قضية أثر الإسلام في الشعر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213433 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2023, 05:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي قضية أثر الإسلام في الشعر

قضية أثر الإسلام في الشعر
المصطفى المرابط

مكانة الشعر عند العرب عظيمة، ومنزلته بين باقي أبواب الفنون والإبداع جليلةٌ لا يضاهيها شيء؛ فهو خاصَّتُهم التي اشتهروا بها، وعُرفوا بين الأمم والدول، وميدانهم الذي أبدعوا فيه ومن خلاله وفي ساحاته أجودَ الأفكار، وصنعوا منه أجملَ الصور الفنية، وأروع المعاني البلاغية، وطبعوا به أرقى القيم الإنسانية النبيلة، وكما كان لكل جماعة بشرية في كل مِصْرٍ وقطر، وعبر التاريخ والأزمان، عِلْمها الذي تُعرف به، وتتميز فيه وتنبُغ، تجد فيه سَلوتَها وأُنسها ومتعتها، يحفظ إرثها وثقافتها، وحضارتها ووجودها، كان الشعر بالنسبة للأمة العربية – قبل الإسلام - ديوانها، الذي جمع تاريخها الإنساني كله، وطواه بين دَفَّتيه؛ ويذكر الجاحظ في هذا الباب في كتاب (الحيوان): "فكل أمة تعتمد في استبقاء مآثرها، وتحصين مناقبها، على ضرب من الضروب، وشكل من الأشكال، وكانت العرب في جاهليتها تحتال في تخليدها بأن تعتمد في ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفَّى، وكان ذلك هو ديوانها"[1]؛ بهذا أمكننا القول: إن العرب أمة ما كانت لتقوم وتكون لها حضارة مدوَّنة، لولا هذا الشعر، الذي نطق بلسانها، واحتفى بإنجازاتها، ودوَّن ألمعيتها، وكان عنوانَ نبوغها، وحفِظ لها وجودها من الزوال.

ويزكِّي الراوي، والناقد المؤسس، المشهور؛ ابن قتيبة - هذا الرأي والمذهب، في كتابه (تأويل مشكل القرآن)، متحدثًا عن أهمية الشعر وقدره بالنسبة للعرب؛ يقول: "وللعرب الشعر، الذي أقامه الله تعالى مقام الكتب لغيرها، وجعله لعلومها مستودعًا، ولآدابها حافظًا، ولأنسابها مقيدًا، ولأخبارها ديوانًا لا يرثُّ على الدهر، ولا يَبِيد على مر الزمان، وحَرَسه بالوزن والقوافي وحسن النَّظْمِ، وجودة التحبير من التدليس والتغيير، فمن أراد أن يُحدِث فيه شيئًا عسر ذلك عليه، ولم يخف له كما يخفى في الكلام المنثور"[2].

لقد كان الشعر، هذا الموروث المعجزة، يحمل قوة صموده وبقائه - عنوانًا لأمة العرب العظيمة في ذاته، كما كان يضم أسباب مقاومته لكل محاولات التحريف والتصحيف والنَّحْلِ في ثنايا أبياته ومقطوعاته وقصائده؛ ذلك أن واضعيه الأوائل من علماء اللغة العربية والبيان والعَروض، قد أحاطوه بهالة من القدسية والهَيبة، وطوَّقوه بمنظومة متكاملة من القوانين والقواعد، تستحيل معها أدنى محاولة للعبث به وإتلافه.

وقد عرف الشعر العربي تطورات هامة، واكَبَتْ ما عرَفته بلاد العرب من تحولات اجتماعية ودينية وسياسية وثقافية، وإذا كان علماء العرب يميزون في تاريخ شعرهم بين عصرين؛ عصر الجاهلية الوثنية، وعصر الإسلام، فهم لا يريدون بذلك أن يغضُّوا من شأن العصر الأول تأثرًا منهم بالنظرة الدينية، ولكنهم على خلاف ذلك، ينظرون إلى ممثِّلي ذلك العصر الأول على أنهم نماذج لا يُلْحَق شَأْوُها، بل أحيانًا يذهبون بعيدًا في تدقيقهم إلى حد التهوين من قيمة شاعر لا يمكن إنكار تفوقه لمجرد أن ولادته كانت بعد ظهور الإسلام[3]؛ ذلك أن شعر العصر الجاهلي، الذي اعتبره النُّقَّاد الأصلَ والمرجع والأساس، الذي نعود إليه ونقيس عليه، وإن كان قد حافظ على مقوماته وعموده، فإنه يختلف عن شعر مرحلة صدر الإسلام – مرحلة انبثاق الدعوة الإسلامية - من جوانب عدة، ومن مناحٍ شتى؛ ذلك أن مجيء الدين الجديد قد شكَّل باعتراف جميع الباحثين، من النقاد والدارسين - سواء أكانوا عربًا أم مستشرقين، قدماء أم معاصرين - رجَّة قوية، وشرخًا عظيمًا، وانعطافة كبيرة في ثقافة ووعي الإنسان العربي، وفي نمط تفكيره، غيَّر من رؤيته للحياة، وصحح نظرته المعوجَّة إلى الكون وإلى العديد من الأشياء.

ولما كان تأثير هذا الدين الجديد قد مسَّ جميع جوانب ومناحي الحياة الإنسانية العربية، كان لا بد تلازمًا مع ذلك أن يصيب الشعر ومبنى القصيدة شيء من أثر حمولة هذا الوافد الجديد، وتبعًا لهذا فقد زعم عدد من الدارسين القدماء، الذين اهتموا بالشعر والنظم، أن الشعر قد عرف ضعفًا جليًّا بقدوم الإسلام، وأن هذا الأخير قد جاء بأحكام صارمة، وبقيم أخلاقية جديدة اعتبرها الجسم العربي آنذاك دخيلة، وأدت إلى القضاء على موهبة كثير من الشعراء الجاهليين الفحول، أصحاب القصائد الرائعة، الذين دخلوا في الإسلام واقتنعوا به اقتناعًا، فتغيرت شِعْرِيَّتُهم، وعملوا على تطويعها اتساقًا مع هذه المنظومة الأخلاقية الجديدة، وانسجامًا مع متطلبات الموقف الجديد، وظروف وملابسات الدعوة الإسلامية، بينما اتجه نقاد آخرون اتجاهًا مختلفًا، وادَّعَوا أن ظهور الإسلام لم يكن قط عاملَ كبح أو ضعفٍ للشعر، بل على العكس من ذلك تمامًا، فقد منحه الظرف الجديد نَفَسًا وألْقًا جديدًا، وشكَّل دفعة قوية، وانطلاقة هائلة نحو آفاق أوسعَ للخيال، ومساحات أرحب للتعبير وخلق المعاني وابتكارها.

القول بضعف الشعر مع مجيء الإسلام:
إن من قضايا الشعر الهامة، التي أثارت نقاشًا واسعًا بين النقاد والباحثين في الزمن القديم والحديث على السواء، وأسالت الكثير من الْمِدَاد، وما زالت إلى اليوم موضعَ بحثٍ ومداولة في وسط المهتمين والدارسين - قضيةَ ضعف الشعر وضموره مع مجيء الإسلام؛ حيث يحشد كل فريق من أصحاب الرأي والمذهب في المسألة حُجَجَهُ الدامغة وأدلته المزعومة؛ لتأكيد طرحه وإثبات صحة ما يذهب إليه، وإن كان تيار آخر من الباحثين قد وقف من المسألة موقفًا ثالثًا، يزعم فيه أن الإسلام – الدين الجديد - لم يؤثر تأثيرًا عميقًا في شعراء العرب وفي شعرهم، ويرى في المقابل أن شعراء العصر الأموي قد سلكوا دون مبالاة في مسالك أسلافهم الجاهليين، ولم تسُدْ روح الإسلام حقًّا إلا مع ظهور العباسيين[4]؛ وبالتالي لم يتأثروا ولم يغير الدين الجديد شيئًا من فنية الشعراء، ومن أسلوب نظمهم للشعر.

وهكذا فقد ذهب كثير من نقاد القرنين الثاني والثالث الهجريين، إلى الاعتقاد ببداية تراجُعِ الشعر العربي وضعفه مباشرة؛ منذ نزول قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226]، كما زعموا أن في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: ((لَأَنْ يمتلئَ جوفُ أحدكم قيحًا ودمًا خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا))[5] حثًّا واضحًا على ذمِّ الشعر، ودعوة صريحة إلى ترك نظمه، والتخلي عنه.

لقد اعتبروا ما ورد في الآية الكريمة، وفي الحديث النبوي الشريف محاربةً من الدين للشعر، وسعيًا إلى وقف نظمه وقوله؛ حيث أدى ذلك بالضرورة حسب تصورهم إلى تراجعه وضعفه.

ومن أسباب ضعف الشعر كذلك - حسب أصحاب هذا الاتجاه القائل بتراجع الشعر مع قدوم الإسلام - انصرافُ اهتمام شعراء الصدر الأول للإسلام، الذين دخلوا في الدين الجديد واعتقدوا به إلى أمور أخرى كالجهاد والغزو؛ حيث يذكر ابن خلدون قولًا في هذا الباب في المقدمة يعضد هذا المذهب ويسنده؛ يقول: "انصرف العرب عن الشعر أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي، وما أدهشهم في أسلوب القرآن ونظمه، فأُخْرِسوا عن ذلك، وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زمانًا"[6].

والحقيقة أن في كلام ابن خلدون هذا قدرًا كبيرًا من الصحة والمعقولية؛ ذلك أن الصدمة التي تعرض لها شعراء العرب وفصحاؤها بسبب ما ألِفوه في القرآن الكريم من بلاغة، تمثلت في روعة تصويره، وجمال بنائه الدلالي واللغوي، كانت كبيرة وغير مستساغة؛ إذ كيف لرجل أُمِّيٍّ لم يُعرف يومًا بين قومه بالبراعة في قول الشعر، بل لم يروِ بيتًا واحدًا، ولم ينظم قصيدة أو مقطعة أن يأتي بحديث عظيمٍ مُعجِزٍ، قمة في البلاغة وحسن الترتيب، لا مثيل له.

ويمكن عمومًا إجمال أدلة القائلين بضعف الشعر وتأثره بالإسلام من النقاد في الحجج الآتية:
1- إن المسلمين شُغِلوا بالقرآن، وسكت شعراؤهم ليستمعوا إلى كلمة الله.

2- إن طريق الإسلام غير طريق الشعر، ومذهبه غير مذاهب الشعراء، فالشعراء إنما كان أكثر قولهم عصبية جاهلية وفخرًا وحماسة بما بين قبائلهم من تنازع ومطاولة بالأنساب والاحتساب، وهجاء ومدحًا باطلًا، وهي مذاهب حاربها الإسلام.

3- الشعر نكد لا يَقْوى إلا في الشر، فإذا أدخلته في باب الخير لانَ.

4- إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهيئ لعامة الشعراء مكانًا رحيبًا في كنفه؛ لِما كانوا عليه في شعرهم من مذاهبَ لا يقرها الدين، فكفَّ بعضهم عن قول الشعر.

5- إن الضعف الذي يبدو على الشعر الإسلامي إنما كان بدأ في الحقيقة قبيل الإسلام لا بعده؛ حيث كان قد انقضى عصر الفحول، ولم يبقَ غير الأعشى الذي مات وهو في طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليمدحه ويعلن إسلامه، ولبيدٍ الذي كان قد بلغ الستين، وأوشك أن يكف عن قول الشعر، ولم يبقَ عند ظهور الإسلام إلا شعراء مُقِلُّون، بعضهم مُجِيد في قصائد مفردة، لكنهم لا يبلغون شأوَ هؤلاء الفحول.

6- ضعف شعر حسان بن ثابت ولينه في الإسلام، وانصراف كثير من الشعراء عن قول الشعر انصرافًا تامًّا بعد الإسلام[7].

القول بقوة الشعر مع مجيء الإسلام:
لقد ظهرت آراء كثيرة لنُقَّاد أكَّدوا خلاف ما ذهب إليه الاتجاه الأول، واعتقدوا بنهضة الشعر وقوته مع مجيء الإسلام، وذهبوا إلى أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية على عكس ما يعتقد آخرون قد وقفت موقفًا إيجابيًّا من الشعر والشعراء، وذلك إذا ما تتبع القارئ الآيات والأحاديث تتبُّعًا واعيًا، وفهِم الغاية والمقصد الحقيقيَّ من ورائها، ومن هؤلاء نذكر يحيى الجبوري، فتوح أحمد، عائشة عبدالرحمن المعروفة ببنت الشاطئ، وشوقي ضيف، وغيرهم كثير.

وتكفي العودة إلى سياق الانقلاب الديني، الذي مسَّ حياة العرب من جميع الوجوه الروحية والاجتماعية والسياسية بمجيء الإسلام، وتأثر الشعر والشعراء بذلك؛ حيث وقف شعراء المدينة مع الرسول صلى الله عليه وسلم يذودون عنه بألسنتهم، ويناضلون عنه بأشعارهم، بينما كان قد وقف في الصفوف المقابلة شعراء مكة والطائف، يردون عليهم ويحمسون قومهم ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، للوقوف على حقيقة تطور الشعر وقوته في هذه المرحلة، لا ضعفه وهوانه كما يعتقد أصحاب مقولة ضعف الشعر، فمكة لم تكن تُعرَف في الجاهلية لا بالشعر ولا بالشعراء، وكان ذلك الانقلاب الروحي قد أتاح الفرصة لكي يظهر فيها شعراء مثل ضرار بن الخطاب الفهري، وعبدالله بن الزِّبَعْرى والحارث بن هشام وغيرهم[8]، وهكذا، فظهور الإسلام قد كان عاملَ تطور وانتشار للشعر، لا عامل تراجع ونُكُوصٍ؛ إذ نجده يصل إلى أماكن في المنطقة العربية لم تكن معروفة بقول الشعر.

لقد أدت الدعوة إلى الدين الجديد إلى بثِّ الحماسة في نفوس المسلمين وغيرهم على حد سواء، وإلى إذكاء التنافسية بينهم في قَرْضِ الشعر؛ لأنه كان في تلك الفترة كالإعلام في عصرنا الحاضر، من يملكه ويسيطر على أدواته يتمكن من نصف أسباب النجاح والانتصار في الحروب.

ويذكر يحيى الجبوري في كتابه (شعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه) رافضًا فكرة ضعف الشعر في صدر الإسلام؛ قائلًا: "هناك فكرة شائعة خاطئة لدى كثيرين تزعُمُ أن الدين الإسلامي كان قد عاق الشعر في هذه الفترة، بل اضطهده، ناظرين إلى صدر آية الشعراء ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226]، دون عجزها وتمامها، ودون النظر في ظروف الدعوة وموقف الدين من الشعر في كل المراحل والظروف"[9]؛ ذلك أن ذِكْرَ هذه الآية الكريمة جاء في معرِض رفع الاتهام الذي اتهمت به قريش النبي صلى الله عليه وسلم عندما قالت: إنه كاهن وشاعر؛ حيث نفى الله تعالى ذلك؛ وقال: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224]؛ أي في شعرهم، فيقومون به ويَرْوونه عنهم، فهم مذمومون، سواء الشعراء أم الغواة الذين يتبعونهم، فإنه لا يتبع الشعر إلا الغواة، فهو من هذا المنحى باطل، وهذا القرآن ليس كذلك، هذا القرآن لا يتبعه إلا أهل الرشد والسداد، فدل ذلك على أنه ليس بالشعر؛ لأن الغالب أن الشعر لا يتبعه إلا الغاوون، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [الشعراء: 225]؛ أي: في كل وادٍ من أودية الكلام والفنون يمضون، فيجاوزون الحدَّ مدحًا وهجاء، والشعر المذموم هنا هو الذي لم يُؤخَذ من الكتاب والسنة، فإن أُخِذَ من الكتاب والسنة فإنه يتبعه الراشد، وذلك مثل بعض القصائد التي نظمها أهل العلم والإيمان، فهذا لا يعتبر شعرًا يتبعه الغاوون"[10]، وبالعودة إلى القرآن الكريم، نجد إصرارًا حقيقيًّا في عدد من آياته لتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الشعر، الذي سارعت قريش إلى اتهامه به؛ محاولةً منها قتل وإفراغ دعوته الكريمة من محتواها ومحاربتها، وفي هذا الصدد يرِد قوله تعالى في سورة يس: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 69]، وجاء كذلك في سورة الأنبياء قوله تعالى: ﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء: 5]، وفي سورة الصافات جاء أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 36]، وفي سورة الطور: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [الطور: 30]، وفي سورة الحاقة قال تعالى أيضًا: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴾ [الحاقة: 40، 41]، وهكذا تكون الآية سالفة الذكر ومبتدأ هذا النقاش، التي يعرضها أصحاب مذهب ضعف الشعر بمجيء الإسلام ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء: 224] قد وردت في سياق تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الشعر، وفي باب التمييز بين القرآن الكريم، كلام الله تعالى، وغيره من الكلام؛ وقد قال بعض العقلاء وسُئل عن الشعر: "إن هزل أضحك، وإن جد كذب"، فالشاعر بين كذب وإضحاك، وإذ كان كذلك فقد نزَّه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخَصلتين وعن كل أمر دني[11]؛ ذلك أن الشعراء معروفون دائمًا بالغلو والكذب ومجاوزة الحق في مدحهم وهجائهم، وهي صفات غير جائزة في حق الأنبياء والرسل، الذين عُصموا من الوقوع في الخطأ، ومن جهة أخرى فإن أهل العَروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمن بالنغم، وصناعة العروض تقسم الزمن بالحروف المسموعة، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي، لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد: ((ما أنا من ددٍ ولا ددٌ مِنِّي)) [12]؛ أي: إنه ليس بشاعر ولم يقل شعرًا.

ويذكر شوقي ضيف في كتابه (العصر الإسلامي) متحدثًا عن قضية ضعف الشعر المشهورة، واقفًا منها موقف النفي؛ قائلًا: "فالشعر لم يتوقف ولم يتخلف في هذا العصر، وهذا طبيعي؛ لأن من عاشوا فيه كانوا يعيشون من قبله في الجاهلية، وكانوا قد انحلت عقدة لسانهم وعبَّروا بالشعر عن عواطفهم ومشاعرهم، فلما أتم الله عليهم نعمة الإسلام ظلوا يصطنعونه وينظمونه"، يقول: "واقرأ في كتب الأدب والتاريخ، مثل الأغاني والطبري وسيرة ابن هشام، وكتب الصحابة، مثل الإصابة والاستيعاب، فستجد الشعر يسيل على كل لسان، واقرأ في المفضليات والأصمعيات، فستجد المفضل الضبي والأصمعي يحتفظان في كتابيهما بغير مطولة للمخضرمين، وقد عقد ابن قتيبة في الشعر والشعراء تراجِمَ لكثيرين منهم، وسلك ابن سلام في كتابه (طبقات فحول الشعراء) نفس المسلك، وذكر طائفة من مجوديهم البارعين"[13]، فالشعر لم يأفُلْ نَجمه قط كما صوَّر بعض النقاد الأمر أو كما توهموه، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد اتخذ الشعر سلاحًا ماضيًا، ووسيلة رادعة في مواجهته كفارَ قريش، الذين كانوا يناوئون الدعوة الإسلامية، وينبرون لهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه؛ حيث اتَّكأ على جهابذة القول الشعري حينها وشجعهم على الرد على الخصوم، ويُروَى في هذا الباب أن الرسول الكريم قال للأنصار: ((ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟)) فقال حسان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه وقال: والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء، وانضم إليه كعب بن مالك وعبدالله بن رواحة، فاحتدم الهجاء بينهم وبين شعراء مكة"[14].

ويظهر موقف ثالث في قضية الإسلام والشعر توسَّطَ الموقفين السابقين، وحاول البحث عن نقطة تلاقٍ واتفاق يقتنع بها الباحث في الموضوع، وتفتك عقدة هذا النقاش؛ يقول يوسف خليف: "ولسنا ندَّعي أن القرآن صرف العرب جميعًا عن قول الشعر، أو أنه أخرس ألسنتهم حتى لم تعد تنطق به، وإنما الذي نقرره هو أنه أضعف من سيطرته على المجتمع الأدبي والإسلامي بعد أن كان هو اللون الأساسي في الحياة الأدبية الجاهلية، وإذا كان لبيد قد فكر في أن يحطم قيثارته، فقد كان هناك غيره من شعراء الكوفة ممن احتفظوا بقيثاراتهم دون أن يحطموها، ولكن الرجة الدينية والأدبية التي أثارها القرآن الكريم في نفوسهم، وفي نفوس المجتمع الإسلامي من حولهم، كانت تزلزل الأوتار في أيديهم، وتجعل الناس لا يجدون في فنِّهم تلك المتعة الآسرة التي كان القدماء يجدونها في الشعر القديم"[15]، فبالمختصر المفيد أمكننا القول: إن القرآن الكريم بنزوله وحيًا من السماء على النبي الكريم مع بداية الدعوة الإسلامية، قد شغل جماعة من المؤمنين عن الاهتمام بالشعر وقرضِه، في مقابل تكريس الجهد لحفظ القرآن وكتابة الوحي ونشر الدين، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن الإسلام قد وقف ضد الشعر الذي ابتعد عن روح الدين الجديد ولم يعكس أحكامه وأفكاره التي يقوم عليها، أما الشعر الذي سار على نهج توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم، وتشريعات القرآن الكريم في العقيدة والعبادات، ولم يتجاوز حدَّ الحفاظ على أعراض الناس وكرامتهم، وخدمة الدعوة إلى الله، فقد كان مرغوبًا فيه، وحظِيَ بتأييد النبي الكريم والصحابة رضوان الله عليهم من بعده، ويُروى في هذا الصدد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجب بالشعر، وكان يقول عندما يسمع شيئًا من روائعه: ((إن من البيان لَسحرًا، وإن من الشعر لَحِكَمًا أو حكمة))[16]، كما يُروى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الشعر كلام من كلام العرب جزل تتكلم به في بواديها، وتسل به الضغائن من بينها))[17]، وقال لحسان بن ثابت يحثه على قرضه ومواجهة الكفار به: ((اهجُهم – يعني قريشًا – فوالله لَهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غَبَشِ الظلام، اهجُهم ومعك جبريل روح القدس، والقَ أبا بكر يعلمك تلك الْهَنَات))، فلو أن الشعر حرام أو مكروه، لَما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم شعراء يثيبهم على الشعر، ويأمرهم بعمله، ويسمعه منهم[18].

ويذهب إدريس الناقوري في كتابه (قضية الإسلام والشعر)، إلى عدم جدوى وموضوعية إثارة هذا النقاش حول ضعف الشعر وقوته بعد مجيء الإسلام؛ ذلك أن مقارنة شعر هذه المرحلة مع المرحلة التي قبلها لا يخلو من نقص، ويَعْتَوِره قصور كبير، على اعتبار خصوصية وظروف كل فترة تاريخية؛ يقول إدريس الناقوري: "والحال أن مبدأ المقارنة غير وارد من وجهة ما؛ إذ من غير المستساغ بتاتًا مقارنة العطاء الشعري في مرحلتين تاريخيتين، تختلفان اختلافًا جوهريًّا من حيث الطبيعة والخصائص، وحتى من حيث المفهوم الشعري؛ لأن الشعر اتخذ بالفعل مفهومًا جديدًا في ظل الإسلام، وخضع لتوجيه جديد أثر في مساره وتطوره، وكانت له انعكاسات على مستقبله، بل إن المقارنة بين شعراء من مرحلة واحدة أمر في ظنِّ بعض الباحثين لا يستقيم، فزكي مبارك يشير – مثلًا - إلى استحالة الموازنة بين شعر حسان وواحد من شعراء اليهود والمشركين وممن عاصروه؛ لأن الحوادث عصفت بما ترك شعراء الحزب المغلوب[19].

لقد كان حجم التحول الذي أتى به الإسلام كبيرًا جدًّا، تحول مسَّ جميع مناحي حياة الإنسان العربي في منطقة شبه الجزيرة العربية، فالتطور الذي طرأ على مفهوم الشعر مثلًا وغيره من حال إلى حال، يجعل من المتعذر عقد مقارنة سليمة بين الشعر الجاهلي والإسلامي، ويدحض من ثَمَّ النظرية القائلة بضعف الشعر في صدر الإسلام، أي في عصر النبوة والخلافة الراشدة، بسبب موقف الدين والقائمين عليه من الشعر والشعراء، وحتى لو فرضنا جدلًا أن الشعر أصابه وهن في هذه الفترة، أوليس هذا الضعف امتدادًا للتدهور الذي عرفه الشعر الجاهلي قبل الإسلام؟ يذكر إدريس الناقوري في كتابه (قضية الإسلام والشعر) متسائلًا: "ثم إن اعتبار الشعر الجاهلي النموذج الأعلى في الشعر أمر مشكوك فيه لعدة أسباب؛ منها: أن كثيرًا من الباحثين يَرَون أن هذا الشعر المعروف لدينا الآن، ليس سوى مرحلة من مراحل التطور التي مر بها الشعر العربي القديم، ولا يبعد أن يكون مسبوقًا بنماذج شعرية أكثر جودة، عصفت بها أحداث التاريخ فلم نعرف عنها أي شيء، وكل هذا يدفع إلى الاعتقاد بأن نظرية ضعف الشعر في صدر الإسلام إن لم تكن باطلة من الأساس، فهي على الأقل نسبية، وليست صحيحة على إطلاقها، مثلها في ذلك مثل المبدأ الذي ترتكز عليه، أي موقف الإسلام السلبي من الشعر والشعراء"[20].

[1] الحيوان، الجزء 1، ص 71.

[2] تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، ص 17-18.

[3] تاريخ الأدب العربي، بروكلمان، الجزء الأول، ص 36.

[4] تاريخ الأدب العربي بروكلمان، ج 1، ص 36.

[5] الإسلام والشعر، ص 15.

[6] مقدمة ابن خلدون، ص 632.

[7] الإسلام والشعر، ص 16.

[8] التطور والتجديد في الشعر الأموي، شوقي ضيف، ص 13.

[9] شعر المخضرمين وأثر الإسلام فيه، المقدمة ص 3-4.

[10] تفسير القرآن الكريم، سورة الشعراء، ص 311 – 312.

[11] المزهر للسيوطي، الجزء 2، ص 470.

[12] المزهر للسيوطي، الجزء 2، ص 470.

[13] العصر الإسلامي، شوقي ضيف، ص 42 – 43.

[14] العصر الإسلامي، شوقي ضيف، ص 47.

[15]حياة الشعر في الكوفة إلى نهاية القرن الثاني، ص 656.

[16] العصر الإسلامي، شوقي ضيف، ص 44.

[17] العمدة، الجزء 1، ص 74.

[18] العمدة، الجزء 1، ص 79.

[19] قضية الإسلام والشعر، ص 47.

[20] قضية الإسلام والشعر، 51-52.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.31 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]