رؤية إسلامية لمواجهة البطالة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74452 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-06-2019, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي رؤية إسلامية لمواجهة البطالة

رؤية إسلامية لمواجهة البطالة


أحمد محمود أبو زيد





واستغلال الطاقات المعطلة في المجتمع الإسلامي




• 13 مليون عاطل في الدول العربية، والتوقعاتُ تؤكد وصول عددهم إلى 32 مليون شخص عام 2010م.

• الآثار السلبية للعولمة وراء تفاقم البطالة ونمو معدلاتها في الكثير من دول العالم.
• الأمية، وتدني المستوى التعليمي، وضعف الأداء الاقتصادي، وسوء سياسات التنمية الاقتصادية، وعدم مواكبة السياسة التعليمية والتدريبية لمتطلبات سوق العمل.. أسباب الظاهرة.
• الإسراع في إنشاء السوق الإسلامية المشتركة لتشجيع تبادل الأيدي العاملة، وانتقال رؤوس الأموال بين الدول الإسلامية، بما يقلل من حدة الظاهرة.
• عودة الأموال المهاجرة للاستثمار في الدول العربية والإسلامية يساعد على كبح جماح البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب المسلم.
• إتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابط العادلة من شرع الله، والتى تهتم بالحاجات العامة للمسلم.
• رفع الإسلام قيمة العمل والفرد العامل، وعالج البواعث النفسية والمعوقات العملية التي تقود إلى البطالة.
• • • •
البطالةُ من أخطر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يومًا بعد يوم على المستوى العالمي، وخاصة في الدول الفقيرة والنامية، فقد كشف تقريرٌ حديث حول "العولمة والبطالة" عن أن هناك ما يزيد على مليار شخص متعطل عن العمل، في دول الجنوب مجتمعة.

وقال التقرير: إن الآثارَ السلبية للعولمة تزيدُ زيادةً كبيرة من الصعوبات التى تواجهُها شعوبُ الدول النامية، وتقلصُ من قدرة هذه الدول على التغلب على النتائج الاجتماعية السلبية للفقر. وأضاف التقرير أنه يجبُ على منظمة العمل الدولية أن تضطلعَ بتحليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية للأزمة المالية على اقتصاديات الدول التى تأثرت بالأزمة، بالإضافة إلى إعداد دراسات حول أثر الأزمة على الأسواق المالية، مع التركيز بصورة خاصة على تخفيف حدة الفقر والبطالة فى هذه الدول.


وعلى المستوى العربي والإسلامي نجد تقاريرَ منظمة العمل العربية التابعة لجامعة الدول العربية التي تؤكد أن عدد الشبان العرب العاطلين عن العمل يبلغ نحو 13 مليون شخص، ويمثلون 14% من القوة العربية العاملة التي تبلغ في الوقت الحاضر نحو 98 مليون شخص. وتوقعت التقارير أن يصل عددُ الباحثين عن فرص عمل في المنطقة العربية سنة 2010م إلى أكثر من 32 مليون شخص.


كما تؤكد تقاريرُ المنظمة أن الوطن العربي -الذي ترتفع فيه نسبة البطالة بين أبنائه- يعمل فيه 6 ملايين أجنبي، إلى جانب وجود أكثر من 800 مليار دولار يستثمرُها العربُ خارجَ الأقطار العربية، فلو استُثمِرت هذه الأموالُ في الوطن العربي لتمكنّا من تشغيل نسبة كبيرة من اليد العاملة، والحد من الخسائر السنوية التي تتحملها الدول العربية.


• مفهوم البطالة:

والبطالة بالمفهوم الاقتصادي هى التوقفُ عن العمل، أو عدمُ توافر العمل لشخصٍ قادرٍ عليه وراغب فيه، وقد تكون بطالةً حقيقية أو بطالة مقنّعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتُها الضارة إذا استمرت لمدة طويلة وخاصة فى أوقات الكساد الاقتصادي، وكان الشخص عائلا أو ربًا لأسرة، إذ تؤدى إلى تصدع الكِيان الأسرى، وتفكك العلاقات الأسرية، وإلى إشاعة مشاعر البلادة والاكتئاب.

وأيًا ما كانت الأسبابُ المؤدية إلى البطالة -كأن تكون أثرًا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء فرص العمل، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد في الإنتاج الرأسمالى- فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابط العادلة من شرع الله، والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان، فالدينُ والعمل هما طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.


• خطورة الظاهرة:

ومما يزيدُ من خطورة ظاهرة البطالة على المستوى العربي والإسلامي ارتفاعُ معدلاتها السنوية التي تقدرها الإحصاءاتُ الرسمية بنحو 1.5% من حجم قوة العمالة العربية في الوقت الحاضر، إذ تشير هذه الإحصاءات إلى أن معدل نمو قوة العمل العربية خلال الأعوام 1995- 1996 - 1997 كانت نحو 3.5%، وارتفع هذا المعدل إلى نحو 4% في الوقت الحاضر، وإذا كانت الوظائفُ وفرص التشغيل تنمو بمعدل 2.5% سنوياً، فإن العجزَ السنوي سيكون 1.5%، وعليه فإنَّ عدد العمال الذين سينضمون إلى طابور العاطلين عن العمل سنوياً سيبلغ نحو 1.5 مليون شخص.

وتقدِّر منظمةُ العمل العربية أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجُم عنها خسارةٌ في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5%، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاعَ المعدل السنوي للبطالة إلى 1.5 وارتفاعَ الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار. وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل، ومن ثم تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي.


والأرقام السابقة تدق ناقوس الخطر، وتشير إلى أن ظاهرة البطالة باتت تؤرقُ أغلبَ البلدان العربية والإسلامية، خاصة وأن عدد المتعطلين في ازدياد مستمر بالنظر إلى أن حجم القوى العاملة العربية صار يزداد أيضا ازديادا مطردًا؛ فقد ارتفع من 65 مليون نسمة عام 1993، إلى 89 مليونًا في العام 1999، ويتوقع أن يصل إلى 123 مليونًا في العام 2010، في حين يقدَّر حجم الداخلين الجدد في سوق العمل العربية بنحو 3 ملايين عامل سنويًا، وتقدر حجم الأموال اللازمة لتوفير فرص عمل لهم بنحو 15 مليار دولار سنويًا.


وتشير المنظمة إلى أن غالبية العاطلين من الداخلين الجدد في سوق العمل، أي من الشباب، ويمثل هؤلاء تقريبًا ثلاثةَ أرباع العاطلين عن العمل في دولة البحرين و84% في الكويت، وما يزيد على الثلثين في مصر والجزائر، أما معدلاتُ البطالة بين الشباب نسبةً إلى القوى العاملة الشابة فقد تجاوزت 60% في مصر والأردن وسورية وفلسطين، و40% في تونس والمغرب والجزائر.


فضلاً عن ذلك، فقد برزت منذ سنوات بطالةُ حملة الشهادات التعليمية، واستفحلت في الكثير من الدول العربية؛ إذ تبلغ معدلاتُها الضعفين في الأردن، وثلاثةَ أضعاف البطالة بين الأميين في الجزائر، وخمسة أضعاف في المغرب، وعشرة أضعاف في مصر.


• قوة العمل العربية:

وتستحوذ دولُ اتحاد المغرب العربي على الجانب الأكبر من قوة العمل العربية بنسبة 37.8%؛ إذ يوجد بها حاليًا 33.5 مليون عامل، ومن المتوقع زيادتها إلى 47 مليونًا عام 2010، ثم دول مصر والأردن واليمن والعراق، وبها 25.2 مليونًا تصل إلى 35 مليونًا عام 2010 بنسبة 27.7 %، ودول مجلس التعاون الخليجي، وبها 8.3 ملايين تصل عام 2010 إلى 11.4 مليونًا بنسبة 9.3 % من قوة العمل، في حين يتوزع الباقي، وهم 22.6 مليونًا، على بقية الدول العربية، ومن المنتظر زيادتهم إلى 30 مليونًا عام 2010.

وتتفاوت معدلات البطالة من دولة عربية لأخرى، ففي الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ترتفع حدة الظاهرة، فيأتي العراق في المرتبة الأولى بين الدول العربية بنسبة بطالة تزيد عن 60% من حجم قوة العمل، وتبلغ 25% في اليمن، و21% في الجزائر، و19% في الأردن، و17% في السودان، و15% في لبنان والمغرب، و12% في تونس، و9% في مصر، و8% في سورية. وفي المقابل تنخفض في دول الخليج العربي ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ففي سلطنة عمان يوجد نحو 330 ألف عاطل عن العمل، وفي السعودية نحو 700 ألف، وفي الكويت يصل العدد إلى 3 آلاف فقط.


• ضعف الأداء الاقتصادي:

والتقارير الصادرة عن منظمة العمل العربية تؤكد أن هناك مؤشراتٍ على اتساع مشكلة البطالة وقصور العلاجات التي طرحت لها حتى الآن، سواء على المستوى القطري أو المستوى العربي، نتيجة ضعف الأداء الاقتصادي، وسوء سياسات التنمية الاقتصادية، وضعف محتوى المؤسسات التعليمية والتدريبية، وعدم الترابط بينهما، وما أفرزته الإصلاحات الاقتصادية، إضافة إلى نمو القوى العاملة المرتفع.

ومما سيساعد على زيادة معدلات البطالة مستقبلاً -وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة -انحسارُ فرص هذه العمالة في دول الخليج العربي وإحلالُ العمالة المحلية مكانَها، وفي هذا الإطار تشير دراسة حديثة أعدتها منظمة "الأسكوا" إلى أن عدد سكان الدول الخليجية الست سيصل بحلول العام 2010 إلى نحو 40 مليون نسمة مما سيرفع القوة العاملة فيها إلى حدود 21 مليون نسمة، ومن ثم تتناقص فرصُ العمل أمام العمال الوافدين على العموم والعرب على الخصوص، إذ يبلغ مجموع العمالة الوافدة في الوقت الحاضر نحو 8 ملايين عامل وافد، يشكل العمال غير العرب منهم نسبة 58%.


وتقول دراسة عن واقع العمالة في دول الخليج: إن نسبتها بلغت عام 1997 ما يقارب 93% في الإمارات، و84% في الكويت، و76% في قطر، و68% في عمان، و65% في البحرين، و61% في السعودية.


• خطط التنمية الاقتصادية:

ويرجع خبراءُ الاقتصاد تفاقمَ البطالة في المنطقة العربية أيضا إلى إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، وخاصة بعد الفورة النِّفْطية مطلع السبعينيات، وغياب التخطيط الاقتصادي المنهجي، وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع الحاجات الفعلية لسوق العمل، علاوة على أن التكوين المنهجي في معظم الدول العربية لم يواكب التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في العالم.

هذا إلى جانب تطبيق برامج الخصخصة التي أدت إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين في شركات ومؤسسات القطاع العام. وإخفاق معظم برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدولُ العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي، وبنسب معقولة تساعد على التخفيف من مشكلة البطالة، بل على العكس من ذلك تماماً فقد ساعدت هذه البرامجُ على زيادة عدد العاطلين عن العمل، وكذلك إفقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة: رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، واستنزاف معظم الموارد العربية خلال حقبة ازدهار أسعار النفط في الإنفاق على التسلح، وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة، وبعد ذلك وقوعها في شراك الديون وخدمتها الباهظة.


يضاف إلى ذلك تسارعُ ظاهرة العولمة ومسارعةُ الدول العربية للالتحاق بقطار منظمة التجارة العالمية، والاستجابة لشروطها في فتح الأسواق العربية أمام السلع والمنتجات الأجنبية المنافسة، مما أدى إلى إعلان الكثير من المصانع والشركات الإفلاسَ كما يحدث الآن في مصر، الأمر الذي يعني اتساعَ ظاهرة البطالة اتساعًا أسرع مما مضى. كما أن العولمة ستؤدي إلى تفاقم ظاهرة الهجرة من الدول العربية إلى الخارج، وخاصة في صفوف الكفاءات والخبرات العلمية المتميزة، الأمر الذي يعني خسارة مزدوجة.


• الإسلام والبطالة:

وأيًا ما كانت الأسبابُ المؤدية إلى البطالة -كأن تكون أثرًا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء فرص العمل، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد في الإنتاج الرأسمالى- فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابطُ العادلة من شرع الله، والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان، فالدين والعمل هما طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.

ولقد أخذ العملُ في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فلم يحدث أن دينًا من الأديان السابقة أكد قيمة العمل وقيمة الفرد العامل كما فعل الإسلامُ الذي جعل العملَ واجباً إسلامياً مفروضاً على كل إنسان مهما علا شأنه أو صغر، وقرر منذ بدء دعوته أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأنه قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومن هنا كان الارتباط والاقتران بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة من كتاب الله الكريم؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30]، {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: 107]، {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9]، فلا إيمان إلا بالعمل الصالح الذي يؤكد هذا الإيمان تأكيداً عملياً من خلال الكد والاجتهاد والبحث عن الرزق وإعمار الأرض.


ولقد حرَص الإسلام على دفع المسلمين إلى العمل، وحضهم عليه، وترغيبهم فيه، وفتَحَ أمامهم أبوابَ العمل الصالح على مصراعيها؛ ليختار كلُّ إنسان ما يناسبُ قدراتِه وإمكانياتِه ومهاراته من عمل طيب، وجاء الأمرُ بالانتشار في الأرض بعد الصلاة طلبا للرزق؛ فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].


وحث الإسلام على المهن والحرف اليدوية، وجعل كل كسب حلالٍ عملاً شريفاً وإن نظر إليه بعضُ الناس نظرة استهانة واحتقار، فقد روى البخاري عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".


ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل الكسب والمهن والحرف اليدوية؛ فعن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده". وفي الحث على المزارعة والغرس روى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "ما من مسلم يزرع زرعاً أويغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة".


ولقد كان الرسلُ والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من أحرص الناس على العمل إلى جانب الدعوة إلى الله فكان نوحٌ نجاراً، وكان إدريس خياطاً، وكان داود خواصاً، وكان موسى أجيراً عند شعيب، وكان نبينا يرعى الغنم ويعمل بالتجارة قبل البعثة.


وقد اقتدى به الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- فحرَصوا على العمل والسعي في طلب الرزق؛ فكان منهم الصانع والتاجر والزارع، وكانوا يتمتعون بالغنى وسعة الرزق ويمارسون أعمالهم مع انشغالهم في الدعوة والجهاد في الغزوات والحروب والفتوحات التي كانوا يحققون فيها النصر والظفر.


• أضرار البطالة:

ولا شك أن للكسل والبطالة والقعود عن العمل أضراراً وأمراضاً خطيرة تهدد المجتمعَ بالخراب والدمار، فالإنسان الذي يركن إلى البطالة ويُضرب عن العمل مع توفر فرصه يضيع نفسه ويضيع ذويه، ويصبح عالة على غيره وعضواً مشلولا يعوق حركة المجتمع وتقدمه، ثم نجده يُعرّض نفسَه ومن يعول للذل والهوان، ولا يلقى من الناس إلا الاحتقارَ والسخرية، ويجني من كل ذلك ضياع الدين والخلق والكرامة.

وهذا العاطل عن العمل قد يدفعه تعطلُه وبطالتُه إلى أحد أمرين: إما أن يتكفف الناس ويتسول، وإما أن يتجه إلى ارتكاب الجرائم والمنكرات للحصول على الأموال.


فأما التسول فهو من أخطر الأمراض التي تضر المجتمع، وتشوه صورته، والمتسول -وخاصة إذا كان من القادرين على العمل- إنسان حقر نفسه، وأراق ماء وجهه، وخلع حياءه وكرامته، وفقد إنسانيته، وبدأ يمد يده للناس أعطوه أو منعوه، أما غيرُ القادر على العمل فهذا له عذرُه في الحاجة إلى غيره، ومن أجله كانت فريضة الزكاة التي تغنيه عن الحاجة والمسألة.


ولكن الشيء الغريب أن التسول أصبح اليوم مهنة لبعض الناس، وانتشر في بعض الدول الإسلامية انتشارا سرطانيًا مدمرًا؛ حتى إن بعض القادرين على العمل من الكسالى قد استسهلوا التسول وانطلقوا في الشوارع والمركبات العامة يمدون أيديهم للناس بغير حياء.


ولقد حارب الإسلامُ هذه العادةَ السيئة وبالغ في النهي عن مسألة الناس؛ فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم". وروى الإمامُ أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال: "لا يفتح عبدٌ بابَ مسألة إلا فتحَ الله عليه بابَ فقر". وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى".


• البطالة والجريمة:

وأما الأثر الثاني للبطالة والتعطل عن العمل بعد التسول فهو الاتجاهُ إلى الجريمة طلبًا للمال، وهذا الأثر أخطرُ بكثير من التسول؛ لأنه إن كان المتسولُ يأخذ من مال الإنسان بمحض إرادته وبطيب نفس منه، فإن السارق يأخذُ المالَ عَنوة، وقد يعتدي على صاحب المال إذا ما اعترضه وهو يسرق، ويرتكب جريمة أخرى غير السرقة وهي: القتل، ومن هنا تنتشر الجرائم وتصبح حياةُ الإنسان وماله وعرضه في خطر من هؤلاء المجرمين المتعطلين، وقد أثبتت الدراساتُ والبحوث أن أكثر الذين يرتكبون الجرائم في هذه الأيام هم من العاطلين الذين أخفقوا في عملهم أو في دراستهم وعجزوا عن أن يشغلوا أنفسهم بالحق فشغلتهم هي بالباطل.
ومن هنا تتضح عظمة الإسلام حين حضّ على العمل، ورغب الناس فيه، وجعل بعض الأعمال تصل إلى منزلة الجهاد في سبيل الله.

• بواعث التعطل:

والإسلام عندما دعا إلى العمل وحضّ عليه عالج البواعث النفسية والمعوقات العملية التي تثبط الناس عن العمل والسعي والمشي في مناكب الأرض، وتقودهم إلى البطالة، فمن الناس من يعرض عن العمل والسعي بدعوى التوكل على الله وانتظار الرزق من السماء، والإسلام قد خطّأ هؤلاء؛ لأن التوكل على الله لا ينافي العمل واتخاذ الأسباب، فالطير نفسه قد فقه مفهوم التوكل على الله فنجده يغدو ويروح طلبا للرزق، كما قال الرسول: "لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا".

وقد رتب الله سبحانه الأكل من رزقه على المشي في مناكب أرضه فقال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]، فمن مشى أكل، ومن كان قادراً على المشي ولم يمش كان جديراً ألا يأكل.


• لا رهبانية في الإسلام:

ومن الناس من يدَعُ العمل بحجة التبتل والانقطاع للعبادة، وهذه نظرة غير صحيحة للإسلام الذي يعد العمل الصالح عبادة من العبادات، ويدعو إلى العمل والكسب، ويقرر أنه لا رهبانية في الإسلام، وأن سعي الإنسان على معاشه -ليعف نفسه أو يعول أهله أو يحسن إلى أرحامه وجيرانه أو يعاون في عمل الخير ونصرة الحق- إنما ذلك ضرب من الجهاد في سبيل الله.

وقد دعا القرآن الكريم إلى الجمع بين نصيبي الدنيا والآخرة؛ فقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].


ومن الناس من يدعُ العملَ استهانةً به واحتقاراً له، كما كان الحالُ عند كثير من العرب الذين يحتقرون الحرف والعمل اليدوي، وقد بدّل الإسلام هذه المفاهيم المغلوطة، ورفع من قيمة العمل أياً كان نوعُه، وحقر من شأن البطالة، وجعل النبيُّ جمعَ الحطب وبيعَه خيراً للمرء من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.


ومن الناس من يدع العمل لأنه لم يتيسر له في بلده ومسقط رأسه وموطن أهله وعشيرته، ويرضى بالبطالة والفقر بدلاً من الهجرة والضرب في الأرض والسفر مع السعة والغنى، فإن هؤلاء قد حثهم الإسلام على الهجرة، وشجعهم على الغربة، وبين لهم أن أرض الله واسعة، وأن رزق الله غير محدد بمكان ولا محصور في جهة، قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].


وعن عبد الله بن عمرو قال: توفى رجل بالمدينة ممن ولدوا فيها، فصلى عليه رسول الله وقال: "ليته مات في غير مولِدِه"، فقال رجل: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: "إن الرجلَ إذا مات غريباً قِيسَ له من مولده إلى منقَطَعِ أثرِه في الجنة".


وقد انطلق المسلمون الأوائلُ على هدى هذه الأحاديث في فجاج الأرض؛ ينشرون الدينَ، ويلتمسون الرزقَ، ويطلبون العلم، ويجاهدون في سبيل الله.


ومن الناس من يركن إلى البطالة اعتمادًا على أخذه من الزكاة أو غيرها من الصدقات والتبرعات التي تجيء إليه من الآخرين بغير تعب ولا عناء، وفي سبيل ذلك يستبيحُ المسألةَ مع قوة بنيته وسلامة أعضائه وقدرته على الكسب، فالإسلام يحارب هذه الفئة، ولا يقرر لها أي حق في الزكاة ولا في غيرها من الصدقات ما داموا أقوياء مكتسبين أو مستطيعين للكسب، ولذلك قال النبي: "لا حظ فيها -أي في الزكاة- لغني ولا لقوي مكتسب".


وقال: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سويّ"، فمدلول الحديث واضحٌ، ومعنى المرة: القوة، والسوي: السليم الأعضاء، وبهذا لم يجعل الرسول لمتبطل كسول حقًّا في صدقات المسلمين، وذلك ليدفع القادرين إلى العمل والكسب الحلال ولا يدع لهم فرصة للقعود وترك العمل والسعي.


• توفير فرص العمل للقادرين عليه:

وأما من يدع العمل والسعي عجزًا عن تدبير عمل لنفسه مع قدرته على العمل وذلك لقلة حيلته وضيق معرفته بوسائل العيش وطرائق الكسب، فهذا يوجب الإسلام أن يُيسّر له سبيل العمل الملائم له يعاونه في ذلك أفرادُ المجتمع عامة وأولو الأمر خاصة حتى ولو دفعت له الدولة من مؤسسة الزكاة ما يساعدُه في توفير فرصة العمل الذي يحقق له دخلاً ثابتاً يكفيه هو ومن يعول. ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- كيف نساعد المتعطل عن العمل على اكتساب رزقه من عمل يده، وذلك في موقفه مع الأنصاري الذي جاءه يطلب الصدقة فوجهه إلى الاحتطاب كوسيلة للرزق الحلال، وجعله يعتمد على نفسه في توفير الأدوات التي يعتمد عليها في هذه الحرفة؛ إذ أمره بإحضار ما في بيته فإذا هو حِلْس (كساء يفرش ويلبس) وقَعْب يوضع فيه الماء، فأخذهما النبي - صلى الله عليه وسلم- وعرضهما للبيع على الصحابة، ودفع بثمنهما إلى الأنصاري ليشتري طعاماً لأهله وقَدُومًا لحرفته، ونجحت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم- وتمكن الأنصاري من اكتساب قوته بعمل يده.

• استراتيجية إسلامية شاملة:

ويجب على المجتمع الإسلامي بدُوَله وشعوبه أن يأخذ بهذه التوجيهات الإسلامية في مواجهة البطالة، التي باتت كالقنابل الموقوتة تهدد الاستقرارَ في الدول العربية والإسلامية، ويضع استراتيجية إسلامية شاملة في هذا الشأن، يتم من خلالها الإسراعُ بإنشاء السوق الإسلامية المشتركة التي طال انتظارُها، إذ أن إنشاء هذه السوق سوف يساعد في تشجيع تبادل الأيدي العاملة، وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية والإسلامية، بما يؤدي إلى التقليل من حدة الظاهرة، هذا إلى جانب تحسين الأداء الاقتصادي العربي والإسلامي، وتحسين مناخ الاستثمار في الدول الإسلامية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية في الخارج، والتي يقدرها بعضُ الخبراء بنحو 800 مليار دولار، ولا شك أن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية والإسلامية سوف يساعد في كبح جماح مشكلة البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب المسلم.

• المراجـع:

- د. يوسف القرضاوي - مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام - مكتبة وهبه القاهرة 1980م.
- د. زيدان عبد الباقي - العمل والعمال والمهن في الإسلام - مكتبة وهبه القاهرة 1978م.
- أحمد أبو زيد - مكانة العمل في الإسلام - مجلة الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ - مارس 2001م.
- تقارير منظمة العمل العربية التابعة لجامعة الدول العربية لعام 2000م.
- د.محمود أبو زيد – البطالة: موسوعة المفاهيم الإسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - وزارة الأوقاف - مصر.
- تقرير حول "العولمة والبطالة" - القمة العاشرة لمجموعة الـ15 - القاهرة - يونيه 2000م.
- تقارير الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر العمل العربي - عمان - إبريل 2001م.
- العولمة تزيد من أزمة البطالة في الوطن العربي - الإسلام على الإنترنت - 26 يونيه 2000م.
- محمد شعبان - العاطلون العرب قنابل موقوتة - الإسلام على الإنترنت - 10 إبريل 2001م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.64 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]