الصحابة وحفظ السنة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849962 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386164 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-02-2019, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الصحابة وحفظ السنة

الصحابة وحفظ السنة


د. سامية منيسي


إن الذين يطلبون العلم، ويرحلون من مكان لآخر في طلب الحديث وغيره من علوم الشريعة، كانت لهم مكانة كبيرة عند الله تعالى، وفضيلةٌ ذكرها الله تعالى في قرآنه الكريم، قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُو ا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

وفي شأن هذه الآية الكريمة، ورد حديث صحيح إسناده صحيح أورده البغدادي في شرف أصحاب الحديث قال عن أحمد بن حنبل أنه سمع عبد الرزاق يقول في قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُو ا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، قال: (هم أصحاب الحديث)[1].

هذا، وحُجة صاحب الحديث حجة قوية حتى أن الفقيه لا يستطيع أن يفتي في الفقه إلا إذا كان صاحب حديث بعد معرفته بالقرآن الكريم وأحكامه. فقد ورد عند النيسابوري قال: سمعت المزي يقول: سمعت الشافعي يقول: (من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر إلى الفقه نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حُجّته)[2].

كما ذكر عن أبي عروبة الحراني أنه قال: (الفقيه إذا لم يكن صاحب حديث يكون أعوج)[3].

أما عن ثواب حفّاظ ورواته فقد ورد في شأنهم عدة أحاديث منها ما رواه طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدّى حديثًا إلى أمتي لتقام به سُنة أو تلثم به بدعة، فله الجنّة))[4].

وفي هذا المضمار أيضًا يقول ابن قيم الجوزية في (أعلام الموقعين عن رب العالمين)[5]: (... فإن أولى ما يتنافس به المتنافسون، وأحرى ما يتسابق في حلبة سباقه المتسابقون، ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلا، وعلى طريق هذه السعادة دليلا، وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسببهما، فمن رزقهما فقد فاز وغنم ، ومن حرمهما فالخير كله حُرم... ولما كان العلم للعمل قرينًا وشافعًا، وشرفه لشرف معلوقه تابعًا، كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد، وأنفعها على أحكام أفعال العبيد ، ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين، وتلقى هذين العلمين، إلا من مشكاة من قامت الأدلة القاطعة على عصمته وصرّحت الكتب السماوية بوجوب طاعته ومتابعته، وهو الصادق المصدّق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى). ثم أشار ابن قيم الجوزية إلى نوعين من التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(ولما كان التلقي عنه صلى الله عليه وسلم على نوعين: نوع بوساطة ونوع بغير وساطة وكان التلقي بلا وساطة حظ أصحابه الذين حازوا قصبات السباق، واستولوا على الأمد؛ فلا طمع لأحد من الأُمة بعدهم في اللحاق، لكن المبرز من اتبع صراطهم المستقيم، واقتفى منهجهم القويم.. تالله لقد وردوا رأس الماء من عين الحياة عذبًا صافياً زلالاً، وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالا، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقُرى بالجهاد بالسيف والسنان وألقوا إلى التابعين من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا وكان سندهم فيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا.. فجرى التابعون لهم بإحسان على منهجهم القويم واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم، ثم سلك تابعوا التابعين هذا المسلك الرشيد...).

ثم أشار ابن قيم الجوزية إلى أن العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم منحصرين في قسمين: حفَّاظ الحديث، وفقهاء الإسلام.

أما عن حُفَّاظ الحديث فقد قال عنهم[6]: (ولما كانت الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله شعار حزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، وكان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه، وكان العلماء من أئمته منحصرين في قسمين: أحدهما: حفَّاظ الحديث، وجهابذته، والقادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام الذين حفظوا على الأئمة مقاعد الدين ومعاوله، وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله...).

ومهما يكن من أمر فإن لأصحاب الحديث مكانة كبيرة عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى، فهم الذين حفظوا السُّنَّة من أن تضيع، بل حفظوها حتى دُوِّنت فيما بعد على يد أصحاب الكتب الستة... وغيرهم.

وكان الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يرجعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر في تفسير أحكام القرآن الكريم، والحكم في المنازعات ويحل بينهم الخصومات ملتزمين في ذلك حدود أمره ونهيه ويتبعونه في أعماله وعباداته ومعاملاته - إلا ما اختصّ به صلى الله عليه وسلم بأمر من الله تعالى -فيأخذون أحكام الصلاة والصيام، ومناسك الحج وغير ذلك من الأمور اقتداءً به صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم)). وقد بلغ من اقتدائهم به صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سببًا أو يسألوه عن علته وحكمته[7]، كذلك بلغ من امتثالهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوا ذلك حتى في شؤون الدنيا[8].

لذلك لم يكن الصحابة يراجعون الهادي البشير صلى الله عليه وسلم في أمر إلا إذا كان فِعْله أو قوله اجتهادًا منه في أمر دنيوي؛ كما حدث في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان نزول المسلمين، أو اجتهادًا في بحث ديني قبل أن يقرره الله جل وعلا، أو ينهى عنه، كما راجعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أسرى بدر ، وصلح الحديبية، أو أن يكون أمرًا غير مألوف لهم غريبًا عن عقولهم فيناقشونه لمعرفه الحكمة فقط. وما عدا ذلك كانوا يسلمون تسليمًا مطلقًا لأوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم.

وكما وجب على صحابة الهادي البشير صلى الله عليه وسلم بأمر الله في القرآن الكريم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ، وجب عليهم وعلى من يأتي بعدهم من المسلمين اتباع سنته بعد وفاته، منها ما أخرجه الحاكم وابن عبد البر عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتم بهما، كتاب الله وسنتي))[9].

هذا، وقد كان الهادي البشير يعيش بين أصحابه بلا حجاب أو حواجز، فقد كان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت، ويخالطهم في السفر والحضر.

وكانت أفعال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم وأقواله محل عنايتهم وتقديرهم، فكانوا يحرصون على حضور مجالسه، ولا يفوتهم منها شيئًا حتى بلغ من حرصهم على ذلك أن كان بعضهم يتناوب مع البعض الآخر ملازمة مجلسه يومًا بعد يوم، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسند عند البخاري أنه قال: (كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك)... ولهذا كانت القبائل النائية عن المدينة تُرسل إليه صلى الله عليه وسلم بعض أفرادها ليتعلموا أحكام الإسلام من الهادي البشير صلى الله عليه وسلم ثم يرجعون إليهم معلمين ومرشدين. بل لقد كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل الهادي البشير صلى الله عليه وسلم عن حكم شرعي ليتحقق من الحلال والحرام في موقف ما ثم يعود لا يلوى على شيء؛ مثل حكم الرضاع وغيره من الأحكام مما استدعى التفريق بينه وبين زوجه[10].

هذا، وقد كان من عادة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أن يسألوا أمهات المؤمنين أزواج الهادي البشير صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بشئون الزوج مع زوجته، وذلك لأنهن يعلمن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصة؛ مثل أن يرسل صحابي امرأته لتسأل أم سلمة رضى الله عنها عن حكم تقبيل الصائم لزوجته.

كذلك كانت الصحابيات يذهبن إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليسألن الهادي البشير عن أمورهن الخاصة، فإذا كان هنالك ما يستحى منه النبي صلى الله عليه وسلم من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي، أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه، مثل (كيفية الطهارة من الحيض) حتى أفهمتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالتفصيل ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم[11].

غير أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا على مستوى واحد من العلم بأحوال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، نظرًا لاختلاف ظروفهم، فمنهم الحضري والبدوي والتاجر والصانع، والمنقطع للعبادة، والمقيم بالمدينة والمكثر من الغياب عنها. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس للتعلّم مجلسًا عامًا يجتمع إليه فيه الصحابة كلهم إلا نادرًا، وإلا أيام الجمع والعيدين في بعض الأحيان.

وعن هذا الموقف أخرج البخاري في صحيحه عن ابن مسعود أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة تلو الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا).

وهنا يقول مسروق: لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ (أي: الغدير) فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم.

ومن الطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علمًا بسنة الهادي البشير صلى الله عليه وسلم، هم الذين كانوا أسبقهم إسلامًا كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، أو أكثرهم ملازمة له وكتابة عنه كأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص[12]، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وعدد كبير من الصحابة والصحابيات الذين شهدوا معه صدر الدعوة الإسلامية وبناء أمة الإسلام والهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة، وغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وغير ذلك[13].

هذا، ومن المعروف أن السنة لم تُدوَّن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا من اختلاطها بالقرآن الكريم، لذا كان القرآن الكريم يلقى عناية الهادي البشير صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء، فكان محفوظًا في صدور الصحابة ومكتوبًا في الرقاع والسعف والحجارة وغيرها، حتى إذا توفي الهادي البشير صلى الله عليه وسلم كان القرآن الكريم محفوظًا مرتبا لا ينقصه شيء سوى جمعه في مصحف واحد. أما السنة فلم تدوَّن لما سبق أن ذكرناه خوفًا من اختلاطها بالقرآن الكريم، بالإضافة إلى أن الهادي البشير صلى الله عليه وسلم عاش بين صحابته أكثر من ثلاث وعشرين سنة فكان تدوين السنة في الصحف أو الرقاع يعتبر أمرًا صعبًا، لأن ذلك يحتاج إلى تفرّغ عدد كبير من الصحابة، وكان الكُتَّاب في عهد الهادي البشير صلى الله عليه وسلم قليلي العدد بحيث يعدّون بالأصابع، فتوافروا على كتابة القرآن الكريم حيث إنه المصدر الأساسي الأول للتشريع والمعجزة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم أباح كتابه السُّنَّة في الحالات التي لا يخشى فيها اختلاطها بالقرآن الكريم[14].

كما أن العرب نظرًا لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يريدون حفظه واستظهاره، فكانوا يتسابقون على حفظ القرآن الكريم مع نزوله منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم على آيات وسور صغيرة، وكان ميسورًا لهم وداعيا إلى استذكاره والاحتفاظ به في صدورهم، فلو دوّنت السنة كما دوّن القرآن الكريم، والتي تشمل أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم التشريعية وأقواله عند بدء رسالته حتى صعدت روحه إلى الرفيق الأعلى للزم إكبابهم على حفظ السنة مع حفظ القرآن الكريم مما يدعو إلى الحرج لهم.

بالإضافة إلى الخوف من اختلاط بعض أقوال الهادي البشير الموجزة الحكيمة - وقد أوتى صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم - الخوف من اختلاطها بالقرآن الكريم سهوًا وبغير عمد، مما يفتح مجال الشك لأعداء الإسلام فيتخذونه ثغرة ينفذ منها إلى المسلمين والإسلام ليحملوا المسلمين على التحلل من أحكامه، ولذا نفهم سرّ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابه السنة؛ فقد روى عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)) أخرجه مسلم[15]، وتقول د. عزية علي طه في رسالتها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على أمته من التشتت والتفرق نظرًا لأن أناجيل النصارى اختلط فيها كلام الله بأقوال البشر[16].

إلا أنه كان يُكتب في عهد الهادي البشير صلى الله عليه وسلم شيء من السنة، ولكن ليس على سبيل التدوين مثل القرآن الكريم، مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا إن الله حبس عن مكة الفيل وسُلِّط عليهم رسول الله والمؤمنون، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، أنها أحلَّت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي...)) رواه أبو هريرة[17].

كذلك كان للهادي البشير صلى الله عليه وسلم كتبٌ إلى ملوك عصره يدعوهم فيها للإسلام، كذلك كان يرسل كتبًا مع بعض أمراء سراياه ويأمرهم بعدم قراءتها إلا بعد أن يجاوزوا موضعًا معينًا. كذلك كان لبعض الصحابة صُحفًا يدونون فيها بعض ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التي كان يسميها (الصادقة). وفي هذا الصدد أخرج أحمد والبيهقي في المدخل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منّي إلا عبد الله بن عمرو، فقد كان يكتب ولا أكتب)).

وقد دفع هذا بعض الصحابة إلى لفت نظره إلى أن ذلك قد يُغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نهى عن كتابة ما لا يتخذ شرعًا عامًا فسأل ابن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ((اكتب عني فوالذي نفسي بيده ما خرج من فمي إلا الحق))[18].

كذلك كان عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه صحيفة فيها أحكام الديّة على العاقلة وغيرها، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لبعض عمّاله كتبًا حددت فيها مقادير الزكاة من الإبل والغنم[19].

وإذا عُدنا إلى أحاديث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم الخاصة بالأمر بتبليغ ما قاله لصحابته مثل ما رواه زيد بن ثابت: ((نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع))[20]. وحديث ((ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب))[21].. وغيرها من الأحاديث التي جعلت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يصدعون لأوامر الهادي البشير صلى الله عليه وسلم وقد تفرقوا في الأمصار، وأصبحوا محل عناية التابعين والرحلة إليهم، فكان التابعون يتتبعون أخبارهم وأماكن وجودهم ويرحلون إليهم رغم عناء السفر وبعد الشُّقَّة[22].
كل هذا كان عاملاً مهمًا في انتشار الحديث وانتقاله إلى جمهور المسلمين بعد ذلك.

إلا أن صحابة الهادي البشير صلى الله عليه وسلم كانوا متفاوتين في رواية الحديث ما بين قلّة وكثرة. فمن المقلّين من كبار الصحابة الزبير بن العوام، وزيد بن أرقم، وعمران بن الحصين، وقد روى عن عبد الله بن الزبير أنه قال لأبيه: (إني لأسمعك تُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدّث فلان وفلان، فقال: أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: ((من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار))[23].

وقد روى الحديث بطرق أخرى منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)). ورواه أيضًا أنس رضي الله عنه.

كذلك كان شأن زيد وغيره من المقلِّين في رواية الحديث حيث كانوا يخافون أن يحدّثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا من الوقوع في الخطأ.

كذلك كانت رغبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا يكثروا من التحدث عن الهادي البشير صلى الله عليه وسلم حتى لا ينشغل الناس بالمحدث عن القرآن الكريم، وكان القرآن حينئذ ما زال غضًّا طريًّا، ويحتاج المسلمون إلى حفظه وتناقله والتثبت منه ودراسته دراسة عميقة[24].



[1] انظر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص102.

[2] المصدر السابق ص110.

[3] نفس المصدر ص111.

[4] نفس المصدر ص19 - 120، إلا أن المعقّب قال: إسناده تالف، والحديث موضوع.

[5] ج1 ص5، 6، 7، راجعه وقدم له طه عبد الرؤوف سعد. القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية.

[6] أعلام الموقعين ج1 ص948.

[7] السُّنة ومكانتها في التشريع ص53.

[8] المرجع السابق ص54.

[9] جامع بيان العلم ج2 ص24، والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه، والسُّنة ومكانتها في التشريع ص54، 55.

[10] انظر السُّنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص56، 57، وأيضًا: السُّنة قبل التدوين ص58، 59.

[11] سيأتي ذكر الحديث في تراجم الصحابيات (بمشيئة الله تعالى)، وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

[12] السُّنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص58.

[13] المؤلفة.

[14] عزية علي طه: منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل - دراسة مقارنة - (رسالة دكتوراه)، القاهرة، جامعة الأزهر، 1985م، ص337، ونشرت عام 1987 في الكويت، دار البحوث العلمية، 1407هـ/ 1987م.

[15] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص58 و59.

[16] المرجع السابق، ص340 - 341.

[17] المرجع السابق ص60، وانظر الحديث في صحيح مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها ( إلا لمنشد على الدوام).

[18] جامع بيان العلم لابن عبد البر ج1 ص76 عن ابن عمرو، والسنة ومكانتها في التشريع ص60.

[19] المصدر السابق لابن عبد البر، السنة ومكانتها في التشريع ص60، 61.


[20] جامع بيان العلم ج1 ص39، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأبو داود والترمذي في السنن وحسّنه الترمذي، وسنن النسائي، وابن ماجه والبيهقي.

[21] جامع بيان العلم عن أبي بكرة ج1 ص41.

[22] السنة ومكانتها في التشريع، ص62.

[23] أخرجه البخاري في كتاب العلم باب (إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم).

[24] السنة ومكانتها في التشريع ص62، ص63.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.94 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]