تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         العلمانية ردة عن الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          نتائج الالتزام بمنهج السلف وثمراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3943 - عددالزوار : 386416 )           »          عرش الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أسلحة الداعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 16182 )           »          لماذا يرفضون تطبيق الشريعة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3123 )           »          الأيادي البيضاء .. حملة مشبوهة وحلقة جديدة من حلقات علمنة المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 04-10-2020, 05:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ذكر أنواع الميتة

وفي آية المائدة ذكر تعالى أنواع الميتة فقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، هذه كلها داخلة في لفظ الميتة مفصلة فقط؛ لأن حال الموت سيكون بالتردي من جبل أو من السطح إلى الأرض فيموت الحيوان، وأحياناً يكون موقوذاً بحجر أو بعصا فيموت، أحياناً يختنق بين شجرتين تدخل الشاة رأسها بين غصنين فما تستطيع أن تخرج رأسها فتموت، أو تكون مربوطة بحبل فتحاول أن تطلق نفسها فتختنق. فالموقوذة والمتردية والنطيحة تنطحها أختها بقرنها فتقتلها، وما أكل السبع، الذئب يجري وراءها فيأخذها، فهذه إن ماتت بدون تذكية فهي ميتة، من أدركها حية والحياة مستقرة فيها تستطيع أن تعيش بعدها وذكاها حلت له: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، أما إذا وجدها وقد أيس من حياتها حيث فارقتها الروح وبقيت فيها بقية لا تنفع فهذه لا تذكى ولا تنفع، لا بد أن تكون الحياة مستقرة فيها وإن كان بطنها مفقوءاً. وإذا صاد الصائد حيواناً وقال: باسم الله وأطلق رصاصته، أو باسم الله وضربه بسيفه، فإن وجده حياً ذكاه وإن وجده قد مات فهو حلال، لكن لو وجده حياً فبدل أن يذكيه لوى رأسه وقطعه بيده فهذا ما يجوز، إن وجده حياً ذكاه، وإن وجده مات يأكله ولا حرج، هذا مشروط بأن يقول: باسم الله ويرمي، فإن لم يسم الله فلا يأكل.

معنى قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)

وقوله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، هذه عامة وتحتاج إلى بعض الحفظ، فمن الباغي هذا؟ هذا يتناول البغاة الذين يخرجون على إمام المسلمين، خرجوا عن الإمام وتحزبوا وتعصبوا بالجبال والطرق، وهم خارج البلد، هؤلاء إن جاعوا لا يأكلون الميتة ولا الدم ولحم الخنزير.الباغي: الذي يقطع طرقات المؤمنين وليس ضد الحكومة فقط، متسلط جبار يروع المسافرين ليستولي على ما عندهم ويقتلهم، هذا الذي في الطرقات يبغي على الناس هل يجوز له أن يأكل الحرام؟ لا يجوز، موته أولى، ما أذن الله له فيه، لأنه قال: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، والعادي بمعنى: المعتدي، فإذا خرج لمخرج باطل وسوء ليقتل المسلمين أو يأخذ أموالهم أو يسلبهم ما عندهم فهذا المعتدي، فهذا إذا جاع لا يأكل الميتة. نظيره المسافر إذا سافر لمعصية الله، سافر باغياً أو عادياً، لا يحل أن يتيمم ولا أن يجمع الصلاة أو يقصرها؛ لأن سفره حرام لا يحل له ذلك السفر. ويدخل في قوله تعالى: (غير باغ) أن يأكل القدر الذي يسد رمقه ويقيم صلبه، ولا يشبع من الميتة أو الدم ولحم الخنزير، فإن طلب ما هو زائد على حاجته. كذلك الاعتداء إذا كان في غير حاجة ماسة إلى أكل هذه الميتة، ويدخل في الاعتداء أيضاً أنه لا يشبع ويمتلئ بطنه بالميتة أو بالمحرم؛ لأنه يأكل بالقدر الذي يحفظ حياته ليذكر الله ويشكره، فلا بد من هذا الاستثناء: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173] ظالم معتد متجاوز للحد، إلا أن مالكاً رحمه الله يرى أنه إذا أكل فلا بأس أن يشبع، لكن ليس رغبة في الأكل من هذا الحرام، وإنما يعرف أن الطريق والمسافة بعيدة ولا يمكنه أن يواصل سفره، فلهذا يأكل القدر الذي يستطيع أن يسافر به ويواصل سفره، بل أجاز بعضهم أن يأخذ منها لأنه يعلم أن الطريق بعيدة، فيأخذ هذا الفخذ من الشاة لكن لا على نية أن يأكله إلا إذا خاف على نفسه الموت؛ لأنه لا يحل له أن يأكل مما حرم الله إلا إذا خاف الموت والهلاك على نفسه، لا أن يأكله متلذذاً طالباً له، بل لا بد ألا يأكل إلا حفاظاً على حياته ليعبد الله ربه، هذا معنى قوله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، فإن كان باغياً أو عادياً فعليه الإثم وحرام أن يأكل المحرم، لا ميتة ولا دم ولا لحم خنزير. وعلل لذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173] غفور لمن تاب رحيم بعباده، ولولا رحمته ما أذن لهم ولقال: موتوا ولا تأكلوا.

حكم ترك المضطر الأكل من المحرم مفضلاً الموت على ذلك

وهنا السؤال: هل يجوز للمؤمن أن يموت وبين يديه جيفة ميتة أو لحم خنزير أو دم؟ الجواب: لا يحل له أن يرضى بالموت ولا يأكل، لم؟ لأنه عصى الله عز وجل، أذن الله له فقال: ما نأكل، فهذا تعدي أم لا؟ فلا يحل له أبداً أن يمتنع من الأكل حتى يموت أو من الشرب حتى يموت؛ لأن حياته لله؛ فكيف يقضي عليها لينقطع ذكره وشكره؟ فالله ما يرضى هذا لعباده، وحسبنا أننا نسمع قوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173].

تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير

وقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173] لما أذن لنا في الحلال، وهو اللبن والشاي والبن والعسل والبطيخ والتفاح، وما أكثر الحلال، فمن الحكمة اكتفى بقوله: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57]؛ لأن ذكر كل الحلال صعب ما يتسع له الوقت ولا الورق، والذي هو حرام محدود يعد، فذكر تعالى ما حرم علينا من المطاعم فقال: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ [البقرة:173]، وهي كل ما مات حتف أنفه بدون تذكية له من بعير أو بقرة أو كبش أو أو دجاجة أو عصفور، كل المأكولات من الأنعام والطيور، اللهم إلا السمك والجراد، فميتة السمك وميتة الجراد أحلهما الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( أحل لنا ميتتان: السمك والجراد ) فكل ما مات حتف أنفه بدون تذكية فهو ميتة وحرام ولا يؤكل. ثانياً: الدم، بشرط بأن يكون سائلاً مسفوحاً، أما الدم الذي هو ممتزج مختلط باللحم والعظم فلا شيء فيه؛ لأنه من الصعب أن نصفي اللحوم ونزيل الدم، ما كلفنا الله بهذا، فالدم الحرام الذي يؤذي هو الدم الذي يسيل حين تذبح الشاة أو البقرة أو البعير، فكانوا يجعلون آنية تحتها ويجمعون الدم ويطبخونه. هذا الدم حرام، وعلة تحريمه ما فيه من الضرر والأذى، والله! إن فيه أذى وضرراً وإن أكله الكفار سمان الأجسام، فهم لا يعترفون، وإلا فهم يتأذون به، وسواء كان دم حيوان أو طير. قال تعالى: وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173]، والخنزير حيوان معروف من أخبث الحيوانات، وهو ديوث، فلم لا نأكل لحم الخنزير؟ لأنه يورثنا الدياثة؛ لأنه الحيوان الوحيد الذي لا يغار على أنثاه، والديوث في الإسلام والمسلمين من يرضى الخبث في أهله، والديوث لا يدخل الجنة. وبلغنا عن أمنا عائشة أنها قالت: الديوثة من النساء تلك التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها. هذه أمكم تقول هذا، يا معشر المؤمنات! اسمعن عائشة تقول لكن: إن الديوثة من النساء هي التي ترفع صوتها حتى يسمعها ضيفها وهي في حجرتها. فلتكن أصوات المؤمنات منخفضة على قدر الحاجة، وحتى أصوات الرجال، فلا تبدد طاقتك فيما لا معنى له، أما قال تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]؟ تكلم بصوتك على قدر الحاجة كريالك في جيبك تخرجه على قدر حاجتك تنفقها، فلا تبدد طاقتك فتتكلم بصوت عال، بل اخفض من صوتك وتأدب. هذا الفحل فكيف بالمرأة؟ فهي من باب أولى أم لا؟ لأن صوتها يتأثر به الفحل، ومن يمسح هذه الطبيعة والغريزة التي جبلنا الله عليها؟ صوت الأنثى في الحيوان يتأثر به ذكور الحيوانات، فصوت الأنثى في البشر يتأثر به الرجل، ونحن نحافظ على طهارة أرواحنا استعداداً للعروج إلى السماء، نخشى أن نموت والنفس خبيثة فيبطل عملنا ونهلك.

حرمة كل أجزاء الخنزير

إذاً: ولحم الخنزير حرام، وهل شحمه لا بأس به؟ النص يقول: اللحم؟ فما حكم الشحم؟الجواب: كل أجزائه محرمة، العظام والعصب والعنق والدم والجلد أيضاً، ينبغي ألا يوجد في ديارنا ولا نسمح بتربيته أو وجوده في بلادنا؛ إذ لا يحل أكله بأية صورة من الصور، وهل يوجد في المدينة خنازير؟ كلا. هل يوجد في المملكة خنازير؟ كل بلاد المسلمين يجب أن تطهر من هذا الحيوان، لا خير فيه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيتين
إذاً: نسمعكم دراسة هاتين الآيتين من الكتاب:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيتين الكريمتين: بعد أن بينت الآية السابقة حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام؛ حيث سيبوا للآلهة السوائب وحموا لها الحامات وبحروا لها البحائر؛ نادى الجبار عز وجل عباده المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:172] أي: بالله رباً وإلهاً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً! كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57] وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] ربكم على ما أنعم به عليكم من حلال اللحوم ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين؛ فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره تعالى.ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه، على شرط أن لا يكون في سفره باغياً على المسلمين ولا عادياً يقطع الطريق عليهم، وذلك لأن الله غفور لأوليائه التائبين إليه رحيم بهم لا يتركهم في ضيق ولا حرج ]، هذا معنى الآيات.

هداية الآيتين

في الآيتين هدايات إلهية: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين: من هداية الآيتين: الندب إلى أكل الطيبات من رزق الله تعالى في غير إسراف. ثانياً: وجوب شكر الله تعالى، وذلك بالاعتراف بالنعمة له وحده وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه. ثالثاً: حرمة أكل الميتة والدم المسفوح ] بهذا القيد، أي: السائل، لا العالق بالعظم أو اللحم، [ ولحم الخنزير ]، وقد عرفتم أن كل أجزاء الخنزير محرمة، [ وما أهل به لغير الله ] سواء كان عبد القادر أو اللات أو عيسى أو موسى عليهما السلام، كل ما قيل: هذا لفلان فهو له، إلا من قال: هذه لله فنعم. رابعاً: جواز الأكل من المذكورات عند الضرورة، وهي خوف الهلاك، مع مراعاة الاستثناء في الآية، وهو (غير باغ ولا عاد).خامساً: أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أكل السمك والجراد وهما من الميتة، وحرم أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور ]، فالذئب حلال أو حرام؟ له أنياب، والسبع النمر الفهد، وذوات المخالب من الطيور كالبازات، كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها، كل ذي ناب من السباع وذي المخلب من الطير. وما الفرق بين الميتة والميِّتة؟ هذه مسألة لغوية: ما الفرق بين الميِّت والميت؟ قالوا: الميت من انقطعت حياته نهائياً، وأما الميِّت فهو في حياة ما مات، ومن هنا قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميِّت ميت الأحياء.والآية واضحة، فالميِّت يكون حياً ويموت، وأظهر من هذا كله قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فهل لما نزلت الآية كان الرسول ميتاً؟ لكن بحكم أنه سيموت قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، فإذا أطلق لفظ الموت ننظر: فإذا كان بلفظ: الميِّت أو الميِّتة فما انقطعت روحه ولا انتهت حياته، فكلمة (ميِّت) يصح أن تطلق على حيوان مات، لكن الصواب أن تقول: ميت، أما الميِّت فما زال في الحياة ويموت فيما بعد. والدم مقيد، فما كل دم حرام، فهناك دم حلال، فقيد الدم هو المسفوح، ما معنى المسفوح؟ السائل، هل هذا الدم المسفوح من الشاة أو البعير أو البقرة حرم لضرر يحصل منه أو لا لشيء وإنما تعبداً فقط؟ الجواب: لضرر، لأن الجراثيم عندما تذبح الشاة والحيوان تخرج مع ذلك الدم فما تبقى في الجسم، فإذا ما ذبحت الشاة أو البعير بقيت تلك الجراثيم فيها، فحرم الله الميتة لما فيها من الضرر، فإذا خرجت مع الدم واحتسينا الدم أو طبخناه حصل نفس الضرر، فمن هنا من لطف الله ورحمته بعباده أنه حرم الميتة لما فيها من الضرر وحرم الدم المسفوح السائل الذي تخرج معه الجراثيم لما فيه من الأذى والضرر، وأما الشاة المريضة فتذبح وتؤكل، إذا ذبحها وسالت الجراثيم والدم أكلها. وما علة تحريم لحم الخنزير؟ الجواب: لأنه يورث الدياثة، وهي عدم الغيرة على الأنثى، فالحيوانات تغار على إناثها إلا الخنزير فلا يغار، إذاً: فالديوث من الرجال هو الذي لا يغار على امرأته أو أهله، وحكمه أنه لا يدخل الجنة، والديوثة من النساء تقول عنها عائشة هي التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها. ومعنى هذا أن نتأدب ذكوراً وإناثاً فلا نرفع أصواتنا إلا على قدر الحاجة، فإذا كنت تنادي بعيداً فارفع صوتك، أما رفع الصوت بغير حاجة فتبديد للطاقة وتبذير لما أعطاك الله، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ [لقمان:19]. اللهم ارزقنا الأدب معك والأدب في طلب العلم يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 04-10-2020, 05:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (112)
الحلقة (119)




تفسير سورة البقرة (78)

يبين الله عز وجل حال اليهود ويندد بصنيعهم من كتمان لما أنزل الله من الكتاب والدين، وبيعهم له بعرض من الدنيا خسيس، جاحدين ما جاء به نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وإرضاء لأهل الشرك والنفاق، رغبة في عطاياهم وحرصاً على هداياهم، مخبراً سبحانه أن كل ما يأكلونه من ذلك إنما هو النار، مع ما يصاحب ذلك من غضب الجبار، فلهم الويل والبوار.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله نفسر آيات الله وكلنا رجاء في أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم اجعلنا منهم. وها نحن مع هذه الآيات الثلاث من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:174-176].

سبب تسمية السور القرآنية

معاشر المستمعين والمستمعات! من المخبر بهذا الخبر؟ الله، هذا خبر وأي خبر! يقول الله جل جلاله وعظم سلطانه في كتابه العزيز القرآن الكريم الذي أنزله على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم من سورة تسمى سورة البقرة، وسميت سورة البقرة لأن لفظ البقرة فيها، فتسمى سور القرآن ببعض الكلمات التي تمتاز بها حتى تتميز عن باقي السور؛ لأن السور مائة وأربع عشرة سورة، فمن تدبير الله وحكمته أن جعل لكل سورة اسماً علماً عليها، فهذه السورة الجليلة العظيمة ذات الجزئين والنصف اسمها البقرة؛ إذ قال تعالى فيها عن موسى عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، هذا الخطاب موجه لليهود، وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، وإذا ذبحتموها اسلخوها وخذوا قطعة لحم منها وقولوا: باسم الله واضربوا قتيلكم؛ فإن الله يحييه وينطق ويقول: قتلني فلان. وذلك لأنهم وقعت بينهم جريمة القتل، فاتهمت كل قبيلة الأخرى وكادوا يقتتلون، فمن رحمة الله بهم وإنعامه عليهم أوحى إلى عبده موسى أن يقول لهم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا [البقرة:67]، أعوذ بالله! أنجاس أجلاف قساة جهلة، كيف يخاطبون رسول الله بهذا؟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67]؛ إذ لا يستهزئ إلا جاهل، أما العالم العارف بربه فحاشاه أن يستهزئ أو يسخر من مؤمن، وسوف تكشف هذه الآيات عن حالهم، والشاهد هنا أنها سورة البقرة.

المراد بكتمان ما أنزل الله في الكتاب

إذاً: يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ [البقرة:174]، والكتمان: الجحود والستر والتغطية والإخفاء بشيء معلوم يغطونه، يكتمون ماذا؟ ما أنزل الله من الكتاب؟ وما المراد بالكتاب؟ إنه التوراة، والإنجيل والقرآن أيضاً، فمن كتم آيات القرآن لمصالحه ومنافعه فهو -والله- منهم، والنصارى إن كتموا ما في الإنجيل -وقد فعلوا- فهم -والله- منهم؛ لأن القرآن كتاب هداية عامة للبشرية كلها منذ نزوله إلى أن يرفعه مولاه، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. نعم نزلت في أحبار اليهود: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ [البقرة:174]، والمراد مما كتموا صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته المبينة له المظهرة له، كتموها جحدوها غطوها حتى لا يؤمنوا به ولا يتابعوه.

معنى قوله تعالى: (ويشترون به ثمناً قليلاً)

وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174] يشترون بذلك الكتمان والجحود والتغطية، ويقولون: إن نبي آخر الزمان لم يظهر بعد وسيظهر، أما هذا الذي ظهر الآن فليس هو، راجع حاشية فلان، راجع تعليق فلان على التوراة، راجع شرح فلان. وهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويفسرون بغير مراد الله منه للإبقاء على المنصب من طاعة وإجلال ومال؛ ليعيشوا على حساب العوام الجهلة يكرمونهم يبجلونهم يطيعونهم يأتونهم باللبن والزبدة ويأتونهم بالطعام واللباس، فهم ساداتهم وأئمتهم ومشايخهم، وقد فعل هذا بين المسلمين، فعجب هذا القرآن! وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174] ويشترون بذلك الذي كتموه ثمناً قليلاً، فما قيمة ما يعطونه من عوامهم من الطعام أو اللباس أو المال أو التبجيل والتعظيم وتقبيل اليدين والرجلين، أي شيء هذا؟ ليس بشيء، هو ثمن قليل.

معنى قوله تعالى: (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار)

واسمع: أُوْلَئِكَ [البقرة:174] البعداء الأشقياء التعساء الهابطون السفلة الجاحدون لآيات الله الغاشون لعباده، ما قال: هؤلاء، بل أشار إليهم بلام البعد، فما أبعدهم عن الخير والكمال! أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ [البقرة:174]، فالبيض واللحم المشوي والبرتقال والموز، كل هذا هو عبارة عن نار في بطونهم، وسيئول هذا إلى نار يأكلونها عند موتهم، ما يأكلون في بطونهم إلا النار، ومن سورة النساء قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] لمن هذه وفيمن نزلت؟ فينا أم لا؟ أيما مسلم يدعي الإسلام والإيمان ويصلي ويزكي ثم يأكل أموال اليتامى بدون حق ظلماً إما بالاختلاس أو بالسرقة أو بادعاءات فالويل له: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10] ثم وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] . فلهذا كان أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب، وأكل ماله كالشرك وقتل النفس والسحر وعقوق الوالدين، يتيم فقد أباه امتحاناً من الله له ووكلك أنت بهذا الولد، سواء ابن أخيك أو ابن أختك أو عمك، فاحفظ ماله حتى يكبر ونمه وأنفق عليه في حدود ما يستطيع أن يعيش واحفظ له هذا المال، أما أن تستغله وتأكله ظلماً وعدواناً فهذا حرام، وأغلب الذين يتولون أمور اليتامى قبل هذه الإفاقة كانوا يأكلون أموال اليتامى إلا من رحم الله. ولا عجب: فالذين يقتلون المسلمون تعجب منهم؟ الذين يتعاطون سحر المؤمنات تعجب منهم؟ الذين يتركون الصلاة تعجب منهم؟ لا عجب، فهو الجهل، المال بين يديه يوفر ماله ويأكل من مال اليتيم، وشاهدناهم ورأيناهم. ما هي العلة؟ إنها الجهل؟ هل الجهل بالتقنية؟ بالسحر؟ إنه الجهل بالله تعالى وبمحابه ومساخطه وبما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، فالجاهل بهذه يفعل ما لا تتصور. دلونا -يرحمكم الله- على طريقة نذهب بها هذا الجهل عن المسلمين ونبعده من ديارهم ليستنيروا ويعودوا إلى ربهم فتزدان الحياة بهم ويصبحون هداة الخلق وأئمة البشرية.الطريق: أن يعرف المسلمون هذا الذي هبط بهم وسقط بهم من علياء كراماتهم إلى أسفل الأرض، فهذا الجهل يعرفونه أولاً كما عرفناه الآن، لا سعادة معه ولا كمال ولا هداية ولا طهر ولا صفاء ولا هدوء ولا استقرار أبداً، يعرفون هذا فيقولون: هيا نطلب العلم الذي هو معرفة الله ومعرفة محابه من عقائد من عبادات من أقوال، ومساخطه من ذلك، وما عنده وما لديه، فمعرفة هذا أيها المسلمون تتم لكم بأن تعترفوا أولاً بهذا، ثم تعزموا على ألا تغيب الشمس في دياركم إلا وأنتم في بيوت ربكم المساجد، النساء الأطفال الرجال، الأغنياء كالفقراء والمسئولون كغيرهم، الشمس غابت فأهل القرية كلهم في بيت ربهم، النساء وراء الستائر والأطفال دونهن والفحول أمامهم، والمعلم المربي أمامهم يتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً، وهذا هو الكتاب وهذه الحكمة، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وفي كل القرى والمدن، المدن ذات المناطق، كل منطقة في المدينة أو كل حي كما يسمونه يوسعون مسجدهم حتى يتسع لأفراد الحي كلهم ذكوراً وإناثاً ويجلسون من المغرب إلى العشاء، يقف دولاب العمل فلا يبقى واحد في الشارع ولا في البيت، أين أهل الحي؟ في بيت ربهم، ماذا يريدون؟ يريدون رضاه، يريدون أن يحبهم يريدون أن يسعدهم ويكملهم يريدون أن يرفعهم وأن يعزهم بمعرفته التي توجد لهم حبه في قلوبهم أكثر من حبهم لأنفسهم، وتوجد لهم خوفاً في نفوسهم فترتعد فرائصهم إذا ذكر ربهم بين أيديهم، فضلاً أن يكفروا أو يكذبوا أو يفجروا، فهل فهم السامعون هذه اللغة؟ كم كررناها؟ بالله الذي لا إله غيره! لن يرتفع شعب ولا أهل إقليم ولا أهل بلدة ولا قرية ولا حي في العالم الإسلامي إلا من هذا المبدأ، اقبلوا أو لا تقبلوا، والبرهنة والتدليل كالشمس. ثم نقول: لم لا نفعل هذا؟ اليهود والنصارى والكفار والمشركون إذا غابت الشمس ودقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، إلى أين يذهبون؟ إلى المقاهي والملاهي والمراقص إلى نصف الليل، ولا لوم؛ فهم بهائم على الأرض لا هم لهم إلا شهوة بطونهم وفروجهم، والمسلمون لم لا يذهبون إلى ربهم، لا إلى المقاهي والملاهي، يجلسون في بيت مولاهم يستمطرون رحماته ويضفي عليهم آلاءه وإنعامه ورضاه، سنة واحدة وهم كلهم أولياء الله، فاختفى الفقر والظلم والفسق وسوء الأدب وأصبحت القرية كأنهم ملائكة في السماء، فلم لا نعمل هذا؟ ما وجدنا لهذا جواباً إلا أن نقول: كتب الله هذا!

معنى قوله تعالى: (ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم)

إذاً: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:174]، والمراد من عدم التكليم: التكليم التكريمي والإكبار والإجلال والرحمة، أما مطلق التكليم فإنه يكلمهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] هذه كلماته أم لا؟ يقول لأهل النار: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، لا يكلمهم هنا تكليم تكريم وإعزاز وإكبار لشأنهم كما يكلم أولياءه، أما أعداءه فلا يكلمهم إلا تكليم الإهانة والتصغير والتحقير، فحين يصرخون في النار يقول: (اخسئوا)، كما تقول للكلب: اخسأ في مكانك، يقول لهم الله عز وجل: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:108-110]، يسخرون بالمؤمنين الآن، فلا تلمهم يا شيخ لأنهم ما عرفوا، إي والله ما عرفوا، الذي عرف هل يسخر من سنة الرسول ومن شرائع الله ودينه؟ والله! ما كان، بل يرضى أن يصلب أو يقتل ولا يسخر من دين الله. لكنهم جهلاء، وهل جهلاء وهم يقرءون ويكتبون؟ نقول: وهل القراءة والكتابة هي العلم؟ فعدنا من حيث بدأنا، فنقول: تعالوا نتعلم، قالوا: ما نستطيع، نحن مشغولون من طلوع الفجر إلى المغرب، مشغولون بالدنيا. قال تعالى: وَلا يُزَكِّيهِمْ [البقرة:174] أيضاً، لا يكلمهم ولا يزكيهم، ومعنى: ولا يزكيهم: أي: ولا يطهرهم من ذنوبهم وأوضارها حتى يدخلهم دار السلام، لا يزكيهم، تبقى أدرانهم وأوساخهم وذنوبهم عليهم حتى يعيشوا في جهنم ولا يخرجون منها.

معنى قوله تعالى: (ولهم عذاب أليم)

وأخيراً: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:174] الأليم: الموجع الشديد الإيلام، آلمه يؤلمه العذاب: إذا اشتد عليه، وما أطاقه، هذا العذاب ألوان، أتريدون صورة منه؟ يقول الشقي: عطشت، أريد ماءً، فيؤتى بقدح من الحميم، فما يدليه من فمه حتى تسقط جلدة وجهه! وفي آية سورة محمد: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، ماذا نعرف عن عذابهم؟ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21].أهل النار ما هم كذباب مثلنا حتى تقول: ضربة واحدة تكفيه، إن ضرس أحدهم -والله- كجبل أحد، لأن عرض جسمه أخبر به أبو القاسم فقال صلى الله عليه وسلم: ( ما بين كتفي الكافر يوم القيامة في النار كما بين مكة وقديد )، ومكة وقديد بينهما مائة وخمسة وسبعون كيلو، هذا العرض فقط، لا تسأل عن الطول إذاً، فضرسه كجبل أحد، فلهذا يحترق ويعذب ملايين السنين فما يموت.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 04-10-2020, 05:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)

ثم قال تعالى في خبر بعد خبر: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:175] شروها بكتمان الحق، وصرف الأمة عنه ليعيشوا سعداء أغنياء مرفهين، باعوا آخرتهم بدنياهم: أُوْلَئِكَ [البقرة:175] البعداء الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:175]، الناس العقلاء يطلبون الهدى، وهم اشتروا الضلالة، أعطوا الهدى وأخذوا الضلالة! أبعدوا الهدى مرة واحدة، وأقبلوا على الضلالات يعيشون وينشرونها بين إخوانهم؛ من أجل أن يستمتعوا يوماً من الأيام في حياتهم بالطعام والشراب! قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ [البقرة:175] شروا العذاب بالمغفرة أم لا؟ كل من فسق فجر كفر فقد اشترى الضلالة بالهدى، واشترى العذاب بالمغفرة، بدل أن يتوب إلى الله ويرجع إليه بعدما لاحت أعلام الحق وظهرت الهداية؛ أعرض عنها، فكان كمن اشترى الضلال بالهدى والعذاب بالمغفرة.وأخيراً: يقول تعالى: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175] ما أعظم صبرهم على النار! وإلا فكيف يقترفون هذه الذنوب، ويرتكبون هذه الجرائم ويعلمون أن مصيرهم هذا ويعرفونه، إذا:ً فصبرهم على النار عجب، فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175].إذاً: فمصيرهم إلى جهنم حتماً.

تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ...)

ثم قال تعالى: ذَلِكَ [البقرة:176] الحكم الذي سمعتم بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ [البقرة:176] نزل القرآن بالحق والتوراة والإنجيل بالحق، وهؤلاء أعرضوا عن الحق وجحدوه وكتموه، وعملوا بالباطل وعاشوا عليه، إذاً: فهذا هو الذي حصل. تم ذلك ونفذ لأن الله أنزل الكتاب بالحق، والكتاب: اسم جنس، يدخل فيه القرآن والتوراة والإنجيل كما علمنا، وإن كان يراد به أولاً: التوراة، فنزل الكتاب بالحق ليبطل الباطل، فهم أعرضوا عن الحق وحرفوه وبدلوه، وأخذوا بالباطل، أما ينتقم الله منهم؟ ينزل كتابه ويعلمهم إياه ليهدوا به ويهتدوا به ويعاكسونه ثم يتركهم؟ لا بد من هذا العذاب، فهذا العذاب الشديد العظيم بسبب أنهم كتموا الحق الذي أنزل الله به كتابه.

خطر الاختلاف في كتاب الله وشريعته

وأخيراً: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:176]، يخبر تعالى بأن الذين يختلفون في الكتاب في التوراة والإنجيل والقرآن في شقاق بعيد.كم بلغت فرق اليهود؟ إحدى وسبعين طائفة وملة، كم بلغت فرق النصارى؟ اثنتين وسبعين فرقة، كم بلغت فرق المسلمين؟ ثلاثاً وسبعين فرقة! ما سبب هذا؟ اختلافهم في الكتاب، يؤولون ويفسرون بحسب أهوائهم وأغراضهم الهابطة؛ فيحدثون الشقاق والخلاف ثم التناحر والدماء والقتال، ثم التعصب للمذهب وللطائفة وللقبيلة.سأكشف الغطاء عن بعض الأشياء، الروافض يقولون: عثمان وأبو بكر وعمر تمالئوا وجحدوا سوراً من القرآن الكريم! قالوا: الآيات التي فيها الثناء على آل البيت وحقوق آل البيت كلها كتموها وجحدوها! فهل اختلفوا معنا أم لا؟ إذاً: هل نحن معهم على اتفاق أو شقاق؟ وشقاق بعيد أو قريب؟ بعيد كما بين الشرق والغرب.فهذه آية واضحة، الذين يفسرون القرآن على أهوائهم إبقاء على مناصبهم، ويفسرون: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] فيقولون: هذه عائشة! والشاهد: ما من قوم اختلفوا في كتاب الله إلا انشقوا وانقسموا، وأصبح شقاقهم بعيداً، فلهذا يجب على المسلمين أن ينكبوا على دراسة كتابهم، وتفهم وفهم ما فيه، حتى تتحد عقائدهم وآدابهم وأخلاقهم وشرائعهم وأحكامهم، ويصبحوا الأمة الرفيعة ذات الشأن، أما أن نحرف كلام الله ونفسر كما يبدو لنا حتى تتم الفرقة والتعصب للمذهب؛ فهذا هو الذي توعدنا الله به.اسمع: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:176] فلهذا لا يحل لنا أن نختلف في كلمة واحدة في كتاب الله، ما عرفناه جهرنا به، وما لم نعرفه قلنا: آمنا بالله!
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

معاشر المستمعين! الآن ندرس هذه الآيات الثلاث في الكتاب: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات:يكتمون: يجحدون ويخفون.ما أنزل الله من الكتاب: الكتاب التوراة، وما أنزل فيه من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإيمان به.لا يكلمهم الله: لسخطه عليهم ولعنه لهم ]، هذه هي العلة.[ ولا يزكيهم: لا يطهرهم من ذنوبهم؛ لعدم رضاه عنهم ]، فإذا زكاهم أدخلهم جنته.[ الضلالة: العماية المانعة من الهداية للمطلوب.الشقاق: التنازع والعداء؛ حتى يكون صاحبه في شق ومعاديه في شق آخر.بعيد: يصعب إنهاؤه والوفاق بعده ]، إذا كان الشقاق بعيداً بين الاثنين فيصعب تلافيه.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:هذه الآيات الثلاث نزلت قطعاً في أحبار أهل الكتاب ] العلماء [ اليهود، تندد بصنيعهم، وتريهم جزاء كتمانهم الحق وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه، بيعهم له بعرض خسيس من الدنيا، يجحدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام؛ حتى لا يقطعوا هداياهم ومساعداتهم المالية، وحتى يبقى السلطان الروحي عليهم، فهذا معنى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [البقرة:174].وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار، إذ هو مسببها، ومع النار غضب الجبار، فلا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.كما أخبر تعالى عنهم في الآية أنهم -وهم البعداء- اشتروا الضلالة بالهدى،. أي: الكفر بالإيمان، والعذاب بالمغفرة، أي: النار بالجنة، فما أجرأ هؤلاء على معاصي الله وعلى التقحم في النار! فلذا قال تعالى: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175].وكل هذا الذي تم مما توعد الله به هؤلاء الكفرة لأن الله نزَّل الكتاب بالحق، مبيناً فيه سبيل الهداية، وما يحقق للسالك من النعيم المقيم، ومبيناً سبيل الغواية، وما يفضي بسالكه إلى غضب الله والعذاب الأليم.وفي الآية الأخيرة أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب -أي: التوراة والإنجيل، وهم اليهود والنصارى- لفي عداء واختلاف بينهم بعيد، وصدق الله؛ فما زال اليهود والنصارى مختلفين متعادين إلى اليوم؛ ثمرة اختلافهم في الحق الذي أنزله الله وأمرهم بالأخذ به، فتركوه وأخذوا بالباطل، فأثمر لهم هذا الشقاق البعيد ].قد يقول القائل: اليهود الآن متفقون مع النصارى؟ والجواب: متفقون فقط لأنهم سحروا النصارى، وجاءوهم بالمبدأ اللاديني اللائكي الفلسفي الأحمر؛ فأخرجوهم من عقيدة النصارى؛ فأصبحوا كالأبقار والحيوانات؛ فركبوهم واستولوا على أموالهم وبنوكهم، وأصبح النصارى خانعين خاضعين.فالنصراني بحق ما يستطيع أن ينظر إلى يهودي بعينيه، بل كانوا يقلونهم كالسمك في الزيت، وقد بينت لكم فقلت: الذي قتل ربك وإلهك كيف تنظر إليه؟ ما أنت بالمؤمن إذاً! لكن سادوا بالمكر والحيل، ووجدوا النصارى حيوانات فركبوا ظهورهم، حتى إن بولس الثامن منذ حوالي سبع عشرة سنة أعلن أن اليهود برآء من دم السيد المسيح! فقامت الدنيا وقعدت، فقلنا لهم: نحن عرفنا هذا من ألف وأربعمائة سنة، أخبرنا الله بقوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، والآن النصارى ترقوا فقالوا: اليهود ما قتلوا السيد المسيح. فبالضغط والمال والسيطرة والسحر أعلن رئيس الكنيسة في العالم: أن اليهود برآء من دم السيد المسيح، وهم يعلقون الصليب في أعناقهم أم لا؟ فمن صلبه وقتله في نظرهم؟ إنهم اليهود.

هداية الآيات

هذه الآيات تحمل هداية، وكل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تحمل هداية، بل هدايات لمن أراد الطريق والوصول إلى الجنة.كل آية تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الآية من أنزلها؟ هل نبتت بها شجرة؟ هل قالها إبراهيم أو عثمان؟ لا، ما هناك إلا أن الله الذي أنزلها، فالله موجود، وهذه الآية تحمل العلم أم لا؟ فالله عليم حكيم، وتحمل الهداية للخلق أم لا؟ إذاً: لا إله إلا الله. والذي نزلت عليه من هو؟ محمد بن عبد الله، فهل هو رسول الله أم لا؟ والله! إنه لرسوله، كيف ينزل عليه كتابه وما هو برسوله؟ كيف يعطيه كتابه ليبلغه ويقول: ما أنت برسول؟! مستحيل هذا عقلاً، فكل آية تقرر معنى: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فضلاً عما تحمل من آداب في الأخلاق وفي الأموال، وفي الحياة كلها.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات.أولاً: حرمة كتمان الحق ].الحرمة بمعنى: التحريم، لم سميت أمك حرمة؟ لأنها حرام عليك، فلا يحل لإنسان أن يكتم الحق، وما معنى: يكتمه؟ يجحده ويغطيه، ما يعترف به، لا سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رئاسة، فيكون أبشع، فكتم الحق من أجل ريال أو بقرة حرام، لكن هذا هين بالنسبة لمن يكتم الحق من أجل أن يغوي البشر أو يصرفهم عن الله، فبينهما فرق كبير، والذنوب تتفاوت، كتمان الحق محرم ولو في بيضة تجحدها وتكتمها، لكن كونه يكتم الحق من أجل أن يتوصل إلى منافع دنيوية مالاً أو رئاسة هذا أبشع، لأنه يصرف الناس عن الحق والعمل به والانقياد له.[ ثانياً: تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب ]، لأن هذه الآيات وإن نزلت في علماء أهل الكتاب فهل نحن ما ننتفع بها؟ كل من يسلك سلوكهم هو منهم وإن كان هاشمياً قرشياً.[ تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وإفتاء الناس بالباطل؛ للحصول على منافع مادية معينة ]، ولما هبطت أمتنا ظهر فيها علماء ومشايخ طرق وزوايا يفعلون صنيع علماء اليهود بالضبط، يجحدون الحق لتبقى لهم تلك المنزلة.أعطيكم مثلاً عشناه: لما بدأت فترة التوحيد كانوا يقولون لأتباعهم: لا تستمعوا لهؤلاء، هؤلاء وهابيون؛ ليصرفوهم عن الحق، لأنهم إذا انصرفوا عنهم ذهب ذاك المنصب الذي كان لهم، هذا كان يأتي بدجاجة، وهذا يأتي بشاة، هذا يقبل رجليه، والآن من أين يأتي ذلك؟كلنا سواء.ويوجد أيضاً علماء يفتون بالمال، ويحللون الحرام في الفتيا! وهذا انتشر في العالم الإسلامي فترة طويلة، ما يفتيك مجاناً أبداً، تسأل عن طلاق فيقول: هات ألف ريال ويفتيك، ويحل لك الحرام إذا أكثرت العطاء، ولا لوم ولا عتاب؛ لأنهم ما عرفوا، ما علموا، ما عرفوا ربهم معرفة أوجدت خشيته في قلوبهم ومحبتهم له، فلهذا يفعلون، علوم سطحية مادية فقط.[ ثالثاً: التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم ]، أما حذرنا الله؟ الأولون اختلفوا في الكتاب فهم في شقاق بعيد، فإن اختلفنا نحن في القرآن فوالله! ليتمن هذا، وقد حصل، فهذه الطوئف: الإباضية، الزيدية، الجعفرية، والله! إنها للاختلاف في القرآن في تفسيره ومعانيه.لو أقبلوا على الحق وأرادوه لانتهى الخلاف في سنة واحدة، لم نختلف؟ أم يجوز هذا؟ هو الذي هبط بأمة الإسلام إلى الأرض، وإلا فكان يجب أن يقال: هيا نستعرض آي القرآن ونحضر العلماء وتثبت القضية بيننا، واقبلها وطأطئ رأسك، وإن عاش أسلافك وأجدادك على الباطل فلا تبق أنت على الباطل، أنت تريد النجاة أم لا؟ تريد دار السلام أم لا؟ أم تريد فقط بقاء العصبية لقبيلتك أو لحزبك وجماعتك؟ [ التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين ]، وهو واقع ثابت من ألف ومائة سنة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 04-10-2020, 05:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (113)
الحلقة (120)




تفسير سورة البقرة (79)

لما أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة تجاه البيت الحرام، زعم اليهود أن قبلتهم هي القبلة الحق، وزعم النصارى أيضاً أن قبلتهم هي القبلة الصحيحة، فبين الله سبحانه وتعالى هنا أن البر ليس باستقبال المسجد الحرام أو بيت المقدس، ولكن البر والحق هو بالإتيان بأركان الدين، وفعل ما أمر الله عز وجل به، والانتهاء عما نهى الله عز وجل عنه، فإن ذلك هو سبيل المتقين، والموصل إلى مرضاة رب العالمين.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ....) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة السبت من يوم الجمعة المبارك- ندرس كتاب الله من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي القدير.وقد انتهى بنا الدرس عند هذه الآية المباركة الكريمة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، هذه آية من أجل الآيات القرآنية وأعظمها. ‏

هداية الآيات

ونشير هنا إلى هداية الآيات السابقة؛ حيث قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: حرمة كتمان الحق ]، علمنا الله عز وجل بما قص علينا من شأن أهل الكتاب أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يكتم الحق إذا عرفه، ولا يلتفت إلى أي اعتبار يطلب منه لأن يكتم هذا الحق.قال: [ حرمة كتمان الحق إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رياسة ]، تشتد حرمة كتمان الحق إذا كان الكاتم للحق يرجو من وراء ذلك منفعة دنيوية مالاً أو جاهاً؛ لأن الذين كتموا الحق من أهل الكتاب كتموه من أجل مصالح دنيوية بحتة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة:174-176]، وهم اليهود والنصارى عليهم لعائن الله.[ ثانياً: تحذير علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب ]، الآية الكريمة تهدينا إلى أن الله حذرنا نحن -علماء الإسلام- من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب [ بكتمانهم الحق وإفتاء الناس بالباطل للحصول على منافع مادية معينة ]، فعلماء اليهود والنصارى كتموا الحق، إذ صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته في الكتابين في التوراة والإنجيل واضحة وضوح الشمس، ولكن للبقاء على السلطة والسيطرة الروحية على أتباعهم حرفوا تلك الصفات، وجحدوا أكثرها، وهذا هو الكتمان؛ لأجل البقاء على الرئاسة والسيطرة الروحية على أتباعهم. ومع الأسف حصل هذا للمسلمين ووقع، فكثير من مشايخ الطرق وأصحاب الزوايا كانت هذه حالهم، فاستولوا على العوام من الناس وحرموهم هداية الله عز وجل، وما علموهم إلا أشياء قليلة من دين الله، كل ذلك للحفاظ على أتباعهم؛ حتى لا يتصدروا ويهربوا منهم، فإذا سمعوا بدعوة الحق بغضوها إلى أتباعهم، وحرموهم من قبولها وطلبها، وما زال إلى الآن الروافض يسيطرون على العوام، ويحرمونهم من هداية الله ليبقوا تحت سلطتهم وسلطانهم، هذا واقع البشرية.إذاً: هذه الآية تحذر علماء الإسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب، وذلك بكتمانهم الحق، وبإفتائهم الناس بالباطل، يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله من أجل الحصول على المادة، سواء كانت السلطة أو الرئاسة، أو كان المال: الدينار والدرهم.[ ثالثاً: التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم ]؛ لأن اليهود والنصارى اختلفوا في كتب الله، وسبَّب ذلك الاختلاف انقسامهم وسقوطهم وهبوطهم، فالآية تحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم؛ [ لما يفضي إليه الاختلاف من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين ]. وها نحن مع الروافض مختلفون، والسبب أنهم حرفوا كلام الله وفسروه بأهوائهم، فمنعوا من أن يتصلوا بالعالم الإسلامي ويعيشوا معهم.وسبحان الله! فقد تبين بالتتبع والاستقراء أنه ما من عبادة إلا ووضعوا فيها ما يخرجون به عن جماعة المسلمين! لا حج ولا عمرة ولا غسل، ولا وضوء، ولا تيمم، ولا صلاة، كل عبادة حتى النكاح، أباحوا المتعة لا لشيء إلا للخروج من جماعة المسلمين؛ ليبقى ذلك الشعب وتلك الأمة خاضعة لسلطان الأئمة! فها هو ذا تعالى يحذرنا من الاختلاف في القرآن الكريم، إذ اختلف اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل فحصلت الفرقة وتم الخلاف على أشده، فحذرنا تعالى من أجل ما يفضي إليه الخلاف من العداوة بين المؤمنين والشقاق البعيد، فكيف -إذاً- يحملون راية التوحيد؟

تفسير قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...)

والآن مع هذه الآية الكريمة: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].

سبب نزول الآية الكريمة

سبب هذه الآية: أن اليهود زعموا أن قبلتهم هي القبلة الحق، والنصارى كذلك قالوا: قبلتنا هي القبلة الحق. وتأثر بعض السفهاء من المنافقين، ونسمع قول الله تعالى فيهم: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة، وقويت شوكته فيها وعظم سلطانه؛ كان يرغب جداً في أن يخالف أهل الكتاب، ولا يرضى أن يتصل بهم في أي جانب من جوانب الدين، من ذلك: أنه نهانا عن صيام يوم السبت، من ذلك: أنه كان يتطلع إلى أن يحول الله القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، إذ صلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالمدينة سبعة عشر شهراً وهم يستقبلون بيت المقدس، فكانت القبلة غرباً وليست بالجنوب، فكان عليه الصلاة والسلام يتطلع متى ينزل الوحي بتحويل القبلة، إذ قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، وقال تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال تعالى: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145] فهل اليهود استقبلوا المشرق كالنصارى؟ ما استقبلوا، ولا النصارى استقبلوا بيت المقدس، فاحتفظت كل أمة بقبلتها، فلما حصل هذا تبجح من تبجح، فقال تعالى في رده على هذا: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] ليس الخير كل الخير والإسلام كل الإسلام والهداية كل الهداية في أن تستقبلوا بيت المقدس أو الكعبة، لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] أي: في الصلوات، وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أو صاحب البر أو ذا البر مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:177]، وذكر من أركان الإيمان خمسة ركناً بعد ركن.

مجمل أركان الإيمان الواردة في الآية الكريمة

وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أو ذا البر أو الخير أو فاعل الخير بحق عبد آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذه خمسة أركان في آية واحدة، والركن السادس جاء في سورة القمر، إذ قال تعالى من سورة القمر: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فكان هذا الركن السادس لأركان الإيمان الستة.وقد ذكر منها أيضاً في آخر البقرة في قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:285] عدة أركان، مجموعها ستة عليها ينبني الإيمان، فإن سقط ركن سقط البناء، وأصبح صاحبه كافراً.وفي حديث جبريل في صحيح مسلم عدها الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل، وجبريل يقول: صدقت، صدقت، إذ سأله عن الإيمان فقال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ).إذاً: هذا رد على من ظنوا أن القضية كلها تدور حول استقبال القبلة أو بيت المقدس، وهذا جزء من آلاف الأجزاء، نحن الآن إذا أردنا أن نصلي وما عرفنا القبلة صلينا حيث صلينا: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115]، ولكن كوننا نرغب في أن نتميز ونستقل هذا أمر ضروري، ما دمتم لا ترضون بديننا ولا تدخلون في إسلامنا إذاً: فالمفاصلة بيننا أولى حتى لا تكون شبهة على المؤمنين، فكانت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن تتحول القبلة، وعرف الله ذلك منه، واستجاب له، وحول القبلة، وبقي من يتكلم ويكرر الكلام في موضوع القبلة كما تعرفون الطابور الخامس الذين ينشرون الفتنة؛ فأسكتهم الله عز وجل بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] صاحب البر الحق مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177].

معنى الإيمان بالله تعالى

وهنا بإيجاز نقول: الإيمان بالله: التصديق بوجود الله رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، وأنه موصوف بكل صفات الجلال والكمال، منزه عن كل صفات النقصان، إذ هو رب كل شيء ومليكه، لا إله إلا هو ولا رب سواه.ثم الإيمان باليوم الآخر، وهو آخر يوم تنتهي فيه هذه الحياة، فندخل في ذلك اليوم الذي هو آخر الأيام، هذه الأيام التي تمر بنا يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام سوف تنتهي في آخر يوم وهو يوم الجمعة، فيه تقوم الساعة.وفجأة نستقبل اليوم الآخر، إذ لم يبق بعده يوم، وفي الحساب وفي فصل القضاء يدوم ذلك اليوم خمسين ألف سنة، ثم يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، أهل الملكوت الأعلى في الملكوت الأعلى، وأهل الملكوت الأسفل في الأسفل، وطويت صفحة هذه الحياة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 04-10-2020, 05:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الإيمان بالملائكة وذكر بعض خبرهم

والملائكة: جمع ملأك، ويجمع على ملائك، والملائكة مادة خلقهم من النور، خلقهم الله تعالى من النور، وخلق الجان من مارج من نار، فلهذا يوجد تقارب بين عالم الملائكة وعالم الجن، ويدلك أن إبليس عليه لعائن الله قبل أن يبلس من رحمة الله كان مع الملائكة يعبد الله، وأخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الملائكة في السماء إذا تكلمت بكلمة يختطفها الجني ويقرقرها في أذن صاحبه.إذاً: الملائكة عالم من نور، ولا يوصفون بأنوثة ولا بذكورة، لا يقال فيهم: إناث ولا ذكور، ما هم بإناث ولا بذكور، ولولا أن الله عرفنا بالإناث والذكور فهل سنعرف شيئاً؟ لما خلق هذا أخبرنا، خلق الملائكة من نور، ولم يجعل بينهم ذكراً ولا أنثى؛ ولهذا زين الشيطان لبعض القبائل في العرب خطيئة وزلة كبيرة، وهي قوله لهم: إن الله تعالى أصهر إلى الجن فأنجب الملائكة، وفي الآية من سورة اليقطين: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا [الصافات:158]، قالوا: الملائكة بنات الله! وكيف تولد الملائكة؟ قالوا: إن الله أصهر إلى الجن، خطب منهم جنية وتزوجها، فولد الملائكة؛ فلهذا نعبدهم بوصفهم بنات الله! ولا تعجب، فالعرب جهال، فكيف بالنصارى الذين يقولون: عيسى ابن الله؟! لا تعجب لأن الحامل لراية الإفساد والإغواء والإضلال هو الشيطان، إلى الآن النصارى أطباء ودكاترة وفلاسفة يقولون: عيسى بن مريم هو ابن الله! أو الناسوت واللاهوت، مركب من إله وعبد مخلوق.إذاً: فالملائكة عبدهم قبيلة من العرب بهذه الفرية التي افتراها إبليس ليضللهم! فرد الله تعالى بقوله: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات:153-158] ممنوعون من الوصول إلى السماء ومخالطة الملائكة فيها، وآيات كثيرة تشنع على هذا النوع من العبادة، وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19]، وجعلوا له البنات سبحانه وتعالى عما يشركون.المهم أن هذه الخدعة الشيطانية وجدت مناخ الجهل في الجزيرة، فوجدت قبيلة تعبد الملائكة بوصفهم بنات الله.فالملائكة خلقهم الله من نور لعبادته فقط، وليسوا بذكور ولا بإناث، وتعالى الله أن يصهر إلى الجن وهو خالق كل شيء.

أصناف الملائكة وأعمالهم

إذاً: عرفنا عن الملائكة وأنهم أصناف، أعظمهم وأجلهم الملائكة المقربون من الله، ولا يعرف عددهم إلا هو، كذلك حملة العرش أربعة منذ أن خلق الله العرش، خلق هؤلاء الملائكة وأسند إليهم مهمة حمل العرش، فهم يحملونه، ويوم القيامة يعززون بأربعة، فيصبحون ثمانية، واقرءوا لذلك من سورة الحاقة: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:17-18].ومنهم المخلوقون فقط لتسبيح الله وذكره، لا يفترون أبداً: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، يلهمون التسبيح كأنفاسنا نحن نرددها، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].ومنهم من كلفهم بالجنة ونعيمها، مهمتهم فقط إسعاد أهل الجنة، والملائكة يطوفون عليهم: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، ومنهم الذين يقدمون أطباق الطعام وألوان الشراب، هذه مهمتهم.ومنهم أيضاً ملائكة موكلون بالنار فقط وعذابها، لا مهمة لهم إلا هذه، وقد أعلمنا الله عن عددهم فعلمناه، ألا وإنهم تسعة عشر من الزبانية! جاء هذا من سورة المدثر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:30-31]؛ لأن أبا جهل لما نزلت الآية قال: يا معشر قريش! أنا أكفيكم شر سبعة عشر، فهل تعجزون أنتم عن اثنين ونطفئ النار ونخرج الناس من بعدنا؟! فهذا مجنون؛ لأنه يكثر التبجح، يقول: تسعة عشر؟! أنا أكفيكم سبعة عشر! وما درى هذا الجاهل الأحمق أن ملكاً أخبر الرسول عنه كما في سنن أبي داود بحديث سنده صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: ( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام )، فيا أبا جهل ! أين أنت؟ وجبريل عليه السلام لما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء، بعد أن دخل عليه في صورة رجل كريم، وعلمه وأدبه، بعد ذلك تركه، وحين كان الرسول عائداً رآه وقد تجلى في الصورة التي خلقه الله عليها، وكان له ستمائة جناح، فسد الأفق كله، وناداه: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل. ومدائن قوم لوط -عمورة وسدوم وغيرها-كيف قلب ظاهرها على باطنها بجناح جبريل؟! إذا:ً لا تسأل عن عظم الملائكة وما آتاهم الله من قدرة.ومن الملائكة الموكلون بالعباد والحمد لله، وما حمدنا الله على هذه النعمة؛ لأننا جهال، فمن أنت حتى يوكل الملك بك؟ عشرة ملائكة يحرسونك، فكيف تشكر الله؟ الآن إذا كان أمير أو كذا يخاف عليه يعطونه عسكرياً واحداً يحرسه، وما ينفع، وأنت با ابن آدم يحرسك عشرة، اثنان من الكرام الكاتبين، وثمانية يحمونك من الجن والشياطين.فكم عددهم إذاً؟ الجواب: لا يحصي عددهم إلا الله، يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.

قدرة الملائكة على التشكل

والملائكة يتشكلون بإذن الله كما شاء الله، وحسبنا أن جبريل عليه السلام يشاهده المؤمنون بينهم، ففي حديث عند مسلم وهو صحيح، ولا نزاع فيه، أن الرسول كان جالساً بين أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم في الروضة، وإذا بجبريل يأتي في صورة رجل، ولا يرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لحيته سوداء، شاب سهل، ثيابه نظيفة بيضاء، ما عليه غبار ولا رمل؛ لأن المسافر في ذلك الوقت ينكره أهل البيت، فالرمال والرياح والعواصف وهو على جمل أو على حمار، ما إن يصل حتى يدخل الحمام للغسل، وجربنا هذا، والحمد لله، كنا نأتي من الرياض على السيارة التي تسمونها (لوري) مكشوفة ثلاثة أيام، ما نصل إلى المدينة إلا وكلنا رمال! إذاً: فلهذا قال: ( لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ) أيضاً، وجاء من طرف الحلقة وهو يشق الصفوف، فتعجب الأصحاب من هذا البدوي، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، ليعلمهم كيف التلقي، فالذي يتلقى العلم ما يلتفت، ما ينظر إلا إلى ما يخرج من كلام، فوضع يديه على فخذيه، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، أسندهما ووضع يديه على فخذيه يتلقى، وأخذ يسأله، فسأله أولاً عن الإسلام، فقال: كذا، قال: صدقت، قالت الصحابة: عجبنا له يسأله ويصدقه، هذا أعلم منه إذاً! فلما فرغ من ذلك التعليم الذي حوى الشريعة بكاملها، وأعظم ما جاء فيه الإحسان المفقود عندنا من قرون؛ فلما فرغ قال: أخبرني عن الساعة، قال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، أنت أعلم مني، وأمر الساعة خفي على الإنس والجن والملائكة والبشر، علمها عند الله: لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187] حتى ينتظم الكون وتمشي الحياة إلى نهايتها.قال: ( فأخبرني عن أماراتها )، والأمارة: العلامة، والجمع علامات، قال: أخبرني عن أماراتها، أي: العلامة الدالة عليها.قال: ( أن تلد الأمة ربتها ) وهل الأمة تلد سيدتها؟! السيدة هي التي تلد، كيف يتم هذا؟ تم على عهد الصحابة والتابعين، إذ كان الرجل يشتري الأمة وقد كان تسراها أحد الناس، وأنجبت لمن تسراها بنتاً، فيبيعها، وتتنقل بحسب الظروف والأيام والأعوام، فيشتريها الأول، فتصبح البنت ربة الأمة.المهم أنه لما كثر الناس ما التزموا، كحالنا، وإلا فمن تسرى جارية وولدت له بنتاً فهي حرة بسبب بنتها، وهي تابعة له مع ابنته، لا يبيعها، والشاهد عندنا: هذه العلامة، وهي خفية، لكن العلامة الواضحة هي: أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، تحققت بعد ألف سنة أو أكثر، أن ترى الحفاة العراة من سكان البادية والجبال والأرياف في العالم بكامله حتى في أوروبا يتطاولون في البنيان: أيهم عمارته أعلى؟! هذا خبر عجب، من يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلهذا أخبار الغيب تشهد أن محمداً رسول الله.

الأدب مع الملائكة

والشاهد عندنا في الملائكة عليهم السلام، هؤلاء الملائكة ما موقفنا معهم يا معشر المؤمنين؟! أن نتستر ولا نبدي عوراتنا لهم، حاول أن تستر نفسك دائماً ولا تكشف عورتك.ثانياً: احذر أن تلوث ساحتهم برائحة كريهة، وويل للمدخنين الذين ينفخون الرائحة الكريهة في وجوه الملائكة وهم لا يشعرون.يا معشر المستمعين والمستمعات! لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يشعل سيجارة فينفخ في وجه الكرام الكاتبين ذاك اللهب وتلك الرائحة الكريهة، ومن شك في هذا القول فليذكر ما جاء في صحيح الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، من أكل ثوماً أو بصلاً نيئاً رائحته في فيه فلا يدخل المسجد، لم يا رسول الله؟! لأنه يؤذي الملائكة وهم سكان بيوت الله.فإن شاء الله لا يسمع هذا الخبر مؤمن ولا مؤمنة ويدخن ليلته هذه! ثالثاً: معاشر الأبناء والإخوان! معاشر المؤمنات! لا تطردوا الملائكة من بيوتكم، لا تسلطوا عليهم صور الخلاعة والدعارة في بيوتكم، فأزيلوا آلات الفيديو وأزيلوا التلفاز إذا لم تكن قادراً على صيانته والتحكم به؛ حيث لا تفتحه إلا لأمر ينفعك في دينك ودنياك.أما أن تفتحوه لبناتكم ونسائكم وأبنائكم؛ فتدخلون على قلوبهم الخبث فيفسدون أمامكم وأنتم السبب، وأعظم من هذا وذاك أن تطردوا الملائكة من بيوتكم! وقد تقول: وكيف؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ) صورة في كتان، أو في ورق، أو في خشبة.وشيء آخر: لو يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك في بيتك، ويجدك جالساً مع بناتك وأولادك، وممكن أن أمك معكم أيضاً، وعاهرة تغني وترقص وهي كافرة وخبيثة، أو فاسقة من العرب والمسلمين، فكيف يكون موقفك؟ تذوب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟ يغمى عليك، فما حملك على هذا؟ فأنا أقول بأعلى صوتي: إن كانت هذه المناظر -يا أهل القرآن، يا أهل لا إله إلا الله- تكسبكم مالاً وأنتم في حاجة إليه لسد جوعتكم وستر عريكم فلا مانع، فأنتم مضطرون، ولكن هل يكسبكم مالاً؟ إذا كان هذا يدفع عنكم البلاء، والأمراض والعاهات من الحمى إلى غيرها، فقولوا: نحمي أنفسنا حتى نعبد الله، ولكن هل يكسب هذا صحة وعافية بدنية؟ والله! إنه ليبددها.إذاً: ما هو السبب إلا أن نغضب الله ونخرج الملائكة؟! أعوذ بالله! ما عندنا سبب إلا أن نغضب الله ونطرد الملائكة من بيوتنا حتى يرضى اليهود والنصارى عنا! أرأيتم هذا الكفر كيف عمل؟ شيء عظيم هذا، لو أن أهل البيت يجتمعون على آية من كتاب الله يتغنون بها ساعة ويحفظونها لكان خيراً من أوروبا وما فيها، لأن يجتمعوا على حديث من أحاديث نبيهم يصلون عليه ويسلمون، ويتعلمون الهدى والمعرفة من قال رسول الله؛ لكان خيراً من الدنيا وما فيها.لكن غشونا وخدعونا وضللونا؛ فوقعنا في هذه المحنة إلا من نجاه الله، ولكن إلام؟ بل في بعض بلاد العرب من أدخل التلفاز يدفع ضريبة أيضاً، الحكومة فقيرة، تضرب ضريبة على من يدخل تلفازاً في بيته، ويعطون الضرائب ويدخلون التلفاز! فسلوا الله تعالى العافية، من عوفي فليحمد الله!

الإيمان بالكتب

قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ [البقرة:177]، و(أل) هنا للجنس، لا بمعنى القرآن فقط، الكتاب كالإنسان لفظ جنس يستغرق كل إنسان، والكتب -معاشر الأبناء- التي نزلت جملة واحدة بين لنا تعالى منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وأخبرنا الرسول عن صحف شيث عليه السلام، لكن الكتب الأربعة هي التي عليها المدار، وناسخها القرآن العظيم وهو آخرها نزولاً، ونزل مفرقاً في خلال ثلاث وعشرين سنة؛ فلهذا قال المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً [الفرقان:32] يعنون ما سمعوا عن اليهود والنصارى، ولله تعالى في تنزيله الحكمة العالية البالغة، فلو نزل جملة فمن سيحفظه؟ من يعمل بما فيه؟ لكن ينزل آيات بحسب الأحوال، كلما يحصل إشكال تنزل الآية تبين وتفصل، ويحفظها المؤمنون والمؤمنات.إذاً: إيماننا بالكتب هو أن نصدق بكل ما أنزل الله من كتاب في الجملة، لا بما داخله من الزيادة والنقص والتبديل والتحريف؛ لأننا علمنا أن الله نسخ تلك الشرائع وتلك الأحكام من تلك الكتب، وجعل القرآن الكتاب الحاوي لكل ما فيها! لو كان اليهود أو النصارى يعقلون لأفهمناهم بكلمة واحدة، وهي: أن رئيس الجمهورية يصدر أحكاماً لعشر سنوات والشعب يطبقها، أليس كذلك؟ ثم يصدر حكماً بإلغائها، هل يبقى مواطن يحتج يقول: هذا كان الحاكم قد أمر به؟ مضى عشرون سنة والدولة تقوم بكذا، والشعب يقوم به، ثم بدا لها نقض هذا القانون لفساده، أو لوقوع ظروف لا يتناسب معه، فأبطلوه، فهل يبقى المواطنون يحتجون بالأول ويعملون به؟والله! ما كان، إذاً: اليهود والنصارى يعرفون أن القرآن نسخ الكتب السابقة، فلم لا يعملون به ويتركون المنسوخ؟! الجواب: ما علمتم الآن: رؤساؤهم، أحبارهم، علماؤهم الذين يعيشون على حسابهم يحملونهم على هذا الباطل، وإلا فأدنى عاقل يفهم، أنت تؤمن بالكتب الإلهية أم لا؟ هذا آخر كتاب نسخ الله به ما سبق من القضايا والأحكام؛ لأن الزمان تغير. إذاً: يجب أن نعمل بهذا الكتاب ونلغي تلك الكتب.

الإيمان بالأنبياء والرسل

قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، والنبيون يقال فيها: والنبيئون، كالنبي والنبيء، وقرأ ورش : (يا أيها النبيء) في كل القرآن، من أنبأ ينبئ إنباء، فهو منبأ من الله عز وجل، ولا بأس للتخفيف أن تحذف الهمزة وتعوض بها الياء: النبيون، فهذا أسهل من: (النبيئون)، كـ(الآخرة والأولى) بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبله، فتقرأ: (الاخرة ولولى)، وهو أسهل من (الآخرة والأولى). ورأيت لبعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذف الهمزة في مثل الآخرة والأولى؛ لأنه أسهل في المدينة، وقراءة ورش هي قراءة أهل المدينة بالتخفيف.إذاً: النبيون أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم صنفان: أنبياء رسل، وأنبياء ليسوا برسل، ما كل رسول إلا وهو نبي، لا يكون رسولاً حتى يكون نبياً، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً.وعدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر على عدة قوم طالوت الذين هزم الله بهم جالوت ، وعلى عدة أهل بدر الذين هزم الله بهم أبا جهل ، فسبحان الله! عدة قوم طالوت ثلاثمائة وأربعة عشر هزموا جيشاً عرمرماً، وكان داود البطل فيه، ثلاثمائة وأربعة عشر فقط من المدينة من المهاجرين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم هزموا ألف مشرك في بدر.إذاً: عدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر، وعدد الأنبياء مائة وعشرون ألفاً، ولا تنكر العدد، إن أنكرته أنت أنكره غيرك، ولكن الذي عليه جمهور الأئمة أن هذا العدد ثابت بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضرنا إن زاد العدد أو نقص، وفي الجملة أن الأنبياء هكذا كان عددهم. وفي حديث صحيح: أن اليهود كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم الواحد! ويقيمون أسواقهم في المساء للبيع والشراء وكأن شيئاً ما وقع! وذلك لموت قلوبهم، وقساوة قلوبهم، قتلوا زكريا نبياً ورسولاً، وقتلوا ولده يحيى نبي الله ورسوله، وتآمروا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وكادوا يقتلونه مرتين أو ثلاثاً.والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، أو أرسل ونبئ بشريعة سبقته، كأنبياء بني إسرائيل.وعندما نذكر الأنبياء ماذا نقول؟ نقول: عليهم السلام: يوسف عليه السلام، يعقوب عليه السلام، إلا إبراهيم فإننا نقول: صلى الله عليه وسلم، وإننا في كل صلاة نصليها نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.وأول الأنبياء آدم، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأولو العزم منهم خمسة، وحفظ هؤلاء الخمسة ومعرفتهم واجب وركن من أركان العقيدة، وهم: نوح عليه السلام، إبراهيم عليه السلام، موسى عليه السلام، عيسى عليه السلام، محمد صلى الله عليه وسلم، وهم في آية واحدة من سورة الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7] بدأ بقوله تعالى: (منك)، فهو أولهم وأفضلهم في الآية، وحديث الشفاعة العظمى جاء بمثل هذا.قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] وصبر إبراهيم معلوم.نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 08-10-2020, 06:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (114)
الحلقة (121)




تفسير سورة البقرة (8)


أنزل الله سبحانه القرآن الكريم برهاناً على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتحدى العرب وغيرهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بسورة فعجزوا، بل إن الله سبحانه قد بين أنهم لن يستطيعوا، وأن الأجدر بهم أن يتقوا النار التي وقودها العصاة من الناس والحجارة، والتي هيأها الله سبحانه لكل من جحد به أو بدينه.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع بعض الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم. ‏

استشعار العبودية لله في كل شئون الإنسان وأحواله

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! دراسة كتاب الله وقراءته من أجل استخراج تلك الدرر والمعاني التي تغمر النفس والقلب بالنور الإلهي، فيصبح عبد الله وأمة الله النور على علمه وفي سمعه وبصره وفي لسانه، ويصبح أشبه بملاك في الأرض، فلا يصدر عنه شيء اسمه معصية لله ورسوله، ويقضي أوقاته كلها في ذكر الله وطاعته وعبادته.وقد قلت وبينت أن هذا المؤمن الذي يعيش على طاعة الله تحقيقاً للعبودية، تراه يحصد الزرع والمنجل في يده وهو في طاعة الله! تراه يضرب بفأسه الصخرة ليكسرها وهو في طاعة الله! تجد المائدة بين يديه يأكل ويشرب وهو في عبادة الله! هذا هو العبد الخالص لله. لمَ؟ لأنه يذكر دائماً بأنه خلق لذكر الله وشكره، وذكر الله تعالى يكون بالقلب واللسان، وشكره يكون بالأركان .. بالطاعة، فعبد الله إذا وجدته يبني أو يهدم اسأله: لم؟ يقول: أردت أن أبني غرفة أو حجرة لتكنني من الحر والبرد أنا وأفراد عائلتي، فعملي هذا لله. وتراه يحرث أو يزرع أو يصنع، لم؟ لله، لأنني وقف لله، وهذا الزرع أو هذه الصناعة من أجل عباد الله، أنتفع أولاً بشيء يسد حاجتي، والعمل كله لله، وينتفع به عباد الله.وإذا جلست في مجالس هؤلاء فإنك لا تسمع كلمة سوء، ولا بذاء، ولا باطل، ولا منكر أبداً كأنهم الملائكة، فأحاديثهم وكلامهم لا تخرج أبداً عن دائرة مرضاة الله عز وجل، وهؤلاء أهل النور الإلهي الذي اكتسبوه من كلامه؛ لأن كلام الله نور، إذا يقول تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، و جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].وآية الوقفية على الله ينبغي أن لا ننساها؛ لتفهم أنك إذا كنت مؤمناً حقاً فأنت وقف على الله، فريعك ودخلك وغلالك كلها لله، وحياتك وموتك لله، وفي هذا يقول تعالى من سورة الأنعام واحفظوا الآية وتأملوها: قُلْ [الأنعام:162]، والمخاطِب هو الله، والآمر هو الله، والمخاطَب هو رسول الله، والمأمور هو رسول الله، وأمته تابعة له، ولا تنفك عنه في أغلب الأحوال، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهذه هي آية الوقفية، فنحن وقف على الله، فنأكل من أجل الله، ونشرب من أجل الله، ونتزوج من أجل الله، ونطلق من أجل الله، ونبني .. نهدم .. نبيع .. نشتري .. الكل من أجل الله. فصاحب هذا النور إذا باع أو اشترى هل يغش .. يخدع .. يكذب؟! والله لا يفعل، وصاحب هذا النور إذا بنى هل يبني على غير هدي الله ورسوله؟ يقتطع قطعة أرض ويبني عليها؟! والله لا يفعل.المهم فيما نريد أن نقوله: هيا نتدبر كلام الله، فإنه الروح التي بها الحياة، والنور الذي به الهداية.

هداية القرآن الكريم

عرفنا مما درسنا أن هذا القرآن الكريم -كلام الله- لا ريب فيه، وأن فيه هدى، والهدى: ما يصل بك إلى مطلوبك، وينتهي بك إلى رغائبك، وما تريد أن تنتهي إليه من كمال وسعادة، لكن هذا الهدى مكنون في باطنه. من ينال هذا الهدى؟أولاً: من يؤمن بالله ولقائه .. بالله ورسوله .. بالله وكتابه، ثم يتقي الله عز وجل فلا يخرج عن طاعته فيما يأمر وفيما ينهى، فهذا الذي تتجلى له أنوار الهداية ويجدها في القرآن الكريم، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].وذكر الله تعالى أنهم: هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5]، واقرءوا إن شئتم: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:2-5]، لا سواهم.

أقسام الكافرين

ثم ذكر تعالى حال الكافرين، وقد عرفنا أنهم صنفان: صنف توغلوا في الشر، في الظلم، في الفساد، في الخبث يوماً بعد يوم، عاماً بعد عام، حتى مضت فيهم سنة الله عز وجل، فختم على قلوبهم وعلى أسماعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فهم لا يسمعون، ولا يفهمون، ولا يعقلون، ولا يبصرون، هؤلاء مصيرهم معلوم، الخلود في عالم الشقاء في النار دار البوار، لا يخرجون أبداً بليارات السنين، وليس هناك مكان آخر، وفيهم يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لم؟ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [البقرة:7]، الختم على الظرف، الختم على الآنية، من أين يدخل الشيء والختم موجود؟ من أين يدخل نور الإيمان أو معاني الإيمان أو مفاهيم الكلام وقد أغلق على القلب، خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]، نعوذ بالله أن نكون منهم، أو يكون بيننا أحد منهم!الصنف الثاني: كفروا، وظلموا، وفسدوا، لكنهم ما توغلوا، أي: ما وصلوا إلى مستوى أن طبع على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم، فهؤلاء بلغهم دعوتك يا رسولنا! وأنذر وخوف، فإنهم يدخلون في رحمة الله، وقد دخل من هذا العدد بلايين.

صنف المنافقين

جاءت الآيات تذكر لنا صنفاً آخر من الخلق، ألا وهم المنافقون.ومن هم المنافقون أيها المؤمنون؟ هم الذين يبطنون الكفر في قلوبهم ويخفونه في نفوسهم ولا ينطقون به أمامكم أيها المؤمنون، وهم الذين يتظاهرون بالإسلام فيصلون معكم، وقد يجاهدون إلى جنبكم، ولكن من باب أن يحفظوا على أنفسهم حياتهم وأموالهم ووجودهم؛ لأنهم لو أعلنوا عن الكفر والردة لقتلوا بيننا، ولا نسمح لهم بالبقاء في ديارنا.فخوفهم من السيف حملهم على أن يصروا على كفرهم، وعلى تكذيبهم بوجود الله .. بعلم الله .. بقدرته .. بحقه في الطاعة والعبادة .. بالكفر برسول الله وبكتابه، ولكن يداهنون مؤقتاً.وهؤلاء المنافقون كانوا موجودين والقرآن ينزل في هذه المدينة النبوية، فما زال القرآن ينزل ويصفي ويغربل حتى ما بقي منهم أحد، فمنهم من مات على كفره ونفاقه، وأغلبهم مات على الإيمان والتوحيد.والآن لا يسمون بالمنافقين بل يسميهم العلماء بالزنادقة، والواحد زنديق، والجمع زنادقة، فالزنديق: هو الذي يتكلم ببسم الله، ورسول الله، كأنه مؤمن، وهو فقط يضحك على المؤمنين، ويسخر منهم من أجل أن يصل إلى أغراضه الهابطة الدنية، أو يخاف أن يطرد من القرية أو من الحي أو يهجر فلا يتكلم معه، فهذا يقال عنه: الزنديق، وهو المنافق.وهؤلاء المنافقون نسمع الله تعالى يخبرنا عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، ومن أخبر عنهم؟ العليم بقلوبهم، وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9]، إي والله. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]، أي مرض هذا؟ هل يعرفه الأطباء؟! هل هو الخفقان؟! هذا مرض الشرك، والكفر، والنفاق، وبغض الإسلام وأهله، وبغض التوحيد والداعين إليه، وبغض دار السلام وأهلها، فهؤلاء يزيدهم الله مرضاً، والمرض إذا لم يعالج في الجسم فإنه يستشري وينتصر فيعجز الأطباء عن مداواته، فهذا الفريق من المنافقين يموت على الكفر ولا يعالج. وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، إن ماتوا على كفرهم ونفاقهم. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة:11-12]، وقد ذكرنا وأشرنا إلى أنهم كانت لهم اتصالات باليهود، واتصالات بالكافرين في مكة وخارجها، بل حتى مع الروم، وإذا سئل يقول: هذا من أجل تحقيق الأمن للبلاد .. من أجل أن ندفع شر هؤلاء الكفار أو اليهود، نحن مصلحون، وعندما يقول له المؤمن: كيف تتصل بفلان، فالبارحة كنت في بيته وهو كافر من اليهود؟ يقول: لغرض صحيح، للدفاع عن الحقيقة، لرد هؤلاء عن ظلمنا والاعتداء علينا.إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11] أي: بالمعاصي، فالإفساد في الأرض يكون بماذا؟ وأنا أريد أن يبقى هذا علماً راسخاً في نفوس المؤمنين والمؤمنات فلا نتردد: الإفساد في الأرض بم يكون؟ الإفساد يكون بمعصية الله ورسوله؛ لأن الذي عصى الله: أجرم، ظلم، فجر، اعتدى، سرق، كذب.إذاً: هذا هو الفساد؛ ولهذا جاء في آية سورة الأعراف: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، كان في البلاد كفر، وظلم، وشر، وفساد، فجاء نور الإيمان فاشتملته القلوب والأبصار، وظهر النور، واستقام أهل البلاد، فمن جاء يحدث باطلاً أو شركاً أو كفراً أو ذنباً فقد جاء ليفسد في الأرض.إذاً: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:12-13]، آمنوا كما آمن فلان وفلان وفلان من إخوانكم وجيرانكم: قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13]، فيعتبرون الذين دخلوا في الإسلام من اليهود ومن العرب المشركين سفهاء، كيف يذوبون في هذه الدعوة ويتخلون عن عقائد آبائهم وأجدادهم ومميزاتهم، ويدخلون في هذه الدعوة التي قد لا تدوم أعواماً بعد اليوم؟! فيقولون بهذا القول: أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13].قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13]، كيف يعلمون وهم كالأبقار انطمست بصائرهم وعميت عيونهم.

ضرب الأمثال للمنافقين

ضرب الله تعالى للمنافقين مثلين فقال: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة:14-16]. هنا مثلين: مثل ناري: مضروب للذين علم الله أنهم يموتون على النفاق، ومثل مائي: مضروب لمن يرجى لهم العودة إلى الطريق المستقيم، وإلى الدخول في رحمة الله.قال تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18]، وهذا النور معبر عنه بالنار والنور القرآني، والآيات تنزل، فإذا نزلت الآية وكانت تحمل بشرى وهداية، وما سمتهم، ولا عرَّضت بهم، فرحوا واطمأنوا، فإذا نزلت الآية كالرعد القاصف تخرج نفاق المنافقين -والعياذ بالله تعالى- أصابهم ما أصابهم، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18].المثل الثاني: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:19]، مطر يقال فيه: الصيب؛ لأنه يصب، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ [البقرة:19]، هذه هي الآيات وأنوارها، فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ [البقرة:19-20]، برق الآيات وأنوارها. كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]، ولو شاء الله لأصابهم ما أصاب الأولين، وماتوا على النفاق، ولا دخول في الإسلام، ولا نظر إلى رحمة الله.

نداء الله للناس أجمعين

بعد الآيات الأولى التي كشفت الهدى وبينته جاء نداء الله عز وجل للبشرية كلها بعنوان: الناس، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21]، أبيضكم وأسودكم .. عربكم وعجمكم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أمرنا بأن نعبده، كيف نعبده؟ نعبده بما يبين لنا من أنواع الطاعة، إذ العبادة من العبودية، إذا قال: قوموا قمنا، وإذا قال: اقعدوا قعدنا، وإذا قال: انظروا، نظرنا، وإذا قال: أغمضوا أعينكم غمضنا. ولو لطول الحياة؛ لأننا عبيد.قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: بما شرع لكم من أنواع العبادات والطاعات.لم هذه العبادة؟ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، إذا خطر ببال أحد: مَنْ هو هذا الذي يأمرنا بعبادته؟ من هو؟ الله الذي خلقك، وخلق أمك، وأباك، وجدك، وجدتك وإلى آدم الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21]، قد يقولون: نحن لسنا بمخلوقين، إذاً: هؤلاء مجانين، فلا يدخلون في دائرة الكلام معهم، مخلوقون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] أيضاً، ما أنتم وحدكم، أي: اعبدوا الله الذي خلقكم، وخلق من قبلكم بل وخلق كل شي، وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81]، فالذي صنعك، وصورك، ووهبك حياتك، طلب منك أن تطيعه من أجل أن يكملك ويسعدك وأنت تقول: لا، لا. هذا جنون أو عقل؟! خلقك وصورك، ووهبك سمعك وبصرك وحياتك، وخلق كل شيء في الكون من أجلك، وطلب منك أن تطيعه؛ لأجلك أنت لا لأجله هو، حتى تكمل وتسعد في الدار الأولى والدار الثانية، وأنت تقول: لا، لا.. لا أعرفه.أرأيتم هبوط الكافرين والمشركين؟! دون البهائم، فالذين يرفضون عبادة الله مستواهم أحط من البهائم، والله تعالى ما قال: اعبدوا الجبار العظيم الذي بيده أرواحكم وأرزاقكم، والذي إن شاء أماتكم وأبادكم. ما نادى بهذا النداء، بل نادانا بما يمكن أن يعقله الرجل والمرأة والعربي والعجمي. اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، أي: خالقكم، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وعلل فقال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] بذلك عذابه ونقمه، أي: اعبدوه لتحصلوا بتلك العبادة على النجاة مما تخافون، ومما تحزنون وتتألمون. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، نتقي ماذا؟ عذاب الله، حتى لا نقع في فقر، ولا في فتنة، ولا في اضطراب، ولا في آلام، ولا في حروب، ولا ولا.. هذا في الدنيا، وعلَّنا نتقي أيضاً عذاب الدار الآخرة التي نرحل إليها تباعاً، واحداً بعد واحد، ومائة بعد مائة، والمصير واحد إلى دار البوار أو دار السلام.سبحان الله العظيم! ماذا يريد الله تعالى من العباد؟ يريد أن يكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة، وأسباب الكمال والسعادة في طاعته، طاعته فيما وضع من قوانين من شأنها أن تزكي النفس وتطهرها، وأن تهذب الأخلاق وترفعها، وأن تحسن الآداب وتسمو بها، فينتهي الظلم والشر والخبث والفساد، فيعيشون على سطح الأرض كالملائكة في السماء، قالوا: لا، الشيطان ما يريد.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 08-10-2020, 06:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

إثبات ربوبية الله على العباد وتفضله عليهم

زاد الله الأمر بياناً فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، إذا ما عرفتم الله بخلقه لكم، وخلق من قبلكم انظر .. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:22]، مبسوطة: تبني، تنام، تحرث، أليس كذلك؟! وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]، فوقكم، لو شاء لخرَّت من فوقكم، من يبقى؟ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج:65].لو تسقط الشمس فقط -والعياذ بالله- والله لا يبقى موجود على الأرض. لا يا شيخ! ما من شأنها أن تنزل، أن تسقط فقط، فلو نزلت عن مستواها لاحترق الكون، والشمس حرارتها معروفة والأبعاد ما تدركها بعقلك، ومع هذا لو تخرج عن فلكها وتنزل لاحترق كل شيء، ولو ارتفعت لتجمد كل شيء، فنحن نعيش بحرارة الشمس بفضل الله. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22]، تكلمنا عن المطر الصناعي، وهل هناك مطر صناعي هذه الأيام في الصين أو في اليابان؟ قالوا: المطر الصناعي .. المطر الصناعي، وكتبت الجرائد والصحف: يتحدون بالمطر الصناعي، هل فعلاً حصل مطر صناعي؟ فرنسا عندما أصابها جدب في عام من الأعوام قالوا للمسلمين: صلوا وادعوا لنا الله عسى أن يمطرنا، وخرجنا وصلينا وأمطرهم الله.أين المطر الصناعي؟! فقط أنابيب مخروقة يخرج الماء منها، وقالوا: هذا المطر الصناعي.تدرون قبل ثلاثين .. أربعين سنة لما بدءوا يفكرون في قضية الطلوع إلى القمر، أخذت صحف العرب تكتب: من يحجز من الآن؟ احجزوا منازل في القمر، وشطحوا ورقصوا. فأين الطلوع إلى القمر؟! وقبل أيام أعلن أنها مناورات وكذب، وتمثيليات في الجبال فقط، وقد سبقت إلى هذا الصين الشيوعية أيام قوتها وشدتها، فنشرت في مجلاتها أنها مؤامرة ضد البشرية تمت بين الدولتين العظيمتين: روسيا وأمريكا، لإذلال البشر وإخضاعهم، وكل ما قالوا باطل، والذي يعرضونه في التلفاز وشاشات السينما تمثيليات فقط. أما نحن فبكينا، وقلنا: يا رب!يا مسلمون! اخجلوا، لا تتبجحوا بانتصارات أعدائكم، فعدوك يحقق هذه الأهداف السامية العالية، وأنت تمدحه وتثني عليه، ما تستحي؟! أما الصين فما أخفت هذا عن شعبها ولم تذكره، بل قالت: باطل، ليبقى الشعب الصيني متماسكاً وقوي الروح، ويستطيع أن يقف في وجه روسيا أو أمريكا، ونحن أبقار هابطون نصفق لهم، وإذا قلت: ما طلعوا. قالوا: اسكت، أنت رجعي، وأنت كيف ما طلعوا؟! وهذا الحديث سمعتموه أو لا؟ أعدناه من ثلاثين سنة، أين الطلوع إلى القمر؟ آه.إذاً: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22]، رزقاً لمن؟ لله وملائكته! لا، لكم يا بني آدم، من ينزل الماء من السماء؟ كيف يتحول هذا الماء؟ كيف يتكون؟ كيف؟ دعنا من آثار تكوينه، نزل ماءً عذباً فراتاً، فإذا انقطع ماتت الأرض ومات أهلها، وهذا ما نعرفه، أنه ربنا وخالقنا، نقول: من هذا؟

ربوبية الله تقتضي توحيده في عبادته وعدم الإشراك به

قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، فبعد هذه المعرفة اليقينية يجوز أن تقول: يا ألله! ويا عيسى؟! أو يا رب ويا هبل؟ أو يا رب وسيدي عبد القادر ؟! يجوز أن تجعل مضاداً لله تضاده به؟! لا يصح أبداً إلا التوحيد: لا إله إلا الله، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي من الصالحين، فضلاً عن الأوهام، وما عبد البشر إلا بأمر الشيطان وتزيينه، إذ عبدوا حتى الفروج.إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، تضادونه بها بأن تعبدوه، فمعه تدعونها، تستغيثون بها، تذبحون لها الذبائح، تنذرون لها النذور، تتمسحون بها، تعكفون عليها، تعلقونها في أعناقكم.واليوم أخبرني طالب وهو صادق، أن مسيحياً مصرياً مدسوساً هنا جاء للعمل، فضبطوه وفي عنقه سلسلة الصليب، فمسكوه وكسروا الصليب وتركوه، وهو لا ينفعه. وعيسى نفسه الذي وضع الصليب له والله لن يغني عنك من الله شيئاً، والصليب في عنقه مضادة لله ومحادة له، فماذا ينفع الصليب؟ ماذا ينفع عيسى، أو أمه، أو جبريل عليهم السلام؟ من يستحق أن يعبد؟ الله، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فالذي ما خلق، ولا أمر، ولا كوَّن كيف يعبد؟إذاً: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، نعم يعلمون، لو تسألوه عن هذا الصليب: هل يشفيك من مرضك؟ تترك العلاج؟ يقول: لا، لا يشفي، هذا الصليب يمثل عيسى، وعيسى عليه السلام أنت تقول: ذبحوه وقتلوه، فلو كان ينفع ويضر فكيف يصلبونه على أخشاب والناس يشاهدون؟ أين عقول النصارى؟! والله -سبحان الله العظيم- إذا تكلم البصير منهم يقول: عادات فقط جرى عليها الناس، الإله يذبح ويصلب! سبحان الله العظيم! والدليل على أنه صلب أنهم يعلقون الصليب؛ لأنه صورة عيسى لما قتل وصلب من قبل اليهود، يا سبحان الله! والقرآن يصرح بأن عيسى ما قتل ولا صلب، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، ونقول: لا. القرآن يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، لا لا لا.. هذا قرآن العرب.وتمضي الأيام وتتوالى القرون والأعوام ونسمع ونحن في الدرس أن بولس الثامن أعلن أن اليهود برآء من دم المسيح، أما سمعتم بهذا بولس ! والغريب أن بولس هذا اسم قس، ورئيس كنيسة، وبولس عندنا ماذا في جهنم؟ درك من دركات النار اسمه: بولس.بولس يقول: إن اليهود برآء من دم السيد المسيح، فلا تحملوا لهم أيها النصارى العداء والبغضاء، وما قال هذا إلا بالمال؛ لأن اليهود سيطروا على العالم في باب البنك والرصيد والمال، فأخضعوا أوروبا وأمريكا، وأخضعوا العرب والمسلمين. سمعتم بهذه؟ قلنا: آمنا بالله، نحن من قبل نقول: عيسى حاشاه ما قتلوه وما صلبوه، بل رفعه الله إليه، وسينزل، وهم: لا لا لا.. قتلوه، هل استطاعوا أن ينزعوا الآن الصليب من أعناقهم؟ ما استطاعوا.

تفسير قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ...)

الآن مع قول ربنا: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، يخاطب الله تعالى البشرية كلها، وبخاصة الكافرين، والمشركين، والمنافقين، فيقول لهم: وَإِنْ كُنتُمْ [البقرة:23]، وبعد هذا النداء الذي وجهناه إليكم، والبيانات والبراهين التي لاحت في الآفاق بينكم بأنه لا إله إلا الله، فاعلموا أن محمداً رسول الله. يا من شهدوا أن لا إله إلا الله لما ظهر لهم من الآيات ولاح لهم في الآفاق من بينات، وعرفوا ألا يعبد إلا الله، فقالوا: لا إله إلا الله قولوا: محمد رسول الله.والبرهنة والتدبير على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله اسمع! وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23]، والريب: الشك الذي معه اضطراب في النفس، وقلق وحيرة، فليس مجرد شك وصاحبه هادي النفس بل في قلق. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، من عبده هذا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الإضافة للتشريف: عبد الله، ومن منا يرقى إلى هذا المستوى، ويصبح حقاً عبد الله؟ تصبح عبداً لله مطيعاً له في حركاتك وسكناتك، وفي أفكارك، وميولك، وما تحمل من حياة، كل ذلك لله فأنت عبده إذا قال: قف. وقفت الدهر كله، وإذا قال: نم. نمت كذلك، ولا تصرف لك أبداً بل الكل لله. هذا العبد الذي استعبده بالخدمة، بالطاعة .. بالعمل المتواصل .. بترك كل شيء من أجل الله عز وجل. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] من الآيات القرآنية التي حواها هذا الكتاب. ومن نزل هذا الكتاب؟ الله جل جلاله.فإن كنتم في ريب من تنزيل هذا الكتاب، أي: من كونه نزله الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليقرر رسالته ونبوته، وليجيب طاعته والاتباع له فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، تفضلوا! الباب مفتوح، نعطيكم عاماً .. عامين .. ثلاثة .. ألف سنة، تفضلوا فأتوا بسورة من مثل محمد في أميته، وعدم قراءته وكتابته وعلمه، أو من مثل هذا القرآن الكريم، والقرآن حمال أوجه.والشاهد في الاثنين، فأتوا بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم وقد عاش أربعين سنة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ونزل عليه القرآن، وهو لا يفرق بين الألف والباء، ولا بين الهاء والواو.ولما بلغ الأربعين سنة نبئ، وهذه سنة الله في تنبئته وإرسال رسله، فعامتهم ينبئهم إذا بلغوا سن الرشد والكمال العقلي؛ لأن الفتوة والشباب يوجد فيها طيش للعبد؛ ما فيه ثبات ورصانة، ولكن إذا بلغ الأربعين اكتمل عقله ونماؤه، فسنة الله في هذا الباب ما نبأ ولا أرسل إلا من بلغ الأربعين، هذا في الغالب. فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وتفضلوا!ووجه آخر: فَأْتُوا بِسُورَةٍ [البقرة:23] من مثل القرآن.وهذا التحدي الإلهي قائم إلى الآن، فهل استطاعت البشرية أنت تأتي برجل يقول: أوحي إلي القرآن وأنزل علي كتاب، وهذه سورة من سوره؟! ما استطاعوا.وهنا حقيقتان أو وجهان مشرقان:الأول: أن الله عز وجل صرف قلوب البشر عن محاولة الإتيان بسورة، ومن يقوى على صرف قلوب البشر إلا الله؟ أجيال، الجيل بعد الجيل، وما هناك من حاول أن يأتي بسورة من مثل القرآن، ومن يقدر على قلب القلوب وصرفها؟ ما هي من جيل ولا من أمة؟ ألف وأربعمائة سنة، وهو كذلك.ثانياً: القرآن المعجز بألفاظه .. بكلماته .. بجمله .. بمعانيه لا يستطيع أحد مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة والبيان لن يستطيع أن يأتي بسورة من مثل القرآن.إذاً: هذا التحدي قائم وباقٍ إلى الآن، فهو وحده يشهد أن محمداً رسول الله، إن طولبت وطلب منك التدليل على نبوة محمد ورسالته أجيبوا بكل سهولة: أنزل الله عليه كتابه مائة وأربعة عشر سورة، وتحدى الله البشرية كلها أن تأتي بسورة من مثله فعجزت، فدل هذا يقيناً أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة:23]، وجاء قول الله عز وجل: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، وجاء أيضاً: فأتوا بمثل القرآن، فعجزوا إذ قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] وتعاونوا وتضافروا، عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88]، من سورة الإسراء، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، أي: معيناً ومساعداً، فالشياطين والجن فسقتهم وفجرتهم، والبشرية فجارهم وطغاتهم كلهم تعاونوا على أن يأتوا بمثل القرآن في هدايته وقضائه وأحكامه وشرائعه وبلاغته وبيانه فوالله ما استطاعوا، ومن هنا نزل تعالى وتحداهم بعشر فقط: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13]، ثم تحداهم بسورة واحدة من سورة يونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، وفي البقرة هذه الآية التي ندرسها: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، أي: من القرآن بأحكامه، وشرائعه، وآدابه، وقصصه، وأخباره، وأنبائه: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [البقرة:23] الذين تعبدونهم، وتستغيثون بهم، وتستعينون بهم، وترجون شفاعتهم فليتفضلوا ليعينوكم، ويقفوا إلى جنبكم، ويساعدوكم على إتيان سورة فقط من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهدوا لكم بأنكم على حق أيضاً، فعجزوا وما استطاعوا إلى اليوم.
تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)

تصريح القرآن بعجز المنكرين له عن الإتيان بسورة من مثله

قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، يفعلون ماذا؟ الإتيان بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، مستعينين بشهدائهم، بآلهتهم، بشركائهم، بمن يدعونهم، بمن يعولون عليهم من الإنس والجن، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، هذه (لن) الزمخشرية.وقد اختلف النحاة في (لن) هل نفيها مؤبد أو نفيها كنفي لا: لا تأكل .. لا تشرب، لن تأكل بعد اليوم ولن تشرب؟ فالجمهور على أنها مثل لا النافية، أما الزمخشري اللغوي البحر فيقول: (لن) هذه تدل على النفي المؤبد، فإذا أردت أن تحرم أخاك من شيء، تقول له: لن أعطيك بعد اليوم، فلا يطمع، أما إذا قلت له: لا أعطيك بعد اليوم. ممكن تتراجع وتعطيه، لكن إذا قلت: (لن) أبَّدت النفي، وهنا (لن) للتأبيد. وَلَنْ تَفْعَلُوا هل فعلوا؟ لا.وهنا دائماً أذكر الأبناء والإخوان والمؤمنات من باب التبيين والتوضيح، أقول: لو أن أمريكا أنتجت آلة من الآلات الصناعية، ثم أعلنت أنها تتحدى العالم الإنساني سبعين سنة، ومن بين ذلك أوروبا الصناعية، واليابان الصناعية، وروسيا الاتحادية، فإذا استطاعوا أن ينتجوا مثل هذه الآلة، وهل تفعل أمريكا هذا التحدي؟ لا تفعل، وإذا تحدت فإنها تفضح.وأقول كذلك: اليابان الصناعية الآن متفوقة، فهل تستطيع أن توجد شيئاً من الصناعات ولو إبريقاً من أباريق الماء أو الشاي وتقول: أتحدى العالم الإنساني لمدة خمسين سنة أن ينتجوا مثل هذا؟ ممكن يقع هذا؟!والجبار جل جلاله وعظم سلطانه يقول: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، إلى الأبد، هل فعلوا؟ ما فعلوا.لو اجتمع علماء اللغة والبيان والفصاحة والسحر والمنطق كلهم وقالوا: نجمع عقولنا وقلوبنا على أن نأتي بسورة، ونعلن عنها في الصحف وفي الجرائد وفي الكتب أنها كسور القرآن:أولاً: الله يصرفهم، والله ما يجتمعون على ذلك، أليست قلوبهم بيد الله فهو الذي يصرفهم!.ثانياً: لو أراد الله أن يتركهم يتخبطون ليفضحوا، وتنكشف عورتهم، والله ما أن يقدموه حتى يضحك منها النساء والرجال: هذا كلام الله؟ هذا يشبه كلام الله حتى ننسبه إلى الله عز وجل؟ وتتم الفضيحة الكبرى.هذا معنى قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24].

كيفية اتقاء النار

إذاً: ماذا تنتظرون؟ ثبتت نبوة محمد، وتقررت رسالته، صح دينه. إذاً: فانجوا واطلبوا النجاة لأنفسكم: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وما دمتم عجزتم، وعرفتم ضعفكم وعجزكم، ولاحت أنوار الكمال المحمدي وأنه رسول الله، وأن هذا وحي الله وكتابه، فأنقذوا أنفسكم من النار.إذاً: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا [البقرة:24]، أي: ما تتقد به وتشتعل، ليس فحماً، ولا حطباً، ولا بنزيناً، ولا غازات، بل وقودها أجسام الكفرة والكافرات، والمشركين والمشركات، العظام واللحوم، ومادة أخرى هي حجر من سجين، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، وهذا النوع من الحجارة ما رأيناه، ولكن البشر رأيناهم، فما هناك حطب، ولا خشب، ولا غازات، ولا.. هذا العالم المشتعل يشتعل بأجسام البشر وبالحجارة التي كانت آلهة وأصناماً يعبدها المشركون، وهذه الحجارة هي أصنام المشركين التي نصبوها حول بيوتهم وفي المنعطفات يعكفون عليها ويأتونها، ويتقربون إلى الله بالتمسح بها، والعكوف حولها.ومن الأمثال اللطيفة، أن العرب في جاهليتهم لما جاءهم عمرو بن لحي بالأصنام من الشام، الذي رآه الرسول في النار لما كشفت له وشاهدها، فوجده يجر قصبه في جهنم، فـعمرو بن لحي لما جاء بالأصنام انتشرت، وأصبح كل منعطف، كل حي في المدن، يجعلون تمثالاً، وإذا بأحد الأعراب ذهب إلى صنمه ليزوره ويستشفع به ويتبرك به، فلما دنا منه وجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعها على كتفه ويبول عليه، كعادة الذئاب والكلاب عندما يبول أحدها يرفع رجله على شيء مرتفع، فنظر إليه ثم قال:أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالبواعتزله حتى مات، وتخلى عنه. ففطرته اقتضت هذا، كيف أن ربي آتيه لأعبده والثعلب يبول على رأسه، وما يدفعه ولا يقتله؟!ووا أسفاه، ووا حسرتاه!! فقد وقع آباؤنا وأجدادنا من القرن الثامن أو السابع في مثل هذه العمياء فعبدوا قباب الصالحين وقبورهم، وتقربوا إليها أكثر مما يتقربون إلى الله، فيحلفون بها، ويستغيثون بها، ويجعلون البقر والغنم لها، ويجعلون الأشجار لها، وهكذا مثل ما كان المشركون، ولا لوم ولا عتاب؛ لأن نور القرآن صُرف عنهم، فعاشوا في ظلام.وأنتم الآن ترون شيخاً يدرسكم القرآن أو لا؟ هذا كان مستحيلاً، يقولون: كيف يتكلم في كلام الله؟ ممنوع، لم؟ يقولون: القرآن فيه الناسخ والمنسوخ، فيه مجمل ومفصل، فيكفينا كتب الفقه، لا نتورط ونكذب على الله، فأصبح من يقول: قال الله؛ يرمى بالحجارة، فصرفوا أمة الإسلام عن القرآن.إذا ذهب القرآن بنوره أسألكم بالله: من أين تأتي الهداية؟ كيف يعرفون التوحيد؟! هذا هو السر.الحمد لله الآن، ولا ندري لو كنا في بلد آخر يسمحون لنا أو لا؟ الآن الحمد لله من نيف وأربعين سنة ندرس كلام الله في بيت الله ومسجد رسوله.والشاهد عندنا في أن ظلام الجهل هو الذي أوقعهم في عبادة غير الله عز وجل يستشفعون بغير الله.وقوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، والسؤال معاشر الأبناء: بم نتقي النار؟ كنا نقول بالأمس: بم نتقي الله أو لا؟ وبم نتقي الحر أسألكم بالله؟ بالمكيفات والشمسيات أو لا؟ وبم نتقي البرد؟ وبم نتقي الجوع؟ لكل ما نخاف منه له ما يتقى به أو لا؟ فالنار بم تتقى؟إن عرفنا بم يتقى الله عرفنا بم تتقى النار، وإذا اتقينا الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمرا باعتقاده وقوله وعمله، وفيما نهيا عن اعتقاده وقوله وفعله، فذاك الذي نتقي به النار؛ لأننا إذا اتقينا الله وبعُد غضبه عنا وعذابه اتقينا النار، لكن من باب التوضيح ومن باب البيان: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24]، فلا تشتعل بمادة غير أصنام المشركين وآلهتهم التي عبدوها ثم بأجسامهم الضخمة في تلك النار أو ذلك العالم.

إعداد النار للكافرين برب العالمين

هذه النار أُعِدَّتْ [البقرة:24]، الإعداد للشيء إذا كان ذا قيمة، تقول: أعددنا لكم عشاء، معناه تعبنا وهيأنا، كذا أو لا؟ أعددنا للحرب عدتها، أعدت وهيئت بعناية خاصة. لمن أعدت النار؟ للكافرين، للكافرين بيض أو حمر، سود أو سمر. من هم الكافرون؟ إنهم الذين أنكروا وجود الله، وقالوا: الحياة مادة، وهؤلاء كفار جدد ما مضى عليهم أكثر من مائة وخمسين سنة، وهم البلاشفة الحمر الروس، وهؤلاء لم يسبقهم من كفر كفرهم قط في البشرية، بل البشرية موحدوهم ومشركوهم، مؤمنوهم وكافروهم يؤمنون بوجود الله الخلاق العليم، الذي يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ولكن أهل الشرك يتوسلون إليه بعبادة غيره، تلك العبادة التي زينها العدو لهم فعبدوها من أجل الله، واقرءوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].ويدلك لذلك أن أبا سفيان يحلف بالله، وأبا جهل يقسم بالله عز وجل، ويحج بيته، فهم مؤمنون بوجود الله، وأما هذا الكفر فجديد، وقد تغير بعدما انهزمت الشيوعية وتحطمت فلبسوا بدلة جديدة وهي العلمانية؛ ليسلبوا عقول البشر، وليتغنوا بالعلم، فيرفضون كل شيء إلا العلم، وهم ما يسمون بالعلمانيين.هل عرفتم الآن العلمانيين؟ ما استطاعوا أن يقولوا: لا إله والحياة مادة. فشلت هذه النظرية. إذاً: كيف يختبئون؟ تستروا بالعلم، فلو رفعت يديك بالدعاء قيل لك: قم اشتغل واسترزق، ولا ترفع يديك إلى السماء، بل اعمل وتعلم العلم.ومن هو الذي وضع هذا المبدأ البلشفي؟ والله إنهم اليهود، ولا عجب، فهم الذين وضعوا هذه من أجل التعجيل بتدمير البشرية والقضاء عليها لتصبح حيوانات يركبون منها ما شاءوا، ويأكلون ويذبحون ما شاءوا، وترتفع راية بني إسرائيل، ومملكة بني إسرائيل، فكل العظائم من السحر ومن موبقات الجرائم من وضعهم، وهم السر في ذلك، لو يسمعون كلامي هذا تأخذهم الحمى، ونحن ما يأخذنا شيء.وأخيراً: ما قلت لكم منذ أيام أنهم عرفوا أن هذه الدولة القرآنية لا تسقط ولا تزول إلا إذا عم أفرادها الخبث، وغطاها الفسق والفجور بالله العظيم، ومددنا أعناقنا كالأبقار، وما بكينا ولا اطرحنا بين أيدي ربنا، واستجبنا لهم ونحن لا نشعر، فهم يعملون على نشر الإلحاد والفسق والفجور؛ حتى تزول هذه العقبة من بين أيديهم، وهذه هي المانعة، عرفوا هذا أو لا؟ فهيا نقارن معرفتهم بأن نستقيم، لا نأكل إلا الحلال، ولا ننطق إلا بالحق، ولا نسكت إلا على الحق، وهكذا طهر وصفاء، ولو يجمعون الجن كلهم بسحرهم ما يؤثرون علينا، ولا يطفئون هذا النور الذي نعيش عليه، لكن عرفوا وما عرفنا، نشروا أفلام الدعارة والفجور بأنواعها، والسحر بضروبه، والآن في المدينة سحرة فكل يوم يكتشفون ساحراً.واسمع الآن، يقول لي طالب: في المدرسة أساتذة يقررون أن كشف الوجه ليس بحرام، بدليل القرآن والسنة، المرأة تكشف عن وجهها وكفيها. يا هؤلاء! أنسيتم قول ربنا: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] أية ثياب يضعونها؟ تنزع ثيابها وتخرج حمراء؟ هذا مقصود الله؟ أعوذ بالله! ما الذي تنزعه؟ تنزع ما كانت تغطي به وجهها وعنقها ويديها، ومع هذا يقول الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] تبقى كالبنت، عمرها مائة وعشرون سنة وهي تخرج كالكتلة في ثيابها السوداء، لا تعرف كبيرة هي أو صغيرة. ولولا هذه الصيحات لفعلوا ما فعلوا، وبدأ الحجاب من عشرين سنة يزول في جامعة جدة، لكن بكى العلماء وبكى المسلمون وأدبوهم، الآن بدءوا يرددون -أيضاً- عن كشف الوجه، وهل ترضى أن تخرج امرأتك كاشفة وتضحك في الشوارع يا ديوث؟ يرضى بهذا مؤمن أو عاقل؟! حتى ولو كانت رمصاء، عمشاء، عمياء ما تريد أن تفضح بين الناس.إن نساء المؤمنين مستورات في الخيام مقصورات حتى في الجنة، فكيف نرضى بأن تصبح المرأة كاشفة عن وجهها ثم عن عنقها أيضاً، وكفيها وهي تلوح في الشوارع؟ أعوذ بالله.ثم لما بدأ دعاة السفور؛ عملاء اليهود في العالم الإسلامي، هل انتهى السفور فقط إلى الوجه؟ نزل إلى الفخذين والركبتين والساعدين، ودمج النساء مع الرجال في كل الأعمال والوظائف حتى أصبحوا كاليهود والنصارى.وهؤلاء في المدرسة لا يستحون أن يقولوا: الكشف ليس في الوجه والكفين، إذا كان فقط الكف والوجه مكشوفان إذاً ماذا بقي؟أنا أقول لهم: انظروا، أنا مستور أو مكشوف؟ انظروا إليّ، هل هناك غير وجهي وكفي؟ هذا هو الحجاب، إذاً السعوديون كلهم متحجبون، هذا فهم وذوق الذي يقصر الحجاب على الوجه والكفين.والشاهد عندنا: هذه أصابع الماسونية اليهودية لعنها الله عز وجل وقطع دابرها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم 08-10-2020, 06:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (115)
الحلقة (122)



تفسير سورة البقرة (80)


رد الله عز وجل على أهل الكتاب تبجحهم بالقبلة، وادعاءهم الإيمان والكمال فيه، لمجرد أنهم يصلون إلى بيت المقدس، ثم بين سبحانه أن البر الحقيقي، والإيمان الصادق هو بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله، وإقامة شرع الله عز وجل، وحكم دينه في سائر شئون حياته، والالتزام بأداء الحقوق على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا هو طريق الفلاح والنجاح.

تابع تفسير قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا ذلك يا رب العالمين.وقد كنا مع هذه الآية العظيمة الجليلة وما استوفيناها شرحاً ولا تفسيراً.

معرفة مقياس الإيمان بعرضه على قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ...)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]. يصح -معشر المستمعين والمستمعات- أن نقول: هذا عرض للمؤمنين الصادقين، شاشة بيضاء من نور الله عز وجل، إن شئت أن ترى نفسك في هذه المواكب السعيدة فانظر: فإن وجدت نفسك فيهم وبينهم ومعهم فاحمد الله وأكثر من حمده وشكره، وإن وجدت نفسك غير موجود فابك على نفسك، واقرع باب الله فإنه يفتحه لك، وادخل في رحمته.وإن وجدت نفسك تظهر في معرض وتغيب في آخر فجد في عزمك من جديد، وأصلح حالك، وحدد وجهة نظرك في مسيرتك، وادخل مع مواكب الإيمان والإسلام قبل أن تفوت الفرصة، والله! إنها لضيقة.

الرد على اليهود والنصارى في ترك حقائق الإيمان والاعتراض بتحويل القبلة

ذكرت لكم أنه لما استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، إذ كان يتطلع إلى القبلة ليستقبل بيت الله الكعبة المشرفة، وقد جاء في هذا قول الله عز وجل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، لما استجاب الله تعالى لرسوله اغتاظ اليهود، وكانوا يساكنون اليهود في المدينة، وقالوا: بالأمس يستقبل قبلتنا، واليوم يعدل عنها، ومن الجائز أن يعدل عن القبلة الثانية غداً! والمرض موجود، وكانت شائعات تألم لها المؤمنون، ويكفي أن نسمع قول الله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142]، إذ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون قرابة سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، ثم رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود، فكان يتطلع إلى ذلك، ففتح الله، وأمر المؤمنين أن يتجهوا نحو الكعبة المكرمة.هذه الشائعة أبطلها الله عز وجل بقوله: لَيْسَ الْبِرَّ [البقرة:177] وفي قراءة: ( ليس البرُّ ) أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]، ما هي قضية قبلة وصلاة فقط، وهذه الآية أيضاً تهز قلوب الذين لا هم لهم من الإسلام إلا الصلاة، فإذا صلى ظن أنه بلغ الكمال في إسلامه!ليس البر تولية وجوهكم قبل المشرق والمغرب، أي: للصلاة، ولكن البر الحق والبرور والصدق والبار بالحق هذا الذي آمن بالله حق الإيمان أولاً، وهل هناك إيمان غير صحيح غير حق؟ نعم. إنه إيمان المنافقين بألسنتهم، ولا دخل له في قلوبهم، وكم من مدعي الإيمان وما هو بمؤمن، فإيمانه كاذب وليس بصادق.

صور الإيمان الحق المتجلية في أركانه وأعماله

فالإيمان الحق تتجلى لكم صوره فيما يأتي: أولاً: آمن بالله، أي: رباً وإلهاً، لا رب غيره ولا إله سواه، هذا الإيمان الحق إن وجد أثمر لصاحبه ثمرتين عجيبتين: الأولى: حب الله، فيصبح يحب الله أكثر من نفسه وأهله والناس أجمعين.ثانياً: يثمر له خشية الله، الخوف من الله، يصبح إذا ذكر الله ترتعد فرائصه ويوجل قلبه، فأيما دعوة للإيمان وصاحبها لا يحب الله ولا يخشاه فهي دعوى باطلة ما هي بحق.ثانياً: وآمن باليوم الآخر، أي: آمن بالله وبلقائه، ولقاء الله متى يتم؟ يوم القيامة في اليوم الآخر حيث البشرية كلها في صعيد واحد في ساحة واحدة تسمى ساحة فصل القضاء، وانظر إلى هذا المنظر: قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:67-71] ثم قال تعالى بعدها: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر:73]، وانتهى كل شيء، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75]، فاستقر أهل النعيم في نعيمهم وأهل العذاب في عذابهم.فالإيمان بلقاء الله والإيمان باليوم الآخر قوة دافعة للعبد على أن يطيع الله ورسوله، إذا قويت هذه العقيدة في النفس وأصبح لا يفارق قلبه ذكر الدار الآخرة فهذا يجد العصمة الكاملة، وقد أثنى الله على بعض عباده الصالحين وقال: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] الآخرة، من نسي يوماً واحداً الموت والفناء والبلاء ثم الوقوف بين يدي رب الأرض والسماء أكلته المعاصي واجتاحته، فلهذا من الحكمة أن تجعل الموت نصب عينيك.والإيمان باليوم الآخر -معاشر المستمعين والمستمعات- معناه: الإيمان بالبعث والحساب والجزاء، ليس مجرد لقاء. ثم الإيمان بالملائكة، وقد عرفنا عنهم ما شاء الله، ومن ذلك أنهم لا يحصي عددهم إلا الله، وأنهم موكلون بوظائف وأعمال يقومون بها، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأن من أعظمهم المقربين، ثم الكروبيين، ثم حملة العرش الأربعة الذين يعززون يوم القيامة بأربعة فيصبحون ثمانية، إذ قال تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، وأن منهم الموكلين بالجنة ونعيمها، ومنهم موكلون بالنار وعذابها، وقد عرفنا الزبانية التسعة عشر، وعرفنا مدى قوة هؤلاء الملائكة، فجبريل تجلى وظهر بمكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيام البعثة الأولى وقد سد الأفق كله بستمائة جناح، وعرفنا قوته في سدوم وعمورة مدن قوم لوط؛ جعل عاليها سافلها، ونفخة إسرافيل في البوق في الصور نفخة واحدة تتزلزل الكائنات وتبددها، وقد عرفنا عددهم، فإذا كان كل واحد منا له عشرة: ثمانية حراس واثنان يكتبان أعماله، فكم عددهم إذاً؟وعرفنا الإيمان بالكتب، وهي جمع كتاب، والمراد من الكتب ما أنزل الله تعالى على رسله، وأعظم الكتب أربعة: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وهناك صحف شيث عليه السلام ستون صحيفة، وصحف إبراهيم عليه السلام، وما لم نعلمه أكثر، والذي جاء في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن نعرفه وأن نؤمن به.ثم الإيمان بالنبيين: جمع نبي، وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فما كان رسول إلا وهو نبي، ثم أرسل فهو رسول، وأما النبي فقد يكون نبياً وليس برسول.وقلنا: الفرق بينهما: أن الرسول يحمل الرسالة يبلغها أهل إقليم من الأقاليم أو بلاد من البلدان، والنبي لا رسالة له، يعلمه الله ويخبره ويوحي إليه ولكن هو يعيش على شريعة ورسالة من سبقه، هذا الفرق. فلهذا فعلماء المسلمين شبيهون بالأنبياء، إذا صاموا وصلوا، إذا صدقوا واستقاموا وبلغوا رسالة الله فهم كالأنبياء في بني إسرائيل، لم يوح إليهم بشرع والشرع موجود وهم يدعون إليه.وعرفنا أن عدد المرسلين ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، على عدة قوم طالوت وعلى عدة أهل بدر، وأما الأنبياء فقد ورد في الحديث أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويدلك على كثرتهم ما أخبر به أبو القاسم صلى الله عليه وسلم من أن اليهود لما هبطوا هبوطنا هذا كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم ويقيمون أسواقهم في المساء. إذاً: ذلك الذي درسناه من الآية وهو بعضها.

معنى قوله تعالى: (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين)

انتهينا إلى قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177]، (آتى) بمعنى: أعطى، كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ [الحاقة:19] أي: أعطي كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة:19]. فهذا البار المؤمن الصادق صاحب البر: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177] أي: على شدة حبه له وضنه به أعطاه، وإن شئت أيضاً فقل: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177] أي: من أجل حبه الله تعالى أنفق فيما أمره أن ينفق، والكل صحيح، والقرآن حمال الوجوه، ولولا حب الله ما أنفق ماله، ولكن الظاهر هو الأول: أنفق المال مع حبه له ورغبته فيه، وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177] ذوي بمعنى: أصحاب، ذو المال: صاحب المال، ذو الجاه: صاحب الجاه، والجمع ذوو مرفوع وذوي منصوب.(ذوي القربى) أي: القرابات الأقرب فالأقرب، كما قال عمر رضي الله عنه: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فأنت لا تستطيع أن تصل كل رحم وهم ألف نسمة أو أكثر، لكن الأقرب فالأقرب، الابن قبل ابن الابن، والبنت قبل بنت البنت، والأخ قبل ابن الأخ.. وهكذا في حدود طاقتك وما تتسع له. وَآتَى الْمَالَ [البقرة:177] أعطاه، يحمله بيده ويضعه في يد الآخر.وقوله تعالى: وَالْيَتَامَى [البقرة:177] الذين فقدوا الآباء قبل بلوغهم واستكمال حياتهم، فهؤلاء اليتامى من يقيتهم؟ من يعيشهم؟ لا بد من مؤمنين صادقين ينفقون عليهم.وقوله تعالى: وَالْمَسَاكِينَ [البقرة:177] جمع مسكين، من أسكنته الحاجة وأذلته وقعدت به، فمن لهذا المسكين؟ المؤمنون الصادقون في إيمانهم ذوو البر والتقوى هم الذين ينفقون. وَابْنَ السَّبِيلِ [البقرة:177] وهل السبيل تلد؟ ما السبيل يا هذا؟ هي الطريق، فالسبيل لا تلد ولداً ورجلاً، لا، ولكن الذي جاء معها ودخل بلادنا ولا يعرف فيها أحداً هو ابن السبيل، لا تعرف أباه ولا أمه فتقول: هذا ابن عثمان ولا ابن زيد، هذا ابن السبيل، فهذا إذا نزل بالقرية كما في الزمن الأول لا فندق ولا مطعم، فمن له؟ وإن كان من أغنى الأغنياء في دياره، لكن انقطع، جاء على راحلته أو على رجليه بينه وبين بلاده آلاف الأميال وإن كان غنياً، فماذا يصنع؟ فالمؤمنون الصادقون هم الذين ينفقون عليه حتى يعود. وَالسَّائِلِينَ [البقرة:177] أي: وينفقون على السائلين الذين تدفعهم الحاجة إلى أن يقولوا: يا فلان! سد حاجتي، جعت.

معنى قوله تعالى: (وفي الرقاب)

قال تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] أيضاً، ما معنى: في الرقاب؟ الرقبة هي الجزء المعروف من البدن، ما بين الرأس والجسد، والمراد من الرقاب: المملوكون، المملوك يملك من رقبته أم لا؟ من أين يجر؟ يؤخذ من رقبته، إذاً: هذا المملوك ينتظر من يحرره؟ من يعتقه؟ متى؟ ما يستطيع، فيتفضل المؤمنون المتقون أولياء الله فيشترونه: فيقولون: أنت حر في سبيل الله فاعبد ربك، يتملقون إلى الجبار ويتزلفونه بتحرير عبيده، فهم استُعبدوا بما أذن الله به، ولكن يمتحن الله أولياءه بعتق هؤلاء وتحريرهم. فهذه مشاريع وأبواب الإنفاق: أولاً: (ذوو القربى)، ثانياً: (اليتامى)، ثالثاً: (المساكين)، رابعاً: (ابن السبيل)، خامساً: (السائلون)، سادساً: (في الرقاب)، أي بيان أعظم من هذا البيان؟ بيان من هذا؟ هذا بيان الله، فلهذا أمة حرمت القرآن أمة ضلت وهلكت.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم 08-10-2020, 06:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (وأقام الصلاة)

قال تعالى: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177] هذا الذي هو بحق مؤمن بار من ذوي البر، آمن بالله وباليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر، كما في آية سورة القمر: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، الآية الوحيدة، وبينته السنة في صحيح مسلم وغيره من حديث جبريل عليه السلام.ثم بعد هذا بين وجوه الإنفاق بالمال الذي يحبه، أما إذا كان يكره المال وما له فيه حاجة فما يكون هذا مظهراً من المظاهر كما لهذا الفحل، لكن ما حاجته إليه؟ورد في السنة النبوية أن أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت قوي شحيح، أما إذا مرضت وتخاف الموت فالصدقة هينة، أو كنت سخياً طبعت على السخاء تنفق الليل والنهار، لكن أعظم الصدقة أجراً ومثوبة وأنت قوي شحيح تحب الدنيا والمال. وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]، هل عرفتم إقام الصلاة، ما قال: وصلى، كلا، قال: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]، وورد: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، فرق بين (صلى) وبين (أقام الصلاة)، فذاك صلى صلاة لا تنتج له الطاقة النورانية، لا تولِّد له الحسنات، أيما صلاة لا تستوفي شرائطها وأركانها وسننها وواجباتها فهذه عملية فاشلة، ما تولد النور، وقد علمنا -زادنا الله علماً- أنه لا عبادة أكثر توليداً للحسنات من الصلاة، شاهد هذا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فما من مؤمن يقيم الصلاة إلا وينتهي انتهاء كلياً عن القول أو الفعل الفاحش أو الفعل الباطل والمنكر، وكل من ترك الصلاة فهو عرضة لغشيان الذنوب والآثام، وكل من صلى ولم يقم الصلاة لا يسلم من السقوط في الجرائم والموبقات.وهنا كلمة رددناها مئات المرات ولكن ما استجاب أحد، حيث قلت: إذا كنتم تريدون أن تتأكدوا فاذهبوا إلى محافظ المدينة أي مدينة، وقولوا: يا سيد! أعطنا قائمة بالمجرمين في هذا الشهر، وهم كثيرون، هذا سرق.. هذا كذب.. هذا عق أباه.. هذا سب فلاناً، فأقول: أنا أقسم بالله! لن تجدوا نسبة أكثر من خمسة في المائة من المقيمين الصلاة وخمسة وتسعون من تاركي الصلاة ومن المصلين، وأحياناً أقول: اذبحوني إذا ما صدقت، وفي أي بلد في العالم الإسلامي.فالذي يناجي ربه في الليل والنهار لا يفارق محاربه هل هذا ينغمس في المعاصي والذنوب والآثام؟ ما يستطيع، النور يمنعه، أما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فكل المخالفات نتيجة ترك الصلاة أو التهاون بها وعدم إقامتها.والآن أسألكم: لم يقول تعالى: وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]ولم يقل: صلى؟لأن هذه عبادة إذا أديت على ما وضعها الله عليه تنتج النور للقلب، فإذا امتلأ القلب نوراً فاض على سمعه فلا يسمع باطلاً، فاض على لسانه فلا ينطق بسوء، فاض على عينيه فلا ينظر حراماً، غطاه النور، والذي يعيش في الظلمة أما يقع في الهاوية؟

معنى قوله تعالى: (وآتى الزكاة)

ثم قال تعالى: وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] فضلاً عن الإنفاق العام في تلك الطرق الستة قال: (وآتى الزكاة)، فيعترف بها أنها قاعدة الإسلام، وآتاها وأعطاها أهلها، وما سميت الزكاة زكاة إلا لأنها تزكي النفس وتطهرها وتزكي المال وتنميه بإذن الله أيضاً، إذا أديت إيماناً واحتساباً وعلى الوجه الذي بين الله عز وجل بلا زيادة ولا نقصان فهذه من شأنها أن تزكي النفس البشرية وتطهرها كالصلاة، لكنها دون الصلاة، الصلاة كل يوم والزكاة في العام مرة.

معنى قوله تعالى: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)

قال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177] هذه لا تظنوها سهلة، والموفي من: أوفى، عاهد وأوفى، وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177] إذا عاهدوا الله أولاً أو عاهدوا رسوله أو عاهدوا إخوانهم أو عاهدوا من عاهدوا لا ينقضون العهد، ولو يترتب عليه هلاكهم أو ضياع مالهم. ومن لم يوف فهو مريض بالنفاق، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعطى رجاله أمارة، وما كان عندهم شرطة ولا مخابرات ولا أمن، كل مؤمن شرطي وخبير بالمخابرات وحام وحارس للبلاد والعباد، ولماذا نعمل نحن الآن المخابرات والشرط؟ لأننا هبطنا، فكل مؤمن يجب أن يكون في القرية حارساً أميناً يرعى الحق والفضيلة، وكم كان للرسول من شرطي؟ فكل مؤمن شرطي، أتمر بجريمة وتسكت؟ أتمر بفساد أو شر وتسكت؟ غيِّره فأنت المسئول، لكن قلدنا الغرب من جهة؛ لأن الغرب كفار لا يخافون الله، إذا جاع أكل أمه، لكن المؤمن إذا جاع يحتسب جوعته لله، ما يأكل مال أخيه، لكن لما هبطنا وأصبحنا لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر، بل نتآمر ونكون عصابات للشر، إذاً: لا بد من الشرطة والمخابرات والآلات، فاللهم سلم سلم، أو تريدون أن نقول لكم: اتركوا هذا؟ أسلموا يوماً واحداً فقط، هيا نسلم، والله! لتبيتن أبوابكم مفتوحة، أما وقد أعرضنا وما أسلمنا لله شيئاً فكيف إذاً يتحقق الأمن؟ هل لكوننا كنا مؤمنين؟يقول صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، إذا ضبطتم الرجل في القرية هكذا فألقوا القبض عليه فإنه منافق، ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)، والعياذ بالله.

الحاجة إلى التربية المسجدية لإصلاح أخلاق المسلمين

تدخل المحاكم في العالم الإسلامي فتتجلى في الخصومات أنواع الفجور، والخروج عن الآداب واللياقة والعقل والمعروف، ما علة هذا؟والله! لا علة إلا الجهل، قد يقال: كيف تقول: الجهل، والكليات والجامعات والمدارس من موريتانيا إلى إندونيسيا، أي جهل هذا الذي تعني؟ تريد منا أن نجعل في كل بيت مدرسة؟فأقول: الجهل بالله جل جلاله وعظم سلطانه، الجهل بمحابه تعالى ومكارهه، الجهل بما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، وهذه شريعته كائنة ما كانت، فالذي ما عرف الله بأسمائه وصفاته فما أحبه ولا خافه، فمثل هذا تأمنه؟ يفجر ويأكل ويسخط.إذاً: هيا نتعلم، وما الطريق؟ سوف أموت وتبقى هذه الكلمة مسجلة ولم تطبق، لم؟ أمة هبطت، كيف نطهر قلوبنا ونزكي أرواحنا؟ كيف نبعد ظلمة الجهل عن نفوسنا؟ المدارس كثيرة ووسائل التعليم لا حد لها ولكن ما نفعت؛ لأننا ما طلبنا العلم لله، ما وضعنا وسائله لله.الطريق الوحيد -اللهم اشهد- أن نراجع تاريخ الحبيب صلى الله عليه وسلم، وحينئذ نجد أنفسنا كما كان رسول الله وأصحابه.إذا مالت الشمس للغروب في الساعة السادسة وقف دولاب العمل، الفلاح يرمي بالمسحاة ويوقف العمل، والتاجر يغلق باب المتجر، والعامل، حتى الكناس يلقي المكنسة، أهل البيت يحملون أطفالهم ويخرجون إلى بيت ربهم، ما إن يؤذن المغرب إلا وأهل القرية كلهم في المسجد، ما بقي أحد خارج المسجد إلا مريض أو من في حكم المريض، أهل الحي من المدينة ذات الأحياء إذا أذن المغرب لا يبقي من هو خارج المسجد، كلهم في بيت ربهم، النساء وراء ستارة ومكبرات الصوت تبلغهن الكلام، والأطفال صفوف كأنهم ملائكة دون النساء، والفحول مثلكم أمامهم، ويجلس لهم مرب يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وذلك كل ليلة، فليلة آية وأخرى حديثاً، وهم ينمون ويرتقون ويتعلمون ويعملون، وبعد سنة فقط لن تعثر على معصية في تلك القرية، فلم يبق شح ولا بخل ولا حسد ولا رياء ولا كبر ولا نفاق ولا زناً ولا سرقة ولا خلف العهد ولا كذب، كل ذلك يزول؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والكتاب والسنة يزكيان النفس ويطهرانها، سنة الله تعالى لن تتخلف أبداً، ومن مرض أو اشتد مرضه فليرحل ولا يقيم في الحي ولا في القرية، فلان رحل وما أطاق أن يعيش على نور الله، هذا هو الذي يزول به الجهل، لا المدارس والمكاتب والكليات، هذا هو الطريق، والمدارس افتحوها وتعلموا أنواع الصناعات فيها وتفوقوا، ما عندنا مانع، افتحوها ليتخرج علماء الكتاب والسنة والشريعة، أما التعليم الرباني الروحي المزكي للنفس الذي تظهر نتائجه في أول ساعة فهو في بيوت الله عز وجل، بـ(قال الله قال رسوله)، فتنتهي الفرقة والمذهبية نهائياً، أهل بيت الله يتعلمون كتاب الله وسنة رسول الله، لا إباضي ولا زيدي ولا رافضي، ولا مذهبي، هم مسلمون، والذي ما يطيق هذا النور فهو كالشيطان فليرحل، والله! ما يبقى في القرية أبداً ولا يبقى في الحي، يذهب إلى من هم على صفاته، فهذا هو الطريق.ولا غير هذا أبداً، وقلنا لهم: جربوا، ونحن سنزورهم، والله! لو أن أهل قرية التزموا بهذا المبدأ المحمدي وعاشوا سنة لذهبنا إلى دارهم لنشاهد كمالاتهم، ولكن ما وجدنا، كم مرة ونحن نعيد هذا الكلام، فأين العلماء؟ أين الأمراء؟ أين الأذكياء؟ أين الأغنياء؟ أين البصراء؟ خيم علينا ظلام المستقبل، فلا إله إلا الله!

معنى قوله تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس)

قال تعالى: وَالصَّابِرِينَ [البقرة:177] أيضاً فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة:177]، هؤلاء أصحاب البر الحق، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ [البقرة:177]، والبأساء:حالة البؤس، قد تكون فقراً، والضراء: حالة الضرس، مرض أو غيره من آلام، لا يتتعتعون ولا يتزعزعون، فقير ما يشكو فقره إلا إلى الله، مريض لا يفارقه قول: الحمد لله .. الحمد لله، هذا الصبر لن يتم إلا لأصحاب العقائد التي مرت بنا، فهم الصابرون بحق في حال البأساء وحال الضراء. وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177] أي: وقت الحرب والشدة، البأس هنا القتال، إذا اندفعت كتائب الله تجاهد لا يتزعزعون والموت يتخطفهم، أولئك العالون السامون أين هم؟ في الملكوت الأعلى.

معنى قوله تعالى: (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)

أُوْلَئِكَ [البقرة:177] أشار إليهم بلام البعد، أولئك الذين صدقوا في أنهم مؤمنون، وادعوا الإيمان وقالوا: نحن مؤمنون، هؤلاء هم الذين صدقوا، ومن لم يكن على نهجهم وعلى التجمل بصفاتهم فما هو بصادق، ما صدق في دعواه الإيمان وأنه من أهل البر والتقوى. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] هؤلاء هم المتقون لسخط الله وغضبه وعذابه ونقمه، هؤلاء هم المتقون لغضب الله فلا يغضب عليهم، ولسخطه فلا يسخط عليهم، ولعذاب الله فلا يعذبهم، لا يخزيهم ولا يذلهم لا في دنياهم ولا في أخراهم، لما هم عليه من هذه المناعة الكاملة: إيمان وعمل صالح، فاللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية الكريمة

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:في الآيات الثلاث السابقة لهذه الآية ندد الله تبارك وتعالى بأحبار أهل الكتاب وذكر ما توعدهم به من غضبه وأليم عقابه يوم القيامة، كما تضمن ذلك تخويف علماء الإسلام من أن يكتموا العلم على الناس طلباً لحظوظ الدنيا الفانية.وفي هذه الآية رد الله تعالى على أهل الكتاب أيضاً تبجحهم بالقبلة، وادعاءهم الإيمان والكمال فيه؛ لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بيت المقدس بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق؛ إذ الأولى قبلة اليهود والثانية قبلة النصارى، فقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ [البقرة:177] كل البر أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177]، وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات.بين تعالى لهم البار الحق في دعوى الإيمان والإسلام والإحسان فقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ [البقرة:177] أي: ذا البر أو البار بحق هو مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:177]، وذكر أركان الإيمان إلا السادس منها: القضاء والقدر، وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] وهما من أعظم أركان الإسلام، وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنه به على ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهو ينفق ماله على من لا يرجو منه جزاء ولا مدحاً ولا ثناء؛ كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسرى، وَأَقَامَ الصَّلاةَ [البقرة:177]] أي: [ أدامها على الوجه الأكمل في أدائها، وَآتَى الزَّكَاةَ [البقرة:177] المستحقين لها، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد الإسلام، وذكر من صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال، فقال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177]، وهذا هو مبدأ الإحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته.ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الإيمان والإسلام، وهم المتقون بحق غضب الله وأليم عذابه، جعلنا الله منهم، فقال تعالى مشيراً لهم بلام البعد وكاف الخطاب لبعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] ]. هذا معنى الآية.

هداية الآية الكريمة

ومن هدايتها: قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية الكريمة:أولاً: الاكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض لا يعتبر صاحبه مؤمناً ولا ناجياً ]، فالذي يكتفي ببعض العبادات أو بعض التكاليف عن الأخرى ما آمن ولا هو بناج.[ ثانياً: أركان الإيمان هي المذكورة في هذه الآية، والمراد بالكتاب في الآية: الكتب.ثالثاً: بيان وجوه الإنفاق المرجو ثوابه يوم القيامة، وهو ذوو القربى... إلخ ] إلى آخر ما ذكر تعالى.[ رابعاً: بيان عظم شأن الصلاة والزكاة ]، ولو أن أهل إقليم أقاموا الصلاة فقط فوالله! لانتفت مظاهر الباطل كلها، ما بقي شيء اسمه جريمة، تقام الصلاة فقط، فإذا تركت الصلاة أو أهملت الصلاة تجلى الفسق والظلم والفجور في أعظم صوره.وقد استقل العالم الإسلامي من بريطانيا وفرنسا ومن إيطاليا، وما استطاعت دولة أن تأمر بالصلاة، فأنا في حيرة من هذا، فمن إندونيسيا إلى بريطانيا تستقل الحكومة عن الحكومة الغاصبة والمستعمرة ولا يصدر أمر بإقام الصلاة، ما السر في هذا؟العدو عرف قبل أن نعرف، فمن ثم نزع هذا من قلوب من ولاهم وسلطهم، عرفوا لو أن الصلاة أقيمت فإنه ينتهي الفقر والبلاء والذل والهون والجرائم كلها، تمسح مسحاً كاملاً إذا أقيمت الصلاة، لم؟أما قال الله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]؟ فالكذب والخيانة وخلف الوعد كل هذه المصائب من ترك الصلاة وعدم إقامتها.[ خامساً: وجوب الوفاء بالعهود.سادساً: وجوب الصبر وخاصة عند القتال ]؛ لقوله تعالى: وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177]. [ سابعاً: التقوى هي ملاك الأمر والغاية التي ما بعدها غاية للعاملين ].وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم 08-10-2020, 06:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,563
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (116)
الحلقة (123)



تفسير سورة البقرة (81)


كان بعض قبائل العرب يتعاملون مع قضايا القتل والثأر بنوع من التميز، ويتخذون لأنفسهم مقاماً أعلى من مقام الناس، ظناً منهم أن ذلك يجوز لهم، فإن قُتل لهم امرأة قتلوا بها رجلاً ممن سواهم، وإن قُتل لهم عبد قتلوا به حراً من غيرهم، فجاء الإسلام مبطلاً لذلك، ومبيناً لهم ضوابط الاقتصاص والأخذ بحق الدم، فلا يقتل بالعبد حر ولا عبدان، ولا بالرجل رجلان، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان، لكن من قتل إنساناً قتل به، إلا أن يتنازل أولياء الدم إلى الدية أو العفو فلهم ذلك.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله جل جلاله وعظم سلطانه.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات من سورة البقرة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:178-179].معاشر المستمعين والمستمعات! أذكركم بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، كما أذكركم بفضيلة أخرى هي لكم بإذن الله، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).وهذه الآيات سبقت لنا دراستها في نداءات الرحمن؛ لأنها إحدى النداءات الإلهية، ولا بأس بتكرارها؛ إذ الشيء إذا تكرر تقرر، بهذا قال أهل العلم، فهيا إلى شرح هذه المفردات المباركة.

شرح الكلمات
قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة:178]، من الذي كتب؟ الله جل جلاله، وهذا الكتب بمعنى الفرض، وكتب في أي كتاب؟ في القرآن وكتاب المقادير اللوح المحفوظ، إذ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ، واذكروا قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]، ونزل في ليلة القدر، واستمر نزوله ثلاثاً وعشرين سنة.

وسطية الأمة في استيفاء الولي حق دم وليه

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ شرح الكلمات: كتب: فرض، والقصاص: إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف ]، أما إذا رضي ولي الدم بالدية أو بالعفو فلا قصاص، وقد عرفتم فضيلة هذه الأمة؛ إذ كان القصاص فرضاً على بني إسرائيل ولا دية ولا عفو، لو قال ولي المقتول: آخذ دية، لم يقبل الحاكم بذلك، ولو قال: نعفو لوجه الله، لم يقبل الحاكم بذلك؛ وذلك لحكمة علمتموها: أن القوم قست قلوبهم وتمردوا على شرع الله وفسقوا عن أوامره، فلما عتوا أغلظ الله الحكم عليهم تأديباً وتربية.وأما النصارى من عهد عيسى عليه السلام فقد استقلوا أيضاً بديانتهم، فرض الله تعالى عليهم العفو، فلا قصاص ولا دية، من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر.وهذه الأمة أمة الوسط، وهي -في الحقيقة- البشرية اليوم كلها، وإنما من أجاب أصبح من أمة الإجابة، ومن أعرض أصبح من أمة الكفر والعياذ بالله، والكل نزل القرآن لهم، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ولهم.قال: [ في القتلى: الفاء سببية، أي: بسبب القتل ]، فقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178] أي: بسببه.[ والقتلى: جمع قتيل ]، قتيل وقتلى كمريض ومرضى. [ وهو الذي أزهقت روحه فمات بأي آلة ] كان القتل، بحصاة أو بعصا، بسيف أو برمح، الكل واحد.

قتل العبد بالعبد وبيان تشوف الإسلام إلى تحرير الرقيق

[ الحر ] في قوله تعالى: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178] [ خلاف العبد ]، وهو كذلك، [ والعبد هو: الرقيق المملوك ].كلنا عبيد الله، ولكن فيما تعارفت عليه البشرية أن العبد من مُلِك وتُصرِف فيه، ولملكه عوامل وأسباب أظهرها: أن الحرب إذا أعلنت وانتصر فريق على آخر فسبيهم من الذراري والنساء والأطفال يسترقون، فإذا ما استرقوا ووزعوا على المجاهدين أو المقاتلين يصبح كل واحد مالكاً لعدد من أولئك العبيد، جاء الإسلام والحال هكذا في العالم بأسره، فلم يشأ الله أن يبطله رأساً وفوراً؛ لما في ذلك من تبعات ومسئوليات وقضايا قد لا يتمكن ولاة المسلمين من تنفيذها، لكنه عمل على تحرير الأرقاء.واذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة حين يصبح كان له عدل عشر رقاب )، ففيه الترغيب بتحرير العباد المسترقين.واذكر لذلك: أن من حلف بالله لا أعطيك، أو بالله لأعطينك وحنث فعليه كفارة، بم يكفِّر هذا الذنب الذي علق بنفسه؟ وسبب الذنب هو أنه نسي أو غفل عن أنه لا يملك أن يعطي ولا يأخذ، أنفاسه مملوكة لله، فمن أين لك القدرة على أن تفعل أو لا تفعل، أتملك ذلك أنت؟ المفروض أن تقول: إن شاء الله، أو: إلا أن يشاء الله، فإذا ما قلت هذا وتجاهلت وقلت: والله! لأفعلن، ثم عجزت تعلق بك إثم لا يمحى ولا يزول أثره إلا بما حدد الشارع وعين، إذاً: فمن حنث فليكفِّر أولاً بعتق رقبة، فإن لم يجد فبإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذه دعوة إلى تحرير العبيد أم لا؟ومن ظاهر من امرأته وقال: أنت عليَّ كأمي أو كأختي، فعليه كفارة، لم؟ لأنه كذب، لأنه حرم ما أحل الله، كيف تكون كأمك أو كأختك؟ فتعلق به إثم عظيم، بم يزول هذا الإثم؟ هل بالتوبة؟ لا تكفي التوبة هنا، شاء الله أن يكون المزيل لهذا الأثر هو أن تعتق رقبة وتحررها لتعبد الله عز وجل، فإن عجزت فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت فإطعام ستين مسكيناً، هذا من عوامل تحرير العبيد أم لا؟والشاهد عندنا في اصطفاء الله لهذه الأمة وتفضيله لها على غيرها من الأمم، ومن ذلك هذه التي نعالجها وهي القصاص، فالحر بخلاف العبد، والعبد هو الرقيق المملوك.

حكم قتل المسلم بالكافر

وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178]، هناك لطيفة في كلمة: (من أخيه)، هل هو أخوه ابن أبيه أو ابن أمه؟ هذه أخوة الإسلام، والسر فيها: أن الكافر لا يقتل بالمؤمن، ليس الكافر بأخينا حتى إذا قتلناه نُقتل بسببه، وهذا الذي عليه جماهير العلماء والأئمة من الصحابة والتابعين؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون تتكافؤ دمائهم )، ثم قال: ( ولا يقتل مسلم بكافر )، لو قتل مسلم كافراً من أي جنس فهل يقتل هذا المسلم؟الجواب: لا؛ لأن دمه لا يتكافأ مع دم المؤمن، والسر وراء ذلك: هو أن هذا المسلم لما أبقي على حياته يبقى يذكر الله ويشكره، والذكر والشكر سر الحياة كلها ووجودها، فإذا قتلناه عطلنا هذا الخير، وحرمناه منه، وعطلنا الملائكة الذين كانوا يكتبون؛ فلهذا من الحكمة أن المسلم لا يقتل بكافر: ( لا يقتل المسلم بكافر )، ما السر في هذا؟الكافر لو قُتل أو ترك هل يعبد الله؟ هل يذكر الله ويشكره؟ لولا رحمة الله والرجاء أن يسلم لم يكن له حق أن يأكل ولا يشرب ولا يتنفس الهواء، لولا رجاء أن يسلم ويعبد الله لم يكن له حق في الحياة، إذ خلق الله كل شيء من أجلنا وخلقنا نحن من أجل أن نعبده، وكثيراً ما تترد هذه الجملة، لو سئلنا عن سر الحياة وعلة الوجود ما هي؟ فإنا نقول: ذكر الله وشكره، أراد الله أن يذكر ويشكر فأوجد هذا الكون وأوجد هذه البشرية، فمن عطل ذكر الله وشكر الله فكفر بالله ونسيه لا حق له في الحياة، فلم يأكل ويشرب؟ وهل هناك سر غير هذا؟ والله! لا وجود له فيما نعلم.فمن هنا هذه اللطيفة في الآية: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] أي: في الإسلام والإيمان، أما إذا كان ليس بأخ فلا قصاص.

الواجب على الولي والقاتل حال العدول عن القصاص

قال: [ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] فمن تنازل له ولي الدم عن القود إلى الدية أو العفو ].ما معنى: ولي الدم؟ إذا قلت لأخيك: أنت ولي الدم، قتل عمك فأنت ولي الدم.قال: [ فمن تنازل له ولي الدم عن القود ] وقال: لا أقتادك إلى المجزرة حيث القصاص، تنازل عن القود إلى الدية أو العفو، عفونا عنك، اعبد الله والأجر لنا ولك، أو: قال: أعطونا المبلغ الذي أعطانا الله. [ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:178]: فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف ]، أي: [ بالرفق واللين ].[ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة:178]: وأن يكون أداء الدية بإحسان خالياً من المماطلة والنقص ] وما إلى ذلك، فهذه تعاليم ربانية، هذا هو الأدب الإلهي، الله يؤدب عباده في هذا الكتاب وعلى لسان من أنزل عليه هذا الكتاب. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ [البقرة:178] المؤمن شَيْءٌ [البقرة:178] تنازل عن القصاص عن القود ورضي بالدية، فيا من وجبت عليك الدية! تأدب عند أدائها لا تماطل ولا تنتقص منها لا تأتي بأشياء غير سليمة كالإبل يأتي ببعض الأبعرة المريضة أو لا تساوي شيئاً، وأنت أيها المطالب بالدية وقد عفوت ورضيت بالدية أيضاً اطلبها بالتي هي أحسن، لا تعنف وتؤذي هذا المؤمن وقد عفوت عنه، هذه الآداب أين توجد في غير القرآن العظيم؟ والمسلمون عنه معرضون. [ ذَلِكَ [البقرة:178] ] أي: ما سمعتم من الأحكام [ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:178] أي: ذلك الحكم العادل الرحيم وهو جواز أخذ الدية بدلاً من القصاص تخفيف عنكم من ربكم؛ إذ كان في شرع من قبلكم القصاص فقط أو الدية فقط، وأنتم مخبرون بين العفو والدية والقصاص ].أي توسيع أعظم من هذا؟ فقولوا: الحمد لله، الحمد لله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 274.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 268.02 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]