خيوط النور.... رواية - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 82 - عددالزوار : 55514 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 310 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 310 )           »          منيو إفطار يوم 9 رمضان.. أرز بالخلطة ودجاج مشوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 382 - عددالزوار : 73498 )           »          التنبيه على ضعف حديث صوموا تصحوا (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 183 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 207 )           »          ما حكم تذكير الصائم الذي يأكل ناسيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          التقوى من مقاصد الصوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 17-04-2011, 02:22 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة السابعة:

بعنوان:
بأي ذنب؟؟
أنهت أسرة أحمد وجبة الغداء، بعد ذلك تعاون الجميع على تنظيف الطاولة والمطبخ.
ثم انتقلوا إلى غرفة الجلوس ينتظرون بشوق مناقشة موضوع الإعلام. وكل منهم لديه في جعبته الكثير من الاستفسارات والاستغراب والانتقادات.
افتتحت الأم جلسة النقاش، فبسملت وحمدت الله ثم بدأت تمهد للموضوع والجميع ينظر إليها باهتمام.
فتحدثت عن أهمية الإعلام في حياة الأمة والتناقض الكبير الذي يعيشه. ودوره الجوهري في بناء شخصية الفرد وقناعاته ومفاهيمه.
وبالتالي أثره على تفاصيل حياته ثم مررت الكلمة للأب لكي يفصل قليلا في هذه المسألة مستعملا أسلوبه المعتاد مع أولاده، وهو أسلوب "إياك أعني واسمعي يا جارة". فهو يعرف مفتاح كل واحد منهم ويود أن ينبههم لسموم الإعلام وكيف يتعاملون معها.
وكان يعلم أن أبناءه بما فيهم عائشة الصغيرة ذات التسع سنوات، يتابعون بنظرة متفحصة ما يجري في وسائل الإعلام.
كيف لا وقد تربوا في أحضان الفكر العميق والثقافة الواسعة؟ وتعلموا مسؤولية إعمال عقولهم منذ نعومة أظافرهم لكي يواجهوا بأمان فتن الشهوات والشبهات وابتلاءات الحياة.
واعتمد الوالدان في تربيتهم على قيم الإسلام وترسيخ رقابة الله عز وجل، وأن لا عز إلا به وأن لا خوف إلا منه. لكي يضمنا بذلك حماية أولادهم من الهلاك في غمرة البحر اللجي المتلاطم الأمواج، والريح الشديدة التي تعصف بالقشور، وتذر الإيمان أقوى وأشد قدرة على حفظ صاحبه.
بعد ذلك فتح أحمد باب النقاش وبدأ باليمين هذه المرة بعمر.
فقال مقطبا جبينه:
- صدقت يا أبي في كل كلمة، لكني أفاجأ يوما بعد يوم بالكم الهائل من رسائل الإعلام الهدامة، التي ما فتئت تعرض عبر الفضائيات وشبكة العنكبوت وعبر الإعلانات في التلفاز وفي المجلات وفي الشارع.
فينقبض قلبي وأتساءل:
ما الحل؟ ما السبيل لإنقاذ قيم الحق والفضيلة من عولمة الرذيلة التي تغزونا كل يوم وتتعدد أشكالها وتنفث سمومها في عقول الناس وقلوبهم؟
فسأله أحمد: كيف يا بني؟ أعطنا أمثلة من تلك الرسائل ليتوضح الأمر لنا أكثر، فقال عمر وهو ينظر للجميع:
- حسنا يا أبي. أخطر تلك الأساليب امتهان المرأة واحتقارها واستغلال جسمها لتمرير رسائل تهدم الأخلاق، بينما كرمها الإسلام ورفع قدرها عن أن تكون سلعة رخيصة. حتى أصبحوا يظنون أنهم لن يبيعوا عود ثقاب إلا بوضع صورة امرأة على العلبة.
وبعضها إعلانات تستخف بعقل المتلقي، مثل مساحيق الغسيل الخارقة التي تراها الدهون فتذوب مستسلمة لقدرها فهي لا تعرف المستحيل. تخضع الأوساخ أمامها للأمر الواقع. فتتشتت وتخلي الديار طوعا أو كرها، خصوصا مع المادة الفعالة التي يستحيل تماما وبتاتا أن تصمد أمامها مهما كانت متمكنة من أنسجة الملابس.
والشكولاتة السحرية التي تنقلك إلى الجزر الساحرة مع فتاة جميلة لتعيش أحلى الأحلام وتشعرك بسعادة لا متناهية...
والشيبسالذي يقف بالمرصاد للجوع وقد انتفخت أوداجه ليرديه قتيلا. ثم يرقص فرحا بالنصر عليه، ويخبرك بأنه ترك لك الطعم المثالي الذي يظل في الفم إلى ما شاء صاحب الشركة.
أما الشامبو القاضي على العنوسة،
وقاهر القشرة،
وضامن اللمعان والتألق في سماء النجوم.
فيجعل الشعر سببا لاهتمام الآخرين وجلب العرسان والثقة في النفس....
ابتسم أحمد فخورا بفهم ابنه العميق وبادره قائلا:
- معك حق يا بني تمتهن المرأة كثيرا في تلك الإعلانات والمجلات ومسابقات ملكات الجمال، أسأل الله عز وجل أن يأتي يوم لا تقبل فيه امرأة في بلاد المسلمين أن تسقط في حبائل المتاجرين بكرامتها وحيائها.
وقد أصبت كبد الحقيقة يا ابني الحبيب فأصحاب الإعلانات لا يهمهم إلا تشجيع المادية والاستهلاك، والهدف الأول والأخير هو كسب المال، بغض النظر عن جودة السلعة أو ضررها. ولو على حساب تشويه المفاهيم وتقزيم الأمنيات والإغراق في إشباع الشهوات دون اتزان. والمصيبة أن الكثيرين يتصرفون تجاهه بعقول قد غابت عنها البوصلة.
ثم التفت إلى يوسف وطلب منه أمثلة عما يرى.
فقال: ماذا أقول يا أبي؟ الشاشة تزخر ب" الفن " الرخيص والدعاية لفصل الدين عن أمور الحياة. وخالج الأسى فؤادي حين تمعنت في دور كثير من الأفلام والمسلسلات، فوجدت التي تقزم الدين وتحصره في جماعة متطرفة.
وتغير المفاهيم على أساس أن هذا هو الدين السليم. وتصور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة الإسلام منها براء. فتدعو الناس ألا يتدخلوا في حريات الآخرين. ولا يقدموا لهم النصح وان كل واحد له رب يحاسبه.
وكأن الحرية هي أن يفسد المرء ويفسد من حوله، وأن تخرج الفتاة بلباس خادش للحياء، ويتمايل الشباب بأغاني الحب والهيام والاهتمامات التافهة. لنظل دائما في حفرة الجهل والهوان والضياع.
وأعجب للبرامج التي تدس السم في العسل، وتطالب بتقنين الإعلام، وهم أنفسهم أداة هادمة فيه، وصدق الله عز وجل حين قال في سورة الكهف:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
لاحظ أحمد انفعال يوسف وغيرته لما يجري لإعلام يفترض فيه أن يبني ولا يهدم، فقاطعه بلطف قائلا:
- يا بني ستنتصر الفضيلة لا محالة إن وجدت لها رجالا مثلك يخدمونها ويعملون من أجل عولمتها فرسالة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم جاءت رحمة للعالمين. وما تعيشه المجتمعات التي عولمت وشجعت الرذيلة من تفكك وانحلال أسري وانتحار بسبب الشذوذ والانحراف عن الفطرة السليمة يجعلها في حاجة لمن ينقذها بمنهج الحكيم العليم رب العالمين الذي خلق الإنسان ويعلم الأصلح له. ولكنه تدافع الحق والباطل والله مدبر أمر خلقه. لكن من واجبنا بذل الأسباب المطلوبة لانتشال الناس من تشويه الفكر وتفاهة الاهتمام واتخاذ قدوات مصطنعة لا تمت لقيمه بصلة.
هنا استطردت نور مراقبة ردات فعل فلذات كبدها:
- معك حق يا أبا عمر، يا أبنائي العبرة بالعمل للخروج من هذا المأزق وتوفير مناخ أفضل للأجيال القادمة وهذه حرب شعواء بين الخير والشر في أرض الله. وواجبنا نشر الخير والسعي لتقزيم الشر ما استطعنا لذلك سبيلا.
فقالت مريم: نعم يا أمي صدقت، أنا لا ألوم يوسف على حرقته، ولا عمر على غيرته، لكن لابد أن نوقد شمعة بدل أن نلعن الظلام.
فأردفت فاطمة:
- نعم يا مريم. فلا يسعنا أن نقف مكتوفي الأيدي. لأجلنا أولا ثم لأجل أولادنا والأجيال القادمة. فنحن الرابحون إن أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر بشتى السبل المتاحة وكما أمر الله عز وجل كل انطلاقا من دوره وموقعه.
ويقينا سيلبي أبناؤنا بإذن الله النداء فيعم الخير الأجواء ونتنفس عبير حلمنا وهو يجوب الأرجاء. ونرضي رب السماء، فنلقاه بإذنه راض ونعيش في هناء رفقة حبيب رب السماء وما أروعه من جزاء.
فابتسمت نور قائلة: وقد غلب السجع أميرة الشعراء، فضحك الجميع.
واستمرت جلسة النقاش في جو مفعم بالحنان والمحبة ورفع المعنويات. وهذا ما يميز أسرة أحمد. خاصة أن كثيرا من الأسر - بقصد أو عن غير قصد- تتفنن في تحطيم معنويات أبنائها كأمراض فقدان المناعة الذاتية، حين تهاجم الجسم فترديه مريضا هزيلا وضعيفا. ثم تتساءل بعد ذلك عن أسباب فشلهم.
ثم انفض الجمع للقيلولة بعد أن اتفقوا على زيارة بيت جدهم بعد صلاة العصر. وعم السكون البيت وخلد الجميع إلى الراحة. لكن هذا الصمت لم يدم طويلا.
فقبل أذان العصر بلحظات، اهتز الباب حتى عاد الصدى للجدران. هب أحمد إلى الباب فزعا. وما أن فتح الباب حتى جحظت عيناه في ذهول، فقد وجد جاره سعيد لدى الباب.
فابتدره قائلا: ماذا تريد منا؟ ألم يكفك ما فعلته بتلك المسكينة.
فأجابه سعيد والشرر يتطاير من عينيه والغيظ يكاد يشق أسنانه والغدر يطل من وجهه. كالقرش حين يضمر الانتقام ممن أذاه آنفا:
- أنتم السبب في تخريب حياتي وإقناع سوسن برفع دعوى خلع. لهذا سأخلع جذوركم جميعا.
قال هذا وهو يحمل خنجرا في يده ويمسكه باحترافية، استعدادا لغرسه في صدر أحدهم.
فتصدر له أحمد بلطف محاولا تهدئته ونور وراءه، وقد اجتمع الأبناء وراءها بعد سماع صوته المألوف لديهم.
وبعد هنيهة حاول عمر الخروج إليه، لكن نور أمسكت بذراعه، وأمرته أن يتراجع.
فصرخ سعيد في وجوههم وسب الدين ولعن أمهم وانطلق لسانه بفحش الكلام والشتم.
فاندفع أحمد نحوه ولكزه ثم سدد إليه ضربة لعله يفقد توازنه، فيسقط الخنجر من يده. ولكن للأسف خاب ظن أحمد وسبق القدر السبب.
وفجأة وعلى حين غرة، سدد إليه طعنة قاتلة في صدره، وقع على إثرها غارقا في دمائه، وفر هاربا والخنجر يقطر غدرا.
صرخت نور بقلب مكلوم وعيناها تتفقد وجه أحمد ويداها تتفقد نبضه:
- أحمد أحمد... يا رب احفظه ياااااااا رب.
وسارع عمر إلى الهاتف كي يطلب الإسعاف.
بينما التف الجميع حول أبيهم ودموعهم تنهمر حزنا على أبيهم الطيب. وحناجرهم تعلو بالدعاء الخاشع لله ألا يفارق أبوهم الحياة. أبوهم الذي ضحى بنفسه لأجل حماية عائلته. أما عائشة الصغيرة فقد انخرطت في بكاء حار يتفطر له الفؤاد. وعثمان يلثم وجه أبيه ويقول: لا تمت يا أبي، إننا في حاجة إليك.
أما يوسف فقد شل تفكيره تماما في بداية الأمر لحبه الشديد لأبيه. لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه ورفع كفيه متضرعا إلى الله عز وجل لعل الله يرفع عنهم المصيبة التي نزلت بهم.
كفكفت فاطمة دموعها وهي تدعو الله تضرعا وخفية وسارعت لإسعاف والدها وإيقاف النزيف بمساعدة إخوتها، لكن الجرح كان بليغا وغائرا.
وما لبثت أن وصلت سيارة الإسعاف فنقلت أحمد بسرعة إلى مستشفى خاص ومعه نور وعمر وفاطمة. وظلت مريم في البيت تهدئ الجو رغم توترها الداخلي مستعينة بذكر الله وطلب العون منه، كيف لا والله سبحانه يقول في محكم التنزيل:
الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) سورة الرعد.
الصدمة كانت قوية جدا على كل الأسرة، خاصة أنها كانت مفاجئة. لكنها أسرة مؤمنة بقدر الله تعلم أن الدنيا دار بلاء.
نقل أحمد إلى المستشفى وأدخل بعد معاينة حالته إلى العناية الفائقة.
شرح الطبيب الوضع لفاطمة، فأخبرت والدتها وعمر أن الحالة حرجة جدا وأن الرجاء في الله وحده. فجلسوا جميعا ينتظرون فرج الله. ثم أوصت نور عمر بملازمة باب مصلحة الإنعاش ريثما تذهب هي وفاطمة لمسجد المستشفى حتى تصليا ركعتين تتضرعان فيهما إلى الله أن ينقذ أحمد. وكانت قلوب الجميع تخفق خوف كارثة تحوم في الأفق
يتبع بعون الله.
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 19-04-2011, 02:18 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الثامنة:

بعنوان

طيف الذكريات

عادت نور وفاطمة وقد ملأت قلبيهما الطمأنينة والأمل بعد صلاة خاشعة ودعاء من قلب مضطر، وكيف لا تغمرهما السكينة وقد قال تعالى:أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)

سورة النمل.

ذهب عمر بدوره إلى المسجد للاستعانة بالصبر والصلاة، بينما جلست نور وفاطمة ترتقبان أخبار الغالي على قلبيهما أحمد.

توالت طيور الذكريات أمام ناظري نور، وكأنها رحلت من أوكار الزمن لتحلق من جديد في مخيلتها، فتنثر حبات السلوى على فؤادها، وتشعرها بأن الرحيل قدر مؤقت، وأن رحلة الخلود تبدد كل الأحزان بجوار العلي الودود، فتنهدت بعمق وكأنها تستنشق نسيم الجنة التي تتوق إليها، وتسأل الله أن يجمعها فيها بأسرتها وأهلها. وبدأت الطيور تتراءى تباعا، فهذا طير أول لقاء للرؤية الشرعية، حين سلك أحمد دائرة طويلة ليخبرها بأنه يود الزواج بها. فأخبر صديقه المقرب الذي بدوره أخبر أخته، التي طلبت من زميلتها أن تخبر نور بحكم قربها منها. ابتسمت نور لهذا الطيف من الذكرى وتوردت وجنتاها حياء وكأنها تعيش الحدث لتوها بعد ثلاثة وعشرين عاما من الحياة الطيبة في كنف الله.

تذكرت يوم الخطبة، ونظرات أحمد التي كانت تلمع فرحا بقدومها، فتعثرت وأسقطت طبق الحلوى من شدة الارتباك والحياء. تذكرت ابتسامة حماتها الحانية حين أخذت بيدها وأجلستها بجوارها لتدارك الموقف. تذكرت كل ذلك وكأنه حدث بالأمس القريب.

أما طائر العرس فحلق بها على مشارف حياتها الجديدة التي بدأتها بعرس يرضي الله ورسوله، كانت سمته الأبرز البساطة في كل شيء، راضية قانعة وموقنة أن السعادة في القلوب، وليست في البذخ والتبذير. ابتسمت نور فرحا بتلك الأيام التي كانت أول أيام سعادتها الزوجية...

تذكرت استشعارها وزوجها الحبيب أحمد لمعاني المودة والألفة والرحمة في الآية الكريمة:

وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) سورة الروم

خاصة أنهما ومنذ الأيام الأولى للخطبة، قررا أن يكاشفا بعضهما بالعيوب قبل المزايا حتى يكملا بعضهما ويبنيا حياتهما على صدق المشاعر والصراحة والوضوح والثقة المتبادلة، وذلك لبناء أسرة سوية المنشأ قوية العقيدة متينة الترابط، وأن يجعلا من بيتهما جنة غناء يغمر قلبيهما فيها الحب والوئام والمودة والعشرة الطيبة. والأهم التسابق فيها إلى رضا الله عز وجل والمنافسة في حبه. فتسدل ظلالها الوارفة عليهما لتظلهما وذريتهما، وتقيهم لهب الفتن، وتمتد بهما بإذن الله تعالى إلى جنة عالية قطوفها دانية لا نصب فيها ولا وصب...

ومر طير أول فرحة حين حملت بعمر، فكان أحمد يصر على إطعامها التمر بيده، بعد أن علم أهمية ذلك للمرأة الحامل من أمر الله عز وجل لمريم عليها السلام أن تهز جذع النخلة لتسقط الرطب حين ولدت نبي الله عيسى عليه السلام. وكان يوصيها بالإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن الكريم. فولد عمر حليما لطيف المعشر، وحفظ القرآن بسهولة ويسر بفضل الله في سن مبكرة.

وها هو طير الخلافات العابرة بينهما، حين كانا يتسابقان إلى الاعتذار لينالا ثواب البدء بالصلح. والإحساس الرائع بقيام الليل الذي يؤلف بين قلبيهما ويسقيهما بالمودةوالحب كالوادي الجاري الذي يذهب بالزبد ويبقي حب الله صافيا نقيا يوحد مسارهما، ويرسل نوره على بصيرتهما، فتتنحى أشواك الابتلاء وتنبت أزهار الأجر والثواب، تتطلع برأسها مؤذنة بموعد قطافها.

مر السرب الضيف على ذاكرة نور فاستسلمت لخيالها، أما عمر فقد كان يقرأ القرآن في ركن من غرفة الانتظار، وقد بدأت الآيات تفك أسر دموعه، لتنهال محررة أوجاعه وأحزانه. أما فاطمة فقد وجدت في الذكر والاستغفار والدعاء ضالتها.

لم تتنبه نور إلا إلى صوت حماتها، التي يبدو أنها اتصلت ببيت أحمد فأخبرها الأولاد بمصابهم في أبيهم، فجاءت متلهفة إلى المستشفى وقلبها ضارع إلى الله أن ينقذ ابنها من الموت.

حضنتها نور بحرارة وقبلت يديها، حتى تخفف من نظرة عتاب كانت في عينيها. لكون نور آثرت عدم إخبارها نظرا لحالتها الصحية التي لا تحتمل نبأ سيئا مثل خبر طعن أحمد. لكن قلب الأم دلها فجعلها تتصل لتسأل عن فلذة كبدها.

كادت أم أحمد أن تفقد جلدها وصبرها وبدأت الدموع تنهمر على وجنتيها ونور تبذل جهدا مضاعفا لتبقى متماسكة وتهدئ من روعها.

وفي هذه اللحظات، خرج الطبيب من غرفة العمليات الطارئة وهو يجفف عرقه الغزير، فانطلق صوبه الجميع مستفسرين وابتدرته فاطمة قائلة :

- خيرا يا دكتور؟

أجابهم بعد تنهيدة قوية:
- الحمد لله .. فالطعنة كانت أسفل الضلع الأيسر والأخير مباشرة مما أدى إلى تمزق الطحال. وهذا ما سبب النزيف الكبير الذي جعلنا نقوم بنقل الكثير من الدم له، كما اضطررنا لاستئصال هذا الطحال بشكل كامل إنقاذا لحياته.
بإذن الله سيسترد عافيته تماما ويعود أفضل مما كان.. ومن حسن قدره أن الطعنة لو ارتفعت قليلا لأصابت القلب مباشرة.. فالحمد لله على كل حال.

تنفس الجميع الصعداء، وكأن صخرة أفسحت الطريق للهواء، بعد طول كتم للمشاعر، والأنفاس، فسجدوا شكرا لله على هذه البشرى، وابتهج قلبا الأم والزوجة وأرسلت عيونهما الدموع وكأنها تفترشها للفرح المحرر، وتحركت شفاههما بالحمد والشكر لله اللطيف العليم، وتهللت الأسارير وانطلقت الضحكات، وعادت الحياة للغرفة ورحلت خيام الحزن بعد اقتلاع أوتادها،وسكن الأمل والسرور محلها.

فما أروع حسن الظن بالله، فمنعه عطاء، وفضله ابتلاء، وحبه للعباد يظهر بجلاء، فما أشد ظلمة الوجود بدونه، وما أحلك الأفئدة لولا نور الإيمان، وما أتعس البشرية لولا الأمل في ربهم سبحانه.

يتبع بعون الله

__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 21-04-2011, 10:19 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة التاسعة بعنوان:


الصدمة


فرح الجميع بخبر نجاح عملية الأب والزوج الحنون، ودبت الحيوية من جديد في شرايين الأسرة، بعد أن احتقنت فيها دماء الحزن. وعاد الجميع إلى حياته الطبيعية نسبيا، بعد أن اطمأنت القلوب وهدأت الجوارح.

وفي صباح اليوم التالي، ذهبت مريم كعادتها إلى المدرسة بجد، مسرعة الخطى، تغض من بصرها وتقصد في مشيها.

وحين وصولها، وجدت صديقتها ريم على باب المدرسة، تجلس في ركن ووجهها ينطق حزنا، فذهبت إليها مسرعة وألقت التحية:

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهيا صديقتي ريم الجميلة.

ردت عليها ريم باقتضاب: وعليكم السلام يا مريم.

أثار ردها قلقها لأن من عادتها المرح، فبادرتها مستفهمة: كيف حالك يا ريم؟ إن شاء الله بخير.

ريم بوجه شاحب وعينين ذابلتين: الحمد لله على كل حال.

مريم بتمعن: ما بك يا ريم؟ هل هناك شيء يزعجك؟

تنهدت ريم تنهيدة عميقة وقالت: ماذا أقول لك يا مريم، كدت أضيع البارحة لولا لطف الله.

مريم بقلق وتوجس: خيرا؟ أقلقتني، ماذا جرى؟

فقالت ريم بصوت مرتعش، وأسنان تقضم الأظافر:

- أرسلتني أمي أمس لشراء بعض المواد الغذائية... لكن ما أن شارفت على الوصول إلى دكان العم سليم البقال، حتى فاجأني شاب كالثور الهائج، اقترب مني بسرعة وبدأ يتحرش بي.

حاولت أن أصرخ لكنه نهرني وهددني ثم امسك بذراعي وطلب مني الذهاب معه، فرفضت لكنه جرني بقوة، فصرخت وناديت العم سليم لعله يسمعني لكن دون جدوى. فتملكني الفزع من هول ما يمكن أن أتعرض له، فازدادت مقاومتي له...

ومن حسن الحظ، أن أخاك يوسف وبعض رفاقه مروا حينها من الزقاق. فلما سمعوا صراخي هجموا على الشاب فأشهر في وجوههم سكينا، وبدأ يلوح به بيد ويمسك ذراعي بالأخرى، وأنا أصرخ من الألم، ألم القبضة وألم الخوف الذي يعتري قلبي.

فأمسك شاب منهم يده ببراعة وتمكن من انتزاع السكين من يده بعد جهد جهيد. ثم رافقني أخوك وأحد أصدقائه إلى البيت وانصرفوا بعد أن اطمأنوا أني في أمان.

فيم بقي الآخرون مع الشاب ولا أعلم بماذا انتهى الأمر.

وجمت مريم لهول ما سمعت وارتعدت فرائصها، وكأنها هي التي عاشت الموقف، ثم قالت بنبرة حزينة يشوبها غضب عارم:

- لا حول ولا قوة إلا بالله، والله يا ريم لا أجد كلمات أصف بها مدى حزني وخوفي من هذه الظاهرة. فقد أصبحت تهددنا جميعا... شباب ضائع وجائع وبنات عرضة للخطر.

قاطعتها ريم بصوت خنقته العبرات:

- وما الحل؟ ألا تقولون أن الإسلام هو الحل؟

ثم جلست القرفصاء ووضعت يدها على خدها كالتائه في فلاة.

فأمسكت مريم يدها برفق وقالت:

- سامحيني أختي الغالية ريم على هذه الكلمات، لكننا تعودنا أنا وأنت على الصراحة... ألا أقول لك دائما إن الزي الشرعي الذي أمرنا الله به، إنما هو لحفظنا من الأعين الخائنة والنفوس المريضة؟ وأنت يا أختي لباسك ليست له ملامح يكشف أكثر مما يستر.

فماذا تتوقعين من شباب يتصفحون ليل نهار المواقع الساقطة والقنوات الهابطة وأفلام الرذيلة التي أعلنت حربها على العفة والحياء والفضيلة ؟؟؟ أمثال هؤلاء يا أختي وقعوا فريسة للشيطان ولم تعد لديهم غيرة لا على عرض ولا على أرض.

خفضت ريم رأسها في شرود وقالت:

- هذا ليس مبررا، ألا يغتصبون الأطفال؟ أي عري في الأطفال؟ هذا هراء. أنا الآن يلزمني حل سريع وفعال يا مريم، لا مجال للتأنيب الآن. ماذا أفعل لأتجنب الرعب الذي عشته البارحة، أجيبيني ؟ وانفجرت باكية. والتلاميذ - الواقفون غير بعيد - يلتفتون إليها ويتساءلون عما يحدث.

نظرت إليها مريم وقد امتلأت عيناها بالدموع وقالت:

- لست وحدك من تعرضت لهذا، ولكن هناك فعلا حلول تحول بينك وبينه.

فنظرت إليها ريم في استغراب ثم قامت فحضنتها وقالت:

- والله لم أقصد أن أسبب لك أي ألم. وتعلمين أنك أفضل صديقة لي وأقربهن إلى قلبي، لكني فعلا ما زلت تحت وقع صدمة حادث البارحة، وقلبي يرتجف وجوارحي ترتعش ويغشى الخوف كياني من مصيري بعد اليوم. لم أكن أنوي المجيء اليوم إلى المدرسة مخافة أن يعترض سبيلي ذلك الوحش ثانية انتقاما مني. أو أن أتعرض لموقف آخر، وهذا ما لا أطيق فأعصابي لم تعد تحتمل.

كفكفت مريم دموعها قائلة:

- سأبوح لك بسر لا يعلمه إلا الله ثم أبي وأمي، لأنه علمني الكثير وأرشدتني أمي إلى الحلول الناجعة لمثل هذه المشاكل بفضل الله تعالى.

لهذا ترين أني دائما مطمئنة في الطريق وفي المدرسة، وهذا فضل من الله ونعمة.

فأجابتها ريم بشوق ولهفة: وما هو يا مريم؟

أسندت مريم يدها إلى الجدار القريب منها وشردت بعينيها بعيدا، وكأنها تستدعي حادثا قديما من ذاكرة الزمن. وقالت وقد حضرت الذكرى فجلبت معها ألمها ومرارتها:

- حين كنت طفلة في السابعة من عمري، أرسلتني أمي يوما إلى بيت جارتنا، لأقدم طبق حلوى لزوجها في العيد، كونها كانت مسافرة وهو وحيد بالبيت.

طرقت الباب، فلما خرج، طلب مني الدخول مرحبا بي وقال أني أذكره بابنته.

وكانت أمي قد نبهتني أن أعطيه الطبق عند الباب ثم أعود.

لكني خجلت من رفض طلبه، خصوصا وأنه قال لي أني مثل ابنته، وطلب مني أن أشاركه طبق الحلوى لأنه وحيد في العيد، فدخلت بعد تردد. وفجأة بدأ يخلع ملابسه، فقلت في نفسي ربما لأن الجو حار، لكني فوجئت به بعد لحظات يتقدم نحوي.... فذهلت لهول المنظر وصرخت بأعلى صوتي وجريت مسرعة نحو الباب لكنه تبعني، صرخت بكل ما أوتيت من قوة.

ومن لطف الله، أن العمارة التي نقطنها جدرانها ناقلة للصوت، وبما أن شقته مجاورة لشقتنا، سمعتني أمي، خصوصا أني تأخرت قليلا. فجاءت مهرولة، تطرق الباب بقوة وقد خرج الجيران من بيوتهم، حينها فقط اضطر لفتح الباب، فخرجت واحتميت بأمي.

بينما هو لم ينطق بكلمة، وقد بدا عليه الارتباك والخزي. وما كان من أمي إلا أن قالت له:

- اتق الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى الأطفال لم يسلموا من مرضى النفوس، وانصرفنا إلى البيت.

ثم خفضت مريم رأسها، وأجهشت بالبكاء كالطفل التائه عن أمه واسترسلت:

- كانت تجربة مريرة على طفلة صغيرة مثلي حينها ولولا الله الذي لطف بلطفه، لا أعلم ماذا كان سيكون مصيري.

وبعد هذا الحادث الأليم، علمتني أمي كيف أتجنب مثل هذه المواقف، وكذا أبي الذي قام بالكثير بعد هذا الحادث. فقد اعتبره صفارة إنذار له لتقصيره في توعية الجيران وأهل الحي، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.

أردفت ريم مستفسرة:

- وما هي إرشادات أمك لك؟ وماذا فعل أبوك؟

يتبع بعون الله.
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 24-04-2011, 07:39 PM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة العاشرة بعنوان:
صمام الأمان
رن الجرس معلنا بداية اليوم الدراسي، فقطع على مريم وريم حديثهما. انطلقت الفتاتان إلى صفهما ولم تكف ريم عن التأفف ساخطة، فما زال مزاجها سيئا منذ الحادثة الأخيرة.
وبينما هما في الصف تنتظران مجيء أستاذ التربية الإسلامية، اقترب منهما أحد الزملاء وهو ينفث دخان سيجارته، وقد بدا مزهوا بنفسه لحرصه على أن يلبس آخر صيحات الموضة حتى لو كان مصممها ألد أعداء أمته...
ثم قال وهو يهتز فخرا وعجبا: صباح الخير يا بنات.. ومد يده لريم فصافحته وابتسمت ابتسامة مجاملة. وقالت: أهلا يا زيزو، صباح النور. ثم اختلست النظر لمريم لترى ردة فعلها.
قالت مريم بصوت خافت: صباح الخير، وأخفت برفق يدها خلفها ليفهم زميلها أنها لا تصافح الرجال. فهم زيزو الأمر، فأحب أن يستفزها وأصر على مصافحتها.
لكنها قالت: آسفة أخي، لا أصافح الشباب...
فتسمر في مكانه من أثر الحرج، خصوصا وأن الجميع التفت ينتظر ما سيحدث، لعلمهم بطبيعة مريم التي تفرض احترامها بأخلاقها وسلوكياتها الطاهرة.
لكنه سرعان ما سخر قائلا: أخي؟ ها ها ها، لست أخاك يا جارية.. ويحك يا بنت العرب.. آآآ أقصد يا أختي، والتفت إلى زملائه وضحك حتى بدت نواجذه.
ثم أكمل وكأنه يقدم عرضا فكاهيا: لكن ما دمت لا تصافحين الشباب، إذن لا حرج من مصافحة الشيوخ، ها ها ها يا أختي ...
وضغط على الكلمة الأخيرة ثم انفجر ضاحكا.
فتوالت ضحكات الجميع وقهقهتهم، وكأنها سيمفونية مزعجة.
رفعت مريم رأسها في حزم ممتزج بلين وقالت: لست من أخذ قرار أخوتك، إنما الله من آخى بين المؤمنين بقوله تعالى في سورة الحجرات:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) }
ثم أردفت قائلة:
- أما بالنسبة للمصافحة، فتحية السلام عليكم تكفي ولا أرى أي داع للمصافحة...
-
طرقت الآيات أسماع حمزة "زيزو" وكأنه يسمعها لأول مرة، فكانت ردا قويا من مريم أفحمه، فما كان منه إلا أن انسحب في صمت.
بينما عاد اللغط يعم المكان، والكل يدلي بدلوه حول ما حدث، وبعد لحظات وصل الأستاذ، فأخذ كل واحد مكانه ليبدأ الدرس.
انتبه الجميع لما يقول الأستاذ محمد عن الإرث وأنواعه، وعن عدل الإسلام في تقسيم التركة، وإعطاء كل ذي حق حقه...
كانت طريقته في الشرح سلسة وبسيطة مما يجعل الطلبة يتابعون باهتمام، خصوصا مع وقفات المزاح الخفيفة والتعامل الأبوي المفعم بالحنان والمحبة الصادقة والنصح اللين الذكي، حتى زيزو وميزو اللذان يجلسان دائما في أقصى الصف منعزلين عن جو الحصة للتهكم ومضايقة زملائهم، يحترمان هذا الأستاذ، وينتبهان للدرس، فسبحان من القلوب بين أصبعيه...
فتح الأستاذ محمد باب الأسئلة كعادته في نهاية الحصة ليستوعب الطلبة الدرس جيدا، فسألته إحدى الطالبات عن قوله تعالى في الإرث:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }
[سورة النساء الآية: 11]
فأجابها مبتسما: لا تخافي يا ابنتي، فالله عز وجل عدل سبحانه، وحفظ حقوق المرأة وهو الأعلم بها - ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير-
المرأة يا ابنتي في شرعنا الحنيف ليس عليها الإنفاق، بل هي معززة ومكرمة في بيتها، والرجل هو من يجب عليه الإنفاق عليها. سواء كان زوجا أو أبا أو أخا، وليس عليها أن تنفق من مالها شيء إلا إذا أرادت ذلك على عكس الرجل الذي يجب عليه الإنفاق، لهذا كان هذا التقسيم منه سبحانه والله أعلم...
مرت الحصة بسرعة كعادتها، فالأشياء الجميلة تمر بسرعة، ورن الجرس فخرج الطلبة وعم الضجيج الأرجاء، لكن ريم لازال يشغلها حادث البارحة، وتركيزها كله فيه.
وبشكل عفوي بحثت عن مريم في الساحة حتى وجدتها تحدث أخاها يوسف، فاقتربت منهما ثم نادتها بصوت خافت فاستدارت مريم واستأذنت من أخيها ثم استأنفا الحديث في موضوع البارحة الذي زلزل كيان ريم، مما جعلها متلهفة فوق العادة لمعرفة الحلول الناجعة والحاسمة في هذا الأمر.
فقالت بتلهف جلي: ألن تخبريني يا مريم عن الحلول؟ أود أن أرتاح من هذا الكابوس المزعج.
ابتسمت مريم وقالت: طبعا يا ريم سأخبرك ..
ريم في جدية: تفضلي، كلي آذان صاغية..
مريم: لكي نصل لحل مشكلة ما نحتاج لبذل أسباب روحية وأسباب مادية ثم نتوكل على الله عز وجل أليس كذلك؟
ريم: ممم كيف؟
مريم: أي أننا نحن فقط أسباب بين يدي الله، لا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا، والمطلوب منا كبشر عند أي مشكلة تواجهنا أن نلجأ إلى الله أولا وأخيرا لأن الأمر بيده وحده، وكذلك مطالبون بأن نبذل الأسباب البشرية مع الاعتماد الكلي على الله عز وجل.
ريم محاولة الاستيعاب: مثلا؟؟
مريم: مثلا في مشكلتنا هذه وهي مشكلة تهدد عفة المسلمين وأمن المجتمع عامة.
الرجال فطرهم الله على الميل للنساء والعكس صحيح. لهذا وضع لنا ضوابط لنحافظ على أنفسنا من جهة ونحافظ على الاستقرار النفسي للرجال من جهة ثانية، فحين نسير في الشارع ملتزمات بما أمرنا الله، سنحمي أنفسنا من مرضى القلوب وأيضا نقي أي رجل شر الفتنة، وبالتالي يأمن الناس ويعم الطهر والنقاء، أليس كذلك؟
ريم بملل: نعم وماذا بعد؟
مريم: هذا أهم سبب بشري يمكننا بذله، ولكي نقي أنفسنا شر النفوس المريضة علينا باللجوء إلى الله بالدعاء دائما وبالتحصن بأذكار الصباح والمساء وذكر الخروج من البيت من جهة والالتزام في الشارع بضوابط الشرع، فاللباس جزء من منظومة متكاملة: الغض من البصر، لأن النظرة سهم من سهام إبليس، والقصد في المشي، واجتناب الضحك في الشارع مع البنات بصوت عال، وعدم الخضوع بالقول، والتعامل مع الرجال بما يرضي الله وفي حدود الضرورة، وعدم الخروج ليلا ..
أتظنين بعد كل هذا ستعانين من أي مشكل من هذا النوع؟ مستحيل طبعا.
ريم: هذا كثير يا مريم، كأنك تطلبين مني أن أدفن نفسي حية، هذا لا يرضي أحدا.
ثم استطردت مازحة: هكذا لن أتزوج يا مريم ولو بعد قرن، وساعتها ذنبي في رقبتك.
ابتسمت مريم ضاحكة وقالت: هنا الخلل يا صديقتي، الزواج رزق بيد الله، فهل نطلبه بغير ما يرضيه؟
فكري مليا في كلامي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وبطن.
أجابت ريم وقد تنبهت لشيء مهم جدا: مريم أواثقة أن سنك خمسة عشر عاما؟
مريم في تساؤل: نعم ولم؟
ريم: لأن هذا الكلام أكبر من سنك يا صديقتي العزيزة...
خفضت مريم رأسها وقالت: هذا بفضل الله الذي أنعم علي بوالدين نشأنا بينهما على تبسيط الأمور وإرجاعها لشرع الله على علم. وأن من كان مع الله فحياته طيبة وهنيئة بإذنه تعالى.
ريم والحزن قد أطل من محياها: طوبى لكم والله، لستم مثلي أعيش في بيئة مختلفة..
مريم: نحن من نغير بيئتنا يا ريم وليس العكس،
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[سورة الرعد الآية: 11]
ريم: هذا كلام كتب يا مريم، ليس السامع كالمجرب..
مريم: هذا ما جعلنا أوهن أمة، دائما نتحجج بالظروف وأنها أقوى منا وأن الإنسان ابن بيئته...
ريم وقد تذكرت: دعينا من كل هذا الآن نكمل فيما بعد، نسينا حصة اللغة العربية، لقد تأخرنا هيا...
وبينما هما في الساحة مسرعتان، إذ "ميزو" في الشرفة يتأمل مريم وكأنه يراها لأول مرة...
يتبع بإذن الله
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 25-04-2011, 12:31 AM
الصورة الرمزية أمة_الله
أمة_الله أمة_الله غير متصل
هُـــدُوءُ رُوح ~
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: ღ تحت رحمة ربي ღ
الجنس :
المشاركات: 6,445
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بل نحن السعداء أن تتناثر خيوط هذا النور في صفحات الشفاء
جزى الله خيرا كاتبتها كل خير وبارك لها في علمها وعقلها ونفع بها
متابعة لك وبصمت !!!
وحبذا بعد نهاية الرواية أن نقطف ثمارها الطيبة فهي غنية بالفوائد ما شاء الله
في انتظار البقية بشوق ... وفقكم ربي أختي الكريمة ونفع بكم
في أمان الله
__________________

()

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأعراف: 156]


اللَّهُمَّ مَغْفِرَتِكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتَكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي



رد مع اقتباس
  #16  
قديم 25-04-2011, 02:42 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وأخيرا ظهر أحد المتابعين ^_^

بارك الله فيك ورضي عنك أختي أمة الله

اللهم آمين يا رب العالمين وإياك

أتمنى أن أسمع نقدك وتوجيهك أختي الكريمة

بورك فيك
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 01-05-2011, 05:00 PM
الصورة الرمزية وردة البيلسان
وردة البيلسان وردة البيلسان غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
مكان الإقامة: غزة هاشم
الجنس :
المشاركات: 1,513
الدولة : Palestine
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

بارك الله فيك
__________________
إرفع رأسك تعرف فيها الحقيقة
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 12-05-2011, 01:25 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

وفيك بارك الرحمن أختي، أكرمك الله ورضي عنك
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12-05-2011, 01:26 AM
الصورة الرمزية oummati2025
oummati2025 oummati2025 غير متصل
مشروع حراس الفضيلة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: morocco
الجنس :
المشاركات: 877
الدولة : Morocco
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

الحلقة الحادية عشرة بعنوان:


وانتفض الوجع

تسارعت الأحداث متلاحقة على أسرة أحمد وجيرانه...

فقد عثرت الشرطة أخيرا على سعيد في كوخ قصي، كان يعيش فيه قبل الزواج بسوسن بعد أن بحثوا عنه لمدة أسبوع كامل.

وألقي القبض عليه وهو في حالة سكر شديد.

ثم تمت محاكمته بعد أيام من اعتقاله بخمس سنوات نافذة، فوقع الخبر عليه كالصاعقة وانقبض قلبه قبل جسده، وهو المنطلق المتحرر الذي يفعل أي شيء يريد في أي وقت...

دخل إلى الزنزانة يسب ويلعن ويغمغم بكلمات يائسة...

ثم التفت حوله متفحصا المكان بعينيه فكشفت له عن وجوه النزلاء في هذا الفندق الفريد...

لعله خير.. هكذا قال له رفيقه في الزنزانة...

الزنزانة... العالم الجديد لسعيد، قبو مظلم شحت عليه نوافذه الضيقة بنور الشمس. فأعلنت هذه الأخيرة تحديها بإرسال بعض أشعتها، وكأنها تخبر الجميع أن الأمل في الله دائم مهما اشتدت رياح البلاء، وأن المنحة هي الوجه الثاني للمحنة...

بدأت حياة السجن والروتين القاتل، في مكان تكاد رائحته تطبق على الأنفاس...

عالم آخر، ووجوه أخرى لم يعهد سعيد مثلها من قبل.

ألفاظ بذيئة ولهجة أكثر قذارة من قاموسه، والشتائم سيمفونية صباحية يعزفها الحراس على مسامع المساجين، والذلة مطبقة على المكان تأبى أن ترحل.

أما القلوب فلو عصرتها لجادت بسواد نادر، درجة جديدة من السواد القاتم...

وفي الجانب الآخر حيث الحرية ترفرف بجناحيها...

عادت سوسن إلى بيتها بعد أيام من ملازمتها السرير في المستشفى، محملة بذكريات الماضي الأليمة وجراح القلب لم تلتئم بعد.

وكان عزاؤها الوحيد ابنتها وفاء التي عادت البسمة إلى شفاهها بعد عودة أمها...

فبدأت من فورها في إتمام إجراءات رفع قضية طلاق على سعيد...

بينما كان جيرانها يستعدون لاستقبال أحمد بعدما بدأ يعود للحياة الطبيعية شيئا فشيئا وأذن له الطبيب بمغادرة المستشفى...

كان صباح يوم جمعة حين وصل أحمد لبيته رفقة أسرته الصغيرة وعائلته.

وكان الكل فرحا بخروجه سالما من ذلك الحادث المؤلم إلا واحدا كان قلبه يشتاط غيظا...

كان يتمنى من كل قلبه أن يموت أخوه، مع أنه كان يظهر عكس ما يبطن...كالتقية التي تحل الكذب الذي حرمه الله لأجل أباطيل وأوهام، ما أنزل الله بها من سلطان.

إنه أدهم الشقيق الأصغر لأحمد.

نشأ أدهم في صراع داخلي متذبذب، تطغى عليه مفسدات القلب، فتحيله إلى عتمة تعشش العنكبوت في أركانها.

فمذ كانوا صغارا، وهو يعتبر أحمد خصمه وعدوه لأنه كان المفضل في البيت.

ومنذ نعومة أظفاره وهو يرى الجميع يشهد لأخيه بالذكاء والجدية والاتزان.

أما هو فغالبا ما كان يوصف بالغباء والتهور في كل تصرفاته. ويحرم من حنان الأبوين، وكذا الدعوات الطيبة والرضا الذي تتفتق ينابيعه...فيغدق بلا حساب على باقي الأبناء، إما لجمالهم أو مالهم أو نجاحهم في حياتهم العملية...

بينما هو لا يناله من كل ذلك سوى رذاذ بارد في أوقات قليلة...

والسبب أنه كان بدين الجسم، لا يشبه إخوته جمالا ولا هيئة. تخرج أدهم من الجامعة بمعدل متوسط، فلم يجد عملا.

مما زاد الطين بلة، فأغرقه في وحل المشاعر الحانقة ونار الانتقام الحارقة.

فكان يزداد حقدا وغلا لأحمد ولكل من حوله مع كل إهانة في البيت أو الشارع.

أما أحمد فقد كان رفيقا به حريصا على صحبته، غير راض عن هذا التفريق والتمييز في المعاملة بينه وبين أخيه.

لكن هيهات هيهات فإن تربية والديهما الخاطئة وعدم مراعاتهما العدل بين أولادهما، وإغداق الحنان أكثر على الضعيف منهم بدل إهانته وتحقيره.

قد أشعلت نار الغيرة والحسد والضغينة، ودمرت نفسية أدهم الذي لا ذنب له، بل كان ابتلاء ابتلاهم الله به...

كان أدهم طفلا ساذجا بشوشا، وكان يصغر أحمد بثلاث سنوات، وكان يعاني الأمرين منذ طفولته... فهو آخر إخوته الستة.

وحين بشرت أمه بحمله، اكفهر وجهها حزنا، وعادت إلى بيتها وكأنها ارتكبت جرما في حق البشرية.

ولما أخبرت أباه بالخبر، انفجر في وجهها غاضبا، وقال مهددا ومتوعدا:

- هذا الجنين لابد أن يجهض، وإلا كان هذا آخر يوم لك في بيتي.

فلما سألته: - لم؟

قال في غضب:

- ألا ترين أن البيت يعج بالأفواه الجائعة وراتبي محدود ؟ من أين سأنفق عليكم؟ لا ينقصني سوى هذا الوافد الجديد. خذي هذا المبلغ من المال واذهبي غدا إلى المستشفى لإجهاضه، ولا تأتي إلا وقد انتهى كل شيء، ثم أشاح بوجهه عنها وانصرف...

وفي صباح اليوم التالي، ذهبت أم أحمد إلى المستشفى حائرة بين طاعة زوجها وطاعة ربها.

وأسرت بالأمر لممرضة هناك، فقالت لها:

- اتقي الله يا امرأة، هل تطيعين زوجك وتغضبين ربك؟

فقالت الأم بصوت وجل:

- إذا لم أطعه سيطردني، فهو صعب الطباع، وإذا قال شيئا فإنه ينفذه دون نقاش.

- فأجابتها الممرضة: إذن الجئي إلى ربه وربك وقفي له بالمرصاد. ويقينا لن يخذلك الله.

وبعد حديث طويل مع الممرضة، اقتنعت أم أحمد بكلامها واطمأن قلبها لرأيها.

عادت الزوجة إلى البيت مسرعة الخطى، قبل أن يعود زوجها من العمل والأولاد من مدارسهم.

توضأت فأسبغت الوضوء، ودخلت غرفتها فصلت ركعتين، وجلست تثني على الله وتذكره بأسمائه الحسنى، وتصلي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبدأت مناجاة ربها بكل ما يجول في خاطرها، وهو الأعلم بها من نفسها، وانهمرت دموعها الحارة، وقد طفت كل أوجاعها التي تسكن بين جنبيها، فأجهشت بالبكاء وتذللت لله وانكسرت بين يديه، وأحسنت اللجوء والخضوع بين يديه والتوكل عليه وهي تدعوه وتلح عليه أن يهدي زوجها ويحفظ عليها جنينها.

وكلما ذرفت الدموع، اشتد دعاؤها ورافقه يقين وليد، أن الله هو الوحيد الذي بيده نجاتها مما فات ومما هو آت. وأحست لأول مرة في حياتها بقرب، تعجز اللغة عن نسج كلمات وصفه. وبدأت الأوجاع تسكن رويدا رويدا، والألم يرحل فيترك مجالا للأمل والطمأنينة...

خرجت أم أحمد من غرفتها، وقد نفذت وصفة الممرضة بحذافيرها، فكانت النتائج الأولية مبشرة بكل خير، وهدأ روعها فذهبت لإعداد وجبة الغداء.

ولما جاء زوجها، سألها عما فعلته بالجنين، فأخبرته برفق أنها لن تقتل نفسا، وأخذت تذكره بأن الله هو الرزاق وهو من أمر عباده ألا يقتلوا أولادهم خشية أن يطعموا معهم.

واجتهدت في إقناعه بكل ما أوتيت من قوة علم بمفاتيح شخصيته، وبعد عدة دقائق تهللت أساريرها، وقد وافق على مضض...

ولد أدهم وكان طفلا جميلا ينشرح له القلب، لكن به عيبا لم يتنبه له الوالدان إلا بعد خمسة أعوام.

مرت الأيام وكبر أدهم، فكبرت معه الإهانات في البيت والشارع، بين أطفال يلقبونه بالأعرج، وكبار تزدريه أعينهم.

أما إخوته، فكانوا عند الشجار الذي يفرز عن مكنونات النفوس، يصفونه بأقبح الألفاظ، التي تعلموها من الكبار، ويركضون بعيدا حتى لا يضطروا للعب معه.

أما جارات أمه، فكان يرى نظرة الشفقة في أعينهن: وسئم من سماع قولهن: المسكين قليل الحظ، اصبري واحتسبي.

كل هذه التصرفات، كانت شظايا تشعل فتيلها في قلبه الصغير.

فينزوي في الحمام ليبكي بعيدا عن الأعين، حتى يفرغ ما في قلبه من جمرات لاهبة من الإحساس المرير بالاحتقار، ويدعو الله أن يعوضه خيرا في يوم من الأيام.

وزادت وتيرة الإهانات حين زاد وزنه، فبات يسمع ألقابا إضافية يهتز لها وجدانه...

والغريب في الأمر، أنه كان يحولها إلى شراهة في الأكل، نتيجة الحرمان من الحنان والجوع العاطفي الذي يعاني منه.

وكان كلما أنهى طعامه، أحس بألم نفسي فظيع لكنه ما يفتأ أن يعاود الكرة.

فلما جاوز العشرين من عمره، أصبح يحس بحجم الكارثة التي يسير إليها فقد صار وزنه كبيرا جدا، لكنه اعتاد على نظام حياة وعادات أقنع نفسه أنه لن يستطيع تغييرها.

فتواكل عن تغيير نفسه ووهنت رجله المريضة نتيجة الوزن الكبير، فصار كالمعاق جسديا والمعقد نفسيا.

كل هذا وأحمد لا يتوانى عن نصحه بكل الطرق، ويحاول أن ينقذه من الهاوية التي يسير إليها، لكنه يزداد عنادا وشراسة على نفسه، وكأنه ينتحر ببطء...

اشتعل قلبه غيرة على هذا الاهتمام بأحمد والسعادة التي تنطق بها أعين الجميع حبا لأخيه...

انفض الجمع بعد ساعات من التواصل الجميل والسرور الذي يريح القلب العليل، وعاد الهدوء إلى بيت أحمد وانهمك كل في اهتماماته وأشغاله...

مرت أيام استعادت فيها الأسرة عافيتها النفسية وأزاحت عنها غبار الدنيا الذي بدأ يترسب على القلوب وعادت إلى حضن أحمد الدافئ، الذي استعاد عافيته بعد ابتلاء

جعله أًصلب عودا. فاستعاد رباطة جأشه وزاد صبره ويقينه بالله عز وجل.

وذات صباح بينما كانت الأسرة تتناول وجبة الإفطار، رن جرس الهاتف فرد أحمد على الهاتف وإذا بأبيه يخبره بارتباك أن أخاه أدهم قد وجد في غرفته وقد قطع شرايين يده فتم نقله إلى المستشفى بسرعة...

يتبع بإذن الله
__________________
أحيانا نحتاج وقفة من اللهاث المتسارع، لنعيد التصالح مع أنفسنا وإعادة حساباتنا في الحياة الدنيا، وتصحيح المسار والقناعات والمفاهيم لتناسب حقيقة الحياة ومآلها وما ينتظرنا من سعادة أو شقاء والعياذ بالله

أختكم: نزهة الفلاح
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23-06-2011, 11:31 PM
one 2 one 2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
مكان الإقامة: any where
الجنس :
المشاركات: 6
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خيوط النور.... رواية

شكرااا لك :d
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 194.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 188.81 كيلو بايت... تم توفير 6.05 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]