ثالثًا فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله أن يُولِّيَني قَتْله"[35].

معبودات أخرى:
هناك معبودات أخرى خفيَّة تُعبد مِن دون رب البريَّة، فالشركُ أنواع ومراتب، منها ما يُرى، ومنها ما لا يرى، ومنها الظاهرُ الجَلِيُّ، ومنها الخفيُّ، ومنها ما هو أخفى مِن دبيب النمل:
1- الهوى:
ها هو القرآن يلفت أنظارنا إلى إلهٍ خطير يَتَعَبَّد له الملايين وهم لا يشعرون، ذلك هو الهوى؛ قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية 23]، وقال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾: [الفرقان: 43]، قال ابن عباس: "الهوى إلهٌ يُعبَد مِن دون الله"، فالعبدُ إما متَّبِعٌ لمَوْلاه، أو متَّبِعٌ لهواه، فإذا كان متَّبعًا لمولاه فهو عبدٌ، وإذا كان متَّبعًا لهواه فهو عبد له.

وحتى يَتحرَّر الإنسان مِن عبوديَّة الهوى يَجب أن يذعنَ هواه لشريعة الله، وقد بَيَّن الله تعالى السببَ الأكبر في عدم استجابة الكفَّار لدعوة الرسل؛ فقال: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص:50]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].

2- الدينار والدرهم:
والسنة تُنبئنا بمعبود مِن دون الله، ألا وهو الدينار والدرهم؛ ففي صحيح البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعِس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انْتَقَش".

والمعنى: أنَّ مَن جعل المال شُغْله الشاغل وهَمَّه الذي كأنه خُلِق له، وانصرف عمله إليه، لم يسعدْ به، بالعكس يشقى بذلك شقاءً كبيرًا، يُوضح النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الشقاء فيقول: ((وإذا شيك فلا انتقش))؛ أي: إذا وقع في الكرب والبلايا لا ينفعه ماله، بل لا يجد مُعينًا للخلاص.

3- الحرية الشخصية:
فباسم الحرية الشخصية أصبحنا نرَى المخنَّث الذي يَتَشَبَّه بالنساء في ملابسه وكلامه وهيئته، رأينا مَن يلبس خاتم الذهب، رأينا مَن يلبس الأساور في يده والسلاسل في عنقه، فإذا ألقيت اللوم عليه قال: "عادي... حرية شخصية"!

وباسم الحرية الشخصية رأينا المرأة تلبس "البنطال" وتُزاحم الرجال، وتخرج مُتَبَرِّجة متعطِّرة، مُميلة مائلة، كاشفة عن عورتها، مُظْهِرَة لزينتها، مثيرة للفِتَن والشهوات، ونسمع مَن يدافع عن ذلك قائلًا: "كل واحد حر"!
وباسم الحرية الشخصية صار الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر تدخُّلًا في شؤون الآخرين!

حصاد الحرية الشخصية: الزنا العرفي، الاغتصاب، العُري، الدياثة، الانحلال، بل والانسلاخ مِن دين الله، وحلول سخط الله وغضبه، البلاء والوباء والغلاء... إنَّ المسلم ليس حرًّا، إنما هو عبدٌ لله، راضٍ بقدره، مستسلم لقضائه، مُذعنٌ لأحكامه، ممتثل لأوامره، منتهٍ عن نواهيه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

4- "الناس كلها كدة":
فصار الحكمُ للأغلبية لا لله! فلو رأت الأغلبيةُ إباحة الخمر أبيحتْ، ولو رأت الأغلبية إباحة الربا أبيحتْ، ولو رأت الأغلبيةُ عدم تطبيق الشريعة فلا تُطَبَّق، فالحكمُ أولًا وأخيرًا للأغلبية!

وفي هذا مصادمة واضحة لشرع الله تعالى؛ فالأغلبيةُ لا قيمة لها عند الله إن عَمِلَتْ بمعصية الله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف:103]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106]، وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عقوبةَ هذا الصنف مِن الناس الذي يسير بلا إرادة ولا وعي حين يوضع في قبره؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد إذا وُضِعَ في قبره وتولَّى عنه أصحابه، إنه ليسمع قَرْعَ نِعالهم إذا انصرفوا، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنتُ أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريتَ ولا تليتَ"![36].

فلا يَحلُّ للمؤمن أن يكونَ إمعةً لا رأي له، يسير مع الناس حيث ساروا، بل الواجب أن يبحثَ عن الحق، ويَتَمَسَّك به، ويُؤثِره على غيره مهما قلَّ أتباعه.
اتبعْ طريق الحق، ولا يضرَّك قلة السالكين، وإياك وطرُقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين.

5- العادات والتقاليد:
إنَّ مما ينبغي التنبُّه إليه أنَّ كثيرًا من عاداتنا وتقاليدنا؛ في المآتِم والأفراح، والأعياد والمواسم، وغيرها، تُعارض أحكام الإسلام، ولا تتفق مع روحه السَّمْحة التي تهدُفُ إلى إصلاح البشرية وإسعادهم في الدنيا والآخرة، فإذا ما عرَف الناس أن هذه العادة محرمة أو مخالفة لهدي الإسلام، صاروا في حيرةٍ بين العادة والعبادة، لكن لِضَعْف إيمانهم، ولِهَوان الشريعة في قلوبهم استسلموا لطغيان التقاليد والعادات، وصيَّرُوها كالعبادات، فالواجبُ على المسلمين أن يُعيدوا النظر في عاداتهم وممارساتهم، وأن يُغَيِّروا إلى ما يوافق الإسلام، حتى يَفُوزوا بالسعادة في الدارين.

6- تأليه العقل أو إعماله في غير مجاله:
ليس هنالك عقيدة تقوم على احترام العقل الإنسانيِّ، وتعتزُّ به، كعقيدة الإسلام، وليس هناك كتابٌ أطلق سراح العقل وأظهر قيمته كالقرآن، ولهذا نجد عبارات: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ ﴿ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾ ونحوها - تَتَكَرَّر عشرات المرات، لكن منَع الإسلام العقل مِن الخوض فيما لا يُدركه، وأُمر العبدُ أن يعملَ بما طُلب منه، حتى ولو لم يدرك المعنى أو يستوعب الحكمة، ولكن صار الإنسان يُعمِل عقلَه في غير مجاله، حتى قال أحد أساتذة المدرسة العقلية محمد عبده: اتفق أهل الأمة الإسلامية - إلا قليلًا ممن لا يُنظر إليهم - على أنه إذا تعارض العقلُ مع النقل، أُخذ بما دَلَّ عليه العقلُ، وكان من نتيجة ذلك أن قال خائبهم: "إن بعض الأحكام المقرَّرة في الشريعة لم تعدْ تُوافق الزمن الذي نحن فيه!"[37].

وللإنسان أن يُبحِرَ بعَقْلِه في محيطات المعرفة المختلفة، وأنْ يَتَأَمَّل في مخلوقات الله، ويَتَفَكَّر في إبداعها، ولكن هناك منطقة مُحرَّمة لا ينبغي التفكير فيها، وهي ذات الله تعالى؛ لأنَّ طاقة العقل البشري لا تتحمل ذلك؛ فذات الله أكبر مِن أن تُدركها العقول، أو تحيط بها الأفكار، ولا ينفي ذلك وجودها، كما أن عجز الإنسان عن إدراك حقيقة الكهرباء لا يَنفي وجودها، وعجزه عن إدراك حقيقة الضوء لا ينفي وجوده، وهكذا سائر الأشياء التي يعجز العقلُ عن إدراك حقيقتها لا ينفي ذلك وجودها، فالخوض في ذات الله تعالى هلاك وضياع، والعقلُ البشريُّ مَخلوقٌ لا يبحث إلا في مخلوقٍ مثله فسبحانه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ففي الحديث: ((تَفَكَّروا في آلاء الله، ولا تَفَكَّروا في الله))[38].




[1] - أسماء الله وصفاته: عمر الأشقر بتصرف.

[2] - مع الله: سلمان العودة.

[3] - الطريقة المثلى لإحصاء أسماء الله الحسنى؛ غريب أبو عارف.

[4] - منهج جديد لدراسة التوحيد: عبدالرحمن عبدالخالق، باختصار.

[5] - الجامع لأحكام القرآن القرطبي.

[6] - أسماء الله الحسنى المعاني والآثار: د/ محمد أمحزون.

[7] - أسماء الله الحسنى عند أهل السنة: د/ محمد أشرف حجازي.

[8] - رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححه الألباني.

[9] - رواه ابن ماجه وأبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم، وسنَدُه صحيح.

[10] - رواه ابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار، والطبراني في الكبير، وانظر السلسة الصحيحة.

[11] - المنهاج الأسنى: د/ زيد محمد شحاتة نقلاً عن أسماء الله الحسنى عبدالله الغصن.

[12] - تفسير السعدى.

[13] - متفق عليه.

[14] معرفة الله: سيد عطوة.

[15] معارج القبول: حافظ حكمي.

[16] - معرفة الله: سيد عطوة، بتصرف يسير.

[17] - الفوائد.

[18] - متفق عليه.

[19] - رواه مسلم.

[20] - شرح النووي لصحيح مسلم.

[21] - رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

[22] - المنهاج الأسنى: د/ زين شحاتة ، معرفة الله: سيد عطوة.

[23] - مدارج السالكين.

[24] - رواه البخاري.

[25] - رواه أحمد وابن ماجه وصحَّحه الألباني.

[26] - رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

[27] - الورع لابن أبي الدنيا.

[28] - رواه البخاري.

[29] - رواه أحمد والحاكم وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.

[30] - رواه مسلم.


[31] - رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني.

[32] - رواه أحمد وصححه الألباني في صحيحه.

[33] - الفوائد.

[34] - صحيح الترمذي.

[35] - أصول الإيمان د / أبو عائش عبدالمنعم إبراهيم، نقلاً عن الإصابة لابن حجر، أسد الغابة، مجابو الدعوة، وانظر أول كتاب الجواب الكافي لابن القيم، وشرح أصول الاعتقاد للالكائي.

[36] - متفق عليه.

[37] - باختصار من معبودات جديدة: علاء الدين بحيص.

[38] - صحيح الجامع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 144.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 142.03 كيلو بايت... تم توفير 2.81 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]