من المسؤول؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 269 - عددالزوار : 13488 )           »          معيار التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          الفراغ أول طريق الضياع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          الهـــوى وأثره في الخلاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 85 )           »          القاضي الفاضل وفضله على أهل مصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          حوار مع كتاب :«الرؤى عند أهل السنـة والجـماعـة والمخالفـين» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          تدخـل الأهــل في نزاعات الزوجين.. تهديد لاستقرار الأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          ثعبان يتحرَّك بخُبْث من تحت أقدامنا ونحن غافلون..التنصـــير ودعوات الكفر والإلحاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          مفهوم البطولة في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 59 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 79 - عددالزوار : 18269 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-06-2021, 01:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,571
الدولة : Egypt
افتراضي من المسؤول؟

من المسؤول؟


محمد هيثم زين العابدين جمعة





مَن المسؤول عندما يوصل الطالب نفسَه حدَّ العقوبة؟

مَن المسؤول عندما يَدخل المعلِّم غرفة الصف وقد امتشق عصاه مُعلنًا التهديد والمُجابَهة لطلاب العلم؟

مَن المسؤول عندما تَنشأ الأبنية المدرسية محاطة بأسوار عالية كأنها سجن لتقييد الطلاب؟

لا، بل مَن المسؤول أصلاً عن سعْي الطلاب الحثيث للهروب مِن المدرسة؟

بل مَن المسؤول أصلاً عن تسرُّب طلاب المدرسة؛ ليَجدوا راحتهم في الشارع، وسكينة نفوسِهم في البُعد عما وجد أصلاً ليؤمِّن لهم السكينة والسعادة في الحياة؟

مجموعة أسئلة أطرحها بين يدي موضوعي هذا، وسأُعنى بالإجابة عنها، ويجب أن يُشاركني في الإجابة عنها كل مَن له علاقة بالتعليم من قريب أو بعيد، وأظنُّ أن الكل معنيٌّ بذلك.

كل الأمم تُعنى بالتعليم، وتَسعى جاهدةً لتؤمِّنه لأبنائها في كل أنحاء البلاد، وعلى أعلى المستويات المادية والعلمية، وتَحشد له كل الطاقات والخِبرات البشرية، هذه حقيقة لا يُخالفها عاقل في الكون، وطبيعي أن نكون - نحن العربَ - كأمة مِن بين هذه الأمم نَسعى لأن يكون للتعليم قيمة ووجود كبير في حياتنا، كيف لا ونحن أمة "الضاد"، وأمة الدين الذي حثَّ أول ما حثَّ على العلم؟! عندما قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، فكان أمر القراءة أول أمر إلهي لبني البشر.

هذه حقيقة لا يَهرب منها أحد، لكن المتأمِّل في النتائج والوقائع الحالية مقارنة إلى ماضينا كعرب قبل مئات السنين، يُصدم لهول المفاجأة التي يُفاجأ بها، وبسبب البون الشاسع بين الحالين والواقعين، لما كنا نحلم بأن نبزَّ الأمم بأبنائنا، استيقظْنا على أمر مهول، وهو أن الكثير منهم يَعيش يومه يومًا بيَوم، وفي قلبه يَنمو الكُرْه البغيض للمدرسة والمعارف والعلوم، وسُوء خلُق مع المعلمين والإداريِّين، رغم كل التنظير والخطط التي تُوضَع، والأهداف اللامعة البراقة، لكننا دائمًا نَحصد نتائج غير مُرضية؛ لا للطالب، ولا للمُعلمين، ولا للأهل، وحتى للمجتمع ليست مُرضية بالكليَّة، فما السبب يا تُرى؟

أظن أنه من الحكمة أن نبدأ البحث في مضامين الأسئلة السابقة؛ لأن في البحث فيها والإجابة عنها إجابة عن الكثير مما يَدور في فكرنا من هموم وقلاقل وخوف على أبناء هذا الجيل.



مَن المسؤول عندما يوصل الطالب نفسَه حدَّ العقوبة؟
نسمَع ونرى في المدارس حالات يقَع فيها الطالب في شرَك العقوبة من قبل المُدرِّس أو الإداريِّين المسؤولين عنه، أو حتى المدير، نسمَع - كما نرى - كيف أن الطالب يُعاقَب ويُعاقَب ويُعاقَب لكنه يعود مرة أخرى إلى أفعالٍ أو الأفعال التي سبَّبت له العقوبة سابقًا، أمر يُثير العجب والدهشة، والذي يَحدُث أننا بدل أن نتساءل عن السبب عن جرأة الطالب على العقوبة، نَكتفي بالتعليق عليه وعلى وقاحته وجرأته وسوء أخلاقه وسوء تربيته، وكأننا نُعطي لأنفسنا قناعة وأمرًا لعقلنا الباطن بأن هذا ليس من مسؤوليتنا، ولكن... هل سألنا أنفسَنا كمُدرِّسين أولاً، ومِن ثم إداريين ومُديرين: ما الدوافع الخفية التي تعبَث بالطالب حتى تُخرِج أشواكَ نفسه فيُؤذي بها نفسه أولاً ثم يؤذي الآخرين؟ أظنُّ أننا لم نفعل ذلك، ولو فعلنا ذلك لفعلناه ولكن من دون وجود قناعة جلية في داخلنا بأنه (الطالبَ) كائنٌ بشريٌّ له روح وله عواطف ومشاعر وأحاسيس، كما له كيان يجب ألا يُخترَق وألا يُستباح من الكبار إلا إذا ملكْنا المفاتيح، وهنا لبُّ المشكلة! مَن المؤهَّل لامتلاك هذا الكنز العظيم الجليل؟

إن أصل نجاح العملية التربوية والتعليمية هو الطالب أو التلميذ؛ لأنه هو وحده نواة هذه العملية، ولكي يَنجح التعليم يجب أن تكون نواتها ناجحة أو سببًا للنجاح، والقوة تَكمُن في السيطرة على هذه النواة المتمرِّدة في غالب الأحيان، فكيف يتسنَّى له ذلك؟ سؤال صعب لكنه بالتأكيد ليس مُستحيلاً، يُمكِننا السيطرة عليه عندما نفهمه، ويُمكننا أن نفهمه عندما نَعيشه، لنرى كم يُمكِننا أن نتحمَّل ونحفظ أنفسنا هادئين دون أن نخرج للناس سيِّئي الخلُق متعكري المزاج.

فالإنسان (الطالب) طوال عمره مقسَّم مجزأ يَرزح تحت أحمال ثقيلة جدًّا، يَحمل شخصية مُتناقضة بكل جوانبها؛ لأنها نتيجة هندسة مهشَّمة مُتناقِضة، فالبيت يبني جزءًا، والطالب يَبني جزءًا، ووسائل الحضارة تبني جزءًا، والبنَّاء الأعظم للأسف هو (الشارع)، والطالب يعيش هموم تنافُر هذه الشخصية المجزأة المحطَّمة غير المتناسقة أبدًا؛ لأن الصورة لن تكون مُكتملةً ما دامت تَنعكِس في مرآة محطمة.

فكيف لنا الآن أن نَنتظِر من الطالب أن يخرج علينا سويًّا متَّزنًا مُستقرًّا نفسيًّا مُندمجًا اجتماعيًّا ونفسُه وليدةُ هذا التناقُض المقيت.



مَن المسؤول عندما يَدخُل المعلم أو المدرس غرفة الصف وقد امتشق عصاه ليُجابه بها تمرد وفورة طلابٍ....؟
صورة متكرِّرة قديمة جديدة، في غرفة استراحته يقرَع الجرس يَبدأ (تبدأ) بتحضير أدواته وترتيبها؛ حتى لا تتفلت منه لتجد أن أكثر اهتمامه كان مُنصبًّا على أداة التهديد والتقريع والوعيد، وكأنه يقول للجميع صدق المثَل القائل:
العبد يُقرَع بالعصا
والحرُّ تَكفيه الإشاره


نعم، يَدخل بها الصف، لا يُشير بها أحيانًا، ويشير بها أحايين كثيرة ليَسكُب من لعابها العقاب الأليم والإهانة لهذه الطبقة المتمردة من العبيد (على الاعتقاد) الذين يتعامل معهم، أقول في نفسي: حالة طارئة يُضطرُّ فيها لحَمل العصا، فلعلَّ حملها ليس من طبعه، وأَسكُت عند هذا الحد؛ لأتفاجأ ثانية بأنه يحمل عصاه عند كل مرة يكون متوجِّهًا فيها لغرف الدراسة.

هنا يجب على الزمن أن يتوقف هنيهة؛ لأنه آخذ بنواصي التربية والتعليم إلى مصيبة فادحة، وبما أن الزمن لا يتوقف، إذًا يجب علينا نحن أن نتوقف هنيهات كثيرة ونُعطي أنفسنا فرصة التفكير فيما نحن فاعلون، فإن ذلك يوشك أن يدق جرس الإنذار مُعلنًا تدمير شريحة هي قوام المجتمعات وعمادها أينما كانت.

المشكلة تَكمن في كثير منا - نحن المدرسين - أننا نقوم بهذا الأمر مُفكِّرين به أم أننا نقوم به بشكل تلقائي؟ فإذا سألتَ، ستأتي بعض الإجابات: إننا نقوم بما نقوم به لردع شغب الطلاب، ولكن الفعل دائمًا يحدث من دون تفكير بالعواقب، أقله لو أننا سألنا أنفسنا السؤال التالي: ما رد فعل الطلاب عندما يرَون مدرِّسَهم، وقد دخل عليهم مُستقبلاً العمل معهم بمَظاهر العِقاب؟ أو سؤال آخر: كيف سيَنظُر طلابي لي عندما أواجهُهم بحصة أعلنتُ منذ بدايتها استعدادي للهجوم عليهم والانقِضاض على جماعتهم؟

الحقيقة لو أنني دخلتُ عليهم بعصا كما لو أنني جابهتهم بسلاح، لكن ماذا لو دخلتُ عليهم بزهرة مثلاً وقلت لهم: لم أجد غير هذه الزهرة وسأُوزِّعها عليكم لكل واحد منكم ورقة لأنني أراكم من خلال هذه الأوراق، بالله عليكم - إخواني المدرسين - هل خطر ببالكم مثل هذه الأسئلة؟ أنا لا أقصد التصرف في حد ذاته؛ لكن الهدف هو طريقة كسب الثقة لدى الطلاب، فحتَّى أكون مؤثِّرًا يجب أن أكون محبوبًا، وهناك شواهد تدلُّ على ذلك؛ فغاندي ما حرك ملايين إلا بعد أن كسب محبَّتهم له، حتى واجهوا نيران الإنجليز من دون حجارة أو سلاح، فقط الوقوف في وجه النيران والموت فداءً لقضيتهم ومُناضِلِهم وبلدهم، والمسيح عيسى عليه السلام لم يؤمن به حواريوه إلا بمحبَّتهم له، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما نشر رسالته إلا بعد أن أسر قلوبهم بتعامله وحسن سيرته معهم حتى فدوه بالغالي والنفيس، ألم يقل الله - عز وجل -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]؟ أفبعْد كل ذلك يُمكن أن نُنكر أن كسب محبة الطلاب هي الأساس؟



مَن المسؤول عندما تَنشأ الأبنية المدرسيَّة محاطة بأسوار عالية كأنه سور لتقييد الحريات؟
تُعنى الدولة ببناء المدارس في كل مكان وفي كل آنٍ، لكن المُلاحَظ أنَّ كل مهندس تُوكَل إليه مهمة رسم مخطط لمدرسةٍ ما، فإنه لا بد أن يُنهي عمله بسور للمدرسة عالٍ مُكمَّل بسياج مرتفع، كل ذلك يَهدف لحماية الطلاب؛ إما مِن أنفسهم، أو من المؤثرات الخارجية، وهنا تبرز (ثقافة المجتمع)؛ حيث الحذر هو المُسيطِر، إذًا بُنيت المدارس وتمَّت بالشكل المصمَّم، ولكن هل سألنا أنفسنا: ما الأثر الذي تَتركه لدى الطلاب؟

الواقع والحوادث تقول: إن الطالب تحت ما يَرزح من ضغوط تكتمل بحصارِه داخل جدران المدرسة وأسوارها - يَسعى بكل ما أوتي من قوة وطاقة أن يَقتحم أسوار وحجب المدرسة، ولكن للخارج لا للداخل، طبعًا شعور الطالب داخل المدرسة وخلافه خارج المدرسة آخِر ما يفكر فيه، أليس من حقه أن يُعتنى به، أن يعتنى بشعوره؟ إن كانت المدرسة من أجله، والمدرسون والمعلمون من أجله، والكل إلى هرم التربية والتعليم الكل يشغل مكانه ويتقاضى أجره من أجل هذه النواة وهذا الكنز العظيم، فإذا كان كل شيء لأجل شيء، وهذا الشي لا يهتمُّ لأي شيء مما يُهيأ له، أفلا يجب أن نقف لنسأل: كيف يُمكِننا أن نُقنعه بما يُقدَّم له ونجذبه إليه؟ لأن حقيقة الأمر ولبَّه هو أن نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: كيف يُمكن لنا أن نُحبِّب الطالب في المدرسة وأن نجذبه لها؛ ليكون فيها أسعد مما يكون في أي مكان آخر؟



من المسؤول أصلاً عن سعي الطلاب الحثيث للهروب من المدرسة؟
هذه أيضًا من المشكلات التي يجب أن يُقرَع لها ناقوس الخطر الآن، وليس في أي وقت لاحِق؛ لأننا عندما يكون حديثنا عن طلابنا، فحديثنا عن فِلذات الأكباد، عن أبنائنا، عن حصنِنا، عن درع يَحمينا كمجتمع ويَحمينا كوطن، فأي تهوُّر أو خروج عن جادة الصواب من أي واحد منهم، فالخاسر الأكيد هو، ثم نحن كمُجتمع؛ لأننا لم نعتبرهم ولم نُقدِّرهم ولم نسْقِ نفوسَهم وأرواحهم من سلسبيل الحب والتقدير والاحترام؛ إذ كيف نقنع الناس بأننا مربون ومعلمون ونحن نخسر في كل عام عددًا من أدواتنا الأساسية في التعليم، إما بالانجراف خلف المُتَع والشهوات، وإما بالانحدار إلى الدركات السفلى، أو أن الردى قد طواهم عنا، وفي كل الحالات خسارتنا لهم فادحة.

كم يُبهج نفسي طالبٌ قد حمل كتبه وأدواته وقد خرَج ميمِّمًا وجهه شطر المدرسة وعلى وجهه ابتسامة مشرقة، توحي بإيمانه بحتمية وحدانية طريق العلم سبيلاً للسعادة والتطور؛ إذ هذا هو المأمول، كان، وإذا المفاجأة تصعق كل من ينتبه لها بعين التدبر والتفكير، فإذا الشوارع في لحظات دخول طلابنا المدرسة صباحًا تَراهم وقد نُثِرُوا ورُموا على قوارع الطرقات كأنهم أمتعة غادر أصحابها ونَسوها في الشارع، همُّهم أن يعيشوا من دون همٍّ، ومَشاريعهم هي عيش الأحلام البراقة الخداعة، ومُعايَشة أوهام المراهَقة وظلامها، أوهام ما يُسمَّى الإعجاب أو الحب، فهم كنباتات صحراوية نبتت في منابت اليَباب، يبحثون في الشوارع عما يروي ظمأ نفوسهم الصادية، حقيقة مؤلمة ومؤلمة جدًّا عندما تدرك أن كل ما كان معدًّا ليكون مشروع نجاح أمة وتطورها، تجده يَنطلِق من الشوارع، ويؤسس فيها، وأنى للشوارع وأنظمتها وقوانينها وأخلاقها أن تعطي جيلاً تعتمِد عليه أمة؟!



من المسؤول أيضًا عن تسرُّب طلاب المدرسة؛ ليجدوا راحتهم في الشارع، وسكينة أنفسهم في البُعد عما وجد أصلاً ليؤمِّن لهم السكينة والسعادة في الحياة؟
هنا... وهنا فقط ذِروة الأمر وسَنامه؛ حيث بلغت القضية منعطفًا صعبًا... هذه القضية الصعبة الشائكة، والتي تحتاج من كل الأطراف المعنيَّة أن تقف مع نفسها لتفكِّر في هذا السؤال، حتى الطالب (المُراهِق) يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال؛ فهو مَعنيٌّ أكثر من أي طرف آخر بالإجابة عن هذا السؤال.

الآن وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال، أشير لكل معنيٍّ بذلك أن يُجيب عن هذا السؤال؛ لأننا إن كنا مُخلصين في الإجابة، سنكون مُستعدِّين للحل، وعلى قدر إخلاصنا يكون قُربُنا من الحل.

إذا نظرنا بعين الناقد إلى الحياة العامة في المدرسة وطريقة سَيرها، نجد أن كل شيء يَسير بشكل روتيني رتيب، طلاب تدخُل، ومجموعة تَخرُج، والأبواب مُشرعة، والصفوف في المدرسة كأنها خلية من النحل، لكنه نحل فاقد للتنظيم والانضِباط وفق قانون ممالك تُعلِّم الإنسان كيف يكون التقيُّد بالقوانين، طلاب تدخل إلى قاعات الدرس، الأجواء مِن حولها تغلي وتفور نشاطًا... أصوات مُتداخِلة، كل ذلك مع صياح مِن هنا وصراخ من هناك، أصوات للموجِّهين أو المدير، تعليقات... تنبيهات... أوامر... تهديدات... من مدرس هنا ومدرِّسة هناك، ننظر وندقِّق ونمعن التفكير والنظر في ذلك، نجد أن هناك أشياء تَحدُث دون وعي من أصحابها... فقط تَحدُث وانتهى.

لو فكرنا قليلاً في كل هذا الغليان الفوار كالبركان، مع قلة المردود، يُمكن أن نصل إلى أكثر من نتيجة عن سبب تسرُّب الطلاب حثيثين إلى الشارع.

تُرى لو كان ابني أو ابنك أو ابن أي رجل أو امرأة الذي يَعيش معنا في البيت، وكان يجد الحب والتقدير والعناية والرعاية من أهله ووالديه وإخوته، أكان يُفكِّر في الخروج من البيت نفورًا وابتعادًا من جحيم ما يُعانيه؟ ألا تدرك أخي وليَّ الأمر مهما كان عملك، المهمُّ أنك أب مسؤول، أقول: ألا تدرك أننا بعدم تقديم الرعاية لأبنائنا ندفعهم دفعًا للوقوع في دروب الانزلاق والفشل والضياع؟ يُمكن لأي منا الإجابة عن هذه التساؤلات بمنطقية وحيادية وتجرد؛ لأن المنطقي أنه لا يَنفِر الابن من بيته أو يَهرُب منه ما توفَّرت له العناية والرعاية، ووجَد الاحتياجات النفسية والروحية فضلاً عن المادية، والعكس كله يُمكن أن يَحدُث وأكثر، إذا فقد هذه الاحتياجات التي تحدَّثْنا عنها قبل قليل، على أني بهذا لا أُعطي مبررًا لابني وأبناء غيري أن يَندفعوا إلى الشارع، وأقول لهم جميعًا: إن الحياة لا تَستقيم معكم على حال، ولا تأتيكم دائمًا بكل ما تحبُّون؛ فيجب عليكم الصبر والتحمُّل؛ حتى تمر غمامة الضَّيم والضنك التي تمر بساحاتكم على مر الحياة.

مُصيبة شبابِنا أنه لا يجد في كثير من الأحيان هذه الاحتياجات في المدرسة، فهو لا يَشعُر بها مدرسةً؛ بل يجدها عقوبة في حدِّ ذاتها؛ كونه يأتي إليها كل يوم، ليعاني ويقاسي فيها القهر والإساءة، وبعض الاضطهاد النفسي في بعض الأحيان وبأشكال مُتنوعة، ولو أننا قمنا بالواجب الأهم في قائمة واجباتنا تجاه طلابنا، لنجحْنا في مسعانا وبشكل كبير، وأهمُّ واجب هو أن تمنحه حق الحب والتقدير والاحترام؛ ليَشعُر بأنه سويٌّ في مجتمع يتقبَّله ويَحنو عليه، فينظر إلى نفسه نظرة إيجابية، وإلى أن يحدث ذلك فإن أجراس الخطر لن تتوقف حتى تقرع آذان الجميع؛ علهم يُنصتون ويَعون... ومِن ثَمَّ يُفكِّرون ويفكِّرون حتى يَصلِوا أخيرًا... إلى الحل المَنشود.


هذه مجموعة من الأسئلة طرحتُها بين يدي المجتمع ككل، وبين يدي كل معنيٍّ بالجانب التربوي التعليمي، كان الهدف منها طرحَ قضية موجودة لكن كثيرًا منا يَعيش معها بتلقائية وعفوية دون وعي لوجودها، أو... وهنا الطامة الكبرى إذا كان الكل يشعر بها، لكنه يقول: لا يعنيني، أنا مُطالَب بعمل سأقوم به، ومن ثَمَّ لا علاقة لي بأي شيء بعدها أبدًا.

لم يكن الهدف من مقالتي هذه إلا إظهار المشكلة للعيان، ولفت نظر الجميع إليها، وسأترك الحل برسم كل مسؤول من موقعه... من المدرس والإداري والمدير، إلى الأب في بيته، ومن ثَمَّ المجتمع، صعودًا إلى أن تصل مستويات أعلى من المسؤولية التربوية التعليمية، يَشفع لي في كل ما قلت حرصي على شباب وطني من أن يُستباح ويكون لقمة سائغة وفريسة سهلة تقع في شراك مخططات الغرب وأعوانه وأذنابه، أحمِّلُ أثير القلوب وخطرات النفس أجراس النداء الإلهي الخالد: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، صدق الله العظيم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.59 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]