#1
|
||||
|
||||
النهي عن الغضب
النهي عن الغضب د. محمد سيد شحاته عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قَالَ للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني، قَالَ: (لا تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرارًا، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) [1]. الراوي الأعلى: اسمه: عبدالرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي، أسلم عام خيبر. فضائله: حافظ الصحابة، روى عنه أكثر من ثلاثمائة رجل، وكان من أهل الصفة، ولي الإمارة. عدد مروياته: روى خمسة آلاف حديث، وثلاثمائة، وأربعة وسبعون حديثًا (5374)، أخرج الشيخان منها ستمائة وسبعة (607)، اتفق الشيخان على ثلاثمائة وخمسة وعشرين حديثًا (325)، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثًا (93)، ومسلم بمائة وتسعة وثمانين (189). وفاته: مات سنة سبع، وقيل: سنة ثمان، وقيل: تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة [2]. المفردات: قوله: (أن رجلًا) قيل: أبو الدرداء، وقيل: حارثة بن قدامة. قوله: (أوصني)؛ أي: اعهَد لي بوصية جامعة. قوله: (لا تغضب) الغضب: ثوران في النفس يحملها على الرغبة في البطش والانتقام[3]. وقيل فيه أيضًا: غليان دم القلب، ويظهر أثر هذا الغليان على الجوارح؛ كاحمرار الوجه، وانتفاخ الودجين، واحمرار العينين[4]. المراد بهذا النهي في الحديث. يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حُسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم... والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به[5]. أقسام الغضب: الغضب ينقسم قسمين: القسم الأول: وهو محمود، ما كان لله وللحق؛ قالت عائشة: (ما انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ لِلَّهِ حُرْمَةٌ، فَإِذَا انْتُهِكَتْ للَّهِ تَعَالَى حُرْمَةٌ، كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[6]. القسم الثاني: مذموم، وهو الغضب الدنيوي[7]. أصناف الناس عند الغضب: (1) سَرِيعَ الْغَضَبِ، قَرِيبَ الْفَيْئَةِ، فَهَذِهِ بِهَذِهِ. (2) بَطِيءَ الْغَضَبِ، بَطِيءَ الْفَيْئَةِ، فَهَذِهِ بِهَذِهِ. (3) بَطِيءُ الْغَضَبِ، سَرِيعُ الْفَيْئَةِ، وهذا خيرهم. (4) سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْئَةِ، وهذا شرهم[8]. علاج الغضب: علاج الغضب يكون بطريقين: الطريق الأول: الوقاية: وتحصل باجتناب أسباب الغضب، ومن هذه الأسباب الكبر، والإعجاب بالنفس، والافتخار، والحرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة، والهزل وما أشبه ذلك. الطريق الثاني: العلاج إذا وقع الغضب: وذلك بأمور؛ منها: (1) أن يتفكر في فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوِ، وَالْحِلْمِ، وَالِاحْتِمَالِ، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفي والانتقام، وينطفئ عنه غيظه؛ منها مثلًا: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، ويخوِّف نفسه بعقاب الله، وهو أن يقول: قدرة الله عليَّ أعظمُ من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيتَ غضبي عليه لَم آمن أن يمضي الله غضبه عليَّ يوم القيامة وأنا أحوجُ ما أكون إلى العفو. (2) الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ؟[9]. (3) تغيير الحالة التي عليها الغضبان: بالجلوس أو الاضطجاع، أو الخروج، أو الإمساك عن الكلام، أو غير ذلك. (4) الوضوء، أو الاغتسال؛ عن عَطِيَّةَ السعدي قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"[10]. ما يستفاد من الحديث: (1) حرص الصحابة على السؤال والفائدة، والتفقه في الدين. (2) التحذير من الغضب. (3) أن آثار الغضب وخيمة. (4) فيه قاعدة سد الذرائع وأن الوقاية خير من العلاج. (5) اتساع صدر العالم للمسائل والمراجعات. الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث: (1) مَن ترَك الغضب رُزِق العدل في القول والعمل، وحسن الخلق. (2) الرضا بالقضاء والقدر. (3) من ترك الغضب أُتيحت له الفرصة لتصحيح الأخطاء. (4) ترك الغضب سببٌ لحب الناس. [1] أخرج: البخاري في كتاب الأدب باب الحذر من الغضب (8 / 28) ح(6116). [2] الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 199) تقريب التهذيب ص680 ت( 8426). [3] الوافي في شرح الأربعين النووية، ص101. [4] ينظر: فتح الباري (10/637). [5] جامع العلوم والحكم (1 / 144). [6] أخرجه: البخاري في كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 1306) ح (3367)، ومسلم في كتاب الفضائل باب اختياره صلى الله عليه وسلم للأيسر وتركه الانتقام لنفسه (7/ 80) ح (6116). [7] ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3187)، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ 622). [8] جزء من حديث من مسند أحمد من حديث أبي سعيد الخدري (17/ 227) ح (11143)، وقال الشيخ شعيب: ضعيف. [9] أخرجه: البخاري في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده (3/ 1195) ح (3108)، ومسلم في كتاب الآداب باب ما يُذهب الغضب (8/ 30) ح (6739). [10] أخرجه: أبو داود في كتاب الأدب باب ما يقال عند الغضب (4/ 396) ح (4786)، وأحمد في المسند (29/ 505) ح(17985)، وقال الشيخ شعيب: إسناده ضعيف، وانظر: جامع العلوم والحكم (1 / 144)، وانظر: العلاج بالرقى من الكتاب والسنة (ص: 16)، ونضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (11/ 5078)، وأدب الدنيا والدين للماوردي (250، 252)، ومختصر منهاج القاصدين (180- 181).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |